مَسائِلُ عَليِ بِن جَعْفر

ومستدركاتها

تحقيق وجمع
مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث

المؤتمر العالمي للامام الرضا عليه السلام




كلمة المؤتمر

لما كان الهدف الرئيسي من وراء تأسيس المؤتمر العالمي للامام الرضا عليه السلام هو احياء امر الائمة الاطهارعليهم السلام في ابعاده المختفة ، والتعريف بشخصياتهم وسيرتهم وحياتهم المشعة بالنور والعامرة بالعطاء وابراز علومهم ومعارفهم فان المؤتمر الثالث المنعقد حول حياة الامام السابع موسى بن جعفر عليهما السلام ولتعريف موقعه الشريف الطاهر ومقام ولايتهم السامي . . . يقدم بافتخار واعتزاز الى الامة الاسلامية هذا الاثر القيم الجدير بالتقدير الموسوم بمسائل علي بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفرعليهما السلام الذي حققته واخرجته مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث .
ونأمل من الله العلي القدير ان يوفق هذه المؤسسة ويسدد خطاها لما بذلته من جهد في تحقيق واخراج هذا الكتاب مع تقديم الشكر لها.
ونرجوا من المولى جل وعلا ان يتقبل منا هذا المجهود ويمنّ علينا بالرضا والقبول انه ولي ذلك .

المؤتمر العالمي الثالث للامام الرضا عليه السلام



( 8 )


( 9 )

ابو الحسن العريضي

علي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب عليهم السلام
الحسيني ، العلوي ، الهاشمي ، المدني

ترجمة حياته ونشاطه العلمي


( 10 )


( 11 )

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله
وعلى الأئمة من آله خِيَرة الله
وبعد :
فإن استيعاب الجوانب الهامة في حياة المحدث
الجليل ، أبي الحسن العريضي ، يتم عبر فصلين :

الفصل الأول : ترجمة حياته.
الفصل الثاني : نشاطه العلمي.


( 12 )


( 13 )

الفصل الأول

ترجمة حياته
1 ـ نسبه ، وكنيته ، ونسبته.
2 ـ عقيدته.
3 ـ خروجه ، وهجراته.
4 ـ عمره ، ووفاته.
5 ـ مدفنه ، ومرقده.
6 ـ عقبه ، وذريته.


( 14 )


( 15 )

1 ـ نسبه ، وكنيته ، ونسبته

نسبه الشريف :

هو علي ابن الامام أبي عبدالله الصادق جعفر ابن الامام أبي جعفر الباقر محمد ابن الإمام أبي محمد علي زين العابدين ابن الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين السبط ابن الامام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام .
وقد أطبق على ذكرهذا النسب ، مترجموه ، ومن ذكره من علماء الأنساب .
وقال ابن عنبة : هو أصغر ولد أبيه ، مات أبوه وهو طفل (1).
وقال ـ أيضاً ـ : امه ام ولد(2) ، وكذلك قال ابن طباطبا في امه (3).
وعدوه ممّن أعقب من أولاد الصادق جعفر بن محمد عليه السلام (4).
وسيأتي ذكر عقبه في نهاية هذا الفصل .

كنيته :

كنوه « أبا الحسن » :
صرح به ابن عنبة(5)وابن طباطبا (6)والنجاشي (7).
____________
(1) عمدة الطالب : 241 ، ومعجم رجال الحديث 11|288 رقم 7965 في نهاية ترجمته .
(2) عمدة الطالب : 241.
(3) منتقلة الطالبية : 224.
(4) عمدة الطالب : 195 ، ومناقب ابن شهرآشوب 4|280 .
(5) عمدة الطالب : 241.
(6) منتقلة الطالبية : 224 .
(7) رجال النجاشي : 251 .

( 16 )

وكنوه بأخيه موسى الكاظم عليه السلام :
جاء ذلك عند الشيخ الطوسي (1) والعلامة(2)وابن حجر العسقلاني (3).

نسبته :

نسبوه « هاشميا» :
نسبه ـ كذلك ـ ابن حجر(4).
ونسبوه « علويا» :
نسبه ـ كذلك ـ الذهبي (5) وابن حجر(6) وابن العماد(7) .
ونسبوه « حسينيا» :
نسبه ـ كذلك ـ الذهبي (8) وابن العماد (9).
والوجه في هذه النسب الثلاث واضح .
ونسبوه « مدنيا» :
نسبة إلى المدينة المنوّرة ، مهاجر جده رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، ومسكن آبائه الأئمة عليهم السلام .
نسبه كذلك الشيخ الطوسي ، في أصحاب الصادق من رجاله(10).
____________
(1) الفهرست : 113 : رقم 379.
(2) رجال العلامة الحلّي : 92 رقم 4 .
(3) تقريب التهذيب 2|33 رقم 304 .
(4) تهذيب التهذيب 7|310 رقم 502.
(5) العبر 1|282 .
(6) تقريب التهذيب 2|33 رقم 304 ، ولسان الميزان 7|310 رقم 4101 .
(7) شذرات الذهب 2|24 .
(8) العبر 1|82.
(9) شذرات المذهب 2|24 .
(10) رجال الطوسي : 241 رقم 289.

( 17 )

ونسبوه « عريضيا» :
نسبة إلى (العريض ) قرية على بعد أميال من المدينة ، سكنها ، ويقال لولده : « العريضيون » لذلك (1) .
وقد نسبه إليها أكثر المترجمين له ، وصرح النجاشي بأنه سكن العريض من نواحي المدينة(2) ولكنه لم ينسبه إليها ، وانما قال : فنسب ولده إليها.
وقد ذكر صاحب تأريخ قم نقلا عن بعض الرواة : أن (العريض ) من قرى المدينة على بعد فرسخ منها ، وكانت القرية ملكاً للامام الباقر عليه السلام ، وأوصى الإمام الصادق عليه السلام بهذه القرية إلى ولده علي العريضي ، وكان عند وفاة الصادق عليه السلام ابن سنتين ، ولما نشأ انتقل إلى القرية وسكن بها(3).
وهذا أشهر أنسابه ، بل لا يطلق « علي بن جعفر ، العريضي » على غيره ـ أصلاً ـ لا في طبقته ، ولا بعدها .
كما أنه لو قيل : « مسائل علي بن جعفر » فالمراد به كتابه بلا اشتراك ، ولا ريب .
____________
(1) عمدة الطالب : 195 و 241 ، ومناقب ابن شهراشوب 4|280 .
(2) رجال النجاشي : 251 رقم 662 .
(3) تاريخ قم : 224 .

( 18 )

2 ـ عقيدته

صرح ابن عنبة : أنه كان يرى رأي الامامية(1).
وهذا واضح من مواقفه المشرفة التي وقفها من الأئمة المعصومين اولئك الذين عاصرهم عليهم السلام ، وهي :

أ ـ مع أخيه الإمام الكاظم عليه السلام :

فقد لازمه حضرا وسفرا ، وأخذ العلم منه ، ودافع عن إمامته .
قال المفيد : ولزم أخاه الإمام موسى بن جعفر ، وروى عنه شيئا كثيرا من الأخبار(2).
وروي عنه قوله : خرجنا مع أخي موسى بن جعفرعليه السلام في أربع عمر ، يمشي فيها إلى مكة بعياله وأهله ، واحدة منهن مشى فيها ستة وعشرين يوماً ، واخرى خمسة وعشرين يوما ، واخرى أربعة وعشرين يوما ، واخرى أحد وعشرين يوما(3).
وروى محمد بن الوليد ، قال : سمعت علي بن جعفر يقول : سمعت أبي جعفر بن محمد عليه السلام يقول لجماعة من خاصة أصحابه : « استوصوا بموسى ـ ابني ـ خيرا ، فإنه أفضل ولدي ، ومن اخلف من بعدي ، وهو القائم مقامي ، والحجة لله عزوجل على كافة خلقه من بعدي »(4).
____________
(1) عمدة الطالب : 241 .
(2) الإرشاد ، للمفيد : 287 .
(3) قرب الإسناد : 122 .
(4) سفينة البحار 2|244.

( 19 )

ولابد أن يكون قد سمع هذا من أبيه في أواخر حياته عليه السلام . وقد رواه بعد وفاته ، وفي أوائل إمامة أخيه الكاظم عليه السلام ، قطعاً للطريق على من ادعى إمامة الأفطح : عبدالله بن جعفر ، الذي ادعى « الفطحية» له الامامة بعد أبيه الصادق عليه السلام .
وقد عده ابن شهرآشوب من الثقات الذين رووا النص على موسى بن جعفر عليه السلام بالإمامة .
وعده أيضاً من ثقات أبي إبراهيم موسى الكاظم عليه السلام (1).
وقد جاء في ذيل الحديث السابق مانصه :
وكان علي بن جعفر شديد التمسك بأخيه موسى ، والانقطاع إليه ، والتوفر على أخذ معالم الدين منه ، وله مسائل مشهورة عنه ، وجوابات رواها سماعا منه (2).
اقول : وإن تصديه لعرض المسائل ، ورواية الجوابات عن أخيه عليه السلام لدليل واضح على اعتقاده بالحق ، حيث كان يأخذ معارف الدين ، وأحكام الشريعة ، من أخيه الإمام عليه السلام .
ويظهر من رواية اخرى شدة اختصاصه بأخيه الإمام الكاظم عليه السلام وهي :
مارواه الكشي عنه ، قال : جاءني محمد بن إسماعيل بن جعفر ، يسألني أن أسأل أبا الحسن موسى عليه السلام : أن يأذن له في الخروج إلى العراق ، وأن يرضى عنه ، ويوصيه بوصية .
قال : فتجنبت ، حتى دخل المتوضأ وخرج ـ وهو وقت كان يتهيأ لي أن اخلو به واكلمه ـ .
قال : فلما خرج ، قلت له : إن ابن أخيك محمد بن إسماعيل يسألك أن
____________
(1) مناقب ال أبي طالب 4|
(2) سفينة البحار2|244 .

( 20 )

تأذن له في الخروج إلى العراق ، وأن توصيه . فأذن له ، فلما رجع إلى مجلسه ، قام محمد بن إسماعيل ، وقال : ياعم ، احب أن توصيني .
فقال : اوصيك أن تتقي الله في دمي .
فقال : لعن الله من يسعى في دمك ، ثم قال : يا عم أوصني .
فقال : اوصيك أن تتقي الله في دمي .
قال : ثم ناوله أبو الحسن عليه السلام صرة فيها مائة وخمسون دينارا.
فقبضها محمد.
ثم ناوله اخرى ، فيها مائة وخمسون دينارا.
فقبضها.
ثم أعطاه صرة اخرى ، فيها مائة وخسون دينارا.
فقبضها.
ثم أمر له بألف وخمسمائة درهم كانت عنده .
فقلت له في ذلك ، واستكثرته !
فقال : هذا ليكون أوكد لحجّتي ، إذا قطعني ، ووصلته .
قال : فخرج إلى العراق ، فلما ورد حضرة هارون ، أتى باب هارون بثياب طريقه ، قبل أن ينزل ، واستأذن على هارون ، وقال للحاجب : قل لأمير المؤمنين : إن محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد ، بالباب .
فقال الحاجب : انزل أولا ، وغير ثياب طريقك ، وعد ، لادخلك إليه بغير إذن ، فقد نام أمير المؤمنين في هذا الوقت .
فقال : اعلم أمير المؤمنين أني حضرت ولم تأذن لي .
فدخل الحاجب ، وأعلم هارون قول محمد بن إسماعيل ، فأمر بدخوله ، فدخل ، وقال : يا أمير المؤمنين ، خليفتان في الأرض : موسى بن جعفر ـ بالمدينة يجبى له الخراج ، وأنت ـ بالعراق ـ يجبى لك الخراج ! ؟
فقال : والله !
( 21 )

قال : والله !
قال : فأمر له بمائة ألف درهم ، فلما قبضها ، وحمل الى منزله أخذته الذبحة في جوف ليلته ، فمات وحول ـ من الغد ـ المال الذي حمل إليه (1).
وهذا الحديث يدل على مدى قرب علي من أخيه الامام الكاظم عليه السلام وكونه الطريق إليه ، والواقف على اموره المالية ، بل والاجتماعية والسياسية .

ب ـ مع الإمام علي بن موسى ، الرضا عليه السلام :
وله موقف مشرف مع ابن أخيه ، الامام الرضا عليه السلام يدل على اعتقاده بإمامته ، بل يعتبر دفاعاً عن الإمامة ، في مواجهة تيار « الواقفة» الانحرافي ، وقد نقل ذلك في روايات عديدة ، منها :
1 ـ ما رواه الكشي ، عن محمد بن الحسن البراثي ، قال : حدثني أبو علي ، قال : حدثني محمد بن إسماعيل ، عن موسى بن القاسم البجلي ، عن علي بن جعفر عليه السلام ، قال :
جاء رجل إلى أخي عليه السلام ، فقال له : جعلت فداك من صاحب هذا الأمر ؟
فقال : أما إنهم يفتنون بعد موتي ، فيقولون : « هو القائم » وما القائم إلا بعدي بسنين(2).
2 ـ وعن ابن فضال قال : سمعت علي بن جعفر ، يقول : كنت عند أخي ، موسى بن جعفر عليه السلام ، فكان ـ والله ـ حجة في الأرض بعد أبي ، إذ طلع ابنه علي عليه السلام ، فقال لي : ياعلي ، هذا صاحبك ، وهو مني بمنزلتي من أبي ، فثبتك
____________
(1) رجال الكشي : 263ـ 265 رقم 478 ، وقد روى هذه الرواية ـ أيضاً ـ الكليني في الكافي 1|404 رقم 8 ، والصدوق ـ مختصرا ـ في عيون أخبار الرضا عليه السلام 1|72 .
(2) رجال الكشي : 459 رقم 870.

( 22 )

الله على دينه .
فبكيت ، وقلت في نفسي : نعى ـ والله ـ إلي نفسه .
فقال : ياعلي ، لابد من أن تمضي مقادير الله في ، ولي برسول الله اسوة ، و بأمير المؤمنين ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين عليهم السلام .
وكان هذا قبل أن يحمله هارون الرشيد ، في المرة الثانية بثلاثة أيام (1).
3 ـ عن زكريا بن يحيى البصري ، قال : سمعت علي بن جعفر بن محمد عليه السلام ، يحدث الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين ، فقال في حديثه :
لقد نصرالله أبا الحسن ، الرضا عليه السلام لما بغى عليه إخوته وعمومته(2).

ج ـ مع الإمام الجواد محمد بن علي بن موسى عليه السلام :

وأشرف المواقف الدالة على اعتقاده الحق ، مواقفه مع ابن ابن أخيه ، الامام محمد الجواد عليه السلام .
فهي ـ مضافا إلى ذلك ـ تكشف عن صمود على الحق وتخطي كل الاعتبارات وتجاوز كل العقبات النفسية الصادة عنه .
كل ذلك يبدو جليا إذا عرفنا أنه أعلن عن إمامة الجواد عليه السلام ـ والامام لم يتجاوز عمر الفتيان ـ وهو شاب حدث ، أما علي فكان في عشر السبعين على أقل التقادير!
بل ورد في الحديث أنه أبدى إقراره بإمامة الجواد عليه السلام في عهد الرضا عليه السلام .
فعن زكريا بن يحيى البصري ، قال : سمعت علي بن جعفر بن محمد
____________
(1) سفينة البحار 2|244 .
(2) سفينة البحار 2|244 .

( 23 )

عليه السلام يحدث ـ وذكر حديثاً ـ حتى انتهى إلى قوله : فقمت وقبضت على يد أبي جعفر ، محمد بن علي الرضا عليه السلام ، وقلت : أشهد أنك إمامي عند الله .
فبكى الرضا عليه السلام ، ثم قال : ياعم ، ألم تسمع أبي ، وهو يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « بأبي ابن خيرة الإماء ، النوبية ، الطيبة ، يكون من ولده الطريد الشريد الموتور بأبيه وجده ، وصاحب الغيبة ، فيقال : مات ، أو هلك ، أو أي وادٍ سلك » ؟ !
فقلت : صدقت ، جعلت فداك (1).
بل ، وتصدى عمليا لما يثير الانتباه ، ويلفت النظر إلى إمامة الجواد عليه السلام :
روى الكليني ، بسنده ، عن محمد بن الحسن بن عمار ، قال : كنت عند علي بن جعفر بن محمد ، جالساً ، بالمدينة ـ وكنت أقمت عنده سنتين ، اكتب عنه ماسمع من أخيه ، يعني أبا الحسن عليه السلام ـ إذ دخل عليه أبو جعفر ، محمد بن علي الرضا عليه السلام ، المسجد ـ مسجد الرسول صلى الله عليه واله وسلم ـ فوثب علي ابن جعفر بلا حذاء ولارداء ، فقبل يده وعظمه .
فقال له أبوجعفرعليه السلام : ياعم ، اجلس ، رحمك الله .
فقال : ياسيدي ، كيف أجلس ، وأنت قائم ؟ !
فلما رجع علي بن جعفر إلى مجلسه جعل أصحابه يوبخونه ويقولون : أنت عم أبيه ، وأنت تفعل به هذا الفعل ؟ !
فقال : اسكتوا ، إذا كان الله عزوجل ـ وقبض على لحيته ـ لم يؤهل هذه الشيبة ، وأهل هذا الفتى ، ووضعه حيث وضعه ، انكر فضله ؟ !
نعوذ بالله مما تقولون !
بل أنا له عبد(2).
____________
(1) سفينة البحار 2|244 ـ 245.
(2) الكافي ـ الأصول ـ 1|258 باب 72 رقم 12.

( 24 )

وروى الكشي ، بسنده ، عن علي بن اسباط ، وغيره ، عن علي بن جعفر ابن محمد ، قال : قال لي رجل أحسبه من « الواقفة» : مافعل أخوك أبو الحسن ؟
قلت : قد مات .
قال : وما يدريك بذاك ؟
قلت : اقتسمت أمواله ، وانكحت نساؤه ، ونطق الناطق من بعده .
قال : ومن الناطق من بعده ؟
قلت : ابنه علي .
قال : فما فعل ؟
قلت له : مات .
قال : وما يدريك أنه مات ؟
قلت : قسمت أمواله ، ونكحت نساؤه ، ونطق الناطق من بعده .
قال : ومن الناطق من بعده ؟
قلت : أبو جعفر ، ابنه .
قال : فقال له : أنت في سنك وقدرك ، وابن جعفر بن محمد ، تقول هذا القول ، في هذا الغلام ؟ !
قال : قلت : ما أراك إلا شيطانا.
قال : ثم أخذ بلحيته ، فرفعها إلى السماء ، ثم قال : فما حيلتي ، إن كان الله رآه أهلا لهذا ، ولم ير هذه الشيبة لهذا أهلا !! (1).
وقال ابن عنبة : يروى أن أبا جعفر الأخيرـ وهو محمد بن علي بن موسى الكاظم عليه السلام ـ دخل على العريضي ، فقام له قائما وأجلسه في موضعه ، ولم يتكلم حتى قام ، فقال له أصحاب مجلسه : أتفعل هذا مع أبي جعفر ، وأنت عم أبيه ؟ !
____________
(1) رجال الكشي : 429 رقم 803.

( 25 )

فضرب بيده على لحيته ، وقال : إذا لم ير الله هذه الشيبة أهلا للامامة ، أراها أنا أهلا للنار(1) ؟ !
وروى الكشي ، بسنده ، عن أبي عبدالله ، الحسن بن موسى بن جعفر ، قال : كنت عند أبي جعفر عليه السلام بالمدينة ، وعنده علي بن جعفر ، وأعرابي من أهل المدينة جالس .
فقال لي الأعرابي : من هذا الفتى ؟ ـ وأشار بيده إلى أبي جعفر عليه السلام ـ.
قلت : هذا وصي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم .
فقال : ياسبحان الله ، رسول الله قد مات منذ مائتي سنة ، وكذا وكذا سنة وهذا حدث ، كيف يكون ؟ !
قلت : هذا وصي علي بن موسى ، وعلي وصي موسى بن جعفر ، وموسى وصي جعفر بن محمد ، وجعفر وصي محمد بن علي ، ومحمد وصي علي بن الحسين ، وعلي وصي الحسين ، والحسين وصي الحسن ، والحسن وصي علي بن أبي طالب ، وعلي وصي رسول الله صلوات الله عليهم أجمعين .
قال : ودنا الطبيب ، ليقطع له العرق ، فقام علي بن جعفر ، فقال : يا سيدي ، يبدؤني لتكون حدة الحديد بي قبلك .
قال : قلت : يهنئك ، هذا عم أبيه .
قال : فقطع له العرق ، ثم أراد أبو جعفر عليه السلام النهوض ، فقام علي بن جعفر عليهما السلام ، فسوى له نعليه حتى لبسهما(2).
____________
(1) عمدة الطالب : 241 .
(2) رجال الكشي : 429 ـ 430 رقم 804 .

( 26 )

3 ـ خروجه وهجراته

قال ابن عنبة : خرج مع أخيه ، محمد بن جعفر ، بمكة ، ثم رجع عن ذلك(1).
وكان خروج محمد بن جعفر في سنة 203 للهجرة لثلاث خلون من ربيع الاخر ، وقتل لخمس خلون من جمادى الاولى(2).
وقال أبو الفرج الأصفهاني : إن جماعة من الطالبيين اجتمعوا مع محمد بن جعفر ، فقاتلوا هارون بن المسيب ، بمكة ، قتالا شديداً.
وذكر جمعا من الطالبيين ، منهم علي بن جعفر بن محمد(3).
وقد عرفنا أنه سكن « العريض » فنسب هو وولده إليها(4).
وذكره ابن طباطبا في المنتقلة بالعريض (5).
وهذا يقتضي أنه سكن أولا بغيرها ، ولابد أنه كان يسكن المدينة المنورة أولا ، حيث كانت مسكن أبيه الإمام الصادق عليه السلام ، وأخيه الإمام الكاظم عليه السلام ، وعرفنا أنه نسب إليها ـ أيضاً ـ.
وقال المجلسي الأول : سمعت أن أهل الكوفة التمسوا منه مجيئه من المدينة إليهم ، وكان في الكوفة مدة ، وأخذ أهل الكوفة الأخبار منه ، وأخذ منهم أيضاً .
____________
(1) عمدة الطالب : 241 .
(2) راجع تاريخ الطبري 10|234 ، وتاريخ بغداد 2|113 ـ 114 .
(3) مقاتل الطالبيّين : 540.
(4) رجال النجاشي : 251 رقم 661 ، وتأريخ قم : 224 .
(5) منتقلة الطالبية : 224 .

( 27 )

ثم استدعى القميون نزوله إليهم ، فنزلها ، وكان بها حتى مات بها ، رضي الله عنه ، وأرضاه (1) .
ولكن ابنه المجلسي الثاني أنكرعليه ، وقال : إن صاحب تاريخ قم ذكر الأشراف الذين نزلوا بلدة قم ، ولم يذكره ، بل ذكرنزول أولاده فيها.
وأيضا : لو كان مثله ورد هذه البلدة ، التي هي مغرس الشيعة ، لاشتهر اشتهار الشمس في رائعة النهار ، ولروى عنه الفضلاء الأخيار(2).
ووافق المامقاني المجلسي الثاني ، فقال :
ويشهد له أنه ـ في زمان الإمام الجواد عليه السلام ـ كان معه في المدينة وهو يومئذ في حدود الثمانين ، ويبعد أن يكون بعد ذلك انتقل إلى الكوفة ، وبقي فيها مدة ، ثم انتقل إلى قم وبقي فيها مدة(3).
نقول : إن المجلسي الأول ليس ممن يلقي الكلام على عواهنه ، فيرسل الحكاية هكذا إرسال المسلمات ، من دون مناقشة إن لم يكن مصدر نقله مقبولاً له .
وأما ما ذكره المجلسي الثاني ، ففيه :
أن احتمال عدم ذكره وارد ، ولا محذور فيه ، باعتبار أن علي بن جعفر لم يهاجر إلى قم للسكنى ، أو لم تطل مدة سكناه بها ، وانه وردها للزيارة ـ مثلاً ـ.
وبذلك نعرف وجه عدم النقل عنه في قم .
وأما ما ذكره المامقاني ، فيرده :
أنه لا بعد في أن يسافر شخص كبير السن من بلدة إلى اخرى ، أو يهاجر الى موطن اخر ، ويتفق موته فيه .
____________
(1) روضة المتقين شرح الفقيه 14|191 ، ونقله ابنه ، كما في سفينة البحار 2|244 ، ونقله حفيده الوحيد في تعليقته على منهج ألمقال : 227 .
(2) تنقيح المقال 2|272 بتصرف .
(3) تنقيح المقال 2|272.

( 28 )

ثم إن ما ذكره لا يتم على فرض بقائه بعد الثمانين طويلا ، خاصة على ما اختاره المامقاني من طول عمره إلى مازاد عن المائة ، بل المائة والعشرين فأي بعد في انتقاله إلى الكوفة ثم إلى قم ، وبقاءه في كل من المدينتين مدة ؟ !


( 29 )

4 ـ عمره و وفاته

قال ابن عنبة : مات أبوه وهو طفل . . . وعاش إلى أن أدرك الهادي علي أبن محمد بن علي بن الكاظم عليه السلام ، ومات في زمانه (1).
أقول : إن وفاة الصادق عليه السلام كانت في سنة 148 وكانت إمامة الهادي عليه السلام من سنة 220 إلى سنة 252 .

أما ولادة علي بن جعفر :
فقد عرفت أنه كان في سنة 148 طفلا ، والطفل ـ كما يفسره أهل اللغة ـ هو المولود إلى أن يميز ، أو إلى أن يحتلم .
فهوإذن في سنة 148 لم يبلغ الحلم ، أي لم يتم الخامسة عشرة من عمره.
وإذا علمنا ـ كما سيجيء إثباته ـ أنه روى عن أبيه الإمام الصادق عليه السلام ، والتزمنا بشرط التمييز في الراوي ، فلابد أن يكون عند وفاة أبيه بين العاشرة إلى الخامسة عشر.
وبذلك نقترب من الواقع لو حددنا ولادته بسنة135 ليكون عند وفاة والده في 148 ابن ثلاث عشرة سنة .

وأما وفاته :
فقد عرفنا أنه أدرك سنة 220 زمن الامام الهادي عليه السلام ، فلو فرضنا بقاءه مدة قليلة لكانت وفاته حدود سنة 220 فيكون عمره نحو 85 سنة .
____________
(1) عمدة الطالب : 241.

( 30 )

وإنما فرضنا بقاءه قليلا في زمان الامام الهادي عليه السلام ، لأنه لم تعهد له رواية عنه عليه السلام ، ولانقل عنه حديث معه ، مثل الذي وقع له مع الجواد والرضا عليهما السلام ، ولا ريب أنه لوكان باقيا مدة طويلة في عهد إمامة الهادي عليه السلام لكان له معه موقف مثيل ، ولو كان لنقل ـ أيضاً ـ كما نقلت المواقف السابقة.
ويؤيد ذلك أنه لو عاش طويلاً ، وعمر إلى المائة أو ما يقاربها ، لنقل ، لاهتمامهم بذكر أمثال ذلك ، كماهو الملاحظ في التراجم.
مع أن هو الحد الوسط بين ما قبل من أن وفاته كانت سنة 210 وبين ما ذكره البعض من تأخر وفاته إلى حدود 252 .
أما الأول :
فقد ذكره الذهبي ، حيث ذكرعلي بن جعفر في المتوفين سنة 210(1).
ونقل ذلك ابن حجرعن ابن أخيه إسماعيل (2) وأرسله أيضا(3).
ونقله اليافعي (4) وابن العماد(5) ومن تأخر عنهم .
فهذا ينافي تصربح ابن عنبة بأنه عاش إلى أن أدرك زمان الهادي عليه السلام سنة 220 ومات حينئذ ، كما مر.
كما ينافي الأحاديث التي وردت في مواقفه مع الإمام الجواد عليه السلام ، والتي مرّ نقلها ـ أيضاً ـ حيث جاء فيها أن الجواد عليه السلام كان يومئذ من الفتيان.
وأما الأخير :
فقد ذكره المامقاني ، فقال : مقتضى روايته عن أبيه أن يكون عمره حينئذٍ
____________
(1) العبر 1|282 .
(2) تهذيب التهذيب 7|293.
(3) تقريب التهذيب 2|33 رقم 304.
(4) مرآة الجنان 2|84 .
(5) شذرات الذهب 2|24 .

( 31 )

في حدود العشرين ، ومبدأ إمامة الجواد عليه السلام سنة 202 فإذا أضفت إلى ذلك مقدار زمان الجواد عليه السلام أنتج ماذكرناه [ أي بلوغ عمره حدود الثمانين ] بل التحقيق أنه عمر فوق المائة سنة ، لأنه أدرك الهادي عليه السلام ، كما يكشف عن ذلك مارواه في باب النص على العسكري عليه السلام من « الكافي ». . . عن علي بن جعفر ، قال : كنت حاضرا أبا الحسن لما توفي ابنه محمد.
ومقتضى رواية علي ـ هذا ـ عن الهادي ، أن يكون عند فوت أبيه ابن عشرين سنة ، أو ست عشرة سنة ، أقلاً فيكون عمره مائة وعشرين سنة ، فما زاد(1).
أقول : وهكذا ترقى المامقاني في عمر الرجل من الثمانين ، إلى المائة ، إلى 120 ، بل فما زاد‍ !!!
مع أن مبناه لذلك مخدوش :
1 ـ فمن أين يجب أن يكون عمر الراوي عشرين سنة ؟ ! وقد جعله أساساً لبلوغ عمره ثمانين سنة!
بينما جوز جمهور المحدثين سماع الأطفال ، قبل بلوغهم السن الشرعية ، وخاصة إذا كانوا مميزين .
وأما مبناه في رفع مقدارعمره إلى المائة ، من وجود روايته عن الهادي عليه السلام :
فغير صحيح ، حيث أن علي بن جعفر الراوي ذلك ليس هو العريضي المترجم ، لا تفاقهم على عدم روايته عن الإمام الهادي عليه السلام (2) حتى مع فرض إدراكه زمانه !
ومجرد إدراكه زمانه لا يقتضي ذلك ، كما هو واضح .
مع أن في الرواة من أصحاب الهادي والعسكري عليهما السلام من يسمى بعلي بن جعفر. فإطلاق الاسم منصرف إليه . لا إلى العريضي .
____________
(1) تنقيح المقال 2|273.
(2) لاحظ قاموس الرجال 6|437 .

( 32 )

والنتيجة :
أن ولادته لا تسبق سنة 135 ووفاته لا تتجاوزسنة 220 فعمره يكون في حدود 85 سنة.
ومن هنا ، فمن الممكن وقوع تصحيف فيما نقله الذهبي وابن حجر ، ومن تبعهما من كون وفاته في سنة « عشر ومائتين» وأن الصواب في سنة « عشرين ومائتين » ووقوع التصحيف في مثله غيرعزيز.
وعلى كل حال فإن ما ذكره صاحب تاريخ قم (1)والنوري (2) من أنه عند وفاة أبيه الصادق عليه السلام كان ابن « سنتين » فقط .
لا نصيب له من الصحة أصلا ، لمنافاته لكل ما دل على روايته عن أبيه عليه السلام ، كما سيأتي إثباته في الفصل الثاني من هذه الدراسة .
____________
(1) تاريخ قم : 224 .
(2) مستدرك الوسائل 3|626 .