مفاهيم القرآن ـ جلد الراربع ::: 391 ـ 398
(391)
    أخرج الكليني عن أحمد بن محمد (1) ومحمد بن يحيى (2) عن محمد بن الحسين (3) ، عن علي بن حسان (4) عن ابن فضال (5) عن علي بن يعقوب الهاشمي (6) ، عن مروان بن مسلم (7) عن بريد (8) عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليمها السَّلام في قوله عزّ وجل : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث ) قلت : جعلت فداك : ليست هذه قراءتنا ، فما الرسول والنبي والمحدّث؟ قال : « الرسول الذي يظهر له الملك فيكلّمه ، والنبي هو الذي يرى في منامه وربما اجتمعت النبوة والرسالة لواحد ، والمحدّث الذي يسمع الصوت ولا يرى الصورة » قلت : أصلحك اللّه كيف يعلم إنّ الذي رأى في النوم حق وانّه الملك؟ قال : « يوفقلذلك حتى يعرفه ، لقد ختم اللّه بكتابكم الكتب وختم بنبيكم الاَنبياء ». (9)
    الرابع : ما يظهر منه انّ للنبي شأنين ( الاِيحاء إليه في المنام وسماع صوت
    1 ـ ولعلّه العاصمي كما احتمله المجلسي في مرآته ، وليس المراد أحمد بن محمد بن عيسى الاَشعري ، لاَنّ الكليني لا يروي عنه إلاّ بواسطة.
    2 ـ العطار القمي.
    3 ـ محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، وهو ثقة جليل.
    4 ـ علي بن حسان الواسطي ، لا الهاشمي ، لاَنّه لا يروي إلاّ عن العمش وهو ثقة جليل.
    5 ـ أي الحسن بن الفضال ، لا ابناه : علي بن الحسن ، وأحمد بن الحسن ، وهو إمامي ثقة ، وكان فطحياً ولكنه استبصر.
    6 ـ لم يعنون في كتب الرجال ، والظاهر من متن الحديث انّه كان إمامياً ، ولو كان مطعوناً ، لذكر في كتب الرجال.
    7 ـ ثقة جليل.
    8 ـ العجلي ثقة جليل عديل زرارة ومحمد بن مسلم ، فالخبر وإن لم يكن صحيحاً اصطلاحاً إلاّ أنّه حجة ومعتبر.
    9 ـ الكافي : 1/ 85 ، باب الفرق بين الرسول والنبي والمحدّث.


(392)
الملك بلا معاينة ، وللرسول شوَون ثلاثة وهي هذان الاَمران مضافاً إلى معاينة الملك ) :
    1. أخرج الكليني عن عدة (1) من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد (2) عن أحمد بن محمد بن أبي نصر (3) عن ثعلبة بن ميمون (4) عن زرارة ، (5) قال : سألت أبا جعفر عن قول اللّه عز وجل : ( وكان رسولاً نبياً ) ما الرسول وما النبي؟ قال : « النبي الذي يرى في منامه ويسمع الصوت ولا يعاين الملك ، والرسول الذي يسمع الصوت ويرى في المنام ويعاين الملك » ، قلت : الاِمام ما منزلته؟ قال : « يسمع الصوت ولا يرى ولا يعاين » ، ثم تلا هذه الآية : ( وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍوَلا نَبِىٍّ ) (6) ( ولا محدث ).
    2. أخرج الكليني عن محمد بن يحيى ، (7) عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن الاَحول ، (8) قال : سألت أبا جعفر ( عليه السلام ) عن الرسول والنبي والمحدّث؟ قال : « الرسول هو الذي يأتيه جبرئيل قبلا ، فيراه ويكلّمه
    1 ـ العدة التي يروي الكليني بواسطتهم عن أحمد بن محمد بن عيسى الاَشعري عبارة عن : محمد بن يحيى العطار ، داود بن كورة ، أحمد بن إدريس ، علي بن إبراهيم ، وعلي بن موسى الكمنداني ، صرّح بذلك النجاشي في ترجمة أحمد بن محمد بن عيسى الاَشعري ، والعلاّمة الحلي في خاتمة خلاصته ، نعم عدّ صاحب الوسائل « محمد بن موسى » مكان « علي بن موسى الكمنداني » وهو من هفوات قلمه الشريف قدس اللّه سره.
    2 ـ أحمد بن محمد بن عيسى الاَشعري ، من أجلاّء أصحابنا القميين ، ثقة ، فقيه.
    3 ـ البزنطي من أصحاب الرضا والجواد عليمها السَّلام ، ثقة جليل.
    4 ـ أحد فقهاء الطائفة الاَجلاّء.
    5 ـ أمره في الفقاهة والجلالة غني عن البيان ، فالرواية صحيحة ، رجالها كلّهم ثقات.
    6 ـ الحج : 52.
    7 ـ محمد بن يحيى العطار ، ثقة جليل.
    8 ـ موَمن الطاق ، محمد بن علي بن النعمان ، ثقة جليل ، فالحديث صحيح ، رجاله كلهم ثقات.


(393)
فهذاالرسول ». (1)
    وأمّا النبي فهو الذي يرى في منامه نحو روَيا إبراهيم ( عليه السلام ) ونحو ما كان رأى رسول اللّه من أسباب النبوة قبل الوحي حتى أتاه جبرئيل من عند اللّه بالرسالة ، وكان محمد ( صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم ) حين جمع له النبوة وجاءته الرسالة من عند اللّه يجيئه جبرئيل ويكلّمه بها قبلاً ومن الاَنبياء من جمع له النبوة ويرى في منامه ويأتيه الروح ويكلّمه ويحدّثه ، من غير أن يكون يرى في اليقظة وأمّا المحدث فهو الذي يحدث ، فيسمع ولا يعاين ولا يرى في منامه. (2)
    أقول : أثبت الحديث في صدره للنبي أمراً واحداً وهو انّه يرى في منامه ، لكنه استدركه في ذيله وأثبت له أمرين ، وهو انّه يرى في منامه ويسمع صوت الملك ولا يراه في اليقظة ، ولعل تعريف النبي بالروَية في المنام ، للاِيعاز إلى أقل ما تتحقق به النبوة ، مثل ما كان رسول اللّه ( صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم ) يرى من أسباب النبوة قبل الوحي.
    أضف إليه انّ ما أثبته ذاك الحديث للاِمام من سماع صوت الملك بلا معاينة ولا روَية في المنام ، أثبته الحديث السابق للاِمام.
    ثم إنّ رفع الاختلاف بين القسمين ( الثالث والرابع ) سهل ، فإنّ القسم الثالث وان أثبت للنبي شأناً واحداً وأثبت ذاك شأنين إلاّ إنّ الرابع يقدّم على الثالث ، لاَنّه تعرض لاَمر لم يتعرّض له الآخر ، والمثبت مقدم على الساكت ولا
    1 ـ لما كانت الوظيفة المحولة على الرسول أشد وأشق من النبي غير الرسول ، وبما انّه في إبلاغ رسالاته مضطر إلى ملابسة الناس وأحوالهم من جميع المشارب والاَذواق والعقليات المختلفة ، وهو معرض لصنوف ثقيلة من الاَذى والسخرية والجدال والمشاحنة ، اقتضى ذلك ، اختصاص الرسول بالمعاينة ، إذ هو عند ذاك في حاجة إلى تقوية روحه وتثبيت جناحه وتشجيعه على التحمل والصبر ومعاينة الملك ، وربما تزود العاين بكل هذه الاَسلحة الروحية لمواجهة هذه المواقف الصعبة ، ولاَجله قال ( عليه السلام ) : الرسول الذي يأتيه جبرئيل قبلاً فيراه ويكلمه.
    2 ـ الكافي : 1/176 ، باب الفرق بين النبي والرسول والمحدّث.


(394)
يعدان متعارضين ، أضف إلى ذلك إنّ كثيراً منها ليست في مقام التحديد ، بل في مقام انّ النبوة تتحقق بالروَية في المنام ، أو بروَية الملك في اليقظة بلا تكلم معه ، فما يثبت للنبي شأنين ، لا صراحة فيه ، في اجتماعهما معاً ، كما يستفاد ذلك أيضاً ، من رواية « المعروفي » الآتية.
    الخامس : ما يظهر منه انّ النبي يعاين الملك ولا يسمع كلامه حين المعاينة بخلاف الرسول فإنّه يعاينه حين التكلم :
    أخرج الكليني عن علي بن إبراهيم (1) عن أبيه (2) عن إسماعيل بن مرار (3) ، قال كتب المعروفي إلى الرضا ( عليه السلام ) جعلت فداك : أخبرني ما الفرق بين الرسول والنبي والاِمام؟ قال : « إنّ الرسول الذي ينزل عليه جبرئيل فيراه ويسمع كلامه وينزل عليه ، وربّما رأى في منامه نحو روَيا إبراهيم ، والنبي ربّما سمع الكلاموربما رأى الشخص ولم يسمع ، والاِمام الذي يسمع الكلام ولا يرى الشخص ». (4)
    وظاهره انّ النبي يعاين الملك وان لم يسمع كلامه ، وهذا مخالف لما أوردناه في القسمين الماضيين ( الثالث والرابع ) خصوصاً الاَخير ، فإنّ صريحه انّ النبي لا يعاين الملك. اللّهم إلاّ أن يقال : إنّ المنفي عنه فيهما معاينته مع سماع كلامه ، والثابت له في هذا القسم هو المعاينة مع عدم سماع كلامه ، ولم يظهر من القسمين سلبهما عن النبي.
    1 ـ ثقة جليل.
    2 ـ إمامي ممدوح.
    3 ـ يروي عن يونس بن عبد الرحمان ، قال ابن الوليد : كل ما روي عن يونس صحيح ، غير ما انفرد به العبيدي ، وهذه الجملة من خرّيت الفن توثيق له على وجه العام ، فالحديث وان لم يكن صحيحاً لكنه معتبر.
    4 ـ الكافي : 1/176 ، باب الفرق بين النبي والرسول.


(395)
    إلى هنا تم ما أورده الكليني في هذا الباب ، واتضح عدم الفرق الجوهري بين الروايات التي نقلناها في القسم الثالث والرابع والخامس وان مآل الجميع واحد.
    السادس : ما يظهر منه انّ عدد المرسلين لا يعدو عن ثلاثمائة وثلاثة عشر والنبيين أكثر من المرسلين بكثير :
    روى الفريقان عن أبي ذر ، انّه سأل النبي ( صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم ) قال : قلت يا رسول اللّه كم النبيّون؟ قال : « مائة وأربعة وعشرون ألف نبي » ، قلت : كم المرسلون ؟ قال : « ثلاثمائة وثلاثة عشر جماً غفيراً ». (1)

القضاء بين هذه المأثورات
    هذه المأثورات عن أهل البيت بين صحاح وحسان ولا منتدح للباحث عن التعرض لها وتوضيح مضامينها ، فنقول :
    أمّا القسم الاَوّل والثاني فلا يخالف ما احتملناه من أنّ الرسول (2) والنبي متساويان في الصدق وإن لم يكونا مترادفين ، فإنّ القسم الاَوّل يسوق النبيين والمرسلين معاً إلى أربع طبقات من دون أن يفرّق بينهما قدر شعرة ، وأمّا على القول بكون النبي أعم ـ كما هو الحال في النبي الاَعظم في بدء الوحي ـ فلا بد من توجيه الرواية على وجه لا يخالفه ، كما قلنا ، من أنّ كلاً من اللفظين يشير إلى جهة خاصة هي مدلولهما الوضعي على ما أوضحناه.
    1 ـ بحار الاَنوار : 11/32 من الطبعة الحديثة.
    2 ـ المراد من الرسول : الرسول من جانب اللّه سبحانه ، لا مطلق الرسول ، وقد عرفت أنّ القرآن يتوسع في إطلاق الرسول إلاّ أنّ البحث في هذه الروايات إنّما هو عن الرسول الخاص الدائر في الاَلسن ، لا مطلق الرسول.


(396)
    وأمّا القسم الثاني فهو وان كان يخص النبوة بتجلّي الرب له ، إلاّ أنّ ذلك من باب إطلاق الكلي على الفرد الكامل ، كما في قوله سبحانه : ( ذلك الكتاب ).
    وأمّا القسم السادس فلم يثبت عندنا بسند صحيح يوَخذ به.
    بقي القسم الثالث والرابع والخامس : وقد أرجعناها إلى أمر واحد وهو « انّ النبي من يوحى إليه في المنام ، وربما يسمع بلا معاينة ، وربّما عاين بلا تكلم ، وأمّا الرسول فهو حائز لعامة المراتب ، يوحى إليه في المنام ويسمع الصوت بلا معانية ، وربّما يراه ويسمع صوته ، فالرسول هو النبي الذي استكملت نفسه حتى استعد لمشاهدة رسول ربه. (1)
    فيجب عند ذلك ملاحظة هذا القسم من الروايات :
    فنقول : إنّ تلك المأثورات الواردة في الاَقسام الثلاثة تهدف إلى أمر واحد ، وهو انّ النبي أعم من الرسول ، ولا يشترط فيه إلاّ أقل مراتب الاتصال باللّه ، بخلاف الرسول ، فهو النبي الذي وصل إلى مكانة مرموقة يقدر معها على معاينة الملك ووعي الوحي عنه. ويترتب على ذلك أُمور :
    1. النبي أعم من الرسول ، وهو أخص منه.
    2. الرسول أشرف من النبي.
    3. ختم النبوة يستدعي ختم الرسالة ، فانّ الاختلاف بين المنصبين حسب تنصيص الروايات من قبيل اختلاف درجات حقيقة واحدة ، فلا ينال بالدرجة الكاملة ، إلاّ إذا نيل بالناقصة منها ، كما هو الحال في الدرجات العلمية ، كشهادة الدكتوراه والليسانس.
    فلو أوصد باب الكلية بوجوه المتخرجين من الثانوية ، فلا يعقل أن يكون
    1 ـ كما هو ظاهر الحديث الاَوّل من القسم الرابع.

(397)
قسم الدكتوراه مفتوحاً عليهم ، فإنّ الطالب إنّما يتم دراسة الكلية وما بعدها واحداً بعد واحد.
    وهذا الاَمر الثالث مما أصفقنا عليه سواء أقلنا بما في الروايات ، أم قلنا بما استظهرناه من الآيات من كون الرسول أعم من النبي ، والرسول المصطلح يساوق النبي صدقاً ، وان لم يكونا مترادفين.
    وأمّا الاَمر الاَوّل فتمكن الموافقة معه ، فالنبي يمكن أن يكون أعم من الرسول ، أمّا لاَنّ النبي ربّما لا يكون رسولاً في بعض الاَحوال ، كما هو الحال في بدء الوحي ، وأمّا لما ذكر في هذه الروايات من أنّ الرسول يسمع كلامه مع معاينته في حال التكلم ، بخلاف النبي.
    وأمّا الاَمر الثاني فالتصافق معه مشكل ، إذ لو كان الرسول أشرف من النبي فلماذا أخّر النبي وقدم الرسول في كثير من الآيات مع كونها في مقام الاِطراء ، فهل يصح التدرج من الكامل إلى الناقص؟ وقد قدمنا الآيات فلاحظ ، ومنه يظهر الاِشكال في أخصية الرسول على الوجه المذكور في الروايات ، فإنّ لازمه التدرّج من الكامل إلى الناقص.

المحدَّث في السنّة
    قد وقفت على الفرق بين الرسول والنبي كما وقفت على المراد منهما في الكتاب والسنّة ، وبقي هنا بحث وهو : ما هو معنى المحدَّث؟ فنقول :
    اتفق أهل الحديث على أنّ في الاَُمّة الاِسلامية أُناساً تكلّمهم الملائكة بلا نبوة ولا روَية صورة ، أو يلهمون ويلقى في روعهم شيء من العلم على وجه الاِلهام والمكاشفة ، من المبدأ الاَعلى أو ينكت لهم في قلوبهم من حقائق تخفى على غيرهم أو غير ذلك من المعاني التي يمكن أن يراد منه.


(398)
    وقد ورد هذا المعنى في الكتب الحديثية من الفريقين.
    روى البخاري في صحيحه في باب مناقب عمر بن الخطاب ج2 ص 194 ، عن أبي هريرة قال : قال النبي ( صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم ) : « لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلَّمون من غير أن يكونوا أنبياء ، فإن يكن من أُمّتي منهم أحد فعمر ». وعند القوم أحاديث في هذا الصدد وفي ما ذكرناه كفاية.
    وأخرج الكليني عن الاَحول قال : سألت أبا جعفر عن الرسول والنبي والمحدَّث؟ فقال : « ... وأمّا المحدَّث فهو الذي يحدَّث ولا يعاين ولا يرى في منامه ».
    وفي حديث آخر عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه ( عليه السلام ) : قالا : « المحدَّث الذي يسمع الصوت ولا يرى الصورة ». (1)
    وقد روي عن ابن عباس انّه كان يقرأ : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ) ـ ولا محدَّث ـ. (2)
    وليس المراد هو سقوط تلك اللفظة من الذكر الحكيم ، فإنّ ابن عباس أجل من أن ينسب إليه التحريف ، وعلى كل تقدير فالقول بوجود المحدَّث بين الاَُمّة الاِسلامية مما أطبقت عليه الروايات.
    1 ـ الكافي : 1/176 ـ 177.
    2 ـ إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري : 6/99.
مفاهيم القرآن ـ جلد الرابع ::: فهرس