مفاهيم القرآن ـ جلد التاسع ::: 251 ـ 260
(251)
الفتح
49
التمثيل التاسع والاَربعون
    ( هُوَ الّذي أرسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدى وَدِينِ الحَقّ لِيُظْهِرَهُ عَلى الدّينِ كُلّهِ وَكَفى بِاللهِ شَهيداً * مُحَمّدٌ رَسُولُ الله وَالّذِينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ على الكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكّعاً سُجّداً يَبْتَغُونَ فَضلاً مِنَ اللهِ وَرِضواناً سيماهُمْ في وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُود ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوراةِ وَمَثَلُهُمْ فِى الاِِنْجِيلِ كَزَرعٍ أَخْرَجَ شطأهُ فَآزره فَاسْتَغْلَظَ فَاستَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الكُفّارَ وَعَدَ اللهُ الّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجراً عَظِيماً ). (1)
    تفسير الآيات
    « السيماء » : العلامة ، فقوله : ( سيماهم في وجوههم ) ، أي علامة إيمانهم في وجوههم.
    شطأ الزرع : فروخ الزرع ، وهو ما خرج منه ، وتفرع في شاطئيه أي في جانبيه وجمعه إشطاء ، وهو ما يعبر عنه بالبراعم.
    « الاَزر » : القوة الشديدة ، آزره أي أعانه وقوّاه.
    « الغلظة » : ضد الرقة.

    1 ـ الفتح : 28 ـ 29.

(252)
    « السوق » : قيل هو جمع ساق.
    القرآن يتكلم في هاتين الآيتين عن النبي تارة و أصحابه أُخرى :
    أمّا الاَوّل فيعرّفه بقوله : ( هُوَ الّذي أرسَلَ رَسُولهُ بِالهُدى وَدِينِ الحَقّ لِيُظْهِرَهُ عَلى الدّينِ كُلّهِ وَكَفى بِاللهِ شَهيداً ) والضمير « ليظهره » يرجع إلى دين الحقّ لا الرسول ، لاَنّ الغاية ظهور دين على دين لا ظهور شخص على الدين ، والمراد من الظهور هو الغلبة في مجال البرهنةوالانتشار ، وقد تحقّق بفضله سبحانه و سوف تزداد رقعة انتشاره فيضرب الاِسلام بجرانه في أرجاء المعمورة ، ولا سيما عند قيام الاِمام المهدي المنتظر ( عليه السلام ).
    يقول سبحانه في هذا الصدد : ( محمّد رسول الله ) أي الرسول الذي سوف يغلب دينه على الدين كله ، وقد صرح باسمه في هذه الآية ، إلاّ أنّه أجمل في الآية الاَُولى ، و قال : « أرسل رسوله ».
    إلى هنا تمّ بيان صفات النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وسماته ، و أمّا صفات أصحابه فجاء ذكرهم في التوراة و الاِنجيل.
    أمّا التوراة فقد جاء فيها وصفهم كالتالي :
    1. ( والّذين معه أشداء على الكفّار ) ، الذين لا يفهمون إلاّ منطق القوة ، فلذلك يكونون أشداء عليهم.
    2. ( رُحماء بَينهم ) فهم رحماء يعطف بعضهم على بعض ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : مثل الموَمنين في توادّهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى. (1)
    1 ـ مسند أحمد بن حنبل : 4/270 و 268 و 274.

(253)
3. ( تراهم ركّعاً سُجّداً ) ، هذا الوصف يجسّد ظاهر حالهم و انّهم منهمكون في العبادة ، فلذلك يقول : ( تراهم ركعاً سجداً ) ، أي تراهم في عبادة ، التي هي آية التسليم لله سبحانه.
    ومع ذلك لا يبتغون لعبادتهم أجراً وإنّما يأملون فضل الله ، كما يقول : ( يبتغون فضلاً من الله ورضواناً ) ، ولعل القيد الاَخير إشارة إلى أنّ الحافز لاَعمالهم هوكسب رضاه سبحانه.
    ومن علائمهم الاَُخرى انّ أثر السجود في جباههم ، كما يقول : ( سيماهم في وجوههم من أثر السجود ) فسيماهم ووجوههم تلمح إلى كثرة عبادتهم وسجودهم وخضوعهم لله سبحانه ، وهذه الصفات مذكورة أيضاً في الاِنجيل.
    إنّ أصحاب محمد لم يزالوا يزيدون باطّراد في العدة والقوة وبذلك يغيظون الكفار ، فهم كزرع قوي وغلظ وقام على سوقه يعجب الزارعين بجودة رشده.
    ولم يزالوا في حركة دائبة ونشيطة ، فمن جانب يعبدون الله مخلصين له الدين بلا رياء ولا سمعة ، و من جانب آخر يجاهدون في سبيل الله بغية نشر الاِسلام ورفع راية التوحيد في أقطار العالم.
    فعملهم هذا يغيظ الكفار ويسرّ الموَمنين ، قال سبحانه : ( ومثلهم في الاِنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفّار ).
    فالمجتمع الاِسلامي بإيمانه وعمله وجهاده وحركته الدوَوبة نحو التكامل يثير إعجاب الاَخلاّء وغيظ الاَلدّاء.
    ثمّ إنّه سبحانه وعد طائفة خاصة من أصحاب محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مغفرة وأجراً


(254)
عظيماً ، وذلك لاَنّ المنافقين كانوا مندسّين في صفوف أصحابه ، فلا يصح وعد المغفرة لكلّ من صحب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ورآه وعاش معه وقلبه خال من ا لاِيمان ، ولذلك قال سبحانه : ( وَعَدَ اللهُ الّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحات مِنْهُمْ مَغْفِرَة وَأَجْراً عظيماً ) فكلمة « منهم » تعرب عن أنّ المغفرة لا تعم جميع الاَصحاب بل هي مختصة بطائفة دون أُخرى.
    وما ربما يقال من أنّ « من » بيانية لا تبعيضية غير تام.
    لاَنّ « من » البيانية لا تدخل على الضمير ، ويوَيد ذلك قوله : ( وَمِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ مَرَدُوا عَلى النّفاقِ لاتَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ). (1)
    والحاصل : انّه لا يمكن القول بشمول أدلة المغفرة والاَجر العظيم لقاطبة من صحب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مع أنّهم على أصناف شتى.
    فمن منافق معروف ، عرّفه الذكر الحكيم بقوله : ( إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُون ). (2)
    إلى آخر مختفٍ لا يعرفه النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، قال سبحانه : ( وَمِنْ أَهْلِ المَدينَة مَرَدُوا علَى النّفاق لا تعلَمهم نَحنُ نَعْلَمهم ).
    إلى ثالث يصفهم الذكر الحكيم بمرضى القلوب ، ويقول : ( وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلاّ غُرُوراً ). (3)
    إلى رابع سمّاعون لنعق كل ناعق فهم كالريشة في مهب الريح يميلون
    1 ـ التوبة : 101.
    2 ـ المنافقون : 1.
    3 ـ الاَحزاب : 12.


(255)
تارة إلى المسلمين وأُخرى إلى الكافرين ، يصفهم سبحانه بقوله ( لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاّ خَبالاً وَلاَوضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الفِتْنَةَ وفِيكُمْ سَمّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظّالِمين ). (1)
    إلى خامس خالط العمل الصالح بالسيّء يصفهم سبحانه بقوله : ( وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وآخَرَ سَيّئاً ). (2)
    إلى سادس أشرفوا على الارتداد ، عرّفهم الحق سبحانه بقوله : ( وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الحَقّ ظَنَّ الجاهِليةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الاََمْرِ مِنْ شَىْءٍ قُلْ إِنَّ الاََمْرَ كُلَّهُ للهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ ). (3)
    إلى سابع يصفه القرآن فاسقاً ، و يقول : ( يا أَيّها الّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبأٍ فَتَبَيَّنُوا أن تُصِيبُوا قَوماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِين ). (4)
    والمراد هو الوليد بن عقبة صحابي سمي فاسقاً ، وقال تعالى : ( فَإِنَّ اللهَ لا يَرضَى عَنِ القَوْمِ الفاسِقِين ). (5)
    إلى ثامن يصفهم الذكر الحكيم مسلماً غير موَمن و يصرِّح بعدم دخول الاِيمان في قلوبهم ، و يقول : ( قالَتِ الاََعْرابُ آمَنّا قُلْ لَمْ تُوَْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلمّا يَدْخُلِ الاِِيمانُ فِي قُلُوبِكُم ). (6)
    إلى تاسع أظهروا الاِسلام لاَخذ الصدقة لا غير ، وهم الذين يعرفون
    1 ـ التوبة : 47.
    2 ـ التوبة : 102.
    3 ـ آل عمران : 154.
    4 ـ الحجرات : 6.
    5 ـ التوبة : 96.
    6 ـ الحجرات : 14.


(256)
بالموَلّفة قلوبهم ، قال : ( إِنّما الصّدقاتُ لِلْفُقَراءِوَالْمَساكِين وَالعامِلِينَ عَلَيْها وَالمُوَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ). (1)
    إلى عاشر يفرّون من الزحف فرار الغنم من الذئب ، يقول سبحانه :
    ( يا أَيُّها الّذينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الّذينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الاََدْبار * وَمَنْ يُوَلِّهْم يَومَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاّ مُتَحَرّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحيِّزاً إِلى فئِةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمأْواهُ جَهَنَّمُ وَبئسَ المَصير ). (2)
    وكم نطق التاريخ بفرار ثلّة من الصحابة من ساحات الوغى ، يقول سبحانه عند ذكر غزوة أُحد : ( إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ ) (3) ، ولم يكن الفرار مختصاً بغزوة أُحد بل عمّ غزوة حنين أيضاً ، يقول سبحانه : ( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَة وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الاََرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِين ). (4)
    هذه إلمامة عابرة بأصناف الصحابة المذكورة في القرآن الكريم ، أفيمكن وعد جميع هذه الاَصناف بالمغفرة؟!
    مضافاً إلى آيات أُخرى تصف أعمالهم.
    نعم كان بين الصحابة رجال مخلصون يستدرُّ بهم الغمام ، و قد وصفهم سبحانه في غير واحد من الآيات التي لا تنكر.
    والكلام الحاسم : انّ وعد المغفرة لصنف منهم لا لجميع الاَصناف ، كما أنّ عدالتهم كذلك.
    1 ـ التوبة : 60.
    2 ـ الاَنفال : 15 ـ 16.
    3 ـ آل عمران : 153.
    4 ـ التوبة : 25.


(257)
الحديد
50
التمثيل الخمسون
    ( اعْلَمُوا أَنَّمَا الحَياةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَينَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الاََمْوالِ وَالاََولادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهيجُ فَتَراهُ مُصْفَرّاً ثُمّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الحَياةُ الدُّنيا إِلاّ مَتاعُ الغُرُور ). (1)
    تفسير الآية
    « الكفّار » : جمع الكافر بمعنى الساتر ، والمراد الزارع ، ويطلق على الكافر بالله لستره الحق ، والمراد في المقام الزارع ، لاَنّه يستر حبّه تحت التراب ويغطّيها به ، يقول سبحانه : ( كَزَرْعٍ ... يُعْجِبُ الزُّرّاعَ ). (2)
    « هيج » : يقال : هاج البقل يهيج ، أي أصفرّ ، والمراد في قوله : ( ثُمّ يهِيج ) أي ييبس ( فتراه مصفرّاً ) أي إذا قارب اليبس.
    و « الحطام » بمعنى كسر الشيء ، قال سبحانه : ( لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ ). (3)

    1 ـ الحديد : 20.
    2 ـ الفتح : 29.
    3 ـ النمل : 18.


(258)
    فالآية تتضمن أمرين :
    الاَمر الاَوّل : ترسيم الحياة الدنيا والمراحل المختلفة التي تمر على الاِنسان :
    أ : اللعب ، ب : اللهو ، ج : الزينة ، د : التفاخر ، هـ : التكاثر في الاَموال والاَولاد.
    والاَمر الثاني : تشبيه الدنيا بداية ونهاية بالنبات الذي يعجب الزارع طراوته ونضارته ، ثمّ سرعان ما يتحول إلى عشب يابس تذروه الرياح.
    ثمّ استنتج من هذا التمثيل : انّ الحياة الدنيا متاع الغرور ، أي وسيلة للغرور و المتعة ، يغتر بها المخلدون إلى الاَرض يتصورونها غاية قصوى للحياة ، ولكنّها في نظر الموَمنين قنطرة للحياة الاَُخرى لا يغترّون بها ، بل يتزودّون منها إلى حياتهم الاَُخروية.
    هذا هو ترسيم إجمالي لمفهوم الآية ، والتمثيل إنّما هو في الشق الثاني منها ، فلنرجع إلى تفسير كلّ من الاَمرين.
    إنّ حياة الاِنسان من لدن ولادته إلى نهاية حياته تتشكل من مراحل خمس :
    المرحلة الاَُولى : اللعب
    واللعب هو محل منظوم لغرض خيالي كلعب الاَطفال ، وهي تقارن حياة الاِنسان منذ نعومة أظفاره وطفولته ، ويتخذ ألواناً مختلفة حسب تقدم عمره ، وهو أمر محسوس عند الاَطفال.
    المرحلة الثانية : اللهو
    واللهو ما يشغل الاِنسان عمّا يهمه ، وهذه المرحلة تبتديَ حينما يبلغ


(259)
ويشتد عظمه ، فتجد في نفسه ميلاً و نزوعاً إلى الملاهي وغيرها.
    المرحلة الثالثة : حب الزينة.
    والزينة نظير ارتداء الملابس الفاخرة والمراكب البهية والمنازل العالية ، وجنوحه إلى كل جمال وحسن.
    المرحلة الرابعة : التفاخر.
    إذا تهيّأ للاِنسان أسباب الزينة يأخذ حينها بالمفاخرة بالاَحساب والاَنساب ، وما تحت يديه من الزينة.
    المرحلة الخامسة : التكاثر في الاَموال و الاَولاد.
    وهذه المرحلة هي المرحلة الخامسة التي يصل فيها الاِنسان إلى مرحلة من العمر يفكر في تكثير الاَموال والاَولاد ، ويشيب على ذلك الاِحساس.
    ثمّ إنّ تقسيم المراحل التي تمر على الاِنسان إلى خمس ، لا يعني انّ كلّ هذه المراحل تمر على الاِنسان بلا استثناء ، بل يعني انّها تمر عليه على وجه الاِجمال ، غير انّ بعض الناس تتوقف شخصيتهم عند المرحلتين الاَُوليين إلى آخر عمره ، فيكون اللعب واللهو أهم مائز في سلوكهم ، كما أنّ بعضهم تمر عليه المرحلة الثالثة والرابعة فيحرص على ارتداء الملابس الفاخرة والتفاخر بما لديه من أسباب.
    روي عن الشيخ البهائى انّ الخصال الخمس المذكورة في الآية مترتبة بحسب سني عمر الاِنسان ومراحل حياته ، فيتولّع أوّلاً باللعب وهو طفل أو مراهق ، ثمّ إذا بلغ واشتد عظمه تعلّق باللهو و الملاهي ، ثمّ إذا بلغ أشده اشتغل بالزينة من الملابس الفاخرة والمراكب البهية والمنازل العالية وتوله للحسن


(260)
والجمال ، ثمّ إذا اكتهل أخذ بالمفاخرة بالاَحساب والاَنساب ، ثمّ إذا شاب سعى في تكثير المال والولد. (1)
    هذا ما يرجع إلى بيان حال الدنيا من حيث المراحل التي تمر بها.
    الاَمر الثاني : أي التمثيل الذي يجسد حال الدنيا ويشبهها بأرض خصبة يصيبها مطر غزير ، فتزدهر نباتها على وجه يعجب الزرّاع ، ولكن سرعان ما تذهب طراوتها وتفارقها فيصيبها الاِصفرار واليبس وتذروها الرياح في كلّ الاَطراف وتصبح كأنّها لم تكن شيئاً مذكوراً ، و عند ذلك تتجلّى الحقيقة أمام الاِنسان وانّه اغتر بطراوة هذه الروضة.
    وهكذا حال الدنيا فيغتر الاِنسان بها ويخلد إليها ، ولكن سرعان ما تسفر له عن وجهها وتكشف عن لثامها ، وعلى أية حال فالآية تهدف إلى تحقير الدنيا وتعظيم الآخرة.
    1 ـ الميزان : 19/164.
مفاهيم القرآن ـ جلد التاسع ::: فهرس