مفاهيم القرآن ـ جلد الثامن ::: 181 ـ 190
(181)
السؤال في معنى القبر
    يطلق القبر ويراد منه تارة ذلك المكان الضيّق ، وأُخرى ما يعيش فيه الإنسان بالبدن البرزخي في عالم فسيح ، فقد يطلق القبر في الروايات ويراد منه هذا المعنى.
    روى الزهري ، عن علي بن الحسين ( عليهما السلام ) ، انّه ( عليه السلام ) تلا قوله تعالى : ( وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْم يُبْعَثُون ) (1) وقال : « هو القبر ، وانّه لهم فيه لمعيشة ضنكا ، واللّه إنّ القبر لروضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النار ». (2)
    روى الكليني ، عن عمرو بن يزيد ، قلت لأبي عبد اللّه : إنّي سمعتك ، وأنت تقول : كلّ شيعتنا في الجنة على ما كان فيهم ، قال : « صدّقتك ، كلّهم واللّه في الجنة » قال : قلت : جعلت فداك انّ الذنوب كثيرة كبائر ، فقال : « أمّا في القيامة فكلّكم في الجنة بشفاعة النبي المطاع ، أو وصيّ النبيّ ، ولكنّي واللّه أتخوّف عليكم في البرزخ » قلت : وما البرزخ ؟قال : « القبر منذ حين موته إلى يوم القيامة ». (3)
    وعلى ذلك فكلّما أُطلق القبر فهو كناية عن تلك الحياة ، وذلك العالم الفسيح ، والآيات والروايات تشهد على أنّه أمر عام يشمل جميع أفراد الإنسان دون فرق بين من مات حتف أنفه أو افترسه السبع أو غرق في الماء ، ومن تحوّل بدنه إلى تراب فأثارته الرياح ونشرته ، فأكثر هؤلاء لا قبر لهم بالمعنى الملموس ، وإن كان لهم قبر بالمعنى الكنائي.
    إذا عرفت معنى القبر في الروايات ، فهنا مسائل ثلاث :
1 ـ المؤمنون : 100.
2 ـ بحار الأنوار : 6/159 ، باب سكرات الموت ، الحديث 19.
3 ـ بحار الأنوار : 6/267 ، باب أحوال البرزخ والقبر وعذابه وسؤاله ، الحديث 116.


(182)
    1. السؤال في القبر.
    2. ما يسأل عنه.
    3. عمّن يسأل.

السؤال في القبر
    قال الصدوق في رسالة العقائد : اعتقادنا في المسألة في القبر أنّها حقّ لابدّ منها ، فمن أجاب بالصواب ، فإذا بروح وريحان في قبره ، وبجنة نعيم في الآخرة; ومن لم يأت بالصواب فله نزل من حميم في قبره ، وتصلية جحيم في الآخرة. (1)
    وقال الشيخ المفيد : جاءت الآثار الصحيحة عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، أنّ الملائكة تنزل على المقبورين فتسألهم على أديانهم ، وألفاظ الأخبار بذلك متقاربة فمنها أنّ ملكين للّه تعالى ، يقال لهما ناكر ونكير ينزلان على الميّت فيسألانه عن ربِّه ونبيه ودينه وإمامه ، فإن أجاب بالحقّ سلّموه إلى ملائكة النعيم ، وإن ارتج عليه سلموه إلى ملائكة العذاب. (2)
    وقال المحقّق الطوسي : وعذاب القبر واقع للإمكان وتواتر السمع بوقوعه. (3)
    والسؤال في القبر والتعذيب والتنعيم من العقائد الإسلامية التي اتّفقت عليها كافّة الفرق الإسلامية.
    قال أحمد بن حنبل : وعذاب القبر حقّ يسأل العبد عن دينه ، وعن ربّه ، ويرى مقعده من النار والجنة ، ومنكر ونكير حقّ. (4)
1 ـ البحار : 6/279 ، باب أحوال البرزخ.
2 ـ شرح عقائد الصدوق : 45 ، ط تبريز.
3 ـ كشف المراد : المقصد السادس ، المسألة 14.
4 ـ كتاب السنّة لأحمد بن حنبل : 44 ـ 50.


(183)
    وقال الإمام الأشعري : ونؤمن بعذاب القبر ومنكر ونكير ومساءلتهما المدفونين في قبورهم. (1)
    وقال القاضي عبد الجبار ـ و هو من أعاظم متكلّمي المعتزلة في القرن الخامس ـ : لا خلاف فيه بين الأُمّة ، إلاّ شيء يحكى عن ضرار بن عمرو ، وكان من أصحاب المعتزلة ، ثمّ التحق بالمجبرة ، ولهذا ترى ابن الراوندي يشنع علينا ، ويقول : إنّ المعتزلة ينكرون عذاب القبر ولا يقرّون به. (2)
    وهذا النوع من الاعتقاد العام رهن روايات وردت في القبر وسؤاله وعذابه ، والروايات في هذا الباب متضافرة بل متواترة ، ولكن ليس فيها أيّ إشارة إلى أنّ المسؤول هو البدن العنصري ، ولذلك قلنا إنّ المسؤول هو البدن البرزخي فلا مناص من إرجاع السؤال والعذاب والروح والريحان إلى البدن البرزخي.
    نعم ربما يعبر عنه بالقالب المثالي ، وهذا هو الإمام الصادق ( عليه السلام ) يصف البدن ، يقول أبو ولاّد الحناط : قلت له : جعلت فداك يروون أنّ أرواح المؤمنين في حواصل طيور خضر حول العرش ، فقال : « لا ، المؤمن أكرم على اللّه من أن يجعل روحه في حوصلة طير ، لكن في أبدان كأبدانهم ». (3)
    وفي رواية أُخرى عنه ( عليه السلام ) : « فإذا قبضه اللّه عزّوجلّ صيّر تلك الروح في قالب كقالبه في الدنيا فيأكلون ويشربون ، فإذا قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصورة التي كانت في الدنيا ». (4)
    نعم ربما يستفاد من بعض الروايات أنّ المسؤول والمعذَّب والمنعّم هو هذا
1 ـ مقالات الإسلاميين : 320 ـ 325.
2 ـ شرح الأُصول الخمسة : 730.
3 ـ البحار : 6/268 ، باب أحوال البرزخ الحديث 119.
4 ـ البحار : 6/270 ، باب أحوال البرزخ ، الحديث 124.


(184)
البدن العنصري ، في ذلك المكان الضيق إلاّ انّ تأويلها أفضل من الاعتماد عليها. (1)
    إلى هنا اتضحت الأُمور الثلاثة التالية :
    1. المراد من القبر هو عالم البرزخ.
    2. انّ السؤال والتعذيب والتنعيم أمر متفق عليه بين المذاهب الإسلامية.
    3. انّ المسؤول هو البدن المثالي.
    نعم بقي هناك أمران وهما :
    1. الأُمور التي يسأل عنها.
    2. المسؤولون في البرزخ. وإليك البحث عن هذين الأمرين.

1. الأُمور التي يسأل عنها
    لقد تكفّلت الأخبار بتحديد الأُمور التي يسأل عنها.
    فقد روى زر بن حبيش الأسدي الكوفي ( وهو من أصحاب الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ) قال : سمعت عليّاً ، يقول : « إنّ العبد إذا أُدخل حفرته أتاه ملكان اسمهما منكر ونكير ، فأوّل ما يسألانه عن ربّه ، ثمّ عن نبيه ، ثمّ عن وليّه ، فإن أجاب نجا ، وإن عجز عذباه » فقال له رجل : ما لمن عرف ربّه ونبيه ولم يعرف وليّه ؟
    فقال : « مذبذب (2) ، لا إلى هؤلاء ، ولا إلى هؤلاء ، ومن يضلل فلن تجد له سبيلاً ذلك لا سبيل له ». (3)
1 ـ لاحظ البحار : 6 / 222 ـ 226 ، باب أحوال البرزخ ، الحديث 22 و 26.
2 ـ متحير و متردد بين أمرين.
3 ـ البحار : 6/233 ، باب أحوال البرزخ ، الحديث 46.


(185)
    وروى سعيد بن المسيب ، قال : كان علي بن الحسين ( عليهما السلام ) يعظ الناس ويزهدهم في الدنيا ويرغّبهم في أعمال الآخرة بهذا الكلام في كلّ جمعة في مسجد الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وحفظ عنه وكتب ، كان يقول : « أيّها الناس اتّقوا اللّه ، واعلموا أنّكم إليه ترجعون ، فتجد كلّ نفس ما عملت في هذه الدنيا من خير محضراً ، وما عملت من سوء تود لو أنّ بينها وبينه أمداً بعيداً ، ويحذركم اللّه نفسه ، ويحك ابن آدم ، الغافل ، وليس بمغفول عنه.
    ابن آدم انّ أجلك أسرع شيء إليك ، قد أقبل نحوك حثيثاً يطلبك ويوشك ان يدركك ، وكأن قد أُوفيتَ أجلك وقبض الملك روحك ، وصرتَ إلى منزل وحيداً فرد إليك فيه روحك ، واقتحم عليك فيه ملكاك : منكراً ونكيراً ، لمساءلتك وشديد امتحانك ، ألا وإنّ أوّل ما يسألانك عن ربّك الذي كنت تعبده ، وعن نبيِّك الذي أُرسل إليك ، وعن دينك الذي كنت تدين به ، وعن كتابك الذي كنت تتلوه ، وعن إمامك الذي كنت تتولاّه ، ثمّ عن عمرك فيما أفنيته ؟ ومالك من أين اكتسبته وفيما أتلفته ؟ فخذ حذرك وانظر لنفسك ». (1)

2. المسؤولون في البرزخ
    أمّا المسؤولون في البرزخ فتحديدهم رهن نقل الأخبار والروايات :
    1. روى أبو بكر الحضرمي ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ، قال : « لا يُسأل في القبر إلاّ
1 ـ البحار : 6/223 ، باب أحوال البرزخ ، الحديث 24.

(186)
من محضّ الإيمان محضاً ، أو محض الكفر محضاً » فقلت له : فسائر الناس ؟ فقال : « يلهى عنهم ». (1)
    2. روى محمد بن مسلم ، قال : قال أبو عبد اللّه ( عليه السلام ) : « لا يسأل في القبر إلاّ من محض الإيمان محضاً ، أو محض الكفر محضاً ». (2)
    إلى هنا تمّ ما أردنا ذكره في هذا المقام ممّا يرجع إلى عالم البرزخ ، وهناك بحوث شيقة لها صلة به نطوي الكلام عنها بغية الاختصار.
    وليعلم أنّ تعلّق النفس بالبدن البرزخي ليس هو من التناسخ بشيء ، لما عرفت من أنّه عبارة عن تعلّق النفس بعد كمالها ، ببدن آخر ، ولكن البدن المثالي ليس بدناً آخر ، بل هو عينه ولكن ألطف منه.
1 ـ البحار : 6/235 ، باب أحوال البرزخ ، الحديث 52.
2 ـ البحار : 6/260 ، باب أحوال البرزخ ، الحديث100.


(187)
الفصل الرابع عشر :
أشراط الساعة
    تطلق أشراط الساعة ويراد منها علائم القيامة ، ثمّ إنّ أشراط الساعة على قسمين :
    1. الحوادث التي تتحقق قبل القيامة ، وأهمها تقويض أركان النظام السائد في الكون.
    2. الحوادث التي ترافق اختلال النظام وانهياره ، ويعبر عنها بمشاهد القيامة.
    وإليك البحث في كلا القسمين ضمن فصلين :
    إنّ الذكر الحكيم يذكر بعض أشراط الساعة في مجموعة من الآيات لا تتجاوز عن سبع :
    1. ( فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ السّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْجَاءَ أَشْراطُها فَأَنّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ ). (1)
    الأشراط جمع الشرط على وزن الصدف بمعنى العلامة.
1 ـ محمد : 18.

(188)
    يقول ابن منظور : أشراط الساعة علائمها. (1)
    وأمّا الشرط على وزن الصبر ، فيطلق ويراد ما يتوقف عليه وجود الشيء بنحو من أنحاء التوقف ، فالأوّل يجمع على الأشراط ، والثاني على الشروط.
    فهذه الآية تخبر عن تحقّق بعض أشراط الساعة ، حيث قال : ( فَقَدْجاءَ أشْراطُها ) وأمّا ما هو المراد من هذه الشرط المحقق فقد فسر ببعثة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) اعتماداً على قول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « بعثت أنا والساعة كهاتين ». (2)
    وهناك سؤال وهو انّه كيف يمكن أن تعدّبعثة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من علائم القيامة مع أنّ الفاصل الزماني بينهما ليس بقليل ؟
    ويجاب عنه : انّا إذا قسّمنا ما بقي من عمر الدنيا بالنسبة إلى ما مضى ، لعلم أنّ ما بقي أقل بكثير ممّا مضى ، فانّ الدنيا تجتاز مرحلة النضوج إلى مرحلة الهرم ، فيصح عند ذلك جعل البعثة من علائم القيامة.
    وربما يفسر بشقّ القمر في قوله سبحانه : ( اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ). (3)
    وربما يفسر بنزول القرآن الكريم على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    وعلى كلّ حال فهذه الآية تحكي عن تحقّق بعض علائم الساعة.
    2. ( قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبّي فَإِذا جاءَوَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً ). (4)
    فسياق الآية تحكي عن أنَّ ذا القرنين بنى سداً منيعاً للحيلولة دون هجوم يأجوج ومأجوج ، بناه من زبر الحديد ، قال سبحانه : ( حَتّى إِذا سَاوى بَيْنَ
1 ـ لسان العرب : 7/329 ، مادة شرط.
2 ـ مجمع البيان : 5/102.
3 ـ القمر : 1.
4 ـ الكهف : 98.


(189)
الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً * فَما اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَروُهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً ). (1)
    ثمّ أردف هذه الآيات بقوله : ( هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبّي جَعَلَهُ دَكّاءَ ) فاندكاك السدّ من أشراط الساعة غير انّه لم يعلم انّه من القسم الأوّل الذي يتحقق مع وجود الإنسان على الأرض أو من القسم الثاني.
    ولعلّ الآية التالية تكشف اللثام عن وجه الحقيقة.
    3. ( حَتّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَب يَنْسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يا وَيْلَنا قَدْكُنّا في غَفْلَة مِنْ هذا بَلْ كُنّا ظالِمينَ ). (2)
    إنّ قوله سبحانه في هاتين الآيتين : ( حَتّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ ) بمنزلة قوله سبحانه في الآية السابقة : ( فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبّي جَعَلَهُ دَكّاءَ ) وحيث إنّ الآيتين تحكيان عن استيلاء يأجوج ومأجوج على السدّ ، وانسلالهم من الاتلال والأحداب إلى ذلك الجانب ، فيعلم انّ الدكّ إنّما يتحقق قبل قيام الساعة والإنسان بعدُ في الدنيا ، فيكون من أشراط الساعة والصنف الأوّل منها.
    4. ( وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ ). (3)
    والمراد انّ نزول عيسى من أشراط الساعة يعلم بها قربها ( فلا تمترنّ بها ) بالساعة فلا تكذّبوا بها ولا تشكّوا فيها. والقراءة المعروفة هي العلم على وزن الحلم ، وقرأ ابن عباس وقتادة والضحاك « علم » على وزن سلف بمعنى العلامة. (4)
1 ـ الكهف : 96 ـ 97.
2 ـ الأنبياء : 96 ـ 97.
3 ـ الزخرف : 61.
4 ـ مجمع البيان : 9 ـ 10/82.


(190)
    غير انّ هناك بحثاً آخر وهو انّ نزول عيسى ( عليه السلام ) من أعلام القيامة وأشراطها ، فهل المراد تولده ثمّ بعثه إلى بني إسرائيل ؟ أو المراد هو نزوله عند ظهور المهدي ؟ يظهر من بعض الروايات انّ المراد هو المعنى الثاني.
    قال رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم ، وإمامكم منكم ».
    وروي أيضاً أنّ رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : « لا تزال طائفة من أُمّتي يقاتلون على الحقّ ظاهرين إلى يوم القيامة ، فينزل عيسى ، فيقول أميرهم : تعال صلِّ بنا. فيقول : لا ، إنّ بعضكم على بعض أُمراء ، تكرمة اللّه هذه الأُمّة ». (1)
    وهناك احتمال آخر وهو انّ الهدف من سرد قصة المسيح ( عليه السلام ) وحياته هو إزاحة الشكّ والغموض عن قيام الساعة ، لأنّ حياة المسيح منذ ولادته إلى عروجه معجزة من معاجز اللّه تبارك وتعالى ، فالقيامة أيضاً كذلك ، فلا معنى للتبعيض بينهما ، ويؤيد ذلك الاحتمال قوله في الآية : ( فلا تمترن بها ).
    يقول الطباطبائي في تفسيره : إنّ عيسى يعلم به الساعة في خلقه من غير أب وإحيائه الموتى فيعلم به انّ الساعة ممكنة فلا تشكّوا في الساعة ولا ترتابوا فيها البتة. (2)
    وهذا التفسير لا ينافي التفسير الأوّل ، إذ لا منافاة بين أن يكون المسيح بوجوده دليلاً على إمكان القيامة وفي الوقت نفسه آية من آياتها.
    5. ( فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخان مُبين * يَغْشَى النّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ * رَبَّنَا اكْشِفْ عَنّا الْعَذابَ إِنّا مُؤْمِنُونَ * أَنّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبينٌ * ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ * إِنّا كاشِفُوا العَذابِ قَليلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ *
1 ـ جامع الأُصول لابن الأثير : 11/47 ـ 48.
2 ـ الميزان : 18/118.
مفاهيم القرآن ـ جلد الثامن ::: فهرس