|
||||||
(451)
ومن الرايات التي تسير إليها من كل قريب أو بعيد.
والله لينزلنّ بها من صنوف العذاب ما نزل بسائر الاُمم المتمرّدة من أوّل الدهر إلى آخره ، ولينزلنّ بها من العذاب ما لا عين رأت ، ولا اُذن سمعت بمثله ، ولا يكون طوفان أهلها (1) إلاّ بالسيف ، فالويل لمن اتخذ بها مسكناً ، فإنّ المقيم بها يبقى بشقائه (2) ، والخارج منها برحمة الله. والله ليبقى من أهلها في الدنيا حتى يقال إنّها هي الدنيا ، وإنّ دورها وقصورها هي الجنّة ، وإنّ بناتها هنّ الحور العين ، وإنّ ولدانها هم الولدان ، وليظنّن أنّ الله لم يقسّم رزق العباد إلاّ بها ، وليظهرنّ من الافتراء على الله وعلى رسوله ( صلى الله عليه وآله ) ، والحكم بغير كتاب الله ، ومن شهادات الزور ، وشرب الخمور ، والفجور (3) ، وأكل السحت ، وسفك الدماء ما لا يكون في الدنيا كلّها إلاّ دونه ، ثمّ ليخرّبها الله تعالى بتلك الفتن (4) وتلك الرايات ، حتى لو مرّ عليها مارّ لقال : هاهنا كانت الزوراء ». قال المفضّل : ثمّ يكون ماذا يا سيدي ؟ قال ( عليه السلام ) : « ثمّ يخرج الفتى الحسني الصبيح من نحو الديلم فيصيح بصوت له فصيح : يا آل محمّد (5) أجيبوا الملهوف ، والمنادي من حول الضريح ، فتجيبه كنوز الله بالطالقان (6) ، كنوز وأي كنوز ، لا من ذهب ولا من فضّة ، بل هي رجال كزبر الحديد ، 1 ـ في نسختي « س وق » : أجلها. 2 ـ في نسخة « س » : بمقامه. 3 ـ في نسخة « ض » زيادة : وركوب الفسق. 4 ـ في نسخة « ق » : الفترة. 5 ـ في المصدر والبحار : يا آل أحمد. 6 ـ الطالقان : بلدتان ، إحداهما بخراسان بين مرو الروز وبلخ ، والاُخرى : بلدة وكورة بين قزوين وأبهر ، وبها عدّة قرى يقع عليها هذا الاسم. معجم البلدان 4 : 7. (452)
لكأنّي أنظر إليهم على البراذين (1) الشهب ، بأيديهم الحراب ، يتعاوون شوقاً إلى الحرب كما تتعاوى الذئاب ، أميرهم رجل من تميم ، يقال له : شعيب بن صالح ، فيقبل الحسني (2) فيهم ، وجهه كدائرة القمر يروع الناس جمالاً ، فيبقى على أثر الظلمة ، فيأخذ سيفه الصغير والكبير ، والوضيع والعظيم ، ثم يسير بتلك الرايات كلّها حتى يرد الكوفة ، ( وقد جمع بها ) (3) أكثر أهل الأرض ويجعلها له معقلاً.
ثمّ يتّصل به وبأصحابه خبر المهدي ( عليه السلام ) فيقولون له : يابن رسول الله من هذا الذي نزل بساحتنا ؟ فيقول الحسني : اخرجوا بنا إليه حتى تنظروا من هو ؟ وما يريد ؟ وهو يعلم والله أنّه المهدي ( عليه السلام ) وإنّه ليعرفه ، وإنّه لم يرد بذلك الأمر إلاّ الله (4). فيخرج الحسني وبين يديه أربعة آلاف رجل في أعناقهم المصاحف ، وعليهم المسوح ، مقلّدين بسيوفهم ، فيقبل الحسني حتى ينزل بقرب المهدي ( عليه السلام ) فيقول : سائلوا عن هذا الرجل من هو وماذا يريد ؟ فيخرج بعض أصحاب الحسني إلى عسكر المهدي ( عليه السلام ) ، فيقول : أيّها العسكر الجائل من أنتم حيّاكم الله ؟ ومن صاحبكم هذا ؟ وماذا يريد ؟ فيقول أصحاب المهدي ( عليه السلام ) : هذا مهدي آل محمّد ( عليهم السلام ) ، ونحن أنصاره من الجنّ والإنس والملائكة ، ثمّ يقول الحسني : خلّوا بيني وبين هذا ، فيخرج إليه المهدي ( عليه السلام ) ، فيقفان بين العسكرين ، فيقول الحسني : إن كنت مهدي آل 1 ـ البرذون : الاُنثى من الدواب. اُنظر الصحاح 5 : 2078 ـ برذن. 2 ـ في المختصر المطبوع ونسخه الثلاثة : الحسين ( عليه السلام ) ، وما أثبتناه من المصدر والبحار ، وكذا الموارد الآتية. 3 ـ في المصدر والبحار : وقد صفا. 4 ـ في البحار : ليعرّف أصحابه من هو ؟. بدل لفظ الجلالة. (453)
محمّد ( صلى الله عليه وآله ) فأين هراوة جدّي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وخاتمه ، وبردته ، ودرعه الفاضل ، وعمامته السحاب ، وفرسه اليربوع ، وناقته العضباء ، وبغلته الدُلدُل ، وحماره اليعفور ، ونجيبه البراق ، وتاجه (1) ، والمصحف الذي جمعه (2) أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بغير تغيير ولا تبديل ، فيحضر له السفط الذي فيه جميع ما طلبه.
( وقال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : إنّه كلّه كان في السفط ) (3) ، وتركات جميع النبيّين حتى عصا آدم ونوح ( عليهما السلام ) ، وتركة هود وصالح ( عليهما السلام ) ، ومجموع (4) إبراهيم ( عليه السلام ) ، وصاع يوسف ( عليه السلام ) ، ومكيل (5) شعيب ( عليه السلام ) وميزانه ، وعصا موسى ( عليه السلام ) ، وتابوته الذي فيه بقية ما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة ، ودرع داود ( عليه السلام ) ، وخاتم سليمان ( عليه السلام ) (6) وتاجه ، ورحل عيسى ( عليه السلام ) ، وميراث النبيّين والمرسلين في ذلك السفط ». فعند ذلك يقول الحسني : يابن رسول الله اقض ما قد رأيته ، والذي أسألك أن تغرز هراوة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في هذا الحجر الصلب (7) ، وتسأل الله أن ينبتها فيه ـ ولا يريد بذلك إلاّ أن يُري أصحابه فضل المهدي ( عليه السلام ) حتى يطيعوه ويبايعوه ـ فيأخذ 1 ـ في نسخة « ض » : ورحله. وكلاهما لم يردا في البحار. 2 ـ في نسخة « س وق » زيادة : أبي ، وفي نسخة « ض » : جدّي. 3 ـ في المصدر : قال المفضّل : يا سيدي فهذا كلّه في السفط ؟ قال : يا مفضّل. بدل ما بين القوسين. 4 ـ في نسخة « ق » ومجمع. 5 ـ في نسخة « ق » : ومكتل. 6 ـ في نسختي « ض وق » زيادة : وعصاه. 7 ـ في نسختي « ض وق » : الصلد. وكذا البحار. (454)
المهدي ( عليه السلام ) الهراوة فيغرزها فتنبت فتعلو وتفرع وتورق حتى تظلّ عسكر الحسني وعسكر المهدي ( عليه السلام ).
فيقول الحسني : الله أكبر يابن رسول الله مد يدك حتى اُبايعك ، فيبايعه الحسني وسائر عسكره ، إلاّ أربعة آلاف (1) من أصحاب المصاحف ومسوح الشعر ـ المعروفون بالزيدية ـ فإنّهم يقولون : ما هذا إلاّ سحر عظيم. فيختلط العسكران ، ويقبل المهدي ( عليه السلام ) على الطائفة المنحرفة فيعظهم ويؤخّرهم (2) إلى ثلاثة أيام فلا يزدادون إلاّ طغياناً (3) وكفراً ، فيأمر المهدي ( عليه السلام ) بقتلهم (4) ، فكأنّي أنظر إليهم قد ذبحوا على مصاحفهم كلّهم ، يتمرّغون في دمائهم وتتمرّغ المصاحف ، فيقبل بعض أصحاب المهدي ( عليه السلام ) فيأخذوا تلك المصاحف ، فيقول المهدي ( عليه السلام ) : دعوها تكون عليهم حسرة كما بدّلوها وغيّروها وحرّفوها ولم يعملوا بما حكم الله فيها ». قال المفضّل : يا سيدي ماذا يعمل المهدي ( عليه السلام ) ؟ قال ( عليه السلام ) : « تثور سراياه على السفياني إلى دمشق ، فيأخذونه ويذبحونه على الصخرة. ثمّ يظهر الحسين بن علي ( عليه السلام ) في اثني عشر ألف صدّيق ، واثنين وسبعين رجلاً ـ أصحابه الذين قتلوا معه يوم عاشوراء ـ فيالك عندها من كرّة زهراء 1 ـ في البحار : إلاّ أربعين ألفاً. 2 ـ في نسخة « ض » : ويدعهم ، وفي نسخة « ق » : ويزجرهم ، وفي البحار : ويدعوهم. 3 ـ في نسخة « ق » : إلاّ بعداً وطغياناً. 4 ـ في نسخة « ض » والبحار زيادة : فيقتلون جميعاً. (455)
ورجعة بيضاء.
ثمّ يخرج الصدّيق الأكبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وتنصب له القبّة البيضاء على النجف ، وتقام أركانها : ركن بالنجف ، وركن بهجر ، وركن بصنعاء اليمن ، وركن بأرض طيبة ، فكأنّي أنظر إلى مصابيحها تشرق في السماء والأرض كأضوأ من الشمس والقمر فعندها ( تبلى السرائر ) (1) و ( تذهل كلّ مرضعة عمّا أرضعت وتضع كلّ ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ) (2) الآية. ثمّ يظهر السيّد الأجل محمّد ( صلى الله عليه وآله ) في أنصاره والمهاجرين ومن آمن به وصدّقه واستشهد معه ، ويحضر مكذّبوه الشاكّون فيه والمكفّرون ، والقائلون فيه أنّه ساحر وكاهن ومجنون ، ومعلّم وشاعر ، وناطق عن الهوى ، ومن حاربه وقاتله حتى يقتصّ منهم بالحقّ ، ويجازون بأفعالهم منذ وقت ظهر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، إلى وقت ظهور المهدي ( عليه السلام ) إماماً إماماً ، ووقتاً وقتاً ، ويحقّ تأويل هذه الآية ( ونريد أن نمنّ على الّذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمّة ونجعلهم الوارثين * ونمكّن لهم في الأرض ونرى فرعون وهامان ) » (3) الآية. ( قال المفضّل : قلت : يا سيدي ومن فرعون وهامان ؟ قال ( عليه السلام ) : « أبو بكر وعمر » ) (4). قال المفضّل : يا سيدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأمير المؤمنين ( عليه السلام ) يكونان معه ؟ 1 ـ الطارق 86 : 9. 2 ـ الحج 22 : 2. 3 ـ القصص 28 : 5 ـ 6. 4 ـ ما بين القوسين لم يرد في نسختي « س وق » والمصدر. (456)
قال ( عليه السلام ) : « لا بدّ أن يطآن الأرض ، إي والله حتى ما وراء القاف (1) ، إي والله وما في الظلمات ، وما في قعر البحار ، حتى لا يبقى موضع قدم إلاّ وطآه ، وأقاما فيه مالدين الواجب لله تعالى.
كأنّي أنظر إلينا ـ معاشر الأئمّة ـ ونحن بين يدي جدّنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، نشكوا إليه ما نزل بنا من الاُمّة بعده ، من التكذيب والردّ علينا وسبّنا (2) ولعننا وارهاقنا (3) بالقتل ، وقصد طواغيتهم الولاة لاُمورهم إيّانا من دون الاُمّة ( بترحيلنا عن حرمه إلى دار ملكهم ، وقتلهم إيّانا بالسم والحبس ) (4) ، فيبكي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ويقول : يا بنيّ ما نزل بكم إلاّ ما نزل بجدّكم. ولو علمت طواغيتهم وولاتهم أنّ نحن والمهدي والإيمان والوصية والإمامة في غيركم لطلبوه. ثمّ تبتدئ فاطمة ( عليها السلام ) فتشكو من عمر وما نالها من أبي بكر ، وأخذ فدك منها ، ومشيها إليه في مجمع من المهاجرين والأنصار ، وخطابها له في أمر فدك ، وما ردّ عليها من قوله : إنّ الأنبياء لا تورّث ، واحتجاجها بقول زكريا ويحيى ( عليهما السلام ) ، وقصّة داود وسليمان ( عليهما السلام ). وقول صاحبه : هاتي صحيفتك التي ذكرت أنّ أباكِ كتبها لك ، وإخراجها الصحيفة وأخذها منها ، ونشرها على رؤوس الأشهاد من قريش وسائر المهاجرين والأنصار وسائر العرب ، وتفله فيها ، وعزله (5) لها ، وتمزيقه إيّاها ، وبكائها ، 1 ـ في البحار : الخاف. وفي نسخة « ق » : الخافقان. 2 ـ في البحار : وسبينا. 3 ـ في نسخة « ق » : والظلم فينا ، وفي « س » : واخافتنا. 4 ـ ما بين القوسين لم يرد في نسختي « س وق » والمختصر المطبوع. 5 ـ في المصدر : وعركه. (457)
ورجوعها إلى قبر أبيها باكية حزينة ، تمشي على الرمضاء قد أقلقتها ، واستغاثتها بالله عزّ وجلّ وبأبيها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وتمثّلها فيه بقول رقيقة بنت صيفي (1) :
1 ـ في المختصر المطبوع ونسخه الخطّية الثلاثة : رقية بن صفي. وما أثبتناه من اُسد الغابة 6 : 111/6919 ، والاصابة 4 : 296 إلاّ أنّ فيه : بنت أبي صيفي. ومع ذلك فقد اختلفوا في نسبة الأبيات ، فمنهم من نسبها إلى هند بنت اُثاثة : كالقرشي في اصله : 95 ـ ضمن الاصول الستة عشر ـ والأربلي في كشف الغمّة 1 : 489 ، وابن سعد في طبقاته 2 : 332. ومنهم من نسبها إلى صفية بنت عبدالمطلب : كالطبري في دلائل الإمامة : 35 ، والهيثمي في مجمع الزوائد 9 : 39. إلاّ أنّه قال : إنّ محمّداً لم يدرك صفيّة. ومنهم من نسبها إلى رقيقة بنت صيفي أو بنت أبي صيفي : كابن الأثير في اُسد الغابة 6 : 111/6919 ، وابن حجر في الإصابة 4 : 296 ، إلاّ أنّهما نقلا قولاً : أنّ رقيقة لم تدرك البعثة والدعوة. ومنهم من نسبها إلى سيدتي المهضومة المظلومة فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها : كالكليني في الكافي 8 : 376/564 ، والقاضي المغربي في شرح الأخبار 3 : 39 ، والمفيد في الأمالي : 41 ، والطبرسي في الاحتجاج 1 : 279 ، وابن شهرآشوب في المناقب 2 : 51 ، وابن طاووس في الطرائف : 265 ، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 16 : 251 ، وابن طيفور في بلاغات النساء : 14 ، والزمخشري في الفائق 4 : 116 ، وابن الأثير في النهاية 5 : 277 ، وابن الدمشقي في مناقب الإمام علي ( عليه السلام ) : 161 ، والقمي في تفسيره 2 : 157 ، وابن منظور في لسان العرب 2 : 199 ، والزبيدي في تاج العروس 1 : 654. وقال بعض المحقّقين : إنّ البيتين الاولين لهند وباقي الأبيات للطاهرة المطهرة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها. (458)
واشتغال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بضمّ أزواجه وتعزيتهم ، وجمع القرآن وتأليفه ، وقضاء ديونه ، وإنجاز عداته وهي ثمانون ألف درهم ، باع تليده وطارفه ، وقضاها عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ). وقول عمر : اخرج يا علي إلى ما أجمع عليه المسلمون من البيعة ، فمالك أن تخرج عمّا أجمع عليه المسلمون ، وإن لم تفعل قتلناك. وقول فضّة جارية فاطمة ( عليها السلام ) : إنّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) مشغول ، والحقّ له لو أنصفتم من أنفسكم وأنصفتموه » (2). ذكر أبو علي الطبرسي في قوله تعالى ( وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابّة من الأرض تكلّمهم ) (3). [ 513/6 ] روى محمّد بن كعب قال : سئل علي ( عليه السلام ) عن الدابة قال : « أما والله ما لها ذَنَب ، وإنّ لها للحية » (4). 1 ـ في نسخة « ض » : وجمعه الناس. 2 ـ الهداية الكبرى : 392 ـ 407 ، وللحديث تكملة ، وعنه في البحار 53 : 1 ـ 18 ، وله تكملة. وعن المختصر في ص 35 ، باختصار. 3 ـ النمل 27 : 82. 4 ـ مجمع البيان 4 : 234. هذا الحديث وحديث 7 و8 لم يرد في المختصر المطبوع ص 192. (459)
[ 514/7 ] ومن الكتاب : « إنّ الدابّة معها العصا والميسم » (2).
[ 515/8 ] ومنه أيضاً : عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « أنا صاحب العصا والميسم » (3). [ 516/9 ] وروى الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي في مصباح المتهجّد ، عن يونس بن عبدالرحمن : أنّ الرضا ( عليه السلام ) كان يأمر بالدعاء لصاحب الأمر ( عليه السلام ) بهذا : « اللهمّ ادفع عن وليّك وخليفتك وحجّتك ـ ثمّ ساق الدعاء ـ وقال : اللهم وصلّ على ولاة عهده والأئمّة من بعده ، وبلّغهم آمالهم ، وزد في آجالهم ، وأعزّ نصرهم ، وتمّم لهم ما أسندت إليهم من أمرك ونهيك ، وثبّت دعائمهم ، واجعلنا لهم أعواناً ، وعلى دينك أنصاراً ، فإنّهم معادن كلمتك ، وخزّان علمك ، وأركان توحيدك ، ودعائم دينك ، وولاة أمرك ، وخالصتك من عبادك ، وصفوتك من خلقك ، وأوليائك وسلائل أوليائك ، وصفوة أولاد نبيّك ( صلى الله عليه وآله ) والسلام عليه وعليهم ورحمة الله وبركاته » (4). إعلم أنّ هذا الدعاء يدعى به لكلّ إمام في زمانه ، ومولانا صاحب الأمر ابن الحسن ( عليه السلام ) أحدهم صلوات الله عليهم ، فحينئذ يصدق عليه هذا الدعاء : اللهم صلّ على ولاة عهده والأئمّة من بعده. إلى آخره. وإلاّ لم يكن هذا الدعاء عامّاً لهم أجمع ، ويكون هذا النصّ مضافاً إلى ما 1 ـ مجمع البيان 4 : 234 ، عن حذيفة ، عن النبي ( صلى الله عليه وآله ). 2 ـ مجمع البيان 4 : 234. 3 ـ مصباح المتهجد : 366 ـ 369 ، وأورده الكفعمي في مصباحه : 548 ـ 550. (460)
رويناه أوّلاً عنهم ( عليهم السلام ) ، من الأحاديث الصحيحة الصريحة في هذا المعنى واصلاً له وشاهداً بمعناه.
[ 517/10 ] ومن الكتاب المذكور أيضاً : ممّا يدعى به في شهر رمضان وغيره : « اللهمّ كن لوليّك فلان بن فلان في هذه الساعة وكلّ ساعة وليّاً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتّعه فيها طويلاً » (1). قوله : « حتى تسكنه أرضك طوعاً » يدلّ على زمان ظهوره وانبساط يده ( عليه السلام ) ، لأنّه اليوم مقهور مغصوب ، مستأثر على حقّه غير مستطيع لإظهار الحقّ في الخلق. وقوله : « وتمتّعه فيها طويلاً » هذا يكون على ما رويناه في رجعته ( عليه السلام ) بعد وفاته ، لأنّا روينا أنّه يعيش ـ بعد ظهوره ـ في عالمه تسع عشرة سنة وأشهراً ويموت صلّى الله عليه. ومن ذلك ما رويناه عن النعماني من كتاب الغيبة له رفع الحديث عن حمزة بن حمران ، عن ابن أبي يعفور ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) أنّه قال : « يملك القائم ( عليه السلام ) تسع عشرة سنة وأشهراً » (2). وروي أيضاً : « إنّ الذي يغسّله جدّه الحسين ( عليه السلام ) » (3). فأين موقع هذه التسع عشرة سنة وأشهراً من الدعاء له بطول العمر ، والتمتّع 1 ـ مصباح المتهجد : 573/574 ، وأورده الكليني في الكافي 4 : 162 ، والشيخ الطوسي في التهذيب 3 : 103 ، وابن طاووس في إقبال الاعمال : 85. 2 ـ الغيبة للنعماني : 332/4. 3 ـ الكافي 8 : 206/250. عن أبي عبدالله ( عليه السلام ). (461)
في الأرض طويلاً. الذي يظهر من هذا ، ويتبادر إلى الذهن أنّه يكون أطول من الزمن الذي انقضى في غيبته ( عليه السلام ) ، وعمره الشريف اليوم ينيف على الخمسمائة والثلاثين سنة (2).
ويدلّ على ما قلناه ما تقدّم ورويناه عن الصادق ( عليه السلام ) أنّه سئل أيّ العمرين له أطول ؟ قال : « الثاني بالضعف » (3). وهذا صريح في رجعته ( عليه السلام ) ، ( وإنّ طول التمتّع في الأرض يكون فيها لا فيما قبلها ، والحمد لله على ما هداه ) (4). [ 518/11 ] ورويت عن جعفر بن محمّد بن قولويه في مزاره ، قال : حدّثني الحسين بن محمّد بن عامر ، عن المعلّى بن محمّد البصري ، قال : حدّثني أبو الفضل ، عن ابن صدقة ، عن المفضّل بن عمر ، قال : قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : « كأنّي والله بالملائكة قد زاحموا المؤمنين على قبر الحسين ( عليه السلام ) » قال ، قلت : فيتراؤن لهم ؟ قال : « هيهات هيهات لزماءَ والله ـ المؤمنين ـ حتى أنّهم ليمسحون وجوههم بأيديهم ، قال : ويُنزل الله على زوّار الحسين ( عليه السلام ) غدوة وعشية من طعام الجنّة ، وخدّامهم الملائكة ، لا يسأل الله عبد حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلاّ أعطاه إيّاها ». قال : قلت : هذه والله الكرامة. قال : « يا مفضّل اُزيدك ؟ » قلت : نعم يا سيدي ، قال : « كأنّي بسرير من نور قد 1 ـ هذا التاريخ لعمره الشريف روحي لتراب مقدمه الفداء في حياة المصنّف ( رحمه الله ) ، ولكن عمره الآن تقريباً ألف ومائة وستة وستون سنة. 2 ـ تقدّم في حديث رقم 57 عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ). 3 ـ ما بين القوسين لم يرد في نسخة « س » والمختصر المطبوع. (462)
وضع ، وقد ضربت عليه قبّة من ياقوتة مكلّلة بالجوهر ، وكأنّي بالحسين ( عليه السلام ) جالساً على ذلك السرير ، وحوله تسعون ألف قبة خضراء وكأنّي بالمؤمنين يزورونه ويسلّمون عليه ، فيقول الله عزّ وجلّ لهم : أوليائي سلوني فطالما اُوذيتم وذُلّلتم واضطهدتم ، فهذا يوم لا تسألوني حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلاّ قضيتها لكم ، فيكون أكلهم وشربهم من الجنّة ، فهذه والله الكرامة التي لا يشبهها شيء » (1).
إعلم أنّ هذا الحديث فيه دلالة واضحة بيّنة على أنّ ذلك يكون في الدنيا ، في رجعة سيّدنا الحسين بن علي صلوات الله عليهما إلى الدنيا. كما رويناه في الأحاديث الصحيحة الصريحة عنهم ( عليهم السلام ) في رجعته ورجعتهم. أولاً : قوله ( عليه السلام ) : « ويُنزل الله على زوّار الحسين ( عليه السلام ) غدوة وعشيّة من طعام الجنّة » والإنزال يدلّ على أنّه في الدنيا لا في الآخرة. وثانياً : قوله ( عليه السلام ) : « لا يسأل الله عبد حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلاّ أعطاها إيّاه » وحوائج الدنيا لا تسأل في الآخرة. وثالثاً : قوله سبحانه : « فهذا يوم لا تسألوني حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلاّ قضيتها لكم ». والرابع : قوله ( عليه السلام ) : « فيكون أكلهم وشربهم من الجنّة » فظهر ما قلناه والحمد لله معطي من يشاء ما يشاء كيف يشاء. [ 519/12 ] ومن كتاب المشيخة للحسن بن محبوب ( رحمه الله ) بإسنادي المتّصل إليه أولاً عن محمّد بن سلام ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) في قوله تعالى ( ربّنا أمتّنا اثنتين 1 ـ كامل الزيارات : 135/3 ، وفي آخره : فهذه الكرامة التي لا انقضاء لها ، ولا يدرك منتهاها. (463)
وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل ) (1) قال : « هو خاصّ لأقوام في الرجعة بعد الموت ، ويجري في القيامة ، فبعداً للقوم الظالمين » (2).
[ 520/13 ] الحسن بن محبوب ، عن إبراهيم بن إسحاق الخارقي (3) ، عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبدالله ( عليه السلام ) : كان أبو جعفر ( عليه السلام ) يقول : لقائم آل محمّد عليه وعليهم السلام غيبتان ، واحدة طويلة والاُخرى قصيرة ، قال : فقال لي : « نعم يا أبا بصير إحداهما أطول من الاُخرى ، ولا يكون ذلك حتى يختلف ( ولد فلان ) (4) ، وتضيق الحلقة ، ويظهر السفياني ، ويشتدّ البلاء ، ويشمل الناس موت وقتل ، يلجأون منه إلى حرم الله وحرم رسوله ( صلى الله عليه وآله ) » (5). [ 521/14 ] وقفت على كتاب فيه خطب لمولانا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وعليه خط السيّد رضي الدين علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن طاووس ما صورته : هذا الكتاب ذكر كاتبه رجلين بعد الصادق ( عليه السلام ) فيمكن أن يكون تاريخ كتابته بعد المائتين من الهجرة لأنّه ( عليه السلام ) انتقل بعد سنة مائة وأربعين من الهجرة. وقد روي بعض ما فيه عن أبي روح فرج بن فروة ، عن مسعدة بن صدقة ، عن جعفر بن محمّد ( عليه السلام ) ، وبعض ما فيه عن غيرهما ، ذكر في الكتاب المشار إليه خطبة لمولانا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) تسمّى المخزون وهي : 1 ـ غافر 40 : 11. 2 ـ نقله عنه الحر العاملي في الإيقاظ من الهجعة : 298/127 ، والبحراني في تفسير البرهان 4 : 749/20 ، والمجلسي في البحار 53 : 116/139. 3 ـ في إعلام الورى : إبراهيم الخارقي ، وفي الغيبة : إبراهيم بن [ زياد ] الخارقي. 4 ـ في نسختي « س وض » : سيف بني العباس. 5 ـ أورده النعماني في الغيبة : 172/7 ، والطبرسي في إعلام الورى 2 : 259. (464)
« الحمد لله الأحد المحمود ، الذى توحّد بملكه ، وعلا بقدرته ، أحمده على ما عرّف من سبيله ، وألهم من طاعته ، وعلّم من مكنون حكمته ، فإنّه محمود بكل ما يولي ، مشكور بكل ما يُبلي.
وأشهد أنّ قوله عدل ، وحكمه فصل ، ولم ينطق فيه ناطق بكان إلاّ كان قبل كان ، وأشهد أنّ محمّداً ( صلى الله عليه وآله ) عبدالله وسيّد عباده ، خير من أهّل أوّلاً ، وخير من أهّل آخراً ، فكلّما نسج الله الخلق فريقين جعله في خير الفريقين ، لم يسهم فيه عائر ولا نكاح جاهلية. ثمّ إنّ الله تعالى ( قد بعث إليكم رسولاً من أنفسكم عزيز عليه ما عنتّم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ) (1) فـ ( اتّبعوا ما اُنزل إليكم من ربّكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ماتذكّرون ) (2). فإنّ الله جعل للخير أهلاً ، وللحق دعائم ، وللطاعة عِصَماً يعصم بهم ، ويقيم من حقّه فيهم ، على ارتضاء من ذلك ، وجعل لها رُعاة وحفظة ، يحفظونها بقوّة ويعينوا عليها أولياء ذلك بما ولّوا من حقّ الله فيها. أمّا بعد ، فإنّ روح (3) البصر روح الحياة الذي لا ينفع إيمان إلاّ به ، مع كلمة الله والتصديق بها ، فالكلمة من الروح والروح من النور ، والنور نور السماوات ، فبأيديكم سبب وصل إليكم ، منه إيثار واختيار ، نعمة الله لا تبلغوا شكرها ، خصّصكم بها ، واختصّكم لها ( وتلك الأمثال نضربها للناس وما 1 ـ بداية القوس اقتباس من سورة التوبة آية 128. 2 ـ الأعراف 7 : 3. 3 ـ في نسخة « ض » : نور. (465)
يعقلها إلاّ العالمون ) (1).
فابشروا بنصر من الله عاجل ، وفتح يسير يقرّ الله به أعينكم ، ويذهب بحزنكم ، كفّوا ما تناهى الناس عنكم ، فإنّ ذلك لا يخفى عليكم ، إنّ لكم عند كلّ طاعة عوناً من الله ، يقول على الألسن ، ويثبت على الأفئدة ، وذلك عون الله لأوليائه يظهر في خفيّ نعمته لطيفاً ، وقد أثمرت لأهل التقوى أغصان شجرة الحياة ، وإنّ فرقاناً من الله بين أوليائه وأعدائه ، فيه شفاء للصدور ، وظهور للنور ، يعزّ الله به أهل طاعته ، ويذلّ به أهل معصيته ، فليعدّ امرؤ لذلك عدّته ، ولا عُدّة له إلاّ بسبب بصيرة ، وصدق نيّة ، وتسليم سلامة أهل الخفّة في الطاعة ثقل الميزان ، والميزان بالحكمة ، والحكمة ضياء للبصر ، والشكّ والمعصية في النار ، وليسا منّا ولا لنا ولا إلينا ، قلوب المؤمنين مطويّة على الإيمان ، إذا أراد الله إظهار ما فيها فتحها بالوحي ، وزرع فيها الحكمة ، وإنّ لكلّ شيء إنىً (2) يبلغه ، لا يعجل الله بشيء حتى يبلغ إناه ومنتهاه. فاستبشروا ببشرى ما بشّرتم به ، واعترفوا بقربان ما قرّب لكم ، وتنجّزوا من الله ما وعدكم ، إنّ منّا دعوة خالصة يظهر الله بها حجّته البالغة ، ويتمّ بها النعمة السابغة ، ويُعطي بها الكرامة الفاضلة ، من استمسك بها أخذ بحكمة منها ، آتاكم الله رحمته ، ومن رحمته نوّر القلوب ، ووضع عنكم أوزار الذنوب ، وعجّل شفاء صدوركم ، وصلاح اُموركم ، وسلام منّا لكم دائماً عليكم ، تسلمون به في دول الأيام ، وقرار الأرحام ، أين كنتم وسلامه لسلامه عليكم ، في ظاهره وباطنه ، فإنّ الله عزّ وجلّ اختار لدينه أقواماً انتجبهم للقيام عليه ، والنصرة له ، بهم ظهرت كلمة 1 ـ العنكبوت 29 : 43. 2 ـ إنىً : بمعنى حين ووقت. انظر الصحاح 6 : 2273 ـ أنا. |
||||||
|