أمراً زائداً طفيلياً لا ينفع.
وأمّا الأنبياء والأولياء فلهم استعداد الانتقال إلى عالم العقول فيتركون البدن المثالي لغاية الوصول إلى عالم العقل ، فيكون حشرهم الجسماني أمراً مؤقتاً لا أمراً دائمياً وهو على خلاف القرآن. الثاني : المختار عند صدر المتألّهين في العوالم الثلاثة انّها عوالم غير منفصلة فمع انّ كلاً في طول الآخر ، لكن عالم العقل باطن عالم المثال ، وعالم المثال باطن عالم الطبيعة. فالنفس في عالم الطبيعة واجدة للمراتب الثلاثة دفعة واحدة فهي بما انّها مبدأ للحياة الحيوانية مظهر لعالم الطبيعة وبما انّ ـ ها تدرك الصور الحسية مظهر لعالم المثال ، وبما انّها تدرك المفاهيم الكلية والحقائق المرسلة مظهر عالم العقل ، ولأجل ذلك اشتهر قولهم : « النفس في وحدتها كل القوى » فهي بوجودها الجمعي جامعة لتلك المراتب دفعة واحدة وإن كانت كلّ مرتبة في طول الأُخرى. فإذا كانت هذه حالة النفس ، فلماذا لا تحافظ على تلك الحالة في عالم الحشر أيضاً ، بأن يكون لها حشر طبيعي ومثالي وعقلاني ، فهي بوجودها الطبيعي تثاب وتعاقب بما يناسب عالم الطبيعة كما أنّها بوجودها المثالي تثاب بالصور وتعاقب بها ، كما أنّها بمرتبتها العقلية تصل إلى ما هو الغاية القصوى ، وحيث إنّه لا تزاحم بين المراتب في وجود النفس فلا مانع من أن يكون حشر واحد للنفس في جميع مراتبها لا بحدودها ؟ وخلاصة القول : إنّ عالم الطبيعة تدبر بالعوالم الثلاثة ، فعالم الطبيعة تحت ظل عالم المثال ، كما أنّ كليهما تحت ظل عالم العقل ، فلا تزاحم بين العوالم الثلاثة خارج النفس ، كذلك لا تزاحم بين تلك العوالم في وجود النفس في الحشر الأُخروي.
(102)
وفي الختام نعطف نظر القارئ العزيز إلى أنّ لو كان القول بتعلّق النفس بالبدن المثالي لأجل الجمع بين الشريعة والبرهان ، فهذا الجمع بعيد عن الصواب لا سيما و إنّ أكثر الآيات الواردة في المعاد الجسماني صريحة في المعاد العنصري لا في المعاد المثالي.
الثالث : المعاد الجسماني والرأي السائد بين المتكلّمين الرأي السائد بين المتكلّمين هو انّه سبحانه يخلق من الأجزاء المتفرقة للبدن بدناً ، فيعيد إليه نفسه المجردة الباقية بعد بلاء البدن ، ولا يضر انّه غير البدن الأوّل بحسب الشخص ، ولا يبعد أن يكون قوله تعالى : ( أَوَ لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرْضَ بِقادِر عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلاّقُ الْعَلِيم ) (1) إشارة إلى هذا. فإن قيل : على هذا يكون المثاب والمعاقب باللّذات والآلام الجسمانية ، غير من عمل الطاعة وارتكب المعصية. قلنا : العبرة في ذلك بالإدراك وإنّما هو للروح ولو بواسطة الآلات وهو باق بعينه ، وكذا الأجزاء الأصلية من البدن ، ولهذا يقال للشخص من الحداثة إلى الشيخوخة انّه هو بعينه وإن تبدلّت الصور و الهيئات ، بل كثير من الآلات والأعضاء ، ولا يقال لمن جنى في الشباب فعوقب في المشيب إنّها عقوبة لغير الجاني. ويدل عليه من الآيات : قوله سبحانه : ( قالَ مَنْ يُحْيي العِظامَ وَهِيَ رَمِيم * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّة ). (2)1 ـ يس : 81. 2 ـ يس : 78 ـ 79.
(103)
وقوله تعالى : ( فَإِذا هُمْ مِنَ الأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ ). (1) ( أَيَحْسَبُ الإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ * بَلى قادِرينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ ). (2) ( وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلّ شَيْء ). (3) ( كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرها ). (4) ( يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلكَ حشرٌ عَليْنا يَسير ). (5) ( أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُور ) (6). إلى غير ذلك من الآيات. وبالجملة فإثبات الحشر من ضروريات الدين وإنكاره كفر. فإن قيل : الآيات المشعرة بالمعاد الجسماني ليست أكثر وأظهر من الآيات المشعرة بالتشبيه والجبر والقدر ونحو ذلك وقد وجب تأويلها قطعاً ، فلنصرف هذه أيضاً إلى بيان المعاد الروحاني ، وأحوال سعادة النفوس وشقاوتها بعد مفارقة الأبدان على وجه يفهمه العوام ، فانّ الأنبياء مبعوثون إلى كافة الخلائق لإرشادهم إلى سبيل الحقّ ، وتكميل نفوسهم بحسب القوة النظرية والعملية وتبقية النظام المفضي إلى صلاح الكلّ وذلك بالترغيب والترهيب بالوعد والوعيد والبشارة بما يعتقدونه لذة وكمالاً ، والإنذار عمّا يعتقدونه ألماً ونقصاناً ، وأكثرهم عوام تقصر
1 ـ يس : 51. 2 ـ القيامة : 3 ـ 4. 3. فصلت : 21. 4 ـ النساء : 56. 5 ـ ق : 44. 6 ـ العاديات : 9.
(104)
عقولهم عن فهم الكمالات الحقيقية واللذات العقلية وتقتصر على ما ألفوه من اللذات والآلام الحسية وعرفوه من الكمالات والنقصانات البدنية ، فوجب أن تخاطبهم الأنبياء بما هو مثال للمعاد الحقيقي ترغيباً وترهيباً للعوام وتتميماً لأمر النظام ، وهذا ما قاله أبو نصر الفارابي إنّ الكلام مثل.
قلنا : إنّما يجب التأويل عند تعذر الظاهر ، ولا تعذر هاهنا سيما على القول بكون البدن المعاد مثل الأوّل لا عينه. وما ذكرتم من حمل كلام الأنبياء ونصوص الكتاب على الإشارة إلى مثال معاد النفس والرعاية للمصلحة العامة ، نسبة للأنبياء إلى الكذب فيما يتعلّق بالتبليغ والقصد إلى تضليل أكثر الخلائق والتعصب طول العمر لترويج الباطل وإخفاء الحقّ لأنّهم لا يفهمون إلاّهذه الظواهر التي لا حقيقة لها عندكم. نعم لو قيل : إنّ هذه الظواهر مع إرادتها من الكلام وثبوتها في نفس الأمر ، مثل للمعاد الروحاني واللذات والآلام العقلية ، وكذا أكثر ظواهر القرآن على ما يذكره المحقّقون من علماء الإسلام ، لكان حقاً لا ريب فيه و لا اعتداد بمن ينفيه. (1) إنّ ما ذكره سعد الدين التفتازاني كلام حقّ لا سترة عليه ، وهو الموافق للقرآن الكريم. ونضيف إلى كلامه أمرين : الأوّل : انّ القرآن يطرح إمكان المعاد من خلال بيان قصص تتضمن عود الموتى إلى الحياة ، كقصة إبراهيم ، وعزير ، وأُمّة من بني إسرائيل ، وقصة البقرة ، وغيرها ، فلا يمكن أن تفسر تلك البراهين بالمثَل.
1 ـ شرح المقاصد : 2/212 ـ 213 ، ط الآستانة.
(105)
الثاني : انّ ثمة فرقاً بين ما دلّ على الجبر ، وبين ما دلّ على المعاد الجسماني ، فما يدل على الأوّل يخالف العقل الصريح ، ولفيف من الآيات ، كما يضاد الغاية من وراء بعث الأنبياء ، فلا محيص عن التأويل. وأمّا المعاد الجسماني فليس هناك أيّ داع إلى التأويل ، سوى الشبهات التي نطرحها على طاولة البحث ، وسنحللها بفضل من اللّه سبحانه حينها حتى تنجلي الحقيقة ناصعة لا يشوبها لبس ولا غموض.
الرابع : المعاد الجسماني ورأي بعض المتكلمين ذهب لفيف من المتكلّمين إلى أنّ للإنسان أجزاءً أصلية صلبة لا يتطرق إليها الزيادة والنقصان ولا التغيّر والتبدّل ، وإنّما تطرأ إلى ما يضيف إليها. (1) وبعبارة أُخرى : المعاد عبارة عن جمع متفرقات أجزاء مادية لأعضاء أصلية باقية عندهم ، وتصويرها مرّة أُخرى بصورة مثل الصورة السابقة ليتعلّق النفس بها مرّة أُخرى. يقول الإمام الرازي : إنّ قوله تعالى في سورة الواقعة من الآيات إشارة إلى جواب شبهة المنكرين الذين هم من أصحاب الشمال المجادلين ، فانّهم قالوا : ( ءَإِذا مِتْنا وَكُنّا تُراباً وَعِظاماً ءَإِنّا لَمَبْعُوثُون * أَوَ آباؤُنا الأَوّلُون ) (2) وأشير إلى إمكانها هذا بوجوه أربعة : أوّلها ، قوله تعالى : ( أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُون * ءَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُون ). (3)1 ـ كشف المراد : 259 ، المسألة الرابعة في وجوب المعاد الجسماني. 2 ـ الصافات : 16 ـ 17 والواقعة : 47 ـ 48. 3 ـ الواقعة : 58 ـ 59.
(106)
وجه الاستدلال بهذا انّ المني إنّما يحصل من فضلة الهضم الرابع ، وهو كالطل المنبث في أطراف الأعضاء ولهذا يشترك كلّ الأعضاء ويجب غسلها بالالتذاذ الواقع لحصول الانحلال عنها كلّها ، ثمّ إنّ اللّه تعالى سلّط قوّة الشهوة على البنية حتّى إنّها تجمع تلك الأجزاء الطلية ، فالحاصل انّ تلك الأجزاء كانت متفرقة جداً أوّلاً في أطراف العالم.
ثمّ إنّ اللّه جمعها في بدن ذلك الحيوان وجمعها اللّه في أوعية المني ثمّ إنّه أخرجها ماءً دافقاً إلى قرار الرّحم ، فإذا كانت هذه الأجزاء متفرقة فجمعها وكوَّن منها هذا الشخص فإذا افترقت بالموت مرة أُخرى ، فكيف يمتنع عليه جمعها مرّة أُخرى ؟! (1) انّ ما ذكره المتكلّمون إنّما هو لإثبات انّ المعاد عنصري لا مثالي ، وهذا حقّ في الجملة ، لكن القول بأنّ لكلّ إنسان أجزاء صلبة لا تتبدل ولا تتغير إلى شيء فهو أمر لم يثبته العلم ولا التجربة ولا البرهان العقلي. نعم لو تضافرت عليه الأخبار نأخذ به تعبداً. (2)1 ـ الأسفار : 9/153 ـ 154. 2 ـ الأسفار : 9/153 ـ 154.
قد نسب إلى الشيخ الرئيس أنّه لا يمكن إثبات إمكان المعاد الجسماني إلاّ عن طريق الشرع ، وحيث إنّه أخبر عن وقوعه نستكشف إمكانه. ولكن عبارته في الشفاء تنادي بخلاف ذلك ، فهو لا يدّعي أنّ إمكانه رهن خبر الشارع وإنّما يدّعي انّ وقوعه رهن خبر الشارع. وبعبارة أُخرى : إمكان المعاد الجسماني أمر مسلم ، وإنّما الكلام في لزوم وقوعه ، والعقل يدل على لزوم المعاد الروحاني ، ولم يدل دليل عقلي على لزوم المعاد الجسماني ، وإليك عبارته : يجب أن يعلم أنّ المعاد منه ما هو منقول من الشرع ولا سبيل إلى إثباته إلاّمن طريق الشريعة وتصديق خبر النبوة وهو الذي للبدن عند البعث. (1) تجد انّه يقول : « لا سبيل إلى إثباته » أي لزوم وقوعه لا إمكانه ، ولولا الشرع لم يكن دليل على لزوم وقوعه. يقول صدر المتألّهين : يستفسر عن هؤلاء المنكرين للمعاد الجاحدين لأحكام الشريعة بناء على قصور مداركهم عن دركها إنّهم هل يدّعون الامتناع
1 ـ الشفاء : الإلهيات ، الفصل الثاني من المقالة التاسعة.
(108)
أو يمنعون الإمكان والجواز ؟ فعلى الأوّل ، يقال لهم : إنّ عليكم البيّنة وإثبات ما ادّعيتم وما لكم فيما قلتم به من هذا عين ولا أثر. وعلى الثاني كلّ ما أُزيل ظاهره عن الإحالة والامتناع قام التنزيل الإلهي والأخبار النبوية الصادرة عن قائل مقدس عن شوب الغلط والكذب مقام البراهين الهندسية في المسائل التعليمية والدعاوي الحسابية. (1) والمهم تحليل الشبهات المطروحة حول المعاد الجسماني.
الشبهة الأُولى : المعاد إعادة للمعدوم لقد ذكر سعد الدين التفتازاني بعض الشبهات في مقاصده وشرحه ، أحدها : بأنّ المعاد إعادة للمعدوم وهو أمر محال. ثمّ نقل عن الشيخ الرئيس ، القول التالي : إنّ كلّ من رجع إلى فطرته السليمة ، ورفض عن نفسه الميل والعصبية ، شهد عقله الصريح بأنّ إعادة المعدوم ممتنع. وقد أجاب المحقّق التفتازاني عن الإشكال بقوله : أوّلاً : منع امتناع الإعادة ، وقد تكلّمنا عن أدلّته. وثانياً : أنّ المراد إعادة الأجزاء إلى ما كانت عليه من التأليف والحياة و نحو ذلك ولا يضرنا كون المعاد مثل المبدأ لا عينه. (2) أقول : أمّا الجواب الأوّل فليس بشيء ، فانّ إعادة المعدوم بعينه أمر ممتنع بالذات ، لأنّ المقصود من الإعادة هو تعلّق القدرة ثانياً ، بإيجاده في الزمان الثاني ، ومثل ذلك لا يكون إعادة للمعدوم بعينه بل إعادة له بمثله.
1 ـ الأسفار : 9/167 ـ 168. 2 ـ شرح المقاصد : 2/213.
(109)
فلو كان المراد من إعادة المعدوم هو خرق الحجب والموانع والرجوع إلى الزمن الماضي ورؤية كلّ شيء في محلّه ، فهذا ليس إعادة للمعدوم بل مشاهدة لوجود شيء في ظرفه. وإن شئت قلت : إنّ الواقع لا ينقلب عمّا هو عليه ، وكلّ شيء إذا حدث فهو محفوظ في ظرفه ، وإن كان غير محفوظ في الظروف التي تعقبه. فمثلاً الحوادث التي وقعت في عهد نوح منذ دعوته ومكابرة قومه ، واستيلاء الغرق عليهم ، وركوب السفينة وسيرها على الماء ونزولها على الجودي ، أمر غابر لكنه موجود في ظرفه ، لا يمكن قلبه عمّا هو عليه وإن كان غير موجود في الأزمنة التي تعقبه. فإن أُريد من إعادة المعدوم هو خرق الحجب ورؤية كلّ شيء في ظرفه ، فهو ليس إعادة للمعدوم ولا خلقاً له ، ومن الواضح أنّ المعاد ليس من هذا القبيل ، ولا يراد منه خرق الحجب لرؤية المؤمنين والكافرين في ظروفهم الزمنية. وإن أُريد تعلّق الخلق وقدرته سبحانه على إيجادهم بعد انعدامهم ، فهذا ليس إعادة للمعدوم بل إيجاداً لمثله ، ضرورة تعدد الفعل والخلق. وبذلك ظهر أنّ الجواب الثاني الذي أشار إليه التفتازاني هو المهم في الباب. توضيحه : أنّ المعاد ليس من قبيل إعادة المعدوم ، بل إيجاد للمعدوم ثانياً ، على نحو يطلق على الثاني انّه عين الأوّل عرفاً وإن كان مثله عقلاً ، وذلك لأنّ الإنسان بموته يترك أمرين. الأوّل : العظام والعروق واللحوم التي تتحول إلى رميم وتتبدل إلى ثرى. الثاني : الروح والنفس التي يتوفّاها ملك الموت.
(110)
وعلى ذلك ليس كلّ ممّا ترك أمراً معدوماً ، بل أمر موجود ، غاية الأمر إنّما فقد الاتصال والتماسك بين الأجزاء التي هي مبدأ للروح الحيوانية ، فلو أعيد الاجتماع والانضمام إلى الأجزاء وتعلّق بها الروح المحفوظة ، يكون المعاد نفس الإنسان السابق. وممّا يؤكد ذلك ما أثبته العالم الفرنسي لافوازيه عام 1775م فقد أثبت بأنّ المادة لا تعدم ولا تستحدث بل تتحول من شكل إلى آخر ، وانّ التفاعلات الكيمياوية أو الفيزياوية لا تعدم فيها المادة بل المادة باقية بحالها ، غاية الأمر تتحول من شكل إلى شكل آخر.
الشبهة الثانية : شبهة الآكل والمأكول هذه الشبهة من أقدم الشبهات التي طرحت في المعاد الجسماني ، وقد جاء ذكرها في أكثر الكتب الكلامية. وقد قررت بوجوه ، أوضحها ما ذكره العلاّمة الحلّي في كشف المراد ، حيث قال : إنّ إنساناً لو أكل آخر أو اغتذى بأجزائه فإن أعيدت أجزاء الغذاء إلى الأوّل عدم الثاني ، وإن أُعيدت إلى الثاني عدم الأوّل. وأيضاً إمّا أن يعيد اللّه تعالى جميع الأجزاء البدنية الحاصلة من أوّل العمر إلى آخره أو القدر الحاصل له عند موته ، والقسمان باطلان : أمّا الأوّل : فلأنّ البدن دائماً في التحلّل والاستخلاف ، فلو أُعيد البدن مع جميع الأجزاء منه لزم عظمه في الغاية ، ولأنّه قد يتحلّل منه أجزاء تصير أجساماً غذائية ثمّ يأكلها ذلك الإنسان بعينه حتى تصير أجزاء من عضو آخر غير العضو الذي كانت أجزاء له أوّلاً ، فإذا أُعيدت أجزاء كلّ عضو إلى عضوه لزم جعل ذلك