مفاهيم القرآن ـ جلد الثامن ::: 71 ـ 80
(71)
وهذا لا يخالف اقتضاء مصالح معيّنة ، أن يذوق البعض النادر منهم حياتين ، وسيوافيك الكلام في ذلك عند البحث في الحياة البرزخية.

4. إحياء قتيل بني إسرائيل
    روى المفسرون انّ رجلاً من بني إسرائيل قتل أحد أبناء عمومته ليرثه وأخفى قتله له ، ورغب اليهود في معرفة قاتله ، فأمرهم اللّه أن يذبحوا بقرة ويضربوا بعض القتيل ببعض البقرة ليحيا ويخبر عن اسم قاتله ، وقاموا بذبح تلك البقرة بعد ان طرحوا عدّة تساؤلات على موسى تعرب عن لجاجهم وعنادهم ، ثمّ ضربوا بعض القتيل بها ، فقام حيّاً وأوداجه تشخب دماً ، وقال : قتلني « فلان بن عمي » ثمّ قُبض ، يقول سبحانه :
    ( وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلينَ * ... وإِذْقَتَلْتُمْ نَفْساً فَادّارَأْتُمْ فِيها وَاللّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُون * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحيِي اللّهُ المَوتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ). (1)
    كان الهدف من وراء ذبح البقرة وضرب القتيل ببعضها ، أُمور :
    الأوّل : أن يعرف القاتل بالأُسلوب الذي جاء في الآية.
    الثاني : أن يزداد إيمان بني إسرائيل بالبعث والنشر ، وانّه سبحانه قادر على إحياء الموتى كما أحيا المقتول في المقام.
    الثالث : أمرهم بذبح البقرة بأيديهم ، لأنّ بني إسرائيل كانوا قد أُشربوا بعبادة العجل ، كما يقول الذكر الحكيم : ( وَأُشْرِبُوا في قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ) (2) ، فذبح العجل بأيديهم صار آية على تحقير معبودهم لئلاّ يرجعوا إلى
1 ـ البقرة : 67 ـ 73.
2 ـ البقرة : 93.


(72)
عبادته من جديد.
    هذا ما استظهره جمهور المفسرين من الآية الكريمة بيد انّ صاحب المنار اتخذ موقفاً سلبياً حيال الآية تعرب عن انفراده بتفسير آخر ، فقال بعد ما ذكر نظرية جمهور المفسرين : والظاهر ممّا قدمنا انّ ذلك العمل كان وسيلة عندهم للفصل في الدماء عند التنازع في القاتل ، إذا وجد القتيل قرب بلد ولم يعرف قاتله ، ليعرف الجاني من غيره ، فمن غسل يده وفعل ما رُسِم لذلك في الشريعة ، برئ من الدم ، ومن لم يفعل ، ثبتت عليه.ومعنى إحياء الموتى على هذا ، حفظ الدماء التي كانت عرضة لأن تُسفك بسبب الخلاف في قتل تلك النفس ، أي يحييها بمثل هذه الأحكام ، وهذا الإحياء على حد ، قوله تعالى :
    ( وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَميعاً ) (1) وقوله : ( ولَكُمْ فِي القِصاصِ حَياةٌ ) (2). (3)
    يلاحظ عليه أوّلاً : أنّ هذا التفسير لا ينطبق على قوله : ( فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها ) ، فانّ معناه : اضربوا بعض النفس المقتولة ببعض جسم البقرة ، وأين هذا من غسل أيدي المتهمين في دم الرجل المقتول ، فهل غسل الأيدي في دمها عبارة عن ضرب المقتول ببعض البقرة ؟
    وثانياً : أنّه سبحانه يقول : ( كَذلِكَ يُحْيى اللّهُ الْمَوتى وَيُريكُمْ آياته ). فالقصة تتضمن آية من آيات اللّه ، ومعجزة من المعاجز ، فهل في غسل الأيدي بدم العجل ودرء التهمة عن المتهم إراءة للآيات الإلهية.
    وثالثاً : أنّ تفسير الآية بالاستناد إلى الإسرائيليات والمسيحيات ، مسلك
1 ـ المائدة : 32.
2 ـ البقرة : 179.
3 ـ تفسير المنار : 1/345 ـ 351.


(73)
ضالّ في تفسير كتاب اللّه العزيز ، وليس اللجوء إليها إلاّ لأجل ما اتخذه صاحب المنار من موقف مسبق حيال المعاجز وخوارق العادات ، وإصراره على إرجاع عالم الغيب إلى الشهادة.

5. المسيح ( عليه السلام ) وإحياء الموتى
    إنّ الذكر الحكيم يقص لنا إحياء المسيح ( عليه السلام ) للموتى ، قال تعالى حاكياً عنه : ( أَنّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَة مِنْ رَبِّكُمْ أَنّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَوَأُحْيي الْمَوتى بِإِذْنِ اللّهِ ). (1)
    وقال تعالى : ( إِذْ قالَ اللّهُ يا عِيْسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْنِعْمَتِي عَلَيْكَ ... وَتُبْرئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْتُخرِجُ الْمَوتى بِإِذْني ). (2)
    وقد تضافر في التاريخ والإنجيل والحديث قيام المسيح ( عليه السلام ) بإحياء الموتى مرّات عديدة بحيث صار المسيح علماً وسمة لإحياء الموتى وعلاج الأمراض المستعصية.

6. إحياء سبعين رجلاً من قوم موسى
    ذكر المفسّرون انّ موسى ( عليه السلام ) اختار من قومه سبعين رجلاً حينما خرج إلى الميقات ليكلّمه اللّه سبحانه بحضرتهم ، فيكونوا شهداء له عند بني إسرائيل لعدم وثوقهم بأنّ اللّه سبحانه يكلّمه ، فلمّا حضروا الميقات وسمعوا كلامه تعالى سألوا الرؤية فأصابتهم الصاعقة فماتوا ثمّ أحياهم اللّه تعالى.
    يقول سبحانه : ( وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى نَرَى اللّه جَهْرَةً
1 ـ آل عمران : 49.
2 ـ المائدة : 110.


(74)
فَأَخَذَتْكُمُ الصّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون ). (1)
    ويقول سبحانه : ( وَاخْتارَمُوسى قَومَهُ سَبْعينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا فَلَمّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكَتهُمْ مِنْ قَبلُ وَإِيّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُمِنّا إِنْ هِيَ إِلاّفِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُوَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ ). (2)
    والمتبادر من الآية هو إحياؤهم بعد الموت ، ولا يفهم أي عربي صميم من قوله : ( ثمّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِمَوتِكُمْ ) ، سوى البعث من الموت.
    ولكن صاحب المنار وحسب وجهة نظره اتخذ في تفسير الآية موقفاً سلبياً حيال المعاجز وخوارق العادات ، فذهب إلى أنّ المراد من البعث هو كثرة النسل ، أي انّه بعد ما وقع فيهم الموت بالصاعقة وغيرها وظن ان سينقرضون ، بارك اللّه في نسلهم ، ليعِد الشعب بالبلاء السابق للقيام بحقّ الشكر على النعم التي تمتع بها الآباء الذين حلّ بهم العذاب بكفرهم لها ، ولكن هذا التفسير من الوهن بمكان.
    أوّلاً : أنّ الظاهر من قول موسى : ( لو شِئْتَ أَهْلَكْتهم مِنْ قَبل ) انّه سبحانه أجاب دعوته وأحياهم حتى يدفع عنه عادية اعتراض القوم بأنّه ذهب بهم إلى الميعاد فأهلكهم فتركهم هناك ورجع وحيداً ، ولا يدفع ذلك الاعتراض إلاّ بإحيائهم حقيقة.
    وثانياً : انّ الرجفة لم تصب إلاّسبعين رجلاً من قومه ، فليس في إهلاكهم مظنة انقراض نسلهم.
    إلى هنا تمّ ما أورده القرآن الكريم من ذكر نماذج لإحياء الموتى يستدل به على جواز إمكان النشر والحشر ، ولكن جاءت في القرآن الكريم نماذج أُخرى نظير إيقاظ الناس بعد سبات عميق ، الذي هو أشبه بالموت.
1 ـ البقرة : 55 ـ 56.
2 ـ الأعراف : 155.


(75)
7. إيقاظ أصحاب الكهف
    روى المفسرون أنّ فتية من قوم آمنوا باللّه تعالى وكانوا يخفون إيمانهم خوفاً من مَلِكِهم ، الذي كان يعبد الأصنام ويدعو إليها ، ويقتل من خالفه ، والفتية كانوا على دين المسيح ، وكان كلّ واحد منهم يكتم إيمانه عن صاحبه. ثمّ اتّفق انّهم اجتمعوا وأظهروا أمرهم لبعضهم ، ولجأوا إلى كهف ، فضرب سبحانه على آذانهم فناموا في الكهف ثلاثمائة وتسع سنين ، ثمّ بعثهم ، يقول سبحانه :
    ( إِذ أَوَى الفِتْيَةُ إِلَى الكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهيِّئ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً * فَضَرَبْنا عَلى آذانِهِمْ فِي الكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً * ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِما لَبِثُوا أَمَداً ). (1)
    فإنامة اللّه سبحانه هؤلاء الفتية هذه المدة المديدة ، ثمّ إيقاظهم ، لا يقصر عن الإماتة والإحياء ، والقادر عليه قادر على إحياء الموتى.
1 ـ الكهف : 10 ـ 12.

(76)
الفصل السادس :
المعاد الجسماني و الروحاني
    من المسائل الشائكة في مبحث المعاد هو تبيين كيفيته ، وانّه هل هو جسماني فحسب أو روحاني كذلك ، أو هو جسماني وروحاني معاً ؟ آراء وأقوال ، وها نحن نستعرض الآراء المهمة المطروحة على هذا الصعيد.

1. المعاد ، جسماني فحسب
    المحكي عن المحدّثين هو انّ المعاد جسماني فحسب ، وذلك لأنّه لا واقعية للإنسان سوى هيكله الجسماني ، وانّ الروح سار في بدنه سريان النار في الفحم والماء في الورد ، فإذا بطل البدن بالموت بطلت الروح أيضاً ، فلا يبقى هناك واقعية باسم الروح حتى تُعاد ، وإنّما المعاد ما يبقى من الإنسان بعد موته من عظامه وسائر أجزاء بدنه.

2. المعاد روحاني فحسب
    ذهب أكثر المشائين من الفلاسفة إلى القول بأنّ المعاد روحاني فقط ، لانقطاع الصلة بين الروح والبدن بالموت فيستحيل حينئذ أن تتعلق الروح بالمادة من جديد.


(77)
3. المعاد جسماني وروحاني معاً
    ذهب المحقّقون من المتكلّمين والحكماء كالشيخ المفيد والسيد المرتضى والشيخ الطوسي والمحقّق الطوسي والعلاّمة الحلّي من الإمامية ، والغزالي والكعبي والحليمي والراغب الاصفهاني من السنّة ، إلى أنّ المعاد جسماني وروحاني ، لأنّ النفس وإنْ كانت مجرّدة إلاّ أنّ تجرّدها ليس تامّاً حتى يستحيل تعلّقها بالمادة من جديد.
    هذه هي الآراء المطروحة ، إنّما الكلام في تبيين الضوابط والمعايير التي على ضوئها يوصف المعاد بالجسمانية والروحانية ، وهذا هو المهم في الباب.
    لأنّ القول بكون المعاد جسمانيّاً فقط ، لا يخلو عن غموض ، فلو أريد من جسمانيته هو بعث البدن المنسلخ عن الروح ، فيعود إلى القول بمعاد الإنسان بصورة جماد فاقد للإدراك والشعور ، ومن الواضح انّ مثل هذا لا يقبل الجزاء ولا الثواب والعقاب ، فينتفي الغرض من المعاد.
    وإن أُريد منه البدن المرافق مع الروح ، فلا يكون المعاد عندئذ جسمانياً فقط ، ولأجل ذلك عاد كثير من المتشرّعة إلى القول بجسمانية المعاد وروحانيته.
    واللازم قبل اتّخاذ موقف صريح في ذلك تعيين معيار على أساسه يطلق الجسمانية أو الروحانية على المعاد. فنقول :
    إنّ ثمة ملاكين للوصف بالجسمانية أو الروحانية ، حيث يرجع أحدهما إلى بيان واقع الإنسان وحقيقته ، والآخر إلى بيان نوع الجزاء من كونه جسمانياً أو روحانياً ، وها نحن نستعرض كلا الملاكين.


(78)
أ. ما هي واقعية الإنسان
    اختلفت الأنظار في واقع الإنسان وحقيقته ، فأهل الحديث يرون أنّ واقع الإنسان هو الهيكل الظاهري بما أنّ له حساً وحركة وإدراكاً ، وانّه ليس له وراء ذلك واقعية أُخرى باسم الروح والنفس ، فهؤلاء حطُّوا من المكانة الرفيعة للإنسان وجعلوه في عداد الحيوانات ، غير أنّ له صفات خاصة في مجال الحس والإدراك.
    فهؤلاء يصحّ لهم وصف المعاد جسمانياً لا بمعنى عود الإنسان جماداً ، بل عوده إلى ما كان عليه في الدنيا من الهيكل الإنساني المساوق للحس والحركة.
    فهذه الثُّلّة ليس لها وصف المعاد بالروحانية وراء الجسمانية ، بل المعاد عندها جسماني محض. بالمعنى الذي عرفت.
    وفي مقابلهم أهل الفكر والتدبّر من المحقّقين الذين ذهبوا إلى أنّ للإنسان وراء ذلك الهيكل الظاهري المساوق للحس والحركة ، واقعية أُخرى أطلق عليها « النفس المجرّدة » ، وهي مجردة لها ارتباط وثيق بالمادة أي البدن من خلال تدبيره وإدارة شؤونه.
    وعند ذاك فلو كان المحشور هو الروح المتعلقة بالبدن فقط ، يكون المعاد روحانياً محضاً ، ولو قلنا بعود الروح والجسم معاً فيصحّ وصف المعاد بالجسمانية والروحانية.
    أمّا كونه جسمانياً فلعود الهيكل الإنساني ـ المرافق للحس والحركة ـ إلى المحشر.
    وأمّا كونه روحانياً ، فلعود الروح إلى البدن من جديد.
    فتلخّص ممّا سبق أنّ من لم يذعن بوجود النفس المجردة يكون المعاد عنده جسمانياً محضاً ، وأمّا المذعن بها فالمعاد عنده يمكن أن يكون روحانياً محضاً ، أو روحانياً وجسمانياً.
    إلى هنا تمّ الملاك الأوّل.


(79)
ب. أصناف الثواب والعقاب
    وثمة ملاك آخر لوصف المعاد بالجسمانية أو الروحانية ، وهو اختلاف الثواب والعقاب فانّ هناك صنفاً من الثواب والعقاب لا ينالها الإنسان إلاّ ببدنه وهيكله المرافق للحس والحركة ، كالأكل والشرب من نعيم الجنة والالتذاذ برؤية مناظر الجنة الخلاّبة ، فعندئذ يكون معاد الإنسان معاداً جسمانياً.
    كما أنّ هناك صنفاً آخر لا ينالها الإنسان إلاّ بعقله وروحه ، فلو تجرّد الروح عن البدن لما كان للبدن ذلك كنيل رضوان اللّه والابتعاد عن رحمته.
    وعلى ذلك الاصطلاح درج الشيخ الرئيس في الشفاء (1) وصدر المتألّهين في الأسفار ، والحكيم السبزواري في شرح المنظومة.
    قال صدر المتألّهين : إنّ للنفس الإنسانية نشاءات ثلاثة إدراكية.
    النشأة الأُولى : هي الصورة الحسية الطبيعية ، ومظهرها الحواس الخمس الظاهرة ، ويقال لها الدنيا لدنوها وقربها ولتقدمها على الأخيرتين.
    وعالم الشهادة لكونها مشهودة بالحواس ، وشرورها وخيراتها معلومة لكلّ أحد لا يحتاج إلى البيان ، وفي هذه النشأة لا يخلو موجود عن حركته واستحالته ، ووجود صورتها لا تنفك عن وجود مادتها.
    والنشأة الثانية : هي الأشباه والصور الغائبة عن هذه الحواس ، ومظهرها الحواس الباطنة ، ويقال لها عالم الغيب والآخرة لمقايستها إلى الأُولى.
    والنشأة الثالثة : هي العقلية وهي دار المقربين ودار العقل والمعقول ، ومظهرها القوة العاقلة من الإنسان إذا صارت عقلاً بالفعل ، وهي لا تكون إلاّخيراً محضاً ونوراً صرفاً.
1 ـ الإلهيات : 460 المقالة التاسعة ، الفصل الثامن ، ط 1418 هـ.

(80)
    فالنشأة الأُولى دار القوة والاستعداد والمزرعة لبذور الأرواح ، ونبات النيات والاعتقادات ، والأُخريتان كلّ منهما دار التمام والفعلية وحصول الثمرات وحصاد المزروعات. (1)
    ويقول الحكيم السبزواري :
انّ الذي بالعقل بالفعل انتقى فهو لعالم العقول مرتقى
    في المعاد الروحاني وهو الحشر إلى اللّه وصفاته وأفعاله الإبداعية ، « انّ الذي » من العقل بالقوة « بالعقل بالفعل انتقى » والانتقاء بمعنى الاختيار ، « فهو لعالم العقول » اللام بمعنى إلى « مرتقى » بعد المفارقة عن البدن بالموت ، والمراد من الارتقاء أعمّ ممّا هو بعد أزمنة المكث قليله أو كثيره في عالم المثال متنعماً بالصور البهية المستنيرة وممّا هو بغير مكث فانّ الذي صار عقلاً بالفعل أعمّ من الكامل في الحكمتين العلمية والعملية والكامل في العلمية دون العملية فانّ النفس لا تخلو عن أقسام خمسة : إمّا أن تكون كاملة في الحكمتين العلمية والعملية ، أو متوسطة فيهما ، أو كاملة في العلمية دون العملية ، أو في العملية دون العلمية ، أو ناقصة فيهما. (2)
1 ـ الأسفار : 9/21 ـ 22.
2 ـ شرح المنظومة : 329 ـ 330.
مفاهيم القرآن ـ جلد الثامن ::: فهرس