مفاهيم القرآن ـ جلد الثامن ::: 171 ـ 180
(171)
    كما أنّه سبحانه يعد من مات في سبيل العلم مجاهداً مأجوراً عند اللّه ، يقول سبحانه : ( وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللّهِ ). (1)

و. الموت والأجل المحتوم
    القرآن الكريم يقسّم الأجل إلى أجل مطلق وأجل مسمّى ، ويقول : ( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِين ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ). (2)
    كما أنّه يصرّح بأنّ للشمس والقمر أجلاً مسمّى ، يقول : ( وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَل مُسَمّى ) (3). إلى غير ذلك من الآيات الناصة على الأجل المطلق والمسمّى.
    وقد بسط المفسرون الكلام في تفسير الأجلين ، ولكن الذي نفهمه من الآيات هو أنّه سبحانه جعل لكلّ شيء أجلاً طبيعياً بمعنى قابليته لأن ينتهي إليه ، ولكن ربّما تعوق المعوِّقات عن بلوغ ذلك الأمد ، وهذا كالإنسان فله استعداد أن يحيى 120 سنة ولكن الظروف البيئية ربما تحول دون ذلك ، فالمقدّر لكلّ شيء حسب طبيعته هو الأجل المطلق وأمّا ما ينتهي إليه مصير الشيء ، فهو يختلف ، فتارة ينقص عن الأجل المطلق لأجل عوائق تحول بينه وبين الأجل المطلق ، وأُخرى يجتازه ويعمر أكثر من العمر الطبيعي لأجل توفّر عوامل بيئية ونفسية مناسبة.
    وهذا التقسيم أيضاً جار في الصنائع ، فلكلّ مصنوع عمر محدد مفيد ، ولكنّه
1 ـ النساء : 100.
2 ـ الأنعام : 2.
3 ـ فاطر : 13.


(172)
ربّما يواجه ظروفاً وعوامل خاصّة تنقص من ذلك العمر المفيد ، كما أنّه ربما يجتازه لأجل رعاية الأساليب الفنية في استخدام ذلك المصنوع.

ز. التوبة والندامة قبيل الموت أو حينه
    الموت يلازم رفع الحجب المادية عن البصر ، فيرى الإنسان المحتضر مصيره بأُمِّ عينيه ، فالصالحون يرون روحاً وريحاناً وحياة فيستقبلون الموت بوجوه مشرقة وصدور رحبة ، وأمّا الظالمون المستكبرون فيلمسون حياة مريرة تعانق الآلام والنيران فيحاولون جهد إمكانهم أن يدّاركوا ما اقترفوه من الآثام بالتوبة والندامة ليتخلّصوا بذلك من العذاب الأليم ، ولات حين مناص ، فلا تنفع الندامة لأنّ الهدف من التوبة هو طهارة الروح من أدران المعصية والآثام وهذه الأمنية رهن صدور التوبة عن اختياره ورغبته إلى الطهارة ، وهذا غير متحقق في حال الاحتضار ، لأنّه يتوب ويندم بلا اختيار.
    وبعبارة أُخرى : التائب إنّما تقبل توبته إذا كان أمامه طريقان فينتخب الطريق الحقّ باختياره ، وهذا إنّما يتيسر له ذلك في ثنايا حياته لا في حال الاحتضار الذي يسلب عنه اختياره ، ولذلك يقول سبحانه : ( وَلَيْسَتِ التَّوبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوتُ قالَ إِنّي تُبْتُ الآن ) (1) وفي آية أُخرى : ( حتّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوتُ قالَ رَبّ ارْجِعُونِ * لَعَلّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُون ). (2)
    إنّ فرعون مصر لما كاد أن يغرق ، ورأى مصيره المرير حاول أن يتوب ويظهر إيمانه بربّ موسى ولكنّه جُوبه بالرفض والاستنكار ، قال سبحانه : ( حَتّى إِذا أَدْرَكَهُ
1 ـ النساء : 18.
2 ـ المؤمنون : 99 ـ 100.


(173)
الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أنّهُ لا إِلهَ إِلاّ الَّذي آمَنتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ المُسْلِمين * ءَآلانَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفسِدِين ). (1)
    وليست هذه خصيصة فرعون فحسب ، بل الأُمم الغابرة الغارقة في الفساد حاولوا ردّ العذاب بالتوبة بعدما نالوا من الأنبياء والمصلحين وسخروا منهم فلم تغن عنهم توبتهم في شيء قال سبحانه : ( فَلَمّا رَأَوا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنّا بِهِ مُشْرِكِين * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللّهِ الّتي قَدْخَلَتْ في عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الكافِرُون ). (2)
    والإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يصف بعض الظالمين الذين يواجهون أنواع العذاب حين الموت ويقول : « فهو يعضُّ يده ندامة على ما أضمر له عند الموت من أمره ». (3)
    وقد علم من كلّ ذلك أنّ رفض توبة الإنسان في تلك الحالة لا يدل على عدم سعة رحمته ، لما عرفت من أنّ قبول التوبة فرع سموِّ الإنسان عن اقتراف الذنوب الذي يلازم الاختيار ، وهذا غير متحقّق حين الموت.

ح. الوصية في حال الموت
    يُستحب للإنسان في جميع الأحوال أن يوصي بما عليه من الديون والحقوق لا سيما إذا حضره الموت ، يقول سبحانه : ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمُوتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَةُ لِلْوالِدَينِ وَالأَقْرَبينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلى الْمُتَّقِين ). (4)
1 ـ يونس : 90 ـ 91.
2 ـ غافر : 84 ـ 85.
3 ـ نهج البلاغة : الخطبة 109.
4 ـ البقرة : 180.


(174)
    ومن الواضح أنّ هذه اللحظة هي آخر ما يتمكن الإنسان من الوصية والأَولى أن يقدّمها على الاحتضار سواء أكان شاباً أم هرماً ، قال علي ( عليه السلام ) : « ما ينبغي لامرئ أن يبيت ليلة إلاّ ووصيته تحت رأسه ». (1)
    ويستحب أن يشهد على الوصية عدلان ، قال سبحانه : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوتُ حينَ الْوَصِيَةِ اثْنانِ ذَوا عَدْل مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوت ). (2)
    فالآية ترغِّب إلى شهادة عدلين من المسلمين إذا أمكن ، وإلاّ فليشهد من غير المسلمين من أهل الكتاب كما إذا كان الموصي ضارباً في الأرض ولم يجد من نحلته من يُشهده على وصيته فعليه أن يُشهد من غيرهم ، وما هذا إلاّ لأجل أن يوصد باب الأعذار على ورثة الميت ويقطع دابر الحيل التي ربما تحول دون تنفيذ الوصية.

ط. جهل الإنسان بموته
    إنّ حبّ البقاء من الأُمور التي جبل الإنسان عليها ، ولو سلب عنه ذلك الحب لأُطفئت جذوة حياته ، فحبّ البقاء مصباح منير لحياته ، كما أنّ اليأس من الحياة ظلام دامس لها; روي عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، انّه قال : « الأمل رحمة لأُمّتي ولولا الأمل ما رضعت والدة ولدها ، ولا غرس غارس شجرة ». (3)
    ولو كان الإنسان مطلعاً على زمان موته ومكانه لاستولى عليه الحزن واليأس قبل أن يموت بسنين ، وربما يموت قبل أجله المقرر ، ولذلك يعد الجهل بزمان موته
1 ـ وسائل الشيعة : 13 ، كتاب الوصايا ، باب 1 ، حديث7.
2 ـ المائدة : 106.
3 ـ سفينة البحار : مادة أمل.


(175)
من علل بقاء حياته ونشاطه ، ولذلك ستر سبحانه علم هذا الموضوع عن الناس إلاّ في موارد خاصة لملاكات كذلك.
    على أنّ لهذا الجهل أثراً تربوياً ، فانّ الرجوع إلى اللّه سبحانه والتوبة من المعاصي مع الرجاء بالبقاء أفضل من التوبة والرجوع إليه عند اقتراب أجله وقبل إطفاء مصباح حياته.
    نعم ربما يكون الجهل بالموت سبباً للغرور والاغترار حيث إنّ المغتر يزعم انّه سيعيش عمراً طويلاً ، ولكنّه يرى موته أمراً بعيداً ، فيقترف المعاصي في شبابه على أمل أن يتوب منها في هرمه ، ولكنه في الوقت نفسه عامل تربوي للحد من الغرور لأنّه يحتمل أن يكون قد اقترب أجله ويكون هو على مقربة من الموت.
    ولهذه الوجوه ستر سبحانه علمه عن الناس وقال : ( وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْض تَمُوت ). (1)
    ويدل على ذلك ما دلّ من الآيات على أنّ الأجل المسمّى عنده ، وهو يلازم جهل الإنسان بموته لانحصار علمه باللّه سبحانه.

ي. الموت والملائكة الموكّلون
    إنّ من مراتب التوحيد حصر التدبير في اللّه سبحانه ، وانّه لا مدبّر إلاّهو ولو كانت الشمس مشرقة والقمر منيراً وغيرهما من العوامل الطبيعية ذات الآثار الخاصة فإنّما هو بأمره سبحانه ، كما يقول : ( أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعالَمِين ). (2)
1 ـ لقمان : 34.
2 ـ الأعراف : 54.


(176)
    ولكن الإيمان بحصر التدبير في اللّه لا ينافي وجود عوامل أُخرى مؤثرة تدبر الكون ، بأمر من اللّه سبحانه ، فانّ هذا التدبير الظلي التبعي في طول تدبير اللّه سبحانه ، ولأجل ذلك ينسب اللّه تعالى توفّي الأنفس إليه ويقول : ( اللّهُ يَتَوفّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها ) (1) ، ولكنّه في الوقت نفسه ينسبه إلى الملائكة تارة وملك الموت أُخرى ، ويقول : ( الَّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَة ) (2) ويقول سبحانه : ( قُلْ يَتََوَفّاكُمْ مَلَكُ الْمَوتِ الَّذي وكِّل بِكُمْ ثمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُون ). (3)
    فهناك فعل واحد نسب إلى فواعل ثلاثة ، تارة إلى اللّه ، وأُخرى إلى الملائكة ، وثالثة إلى ملك الموت ، فالفعل واحد والفواعل متعددة ، لأنّ فعل الجميع هو فعل اللّه سبحانه بالتسبيب.
    وترى نظير ذلك في قوله سبحانه : ( وَاللّهُ يَكْتُبُ ما يُبيِّتُون ) (4) حيث ينسب الكتابة إلى اللّه ، وفي آية أُخرى ينسبها إلى الرسل ، ويقول : ( أَمْ يَحْسَبونَ أَنّا لا نَسْمَعُ سِرَّهمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُون ). (5)
    وتتجلّى تلك الحقيقة في الآيات التالية الواردة في الموت والحياة ، يقول سبحانه : ( انّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ وَلِيّ وَلا نَصِير ) (6) ، ويقول : ( وَأَنّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا ) (7).
    ويقول أيضاً : ( نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنكُمُ المَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِين ) (8).
1 ـ الزمر : 42.
2 ـ النحل : 28.
3. السجدة : 11.
4 ـ النساء : 81.
5 ـ الزخرف : 80.
6 ـ التوبة : 116.
7 ـ النجم : 44.
8 ـ الواقعة : 60.


(177)
    إلى غير ذلك من الآيات التي تعد الإماتة والإحياء فعلاً للّه سبحانه ، وفي الوقت نفسه تعدّهما فعلاً لغيره ، ويقول : ( حَتّى إِذا جَاءَأَحْدَكُمُ المَوتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُون ). (1)
    نعم تجعل بعض الآيات زمام الموت والحياة بيد الملائكة الموكّلين ، وما هذا إلاّ لأنّ عملهم عمله سبحانه.
    نعم الذي لا يمكن أن ينكر انّ الذكر الحكيم يركّز على أنّ ما في الكون أثر فعله سبحانه تكريساً للتوحيد في الربوبية.
1 ـ الأنعام : 61.

(178)
الفصل الثالث عشر :
القبر وعالم البرزخ
    إذا كانت حالة الاحتضار نهاية النشأة الأُولى وبداية النشأة الثانية ، فالتكفين والصلاة على الميت والتدفين في القبر ، هو المنزل الثاني من النشأة الثانية ، وهو منزل ضيق للغاية ، ولعل الإنسان لا أُنس له بهذا النوع من المنازل ، وتنقطع صلته عن الحياة الدنيويّة إذا وُري جثمانه الثرى ، وهذا أمر ملموس ، يشير إليه قوله سبحانه : ( ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ ) (1).
    ولكن في بطن هذا المنزل من تلك النشأة ، عالم فسيح يحيا فيه الإنسان لا بهذا البدن المقبور ، بل ببدن يناسب تلك النشأة ، وهو البدن المثالي الذي له آثار المادة وإن تجرّد عنها ، وهذا ما يعبر عنه بعالم البرزخ ، وقد صرح به الذكر الحكيم ، يقول تعالى : ( وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَومِ يُبْعَثُون ) (2) ، فقوله : ( وَمِنْ وَرائِهِمْ ) بمعنى أمامهم لا بمعنى خلفهم ، بشهادة قوله سبحانه : ( وَكانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَة غَصْباً ). (3)
1 ـ عبس : 21.
2 ـ المؤمنون : 100.
3 ـ الكهف : 79.


(179)
    والبرزخ بمعنى الحائل والفاصل ، يقول تعالى : ( بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيان ) (1) وإنّما أطلق على هذا النوع من الحياة لفظ البرزخ ، لأجل الفصل بين الحياتين على وجه لا يمكن للإنسان أن يتجاوز الفاصل والحائل ويعود إلى الدنيا.
    والآيات الدالة عليه كثيرة.
    منها : ما دلّت على تجرّد النفس وبقائها بعد الموت ، وقد مرّ ما يدل على ذلك.
    ومنها : ما دلت على حياة الشهداء ، وانّهم في ذلك العالم فرحين مستبشرين بنعم اللّه سبحانه.
    ومنها : ما ورد في حقّ آل فرعون ، وانّهم يعرضون على النار غدواً وعشياً ، ويوم القيامة يدخلون النار ، كما ورد نظيره في حقّ قوم نوح ( عليه السلام ) وقد مرّت هذه الآيات في فصل تجرد النفس فلاحظ.
    وثمّة آيات أُخرى تدل على الحياة البرزخية لم نذكرها فيما سبق.
    قال سبحانه : ( قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَل إِلى خُرُوج مِنْ سَبِيل ). (2)
    فالآية تحكي عن إماتتين وإحياءين ، فالإماتة الأُولى في النشأة الدنيا ، والإماتة الثانية في عالم البرزخ عند نفخ الصور.
    يقول سبحانه : ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إِلاّ مَنْ شاءَ اللّه ). (3) فالموت عند نفخ الصور يلازم وجود الحياة قبل النفخ ، وليس هو إلاّ الحياة البرزخية ، وأمّا الإحياءان فالأوّل منهما عبارة عن الحياة
1 ـ الرحمن : 20.
2 ـ غافر : 11.
3. الزمر : 68.


(180)
في عالم البرزخ ، والثاني هو الإحياء بعد نفخ الصور. يقول سبحانه : ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُون ). (1)
    ولأجل إعطاء صورة واضحة عن طبيعة الإماتتين والإحياءين ، نقول :
    الإماتة الأُولى عند حلول أجله القطعي.
    والإماتة الثانية عند نفخ الصور الأوّل.
    والإحياء الأوّل بعد الموت وانتقاله إلى النشأة الأُخرى.
    والإحياء الثاني عند نفخ الصور الثاني.
    وبهذا يعلم وجود الحياة البرزخية بين النشأة الأُولى وقيام الساعة.
    وقد ذكر لهاتين الإماتتين ، وهذين الإحياءين ، وجه آخر ولكن لا ينطبق على ظواهر الآيات.

الحياة البرزخية في الروايات
    وقد وردت أحاديث كثيرة في كيفية وطبيعة ذلك العالم نقتصر على هذا الحديث.
    روى أبو بصير ، قال : سألت أبا عبد اللّه ( عليه السلام ) عن أرواح المؤمنين ، فقال : « في حجرات في الجنة يأكلون من طعامها ، ويشربون من شرابها ، ويقولون ربّنا أقم لنا الساعة ، وانجز لنا ما وعدتنا » وسألته عن أرواح المشركين ، فقال : « في النار يعذبون ويقولون ربّنا لا تقم لنا الساعة ولا تنجز لنا ما وعدتنا ». (2)
1 ـ يس : 51.
2 ـ بحار الأنوار : 6/269 ، الحديث 122 و126وما ذكرناه حديث واحد وإن جعله العلاّمة المجلسي حديثين.
مفاهيم القرآن ـ جلد الثامن ::: فهرس