العباسيين؟ وهل الإسلام اعتز بخلافة معاوية ثم ابنه يزيد ، ثم المروانيين وبعدهم العباسيون؟!
نعم هذه الأحاديث الّتي جاءت في صحيح مسلم لا تنطبق إلاّ على الأئمة الاثني عشر ، الذين ذهبت الإمامية إلى خلافتهم وجاءت النصوص على إمامتهم من النبي الأكرم وأهل بيته على وجه لو جمعت تلك النصوص لصارت كتاباً مفرداً ضخماً وقد اعتز الإسلام بعلومهم وسلوكهم. وفي ختام دراسة هذا الشرط نلفت نظر الكاتب إلى أنّه إذا كانت الحكومة الوراثية شعار الحكومات المادية ، فيجب تنزيه النبوّات على الإطلاق عنها من غير فرق بين الدائمة والمؤقتة ، ومع ذلك كلّه نرى وجود الحكومة الوراثية في النبوّات السابقة ، قال سبحانه : ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً ) (1) ، فالله سبحانه وهب الملك العظيم لآل إبراهيم ، فجعل من بينهم ملوكاً وأُمراء فلو كانت الحكومة الوراثية رمز الحكومات المادية البشرية ، فلماذا وهبها سبحانه للأنبياء من ذرية إبراهيم ( عليه السلام ) إذ قال : ( أَمْ يَحْسُدُونَ ... ) الخ ؟ وقال سبحانه : ( اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَ جَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَ آتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ) (2) ، هذا كلّه حول الشرط الثاني من الشرائط الّتي انتخبها الأُستاذ للنبوّات الخالدة حسب ذوقه ، وقد عرفت أنّ الكتاب والسنّة يخالفاه ، وإليك تحليل الشرط الثالث.
1 ـ النساء : 54. 2 ـ المائدة : 20.
الشرط الثالث للرسالة الخالدة قال الأُستاذ : يجب أن تكون الصحيفة السماوية الأخيرة الّتي نزلت على النبيِّ الخاتم ( والّتي تعتبر أساساً لدينه ، ومصدراً لتعاليمه ودعوته ووسيلة دائمة لربط الخلق بخالقه ) مصونة سالمة في كل حرف من حروفها ونقطها. أقول : لا شك أن الرسول الخاتم لأجل خلود رسالته ودوام نبوّته يجب أن تكون صحيفته السماوية مصونة عن كلِّ تحريف ، لأنّ المفروض أنّ رسالته خاتمة الرسالات ونبوّته خاتمة النبوّات ، وكتابه خاتم الكتب ، لا ينزل بعده أيّ كتاب وصحيفة إلى يوم القيامة ، وعلى ضوء ذلك لا محيص عن تعلّق مشيئته الحكيمة على حفظه وصيانته ، ليتسنّى للبشر إلى يوم القيامة العمل ببرامج وتعاليم تلك الرسالة ، ولو طرأ عليه التحريف لما تسنّى للأجيال الآتية القيام بوظائفهم الحقيقية وعندئذ ضاعت غاية « البعثة » وهدفها ويكون الناس إلى يوم القيامة جاهلين بالشريعة. وقد ذهب المحقّقون من الشيعة والسنّة إلى تحقّق هذا الشرط في نبوّة النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وإن وجد بين الطائفتين من الحشوية من السنّة ، والاخبارية من الشيعة من ذهب إلى طروء التحريف على كتابه ، لكن القول به شاذ في كلتا الطائفتين والروايات الواردة في كتبهم روايات شاذة لا يعبأ بها ، والرأي السائد في عامّة الأجيال بين الفريقين هو صيانة الكتاب من التحريف ، أمّا السنّة فقد تسالم عليها الأُستاذ ، وأمّا الشيعة فقد نسب إليهم الكاتب التحريف تقليداً لمن سبقه من رماة القول على عواهنه ، ومن راجع كتب المحقّقين منهم يرى اتّفاقهم على ذلك ،
ونحن نأتي بأسماء مجموعة منهم ، وإن كان الفائت من أسمائهم أكثر ممّا أتينا به :
1. أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالصدوق ( المتوفّى 381 هـ ) يقول : اعتقادنا في القرآن انّه كلام الله ووحيه وتنزيله وقوله وكتابه وإنّه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم عليم ، وانّه القصص الحق ، وانّه لحق فصل وما هو بالهزل ، وانَّ الله تبارك وتعالى محدثه ومنزله وربّه وحافظه والمتكلّم به. (1) 2. السيد المرتضى علي بن الحسين الموسوي العلوي ( المتوفّى 436 هـ ) قال : إنَّ جماعة من الصحابة مثل عبد الله بن مسعود ، وأُبي بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي عدّة ختمات ، وكل ذلك يدل بأدنى تأمل على أنّه كان مجموعاً مرتباً غير مبتور ولا مبثوث. (2) 3. أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي المعروف بشيخ الطائفة ( المتوفّى 460 هـ ) : قال : وأمّا الكلام في زيادة القرآن ونقصه فممّا لا يليق به أيضاً ، لأنّ الزيادة فيه مجمع على بطلانها ، وأمّا النقصان فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه ، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا ، وهو الّذي نصره المرتضى ، وهو الظاهر في الرواية ، قيل إنّه رويت روايات كثيرة من جهة الشيعة وأهل السنّة ينقصان كثير من آي القرآن ونقل شيء منه من موضع إلى موضع ، لكن طريقها الآحاد الّتي لا توجب علماً ولا عملاً ، والأولى الإعراض عنها. (3) 4. أبو علي الطبرسي ، صاحب تفسير « مجمع البيان » يقول : الكلام في زيادة
1 ـ الاعتقادات : 93. 2 ـ مجمع البيان : 1 / 10 ، نقلاً عن جواب المسائل الطرابلسيات للسيد. 3 ـ التبيان : 1 / 3.
(504)
القرآن ونقصانه ، أمّا الزيادة فيه فمجمع على بطلانها ، وأمّا النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامّة أنّ في القرآن تغييراً أو نقصاناً والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه. (1) 5. السيد علي بن طاووس الحلي ( المتوفّى 664 هـ ) : قال : إنّ رأي الإمامية هو عدم التحريف. (2) 6. الشيخ زين الدين العاملي النباطي البياضي ( المتوفّى 877 هـ ) يقول في تفسير قوله : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (3) : أي إنّا لحافظون له من التحريف والتبديل والزيادة والنقصان. (4) 7. القاضي السيد نور الله التستري صاحب كتاب « إحقاق الحق » ( المتوفّى 1019 هـ ) يقول : ما نسب إلى الشيعة الإمامية من وقوع التغيير في القرآن ليس ممّا يقول به جمهور الإمامية إنّما قال به شرذمة قليلة منهم ، لا اعتداد لهم فيما بينهم. (5) 8. الشيخ البهائي نابغة عصره ونادرة دهره محمد بن حسين المشتهر ببهاء الدين العاملي ( المتوفّى 1030 هـ ) قال : الصحيح أنّ القرآن العظيم محفوظ عن ذلك زيادة كان أو نقصاناً ، وما اشتهر بين العلماء من إسقاط اسم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) منه في بعض المواضع فهو غير معتبر عند العلماء. (6) 9. المحدّث الأكبر الفيض الكاشاني ( المتوفّى 1091 هـ ) صاحب كتاب « الوافي » الّذي يعد من الجوامع الحديثية المتأخرة قال : وقال الله تعالى : ( وَ إِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لاَ مِنْ خَلْفِهِ ) (7) وقال : ( إِنَّا نَحْنُ 1 ـ مجمع البيان : 1 / 10. 2 ـ سعد السعود : 144. 3 ـ الحجر : 9. 4 ـ إظهار الحق : 2 / 130. 5 ـ آلاء الرحمان : 1 / 25 ـ 26. 6 ـ آلاء الرحمان : 1 / 25 ـ 26. 7 ـ فصلت : 41 ـ 42.
(505)
نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) عندئذ كيف يتطرّق إليه التحريف والتغيير ... مع أنّ خبر التحريف مخالف لكتاب الله ، مكذب له ، فيجب ردّه والحكم بفساده وتأويله. (1) 10. الشيخ الحر العاملي ( المتوفّى 1104 هـ ) قال : والمتتبع للتاريخ والأخبار والآثار يعلم يقيناً بأنّ القرآن ثابت بغاية التواتر ، وبنقل الآلاف من الصحابة ، وانّ القرآن كان مجموعاً مؤلفاً في عهد الرسول. (2) هذه هي الشخصيات الكبيرة من الإمامية الذين عرفت تنصيصهم على عدم طروء تحريف على الذكر الحكيم ، وقد جئنا بأسماء القائلين بعدم التحريف إلى نهاية القرن الحادي عشر ، وأمّا الذين نصّوا على عدم التحريف في القرون الأخيرة فحدّث عنهم ولا حرج ، كيف ، وقد ألّفوا رسائل كبيرة وصغيرة حول الموضوع ، ونحن نسأل الأُستاذ بأيّ دليل يقول بأنّ تنصيص الشخصيات الأربع الأُول على عدم التحريف من باب التقية ، أهكذا أدب العلم وأدب الإسلام؟ أليس الله تعالى يقول : ( وَ لاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً ) (3) ؟! والعجب أنّه يستشهد على هذا النظر بقول أعداء الشيعة ويترك قول علمائهم ، وبما أنّ الكاتب يستند في بعض أبحاثه إلى كلمات قائد الثورة الإسلامية الإمام الخميني ( دام ظله ) نأتي بنصِّ كلامه في هذا الموضع ، وهذا ما جاء في محاضراته الّتي أُلّقيت قبل بضع وثلاثين سنة : « إنّ الواقف على عناية المسلمين بجمع الكتاب وحفظه وضبطه قراءة وكتابة ، يقف على بطلان تلك المزعمة ( التحريف ) وانّه لا ينبغي أن يركن إليها ذو
1 ـ تفسير الصافي : 1 / 51. 2 ـ راجع آلاء الرحمان : 1 / 25. 3 ـ النساء : 94.
(506)
مسكة ، وما وردت فيه من الأخبار ، بين ضعيف لا يستدل به ، إلى مجعول يلوح منه أمارات الجعل ، إلى غريب يقضي منه العجب ، إلى صحيح يدل على أنّ مضمونه تأويل الكتاب وتفسيره ، إلى غير ذلك من الأقسام الّتي يحتاج بيان المراد منها إلى تأليف كتاب حافل ، ولولا خوف الخروج عن طور البحث لأرخينا عنان البيان إلى تشريح تاريخ القرآن وما جرى عليه طيلة القرون ، وأوضحنا لك أنّ الكتاب هو عين ما بين الدفتين ، والاختلاف الناشئ بين القرّاء ليس إلاّ أمراً حديثاً لا ربط له بما نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين. (1)
الرسائل المفردة حول صيانة القرآن من التحريف إنّ علماء الشيعة الإمامية لم يقتصروا على هذه الجمل القصيرة حول صيانة الذكر الحكيم من التحريف بل ألّفوا رسائل مفردة منذ أربعة قرون حولها : 1. الشيخ الحر العاملي قد أفرد رسالة في هذا الموضوع أسماها « تواتر القرآن ». (2) 2. الشيخ عبد العالي الكركي ، فقد ألّف رسالة في نفي النقيصة عن القرآن ، ذكرها العلاّمة الشيخ محمد جواد البلاغي في « آلاء الرحمن ». (3) وقد جاء في الرسالة كلام الصدوق ، ثم أعترض على نفسه بورود روايات تدل على التحريف ، فأجاب بأنّ الحديث إذا جاء على خلاف الدليل من الكتاب والسنّة المتواترة أو الإجماع ولم يتمكن تأويله ولا حمله على بعض الوجوه ، وجب طرحه.
1 ـ تهذيب الأُصول : 2 / 96 ، تقريرات أبحاث الإمام الخميني بقلم جعفر السبحاني. 2 ـ أمل الآمل : 1 / 31. 3 ـ آلاء الرحمن : 1 / 26.
(507)
3. المتتبع البارع الشيخ آغا بزرگ الطهراني مؤلف « الذريعة إلى تصانيف الشيعة » ، فقد أفرد رسالة أسماها « النقد اللطيف في نفي التحريف ». 4. العلاّمة الحجة الشيخ عبد الحسين الرشتي الحائري ، فقد ألّف رسالة حول الموضوع أسماها « كشف الاشتباه ». 5. خصص العلاّمة المحقّق السيد الطباطبائي بحثاً مبسوطاً في صيانة الذكر الحكيم في ميزانه ، في تفسير قوله : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ). (1) 6. انّ العلاّمة المحقّق السيد الخوئي ـ دام ظلّه ـ قد أفرد بحثاً ضافياً حول صيانة الذكر الحكيم في كتابه « البيان في تفسير القرآن » ، وقد أغرق نزعاً في التحقيق فلم يبق في القوس منزعاً. 7. وقد قام العلاّمة الشيخ رسول جعفريان بتأليف رسالة نافعة حول الموضوع أسماها « أُكذوبة تحريف القرآن » حياه الله وبياه. 8. العلاّمة الشيخ آية الله محمد هادي معرفة ، فقد قام بتأليف كتاب قيّم حول الموضوع أسماه « صيانة القرآن من التحريف » طبع في قم المقدسة سنة 1413 هـ ، وهو من منشورات مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين. وليست عقيدة الشيعة حول الذكر الحكيم أمراً مخفياً على المحقّقين من السنّة ، فهذا علاّمة الهنود رحمة الله الهندي نقل عقيدة الشيعة في كتابه ، وقال : إنّ القرآن المجيد عند جمهور علماء الشيعة الإمامية الاثني عشرية محفوظ عن التغيير والتبديل ، ومن قال منهم بوقوع النقصان فيه ، فقوله مردود غير مقبول عندهم. (2) 1 ـ الميزان : 12 / 106 ـ 137. 2 ـ إظهار الحق : 2 / 128.
(508)
وأخيراً نلفت نظر القارئ ، إلى محقّق عصرنا السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي ، فقد قال في كتابه « أجوبة مسائل موسى جار الله » نسب إلى الشيعة القول بتحريف القرآن بإسقاط كلمات وآيات ، ثم قال : نعوذ بالله من هذا القول ، ونبرأ إلى الله تعالى من هذا الجهل ، وكلُّ من نسب هذا الرأي إلينا ، جاهل بمذهبنا اومفتر علينا ، فإنّ القرآن العظيم والذكر الحكيم متواتر من طرقنا بجميع آياته وكلماته وسائر حروفه وحركاته وسكناته تواتراً قطعياً عن أئمّة الهدى من أهل البيت ( عليهم السلام ) ولا يرتاب في ذلك إلاّ معتوه. (1) ثم إنّ المتحاملين على الشيعة في مسألة تحريف القرآن يستندون إلى كتاب « فصل الخطاب » للمحدّث النوري الّذي جمع فيه المسانيد والمراسيل الّتي استدل بها على النقيصة ، ولكن غفل المتحامل عن الرسائل الكثيرة الّتي أُلّفت ردّاً عليه ، وكفى بذلك ما ذكره العلامة البلاغي فقال : إنّ القسم الوافر من الروايات ترجع أسانيده إلى بضعة أنفار وقد وصف علماء الرجال كلاًّ منهم بأنّه : 1. إمّا ضعيف الحديث ، فاسد المذهب ، مجفو الرواية. 2. وإمّا بأنّه مضطرب الحديث والمذهب يعرف حديثه وينكر ، ويروي عن الضعفاء. 3. وإمّا بأنّه كذّاب متهم لا استحل أن أروي من تفسيره حديثاً واحداً ، وانّه معروف بالوقف وأشد الناس عداوة للرضا ( عليه السلام ). 4. وإمّا بأنّه كان غالياً كذّاباً. 5. وإمّا بأنّه ضعيف لا يلتفت إليه ولا يعول عليه ومن الكذّابين. 6. وإمّا بأنّه فاسد الرواية يرمى بالغلو. 1 ـ أجوبة مسائل موسى جار الله : 34.
(509)
ومن الواضح أنّ أمثال هؤلاء لا تجدي كثرتهم شيئاً ، هذه حال المسانيد ، وأمّا أكثر المراسيل فمأخوذة من تلك المسانيد. (1) هذا توصيف إجمالي عن هذه الروايات الّتي يستند إليها أعداء الشيعة في هذه النسبة ، ويكفي في ذلك أنّ ثلاثمائة حديث من هذه الأحاديث ، يرويها السيّاري : ويكفي في ضعفه قول الرجالي المحقّق النجاشي : انّه ضعيف الحديث ، فاسد المذهب ، مجفو الرواية ، كثير المراسيل ، متهم بالغلو. (2) كما أنّ كثيراً من هذه الروايات ينتهي إلى يونس بن ظبيان الّذي وصفه النجاشي بقوله : ضعيف جداً ، لا يلتفت إلى ما رواه ، كل كتبه تخليط. (3) كما أنّ قسماً منه ينتهي إلى منخّل بن جميل الكوفي وقد نص النجاشي على كونه ضعيفاً فاسد الرواية. (4)
الكافي كتاب حديث لا كتاب عقيدة ثم إنّ الكاتب يستند في هذه النسبة إلى وجود روايات التحريف في الكافي ، ولكنّه غفل عن أنّ كتاب الكافي في نظر الإمامية ليس كالصحاح في نظر أهل السنّة الذين يقولون : إنّ كل ما في البخاري صحيح ، وإنّما هو كتاب : فيه الصحيح والضعيف والمرسل ، وما يوافق الكتاب وما يخالفه ، فلا يمكن الاستدلال بوجود الرواية فيه على عقيدة الشيعة ، وما يلهج به علماء الحديث في حق صحيح البخاري ومسند الإمام أحمد ويقولون : 1 ـ آلاء الرحمن : 1 / 26. 2 ـ رجال النجاشي : 1 / 211 برقم 190. 3 ـ رجال النجاشي : 2 / 423 برقم 1211. 4 ـ رجال النجاشي : 2 / 372 برقم 1128.
(510)
وما من صحيح كالبخاري جامعاً
ولا مسند يلفى كمسند أحمد
أقول : إنّ ما يلهجون به في حق كتبهم مخصوص بهم ، فليس كلّ ما في الجوامع الحديثية عند الشيعة ، صحاحاً يستدل بكلّ حديث ورد فيها في كلّ موضوع ومورد ، بل الاستدلال يتوقّف على اجتماع شرائط الصحّة التي ذكرها علماء الدراية والحديث ، ونحن والله نعاني من عدم اطّلاع هؤلاء على « أبجدية » عقائد الشيعة ومداركها ومصادرها.
التحريف في كتب أهل السنّة نحن نجلّ علماء السنّة ومحقّقيهم عن نسبة التحريف إليهم ، ولكن لو كان وجود الرواية في كتب التفسير والحديث دليلاً على العقيدة ، فقد رويت أحاديث التحريف في كتبهم أيضاً ، ولأجل إيقاف القارئ على نماذج من هذه الروايات نشير إلى بعضها : 1. أخرج أبو عبيد في الفضائل ، وابن مردويه ، وابن الأنباري ، عن عائشة قالت : كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مائتي آية ، فلمّا كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها إلاّ على ما هو الآن. (1) 2. عن عمر : لولا أن يقول الناس ، إنّ عمر زاد في كتاب الله لكتبت آية الرجم بيدي. (2) 3. نقل عن ابن مسعود أنّه حذف المعوذتين من المصحف ، وقال : إنّهما ليستا من كتاب الله. (3) 1 ـ الدر المنثور : 5 / 180 ; تفسير القرطبي : 14 / 113. 2 ـ صحيح البخاري : 1 / 69 ، باب الشهادة تكون عند الحاكم في ولاية القضاء ، ط مصر ـ 1372 هـ. 3 ـ الدر المنثور : 6 / 416.