مفاهيم القرآن ـ جلد التاسع ::: 201 ـ 210
(201)
الحج
34
التمثيل الرابع و الثلاثون
    ( يا أَيُّهَا النّاسُ ضُرِبَ مَثلٌ فَاستَمِعُوا لَهُ إِنَّ الّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلوِ اجْتَمعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيئاً لا يَسْتَنْقِذُوه مِنْهُ ضَعُفَ الطّالِبُ وَالمَطْلُوبُ * ما قَدَرُوا اللهَ حقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيّ عَزِيز ). (1)
    تفسير الآيات
    كان العرب في العصر الجاهلي موحدين في الخالقية ، ويعربون عن عقيدتهم ، بأنّه لا خالق في الكون سوى الله سبحانه ، و قد حكاه سبحانه عنهم في غير واحد من الآيات ، قال سبحانه : ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمواتِ وَالاََرضَ لَيقُولُنَّ خَلقهُنَّ العَزِيزُ العَلِيم ). (2)
    ولكنّهم كانوا مشركين في التوحيد في الربوبية ، وكأنّه سبحان هـ بزعمهم ـ خلق السماوات والاَرض وفوّض تدبيرهما إلى الآلهة المزعومة ، ويكشف عن ذلك إطلاق المشركين لفظ الاَرباب في جميع العهود على آلهتهم المزعومة ، يقول سبحانه : ( أَأَرْبابٌ مُتَفَرّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الواحِدُ القَهّار ) (3) والآية وإن كانت
    1 ـ الحج : 73 ـ 74.
    2 ـ الزخرف : 9.
    3 ـ يوسف : 39.


(202)
تفصح عن عقيدة المشركين في عهد يوسف إلاّ أنّها تماثل إلى حد كبير عقيدة المشركين في مكة ، بشهادة انّ الآية نزلت للتنديد بهم والحطِّ من عقيدتهم الفاسدة.
    وهناك آيات أُخرى تكشف عن شركهم في الربوبية :
    يقول سبحانه : ( وَ اتّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلهةً لَعلَّهُمْ يُنْصَرُون ) (1) فقد كانوا يعبدون آلهتهم في سبيل نصرتهم في ساحات الوغى ، قال سبحانه : ( وَ اتّخذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلهةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً ). (2)
    فكان الهدف من الخضوع لدى الآلهة هو طلب العزّ منهم في مختلف المجالات ، إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على أنّ مشركي عصر الرسول لم يكونوا موحدين في الربوبية ، وإن كانوا كذلك في مجال الخالقية.
    وهناك آيات كثيرة تصف الاَصنام والاَوثان بأنّها لا تملك كشف الضرّ ، كما لا تملك النفع والضرّ ، ولا النصر في الحرب ، ولا العزة في الحياة ، كل ذلك يدل على أنّ المشركين كانوا يعتقدون أنّ في آلهتهم قوة وسلطاناً يكشف عنهم الضرّ ويجلب إليهم النفع ، وهذه عبارة أُخرى عن تدبيرهم للحياة الاِنسانية ، يقول سبحانه : ( قُلِ ادْعُوا الّذينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّر عَنْكُمْ وَلا تحْوِيلاً ). (3) وقال تعالى : ( وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرّك ). (4)
    وقال تعالى : ( إِن تَدَعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ ) (5) إلى غير ذلك من الآيات التي تبطل تدبير الآلهة المزيفة.

    1 ـ يَس : 74.
    2 ـ مريم : 81.
    3 ـ الاِسراء : 56.
    4 ـ يونس : 106.
    5 ـ فاطر : 14.


(203)
    إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّه سبحانه ضرب في المقام أمثالاً أبطل بها ربوبية الاَصنام ، بالبيان التالى :
    أمّا الذباب ، فهو عندهم أضعف الحيوانات وأوهنها ، ومع ذلك فآلهتهم عاجزون عن خلق الذباب ، وإن سلب الذباب منهم شيئاً لا يستطيعون استنقاذه منه.
    فقد روي أنّ العرب كانوا يطلون الاَصنام بالزعفران و روَوسها بالعسل ويغلقون عليها الاَبواب ، فيدخل الذباب من الكوى فيأكله ، يقول سبحانه : ( يا أَيُّها الناس ضربَ مثل فاستمعوا له انَّ الذينَ تَدعُون مِنْ دُونِ الله ) أي يعبدونه والدعاء هنا بمعنى العبادة ، كما في قوله سبحانه : ( وَقالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِين ) (1) فدعاوَه سبحانه عين عبادته كما أنّ دعاء الآلهة المزيّفة ـ بما انّها أرباب عند الداعي ـ عبادة لها.
    ( لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له ) مع صغره وضعفه ( وان يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه ) كما عرفت من أنّ الذباب ربما يأكل العسل الموجود على روَوس الاَصنام.
    ( ضعف الطالب والمطلوب ) وفيها احتمالات :
    الاَوّل : انّ المراد من الطالب و المطلوب هو العابد و المعبود ، فالاِنسان ضعيف كما هو واضح ، وقال سبحانه : ( وَخلق الاِنْسان ضعيفاً ) والمطلوب ، أعني : الاَصنام مثله لاَنّه جماد لا يقدر على شيء.

    1 ـ غافر : 60.

(204)
    الثاني : ويحتمل أن يكون المراد من الطالب هو الذباب الذي يطلب ما طليت به الاَصنام ، والمطلوب هي الاَصنام التي تريد استنقاذ ما سلب منها.
    الثالث : المراد من الطالب الآلهة فانّ ـ هـ م يطلبون خلق الذباب فلا يقدرون على استنقاذ ما سلبهم ، والمطلوب الذباب حيث يطلب للاستنقاذ منه ، والغاية من التمثيل بيان ضعف الآلهة لتنزيلها منزلة أضعف الحيوانات في الشعور والقدرة.
    ثمّ إنّه سبحانه يعود ليبين منشأ إعراضهم عن عبادة الله وانكبابهم على عبادة الآلهة ، بقوله : ( ما قَدَرُوا الله حقّ قدره انّ اللهَ لقوىّ عَزيز ) أي ما نزلوه المنزلة التي يستحقها ولم يعاملوه بما يليق به ، فلذلك أعرضوا عن عبادة الخالق وانصرفوا إلى عبادة المخلوق الذي لا ينفع ولا يضر ، فلو كان هوَلاء عارفين بالله وأسمائه الحسنى وصفاته العليا ، لاعترفوا بأنّه لا خالق ولا رب سواه ، وعلى ضوء ذلك لا معبود سواه ، ولكن لم يقدروا الله بما يليق به ، فلذلك شاركوه أضعف المخلوقات وأذلّهم ، مع أنّه سبحانه ( هو القويُّ العَزيز ) بخلاف الآلهة فانّهم الضعفاء والاَذلاّء.


(205)
النور
35
التمثيل الخامس والثلاثون
    ( اللهُ نُورُ السَّمواتِ وَالاََرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكوة فِيها مِصْباحٌ المِصْباحٌ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوكَبٌ دُرِيّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرة مُبارَكةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي الله لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الاََمْثالَ لِلنّاسِ وَاللهُ بِكُلّ شَىْءٍ عَلِيم ). (1)
    تفسير الآية
    المشكاة : كوّة غير نافذة ، وتُتخذ في جدار البيت لوضع بعض الاَثاث ومنها المصباح وغيره ، وربما تكون الكوّة مشرفة على ساحة الدار وتجعل بينها زجاجة ، لتحفظ المصباح من الرياح ، ولتضيء الساحة والغرفة معاً.
    ومنه حافظة المصباح ، وهي ما تصنع على شكل مخروطي توضع على المصباح لتحفظه من الرياح ، وفي أعلاها ثقب يخرج منه الدخان.
    « المصباح » : السراج ، وهو آلة يتألف من أُمور أربعة :
    أ : وعاء للزيت ، ب : فتيل يشتعل بالزيت ، ج : زجاجة منصوبة عليه ، د : آلة التحكم بالفتيل.

    1 ـ النور : 35.

(206)
    ثمّ إنّ أفخر أنواع الزيوت هو المأخوذ من شجرة الزيتون المغروسة في مكان تشرق عليه الشمس من كل الجوانب حيث تكون في غاية الصفاء وسريعة الاشتعال ، بخلاف المغروسة في جانب الشرق أو جانب الغرب ، فانّها لا تتعرض للشمس إلاّ في أوقات معينة.
    قال العلاّمة الطباطبائي :
    والمراد بكون الشجرة لا شرقية ولا غربية ، انّها ليست نابتة في الجانب الشرقي ، ولا في الجانب الغربي حتى تقع الشمس عليها في أحد طرفي النهار ، ويضيء الظل عليها في الطرف الآخر ، فلا تنضج ثمرتها ، فلا يصفو الدهن المأخوذ منها ، فلا تجود الاِضاءة. (1)
    إلى هنا تمَّ ما يرجع إلى مفردات الآية ، فعلى ذلك فالمشبه به عبارة عن مشكاة فيها مصباح و عليها زجاجة ، يوقد المصباح من زيت شجرة الزيتون المغروسة المتعرضة للشمس طول النهار على وجه يكاد زيتها يضىء و لو لم تمسسه نار ، لاَنّ الزيت إذا كان خالصاً صافياً يرى من بعيد كأنّ له شعاعاً فإذا مسّتْهُ النار ازداد ضوءاً على ضوء.
    فالمشبه به هو النور المشرق من زجاجة مصباح ، موقد من زيت جيد صافٍ موضوع على مشكاة ، فانّ نور المصباح تجمعه المشكاة وتعكسه فيزداد إشراقاً.
    وأمّا قوله في آخر الآية : ( نور على نور ) بمعنى تضاعف النور وأنّ نور الزجاجة مستمد من نور المصباح في إنارتها.
    قال العلاّمة الطباطبائي :

    1 ـ الميزان : 15/124.

(207)
    فأخذ المشكاة ، لاَجل الدلالة على اجتماع النور في بطن المشكاة وانعكاسه إلى جوِّ البيت.
    واعتبار كون الدهن من شجرة زيتونة لا شرقية ولا غربية للدلالة على صفاء الدهن و جودته الموَثر في صفاء النور المشرق عن اشتعاله.
    وجودة الضياءعلى ما يدل عليه كون زيته يكاد يضىء ولو لم تمسسه نار.
    واعتبار كون النور على النور للدلالة على تضاعف النور أو كون نور الزجاجة مستمد من نور المصباح. (1)
    هذا هو حال المشبه به ، و إنّّما الكلام في المشبه أو الممثل له ، فقد طبقت كلّ طائفة ذلك الممثل على ما ترومه ، وإليك الاَقوال :
    القول الاَوّل : المشبه به هداية الله ، إذ قد بلغت في الظهور والجلاء إلى أقصى الغايات وصارت بمنزلة المشكاة التي تكون فيها زجاجة صافية وفي الزجاجة مصباح يتّقد بزيت بلغ النهاية في الصفاء.
    وأمّا عدم تشبيهها بضوء الشمس مع أنّه أبلغ ، فلاَجل انّ المراد وصف الضوء الكامل وسط الظلمة ، لاَنّ الغالب على أوهام الخلق وخيالاتهم إنّما هي الشبهات التي هي كالظلمات ، وهداية الله تعالى فيما بينها كالضوء الكامل الذي يظهر فيما بين الظلمات.
    القول الثاني : المراد من النور : القرآن ، و يدل عليه قوله تعالى : ( قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبين ). (2)

    1 ـ لميزان : 15/125.
    2 ـ المائدة : 15.


(208)
    القول الثالث : المراد هو الرسول ، لاَنّه المرشد ، ولاَنّه تعالى قال في وصفه : ( وسِراجاً مُنِيراً ). (1) ولعلّ مرجع القولين الاَخيرين هو الاَوّل ، لاَنّ القرآن والرسول من شعب هداية الله سبحانه.
    القول الرابع : إنّ المراد ما في قلب الموَمنين من معرفة الشرائع ، ويدل عليه انّه تعالى وصف الاِيمان بأنّه نور والكفر بأنّه ظلمة ، فقال : ( أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ للاِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبّهِ ). (2)
    وقال تعالى : ( لِتُخْرِجَ الناسَ مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّور ) (3). وحاصله انّ إيمان الموَمن قد بلغ في الصفاء عن الشبهات و الامتياز عن ظلمات الضلالات مبلغ السراج المذكور.
    وعلى هذا فالتمثيل مفرداً وهو تشبيه الهداية وما يقرب منها بنور السراج ، ولا يجب أن يكون في مقابل كل ما للمشبه به من الاَُمور موجود في المشبه بخلاف الوجه التالى.
    القول الخامس : إنّ المراد هو القوى المدركة ومراتبها الخمس ، وهي : القوة الحسّاسة ، القوة الخيالية ، القوة العقلية ، القوة الفكرية ، القوة القدسية.
    وإليها أشارت الآية الكريمة : ( وَكَذلِكَ أَوحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنتَ تَدري ما الكِتابُ وَلا الاِِيمانُ ولكِن جعلناهُ نُوراً نهدِي بِهِ مَن نَشاءُ مِن عِبادنا ). (4)
    فإذا عرفت هذه القوى فهي بجملتها أنوار ، إذ بها تظهر أصناف
    1 ـ الاَحزاب : 46.
    2 ـ الزمر : 22.
    3 ـ إبراهيم : 1.
    4 ـ الشورى : 52.


(209)
الموجودات ، و هذه المراتب الخمس يمكن تشبيهها بالاَُمور الخمسة التي ذكرها الله تعالى ، و هي : المشكاة ، والزجاجة ، والمصباح ، والشجرة ، والزيت.
    وعلى هذا فالتمثيل مركباً نظير القول الآتى :
    القول السادس : إنّ النفس الاِنسانية قابلة للمعارف والاِدراكات المجردة ، ثمّ إنّه في أوّل الاَمر تكون خالية عن جميع هذه المعارف ، فهناك تسمى عقلاً هيولانياً ، وهي المشكاة.
    وفي المرتبة الثانية يحصل فيها العلوم البديهية التي يمكن التوصل بتركيباتها إلى اكتساب العلوم النظرية. ثم إن أمكنه الانتقال إن كانت ضعيفة فهي الشجرة ، وإن كانت أقوى من ذلك فهي الزيت ، وإن كانت شديدة القوة فهي الزجاجة التي كأنّها الكوكب الدرّي ، وإن كانت في النهاية القصوى وهي النفس القدسية التي للاَنبياء فهي التي ( يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ).
    وفي المرتبة الثالثة يكتسب من العلوم الضرورية العلوم النظرية ، إلاّ أنّها لا تكون حاضرة بالفعل ، ولكنها تكون بحيث متى شاء صاحبها استحضارها قدر عليه ، وهذا يسمّى عقلاً بالفعل وهو المصباح.
    وفي المرتبة الرابعة أن تكون تلك المعارف حاصلة بالفعل ، وهذا يسمّى عقلاً مستفاداً ، وهو نور على نور ، لاَنّ الحكمة ملكة نور و حصول ما عليه الملكة نور آخر. ثم إنّ هذه العلوم التي تحصل في الاَرواح البشرية ، إنّما تحصل من جوهر روحاني يسمى بالعقل الفعال وهو مدبر ما تحت كرة القمر وهو النار.
    القول السابع : إنّه سبحانه شبّه الصدر بالمشكاة ، والقلب بالزجاجة ، والمعرفة بالمصباح ، وهذا المصباح إنّما يوقد من شجرة مباركة وهي إلهامات الملائكة. وإنّما شبّه الملائكة بالشجرة المباركة لكثرة منافعهم ، ولكنّه وصفها


(210)
بأنّها لا شرقية ولا غربية لاَنّها روحانية ، ووصفهم بقوله : ( يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ) لكثرة علومهم وشدة اطّلاعهم على أسرار ملكوت الله تعالى.
    القول الثامن : إنّ المراد من ( مثل نوره ) ، أي مثل نور الاِيمان في قلب محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كمشكاة فيها مصباح ، فالمشكاة نظير صلب عبد الله ، والزجاجة نظير جسد محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، و المصباح نظير الاِيمان في قلب محمد أو نظير النبوة في قلبه.
    القول التاسع : إن « المشكاة » نظير إبراهيم ( عليه السلام ) ، والزجاجة نظير إسماعيل ( عليه السلام ) ، والمصباح نظير جسد محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، والشجرة النبوة والرسالة.
    القول العاشر : إنّ قوله : ( مثل نوره ) يرجع إلى الموَمن. (1)
    إنّ المشبه هو نور الله المشرق على قلوب الموَمنين ، والمشبه به النور المشرق من زجاجة ، وقوله سبحانه : ( يَهدي الله لنوره من يشاء ) استئناف يعلّل به اختصاص الموَمنين بنور الاِيمان والمعرفة وحرمان غيرهم ، ومن المعلوم من السياق انّ المراد بقوله : ( من يشاء ) هم الذين يذكرهم الله سبحانه بقوله بعد هذه الآية : ( رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله ) (2) فالمراد بمن يشاء الموَمنون بوصف كمال إيمانهم.والمعنى انّ الله إنّما هدى المتلبسين بكمال الاِيمان إلى نوره دون المتلبسين بالكفر. (3)
    وقوله : ( يضرب الله الاَمثال للناس والله بكلّ شيء عليم ) إشارة إلى أنّ المثل المضروب تحته طور من العلم ، وإنّما اختير المثل لكونه أسهل الطرق لتبين الحقائق والدقائق ، ويشترك فيه العالم والعامي فيأخذ منه كلّ ما قسم له ، قال تعالى : ( وَتِلْكَ الاََمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلاّ العالِمُون ). (4)
    1 ـ تفسير الفخر الرازى : 23/231 ـ 235.
    2 ـ النور : 37.
    3 ـ الميزان : 18/125 ـ 126.
    4 ـ العنكبوت : 43.
مفاهيم القرآن ـ جلد التاسع ::: فهرس