مختصر البصائر ::: 466 ـ 480
(466)
الإسلام وارجاء مفترض القرآن ، والعمل بالطاعة في مشارق الأرض ومغاربها.
    ثمّ إنّ الله تعالى خصّكم بالإسلام ، واستخلصكم له ؛ لأنّه اسم سلامة ، وجماع كرامة ، اصطفى الله تعالى منهجه ، وبيّن حججه ، أرّف (1) اُرفه وحدّه ، ووصفه وجعله رضاً كما وصفه ، ووصف أخلاقه ، وبيّن أطباقه ، ووكّد ميثاقه من ظهر وبطن ، ذي حلاوة وأمن ، فمن ظفر بظاهره ، رأى عجائب مناظره في موارده ومصادره ، ومن فطن لما بطن ، رأى مكنون الفطن ، وعجائب الأمثال والسنن.
    فظاهره أنيق ، وباطنه عميق ، لا تنقضي عجائبه ولا تفنى غرائبه ، فيه ينابيع النعم ، ومصابيح الظلم ، لا تفتح الخيرات إلاّ بمفاتيحه ، ولا تنكشف الظلمات إلاّ بمصابيحه ، فيه تفصيل وتوصيل ، وبيان الإسمين الأعلين اللذَين جُمعا فاجتمعا ، لا يصلحان إلاّ معاً ، يسمّيان فيعرفان ، ويوصفان فيجتمعان ، قيامهما في تمام أحدهما في منازلهما ، جرى بهما ، ولهما نجوم ، وعلى نجومهما نجوم سواهما ، تحمي حماه ، وترعى مراعيه ، وفي القرآن بيانه وحدوده وأركانه ، ومواضع تقادير ما خزن بخزائنه ، ووزن بميزانه ، ميزان العدل وحكم الفصل.
    إنّ رعاة الدين فرّقوا بين الشكّ واليقين ، وجاؤا بالحقّ المبين ، قد بيّنوا الإسلام تبياناً ، وأسّسوا له أساساً وأركاناً ، وجاؤا على ذلك شهوداً وبرهاناً ، من علامات وامارات ، فيها كفاء لمكتف ، وشفاء لمشتف ، يحمون حماه ، ويرعون مرعاه ، ويصونون مصونه ، ويهجرون مهجوره ، ويحبّون محبوبه ، بحكم الله وبرّه ، وبعظيم أمره وذكره ، بما يجب أن يذكر به ، يتواصلون بالولاية ، ويتلاقون بحسن اللهجة (2) ،
1 ـ الاُرفة : الحد ، والجمع اُرف. الصحاح 4 : 1330 ـ أرف.
2 ـ في نسخة « س » : البهجة.


(467)
ويتساقون بكأس الرويّة ، ويتراعون بحسن الرعاية ، ويصدرون بصدور بريّة ، وأخلاق سنيّة لم يؤلم عليها ، وبقلوب رضيّة لا تتسرّب (2) فيها الدنيّة ، ولا تشرع (3) فيها الغيبة (4).
    فمن استبطن من ذلك شيئاً استبطن خلقاً سنيّاً (5) ، وقطع أصله ، واستبدل منزله بنقضه مبرماً ، واستحلاله محرّماً ، من عهد معهود إليه ، وعقد معقود عليه ، بالبرّ والتقوى ، وإيثار سبيل الهدى ، على ذلك عقد خلقهم ، وآخا اُلفتهم ، فعليه يتحابّون ، وبه يتواصلون ، فكانوا كالزرع وتفاضله ، يبقى فيؤخذ منه ، ويفنى ببقية التخصيص ، ويبلغ منه التخليص ، فلينظر امرؤ في قصر أيّامه ، وقلّة مقامه في منزل ، حتى يستبدل منزلاً ليضع متحوّله ومعارف منتقله.
    فطوبى لذي قلب سليم أطاع من يهديه ، وتجنّب ما يُرديه ، فيدخل مدخل الكرامة ، وأصاب سبيل السلامة ، يبصر ببصره ، وأطاع هادي أمره ، دُلّ أفضل الدلالة ، وكشف غطاء الجهالة المضلّة الملهية ، فمن أراد تفكّراً أو تذكّراً فليذكر رأيه ، وليبرز (6) بالهدى ، ما لم تغلق أبوابه وتفتح أسبابه ، وقبل نصيحة من نصح بخضوع وحسن خشوع ، بسلامة الإسلام ودعاء التمام ، وسلام بسلام ، تحيّة دائمة لخاضع متواضع يتنافس بالإيمان ، ويتعارف عدل الميزان ، فليقبل أمره وإكرامه بقبول ، وليحذر قارعة قبل حلولها.
1 ـ في نسختي « س وض » : لا تشوب.
2 ـ في نسخة « س » : ولا تسرع.
3 ـ في نسخة « ض » : الغبيّة.
4 ـ في نسخة « س » : سيّئاً.
5 ـ في نسخة « س وض » : ولينظر.


(468)
    إنّ أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلاّ ملك مقرّب ، أو نبيّ مرسل ، أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان ، لا يعي حديثنا إلاّ حصون حصينة ، أو صدور أمينة ، أو أحلام رزينة.
    يا عجباً كلّ العجب بين جمادى ورجب » فقال رجل من شرطة الخميس : ما هذا العجب يا أمير المؤمنين ؟ قال : « وما لي لا أعجب ! وقد سبق القضاء فيكم وما تفقهون الحديث ، إلاّ صوتات بينهنّ موتات ، حصد نبات ، ونشر أموات.
    يا عجباً كلّ العجب بين جمادى ورجب » قال الرجل أيضاً : يا أمير المؤمنين ما هذا العجب الذي لا تزال تعجب منه ؟ قال : « ثكلت الآخر اُمّه ، وأي عجب يكون أعجب من أموات يضربون هامات الأحياء » قال أنّى يكون ذلك يا أمير المؤمنين ؟ قال : « والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ، كأنّي أنظر إليهم قد تخلّلوا سكك الكوفة وقد شهروا سيوفهم على مناكبهم ، يضربون كلّ عدوّ لله ولرسوله ( صلى الله عليه وآله ) وللمؤمنين ، وذلك قول الله عزّ وجلّ ( يا أيّها الّذين آمنوا لا تتولّوا قوماً غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفّار من أصحاب القبور ) (1).
    أيّها الناس سلوني قبل أن تفقدوني ، لأنا بطرق السماء أعلم من العالم بطرق الأرض.
    أنا يعسوب المؤمنين (2) ، وغاية السابقين ، ولسان المتّقين ، وخاتم الوصيين ، ووارث النبيّين ، وخليفة ربّ العالمين.
    أنا قسيم النار ، وخازن الجنان ، وصاحب الحوض ، وصاحب الأعراف ،
1 ـ الممتحنة 60 : 13.
2 ـ في البحار : الدين.


(469)
فليس منّا أهل البيت إمام إلاّ وهو عارف بجميع أهل ولايته ، وذلك قول الله تعالى ( إنّما أنت منذر ولكلّ قوم هاد ) (1).
    ألا أيّها الناس سلوني قبل أن تشغر (2) برجلها فتنة شرقية ، وتطأ في خطامها بعد موت وحياة ، أو تشبّ ناراً بالحطب الجزل غربي الأرض ، ورافعة ذيلها تدعو ياويلها بذحلة أو مثلها ، فإذا استدار الفلك قلت : مات أو هلك بأيّ واد سلك ، فيومئذ تأويل هذه الآية ( ثمّ رددنا لكم الكرّة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيراً ) (3).
    ولذلك آيات وعلامات أولهنّ : احصار الكوفة بالرصد والخندق ، وتحريق الزوايا في سكك الكوفة ، وتعطيل المساجد أربعين ليلة ، وتخفق رايات ثلاث حول المسجد الأكبر ، يشبّهن بالهدى ، القاتل والمقتول في النار ، وقتل كثير وموت كثير ذريع ، وقتل النفس الزكية بظهر الكوفة في سبعين ، والمذبوح بين الركن والمقام ، وقتل الأسبُع (4) المظفّر صبراً في بيعة الأصنام ، مع كثير من شياطين الإنس.
    وخروج السفياني براية خضراء ، وصليب من ذهب ، أميرها رجل من كلب ، واثنى عشر ألف عنان من خيل يحمل السفياني متوجّهاً إلى مكّة والمدينة ، أميرها أحد من بني اُميّة يقال له : خزيمة ، أطمس العين الشمال ، على عينه طرفة تميل بالدنيا ، فلا تردّ له راية حتى ينزل المدينة ، فيجمع رجالاً ونساءً من آل محمّد ( صلى الله عليه وآله ) فيحبسهم
1 ـ الرعد 13 : 7.
2 ـ في نسخة « س » : تسرع ، وفي المختصر المطبوع ص 198 : تشرع.
وشغر : كثر واتّسع. الصحاح 2 : 700 ـ شغر.
3 ـ الاسراء 17 : 6.
4 ـ في البحار : الأسبغ.


(470)
في دار بالمدينة يقال لها : دار أبي الحسن الاُموي.
    ويبعث خيلاً في طلب رجل من آل محمّد ( صلى الله عليه وآله ) ، قد اجتمع إليه رجال من المستضعفين بمكة أميرهم رجل من غطفان ، حتى إذا توسّطوا الصفائح البيض بالبيداء ، يخسف بهم ، فلا ينجو منهم أحد إلاّ رجل واحد ، يحوّل الله وجهه في قفاه لينذرهم ، وليكون آية لمن خلفه ، فيومئذ تأويل هذه الآية ( ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت واُخذوا من مكان قريب ) (1).
    ويبعث السفياني مائة وثلاثين ألفاً إلى الكوفة ، فينزلون بالروحاء (2) وفاروق (3) ، وموضع مريم وعيسى ( عليهما السلام ) بالقادسية ، ويسير منهم ثمانون ألفاً حتى ينزلوا الكوفة موضع قبر هود ( عليه السلام ) بالنخيلة فيهجموا عليه يوم زينة ، وأمير الناس جبّار عنيد يقال له : الكاهن الساحر ، فيخرج من مدينة يقال لها : الزوراء في خمسة آلاف من الكهنة ، ويُقتل على جسرها سبعين ألفاً ، حتى يحتمي الناس من الفرات ثلاثة أيام من الدماء ونتن الأجسام ، ويسبى من الكوفة أبكاراً (4) ، لا يكشف عنها ستر (5) ولا قناع ، حتى يوضعن في المحامل ، يزلف بهنّ الثويّة وهي الغريّين.
1 ـ سبأ 34 : 51.
2 ـ الروحاء : قرية من قرى بغداد وعلى نهر عيسى قرب السندية. معجم البلدان 3 : 87/5646.
3 ـ فاروق : من قرى إصطخر فارس. معجم البلدان 4 : 260.
والظاهر أنّها مصحّفة من فاروث : وهي قرية كبيرة ذات سوق على شاطئ دجلة بين واسط والمذَار. معجم البلدان 4 : 259. وفاروث أقرب للسياق.
4 ـ في نسخة « ض » : سبعون بكراً.
5 ـ في نسخة « س » : كفّ.


(471)
    ثم يخرج من الكوفة مائة ألف بين مشرك ومنافق ، حتى يضربوا دمشق ، لا يصدّهم عنها صاد ، وهي إرم ذات العماد ، وتقبل رايات شرقي الأرض ليست بقطن ولا كتان ولا حرير ، مختّمة في رؤوس القنا بخاتم السيد الأكبر ، يسوقها رجل من آل محمّد ( صلى الله عليه وآله ) ، يوم تطير بالمشرق يوجد ريحها بالمغرب كالمسك الأذفر ، يسير الرعب أمامها شهراً.
    ويخلف أبناء سعد السقاء (1) بالكوفة طالبين بدماء آبائهم ، وهم أبناء الفسقة ، حتى تهجم عليهم خيل الحسين ( عليه السلام ) ، يستبقان كأنّهما فرسا رهان ، شعث غبر أصحاب بواكي وقوارح ، إذ يضرب أحدهم برجله باكية ، يقول : لا خير في مجلس بعد يومنا هذا ، اللهم فإنّا التائبون الخاشعون الراكعون الساجدون ، فهم الأبدال الذين وصفهم الله عزّ وجلّ ( إنّ الله يحبّ التوابين ويحبّ المتطهرين ) (2) والمطهّرون نظراؤهم من آل محمّد ( صلى الله عليه وآله ).
    ويخرج رجل من أهل نجران راهب مستجيب للإمام ، فيكون أول النصارى إجابة ، ويهدم صومعته (3) ، ويدقّ صليبها ، ويخرج بالموالي وضعفاء الناس والخيل ، فيسيرون إلى النخيلة بأعلام هدى ، فيكون مجتمع الناس جميعاً من الأرض كلّها بالفاروق ـ وهي محجّة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وهي ما بين البرس (4) والفرات ـ فيقبل يومئذ فيما بين المشرق والمغرب ثلاثة آلاف من اليهود والنصارى ، فيقتل بعضهم بعضاً ، فيومئذ تأويل هذه الآية ( فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيداً
1 ـ في نسخة « س » : سعد السفياني.
2 ـ البقرة 2 : 222.
3 ـ في نسختي « س وض » : بيعته.
4 ـ في نسخة « ض » : الناوس.


(472)
خامدين ) (1) بالسيف وتحت ظلّ السيف.
    ويخلف من بني الأشهب الزاجر اللحظ ، في اُناس من غير أبيه هرباً حتى يأتون سبطرى عوّذاً بالشجر ، فيومئذ تأويل هذه الآية ( فلمّا أحسّوا بأسنا إذا هم منها يركضون * لا تركضوا وارجعوا إلى ما اترفتم فيه ومساكنكم لعلّكم تسئلون ) (2) ومساكنهم الكنوز التي غلبوا (3) من أموال المسلمين ، ويأتيهم يومئذ الخسف والقذف والمسخ ، فيومئذ تأويل هذه الآية ( وما هي من الظالمين ببعيد ) (4).
    وينادي مناد في شـهر رمضان من ناحية المشرق ، عند طلوع الشمس : يا أهل الهدى اجتمعوا ، وينادي من ناحية المغرب بعد ما تغيب الشمس (5) : يا أهل الضلالة (6) اجتمعوا ، ومن الغد عند الظهر تكوّر الشمس ، فتكون سوداء مظلمة ، واليوم الثالث يفرّق بين الحقّ والباطـل بخروج دابّة الأرض ، وتقبل الروم إلى قريـة بساحل البحـر ، عند كهف الفتـية ، ويبـعث الله الفتية من كهفهم إليهم ، رجل يقـال له : مليخا (7) والآخر كمسلمينا (8) ، وهما الشاهدان المسلّمان للقائم ( عليه السلام ).
1 ـ الأنبياء 21 : 15.
2 ـ الأنبياء 21 : 12 ـ 13.
3 ـ في البحار : غنموا.
4 ـ هود 11 : 83.
5 ـ في نسخة « س » : بعد ما يغيب الشفق.
6 ـ في البحار : الهدى.
7 ـ في نسخة من حاشية نسخة « س » والمختصر المطبوع : تمليخا ، وقد ورد الإسمان في كتب التاريخ والتفسير. فمنهم من يقول : تمليخا ، ومنهم من يقول : مليخا.
8 ـ في نسخة « ض » : مكسلمينا.


(473)
    فيبعث أحد الفتية إلى الروم ، فيرجع بغير حاجة ، ويبعث الآخر ، فيرجع بالفتح ، فيومئذ تأويل هذه الآية ( وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً ) (1).
    ثمّ يبعث الله من كلّ اُمّة فوجاً ليريهم كانوا ما يوعدون فيومئذ تأويل هذه الآية ( ويوم نحشر من كلّ اُمّة فوجاً ممّن يكذّب بآياتنا فهم يوزعون ) (2) والوزع خفقان أفئدتهم.
    ويسير الصدّيق الأكبر براية الهدى ، والسيف ذو الفقار والمخصرة ، حتى ينزل أرض الهجرة مرتين وهي الكوفة ، فيهدم مسجدها ويبنيه على بنائه الأول ، ويهدم ما دونه من دور الجبابرة.
    ويسير إلى البصرة حتى يشرف على بحرها ، ومعه التابوت ، وعصا موسى ( عليه السلام ) ، فيعزم عليه فيزفر في البصرة زفرة فتصير بحراً لجّيّاً ، لا يبقى فيها غير مسجدها كجؤجؤ السفينة على ظهر الماء.
    ثمّ يسير إلى حروراء (3) حتى يحرقها ، ويسير من باب بني أسد حتى يزفر زفرة في ثقيف ، وهم زرع فرعون.
    ثمّ يسير إلى مصر فيعلو منبره ، ويخطب الناس فتستبشر الأرض بالعدل ، وتعطي السماء قطرها ، والشجر ثمرها ، والأرض نباتها ، وتتزيّن الأرض لأهلها ،
1 ـ آل عمران 3 : 83.
2 ـ النمل 27 : 83.
3 ـ حروراء : بفتحتين وسكون الواو ، قرية بظاهر الكوفة ، وقيل : موضع على ميلين من الكوفة نزل به الخوارج الذين خالفوا علي بن أبي طالب ( عليه السلام ). معجم البلدان 2 : 283/3629.


(474)
وتأمن الوحوش حتى ترتعي في طرق الأرض كأنعامهم ، ويقذف في قلوب المؤمنين العلم ، فلا يحتاج مؤمن إلى ما عند أخيه من العلم ، فيومئذ تأويل هذه الآية ( يغنِ الله كلاًّ من سعته ) (1).
    وتخرج لهم الأرض كنوزها ويقول القائم ( عليه السلام ) ( كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية ) (2) فالمسلمون يومئذ أهل الصواب للدين ، أذن لهم في الكلام فيومئذ تأويل هذه الآية ( وجاء ربّك والملك صفاً صفاً ) (3) فلا يقبل الله يومئذ إلاّ دينه الحق ألا لله الدين الخالص ، فيومئذ تأويل هذه الآية ( أو لم يروا أنا نسوقُ الماءَ إلى الأرضِ الجُرُز فنُخرجُ به زرعاً تأكلُ منه أنعامُهم وأنفُسهم أفلا يُبصرون * ويقولون متى هذا الفتحُ إن كنتم صادقين * قل يومَ الفتحِ لا ينفعُ الذين كفروا إيمانُهم ولا هم يُنظرون * فأعرض عنهم وانتظر إنّهم منتظِرون ) (4).
    فيمكث فيما بين خروجه إلى يوم موته ثلاثمائة سنة ونيفاً ، وعدّة أصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر ، منهم : تسعة من بني اسرائيل ، وسبعون من الجن ، ومائتان وأربعة وثلاثون فيهم سبعون الذين غضبوا للنبي ( صلى الله عليه وآله ) إذ هجته مشركوا قريش ، فطلبوا إلى نبي الله ( صلى الله عليه وآله ) أن يأذن لهم في إجابتهم ، فأذن لهم حيث نزلت هذه الآية ( إلاّ الذين آمنوا وعَمِلوا الصالحاتِ وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ما ظُلموا وسيعلم الذين ظَلموا أيَّ مُنقلب ينقلبون ) (5).
1 ـ النساء 4 : 130.
2 ـ الحاقة 69 : 24.
3 ـ الفجر 89 : 22.
4 ـ السجدة 32 : 27 ـ 30.
5 ـ الشعراء 26 : 227.


(475)
    وعشرون من أهل اليمن منهم المقداد بن الأسود ، ومائتان وأربعة عشر الذين كانوا بساحل البحر ممّا يلي عدن ، فبعث الله إليهم نبيّ برسالة فأتوا مسلمين ، وتسعة من بني اسرائيل ، ومن أفناء الناس (2) ألفان وثمانمائة (3) وسبعة عشر.
    ومن الملائكة أربعون ألفاً ، من ذلك من المسوّمين ثلاثة آلاف ، ومن المردفين خمسة آلاف.
    فجميع أصحابه ( عليه السلام ) سبعة وأربعون ألفاً ومائة وثلاثون من ذلك تسعة رؤوس ، مع كلّ رأس من الملائكة أربعة آلاف من الجنّ والإنس عدّة يوم بدر ، فبهم يقاتل ، وإيّاهم ينصر الله ، وبهم ينتصر ، وبهم يقدّم (4) النصر ، ومنهم نضرة الأرض » (5).
    كتبتها كما وجدتها وفيها نقص حروف.
    [ 522/15 ] محمّد بن علي الصدوق ( رحمه الله ) ، عن محمّد بن أحمد بن إبراهيم ، قال : حدّثنا أبو عبدالله الورّاق محمّد بن عبدالله بن الفرج ، قال : حدّثنا أبو الحسن علي بن بنان المقري (5) ، قال : حدّثنا محمّد بن سابق ، قال : حدّثنا زائدة ، عن الأعمش ، قال : حدّثنا فرات القزاز ، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة ، عن حذيفة بن أسيد الغفاري ، قال : كنّا جلوساً في المدينة في ظلّ حائط ، قال : وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في غرفة فاطّلع علينا ، فقال : « فيما أنتم ؟ » قلنا : نتحدّث ، قال : « عمّ ذا ؟ » قلنا : عن الساعة ، فقال :
1 ـ من أفناء الناس : إذا لم يعلموا ممنّ هم. اُنظر الصحاح 6 : 2457 ـ فني.
2 ـ في نسخة « ض » : ثلاثمائة.
3 ـ في نسخة « ض » : يقدّر.
4 ـ نقله المجلسي في بحار الأنوار 53 : 77/86.
5 ـ في المصدر : علي بن بيان المقرئ.


(476)
« إنّكم لا ترون الساعة حتى تروا قبلها عشر آيات :
    طلوع الشمس من مغربها ، والدجّال ، ودابّة الأرض ، وثلاثة خسوف تكون في الأرض ، خسف بالمشرق ، وخسف بالمغرب ، وخسف بجزيرة العرب ، ونزول (1) عيسى بن مريم ( عليهما السلام ) ، وخروج يأجوج ومأجوج ، وتكون آخر الزمان نار تخرج من اليمن من قعر الأرض لا تدع خلفها أحداً ، تسوق الناس إلى المحشر ، كلّما قاموا قامت لهم تسوقهم إلى المحشر » (2).
    [ 523/16 ] محمّد بن علي الصدوق ( رحمه الله ) ، عن حمزة بن محمّد بن أحمد بن جعفر بن محمّد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ، قال : أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد الكوفي مولى بني هاشم ، قال : أخبرني القاسم بن محمّد بن حمّاد ، قال : حدّثنا غياث بن إبراهيم ، قال : حدّثنا الحسين بن زيد بن علي ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي ( عليهم السلام ) قال : « قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أبشروا ثمّ أبشروا ـ ثلاث مرات ـ إنّما مثل اُمّتي كمثل غيث لا يدرى أوله خير أم آخره.
    إنّما مثل اُمّتي كمثل حديقة اُطعم منها فوج عاماً ، ثمّ اُطعم منها فوج عاماً ، لعلّ آخرها فوجاً يكون أعرضها بحراً ، وأعمقها طولاً وفرعاً ، وأحسنها جنىً ، وكيف تهلك اُمّة أنا أولها ، واثنا عشر من بعدي من السعداء واُولي الألباب ، والمسيح عيسى بن مريم ( عليه السلام ) آخرها ، ولكن يهلك بين ذلك نتج (3) الهرج ليسوا منّي ولست
1 ـ في المصدر والبحار : وخروج.
2 ـ الخصال : 449/52 ، وعنه في البحار 6 : 304/3.
3 ـ في نسخة « ق » : تيح ، وكذلك البحار.


(477)
منهم » (1).
    [ 524/17 ] ومن الكتاب المذكور أيضاً الذي فيه خطب مولانا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) خطبة قال فيها بعد كلام طويل : « يا رسول الله بأي المنازل اُنزلهم إذا فعلوا ذلك ؟ قال : بمنزلة فتنة ، ينقذ الله بنا أهل البيت عند ظهورنا السعداء من اُولي الألباب إلاّ أن يدّعوا الضلالة ، ويستحلّوا الحرام في حرم الله ، فمن فعل ذلك منهم فهو كافر.
    يا علي : بنا ختم الله ، وبنا فتح الإسلام ، وبنا يختمه ، بنا أهلك الله الأوثان ومن يعبدها ، وبنا يقصم كلّ جبّار وكلّ منافق ، حتى ليقتل في الحق من يقتل في الباطل.
    يا علي : إنّما مثل هذه الاُمّة مثل حديقة اُطعم منها فوج عاماً ، ثمّ فوج عاماً ، ثم فوج عاماً ، فلعلّ آخرها فوجاً أن يكون أثبتها أصلاً ، وأحسنها فرعاً ، وأمدّها ظلاًّ ، وأحلاها جنىً ، وأكثرها خيراً ، وأوسعها عدلاً ، وأطولها ملكاً.
    ( يا علي : كيف تهلك اُمّة أنا أوّلها ، ومهديها وسطها ، والمسيح بن مريم آخرها ) (2).
    يا علي : إنّما مثل هذا الاُمّة كمثل الغيث لا يُدرى أوله خير أم آخره ، وبعد ذلك نتج الهرج ، لست منه وليس منّي » (3) إلى آخر الخطبة.
    [ 525/18 ] ومن كتاب التنزيل والتحريف أحمد بن محمّد السيّاري ، عن
1 ـ عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) 1 : 52/18 ، الخصال : 475/39 ، كمال الدين : 269/14 ، وعنهم في البحار 36 : 242/48.
2 ـ ما بين القوسين لم يرد في المختصر المطبوع.
3 ـ وعنه في نهج السعادة 1 : هامش صفحة 387.


(478)
محمّد بن خالد ، عن عمر بن عبدالعزيز ، عن عبدالله بن نجيح اليماني ، قال : قلت لأبي عبدالله ( عليه السلام ) ( لتسئلنّ يومئذ عن النعيم ) (3) قال : « النعيم الذي أنعم الله عليكم بمحمّد وآل محمّد ( صلى الله عليه وآله ) » وفي قوله تعالى ( لو تعلمون علم اليقين ) (4) قال : « المعاينة » وفي قوله تعالى ( كلاّ سوف تعلمون * ثمّ كلاّ سوف تعلمون ) (5) قال : « مرّة بالكرّة واُخرى يوم القيامة » (6).
    [ 526/19 ] محمّد بن يعقوب ، عن محمّد بن يحيى وأحمد بن محمّد جميعاً ، عن محمّد بن الحسن ، عن علي بن حسّان ، قال : حدّثني أبو عبدالله الرياحي (7) ، عن أبي الصامت الحلواني ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : « قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنا قسيم الله بين الجنّة والنّار ، لا يدخلها داخل إلاّ على أحد قسمي ، وأنا الفاروق الأكبر ، وأنا الإمام لمن بعدي ، والمؤدّي عمّن كان قبلي ، لا يتقدّمني أحد إلاّ أحمد ( صلى الله عليه وآله ) ، وإنّي وإيّاه لعلى سبيل واحد ، إلاّ أنّه هو المدعوّ باسمه ، ولقد اُعطيت الست : علم البلايا والمنايا ، والوصايا ، وفصل الخطاب ، وإنّي لصاحب الكرّات ، ودولة الدول ، وإنّي لصاحب العصا والميسم ، والدابّة التي تكلّم الناس » (1).
    [ 527/20 ] ومن كتاب الاحتجاج لأبي منصور أحمد بن أبي طالب الطبرسي ( رحمه الله ) قال : روي أنّ يوماً قال أبو حنيفة لمؤمن الطاق : إنّكم تقولون بالرجعة ؟ قال : نعم ، قال أبو حنيفة : فأعطني الآن ألف درهم حتى اُعطيك ألف دينار
1 و 2 و 3 ـ التكاثر 102 : 8 و5 و3 ـ 4.
4 ـ التنزيل والتحريف : 70 ـ مصورة من مكتبة السيد المرعشي ، وعنهما في البحار 53 : 107/135. وفي التنزيل : مرّة بالكوفة. بدل : مرة بالكرّة.
5 ـ في نسختي « ض وق » الرماحي ، وفي « س » : الرماني.
6 ـ الكافي 1 : 198/ ذيل حديث 3.


(479)
إذا رجعنا ، قال الطاقي لأبي حنيفة : فأعطني كفيلاً بأنّك ترجع انساناً ولا ترجع خنزيراً (1).
    [ 528/21 ] ومن كتاب الغارات لإبراهيم بن محمّد بن سعيد بن هلال الثقفي : روى حديثاً عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) منه قيل له : فما ذو القرنين ؟ قال ( عليه السلام ) : « رجل بعثه الله إلى قومه فكذّبوه وضربوه على قرنه فمات ، ثمّ أحياه الله ، ثمّ بعثه إلى قومه فكذّبوه وضربوه على قرنه الآخر فمات ، ثمّ أحياه الله ، فهو ذو القرنين لأنّه ضربت قرناه ».
    وفي حديث آخر : « وفيكم مثله » يريد نفسه ( عليه السلام ) (2).
    [ 529/22 ] ومنه أيضاً : حدّثنا عبدالله بن اسيد الكندي ـ وكان من شرطة الخميس ـ عن أبيه ، قال : إنّي لجالس مع الناس عند عليّ ( عليه السلام ) إذا جاء ابن معن وابن نعج معهما عبدالله بن وهب الراسبي (3) ، قد جعلا في حلقه ثوباً يجرّانه ، فقالا : يا أمير المؤمنين اقتله ولا تداهن الكذّابين ، قال : « ادنه » فدنا ، فقال لهما : « فما يقول ؟ » قالا : يزعم أنّك دابّة الأرض ، وأنّك تُضرب على هذا قبيل هذا ـ يعنون رأسه إلى لحيته ـ
1 ـ الاحتجاج 2 : 214 ، وعنه في البحار 47 : 399.
2 ـ الغارات : 105 ـ 106 ، وعنهما في البحار 53 : 107 ، 137.
3 ـ عبدالله بن وهب الراسبي : عدّه الشيخ من أصحاب الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، قائلاً : رأس الخوارج ملعون. وهو القائل في ارجوزته في حرب الخوارج ضد أمير المؤمنين ( عليه السلام ).
أنا ابن وهب الراسبي الشاري حتى تزول دولة الأشرار أضرب في القوم لأخذ الثأر ويرجع الحق إلى الأخيار
والشراة هم قبيلة من الخوارج.
رجال الطوسي : 52/96 ، المناقب لابن شهرآشوب 3 : 220.


(480)
فقال : « ما يقول هؤلاء ؟ » قال : يا أمير المؤمنين حدّثتهم حديثاً حدّثنيه عمّار بن ياسر ، قال : « اتركوه فقد روى عن غيره.
    يا بن اُم السوداء إنّك تبقر الحديث بقراً ، ولتبقرنّ كما تبقره ، خلّوا سبيل الرجل ، فإن يك كاذباً فعليه كذبه ، وإن يك صادقاً يصبني الذي يقول » (1).
    [ 530/23 ] ومنه أيضاً : عن عباية ، قال : سمعت علياً ( عليه السلام ) يقول : « أنا سيّد الشيب وفيّ سنّة من أيوب ( عليه السلام ) ، والله ليجمعنّ الله لي أهلي كما جمعوا ليعقوب ( عليه السلام ) » (2).
    ( إعلم أنّ في هذا الحديث دلالة بيّنة على رجعته صلوات الله عليه إلى الدنيا لقوله : « فيّ سنّة من أيوب » ) (3) لأنّ أيوب ( عليه السلام ) ابتُلي ثمّ عافاه الله من بلواه ، واُوتي أهله ، ومثلهم معهم ، كما حكى الله سبحانه.
    فروي أنّه أحيا له أهله الذين قد ماتوا لمّا أذهب بلواه ، وكشف ضرّه ، وقد صحّ عنهم صلوات الله عليهم أنّه : « كلّ ما كان في بني اسرائيل يكون في هذه الاُمّة مثله ، حذوا النعل بالنعل ، والقذّة بالقذّة » وقد قال : « إنّ فيه شبهه ( عليه السلام ) ».
    وقوله ( عليه السلام ) : « والله ليجمعنّ الله لي أهلي كما جمعوا ليعقوب ( عليه السلام ) » فإنّ يعقوب ( عليه السلام ) فرّق بينه وبين أهله برهة من الزمان ، ثمّ جمعوا له ، فقد حلف ( عليه السلام ) أنّ الله سبحانه وتعالى سيجمع له ولده كما جمعهم ليعقوب ( عليه السلام ) ، وقد كان اجتماع يعقوب
1 ـ وعنهما في البحار 53 : 108.
2 ـ لم أعثر عليه في الغارات ، بل وجدته في أمالي المفيد : 145/4 ، باختلاف يسير ، وعن مسعدة بن صدقة في إرشاد المفيد 1 : 290 ، وعن المختصر عن الغارات في البحار 53 : 108.
3 ـ ما بين القوسين لم يرد في المختصر المطبوع.
مختصر البصائر ::: فهرس