مناظرات المستبصرين ::: 1 ـ 15

مناظرات
المستبصرين
تأليف وتحقيق
الشيخ عبدالله الحسن


(3)
بسم الله الرحمن الرحيم


(4)
    قال تعالى : ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ).
سورة الصافات ، الآية : 26.
    قال ابن حجر الشافعي : أخرج الديلمي عن أبي سعيد الخدري أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : « وقفوهم إنهم مسؤولون » عن ولاية علي ( عليه السلام ).
( الصواعق : 229 الآية الرابعة من الفصل الأول ).
    وفي الأمالي للشيخ المفيد عليه الرحمة ، قال أبو هارون العبدي : سمعت أبي سعيد الخدري يقول : أُمر الناس بخمس ، فعملوا بأربع وتركوا واحدة ، فقال له رجل : يا أبا سعيد ما هذه الأربع التي عملوا بها ؟ قال : الصلاة ، والزكاة ، والحج ، وصوم شهر رمضان ، قال : فما الواحدة التي تركوها ؟ قال : ولاية علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) قال الرجل : وإنها المفترضة معهن ؟ قال أبو سعيد : نعم ورب الكعبة !
( الأمالي ، الشيخ المفيد : 139 ح 3 ، خطط الشام ، محمد كرد علي : 6/245 ).


(5)
    الإهداء
    إليك يا أبا الفضل ، يا من أسس الفضل والإبا
    إليك يامن قلت مدافعا عن العقيدة وأنت في الرمق الأخير :
إني أحامي أبدا عن ديني وعن إمام صادق اليقين
    إليك يا معلم الأجيال الدفاع عن المعتقد بكل غال ونفيس
    أهدي هذا الكتاب المتواضع راجيا القبول والشفاعة.
    ( يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَة مُّزْجَاة فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ ).
سورة يوسف ، الآية : 88.


(6)

(7)
بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمّد وآله الطيبين الطاهرين المنتجبين ، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين ، وبعد :
    فإن من نعم الله تعالى عليَّ ـ وله الحمد والشكر ـ أن قمت بإعداد وجمع وتحقيق جملة كثيرة من المناظرات التي دارت بين الشيعة الإمامية والسنة في باب الإمامة وغيرها من المسائل الخلافية التي بيننا وبينهم ، فتشكَّل من ذلك إلى الآن أربعة أجزاء وسمَّيتها بالمناظرات ، وكان أول أجزائها ( مناظرات في الإمامة ) (1) وقد طبع في عام 1415 هـ ، وفي هذا العام 1427 هـ ـ ولله الحمد ـ قمت بإعداد الجزء الرابع وهو في الإمامة أيضاً ، فأصبحت هذه الموسوعة تضمُّ أفخر المناظرات وأجودها.
    ثم رأيت من الفائدة أن أفرز من هذه الموسوعة كتاباً مستقلا في مناظرات بعض المستبصرين الذين شاء الله لهم الهداية ، فأخذوا بمنهج أهل البيت ( عليهم السلام ) ، لا يهمُّهم عذل العذَّال وغمزهم ولمزهم ماداموا على الحقّ ، ولا يبالون وإن قلاهم بعض أصدقائهم وأهاليهم ، بعد أن أنار الله قلوبهم بالهداية ، فنشطت جوارحهم وأعضاؤهم ، فنذروا أنفسهم للدفاع عن المذهب الحق بقلوبهم وأيديهم
1 ـ وقد كان الابتداء في تأليفه في عام 1412 هـ.

(8)
وألسنتهم ، فجزاهم الله خير الجزاء.
وإذا حلَّت الهداية قلباً نشطت للعبادة الأعضاء
    ومما لا شك فيه أن الدفاع عن أهل البيت ( عليهم السلام ) وظلاماتهم طاعة مقربة لله تعالى ، ومحاورات المستبصرين ومناظراتهم هذه التي ضمها هذا الكتاب تنبئ عن تلكم العقيدة الراسخة في قلوبهم ، وولائهم الصادق للعترة صلوات الله وسلامه عليهم ، وشغفهم في الدفاع عن إمامة أهل البيت ( عليهم السلام ) بقلوبهم وألسنتهم ، فجزاهم الله خير الجزاء ومن حذى حذوهم في نشر علوم أهل البيت ( عليهم السلام ) وتعريف الناس بظلاماتهم.
    روى الشيخ المفيد عليه الرحمة عن الإمام جعفر بن محمّد عن أبيه ( عليهما السلام ) قال : من أعاننا بلسانه على عدونا أنطقه الله بحجته يوم موقفه بين يديه عزّوجلّ.
    وعن الإمام الحسن بن علي ( عليهما السلام ) إنه قال : من أحبنا بقلبه ونصرنا بيده ولسانه فهو معنا في الغرفة التي نحن فيها ، ومن أحبنا بقلبه ونصرنا بلسانه فهو دون ذلك بدرجة ، ومن أحبنا بقلبه وكف بيده ولسانه فهو في الجنة (1).
    وإليك في هذا الكتاب جملة من مناظرات هؤلاء المستبصرين ، والتي تنم عن قناعة واستبصار ، وذلك من خلال ما رأوه من الأدلة المقنعة من الكتاب والسنة ، والتي تأخذ بالأعناق في لزوم الإعتقاد بإمامة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وأبنائه المعصومين ( عليهم السلام ) بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وقد أوضحوا في بعض هذه المناظرات كيفية استبصارهم ، والأسباب التي دعتهم للأخذ بمنهج أهل البيت ( عليهم السلام ) وما عانوه من المتاعب والصعاب في سبيل ذلك.
1 ـ الأمالي ، الشيخ المفيد : 33 ح 7.

(9)
    وبحق إنها مناظرات قيمة تستحق القراءة والوقوف على كثير من مضامينها فقد حوت الكثير من الأدلة الساطعة ، والبراهين القوية ، والحقائق التأريخية ، ببيان قوي ، وأسلوب علمي رصين في إثبات إمامة أهل البيت ( عليهم السلام ) مما يجعلك تشعر أن من وراء ذلك التآييد الإلهي لهؤلاء الذين عرفوا الحقّ فاتبعوه ، فسددهم الله تعالى وأيدهم ، فأسأل الله العلي القدير أن يأخذ بأيديهم لما فيه الخير والصلاح ، وأن يوفقنا وإياهم لنصرة الدين الحنيف ، وترويج علوم آل محمّد ( عليهم السلام ) وفضائلهم الشريفة إنَّه سميع الدعاء ، إنه نعم المولى ونعم النصير ، والحمد لله رب العالمين.
عبد الله الحسن
قم المقدسة في يوم الخميس 15 / شوال 1427 هـ


(10)

(11)
    قال تعالى : ( وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً ) (1) وقال تعالى : ( فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الاَْلْبَابِ ) (2) فلقد ندب القرآن إلى التزود بالعلم والمعرفة ، وإلى استماع القول والأخذ بأحسنه ، وأن لا يستنكف العبد من التعلم والتفهم حتى يصل إلى الحقيقة التي هي ضالة كل مؤمن يأخذها أنى وجدها ، فلا ينبغي للإنسان أن يحجب عن نفسه العلم والمعرفة ، ويعيش في ظلمة الجهل ، ويبتني على عقائد الآباء ولو كانت باطلة ، فلابد أن يُحكِّم العقل قبل كل شيء فالله تعالى بالعقل يثيب وبه يعاقب ، ولقد ذم القرآن الكريم أُناسا عطلوا عقولهم ، وصموا أسماعهم عن الحق ، قال تعالى : ( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ) (3).
    قال الشيخ الراوندي عليه الرحمة : قال الحسن بن علي ( عليهما السلام ) : عجبت لمن يتفكر في مأكوله كيف لا يتفكر في معقوله فيجنب بطنه ما يؤذيه ويودع صدره ما
1 ـ سورة طه ، الآية : 114.
2 ـ سورة الزمر ، الآية : 17 ـ 18.
3 ـ سورة الأنعام ، الآية : 179.


(12)
يرديه (1).
    فمن الأجدار بالعاقل أن يتجنب التقليد الأعمى ، وعليه بالتفكر ، ويتفهم تلكم الأدلة الكثيرة في الكتاب والسنة والتأريخ ، وكلها دلائل تنص على لزوم الأخذ بمنهج أهل البيت ( عليهم السلام ) وأنهم خلفاء الله تعالى في أرضه ، أولهم أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) وآخرهم الإمام الحجة المهدي بن الحسن العسكري ( عليه السلام ).
    وحري أيضاً بالقارئ الكريم أن يقرأ كتب هؤلاء المستبصرين الذين شرحوا فيها كيفية استبصارهم ، والأسباب التي دعتهم إلى الأخذ بمذهب الشيعة الإمامية ، وليرى القارئ الكريم ، كيف وصل هؤلاء المستبصرون إلى الحقيقة بمحض إرادتهم وعزيمتهم ، وبفضل تعرفهم على الأدلة المقنعة ، والتي قادتهم إلى الحق والإعتراف به.

    إعتراف المستبصرين بأن في كتب السنة الدلائل الواضحة على صدق التشيّع
    ولست هنا في صدد سرد الأدلة على خلافة أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من كتب السنة ككتب الصحاح والمسانيد والحديث وكتب التأريخ أيضاً ، وأن فيها ما يكفي في معرفة الحق لحتوائها الكثير من البراهين الدالة على النصوص التي لا تقبل التأويل ولا الشك في أن الخليفة ـ بمقتضاها ـ بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هو أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) ، بل أترك القارئ هنا ليقرأ بنفسه تلكم الإعترافات التي جاءت على لسان جملة من المتشيعين الذين استبصروا وأخذوا بمنهج أهل
1 ـ الدعوات ، الراوندي : 144 ـ 145 ح 375 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 1/218 ح 43.

(13)
البيت ( عليهم السلام ) وتركوا ما ألفوه لعشرات السنين بعدما فتحوا قلوبهم على معرفة الحق ، وتركوا التعصب فهداهم الله تعالى ، فهؤلاء قد اعترفوا أن في كتب السنة دلائل على صحة معتقد الشيعة فلا مجال لتأويل هذه الدلائل أو إنكارها.
    يقول الشيخ الأنطاكي ( رحمه الله ) في حواره مع عالم شافعي من الشام : بعد اشتهار أمرنا بالتشيع أتاني أحد أعاظم علماء الشافعية المشهورين بالعلم والفضيلة في مدينة حلب الشهباء ، وسألني بكل لطف لماذا أخذتم بمذهب الشيعة وتركتم مذهبكم وما هو السبب الداعي لكم واعتمادكم عليه وما هو دليلكم على أحقية علي ( عليه السلام ) من أبي بكر ؟ فناظرته كثيراً ، وقد وقعت المناظرة فيما بيننا مراراً وأخيراً اقتنع الرجل ، ومن جملة المناظرة أنه سألني عن بيان الأحقية في أمر الخلافة هل أبو بكر أحق أم علي ؟ فأجبته إن هذا شيء واضح جداً بأن الخلافة الحقة لأميرالمؤمنين علي ( عليه السلام ) فور وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثم من بعده إلى الحسن المجتبى ( عليه السلام ) .. الخ
    ودليل الشيعة على ذلك الكتاب الكريم ، والسنة الثابتة عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من الطرفين ، وكتبهم مليئة من الحجج والبراهين الرصينة ، ويثبتون مدعاهم من كتبكم ومؤلفاتكم ، إلاّ أنكم أعرضتم عن الرجوع إلى مؤلفات الشيعة والوقوف على ما فيها ، وهذا نوع من التعصب الأعمى ؟
    إلى أن يقول : فالشيعة برمتهم يحكمون بما ثبت عندهم من الأدلة قرآنا وسنة وتأريخا ، ويحتجون من كتب خصومهم السنة فضلا عن كتبهم بالخلافة لعلي ولبنيه الأئمة الأحد عشر ( عليهم السلام ) الذين تمسكت الشيعة بإمامتهم (1).
1 ـ كتاب لماذا اخترت مذهب الشيعة ، الأنطاكي : 319.

(14)
    ويقول السيد حسين الرجا السوري المستبصر : اصطحبني ذات ليلة أحد المحبين إلى بيت أحد المشايخ لغرض الإستشفاء ، فاستقبلنا ورحب بنا ، فقبلت يده ، ولما استقر بنا المجلس قال الشيخ : يا حاج حسين أصحيح ما سمعناه عنك فقلت له : نعم شيخنا.
    فقال : تكلم لنا كيف استحوذ عليك الشيعة بأعظم مصيبة هي المصيبة في الدين ؟
    فقلت له : شيخنا لقد قرأت بعض كتبهم العقيدية والجدلية والتأريخية وسيرة الصحابة وغيرها فوجدتهم يثبتون صحة مذهبهم من كتب أهل السنة ، وبالأخص صحيحي مسلم والبخاري وسائر الكتب الستة ، وكذلك يثبتون غلط مذاهب أهل السنة من كتبهم.
    ولقد راجعت الكثير فوجدته كما يقولون ، وكلما يزداد شكي في التسنن يزداد يقيني في التشيع ، وفي مثل هذه القضايا تزل الأقدام ، فخفت على نفسي من زلة القدم ، وأصبحت مريضاً ولا علاج لي إلاّ عند العلماء ، وإلاّ فمرضي لا تُرجى براءته (1).
    ويقول الشيخ معتصم السوداني المستبصر : وبعد الإنتهاء من الحوار وأداء صلاة المغرب انفردت بقريبي عبد المنعم وسألته بكل احترام هل أنت شيعي ؟ ومن هم الشيعة ؟ ومن أين تعرفت عليهم ؟
    قال : مهلا ... مهلا سؤال بعد سؤال.
1 ـ دفاع من وحي الشريعة ، السيد حسين الرجا السوري : 28 ـ 29 ، المتحولون ، الشيخ هشام آل قطيط : 366 ـ 367.

(15)
    قلت له : عفوا ، وأنا ما زلت مذهولا مما سمعته منك ؟
    قال : هذا بحث طويل ومجهود أربع سنوات من العناء والتعب مع الأسف لم تكن النتيجة متوقعة.
    فقاطعته : أي نتيجة هذه ؟
    قال : ركام من الجهل والتجهيل عشناه طوال حياتنا نركض خلف مجتمعاتنا من غير أن نسأل هل ما عندنا من دين هو مراد الله تعالى وهو الإسلام ؟ وبعد البحث اتضح أن الحق كان مع أبعد الطرق تصوراً في نظري وهم الشيعة ؟
    قلت له : لعلك تعجلت .. أو اشتبهت ؟
    فابتسم في وجهي قائلا : لماذا لا تبحث أنت بتأمل وصبر ؟ وخاصة أن لكم مكتبة في الجامعة تفيدك في هذا الأمر كثيرا ؟
    قلت متعجبا : مكتبتنا سنية فكيف أبحث فيها عن الشيعة ؟
    قال : من دلائل صدق التشيع أنه يستدل على صحته من كتب وروايات علماء السنة ، فإن فيها ما يظهر حقهم بأجلى الصور.
    قلت : إذن مصادر الشيعة هي نفس مصادر أهل السنة ؟
    قال : لا ، فإن للشيعة مصادر خاصة تفوق أضعافا مضاعفة مصادر السنة كلها مروية عن أهل البيت ( عليهم السلام ) عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولكنهم لا يحتجون على أهل السنة بروايات مصادرهم لأنها غير ملزمة لهم فلابد أن يحتجوا عليهم بما يثقون به ، أي ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم.
    سرَّني كلامه وزاد تفاعلي للبحث ، قلت له : إذن كيف أبدأ ؟
    قال : هل يوجد في مكتبتكم صحيح البخاري وصحيح مسلم ومسند أحمد والترمذي والنسائي ؟
مناظرات المستبصرين ::: فهرس