مفاهيم القرآن ـ جلد الثامن ::: 271 ـ 280
(271)
    ( يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ ) (1) فإذا فعلوا ذلك ختم على ألسنتهم وينطق جوارحهم بما كانوا يكسبون ». (2)
    وروى أيضاً : ( حَتّى إِذا ما جاءُوها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ * وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنا اللّهُ الَّذي أَنْطَقَ كُلَّ شيء وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّة وَإِلَيهِ ُترْجَعُون ). (3)
    فانّها نزلت في قوم تعرض عليهم أعمالهم فينكرونها ، فيقولون : ما عملنا منها شيئاً ، فيشهد عليهم الملائكة الذين كتبوا عليهم أعمالهم.
    فقال الصادق ( عليه السلام ) : « فيقولون للّه : يا ربّ هؤلاء ملائكتك يشهدون لك ، ثمّ يحلفون باللّه ما فعلوا من ذلك شيئاً ، وهو قول اللّه : ( يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ ) (4) وهم الذين غصبوا أمير المؤمنين ، فعند ذلك يختم اللّه على ألسنتهم وينطق جوارحهم ، فيشهد السمع بما سمع ممّا حرّم اللّه ، ويشهد البصر بما نظر به إلى ما حرّم اللّه ، وتشهد اليدان بما أخذتا ، وتشهد الرجلان بما سعتا ممّا حرم اللّه ، وتشهد الفرج بما ارتكب ممّا حرّم اللّه ، ثمّ أنطق اللّه ألسنتهم فيقولون هم لجلودهم : ( لِمَ شَهِدتُمْ عَلَيْنا ) فيقولون : ( أَنْطَقَنَا اللّه الذي أَنْطَقَ كُلّ شَيء وَهُوَ خَلََقَكُمْ أَوْلَّ مَرَّة وَإِلَيْهِ تُرجعُون * وَما كُنْتم تَسْتَتِرُون ) (5) أي من اللّه ( أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ ) والجلود الفروج ( وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمّا تَعْمَلُون ). (6)
1 ـ المجادلة : 18.
2 ـ بحار الأنوار : 7/312 ، الباب 16 من كتاب العدل والمعاد ، الحديث 3.
3 ـ فصلت : 20 ـ 21.
4 ـ المجادلة : 18.
5 ـ فصلت : 21 ـ 22.
6 ـ بحار الأنوار : 7/312 ، الباب 16 من كتاب العدل و المعاد ، الحديث 4.


(272)
10 ـ 11. شهادة الأعضاء والجلود
    يذكر القرآن الكريم أنّ الجوارح والجلود تشهد على ما اقترفه المذنبون ، يقول سبحانه : ( يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ) (1) ، فالآية صريحة في شهادة اللسان على ما فعله ولعلّه في موقف خاص من مواقف القيامة بشهادة انّ القرآن يذكر انّه يختم على أفواههم فلا تتكلّم ألسنتهم وإنّما تتكلّم أيديهم وأرجلهم ، كما قال سبحانه : ( الْيَومَ نَخْتِمُ على أَفواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُون ). (2)
    وأمّا شهادة الجلود فيدل عليه قوله سبحانه : ( وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللّهِ إِلَى النّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتّى إِذا ما جاءوها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُون * وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللّهُ الّذي أَنْطَقَ كُلَّ شَيء وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّة وَإِلَيْهِ ترجعُون ). (3)
    فالآية صريحة على شهادة الجلود بما اقترفه ، وربّما يقال من أنّ المراد من الجلود هو خصوص الفروج ، وإنّما كني بها صيانة لحسن التعبير ، ولكنّه غير ظاهر لوروده في القرآن الكريم ، قال سبحانه : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ ). (4)
    بقي هنا سؤال وهو أنّ المذنبين يعترضون على خصوص شهادة الجلود ولا يعترضون على شهادة سائر الأعضاء والجوارح ، فما هو وجهه ؟
    والجواب : انّ الجلود تشهد على ما يصدر عنها بالمباشرة ، بخلاف السمع
1 ـ النور : 24.
2 ـ يس : 65.
3 ـ فصلت : 19 ـ 21.
4 ـ المؤمنون : 5.


(273)
والبصر فانّها كسائر الشهود تشهد بما ارتكبه غيرها. (1)
    والمقصود أنّ الأعضاء والجوارح كسائر الشهود الذين يشهدون على ما صدر عن غيرهم فلا يعترض عليهم بشيء ، وهذا بخلاف الجلود فانّها تشهد على ما صدر عنهم مباشرة فتستحق أن يعترض على شهادتها ، لأنّ الفعل قد صدر عنها.
    إلى هنا تمّ ما نرمي إليه من البحث في الشهود يوم القيامة ، ولو أُضيف إليه تجسّم الأعمال الذي هو شاهد صدق على صلاح الأعمال وطلاحها لبلغ عدد الشهود إلى اثني عشر شاهداً ، وسنعقد فصلاً خاصاً للبحث في تجسم الأعمال إن شاء اللّه.
1 ـ الميزان : 17/379.

(274)
الفصل الواحد والعشرون
القيامة والصراط
    الصراط في اللغة هو الطريق ، وقد استعمل في الذكر الحكيم في هذا المعنى ، قال سبحانه : ( وَاللّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراط مُسْتَقِيم ) (1) ، وقد أطلق الصراط على الطريق الذي ينتهي إلى الجحيم ، قال سبحانه : ( احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعبُدُون * مِنْ دُونِ اللّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الجَحيم ). (2)
    قال الراغب : الصراط الطريق المستسهل.
    ولعلّ وجه إطلاقه على الطريق المنتهي إلى الجحيم والجنة هو سهولة سلوك طريقهما ، أمّا طريق الجنة فسلوكه رهن العمل بالشرائع السماوية الموافقة للفطرة ، وأمّا سلوك طريق الجحيم فهو رهن الاستجابة لميول الغرائز الحيوانية; وربّما يطلق الصراط على الجسر الذي يوصل بين ضفَّتي النهر.

الصراط : معبر عام
    دلّت الآيات والروايات على أنّ الصراط معبر عام تجتازه الخلائق برمتها دون
1 ـ البقرة : 213.
2 ـ الصافات : 22 ـ 23.


(275)
فرق بين المتقين و الفجار ، قال سبحانه : ( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاّ وارِدُها كانَ على رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظالِمينَ فيها جِثِيّاً ). (1)
    والضمير في قوله : ( واردها ) يرجع إلى جهنم التي ذكرت قبل هذه الآية ، قال سبحانه : ( فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثيّاً ) (2) إلى أن قال : ( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاّ وارِدها ).
    وعلى ضوء هذا فالناس قاطبة يردون جهنم ، فهل المراد من الورود هو الاقتراب و الإشراف ، أو المراد هو الدخول والاقتحام ؟ وجهان.
    يشهد على الوجه الأوّل انّ القرآن يستعمل الورود بمعنى الإشراف والاقتراب ، يقول سبحانه : ( وَلما ورَدَ ماءَ مَدْيَنَ ). (3)
    ومن الواضح انّ موسى لم يطأ الماء بقدميه وإنّما اقترب منه ، بشهادة انّه سبحانه يردفه بقوله : ( وَجَدَ عَلَيهِ أُمّةً مِنَ النّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمْ امرَأَتين تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقي حَتّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شيخٌ كَبِير ). (4)
    ولا شكّ انّ الناس لا سيما المرأتين لم يدخلوا المشرعة بل أشرفوا عليها.
    ونظيره قوله سبحانه في قصة يوسف : ( وَجاءَتْ سَيّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يا بُشرى هذا غُلامٌ ). (5)
    والمراد من الوارد هو الساقي الذي يدخل الدلو في البئر لإخراج الماء ، وعلى ضوء هذا ، فالمراد من قوله سبحانه : ( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاّ وارِدُها ) هو انّ أهل الجنة
1 ـ مريم : 71 ـ 72.
2 ـ مريم : 68.
3 ـ القصص : 23.
4 ـ القصص : 23.
5 ـ يوسف : 19.


(276)
والجحيم يشرفون عليها دون أن يدخلوها ، غير انّ من كتب عليه النجاة سيغادرها إلى الجنة وأمّا من كتب عليه الشقاء فيلقى في النار.
    ويشهد على الوجه الثاني انّ المتبادر من الورود هو الدخول ، و المتبادر من الآية انّ كلتا الطائفتين سيدخلون الجحيم ثمّ ينجو منها السعداء ويمكث فيها الأشقياء.
    وقد استدل على هذا الوجه ببعض الآيات : ( يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القِيامَةِ فَأورَدَهُمُ النّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَورُود ). (1)
    فقوله سبحانه ( يقدم قومه ) يحكي عن تجسّم ما كان عليه فرعون في نشأة الدنيا وانّه كان يتزعم قومه فيها ، وهكذا الحال في يوم المحشر يتزعمهم فيقودهم ويدخلهم النار.
    فلفظة « أورد » في الآية بمعنى أدخل ، نظير الآية التالية : ( إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُون * لَو كانَ هؤلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وكلٌّ فِيها خالِدُونَ ). (2)
    فقد استدل سبحانه بورود معبود المشركين في النار على عدم الوهيته. فقد استخدم لفظة الورود في الآيتين بمعنى الدخول.
    وأمّا استعمال الورود بمعنى الاقتراب والإشراف في قصة يوسف ، فإنّما هو من باب المجاز دلَّت عليه القرائن.
    فلو تعبدنا بظاهر الآية فلا مناص من الأخذ بهذا الوجه ، وانّ المؤمنين والكافرين يدخلون النار ثمّ ينجِّي اللّه الذين آمنوا ويترك المشركين فيها.
1 ـ هود : 98.
2 ـ الأنبياء : 98 ـ 99.


(277)
الصراط في الروايات
    1. روى علي بن إبراهيم ، عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) ، في تفسير قوله سبحانه : ( وَجِيءَ يَومَئِذ بِجَهَنَّمَ يَومَئِذ يَتَذَكَّرُ الإِنْسانُ وَأَنّى لَهُ الذِّكْرى ). (1)
    قال : « سئل عن ذلك رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال : أخبرني الروح الأمين انّ اللّه لا إله غيره إذا برز الخلائق وجمع الأوّلين والآخرين أتى بجهنم تقاد بألف زمام ، يقودها مائة ألف ملك من الغلاظ الشداد لها هدّة وغضب وزفير وشهيق ـ إلى أن قال : ـ ثمّ يوضع عليها الصراط أدق من الشعرة وأحد من السيف ». (2)
    2. وروى المفضل بن عمر ، قال : سألت أبا عبد اللّه ( عليه السلام ) عن الصراط ، قال : « هو الطريق إلى معرفة اللّه عزّوجلّ وهما صراطان : صراط في الدنيا وصراط في الآخرة ، فأمّا الصراط الذي في الدنيا فهو الإمام المفروض الطاعة ، من عرفه في الدنيا واقتدى بهداه ، مرّ على الصراط الذي هو جسر جهنم في الآخرة ، ومن لم يعرفه في الدنيا زلّت قدمه عن الصراط في الآخرة فتردّى في نار جهنم ». (3)
    ويستفاد من هاتين الروايتين انّ الصراط جسر ممدود على جهنم ، وقد وصف في الحديث الثاني بأنّه أحد من السيف وأدق من الشعرة.
    قال الشيخ المفيد : الصراط في اللغة هو الطريق ، فلذلك سمِّي الدين صراطاً لأنّه طريق إلى الصواب ، وله سمِّي الولاء لأمير المؤمنين والأئمّة من ذريته صراطاً. ومن معناه ، قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « أنا صراط اللّه المستقيم وعروته الوثقى التي لا انفصام لها » يعني انّ معرفته والتمسك به طريق إلى اللّه سبحانه ،
1 ـ الفجر : 23.
2 ـ بحار الأنوار : 8/65 ، باب 22 من كتاب العدل و المعاد ، الحديث 2.
3 ـ المصدر نفسه ، الحديث 3.


(278)
وقد جاء الخبر بأنّ الطريق يوم القيامة إلى الجنة كالجسر يمرُّ به الناس وهو الصراط الذي يقف عن يمينه رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعن شماله أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ويأتيهما النداء من قبل اللّه تعالى : ( أَلقيا في جَهَنَّمَ كُلَّ كَفّار عَنِيد ) (1). (2)
    وقال التفتازاني : الصراط جسر ممدود على متن جهنم يرده الأوّلون والآخرون ، أدق من الشعر وأحد من السيف على ما ورد في الحديث الصحيح ، ويشبه أن يكون المرور عليه هو المراد بورود كلّ أحد النار على ما قال تعالى ( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاّ وارِدُها ) (3). (4)
    هذه طائفة من الروايات وكلمات العلماء الواردة حول الصراط.
    وخلاصة القول : إنّ الصراط عبارة عن الطريق الممدود على متن الجحيم يجتازه المؤمنون والمشركون على حدّ سواء ، غير انّ الفئة الأُولى تجتازه بإذنه سبحانه ، والفئة الثانية تسقط في هاوية جهنم. ومع أنّ هذا هو الظاهر المتبادر ، إلاّ أنّ ثمة احتمالاً آخر وهو انّ الصراط كناية عن الطريق الذي يختاره كلّ من المؤمن والكافر في هذه الدنيا فالطريق الذي اختاره المؤمن يوصله إلى الجنة ، والطريق الذي اختاره الكافر ينتهي به إلى نار جهنم ، والمعنى الأوّل هو الأوفق بالظواهر ، ولكن المعنى الثاني أيضاً محتمل ، ويؤيد الاحتمال الثاني ما روي عن علي ( عليه السلام ) انّه قال : « ألا وإنّ الخطايا خيل شُمس حمل عليها أهلها وخلعت لُجُمُها فتقحَّمت بهم في النار ، ألا وإنّ التَّقوى مطايا ذُلُل حمل عليها أهلها وأُعطُوا ازمّتها فأوردتهم الجنة ». (5)
1 ـ ق : 24.
2 ـ تصحيح الاعتقاد : 50 ، ط. تبريز.
3 ـ مريم : 71.
4 ـ شرح المقاصد : 2/223 ، ط. الآستانة.
5 ـ نهج البلاغة : الخطبة 16.


(279)
    وهذا التعبير من الإمام يؤيد الاحتمال الثاني وهو انّ الطريق الذي يسلكه كلٌّ من المؤمن والفاجر هو صراطهما في النشأة الأُخرى ، فيوصل أحدهما إلى الغاية المنشودة والآخر إلى النار. فكلّ من اختار طريق الطاعة فهو يوصله إلى الجنة ، ومن اختار طريق العصيان فهو يوصله إلى الجحيم.
    فصراط كلّ إنسان هو الطريق الذي يسلكه في نشأة الدنيا ، ثمّ يتجسد في الآخرة فيجتازه إمّا إلى الجنة أو إلى النار.
    ومع ذلك كلّه فالاحتمالان على حد سواء عندنا دون أن نجزم بأحدهما.

أوصاف الصراط
    قد وصف الصراط في الروايات بأوصاف عديدة نذكرها تباعاً :
    أ. انّه أدق من الشعرة وأحد من السيف.
    ب. فمنهم من يمرّ مثل البرق ، فيمضي أهل بيت محمد وآله زمرة على الصراط مثل البرق الخاطف.
    ج. ثمّ قوم مثل الريح.
    د. ثمّ قوم مثل عدو الفرس.
    هـ. ثمّ يمضي قوم مثل المشي.
    و. ثمّ قوم مثل الحبو.
    ز. ثمّ قوم مثل الزحف.
    ح. ويجعله اللّه على المؤمنين عريضاً وعلى المذنبين دقيقاً. (1)
    إنّ الأعمال والأفعال التي يقوم بها البشر في نشأة الدنيا تتبلور في النشأة الأُخرى بشكل حقائق أُخروية ، فالإنسان المثالي الذي ينهج الشريعة في سلوكه
1 ـ انظر بحار الأنوار : 8/67 ، باب الصراط من كتاب العدل و المعاد ، الحديث 8.

(280)
ويتناوب معها ، فهو يمرُّ كالبرق الخاطف على الصراط ، وأمّا الإنسان الذي يلبي كافة غرائزه الحيوانية الجامحة ولا يولي أهمية للشريعة فهو يسقط في هاوية الجحيم ولا يجتاز الصراط ، وبينهما مراتب متفاوتة حسب اختلاف سلوك الإنسان في العمل بالشريعة.
    وأمّا كون الصراط أحدُّ من السيف وأدقّ من الشعرة ، فقد فسره الشيخ المفيد بقوله : إنّ المراد لا يثبت لكافر قدم على الصراط يوم القيامة من شدّة ما يلحقهم من أهوال يوم القيامة ، ومخاوفها فهم يمشون عليه كالذي يمشي على الشيء الذي هو أدق من الشعرة وأحد من السيف ، وهذا مثل مضروب لما يلحق الكافر من الشدة في عبوره على الصراط ، وهو طريق إلى الجنة وطريق إلى النار يشرف العبد منه إلى الجنة ويرى من أهوال النار وقد يمر به عن الطريق المعوج ، فلهذا قال اللّه تعالى : ( وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً ). (1)
    فميّز بين طريقه الذي دعا إلى سلوكه من الدين وبين طرق الضلال ، وقال اللّه تعالى فيما أمر به عباده من الدعاء وتلاوة القرآن : ( اهْدِنَا الصِّراطَ المُسْتَقِيم ) (2) فدلّ على أنّ سواه صراط غير مستقيم وصراط اللّه تعالى دين اللّه. وصراط الشيطان طريق العصيان ، والصراط في الأصل ـ على ما بيناه ـ هو الطريق والصراط إلى يوم القيامة ، هو الطريق المسلوك إلى الجنة أو النار. (3)
    وعلى ضوء هذا فالعمل بالحقّ والحقيقة والسير على ضوء البعد الملكوتي للإنسان هو الصراط الذي يسير عليه المؤمن وينتهي به إلى الجنة ، كما أنّ الجنوح إلى الشهوات والانقياد للبعد الحيواني طريق إلى النار ، فالأوّل صراط المؤمن ،
1 ـ الأنعام : 153.
2 ـ الحمد : 6.
3 ـ تصحيح الاعتقاد : 51.
مفاهيم القرآن ـ جلد الثامن ::: فهرس