أنّه كان على خط التوحيد وعلى دين آبائه ، نقل المؤرّخون : إنّ عبد اللّه بن عبدالمطلب أقبل من الشام في عِير لقريش فنزل بالمدينة وهو مريض ، فأقام بها حتّى توفّي ودفن في دار النابغة في الدار الصغرى إذا دخلت الدار عن يسارك ، وليس بين أصحابنا فيه اختلاف (1).
وقد مات ( رضي الله عنه ) والنبي جنين في بطن أُمّه. وأمّا والدته فهي « آمنة بنت وهب » خرجت مع النبي وهو ابن خمس أو ستّ سنين ونزلت بالمدينة تزور أخوال جدّه ، وهم بنو عدي بن النجار ، ومعها أُمُّ أيمن فأقامت عندهم ، ولمّا خافت على ولدها من اليهود خرجت من المدينة ، فلمّا وصلت إلى الإبواء توفّيت ودفنت فيها (2). وبذلك ولد النبي يتيماً وعاش يتيماً وإليه يشير قوله سبحانه ويقول : ( اَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى ) ؟ ( الضحى/6 ). ولعلّ الحكمة في تولّده ونشوئه يتيماً أحد الأُمور التالية أو جميعها : أ ـ إنّ هذا الطفل سيلقى عليه في مستقبل حياته قولاً ثقيلاً كما يقول سبحانه : ( ا ِنَّا سَنُلْقِى عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقيِلاً ) ( المزمّل/5 ). وأيّ قول أثقل من هداية الأُمّة الأُميّة إلى معالم السعادة ، ولا يقوم بهذا العبء الثقيل إلاّ الأمثل فالأمثل من الشخصيات التي ملأ روحها الصمود والثبات ، ولاتحصل تلك الحالة إلاّ بعد تذوّق مرارة الدهور ومآسي الأيّام حتّى يقع في بوتقة الأحداث ويخرج مؤهّلاً لحمل عبء الرسالة وهداية النّاس ، وقد صار كزبر الحديد ، عركته المحن ، وحنَّكته التجارب. ب ـ ولد يتيماً ونشأ يتيماً حتّى يقف على الوضع المأساوي السائد على الأيتام
1 ـ تاريخ الطبري ج1 ص8. 2 ـ الاتحاف للبشراوي ص144 ، سيرة زيني دحلان ، بهامش السيرة الحلبية ج1 ص57.
(62)
في عامّة الأجيال ، ولأجل ذلك يترتّب على قوله : ( اَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فآَوَى ) قوله : ( فَاَمّا اليَتِيم فَلاَ تَقْهَرْ ).
ج ـ ما روي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « إنّ اللّه عزّ وجلّ أيْتَمَ نَبِيَّه لِئَلاّ يكون لأحد عَلَيْهَ طَاعَة » (1). وروي عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) أنّه قال : « لئلاّ يجب عليه حق لمخلوق » (2). نعم ربّما يفسّر اليتيم في الآية الكريمة بالوحيد كما يقال الدرّة اليتيمة ولكنّه لايناسب قوله : ( فَآوَى ) كما أنّه لا يناسب مع ما رتّب عليه من عدم قهر اليتيم.
2 ـ الهداية بعد الضلالة الضلالة ضد الهداية فماذا يراد من الضلالة في الآية ؟ هل يراد أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان في فترة من عمره مضطرب العقائد ، منحرف السلوك ، ولم يكن على طريق واضح مطمئن ثم هداه اللّه بالأمر الذي أوحى به إليه ؟ أو أنّ المراد من الضلالة ، وهو الضلالة الذاتية التي تعمّ كُلّ الموجودات الحيّة من النبات والحيوان والإنسان ، لولا هداية اللّه تبارك وتعالى التي اُشير إليها في قوله سبحانه : ( الَّذِي اَعْطَى كُلَّ شَيْء خَلْقَهُ ثُمّ هَدَى ) ( طه/50 ). وقال : ( وَالَّذِي قَدَّر فَهَدَى ) ( الأعلى/3 ). والنبات بما هو موجود ممكن ، ضالّ لايهدي إلى طريق إلاّ بهداية اللّه تبارك وتعالى ، وكذلك الحشرات والحيوانات ، فالنحل بوحي منه سبحانه يسلك سبيل الكمال ، كما أنّ الحيوان بهداية منه سبحانه يقف على طريق الحياة ، والإنسان بما
1 ـ علل الشرايع ج1 ص131. 2 ـ عيون أخبار الرضا ص210.
(63)
أنّه ممكن ضالّ فاقد للهداية ، وإنّما يعرف طرق السعادة بهداية منه سبحانه ، وعلى ذلك فالآية تشير إلى الضلالة الذاتية التي هي من لوزام وجود الإنسان الممكن ولايمكن تحديد ذلك بوقت دون وقت ، بل الإنسان منذ أن خرج من بطن أُمّه يُولَد ضالاًّ ، واللّه سبحانه في الآية المتقدّمة يشير إلى ذاك النوع من الضلالة.
ويؤيّده أنّ مدار البحث في الآيات ما يرجع إلى أيّام طفوليته وصباه فتفسيرها بالضلالة بمعنى الحيرة في العقيدة ، وضلال الشعاب التي تتبلور في أيام الشباب وما بعده بعيد عن سياق الآيات ويخالف ما هو المعلوم من حال النبي انّه كان موحّداً مؤمناً منذ طفولته إلى شبابه إلى أن أوحى اللّه إليه سبحانه. إنّ الضلالة تطلق على معنيين يجمعهما فقد الهداية : الأول : هيئة نفسانيّة تحيط بالقلب فيكفر باللّه سبحانه ، و آياته ، وبيّناته ، وأنبيائه ، ورسله ، أو ببعض منها ، فالضلالة في الكفّار والمنافقين من هذا القسم ، فهم منحرفون في التصوّرات والعقائد ، منحرفون في السلوك والأوضاع. الثاني : فقد الهداية مع كونه لائقاً بها غير أنّه يكون باب الهداية مسدوداً في وجهه كما هو الحال في الأطفال والأحداث فهؤلاء في أوان حياتهم يفقدون الهداية لولا أنّ اللّه سبحانه يريهم الطريق من طرق الفطرة وهداية العقل ثمّ الشرع. فالنبي كان ضالاًّ بهذا المعنى أي كان يفقد الهداية الذاتية وإنّما هداه اللّه سبحانه منذ أن تعلّقت مشيئته بهدايته ، وربّما يذكر مبدأها الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في بعض كلماته وقال : « ولقد قرن اللّه من لدن إن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته ، يسلك به طريق المكارم ، ومحاسن أخلاق العالم ليلاً ونهارا » ً (1). فوزان قوله تعالى : ( فَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى ) وزان قوله سبحانه : ( الَّذي اَعْطَى كُلّ شَيىء خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ) وقوله : ( إنّ الإنْسانَ لَفِي خُسْر إلاّ الّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا1 ـ نهج البلاغة الخطبة 117 ( طبع عبده ).
(64)
الصَّالحِاتَ ) ( العصر/2و3 ).
فليس الخسران في الآية أمراً وجوديّاً مثل الخسران الموجود في الكافر والمنافق فإنّ الخسران فيهما ينقلب إلى أمر وجودي وهيئة ظلمانيّة في النفس والروح ، بل المراد هو عدم الهداية الذاتية لغرض إنّ كلّ إنسان ممكن ، وكلّ ممكن غير واجد لشيء من صميم ذاته ، وإنّما يجد ما يجد من جانبه سبحانه. نعم ، لو عاش وصار شابّاً وكهلاً وأنكر آيات اللّه ، ودلائل وجوده ، وأنبيائه ، ورسله ، فعند ذلك يتبدّل الخسران بمعنى فقد الهداية إلى هيئة ظلمانيّة تحدق بالقلب وتظلمه. فالضلالة بالمعنى الأوّل تقارن وجود الإنسان منذ أن يفتح عينه على الحياة ، وبالمعنى الثاني تكون مكتسبة. فتحصل من هذا البحث : إنّ الآية لا تمت بحيرة العقيدة ، وضلال الشعاب في فترة من العمر حتّى يستدل بها عليه كونه كافراً قبل البعثة أو في برهة من حياته ، ويحقّق هذا المعنى ويثبّته بوضوح إنّ السورة بموضوعها وتعبيرها تعكس لمسة من حنان ، ونسمة من رحمة ، وطائف من ودّ ، وكلّها تسلية وترويج وتطمين للنبي ، وإنّه سبحانه قام بأمر حياته وهدايته من أوان يتمه وفقده لأبيه ، وهذا يجر إلى القول بأنّه ناظر إلى الهداية أوان الحياة بعد طروء اليتم عليه ، وعندئذ فالضلالة تعتبر أمراً عدميّاً لا أمراً وجوديّاً.
3 ـ الإغناء بعد العيلولة يذكر سبحانه من مننه الكبرى على النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إنّه كان فقيراً فأغناه اللّه تعالى بالكسب. روى ابن هشام : كانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال تستأجر الرجال في مالها وتضاربهم إيّاه بشيء تجعله لهم ، فكانت قريش قوماً تجّاراً فلمّا بلغها عن رسول اللّه ما بلغها من صدق حديثه ، وعظم أمانته ، وكرم أخلاقه بعثت
(65)
إليه فعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام تاجراً وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجّار مع غلام لها يقال له « ميسرة » ، فقبله رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) منها وخرج في مالها ذلك ، وخرج معها غلامها « ميسرة » حتّى قدم الشام ، ثمّ باع رسول اللّه سلعته التي خرج بها واشترى ما أراد أن يشتري (1).
ويظهر ممّا رواه أبو الحسن البكري في كتاب الأنوار ، إنّ عمّه أبا طالب هو الذي أرشده إلى هذا الأمر و أنّه قال لابن أخيه : إنّ هذه خديجة بنت خويلد قد انتفع بمالها أكثر النّاس ، وهي تعطي مالها سائر من يسألها التجارة ويسافرون ، فهل لك يا ابن أخي أن تمضي معي إليها ، ونسألها أن تعطيك مالاً تتّجر فيه ؟ فقال : نعم (2). وقد صرّح أبو طالب في خطبته خديجة لابن أخيه بأنّه عائل مُقلّ ، فقال : هذا محمّد بن عبد اللّه لا يوازن برجل من قريش إلاّ رجّح عليه ، ولا يقاس بأحد منهم إلاّ عظم عنه ، وإن كان في المال مقلاًّ ، فانّ المال ورق حائل ، وظلّ زائل (3) ، وهذا يعرب وقت الإغناء ، وانّه تحقّق بعد الاتّجار بمال خديجة. فهذه الآيات الثلاث تعرب عن الودّ ، والحبّ ، والرحمة والإيناس التي عمّ النبي في أوان حياته والكل ظاهر من خلال الآيات الثلاث : ( اَلَمْ يَجِدْكَ يتيماً فآوَى * وَوَجَدكَ ضَالاًّ فَهَدَى * وَ وَجَدَكَ عَائِلاً فَاَغْنَى )
4 ـ تسميته بمحمّد وأحمد إنّ القرآن الكريم يتفنّن في توصيف النبي وذكره بل في تسميته والإيماء إليه. فتارة يشير إليه بإحدى الصفات العامّة الشاملة لكل إنسان كما في قوله
1 ـ السيرة النبوية لابن هشام ج1 ص199. 2 ـ بحار الأنوار ج16 ص22. 3 ـ المصدر نفسه ص6 نقلاً من مناقب ابن شهر آشوب ج1 ص26.
(66)
سبحانه : ( فَاَوْحَى إلى عَبْدِهِ مَا اَوْحَى ) ( النجم/10 ).
وفي إضافة العبد إلى نفسه إلماع إلى تكريمه وتقرّبه منه. وأُخرى يخاطبه بالألقاب الخاصّة بأنبيائه ورسله فيقول : ( يَا ايُّها النَّبيّ ) أو ( يَا اَيُّها الرَّسُول ). وثالثة يخصّه بإسميه اللّذين يدعى بهما في الإسلام أعني « محمداً » و « أحمد ». أمّا الأول فقد جاء في مواضع أربعة من القرآن : 1 ـ ( مَا كَانَ مُحَمَّدٌ اَبَا اَحَد مِنْ رِجَالِكُمْ وَلكِن رَسُولَ اللّهِ وَخَاتَمَ النَّبيِّينَ ) ( الأحزاب/40 ) 2 ـ ( وَمَا مُحَمَّدٌ اِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ ا لرُّسُلُ ) ( آل عمران/144 ). 3 ـ ( وَالَّذينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَ آمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلى مُحمَّد ) ( محمد/2 ). 4 ـ ( مُحمَّدٌ رَسُولُ ا للّهِ و َالَّذينَ مَعَهُ اَشدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) ( الفتح/29 ). وأمّا الثاني فقد جاء في موضع واحد حيث يقول سبحانه : ( وَاذْ قَالَ عِيْسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَني اِسْرائِيلَ إنِّي رَسُولُ اللّهِ إلَيْكُمْ مُصدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التّوْراةِ و َمُبشِّراً بِرَسُول يأْتِي مِنْ بَعْدِى اسْمُهُ اَحْمَدُ فَلَمّا جَاءَهُمْ بِالبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ) ( الصف/6 ). وليس الرسول بدعاً من بين الرسل في كونه ذا اسمين ، فقد سبقه في ذلك ثلّة من الأنبياء كيوشع بن نون وهو ذو الكفل في القرآن ، ويعقوب بن إسحاق وهو إسرائيل ، ويونس وهو ذو النون في القرآن ، و عيسى وهو المسيح. ويظهر من الروايات المتضافرة إنّ اسمهُ في السماء أحمد ، فقد جاء نفر من اليهود إلى رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ممّا سألوه انّه لم سمّيت محمداً
(67)
وأحمد و ... ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أمّا محمّد فإنّي محمود في الأرض ، وأمّا أحمد فإنّي محمود في السماء (1).
والمراد من السماء عالم الوحي ويؤيّده ما دلّت عليه آية الصف من تبشير المسيح بمعنى نبيّ اسمه أحمد.
« أحمد » من أسمائه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لا ريب في أنّ أحمد أحد أسمائه المعروفة ولا يتردّد في تسميته به من له تتبّع في سيرته وتاريخ حياته ، وهذا أبو طالب شيخ الأباطح يذكره في أشعاره بهذا الإسم. قال أبو طالب :
أَلا أنّ خير الناس نفساً ووالداً
إذا عدّ سادات البريّة أحمد (2)
وقال ابن هشام : ولمّا خشى أبو طالب دهماء العرب أن يركبوه مع قومه ، قال قصيدته التي تعوّذ فيها بحرم مكّة و بمكانه منها ، وتودّد أشراف قومه ، وهو على ذلك يخبرهم وغيرهم في ذلك من أنّه غير مسلّم رسول اللّه ولا تاركه بشيء أبداً حتّى يهلك دونه ، ومن تلك القصيدة قوله :
لعمري لقد كلّفت وجداً بأحمدفلا زال في الدّنيا جمالاً لأهلهافأصبح فينا أحمد في أرومة
وأحببته حبّ الحبيب المواصلوزيناً لمن والاه ربّ المشاكلتقصّر عنها سورة المتطاول
وقال « حسان بن ثابت » شاعر عهد الرسالة في رثاء النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
1 ـ علل الشرايع ص53. 2 ـ ديوان أبي طالب ص13.
(68)
مفجعة قد سفّها فقد أحمدأطالت وقوفاً تذرف العين جحده
فظلّت لآلاء الرسول تعددعلى طلل القبر الذي فيه أحمد (1)
إلى غير ذلك من القصائد التي طفحت باسمه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) « أحمد » وقد أوعزنا إلى جملة منها في « مفاهيم القرآن » (2).
5 ـ تبشير المسيح بالنبي باسم « أحمد » أخبر القرآن الكريم بأنّ المسيح يوم بعث إلى بني إسرائيل بشّر بالنبي الخاتم باسمه أحمد وقال : ( وَمُبشِّراً بِرَسُول يأتِي مِنْ بَعْدِى اسْمُهُ اَحْمدَ ... ) ثمّ إنّ رجال الكنائس أمام هذه البشارة على قولين : تارة يقولون : إنّ المسيح بشّر برسول يأتي من بعده اسمه أحمد وهذا لا ينطبق على نبي الإسلام ، فإنّ اسمه محمّد بنص القرا ن واتّفاق ا لمسلمين. وأُخرى ينكرون أصل وجود البشارة في الأناجيل ، وإنّه لم يرد أيّ تبشير بهذا. والوجه الأوّل من السقوط والردائة بمرحلة لا يستحقّ الجواب ، فقد عرفت أنّ القرآن كما أسماه محمّداً سمّاه أحمد ، و أيضاً كما عرفت إنّ الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يدعى منذ نعومة أظفاره بكلا الاسمين وقد أطراه الشعراء وفي مقدّمتهم عمّه البارّ في قصائدهم واسموه بأحمد. (3) والمهم هو القول الثاني ، ولكن إنكاره لجاج وعناد ، وهنا نذكر مورداً واحداً :
1 ـ السيرة النبويّة ج1 ص272. 2 ـ السيرة النبوية ج2 ص667و 669. 3 ـ مفاهيم القرآن ج3 ص550 ـ 556.
(69)
قد وردت هذه البشارة في أبواب إنجيل يوحنّا ونحن ننقلها عن التراجم العربية المطبوعة عام 1821م وسنة 1831م وسنة 1844م في مدينة « لندن » فالباب الرابع عشر من إنجيل يوحنّا يتضمّن العبارات التالية : 1 ـ « إنْ كُنْتُم تُحِبُّونِي فَاحفَظُوا وَصَايَاي » ( 15 ). 2 ـ « واَنَا اَطْلبُ مِنَ الأبِ فيعطيكم فارقليط آخر ليثبت معُكمْ إلى الأبد » ( 16 ). 3 ـ « روح ا لحَقّ الَّذي لَنْ يطيق العالم أن يقبله لأنّه ليس يراه ولا يعرفه وأنتم تعرفونه لأنّه مقيم عندكم وهو ثابت فيكم » ( 17 ). 4 ـ « والفار قليط ، روح القدس ، الذي يرسله الأب بإسمي هو يعلّمكم كل شيء وهو يذكّركم كلّما قلته لكم » ( 26 ). 5 ـ « والآن قد قلت لكم قبل أن يكون حتى إذا كان تؤمنون » ( 30 ). وفي الباب الخامس عشر من إنجيل يوحنّا هكذا : 1 ـ « إذا جاء الفارقليط الذي أرسله أنا إليكم من الأب ، روح الحقّ الذي من الأب ينبثق هو يشهد لأجلي » ( 26 ). 2 ـ « وأنتم تشهدون لأنّكم معي من الإبتداء » ( 27 ). و في الباب السادس عشر من انجيل يوحنّا جاءت العبارات التالية : 1 ـ « لكنّي أقول لكم الحق انّه خير لكم أن أنطلق لأنّي إن لم أنطلق لم يأتكم الفار قليط فأمّا إن انطلقت أرسلته إليكم » ( 7 ). 2 ـ « فاذا جاء ذلك فهو يوبّخ العالم على خطيّة و على برّ و على حكم » ( 8 ). 3 ـ « أمّا على الخطية فلأنّهم لم يؤمنوا بي » ( 9 ). 4 ـ « و أمّا على البر فلانّي منطلق إلى الأب و لستم تروني بعد » ( 10 ).
(70)
5 ـ « و أمّا على الحكم فإنّ اركون (1) هذا العالم قددين » ( 11 ). 6 ـ « و إنّ لي كلاماً كثيراً أقوله لكم و لكنّكم لستم تطيقون حمله الآن » ( 12 ). 7 ـ « و إذا جاء روح الحق ذاك فهو يعلّمكم جميع الحق لأنّه ليس ينطق من عنده بل يتكلّم بكل ما يسمع و يخبركم بما سيأتي » ( 13 ). 8 ـ « و هو يمجّدني لأنّه يأخذ ممّا هو لي و يخبركم » ( 14 ). 9 ـ « جميع ما هو للأب فهو لي فمن أجل هذا قلت إنّ ممّا هو لي يأخذ ويخبركم » ( 15 ). قبل تبيين الإستدلال على دلالة هذه الجمل على البشارة بأحمد ، نقدّم ذكر أمرين. 1 ـ أجمع المؤرّخون على أنّ الأناجيل الثلاثة غير « متّي » كتبت من أوّل يومها باللّغة اليونانيّة ، و أمّا إنجيل متّي فكان عبرياً من أوّل إنشائه ، و على هذا فالمسيح بشّر بما بشر ـ في إنجيل يوحنّا ـ باللّغة العبرية ، و إنّما نقله إلى اليونانيّة كاتب الإنجيل الرابع يوحنّا و كان عليه التحفّظ على اللفظ الذي تكلّم به المسيح في مورد المبشّر به ، لأنّ القاعدة الصحيحة عدم تغيير الاعلام و الإتيان بنصّها الأصلي لاترجمة معناه ، و لكن « يوحنّا » لم يراجع هذا الأصل و ترجمه إلى اليونانيّة ، فضاع لفظه الأصلي الذي تكلّم به المسيح و بقيت ترجمته ، فاللفظ العبراني الذي قاله عيسى ( عليه السلام ) مفقود ، و اللفظ اليوناني الموجود ترجمة. وفي غبّ ذلك حصل الإختلاف في المراد منه ، ثمّ مترجموا العربية عرّبوا اللّفظ اليوناني بـ « فارقليط ». و أمّا اللفظ اليوناني الذي وضعه الكاتب يوحنّا مكان اللفظ العبري ، فهو مردّد بين كونه « باراكلي طوس » الذي هو بمعنى المُعزّي و المسلِّي و المعين و الوكيل ، أو « بيركلوطوس » الذي هو بمعنى المحمود الذي يرادف أحمد ، و لأجل تقارب
1 ـ و في الترجمة المطبوعة في بيروت « رئيس هذا العالم ».