مفاهيم القرآن ـ جلد الخامس ::: 511 ـ 520
(511)
    وهناك روايات كثيرة مبثوثة في كتب التفاسير والحديث والتاريخ تحكي عن طروء التحريف على الذكر الحكيم ، ونحن نقتصر على الأقل القليل منها ، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى كتاب « اكذوبة تحريف القرآن بين الشيعة والسنّة » : ص 27 ـ 33.
    ونحن نرى أنّ في الإصرار على نسبة التحريف إلى أيّة طائفة من الطوائف الإسلامية ضرراً واسعاً على الإسلام والمسلمين ، ولا يستفيد منه إلاّ المستعمرون وأذنابهم.
    وعلى الرغم من كثرة هذه الروايات نحن لا نؤمن بصحتها كما لا يؤمن علماء أهل السنّة المحقّقون بها ، ولا تبتني عقيدتهم عليها ، فهي بين ضعاف السند ، أو ضعاف الدلالة ، وقبل كل شيء تخالف الذكر الحكيم وإجماع الأُمّة.

اقتراح للمتسرّعين في الكتابة
    نحن نرى أنّ عدّة من المتسرّعين في الكتابة حول الملل والنحل ، وبالأخص حول الشيعة الإمامية ، يجترئون في خلق النسب المخزية إلى تلك الطائفة ، ويعتمدون في كل ذلك على كتب المستشرقين ، اوما أُلّف بيد المغفلين الجاهلين بعقيدة الشيعة ، وأخيراً يعتمدون على بعض كتب الشيعة الّتي لا تعد مصدراً رصيناً لبيان عقيدة تلك الطائفة.
    ونحن نقترح على هؤلاء الكتّاب أن يقيموا مؤتمراً علمياً حراً في إحدى العواصم الإسلامية تحضره عدّة من محقّقي السنّة والشيعة ليتدارسوا تلك النسب المفتعلة ، على ضوء المصادر الصحيحة للشيعة والسنّة ، فلعل هذا المؤتمر إذا أُقيم بشكل صحيح يكون ناجحاً في رفع الأغطية والأغشية عن أعين كثير من غير


(512)
المطّلعين على عقيدة تلك الطائفة ، وانّ علماء الشيعة مستعدون للبحث والنقاش والحوار الصحيح الّذي دعا إليه القرآن الكريم في كل مكان وزمان بشرط أن يكون المؤتمر محايداً حراً غير منحاز إلى فئة دون فئة ، وسياسة دون سياسة ، فعند ذلك ستتجلّى الحقيقة وير إخواننا أهل السنّة أنّ هناك مشتركات بين الطائفتين تزيد على مفترقاتهما القليلة ، وأنّ ما يجمعنا أكثر ممّا يفرقنا ، كما تتجلّى قوّة منطق الشيعة في مورد المفترقات ( فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَ مَنِ اهْتَدَى ) (1).
    هذا كلّه حول الشرط الثالث ، وإليك الشرط الرابع الّذي هو آخر الشرائط الأربعة للنبوّة الخالدة.

الشرط الرابع للنبوّة الخالدة
    قال الكاتب : الشرط الرابع : هو أن يكون النبيُّ بذاته مركز الهداية ومصدر القيادة ومحور العلاقة القلبية والانقياد الفكري للأُمّة ، فتعتقد بكونه خاتم الرسل ولا تسمح لأحد بعده بالمشاركة في النبوّة والتشريع المطلق ، ولا تعتقد في أحد آخر العصمة وتعتبره مورد الوحي ثم إنّه استنتج من هذا الشرط أنّ الشيعة الإمامية يخالفونه ويعتقدون بالأُمور التالية :
    1. انّ خلفاء الرسول قد تمَّ تعيينهم من عند الله.
    2. وانّهم معصومون كالنبيّ.
    3. انّهم مفترضو الطاعة ، وطاعتهم واجبة كطاعة الرسول.
    4. إنّ الملائكة تتردّد على الأئمّة ليلاً ونهاراً.
    5. انّ الأئمّة لهم الخيار في تحليل الأشياء وتحريمها.
    1 ـ طه : 135.

(513)
    6. انّ المؤمن بالأئمّة من أهل الجنة وإن كان ظالماً وفاسقاً وفاجراً.
    ثم استشهد على ذلك بقول المستشرقين الثلاثة : البطريق « هوجيس » ، « فيلب حتي » ، « وايوانو » (1).

نظريتنا في هذا الشرط وتحليله
    إنّ ما رتب على هذا الشرط بين صحيح دلَّ عليه الدليل ، وبين مختلق مكذوب على الشيعة ، كما أنّ نفس الشرط أمر مجمل يحتاج إلى تفسير ، ولأجل ذلك نبحث عن كلِّ واحد من هذه الأُمور واحداً تلو الآخر حتى يتضح مدى صحة هذا الشرط وصحة ما تعتقده الطائفة الإمامية من بعض هذه الأُمور :
    أمّا الأوّل : أعني : كون الإمامة عند الشيعة الإمامية تنصيبية ، وعند أهل السنّة انتخابية ، فالشيعة يعتقدون انّ الإمام بعد الرسول الأكرم يعيّن من جانبه سبحانه ، وأهل السنّة يعتقدون بأنّ أهلَ الحل والعقد يقومون بانتخابه ، فكلتا النظريتين بالنسبة إلى الشرط الرابع سواسية ، فإنّ كون شخصية الرسول مركز الهداية ومحور العلاقة القلبية ، لا ينافي أن يأمره سبحانه بنصب الخليفة بعده ، كما لا يخالف أن يفوّض أمر تعيينه إلى الأُمّة ، فاستنتاج صحة إحدى القضيتين وبطلان النظرية الأُخرى من الشرط الرابع على فرض صحته ، غريب جداً. وأي معارضة بين كون الرسول مركز الهداية وكون الإمام بعده والخليفة القائم مقامه منصوباً من جانبه سبحانه؟ لأنّ للنبي وظائف ، وللإمام والخليفة وظائف ، ولايشارك الإمام في جميع شؤون النبي منصوباً كان أو منتخباً ، فتأسيس الشريعة
    1 ـ صورتان متضادتان : 16 ، 83 ، 84. ولا تنس انّ الكاتب يعد النبي الأكرم مصدر التشريع. والشيعة كما لا تقول بكون الأئمّة من مصادره لا تقول بأنّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مشرعاً ومصدراً للتشريع بل مبلغاً رسالة الله ، فلو وصفنا النبي أحياناً بمصدر التشريع فهو من باب المجاراة للقوم.

(514)
يختص به لا يشاركه الإمام في كلتا النظريتين.
    لا شك أنّ الكليم موسى ( عليه السلام ) كان مركز الهداية ، ومحور العلاقة القلبية ، ومع ذلك نصب هارون ( عليه السلام ) مكانه ، وقال : ( اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَ أَصْلِحْ وَ لاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ) (1) ، ولم يكن تنصيبه أخاه مكانه إلاّ برضا منه سبحانه.
    إنّ معنى كون الرسول الأعظم مركز الهداية عبارة عن كونه خاتماً للنبوة والرسالة ، لا خاتماً للوصاية والخلافة والإمارة ، والأوصياء عند الشيعة ليسوا بأنبياء كما أنّهم ليسوا رسلاً ، وإنّما هم خلفاء الرسول شأنهم تنفيذ ما شرَّع الرسول الأعظم في غيابه.
    وأمّا الثاني : أعني : عصمة الأئمّة من الذنوب ، فتكفي في ذلك آية التطهير ، أعني قوله سبحانه : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (2) ، فإنّ الآية بحكم تذكير الضمائر ، أعني : « عنكم » و « يطهركم » لاتمت لنسائه وزوجاته بصلة ، وقد دلّت الآثار النبوية على اختصاص الآية بالخمسة الطاهرة ، أعني : النبي الأكرم وفاطمة وبعلها وبنيها ، وأمّا دلالتها على نزاهتهم من الذنب ، فلأجل أنّ الإرادة الواردة في الآية إرادة تكوينية خلاّقة للمراد لا تنفك عنه ، أعني : التطهير من الذنب ، وليست الإرادة تشريعية بمعنى طلب التطهير عنهم ، لأنّها لا تختص بطائفة دون طائفة بل تعم المكلّفين عامة ، ولكن الآية تخصص هذه الإرادة بأهل البيت وتقول : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، والحال انّ الإرادة التشريعية عامّة تعم جميع المكلّفين لا جماعة خاصة.
    هذا هو موجز ممّا فصّله المحقّقون في رسائلهم وتفاسيرهم حول الآية ، ومن
    1 ـ الأعراف : 142.
    2 ـ الأحزاب : 33.


(515)
أراد التفصيل فليرجع إلى ما سبق في هذا الجزء.
    والكاتب قدّم الفكرة أوّلاً وصوّرها عند نفسه سالمة عن النقد وهي انحصار العصمة في النبي الأكرم ، ولأجل ذلك عاد يصوّر القول بعصمة الأئمّة أمراً مناقضاً لكون النبي مركز الهداية مع أنّ كون النبي مركزها ومصدرها ليس بمعنى انحصار العصمة فيه ، بل معناه انّه صاحب النبوّة والرسالة وصاحب الشريعة والملة وغيره ينفّذ ما خطّه الرسول ورسمه مع عصمة في القول وصيانة عن الزلل في العمل ، وإن أردت تصوير كون النبي مركز الهداية ومصدر القيادة فقل : إن النبيَّ الأكرم واقع في نقطة المركز من الدائرة وغيره كالخطوط النابعة منه يستضيء بنوره ويقتبس من علمه ، وهذا لا ينافي أن يكون المستضيء والمستفيد معصوماً مثله ويكون في الوقت نفسه تابعاً له متنوّراً بنوره.
    وأمّا الثالث : أعني كونهم مفترضي الطاعة فليس هذا بأمر عجيب فإنَّ وجوب الطاعة لا يختص بالنبي الأكرم ، بل تجب إطاعة أُولي الأمر بنص الذكر الحكيم ، قال سبحانه : ( أَطِيعُوا اللهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ). (1)
    إنّ الأُستاذ يعيب على الشيعة بأنّهم يقولون بأنّ الأئمّة مفترضو الطاعة مع أنّهم يقولون بافتراض طاعة السلطان براً كان أو فاجراً ، ولاأقل يقولون بحرمة الخروج على السلطان الجائر وإن بلغ من الجور والفساد ما بلغ. (2)
    وأمّا الرابع : أعني : قوله : إنّ الملائكة تتردّد على الأئمة ليل نهار ، فلو كان هذا بمعنى كونهم أنبياء فالشيعة برآء منه ، فإنّ النبوّة قد ختمت بالنبي الأكرم بنصّ الذكر الحكيم وإجماع المسلمين وتواتر الروايات ، وإن كان بمعنى كونهم محدَّثين
    1 ـ النساء : 59.
    2 ـ مقالات الإسلاميين لإمام الأشاعرة : 323 ، ط القاهرة.


(516)
( بالفتح ) وانّ الملائكة تكلّمهم فليس هذا بأمر غريب ، وهذه مريم البتول قد كلّمتها الملائكة ، وقالت لها : ( وَ إِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَ طَهَّرَكِ وَ اصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ) (1). فلم تكن مريم بتكليم الملائكة إيّاها نبيّة أو رسولة ، وإنّما صارت محدَّثة ( بالفتح ) ، وكون الإنسان محدَّثاً غير كونه نبيّاً أو رسولاً ، والكاتب لم يفرّق بين الرسالة والنبوّة ، ومسألة التحدّث مع الملائكة.
    وقد أصفقت الأُمّة الإسلامية على أنّ في هذه الأُمّة على غرار الأُمم السابقة أُناساً محدَّثون ( بالفتح ) ، وقد أخبر بذلك النبي الأعظم كما ورد في الصحاح والمسانيد ، والمحدّث من تكلمه الملائكة بلا نبوّة ولا رؤية صورة ، أو يُلهم ويلقى في روعه شيء من العلم على وجه الإلهام والمكاشفة من المبدأ الأعلى ، اوينكت له في قلبه من حقائق تخفى على غيره ، اوغير ذلك من المعاني الّتي يمكن أن يراد منه ، فهذا أمر مسلّم غير أنّ الخلاف في مصاديقه وجزئياته ، فالشيعة تعتقد بأنّ عليّاً أمير المؤمنين وأولاده الأئمّة من المحدّثين وأهل السنّة يرون غيرهم.
    أخرج البخاري في باب مناقب عمر بن الخطاب عن أبي هريرة ، قال : قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « لقد كان فيمن قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلّمون من غير أن يكونوا أنبياء ، فإن يكن من أُمّتي منهم ، فإنّه عمر بن الخطاب ». (2)
    ونحن نكتفي بهذا المقدار في تحقيق الحال والتبسيط يحتاج إلى إفراد رسالة في هذا الموضوع ، على أنّ الآية الحاكية عن تكريم الملائكة لمريم البتول كافية في الموضوع ، فإنّها دليل أوّلاً على كون مريم محدَّثة تكلّمها الملائكة ، وهي تسمع كلامهم ، كما أنّها دليل على اعتصامها بعصمة الله فهي مصطفاة معصومة ، فلا ذنب للشيعة إذا اعتقدت أنّ الأئمّة من بعد الرسول محدّثون بلانبوة ولا رسالة ،
    1 ـ آل عمران : 42.
    2 ـ صحيح البخاري : 2 / 194.


(517)
مطهّرون من الذنب والخلاف ، نظير مريم البتول.
    والعجب من الكاتب ومن لفّ لفّه انّهم يفرّون من نسبة العصمة إلى الأئمّة فرار المزكوم من المسك مع أنّهم يتعاملون مع الصحابة معاملة العصمة ، ويحرمون البحث حول ما صدر عنهم من الأفعال المضادة للكتاب والسنّة ، والإنسان عندما يقف على حساسية القوم الخاصّة بحياة الصحابة ، يتحيّرون انّهم كيف يجعلون الصحابة بمقربة من العصمة وفي الوقت نفسه لا يبالون عن نسبة الذنب والخلاف إلى أنبياء الله ورسله ، والكتب الكلامية لأهل السنّة لا تأبى عن نسبة الذنب إلى الأنبياء صغيراً وأحياناً كبيراً. (1)
    وأمّا الخامس : أعني : كون الأئمّة لهم الخيار في تحليل الأشياء وتحريمها ، فهي فرية واضحة على الشيعة ، فإنّ الشيعة عن بكرة أبيهم قائلون بختم النبوّة والرسالة ، وانّ حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة.
    اتّفقت كلمتهم على أنّ منكر الخاتمية مرتد خارج عن الإسلام ، وقد تضافرت الروايات على ذلك. (2)
    ولعمر الحق انّ الرجل قد أشرك الشيعة في أُمور لا ناقة لهم فيها ولا جمل ، وهم برآء منها براءة يوسف عن تهمة الطاغية.
    وبما انّ هذه الفكرة الخاطئة قد تسرّبت إلى أذهان البسطاء بحق هذه الطائفة نبحث عن هذا الموضوع بإسهاب :
    1 ـ للوقوف على آراء أهل السنّة حول عصمة الأنبياء لاحظ مفاهيم القرآن : 4 / الفصل السادس ، العصمة في القرآن الكريم.
    2 ـ ومن أراد الوقوف على عقيدة الشيعة في الخاتمية وكيفية برهنتهم عليها من الكتاب والسنّة ، فليرجع إلى موسوعتنا القرآنية ، مفاهيم القرآن : 3 / 117 ـ 317.


(518)
الشيعة وفكرة التشريع
    إنّ الشيعة الإمامية تعتقد بأنّ مصدر التشريع هو الله الجليل وانّه ليس للنبيِّ ـ فضلاً عن الأئمّة ـ حق التشريع ، وانّه محصور في حقه سبحانه ، وانّ الاعتقاد بذلك هو أحد مراتب التوحيد ودرجاته ، وقد دلَّت الآيات على انحصار هذا الحق به سبحانه قال : ( إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَ لَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ) (1).
    وليست هذه الآية هي الآية الوحيدة في هذا الباب ، بل هناك طائفة من الآيات تتحد معها في حصر الحاكمية بالله سبحانه كما تحصر حق التقنين والتشريع به ، ومن أجل ذلك يندد القرآن باليهود والنصارى حيث اتخذوا الأحبار والرهبان مصادر للتقنين بقوله سبحانه : ( اِتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَ رُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ ) (2) ، ومعنى الاعتقاد بربوبيتم هو امتلاكهم زمام التحليل والتحريم ، مع أنّ زمامهما بيده سبحانه لم يفوضهما لأحد.
    قال الإمام الباقر ( عليه السلام ) : « يا جابر انّا لو كنّا نحدّثكم برأينا وهوانا لكنّا من الهالكين ، ولكنّا نحدّثكم بأحاديث نكتنزها عن رسول الله كما يكتنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم ».
    وفي رواية أُخرى : « ولكنّا نفتيهم بآثار من رسول الله وأُصول علم عندنا نتوارثها كابراً عن كابر ».
    وفي رواية محمد بن شريح عن الصادق ( عليه السلام ) : « والله ما نقول بأهوائنا ولا نقول برأينا ولا نقول إلاّ ما قال ربُّنا ».
    1 ـ يوسف : 40.
    2 ـ التوبة : 31.


(519)
    وفي رواية عنه ( عليه السلام ) : « مهما أجبتك فيه بشيء فهو عن رسول الله ، لسنا نقول برأينا من شيء ». (1)
    ولولا الخوف من تعكير الصفو لأتينا بنصوص كثيرة ممن يحسبون أنّ الخلفاء والصحابة من مصادر التشريع ، بل لا يختص التشريع بالصحابة ويعم الأُمراء والسلاطين فتتخذ آراؤهم ونظرياتهم أحكاماً إلهية ، وبما أنّ البحث في هذه المواضيع يوجب الخروج عن الموضوع نطوي الكلام فيه ، وكفى في ذلك انّ الأُستاذ عبد الوهاب خلاف عدَّ في كتابه « مصادر التشريع الإسلامي » فيما لا نص فيه : إجماع أهل المدينة ، وقول الصحابي ، وإجماع أهل الكوفة ، وإجماع الخلفاء الأربعة من مصادره. (2)
    وأمّا السادس : أعني : كون المؤمن بالأئمّة من أهل الجنة وإن كان ظالماً وفاسقاً ، فهو بهتان عظيم ، ويكفي في ذلك قول الإمام الباقر ( عليه السلام ) لتلميذه جابر الجعفي قال له : « يا جابر أيكفي من انتحل التشيع وأحبنا أهل البيت ، فوالله ما شيعتنا إلاّ من اتقى الله وأطاعه ، وما كانوا يعرفون يا جابر إلاّ بالتواضع والتخشّع ، وبالإنابة وكثرة ذكر الله ، والصلاة والصوم ، وبر الوالدين ، وتعاهد الجيران والفقراء والمساكين والغارمين والأيتام ، وصدق الحديث وتلاوة القرآن ، وكف الألسن عن الناس ، إلاّ من خير ، وكانوا أُمناء عشائرهم في الأشياء » (3) وقال سبحانه : ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ) (4).
    1 ـ راجع جامع أحاديث الشيعة : 1 / 17 ، المقدمة.
    2 ـ مصادر التشريع الإسلامي : 109.
    3 ـ أمالي ابن الشيخ المطبوع مع أمالي الشيخ : 97.
    4 ـ آل عمران : 31.


(520)
ما هي المشكلة الاساسية للمسلمين ؟
    إنّ الكاتب ومن لفّ لفّه يزعمون أنّ المشكلة الوحيدة الّتي يواجهها الإسلام هي مشكلة الشيعة والجمهورية الإسلامية الإيرانية ، ولأجل ذلك لا يهمّهم شيء إلاّ الكتابة حول عقيدة الشيعة والنيل من مبادئهم وأُصولهم ، ولهذا نرى أنَّ الهجمة والصولة اشتدّت في السنوات الأخيرة على الشيعة ومبادئهم وأفكارهم لكي يستطيع هؤلاء أن يزيلوا مشكلتهم الصعبة هذه من مسيرتهم ويصلوا إلى القمّة من السعادة والهناء!!
    وعجيب انّ الكاتب يعيش في شبه القارة الهندية الّتي تحدق فيها بالمسلمين مشاكل جمّة ، وكانت العناية بحلّها أولى وألزم من النيل من عقائد طائفة ليس لها ذنب إلاّ التمسك بكتاب الله وعترة رسوله الطاهرة اللّذين تركهما رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حجتين بين الأُمّة إلى يوم القيامة وقال : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله ، وعترتي ». (1)
    أَوليس الكاتب يرى بأُم عينيه انّ الوثنية هي الّتي أخذت تتزايد وتتسع في القطر الهندي ، المكان الذي يقطن فيه الكاتب مع أبناء جلدته وما من يوم ولا أُسبوع إلاّ ويؤسس فيه معبد بل ومعابد للوثنيين ، حتى في البلاد المكتظة بالمسلمين كلكهنو الندوي الّتي تكون فيها المعابد الوثنية على مقربة من داره.
    وهذه الصحف العالمية تتناقل أخبار شروع الحكومة الوثنية الهندية باغتصاب مساجد المسلمين وتحويلها إلى معابد للأوثان بحجج واهية ، هذا
    1 ـ صحيح مسلم : 7 / 122 ; سنن الترمذي : 2 / 37 ; مسند أحمد بن حنبل : 3 / 14 و 17 ، وغيره.
مفاهيم القرآن ـ جلد الخامس ::: فهرس