مختصر البصائر ::: 451 ـ 465
(451)
ومن الرايات التي تسير إليها من كل قريب أو بعيد.
    والله لينزلنّ بها من صنوف العذاب ما نزل بسائر الاُمم المتمرّدة من أوّل الدهر إلى آخره ، ولينزلنّ بها من العذاب ما لا عين رأت ، ولا اُذن سمعت بمثله ، ولا يكون طوفان أهلها (1) إلاّ بالسيف ، فالويل لمن اتخذ بها مسكناً ، فإنّ المقيم بها يبقى بشقائه (2) ، والخارج منها برحمة الله.
    والله ليبقى من أهلها في الدنيا حتى يقال إنّها هي الدنيا ، وإنّ دورها وقصورها هي الجنّة ، وإنّ بناتها هنّ الحور العين ، وإنّ ولدانها هم الولدان ، وليظنّن أنّ الله لم يقسّم رزق العباد إلاّ بها ، وليظهرنّ من الافتراء على الله وعلى رسوله ( صلى الله عليه وآله ) ، والحكم بغير كتاب الله ، ومن شهادات الزور ، وشرب الخمور ، والفجور (3) ، وأكل السحت ، وسفك الدماء ما لا يكون في الدنيا كلّها إلاّ دونه ، ثمّ ليخرّبها الله تعالى بتلك الفتن (4) وتلك الرايات ، حتى لو مرّ عليها مارّ لقال : هاهنا كانت الزوراء ».
    قال المفضّل : ثمّ يكون ماذا يا سيدي ؟
    قال ( عليه السلام ) : « ثمّ يخرج الفتى الحسني الصبيح من نحو الديلم فيصيح بصوت له فصيح : يا آل محمّد (5) أجيبوا الملهوف ، والمنادي من حول الضريح ، فتجيبه كنوز الله بالطالقان (6) ، كنوز وأي كنوز ، لا من ذهب ولا من فضّة ، بل هي رجال كزبر الحديد ،
1 ـ في نسختي « س وق » : أجلها.
2 ـ في نسخة « س » : بمقامه.
3 ـ في نسخة « ض » زيادة : وركوب الفسق.
4 ـ في نسخة « ق » : الفترة.
5 ـ في المصدر والبحار : يا آل أحمد.
6 ـ الطالقان : بلدتان ، إحداهما بخراسان بين مرو الروز وبلخ ، والاُخرى : بلدة وكورة بين قزوين وأبهر ، وبها عدّة قرى يقع عليها هذا الاسم. معجم البلدان 4 : 7.


(452)
لكأنّي أنظر إليهم على البراذين (1) الشهب ، بأيديهم الحراب ، يتعاوون شوقاً إلى الحرب كما تتعاوى الذئاب ، أميرهم رجل من تميم ، يقال له : شعيب بن صالح ، فيقبل الحسني (2) فيهم ، وجهه كدائرة القمر يروع الناس جمالاً ، فيبقى على أثر الظلمة ، فيأخذ سيفه الصغير والكبير ، والوضيع والعظيم ، ثم يسير بتلك الرايات كلّها حتى يرد الكوفة ، ( وقد جمع بها ) (3) أكثر أهل الأرض ويجعلها له معقلاً.
    ثمّ يتّصل به وبأصحابه خبر المهدي ( عليه السلام ) فيقولون له : يابن رسول الله من هذا الذي نزل بساحتنا ؟ فيقول الحسني : اخرجوا بنا إليه حتى تنظروا من هو ؟ وما يريد ؟ وهو يعلم والله أنّه المهدي ( عليه السلام ) وإنّه ليعرفه ، وإنّه لم يرد بذلك الأمر إلاّ الله (4).
    فيخرج الحسني وبين يديه أربعة آلاف رجل في أعناقهم المصاحف ، وعليهم المسوح ، مقلّدين بسيوفهم ، فيقبل الحسني حتى ينزل بقرب المهدي ( عليه السلام ) فيقول : سائلوا عن هذا الرجل من هو وماذا يريد ؟ فيخرج بعض أصحاب الحسني إلى عسكر المهدي ( عليه السلام ) ، فيقول : أيّها العسكر الجائل من أنتم حيّاكم الله ؟ ومن صاحبكم هذا ؟ وماذا يريد ؟ فيقول أصحاب المهدي ( عليه السلام ) : هذا مهدي آل محمّد ( عليهم السلام ) ، ونحن أنصاره من الجنّ والإنس والملائكة ، ثمّ يقول الحسني : خلّوا بيني وبين هذا ، فيخرج إليه المهدي ( عليه السلام ) ، فيقفان بين العسكرين ، فيقول الحسني : إن كنت مهدي آل
1 ـ البرذون : الاُنثى من الدواب. اُنظر الصحاح 5 : 2078 ـ برذن.
2 ـ في المختصر المطبوع ونسخه الثلاثة : الحسين ( عليه السلام ) ، وما أثبتناه من المصدر والبحار ، وكذا الموارد الآتية.
3 ـ في المصدر والبحار : وقد صفا.
4 ـ في البحار : ليعرّف أصحابه من هو ؟. بدل لفظ الجلالة.


(453)
محمّد ( صلى الله عليه وآله ) فأين هراوة جدّي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وخاتمه ، وبردته ، ودرعه الفاضل ، وعمامته السحاب ، وفرسه اليربوع ، وناقته العضباء ، وبغلته الدُلدُل ، وحماره اليعفور ، ونجيبه البراق ، وتاجه (1) ، والمصحف الذي جمعه (2) أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بغير تغيير ولا تبديل ، فيحضر له السفط الذي فيه جميع ما طلبه.
    ( وقال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : إنّه كلّه كان في السفط ) (3) ، وتركات جميع النبيّين حتى عصا آدم ونوح ( عليهما السلام ) ، وتركة هود وصالح ( عليهما السلام ) ، ومجموع (4) إبراهيم ( عليه السلام ) ، وصاع يوسف ( عليه السلام ) ، ومكيل (5) شعيب ( عليه السلام ) وميزانه ، وعصا موسى ( عليه السلام ) ، وتابوته الذي فيه بقية ما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة ، ودرع داود ( عليه السلام ) ، وخاتم سليمان ( عليه السلام ) (6) وتاجه ، ورحل عيسى ( عليه السلام ) ، وميراث النبيّين والمرسلين في ذلك السفط ».
    فعند ذلك يقول الحسني : يابن رسول الله اقض ما قد رأيته ، والذي أسألك أن تغرز هراوة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في هذا الحجر الصلب (7) ، وتسأل الله أن ينبتها فيه ـ ولا يريد بذلك إلاّ أن يُري أصحابه فضل المهدي ( عليه السلام ) حتى يطيعوه ويبايعوه ـ فيأخذ
1 ـ في نسخة « ض » : ورحله. وكلاهما لم يردا في البحار.
2 ـ في نسخة « س وق » زيادة : أبي ، وفي نسخة « ض » : جدّي.
3 ـ في المصدر : قال المفضّل : يا سيدي فهذا كلّه في السفط ؟ قال : يا مفضّل. بدل ما بين القوسين.
4 ـ في نسخة « ق » ومجمع.
5 ـ في نسخة « ق » : ومكتل.
6 ـ في نسختي « ض وق » زيادة : وعصاه.
7 ـ في نسختي « ض وق » : الصلد. وكذا البحار.


(454)
المهدي ( عليه السلام ) الهراوة فيغرزها فتنبت فتعلو وتفرع وتورق حتى تظلّ عسكر الحسني وعسكر المهدي ( عليه السلام ).
    فيقول الحسني : الله أكبر يابن رسول الله مد يدك حتى اُبايعك ، فيبايعه الحسني وسائر عسكره ، إلاّ أربعة آلاف (1) من أصحاب المصاحف ومسوح الشعر ـ المعروفون بالزيدية ـ فإنّهم يقولون : ما هذا إلاّ سحر عظيم.
    فيختلط العسكران ، ويقبل المهدي ( عليه السلام ) على الطائفة المنحرفة فيعظهم ويؤخّرهم (2) إلى ثلاثة أيام فلا يزدادون إلاّ طغياناً (3) وكفراً ، فيأمر المهدي ( عليه السلام ) بقتلهم (4) ، فكأنّي أنظر إليهم قد ذبحوا على مصاحفهم كلّهم ، يتمرّغون في دمائهم وتتمرّغ المصاحف ، فيقبل بعض أصحاب المهدي ( عليه السلام ) فيأخذوا تلك المصاحف ، فيقول المهدي ( عليه السلام ) : دعوها تكون عليهم حسرة كما بدّلوها وغيّروها وحرّفوها ولم يعملوا بما حكم الله فيها ».
    قال المفضّل : يا سيدي ماذا يعمل المهدي ( عليه السلام ) ؟
    قال ( عليه السلام ) : « تثور سراياه على السفياني إلى دمشق ، فيأخذونه ويذبحونه على الصخرة.
    ثمّ يظهر الحسين بن علي ( عليه السلام ) في اثني عشر ألف صدّيق ، واثنين وسبعين رجلاً ـ أصحابه الذين قتلوا معه يوم عاشوراء ـ فيالك عندها من كرّة زهراء
1 ـ في البحار : إلاّ أربعين ألفاً.
2 ـ في نسخة « ض » : ويدعهم ، وفي نسخة « ق » : ويزجرهم ، وفي البحار : ويدعوهم.
3 ـ في نسخة « ق » : إلاّ بعداً وطغياناً.
4 ـ في نسخة « ض » والبحار زيادة : فيقتلون جميعاً.


(455)
ورجعة بيضاء.
    ثمّ يخرج الصدّيق الأكبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وتنصب له القبّة البيضاء على النجف ، وتقام أركانها : ركن بالنجف ، وركن بهجر ، وركن بصنعاء اليمن ، وركن بأرض طيبة ، فكأنّي أنظر إلى مصابيحها تشرق في السماء والأرض كأضوأ من الشمس والقمر فعندها ( تبلى السرائر ) (1) و ( تذهل كلّ مرضعة عمّا أرضعت وتضع كلّ ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ) (2) الآية.
    ثمّ يظهر السيّد الأجل محمّد ( صلى الله عليه وآله ) في أنصاره والمهاجرين ومن آمن به وصدّقه واستشهد معه ، ويحضر مكذّبوه الشاكّون فيه والمكفّرون ، والقائلون فيه أنّه ساحر وكاهن ومجنون ، ومعلّم وشاعر ، وناطق عن الهوى ، ومن حاربه وقاتله حتى يقتصّ منهم بالحقّ ، ويجازون بأفعالهم منذ وقت ظهر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، إلى وقت ظهور المهدي ( عليه السلام ) إماماً إماماً ، ووقتاً وقتاً ، ويحقّ تأويل هذه الآية ( ونريد أن نمنّ على الّذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمّة ونجعلهم الوارثين * ونمكّن لهم في الأرض ونرى فرعون وهامان ) » (3) الآية.
    ( قال المفضّل : قلت : يا سيدي ومن فرعون وهامان ؟
    قال ( عليه السلام ) : « أبو بكر وعمر » ) (4).
    قال المفضّل : يا سيدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأمير المؤمنين ( عليه السلام ) يكونان معه ؟
1 ـ الطارق 86 : 9.
2 ـ الحج 22 : 2.
3 ـ القصص 28 : 5 ـ 6.
4 ـ ما بين القوسين لم يرد في نسختي « س وق » والمصدر.


(456)
    قال ( عليه السلام ) : « لا بدّ أن يطآن الأرض ، إي والله حتى ما وراء القاف (1) ، إي والله وما في الظلمات ، وما في قعر البحار ، حتى لا يبقى موضع قدم إلاّ وطآه ، وأقاما فيه مالدين الواجب لله تعالى.
    كأنّي أنظر إلينا ـ معاشر الأئمّة ـ ونحن بين يدي جدّنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، نشكوا إليه ما نزل بنا من الاُمّة بعده ، من التكذيب والردّ علينا وسبّنا (2) ولعننا وارهاقنا (3) بالقتل ، وقصد طواغيتهم الولاة لاُمورهم إيّانا من دون الاُمّة ( بترحيلنا عن حرمه إلى دار ملكهم ، وقتلهم إيّانا بالسم والحبس ) (4) ، فيبكي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ويقول : يا بنيّ ما نزل بكم إلاّ ما نزل بجدّكم. ولو علمت طواغيتهم وولاتهم أنّ نحن والمهدي والإيمان والوصية والإمامة في غيركم لطلبوه.
    ثمّ تبتدئ فاطمة ( عليها السلام ) فتشكو من عمر وما نالها من أبي بكر ، وأخذ فدك منها ، ومشيها إليه في مجمع من المهاجرين والأنصار ، وخطابها له في أمر فدك ، وما ردّ عليها من قوله : إنّ الأنبياء لا تورّث ، واحتجاجها بقول زكريا ويحيى ( عليهما السلام ) ، وقصّة داود وسليمان ( عليهما السلام ).
    وقول صاحبه : هاتي صحيفتك التي ذكرت أنّ أباكِ كتبها لك ، وإخراجها الصحيفة وأخذها منها ، ونشرها على رؤوس الأشهاد من قريش وسائر المهاجرين والأنصار وسائر العرب ، وتفله فيها ، وعزله (5) لها ، وتمزيقه إيّاها ، وبكائها ،
1 ـ في البحار : الخاف. وفي نسخة « ق » : الخافقان.
2 ـ في البحار : وسبينا.
3 ـ في نسخة « ق » : والظلم فينا ، وفي « س » : واخافتنا.
4 ـ ما بين القوسين لم يرد في نسختي « س وق » والمختصر المطبوع.
5 ـ في المصدر : وعركه.


(457)
ورجوعها إلى قبر أبيها باكية حزينة ، تمشي على الرمضاء قد أقلقتها ، واستغاثتها بالله عزّ وجلّ وبأبيها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وتمثّلها فيه بقول رقيقة بنت صيفي (1) :
قد كان بعدك أنباء وهنبثة إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب واختل قومك فاشهدهم ولا تغب

1 ـ في المختصر المطبوع ونسخه الخطّية الثلاثة : رقية بن صفي. وما أثبتناه من اُسد الغابة 6 : 111/6919 ، والاصابة 4 : 296 إلاّ أنّ فيه : بنت أبي صيفي. ومع ذلك فقد اختلفوا في نسبة الأبيات ، فمنهم من نسبها إلى هند بنت اُثاثة :
كالقرشي في اصله : 95 ـ ضمن الاصول الستة عشر ـ والأربلي في كشف الغمّة 1 : 489 ، وابن سعد في طبقاته 2 : 332.
ومنهم من نسبها إلى صفية بنت عبدالمطلب :
كالطبري في دلائل الإمامة : 35 ، والهيثمي في مجمع الزوائد 9 : 39. إلاّ أنّه قال : إنّ محمّداً لم يدرك صفيّة.
ومنهم من نسبها إلى رقيقة بنت صيفي أو بنت أبي صيفي :
كابن الأثير في اُسد الغابة 6 : 111/6919 ، وابن حجر في الإصابة 4 : 296 ، إلاّ أنّهما نقلا قولاً : أنّ رقيقة لم تدرك البعثة والدعوة.
ومنهم من نسبها إلى سيدتي المهضومة المظلومة فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها :
كالكليني في الكافي 8 : 376/564 ، والقاضي المغربي في شرح الأخبار 3 : 39 ، والمفيد في الأمالي : 41 ، والطبرسي في الاحتجاج 1 : 279 ، وابن شهرآشوب في المناقب 2 : 51 ، وابن طاووس في الطرائف : 265 ، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 16 : 251 ، وابن طيفور في بلاغات النساء : 14 ، والزمخشري في الفائق 4 : 116 ، وابن الأثير في النهاية 5 : 277 ، وابن الدمشقي في مناقب الإمام علي ( عليه السلام ) : 161 ، والقمي في تفسيره 2 : 157 ، وابن منظور في لسان العرب 2 : 199 ، والزبيدي في تاج العروس 1 : 654.
وقال بعض المحقّقين : إنّ البيتين الاولين لهند وباقي الأبيات للطاهرة المطهرة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها.


(458)
أبدى رجال لنا نجوى صدورهم لكلّ قوم لهم قرب ومنزلة يا ليت قبلك كان الموت يأخذنا لمّا نأيت وحالت دونك الحجب عند الإله على الأدنين مقترب أملوا اُناس وفازوا بالذي طلبوا
    وتقصّ عليه ( صلى الله عليه وآله ) قصّة أبي بكر وإنفاذه خالداً وقنفذاً وعمر والجمع معهم (1) لإخراج أمير المؤمنين ( عليه السلام ) من بيته إلى البيعة في سقيفة بني ساعدة.
    واشتغال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بضمّ أزواجه وتعزيتهم ، وجمع القرآن وتأليفه ، وقضاء ديونه ، وإنجاز عداته وهي ثمانون ألف درهم ، باع تليده وطارفه ، وقضاها عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ).
    وقول عمر : اخرج يا علي إلى ما أجمع عليه المسلمون من البيعة ، فمالك أن تخرج عمّا أجمع عليه المسلمون ، وإن لم تفعل قتلناك.
    وقول فضّة جارية فاطمة ( عليها السلام ) : إنّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) مشغول ، والحقّ له لو أنصفتم من أنفسكم وأنصفتموه » (2).
    ذكر أبو علي الطبرسي في قوله تعالى ( وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابّة من الأرض تكلّمهم ) (3).
    [ 513/6 ] روى محمّد بن كعب قال : سئل علي ( عليه السلام ) عن الدابة قال : « أما والله ما لها ذَنَب ، وإنّ لها للحية » (4).
1 ـ في نسخة « ض » : وجمعه الناس.
2 ـ الهداية الكبرى : 392 ـ 407 ، وللحديث تكملة ، وعنه في البحار 53 : 1 ـ 18 ، وله تكملة. وعن المختصر في ص 35 ، باختصار.
3 ـ النمل 27 : 82.
4 ـ مجمع البيان 4 : 234. هذا الحديث وحديث 7 و8 لم يرد في المختصر المطبوع ص 192.


(459)
    [ 514/7 ] ومن الكتاب : « إنّ الدابّة معها العصا والميسم » (2).
    [ 515/8 ] ومنه أيضاً : عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « أنا صاحب العصا والميسم » (3).
    [ 516/9 ] وروى الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي في مصباح المتهجّد ، عن يونس بن عبدالرحمن : أنّ الرضا ( عليه السلام ) كان يأمر بالدعاء لصاحب الأمر ( عليه السلام ) بهذا :
    « اللهمّ ادفع عن وليّك وخليفتك وحجّتك ـ ثمّ ساق الدعاء ـ وقال : اللهم وصلّ على ولاة عهده والأئمّة من بعده ، وبلّغهم آمالهم ، وزد في آجالهم ، وأعزّ نصرهم ، وتمّم لهم ما أسندت إليهم من أمرك ونهيك ، وثبّت دعائمهم ، واجعلنا لهم أعواناً ، وعلى دينك أنصاراً ، فإنّهم معادن كلمتك ، وخزّان علمك ، وأركان توحيدك ، ودعائم دينك ، وولاة أمرك ، وخالصتك من عبادك ، وصفوتك من خلقك ، وأوليائك وسلائل أوليائك ، وصفوة أولاد نبيّك ( صلى الله عليه وآله ) والسلام عليه وعليهم ورحمة الله وبركاته » (4).
    إعلم أنّ هذا الدعاء يدعى به لكلّ إمام في زمانه ، ومولانا صاحب الأمر ابن الحسن ( عليه السلام ) أحدهم صلوات الله عليهم ، فحينئذ يصدق عليه هذا الدعاء : اللهم صلّ على ولاة عهده والأئمّة من بعده. إلى آخره.
    وإلاّ لم يكن هذا الدعاء عامّاً لهم أجمع ، ويكون هذا النصّ مضافاً إلى ما
1 ـ مجمع البيان 4 : 234 ، عن حذيفة ، عن النبي ( صلى الله عليه وآله ).
2 ـ مجمع البيان 4 : 234.
3 ـ مصباح المتهجد : 366 ـ 369 ، وأورده الكفعمي في مصباحه : 548 ـ 550.


(460)
رويناه أوّلاً عنهم ( عليهم السلام ) ، من الأحاديث الصحيحة الصريحة في هذا المعنى واصلاً له وشاهداً بمعناه.
    [ 517/10 ] ومن الكتاب المذكور أيضاً : ممّا يدعى به في شهر رمضان وغيره :
    « اللهمّ كن لوليّك فلان بن فلان في هذه الساعة وكلّ ساعة وليّاً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتّعه فيها طويلاً » (1).
    قوله : « حتى تسكنه أرضك طوعاً » يدلّ على زمان ظهوره وانبساط يده ( عليه السلام ) ، لأنّه اليوم مقهور مغصوب ، مستأثر على حقّه غير مستطيع لإظهار الحقّ في الخلق.
    وقوله : « وتمتّعه فيها طويلاً » هذا يكون على ما رويناه في رجعته ( عليه السلام ) بعد وفاته ، لأنّا روينا أنّه يعيش ـ بعد ظهوره ـ في عالمه تسع عشرة سنة وأشهراً ويموت صلّى الله عليه.
    ومن ذلك ما رويناه عن النعماني من كتاب الغيبة له رفع الحديث عن حمزة بن حمران ، عن ابن أبي يعفور ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) أنّه قال : « يملك القائم ( عليه السلام ) تسع عشرة سنة وأشهراً » (2).
    وروي أيضاً : « إنّ الذي يغسّله جدّه الحسين ( عليه السلام ) » (3).
    فأين موقع هذه التسع عشرة سنة وأشهراً من الدعاء له بطول العمر ، والتمتّع
1 ـ مصباح المتهجد : 573/574 ، وأورده الكليني في الكافي 4 : 162 ، والشيخ الطوسي في التهذيب 3 : 103 ، وابن طاووس في إقبال الاعمال : 85.
2 ـ الغيبة للنعماني : 332/4.
3 ـ الكافي 8 : 206/250. عن أبي عبدالله ( عليه السلام ).


(461)
في الأرض طويلاً. الذي يظهر من هذا ، ويتبادر إلى الذهن أنّه يكون أطول من الزمن الذي انقضى في غيبته ( عليه السلام ) ، وعمره الشريف اليوم ينيف على الخمسمائة والثلاثين سنة (2).
    ويدلّ على ما قلناه ما تقدّم ورويناه عن الصادق ( عليه السلام ) أنّه سئل أيّ العمرين له أطول ؟ قال : « الثاني بالضعف » (3).
    وهذا صريح في رجعته ( عليه السلام ) ، ( وإنّ طول التمتّع في الأرض يكون فيها لا فيما قبلها ، والحمد لله على ما هداه ) (4).
    [ 518/11 ] ورويت عن جعفر بن محمّد بن قولويه في مزاره ، قال : حدّثني الحسين بن محمّد بن عامر ، عن المعلّى بن محمّد البصري ، قال : حدّثني أبو الفضل ، عن ابن صدقة ، عن المفضّل بن عمر ، قال : قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : « كأنّي والله بالملائكة قد زاحموا المؤمنين على قبر الحسين ( عليه السلام ) » قال ، قلت : فيتراؤن لهم ؟ قال : « هيهات هيهات لزماءَ والله ـ المؤمنين ـ حتى أنّهم ليمسحون وجوههم بأيديهم ، قال : ويُنزل الله على زوّار الحسين ( عليه السلام ) غدوة وعشية من طعام الجنّة ، وخدّامهم الملائكة ، لا يسأل الله عبد حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلاّ أعطاه إيّاها ».
    قال : قلت : هذه والله الكرامة.
    قال : « يا مفضّل اُزيدك ؟ » قلت : نعم يا سيدي ، قال : « كأنّي بسرير من نور قد
1 ـ هذا التاريخ لعمره الشريف روحي لتراب مقدمه الفداء في حياة المصنّف ( رحمه الله ) ، ولكن عمره الآن تقريباً ألف ومائة وستة وستون سنة.
2 ـ تقدّم في حديث رقم 57 عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ).
3 ـ ما بين القوسين لم يرد في نسخة « س » والمختصر المطبوع.


(462)
وضع ، وقد ضربت عليه قبّة من ياقوتة مكلّلة بالجوهر ، وكأنّي بالحسين ( عليه السلام ) جالساً على ذلك السرير ، وحوله تسعون ألف قبة خضراء وكأنّي بالمؤمنين يزورونه ويسلّمون عليه ، فيقول الله عزّ وجلّ لهم : أوليائي سلوني فطالما اُوذيتم وذُلّلتم واضطهدتم ، فهذا يوم لا تسألوني حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلاّ قضيتها لكم ، فيكون أكلهم وشربهم من الجنّة ، فهذه والله الكرامة التي لا يشبهها شيء » (1).
    إعلم أنّ هذا الحديث فيه دلالة واضحة بيّنة على أنّ ذلك يكون في الدنيا ، في رجعة سيّدنا الحسين بن علي صلوات الله عليهما إلى الدنيا. كما رويناه في الأحاديث الصحيحة الصريحة عنهم ( عليهم السلام ) في رجعته ورجعتهم.
    أولاً : قوله ( عليه السلام ) : « ويُنزل الله على زوّار الحسين ( عليه السلام ) غدوة وعشيّة من طعام الجنّة » والإنزال يدلّ على أنّه في الدنيا لا في الآخرة.
    وثانياً : قوله ( عليه السلام ) : « لا يسأل الله عبد حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلاّ أعطاها إيّاه » وحوائج الدنيا لا تسأل في الآخرة.
    وثالثاً : قوله سبحانه : « فهذا يوم لا تسألوني حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلاّ قضيتها لكم ».
    والرابع : قوله ( عليه السلام ) : « فيكون أكلهم وشربهم من الجنّة » فظهر ما قلناه والحمد لله معطي من يشاء ما يشاء كيف يشاء.
    [ 519/12 ] ومن كتاب المشيخة للحسن بن محبوب ( رحمه الله ) بإسنادي المتّصل إليه أولاً عن محمّد بن سلام ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) في قوله تعالى ( ربّنا أمتّنا اثنتين
1 ـ كامل الزيارات : 135/3 ، وفي آخره : فهذه الكرامة التي لا انقضاء لها ، ولا يدرك منتهاها.

(463)
وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل ) (1) قال : « هو خاصّ لأقوام في الرجعة بعد الموت ، ويجري في القيامة ، فبعداً للقوم الظالمين » (2).
    [ 520/13 ] الحسن بن محبوب ، عن إبراهيم بن إسحاق الخارقي (3) ، عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبدالله ( عليه السلام ) : كان أبو جعفر ( عليه السلام ) يقول : لقائم آل محمّد عليه وعليهم السلام غيبتان ، واحدة طويلة والاُخرى قصيرة ، قال : فقال لي : « نعم يا أبا بصير إحداهما أطول من الاُخرى ، ولا يكون ذلك حتى يختلف ( ولد فلان ) (4) ، وتضيق الحلقة ، ويظهر السفياني ، ويشتدّ البلاء ، ويشمل الناس موت وقتل ، يلجأون منه إلى حرم الله وحرم رسوله ( صلى الله عليه وآله ) » (5).
    [ 521/14 ] وقفت على كتاب فيه خطب لمولانا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وعليه خط السيّد رضي الدين علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن طاووس ما صورته : هذا الكتاب ذكر كاتبه رجلين بعد الصادق ( عليه السلام ) فيمكن أن يكون تاريخ كتابته بعد المائتين من الهجرة لأنّه ( عليه السلام ) انتقل بعد سنة مائة وأربعين من الهجرة.
    وقد روي بعض ما فيه عن أبي روح فرج بن فروة ، عن مسعدة بن صدقة ، عن جعفر بن محمّد ( عليه السلام ) ، وبعض ما فيه عن غيرهما ، ذكر في الكتاب المشار إليه خطبة لمولانا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) تسمّى المخزون وهي :
1 ـ غافر 40 : 11.
2 ـ نقله عنه الحر العاملي في الإيقاظ من الهجعة : 298/127 ، والبحراني في تفسير البرهان 4 : 749/20 ، والمجلسي في البحار 53 : 116/139.
3 ـ في إعلام الورى : إبراهيم الخارقي ، وفي الغيبة : إبراهيم بن [ زياد ] الخارقي.
4 ـ في نسختي « س وض » : سيف بني العباس.
5 ـ أورده النعماني في الغيبة : 172/7 ، والطبرسي في إعلام الورى 2 : 259.


(464)
    « الحمد لله الأحد المحمود ، الذى توحّد بملكه ، وعلا بقدرته ، أحمده على ما عرّف من سبيله ، وألهم من طاعته ، وعلّم من مكنون حكمته ، فإنّه محمود بكل ما يولي ، مشكور بكل ما يُبلي.
    وأشهد أنّ قوله عدل ، وحكمه فصل ، ولم ينطق فيه ناطق بكان إلاّ كان قبل كان ، وأشهد أنّ محمّداً ( صلى الله عليه وآله ) عبدالله وسيّد عباده ، خير من أهّل أوّلاً ، وخير من أهّل آخراً ، فكلّما نسج الله الخلق فريقين جعله في خير الفريقين ، لم يسهم فيه عائر ولا نكاح جاهلية.
    ثمّ إنّ الله تعالى ( قد بعث إليكم رسولاً من أنفسكم عزيز عليه ما عنتّم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ) (1) فـ ( اتّبعوا ما اُنزل إليكم من ربّكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ماتذكّرون ) (2).
    فإنّ الله جعل للخير أهلاً ، وللحق دعائم ، وللطاعة عِصَماً يعصم بهم ، ويقيم من حقّه فيهم ، على ارتضاء من ذلك ، وجعل لها رُعاة وحفظة ، يحفظونها بقوّة ويعينوا عليها أولياء ذلك بما ولّوا من حقّ الله فيها.
    أمّا بعد ، فإنّ روح (3) البصر روح الحياة الذي لا ينفع إيمان إلاّ به ، مع كلمة الله والتصديق بها ، فالكلمة من الروح والروح من النور ، والنور نور السماوات ، فبأيديكم سبب وصل إليكم ، منه إيثار واختيار ، نعمة الله لا تبلغوا شكرها ، خصّصكم بها ، واختصّكم لها ( وتلك الأمثال نضربها للناس وما
1 ـ بداية القوس اقتباس من سورة التوبة آية 128.
2 ـ الأعراف 7 : 3.
3 ـ في نسخة « ض » : نور.


(465)
يعقلها إلاّ العالمون ) (1).
    فابشروا بنصر من الله عاجل ، وفتح يسير يقرّ الله به أعينكم ، ويذهب بحزنكم ، كفّوا ما تناهى الناس عنكم ، فإنّ ذلك لا يخفى عليكم ، إنّ لكم عند كلّ طاعة عوناً من الله ، يقول على الألسن ، ويثبت على الأفئدة ، وذلك عون الله لأوليائه يظهر في خفيّ نعمته لطيفاً ، وقد أثمرت لأهل التقوى أغصان شجرة الحياة ، وإنّ فرقاناً من الله بين أوليائه وأعدائه ، فيه شفاء للصدور ، وظهور للنور ، يعزّ الله به أهل طاعته ، ويذلّ به أهل معصيته ، فليعدّ امرؤ لذلك عدّته ، ولا عُدّة له إلاّ بسبب بصيرة ، وصدق نيّة ، وتسليم سلامة أهل الخفّة في الطاعة ثقل الميزان ، والميزان بالحكمة ، والحكمة ضياء للبصر ، والشكّ والمعصية في النار ، وليسا منّا ولا لنا ولا إلينا ، قلوب المؤمنين مطويّة على الإيمان ، إذا أراد الله إظهار ما فيها فتحها بالوحي ، وزرع فيها الحكمة ، وإنّ لكلّ شيء إنىً (2) يبلغه ، لا يعجل الله بشيء حتى يبلغ إناه ومنتهاه.
    فاستبشروا ببشرى ما بشّرتم به ، واعترفوا بقربان ما قرّب لكم ، وتنجّزوا من الله ما وعدكم ، إنّ منّا دعوة خالصة يظهر الله بها حجّته البالغة ، ويتمّ بها النعمة السابغة ، ويُعطي بها الكرامة الفاضلة ، من استمسك بها أخذ بحكمة منها ، آتاكم الله رحمته ، ومن رحمته نوّر القلوب ، ووضع عنكم أوزار الذنوب ، وعجّل شفاء صدوركم ، وصلاح اُموركم ، وسلام منّا لكم دائماً عليكم ، تسلمون به في دول الأيام ، وقرار الأرحام ، أين كنتم وسلامه لسلامه عليكم ، في ظاهره وباطنه ، فإنّ الله عزّ وجلّ اختار لدينه أقواماً انتجبهم للقيام عليه ، والنصرة له ، بهم ظهرت كلمة
1 ـ العنكبوت 29 : 43.
2 ـ إنىً : بمعنى حين ووقت. انظر الصحاح 6 : 2273 ـ أنا.
مختصر البصائر ::: فهرس