معرفة النفس ::: 196 ـ 210
(196)
صديقان يتكلمان مع بعض فخرج الاصم غاضبا منهما متهماً اياهما بالكلام ضده .. مع انهما يتكلمان في مسألة اخرى !!
    ويقول احد العلماء كنت القي حديثاً في احد المجالس وكان في المجلس شخص مصاب في احدى عينيه وكان لي علاقة وثيقة به وفجأة افتقدته من المجلس وسمعت انه يتكلم علي ويستغيبني فطلبت من اصدقائي ان يذهبوا اليه ليعرفوا ماذا جرى له ؟ وما هو الخطأ الذي صدر مني تجاه ؟ وعندما ذهبوا اليه قال لهم انه متأثر لانني اهنته على المنبر حيث استشهدت ببيت شعر يقول :
بليت باعور فعجزت عنه فكيف اذا بليت باعورين
    لم يخالط ذلك الانسان هذا الشعور الا لانه مصاب بعقدة الحقارة والضعة بسبب مرضه الامر الذي يجعله يظن ان كل ما يقال حول الموضع موجه لشخصه ، وان كان المتكلم لا يقصده او غير ملتفت لحضوره اصلاً ..
    5 / الخمول ..
    فشعوره بالحقارة والضعف يفقده الثقة بنفسه وقدراته فيتهيب تحمل اي مسؤلية او القيام بأي عمل يتصوره اكبر من قدراته وحتى لا ينكشف فشله وضعفه امام الاخرين .. وقد يعتذر عن كثير من الاعمال بأعذار واهية كالتعب او المرض او الانشغال او ما اشبه وحقيقة الامر تهيبه من القيام بالعمل لضعف ثقته بذاته وشعوره بأنه اصغر من ذلك العمل.
    يقول الامام علي عليه السلام : ( قرنت الهيبة بالخيبة ) (1).
    ومع انه يتهيب من مواجهة الواقع الا انه يبني له احلاماً وآمالاً على رمال
1 ـ نهج البلاغة : ص 471.

(197)
متحركة لا تلبث ان تنهار لاول مواجهة واصطدام فيعود اكثر خمولاً وتراجعاً.
    6 / الاخلاق السيئة ..
    الانسان الواثق من نفسه القوي الشخصية لا يتهرب من مسؤلية اعماله وتصرفاته فاذا عمل شيئا لا ينكره بل يواجه نتائجه بشجاعة بينما الذي يحتقر نفسه يتنصل من مسؤلية اعماله حينما تترتب عليها محاسبات او مضاعفات فليجأ للكذب. يقول صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا يكذب الكاذب الا من مهانة نفسه عليه ) (1).
    وكما تدفع عقدة الحقارة صاحبها للكذب فانها تورطه في مرض النفاق حيث يجبن عن اعلان ولائه وموقفه الحقيقي ويتظاهر بما لا يؤمن ولا يعتقد بقول الامام علي عليه السلام : ( نفاق المرء من ذل يجده في نفسه ) (2).
    وعادة ما يتذرع من يحتقر نفسه بالتبريرات والاعذار لمواجهة اي خطأ يرتكبه او اي تقصير يمارسه بدلاً من الاعتراف بالخطأ والاعتذار عن التقصير ..
    وهكذا تفرز عقدة الحقارة العديد من الامراض والاخلاق السيئة لدى صاحبها.
1 ـ ميزان الحكمة : ج 3 ص 347.
2 ـ المصدر السابق : ج 10 ص 151.


(198)

(199)
    لماذا يشعر الانسان بأنه اقل من الاخرين ؟ ولماذا يحس النقص في ذاته تجاه غيره ؟ ومن اين تنشأ عقدة الحقارة في نفس الانسان ؟
    لقد ذكر علماء النفس اسباباً عديدة لهذه الحالة المرضية ، كما تشير النصوص الدينية الى جذور وخلفيات هذا المرض.
    وسنتناول هنا اهم تلك الاسباب والعوامل مستوحاة من بحوث علماء النفس وهدي التوجيهات الاسلامية.
    1 / الولادة غير الشرعية ..
    في كل مجتمع هناك قوانين واعراف معينة لبناء العائلة وانجاب الاولاد ، فاذا ولد انسان من عائلة متكونة حسب تقاليد والاعراف السائدة في ذلك المجتمع فانه يأخذ مكانته بين الناس بشكل طبيعي ، بيد انه عندما يتجاوز الوالدان القوانين والتقاليد المتعارف عليها ويرتبطان ارتباطاً جنسياً محرماً فانهما سوف ينجبان انساناً معرضاً لخطر التلوث نفسياً بجريمتهما.
    فمثلاً في مجتمعنا الاسلامي هنالك قانون شرعي للزواج « العقد » والذي يعتبر عرفاً والجميع متفق عليه ولا يرضى احد بتجاوزه ، وعندما يتجاوزه رجل وامرأة ويزنيان فينجبان ولداً هذا الولد تنعقد نطفته وحقارته في ذات


(200)
الوقت ، وتزداد تلك العقدة حدة عندما تتفتح عيناه على الدنيا ويجد واقعه مخالفاً للنظام السائد.
    اذن ولادة الانسان غير الشرعية تؤدي الى اصابته بعقدة الحقارة وذلك لان لحظة انعقاد نطفته وفترة الحمل لم تكن نفسية امه نفسية طبيعية وانما كانت قلقة ومضطربة جراء فعل ما يخالف التقاليد والاعراف الاجتماعية ، ثم هو بعد ان يظهر الى الحياة يجد انه ظهر بصورة تختلف عن ظهور الاخرين الى الحياة وربما لايجد امه ولا اباه فيزداد تعقداً وصراعاً داخلياً في نفسه ، ويشعر ان المجتمع ينظر اليه نظرة ازدراء واستخفاف وريبة فتزداد بذلك عقدة الحقارة عنده ، ويحقد على المجتمع برمته.
    هذه الحالة تظهر جلياً في المجتمعات التي تقدس عملية الزواج والولاده الشرعية ، ولا سيما مجمعاتنا الاسلامية ، وهذه الحالة تظهر ايضا حتى في بعض المجتعمات الغربية ، ففي امريكا على سبيل المثال تبنى دور ومستشفيات للاولاد غير الشرعيين ، وتقوم القوات الامريكية بتربيتهم وتدريبهم في مدارس خاصة بغية توجيه حقدهم وانتقامهم الى العالم الخارجي ، ويشارك في هذه الجريمة طبعاً علماء النفس الذين يستخدمون علمهم لتدمير العالم.
    لقد تناقلت الصحف الغربية هذا الامر وورد فيها ان اكبر نسبة في فرقة المشاة البحرية للقوات الامريكية هم اولاد غير شرعيين ، ذلك ان فرقة المشاة والبحرية بالذات هما اللذان يقودان المعارك بشكل مباشر ، وهذا يتطلب نفسيات غير طبيعية تجرأ على قتل الابرياء بطريقة مباشرة على العكس من بقية القوا التي تقتل الناس من مواقع محصنة ولا ترى جريمتها بوضوح.
    حكم الاسلام في ابن الزنا :


(201)
    بالرغم من ان الاسلام يرى ان الشخص المولود ولادة غير شرعية لا يتحمل ذنب جريمة الوالدين ولا يعاقبه الله على ذلك ، ولكن هذا لا يعني انه سوف ينمو نمواً طبيعاً ، بل سوف يترك اجرام الوالدين آثاراً شاذة في كيانه.
    فيكون ضحية تجاوز ابويه للقانون الشرعي الاجتماعي المتعارف عليه ، مع انه لا يعني حتمية انحرافه واستحالة استقامته بحيث يكون مجبرا على الفساد ، كلا فبامكانه ان يتجاوز تلك الاثار ويصبح انساناً جيدا وصالحاً ، اذا ما بذل جهدا اكبر لو توفرت له الاجواء الصالحة ، ان المقصود مما سبق هو ان الاستعدادات الشاذة تنمو معه بصورة تختلف عن الفرد السوي الولادة واحتمال ظهور صفاته الشاذة وارد في اي لحظة ، وكما يقول الامام الصادق عليه السلام عن ابن الزنا : ( انه يحن الى الحرام والاستخفاف بالدين وسوء المحضر ) (1).
    وتوقياً لهذا الاحتمال الوارد يشترط الاسلام في الاشخاص المتصدين للمواقع القيادية في المجتمع طهارة المولد كمرجع التقليد والقاضي وامام الجماعة.
    ذلك لان آثار عقدة الحقارة كامنة في شعور ابن الزنا وربما تتفجر في اي لحظة من اللحظات.
    ومن هنا ندرك اهمية تأكيد الشريعة الاسلامية على خطورة الزنا وحرمته ووضع العقوبات الرادعة لمرتكبيه كالجلد والرجم فضلاً عما سوف يناله من عذاب شديد يوم القيامة ويتضاعف هذا العذاب حين انجابه لطفل بريء يتسبب في شقائه له وازعاج المجتمع به.
1 ـ سفينة البحار : ص 560.

(202)
    فعن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : ( ما من ذنب اعظم عند الله تبارك وتعالى بعد الشرك من نطفة حرام وضعها امرؤ في رحم لا تحل له ) (1).
    وعن الامام الرضا عليه السلام : ( ان الدافق في الرحم اثم والعزل اهون له ) (2).
    هذا الحديث يوضح لنا ما اسلفنا ذكره من ان عذاب الزاني المنجب اشد من عذاب الزاني غير المنجب.
    وعن الامام الصادق عليه السلام : ( ان اشد الناس عذاباً يوم القيامة رجل اقر نطفته في رحم يحرم عليه ) (3).
    ولا اروع من قول الله سبحانه وتعالى : ( ولا تقربوا الزنا انه كان فاحشة وساء سبيلا ) (4).
    فالزنا ليس فاحشة فقط وانما هو طريق سيء يؤدي الى شقاء المجتمع وانحطاطه لما ينتج عنه من ايجاد عناصر معقدة وشخصيات مهزوزة حاقدة تهدد البشرية بالويل والدمار.
    واذا ما نظرنا اليوم الى الجرائم البشعة التي يرتكبها بعض حكام الدول المستكبرة والطغاة فاننا لا نستبعد احتمال خبث ولادتهم ، فهم لم ينحدروا من اسر متدينة شريفة بل اكثرهم نكرات نشأت في اجواء الفساد والانحراف.
    ان اخبار الفساد والشذوذ التي نسمعها ونشاهدها من بعض هؤلاء الحاكمين تكفي للتشكيك في طيب ولادتهم وولادة ابنائهم الذين يعدونهم ويولونهم امارات المناطق وتولي المناصب.
1 ـ الطفل بين الوراثة والترية : ج 1 ص 133.
2 و 3 ـ المصدر السابق.
4 ـ سورة الاسراء : ـ 32.


(203)
    2 / التربية السيئة ..
    للتربية دور كبير في صياغة شخصية الانسان وترشيد سلوكه وتعزيز ذاته ، وليست اي تربية بامكانها فعل ذلك وانما التربية القائمة على قواعد سليمة.
    وللاسف فان الاسر لا تربي ابناءها تربية رشيدة ، وانما كثيرا ما تكون خاطئة تؤدي في النتيجة الى نشوء عقدة الحقارة عندهم.
    وهناك مجموعة من الاساليب الخاطئة في التربية لدى المجتمعات المتخلفة تؤدي الى نشوء الحقارة منها :
    أ / التحقير والسخرية.
    الطفل الذي ينمو في وسط عائلي قائم على تحقير الابناء واعتبارهم صغاراً لا احترام لهم والتدخل في شئونهم الصغيرة قبل الكبيرة وتوبيخهم لاقل خطأ يصدر منهم حتى وان كان عفوياً رغم اعتقاد الاب انه بهذا يربي ابنه تربية سليمة ويرشده الى الصلاح الا ان هذا يؤدي الى تحطيم شخصية الابن وتظهر شخصيته المحطمة كلما ازداد عمره حيث يشعر انه غير قادر على بناء شخصيته وتحمل المسئوليات.
    ونجد تحقير الابن في مجتمعاتنا واضحا بصورة جلية يحث يصغر اسمه ويتم شتمه بكلمات بذيئة ومقززة لاقل خطأ او عصيان ويصادون حريته في الكلام والجلوس في المجالس العامة خصوصا عندما يصدر منه سلوك مزعج باعتباره انه لا يفهم والاسوأ من ذلك ضرب الطفل بشكل مهين.
    بينما نجد في المجتمعات المتقدمة الاحترام والتقدير للطفل واعتباره عضواً محترماً في العائلة ولو راجعنا النصوص والتعاليم الاسلامية لوجدنا الكثير من


(204)
الاهتمام باحترام الطفل وتربية شخصيته على الثقة والكرامة.
    فعن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : ( اكرموا اولادكم واحسنوا آدابكم ) (1).
    كما حذر الامام علي عليه السلام بقوله : ( الافراط في الملامة يشب نيران اللجاج ) (2).
    وروي عن ام الفضل زوجة العباس بن عبد المطلب مرضعة الحسين عليه السلام : ( اخذ مني رسول الله صلى الله عليه وآله حسيناً ايام رضاعه فحمله ، فأراق ماءً على ثوبه فأخذته بعنف حتى بكى.
    فقال صلى الله عليه وآله : مهلاً ام الفضل ان هذه الاراقة الماء يطهرها ، فأي شيء يزيل هذا الغبار عن قلب الحسين ؟ ) (3).
    وجاءت احاديث كثيرة حول الاهتمام باسم الطفل وحسن اختياره وعن الرسول صلى الله عليه وآله قال : ( من حق الولد على الوالدين ان يحسنا اسمه ويحسنا ادبه ) (4).
    ومرة سأل رجل النبي صلى الله عليه وآله : ( يا رسول الله ما حق ابني هذا ) ؟
    قال : ( تحسن اسمه وادبه وتضعه موضعاً حسناً ) (5).
    وعن ابي الحسن عليه السلام قال : ( اول ما يبر الرجل ولده ، ان
1 ـ البحار : ج 23 ص 114.
2 ـ تحف العقول : ص 84.
3 ـ الطفل بين الوراثة والتربية : ج 2 ص 85.
4 ـ المصدر السابق : ج 2 ص 166.
5 ـ مكارم الاخلاق للطبرسي : ص 114.


(205)
يسميه باسم حسن فليحسن احدكم اسم ولده ) (1).
    ب / التمييز بين الابناء.
    وهذا اسلوب آخر من الاساليب الغير سليمة في التعامل مع الاطفال حيث يقوم الوالدان بتفضيل ابن على آخر ، والاهتمام به على حساب اخيه مما يغرس في نفسي الطلفين مشاعر سلبية .. فالاول يعجب بنفسه ، والاخر يحتقر ذاته ويكره الاخرين ، وفي هذا المجال هناك حديث رائع مروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نظر الى رجل له ابنان فقبل احدهما وترك الاخر.
    فقال النبي صلى الله عليه وآله : ( فهلا ساويت بينهما ؟ ) (2).
    وفي حديث آخر يقول : ( اعدلوا بين اولادكم كما تحبون ان يعدلوا بينكم ) (3).
    ج / الاهمال.
    بعض الاصر لا تهتم برعاية ابنائها ولا توفر لهم العطف والحنان اللازم فتتركهم فريسة الشوارع والاجواء الخارجية وبسبب جوع الطفل للعاطفة والحنان ولملاحظته لما يتوفر لاقرانه من رعاية يحدث لديه شعور بالنقص ، وعادة ما تتلقفه الجهات المنحرفة الفاسدة فيصبح فريسة لاجوائها وقد تحصل هذه الحالة بسبب نزاع بي الوالدين يهدم الاستقرار الاسرة فتنعدم العناية بالاولاد او بسبب انشغال الاب بأعماله بحيث لا يعطي جزءاً من وقته للاهتمام بأولاده.
1 ـ الطفل بين الوراثة والتربية : ج 2 ص 167.
2 ـ مكارم الاخلاق للطبرسي : ص 113.
3 ـ البحار : ج 23 ص 113.


(206)
    د / التدليل والافراط في المحبة.
    تفرط بعض العوائل في تدليل ابنائها وتعاملهم برعاية زائدة عن الحد المعقول اعتقاداً منها ان ذلك نوع من الاحسان والحب.
    الا ان هذا الافراط له مضاعفات سيئة جداً يشعر الطفل في صغره انه يستطيع ان يحصل على كل ما يريد ويطلب ، ويرى اباه وامه يستجيبان له ويعطفان عليه كثيراً لسبب وبدون سبب ويفتحون له ابواب العطاء والمساعدة دون قيد او شرط.
    ان هذا الطفل يتعود على الاعتماد على الاخرين ولا يبذل جهداً ذاتياً للحصول على ما يريد ، فبعض الامهات مثلا تستمر الى فترة طويلة في تغذية طفلها بايصال الاكل الى فمه دون تشجيعه على مباشرة الاكل بنفسه ، ربما تفعل ذلك عن نية حسنة او من اجل ان لا تنظف ما يتناثر من اكل على سفرة الطعام ، الا ان ذلك يؤدي الى اشعار الطفل بأنه ما زال صغيراً ، بل ان بعض الاطفال تصل اعمارهم الى مستوى متقدم وهم بعد لم يعتمدوا على انفسهم في تطهير اجسامهم بعد قضاء الحاجة بل ينادون امهاتهم ليقمن بذلك.
    وقد تصل هذه الحالة من الافراط في الدلال الى حل الواجبات المدرسية نيابة عن الولد !! ان هؤلاء الاطفال ينشأون على حب الذات والاعجاب بالنفس من جهة حيث يرون والديهم يحبونهم كثيرا فيعتقدون ان على الناس جميعا ان يحبونهم ايضا .. ومن جهة اخرى ينزرع في نفسياتهم الشعور الحساس والمرهف فلا يقدورن على مواجهة المشاكل والصعوبات ويصبحون في المستقبل عبأً على الاخرين او رجالاً ناقصي الشخصية وضيعفي النفوس ، ينتابهم الشعور بالحقارة والنقص بين كل لحظة واخرى ، وعدم القدرة على


(207)
الاعتماد على النفس وبذا يفقدن الثقة بانفسهم وتبرز فيهم مظاهر عقدة الحقارة في كلامهم وتصرفاتهم ومواقفهم ..
    وقد نبه ائمتنا الكرام عليهم السلام ، الى خطورة الافراط في حب وبر الاطفال فعن الامام الباقر عليه السلام انه قال : ( شر الاباء من دعاه البر الى الافراط ) (1).
    اذن لا بد من الاعتدال في التربية واستخدام اسلوب الترغيب والترهيب مع الطفل حتى لا يشب عاصياً او مدللاً منهزماً امام مشاكل الحياة ، وانما ينشأ معتمداً على قدراته ومواهبه ومستعداً لمواجهة معاناة الحياة ، قوي الشخصية لا يرضى بالاهانة حتى ولو كانت الاهانة صادرة ممن يمتلك القوة والسلطان
    3 / الحرمان الاجتماعي ..
    ويتجلى في الموارد التالية :
    أ / اليتم ..
    لا ريب ان اليتيم يشعر بالفرق في الامكانيات بينه وبين الاخرين حيث ينظر الى من يمتلك وضعاً اسرياً جيداً ومتكاملاً ويلاحظ ما يعشونه من سعادة ورفاهية ، بينما حاله يختلف عن ذلك حيث حرمه اليتم من حنان الاسرة ورعاية العائلة الكاملة ، هذا الحرمان يولد في الفرد اليتيم شعوراً بالضعة والنقص ، وتتكون عنده القابلية لعقدة الحقارة ، وان كان هذا لا يعني انه لا يستطيع تجاوز هذه الحالة السيئة.
    وتحدث هذه الحالة عند اليتيم اذا لم يكن هناك اهتمام اجتماعي يعوض له ما فقده من الرعاية العائلية.
1 ـ الطفل بين الوراثة والتربية : ج 2 ص 181.

(208)
    ولذلك نرى الشرعية الالسلامية تركز تركيزاً كبيرا على ضرورة الاهتمام باليتيم وتحذر من تحقيرة او اهانته او قهره ، وقد قال تعالى في كتابه الكريم موجهاً رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ان ذكره ببدايات حياته حيث الفقر واليتم : ( ألم يجدك يتيماً فآوى ووجدك ضالاً فهدى ووجدك عائلاً فأغنى فأما اليتيم فلا تقهر ) (1).
    وهناك احاديث كثيرة تركز على هذا الجانب فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( من عال يتيماً حتى يستغني اوجب الله له بذلك الجنة ) (2).
    وعنه ايضا : ( خير بيوتكم بين فيه يتيم يحسن اليه وشر بيوتكم بيت يساء اليه ) (3).
    وعنه ايضا : ( من كفل يتيماً من المسلمين ، فأدخله الى طعامه وشرابه ، ادخله الله الجنة البتة ، الا ان يعمل ذنباً لا يغفر ) (4).
    وعن امير المؤمنين عليه السلام قال : ( ادب اليتيم مما تؤدب منه ولدك واضربه مما تضرب منه ولدك ) (5).
    وعنه ايضا يوصي اولاده : ( الله الله في الايتام فلا تغبوا افواههم ولا يضيعوا بحضرتكم ) (6).
    ان على المجتمع ان ينتبه الى الحالات النفسية عند اليتيم ، لان المسألة ليست مسألة شخص فحسب وانما المسألة ان هذا الفرد سيكون عنصراً في المجتمع واذا لم تراع حقوقه ولم يعتبر بشخصيته فانه سوف ينتقم من المجتمع ويتحول الى عنصر هدام.
1 ـ سورة الضحى : 6 ـ 8.
2 ـ تحف العقول : ص 198.
3 و 4 و 5 و 6 ـ الطفل بين الوراثة والتربية : ج 1 ص 233.


(209)
    وفي المجتمعات المتخلفة نرى ان بعض الناس يتعاملون مع اطفال الاخرين معاملة سيئة حيث يمزحون مع الطفل ويستثيرون شعوره ويغضبونه ، وبعض الاحيان يخيفونه من اجل ان يبكي الطفل فيرتاحون ويتلذذون لمشاهدته بتلك الحالة ناسين انهم بفعلهم هذا يعقدون الطفل ويزرعون عقدة الحقارة في نفسه ، وهذه الطريقة من المعاملة يزداد تأثيرها على الطفل اليتيم بصورة اكبر.
    ب / الفقر ..
    وهو وجه آخر من الوجوه التي تثير في الفرد التأزم النفسي والمعنوي كلما رأى الاخرين يمتلكون الامكانيات ويعيشون حياة الرفاهية والراحة ، فقد لا يتمكن الفرد من الدراسة لفقره وانما ينخرط في عمل من الاعمال لكي يصرف على نفسه او عائلته واذا حدث وان دخل المدرسة فانه ولا ريب سوف يرى الفرق بيته وبين الذين يذهبون الى المدرسة بثياب جميلة وجيدة وحقائب ممتازة وشعر مسرح ونقود في الجيب ، فيتولد عند الطفل الشعور بالنقص والحقارة.
    وتسعى برامج الاسلام وتعاليمه الى انهاء حالات الفقر والمسكنة في المجتمع او تقليصها وتخفيف وطأتها عن طريق العدالة الاقتصادية والاجتماعية.
    واذا ما بقيت في المجتمع فئة تعاني من الفقر والحاجة لسبب او لاخر فان الاسلام يحرم التمييز بين الناس في المعاملة والاحترام على اساس وضعهم المادي ويؤكد على احترام الفقراء ومعاملتهم معاملة لا تشعرهم بالفرق بينهم وبين الاخرين.
    فعن الامام الصادق عليه السلام : ( من حقر مؤمناً مسكيناً لم يزل الله


(210)
حاقداً ماقتاً حتى يرجع عن محقرته اياه ) (1).
    وعنه عليه السلام : ( من لقى فقيراً مسلماً فسلم عليه خلاف سلامه على الغني لقى الله عزوجل يوم القيامة وهو عليه غضبان ) (3).
    وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( من اكرم فقيراً مسلماً لقى الله يوم القيامة وهو عنه راض ) (4).
    ج / السمعة السيئة ..
    سواء السمعة السيئة للعائلة او لتاريخ الشخص نفسه فذاك وجه من وجوه الحرمان الاجتماعي الذي يتسبب في نشوء الحقارة والضعة والانزواء عن الناس.
    فقد ترتكب عائلة ما عملاً مخالفاً للعرف العام لدى المجتمع فليتصق بها ذلك العمل ويظل مصاحباً لها يتبادر لاذهان الناس كلما سمعوا باسم تلك العائلة فيحتقرونها ويستنقصون ابناءها او قد يكون اسم العائلة غير محبب للسماع فيتحول الى عقدة عند صاحبه.
    والاسلام نهى عن احتقار الابن لجريمة والديه ، كما نهى عن التنابز بالالقاب لانها من فعل الجاهلية قال تعالى : ( ولا تنابزوا بالالقاب ) (5).
    وفي الحديث ( حق المؤمن على اخيه ان يسميه بأحب اسمائه ) (6).
1 و 2 و 3 و 4 ـ ميزان الحكمة : ج 7 ص 515.
5 ـ سورة الحجرات : 11.
6 ـ الطفل بين الوراثة والتربية : ج 2 ص 256.
معرفة النفس ::: فهرس