مفاهيم القرآن ـ جلد الخامس ::: 1 ـ 10
مفاهيم القرآن
الجزء الخامس
يبحث عن عصمة الأنبياء
ويعالج ادلّة المخطئة لها ،
وعن مفهوم الإمام وعصمته ، وعدالة الصحابة ،
واطاعة السلطان الجائر في القرآن الكريم
تأليف
العلاّمة المحقّق
جعفر السبحاني


(3)
بسم الله الرحمان الرحيم


(4)

(5)
كلمة قدسية
تفضّل بها سماحة العلاّمة الأُستاذ المحقّق آية الله الشيخ لطف الله الصافي
صاحب المؤلفات الإسلامية القيّمة ، والمواقف الجهادية المشكورة
دام ظله الوارف
بسم الله الرحمن الرحيم
العصر الحاضر والمفاهيم الدينية
    يشهد عصرنا الحاضر المسمّى بعصر الذرة والفضاء ، صورة جديدة من رفض النصوص الشرعية ، يتمثل في موقف خاص من قضايا الدين ، وهو تفسير الحوادث الخارقة للعادة والحقائق الغيبية وما يتحقّق في مستقبل الزمان من الآيات والملاحم الثابتة كلّها في الدين ، والّتي أخبرت بها نصوص الكتاب والسنّة ، وتحقّقت أو تتحقّق ـ بإرادة الله تعالى وإذنه ـ بالتفسير والتعليل المادي الّذي ينكر تأثير عالم الغيب في عالم الشهادة.
    وهو موقف نابع وناشئ من انبهار طائفة كبيرة من المثقفين ببريق النهضة المادية الحديثة ، ومن الإفتتان بالتقدم الصناعي الراهن ، الأمر الّذي آل إلى ظهور الاتجاهات العلمانية الّتي تعتقد بفصل الدين عن الدنيا ، والدنيا عن الدين حيناً ، وبإخضاع المفاهيم الدينية الغيبية لمقاييس العلوم المادية الحديثة حيناً آخر.


(6)
    وممّا يزيد الطين بلّة ، والداء تفاقماً ، أنَّ هذا الفريق يظهرون الإسلام ويتظاهرون بالنصيحة له وللمسلمين ، ويدّعون أنّه لابد من تفسير الدين بنحو يقبله المفكر الغربي ، ولا يستنكره الملحد الشرقي ، وبالتالي : لا بد من تأويل اصطلاحاته وقضاياه بنحو يوافق المذاهب المادية ، والقوانين الطبيعية ، بينما يسعى فريق آخر إلى التوفيق بين الدين ونظاماته في الإدارة والحكم وغيرهما ، وبين الأنظمة الديمقراطية ، كما يريد بعضهم التوفيق بين الدين ـ وهو دين إلهي ـ مع الأنظمة الماركسية الملحدة.
    فالثقافة عند هؤلاء هو الترديد والتشكيك في الحقائق المقبولة في الدين ، والّتي دلّت عليها نصوص الكتاب والسنّة ، ممّا لا يمكن أن يعلل بالعلل ، وبالتالي إخضاع الدين لمعطيات الحضارة المادية الحديثة ، ومقاييسها ، فإذن نحن في عصر يزداد فيه التخوّف من تعريض المفاهيم الدينية لخطر التحريف والتأويل ، وإخضاع الدين للأهواء والأمزجة والأذواق الشخصية ، على أيدي الجهّال والانهزاميين.
    فما أحوجنا ـ في هذا العصر ـ إلى تبيين مفاهيم الكتاب والسنّة ، وتثبيت ما أتى به الإسلام ، على حقيقته ، وإرجاع الناس إلى النصوص ودلالاتها ، ورد المتشابهات إلى المحكمات ، في ضوء الكتاب العزيز والسنّة المطهرة الشاملة لما ورد عن العترة الطاهرة.
    ولقد نهض بهذه المهمة منذ أقدم العصور ـ ولله الحمد ـ رجال من روّاد مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) وأصحابهم ممن دفعتهم غيرتهم الدينية إلى الدفاع عن حياض الشريعة المقدسة ، مع الاحتفاظ بنصوص الكتاب والسنّة ، فأبقوا على مفاهيم الإسلام غضّة طرية ، ناصعة ، ساطعة ، فشكر الله مساعيهم الجميلة


(7)
وجزاهم عن الإسلام خير الجزاء.
    وممّا يثلج الصدر أن تستمر هذه الجهود الخالصة المخلصة في سبيل الحفاظ على مفاهيم الدين ، حيث قام في عصرنا هذا جماعة من الأعلام بنفس هذا العمل العظيم ، ونخص بالذكر صديقنا العلاّمة الفقيه والبحّاثة المحقّق الأُستاذ الشيخ جعفر السبحاني في ما كتب في سلسلة « مفاهيم القرآن الكريم » هذه المجموعة الّتي صدرت منها إلى الآن أربعة أجزاء ، والّتي سدّت فراغاً واسعاً في هذا المجال حيث أوضحت ـ في غاية القوة والإحاطة والإتقان والتحقيق ـ كثيراً من المفاهيم القرآنية الإسلامية وسدّت الطريق في وجه المبتدعين والمحرّفين ، والمأوّلين والمشكّكين ، وأجابت باسلوب برهاني مقنع على أسئلة طالما شغلت أذهان الشباب ، وأصحاب المدارس الحديثة.
    وقد جاء الجزء الرابع ردّاً على الاتجاه المذكور وهو تفسير الجوانب الغيبية بالتعليلات المادية.
    فلله درّ مؤلفه الفقيه المحقّق العلاّمة وحفظه الله ذخراً للحوزة والأُمّة ، ونفع المسلمين جميعاً بعلومه ومؤلّفاته. انّه سميع مجيب.
لطف الله الصافي
23 ـ ربيع الثاني ـ 1406 هـ


(8)
كتاب كريم
تفضّل به العلاّمة الحجّة الأُستاذ المحقّق آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
ـ دام ظله ـ ننشره تقديراً لجهوده العلمية الكبرى مشفوعاً
بالشكر والتكريم
بسم الله الرحمن الرحيم
( قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَ كِتَابٌ مُبِينٌ ) (1)
    إنّ الواصف المطري مهما جدّ واجتهد ، ومهما بلغ شأواً عظيماً في القدرة على التحديد والتوصيف ، لا يتمكن من أن يصف كلامه سبحانه ويحدّده بما هو لائق به ، كيف؟ وهو كلام من لا يتناهى كمالاً وجمالاً ، كما لا يتناهى علماً وقدرة.
    فلو كانت هناك صلة بين الأثر والمؤثر وكان الأثر ظلاً له ، فكلامه سبحانه لا يتناهى في الروعة والجمال ، لكونه أثراً للكمال المطلق والجمال غير المتناهيين ، وعند ذلك لا يجد الباحث معرفاً محدداً لكلامه أحسن ممّا ورد في الذكر الحكيم في هذا المضمار ، قال سبحانه : ( قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَ كِتَابٌ مُبِينٌ ).
    وقال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً ) (2).
    1 ـ المائدة : 15.
    2 ـ النساء : 174.


(9)
    وقال تعالى : ( وَ كَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْري مَا الْكِتَابُ وَ لاَ الإِيمَانُ وَ لَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِى بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم ) (1) إلى غير ذلك من الآيات الّتي تعدُّ الذكر الحكيم نوراً منزّلاً من الله سبحانه إلى البشر كلّه في جميع العصور والقرون ، ولجميع الأجيال والمجتمعات ، فيجب علينا أن نقف على السر الّذي أصبح به القرآن نوراً وضياء.
    أقول : إنَّ علماء الطبيعة كشفوا عن أسرار النور وخواصه ، فلاحظوا :
    أوّلاً : أنّ سرعة النور لا تضاهيها سرعة أيّ شيء آخر.
    ثانياً : أنّ حياة النبات والحيوان رهن للنور ، فلولاه لما استقرت الحياة وما اخضرّ لها عود.
    ثالثاً : أنّ النور يكافح العوامل الهدّامة للحياة فيقتل بعض الجراثيم والميكروبات المضرة ، ويبقي الذرات النافعة للحياة ، إلى غير ذلك من الآثار المكشوفة الثابتة للنور في مجال علم الطبيعة.
    مضافاً إلى أنّ النور يكشف الحجب في المجتمع فلا يرى إجرام المجرم في وضح النهار ، وإذا طرأت الظلمة خرج المجرمون من أوكارهم ابتغاءً للفساد ، ونشراً للرذيلة.
    هذا هو حال النور الحسّي الّذي يمشي به الإنسان في حياته المادية ، وإذا كان هذا حال النور الحسّي فالنور المعنوي الّذي به حياة الإنسان الروحية ، أَولى أن يكون كذلك.
    ومن حسن الحظ أن نجد النور المعنوي ( القرآن والسنّة ) حاملاً لهذه
    1 ـ الشورى : 52.

(10)
الأوصاف والآثار على الوجه الأكمل والأتم.
    فإذا كان النور الحسّي أسرع الأشياء المادية في السير والدوران ، فالنور الّذي يحمله القرآن الكريم مثله في السرعة والانتشار ، فقد انبثق نور القرآن من أُمّ القرى وانتشر بسرعة فائقة في أجواء العالم ، وبدّد الظلام عن أُمّ القرى وما حولها إلى أن وصل إلى منتهى الخف والحافر.
    وإذا كانت الحياة المادية لا تستقر في هذا الكوكب إلاّ بضوء الشمس فالحياة المعنوية لا تستقر في هيكل الفرد والمجتمع ، إلاّ بالإيمان والعمل الصالح ، ولا يهتدي الإنسان إلى كل منهما إلاّ ببركة الوحي المجسّد في الذكر الحكيم.
    وإذا كان ضوء الشمس ونور الكوكب يبدّد الحجب في البوادي والصحاري والمدن والبلدان فيغيب المجرم ، ويختفي المسيء ، فالنور المعنوي الّذي يحمله القرآن ومثله كل وحي سماوي ، يضيء المجتمع وينوّر القلوب ، فلا تجد فيه مجالاً لظهور الرذائل وانتشار المساوئ ، وإنّما تظهر رذائل الأخلاق في غياب الإيمان والقرآن عن المجتمع.
    وإذا كان النور الحسّي يكافح العوامل الهدّامة للحياة ، فالنور المعنوي أيضاً يكافح الغي والفساد ، والهرج والمرج ، والجهل والفقر ، وغيرها من الأُمور الّتي تعد من العوامل الهدّامة لحياة الإنسان المعنوية.
    ولأجل ذلك نرى أنّ الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يأمر بالتمسّك بالقرآن الكريم عند التباس الفتن على الإنسان كقطع الليل المظلم ويقول : « إذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فإنّه شافع مشفّع وماحل مصدّق ... ». (1)
    1 ـ الكافي : 2 / 238.
مفاهيم القرآن ـ جلد الخامس ::: فهرس