مناظرات المستبصرين ::: 16 ـ 30
(16)
    قلت : نعم عندنا قسم ضخم لمصادر الحديث.
    قال : من هذه ابدأ ثم تأتي بعد ذلك التفاسير ، وكتب التأريخ فإن في هذه الكتب أحاديث دالة على وجوب اتباع مدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ).
    وبدأ يسرد لي أمثلة منها مع ذكر المصدر ورقم المجلد والصفحة ، توقفت حائراً أسمع إلى هذه الأحاديث التي لم أسمع بها من قبل مما جعلني أشك في كتب السنة ، ولكن سرعان ما قطع عني هذا الشك بقوله : سجل هذه الأحاديث عندك ثم ابحثها في المكتبة ونلتقي يوم الخميس القادم بإذن الله (1).

    المستبصرون والحوار وقراءة الكتب العلميّة
    من خلال الحوار والمناظرة تتضح الكثير من المسائل العالقة في الذهن ، فكثير ما يستمع البعض إلى بعض معتقدات الشيعة عن طريق بعض الأبواق المأجورة ، أو يقرأها من طريق بعض الأقلام المحرفة ، فإذا أحب فعلاً أن يتعرف على عقائد الشيعة فعليه بمراجعة ما كتبه علماء الشيعة وفقهائهم والمحسوبين عليهم ، لا من طريق خصومهم وأعدائهم الذين يحاولون تشويه صورة الشيعة والتشيع.
    ومن أراد أن يتعرف على عقائد الشيعة وأدلتهم في مسائل الإمامة وغيرها من المسائل فليرجع إلى كتاب الغدير للأميني وكتاب المراجعات وكتاب أصل الشيعة وأصولها ودلائل الصدق للمظفر وأمثالها.
    وهناك أيضاً كتب قيمة كتبت بقلم بعض المستبصرين فلا بأس بمراجعتها
1 ـ المتحولون ، الشيخ هشام آل قطيط : 274 ـ 279.

(17)
وقراءتها مثل كتاب لماذا اخترت مذهب الشيعة للأنطاكي ، وكتاب ثم اهتديت للتيجاني ، وكتاب بنور فاطمة اهتديت ، وكتاب المتحولون للشيخ هشام آل قطيط.
    فإن هذه الكتب كفيلة في التعريف بالتشيع والشيعة وأدلتهم من القرآن والسنة الشريفة.
    يقول الشيخ معتصم السوداني : وبهذه الصورة وبمزيد من البحث انكشفت أمامي كثير من الحقائق لم أكن أتوقعها وكنت في طوال هذه الفترة كثير النقاش مع زملائي ..
    إلى أن يقول الشيخ معتصم : وبعد قرائتي لكتاب المراجعات ومعالم المدرستين وبعض الكتب الأخرى اتضح لي الحق وانكشف الباطل لما في هذين السفرين من أدلة واضحة ، وبراهين ساطعة بأحقية مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) وازدادت قوتي في النقاش والبحث حتى كشف الله نور الحق في قلبي ، وأعلنت تشيعي .. (1)
    وتقول الأستاذة السورية لمياء حمادة في كتابها القيم كتاب أخيراً أشرقت الروح في حوارها مع الأستاذة بتول العراقية : فقالت : هل تريدين الحق ؟ لقد أحببتك يا أختي لمياء وأتمنى منك أن تقبلي هديتي المقبلة ، كتب عدة ، إقرأيها وسوف تجدين ملاذك عن كل سؤال طرحتيه عليَّ ... فأنا إن أجبتك عن كل سؤال لا يكفينا أيام السنة كلها ونحن نتناقش في صحة كلامي وعدمه ، أما إذا قرأتِ عن أشخاص عدة استبصروا عرفوا طريق الحق ، كانوا من أهل السنة وأصبحوا من الشيعة ، لوجدت برهانا دامغا ساطعا وحجة عليك من كتبكم ، ولن
1 ـ المتحولون ، الشيخ هشام آل قطيط : 274 ـ 279.

(18)
أطلعك على كتبنا حتى تطلبيها أنت بعد قراءتك لكتب المتشيعين.
    شكرتها وتمنيت منها أن تزورني وترسل لي الكتب بأسرع وقت ، فأنا شغفة ومتشوقة لقراءتها عسى ولعل أن أجد فيها شفاء لشكوكي ووساوسي الدفينة حول الاختلاف الدائر بين المذاهب الأربعة المعروفة.
    وفعلا ، لم تكذب خبرا فبعد ثلاثة أيام جائتني بكثير من الكتب وقالت لي : سآتي في الأسبوع القادم لأخذك معي لحضور عاشوراء ، فترددت قليلا في قبول الدعوة ، ثم قبلت وأنا حيرانة ، وقلت : حسنا كما تريدين ... ثم انكببت على الكتب ليل نهار وأنا أقرؤها من الجلدة إلى الجلدة ـ كما يقولون ـ فقد استهواني تحليل كل كاتب منهم القضايا العالقة بين السنة والشيعة وفاجأني الكل بقصة لم أسمع بها من قبل ، رزية يوم الخميس ، إنها فضيحة فظيعة لا تصدق ، ولكن عندما ذيل الكاتب الصفحة بأنها من كتب السنة : صحيح البخاري ، وصحيح مسلم ، ومسند الإمام أحمد ، وتاريخ الطبري ، وتاريخ ابن الأثير.
    فكيف بعد هذا الذي قرأته أكذب نفسي وأقول : إنه قول جماعة لا يحبون الخلفاء الثلاثة ويكرهونهم ، أليس ذلك مذكور في الصحاح ؟ فخطر لي أن أبحث عن تلك الصفحات في الصحاح لأتأكد ، وتمنيت أني لو لم أجدها ، لكن البخاري ذكرها ، ومسلم ذكرها ، وكلهم ذكروها ، وأمرونا أن نتبع أبا بكر وعمر ، وأخبرونا بأنهم عدول لا يذنبون.
    ومن هنا ، ملت إلى الشيعة أكثر فأكثر ، لأن تحليلهم لكل الأمور منطقي ، أكملت قراءة كل كتب التيجاني ، والشيخ محمّد مرعي أمين الأنطاكي ، وكتاب و ... و ... وكلهم سنة تشيعوا ولم أسمع بحياتي عن شيعي قد تسنن.
    إن رزية الخميس وحدها كافية لأن تشيعني ، ليتك يا عزيزي القارئ


(19)
تعرفها لتعرف أني على حق ، إنها قصة يندى لها الجبين وهي عار على أهل السنة في كتبهم ، فلا نؤاخذ المستشرقين عندما يكتبون عن رسولنا ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ما يكتبون ، فهم قد استندوا في دعاويهم على كتبنا المليئة بمثل هذه الروايات عن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    لقد قرأت الكتب واقتنعت بها ، وأنا مندهشة حينا لما أقرأ ، ومستاءة حينا آخر على الدهر الذي أمضيته وأنا عمياء البصيرة ... فالشيعة على حق ونحن على باطل ، وهم يتمسكون باللب ونحن نتمسك بالقشور ، هم الذين يجب أن يسموا أهل السنة ، لأنهم لم يغيروا ما جاء به محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أما نحن فاتبعنا سنة أبي بكر وعمر ومعاوية.
    أقولها وبكل صراحة : إن الحق هو اتباع أهل البيت ( عليهم السلام ) الذين أوصى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالتمسك بهم فقال : إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر ، كتاب الله ، حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلفونني فيهما (1).
    وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك (2) آه وا أسفاه على ماض كنت فيه مغمضة العينين ، أمشي مع أقراني وقومي وهم على طريق الضلالة ، ولكن الحمد لله الذي هداني بفضل هذه الفتاة المؤمنة الصادقة النية وليهنأ وليعتز بنفسه كل شيعي فهو الذي يتمسك بالعروة الوثقى ، وهو من الفرقة الناجية التي حدث عنها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في
1 ـ سنن الترمذي 5/328 ـ 329 ح 3876 ، مسند أحمد بن حنبل : 3/14. وسوف يأتي المزيد من تخريجات هذا الحديث المتواتر.
2 ـ المستدرك ، الحاكم : 2/343 ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ، وذكره أيضاً في ص 150 ـ 151.


(20)
حديث له.
    انتهيت من قراءة الكتب وقد تشيعت تماما وطويت صفحة الأيام الماضية ، وقررت أن أبدأ من يومي هذا حياة جديدة.
    إلى أن تقول : وأنت عزيزي القارئ إذا أردت الاستبصار أكثر عليك بقراءة كتب التيجاني والأنطاكي وخليفات ... الخ وكل من تشيع لأنها حجة علينا يوم الحساب .. وستجد فيها جوابا لكل مسائلي التي لم أورد لك أجوبتها كي تتشجع وتبحث بنفسك على طريق النور والحق.
    .. وبعدها إذا بقيت على حالك ولم تغير رأيك في موروثك فعلى الدنيا السلام ، وإلاّ فأنت إنسان راق قد اتبعت قوله تعالى : ( فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الاَْلْبَابِ ) (1) (2).
    ويقول الشيخ مروان خليفات الأردني في حواره مع صديقه الشيعي في حديث رزية الخميس وآثارها : وفي أثناء مسيرنا وبينما كنت أحدثه عن فضائل أبي بكر وعمر قاطعني قائلا كالمنتصر : رزية الخميس.
    قلت : خيرا ماذا تقصد ؟
    قال : إنها حادثة كانت قبل وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بأيام حيث قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لأصحابه : ائتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا ، فقال عمر : إن النبي غلبه الوجع أو يهجر حسبنا كتاب الله.
1 ـ سورة الزمر ، الآية : 17 ـ 18.
2 ـ كتاب أخيرا أشرقت الروح ، لمياء حمادة : 9 ـ 21 ، المتحولون ، هشام آل قطيط : 330 ـ 341.


(21)
    فقلت له : هل وصل بكم الأمر أن تنسبوا هذا الكلام للفاروق الذي ما عصى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قط ؟
    قال : تجد هذه الحادثة في صحيح البخاري ومسلم.
    عندئذ يأست من جوابه وشعرت بالهزيمة .. وأردفت : في أي كتاب قرأت هذه الحادثة ؟ لأنني وإن وقفت موقف المعاند الذي هزم ولم يعترف ، لكنني كنت أعتصر ألما.
    فقال : في كتاب ثم اهتديت لأحد علمائكم الذين تشيعوا.
    قلت ساخراً : وهل هناك عالم من علمائنا تشيع.
    قال : نعم ، فالتيجاني صاحب هذا الكتاب يذكر كيف تشيع وأسباب تشيعه ، وطلبت الكتاب منه ، وبدأت بقراءته فوراً ، ورزية الخميس تدور في ذهني وأتوجس خيفة لعلي أجدها فأخذتني قصة الكاتب الممتعة وأسلوبه الجذاب ، وقرأت نصوص إمامة آل البيت ( عليهم السلام ) ومخالفات الصحابة للرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ورزية الخميس ، والمؤلف يوثق كل قضية من صحاحنا المعتبرة فدهشت لما أقرأ ! وشعرت أن كل طموحاتي انهارت وسقطت أرضا وحاولت إقناع نفسي بأن هذه الحقائق غير موجودة في كتبنا.

    رزية الخميس في صحيح مسلم والبخاري
    وفي اليوم الثاني عزمت على توثيق نصوص الكتاب من مكتبة الجامعة وبدأت برزية الخميس فوجدتها مثبتة في صحيح مسلم والبخاري بعدة طرق وكان أمامي احتمالان : إما أن أوافق عمر على قوله فيكون النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يهجر والعياذ بالله ! وبهذا أدفع التهمة عن عمر.


(22)
    وإما أن أدافع عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأقر بأن بعض الصحابة بقيادة عمر ارتكبوا خطأً جسيماً بحق النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حتى طردهم وهنا أتنازل أمام صديقي عن معتقدات طالما رددتها وافتخرت بها أمامه.
    وفي نفس اليوم سألني صديقي عن صحة ما في الكتاب فقلت وقلبي يعتصر ألماً : نعم ، صحيح.
    بقيت فترة حائراً تأخذني الأفكار شرقاً وغرباً وعرض علي صديقي كتاب لأكون مع الصادقين لمؤلفه التيجاني وكتاب فسئلوا أهل الذكر وغيرها ، فكشفت هذه الكتب أمامي حقائق كثيرة وزادت حيرتي وشكي ، وحاولت إيقاف حيرتي بقراءة ردود علمائنا على هذه الحقائق لكنها لم تنفعني بل زادتني بصيرة ، وقرأت كتباً كثيرة لا يسعني ذكرها فكانت ترسم لي صورة الحقيقة بألوان من الحجج الدامغة التي كان عقلي يقف مبهوراً محتاراً أمامها فضلا عن حيرة علمائنا في التعامل معها إلى أن اكتملت الصورة في ذهني كالشمس في رابعة النهار ، واعتنقت مذهب آل البيت الأطهار ( عليهم السلام ) أبناء الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأشقاء القرآن ، وأولياء الرحمن ، سفن النجاة ، وأعلام الورى ورحمة الله للملأ بكل قناعة واطمئنان قلب.
    وها أنا الآن وبعد تخرجي من كلية الشريعة على يقين تام بصحة ما أنا عليه ، أقول هذه الكلمات ويمر بذهني كيف عزمت على هداية صديقي الشيعي وأهله ، وإذا بالصورة قد انعكست فكان هو سبب هدايتي وفقه الله (1).
    ويقول الشيخ هشام آل قطيط المستبصر في حواره مع صديقه الشيعي :
1 ـ المتحولون ، الشيخ هشام آل قطيط : 193 ـ 196.

(23)
وفعلا في اليوم الثاني أتاني صديقي الشيعي بكتاب المراجعات وبدأت بالقراءة فيه حتى وصلت إلى ص 71 فاستوقفني مقال للشيخ الأنطاكي الحلبي المتشيع ( الاختلاف بين المذاهب الأربعة ) واستوقفتني أقوال للإمام علي ( كرم الله وجهه ) ما أقواها وأشدها وطأً وأثراً على النفس في ص 75 ، قوله ( عليه السلام ) : ( نحن الشعار والأصحاب والخزنة والأبواب ، ولا تؤتى البيوت إلاّ من أبوابها ، فمن أتاها من غير أبوابها سمي سارقا ).
    ثم قال في ص 82 : وإليك بيان ما أشرنا إليه من كلام النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إذ أهاب بالجاهلين وصرخ في الغافلين ، فنادى : ( يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ).
    فسجلت مصادر الحديث الذي ينقلها العالم الشيعي في كتابه ( المراجعات ) وبعد يومين نزلت إلى مكتبة دار الفتوى ( عائشة بكار ) لأفتش عن المصادر لأرى مدى صدق الشيعة في أقوالهم ، وفعلا عندما أتيت بصحيح الترمذي فوجدت الحديث ، فشعرت بالانتصار النفسي وفرحت فرحاً شديداً ، وتابعت المصادر فأنزلت تفسير ابن كثير فوجدت فيه الحديث ..
    الله أكبر أكبر !! صرت أصيح ما هذا الانتصار .. ؟ إصبر إصبر ، أحدث نفسي : تابع البحث لا تيأس ، أشجع نفسي الآن وليس غدا يجب الذهاب إلى الشيخ عبد الفتاح صقر ، لأناقشه في هذا الحديث الذي سجلت مصادره عندي بورقة وضعتها في جيبي وأغلقت عليها كأني عثرت على كنز !! أحدث نفسي : إصبر ، تابع البحث ، فصبَّرت نفسي على فرحها الشديد.
    ورجعت أتابع القراءة ، وأي شيء كان يثيرني كنت أسجله ، وأنزل إلى المكتبة فقط ، أنزل إلى مكتباتنا حذراً من الصحاح الموجودة عند الشيعة كما


(24)
يقول علماؤنا السنة : أغلبها مزورة ومحرفة !!
    إلى أن يقول : وهنا جاء التأمل والصراع ، والمسألة مع النفس ومع الذات .. فراجعت المصادر ووقفت عليها ، ووجدت صدق ما يأتي به العالم الشيعي فاستغربت من قوة استدلال هذا العالم وإحاطته الدقيقة بالتأريخ والسيرة والصحاح ، واستهواني الكتاب بأسلوبه الجذاب وثوبه الناعم المزركش ، وصرت أفكر يا إلهي أين كنت أنا ؟ أين علماؤنا من هذه الكتب ؟ فهل يعرف علماؤنا ما في هذ الكتب من أدلة ويتعمدون طمس هذه الحقائق عنا ؟ لأنه ليس من اختصاصنا البحث في الدين وإنما هو حكر على الشيوخ والعلماء فقط ، أم أنهم لا يعلمون حقيقة هذه الكتب (1) ؟!
    كتاب التحول المذهبي
    وفيما يتعلق برحلة المستبصرين والأسباب والدواعي التي دعتهم إلى الأخذ بمذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) راجع كتاب التحول المذهبي ـ بحث تحليلي حول رحلة المستبصرين إلى مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) للكاتب الفاضل الأستاذ علاء الحسون وفقه الله تعالى فإنه كتاب قيّم بحث فيه ما يخص المستبصرين من حيث الدوافع إلى الإستبصار ، والعقبات التي تعترض طريقهم ، ومراحل الإستبصار ، وما بعد الإستبصار وغير ذلك ، بشكل مفصل فجزاه الله خير الجزاء.
1 ـ المتحولون ، الشيخ هشام آل قطيط : 49 ـ 52.

(25)
مناظرة
الشيخ الأنطاكي السوري (1) مع جماعة من السنّة
في عقيدة الشيعة في أمر الخلافة
    قال الشيخ محمّد مرعي الأنطاكي ( رحمه الله ) : وفي الليلة الخامسة من شهر رمضان المبارك سنة 1371 هـ ، بينما أنا مشتغل في مكتبتي بكتابة كتاب : ( الشيعة وحجّتهم في التشيُّع ) إذ وفد عليَّ جماعة يبلغ عددهم نحو خمسة عشر شخصاً ، أو أكثر ، وفيهم العلماء وغير العلماء ، فتلقَّيتهم بالترحاب ، وبصدر
1 ـ هو : المرحوم العلامة الكبير المجاهد الشيخ محمد مرعي الأمين الأنطاكي مولداً ، والحلبي نشأة ، والأزهري تخرجاً ، والشافعي مذهباً ، والشيعي خاتمة ، من أبرز علماء سوريا ، ولد سنة 1314 هـ ، في قرية من القرى التابعة إلى أنطاكية ، ودرس فيها بضع سنوات ثمّ انتقل إلى الجامع الأزهر مع أخيه ، ودرس عند شيخ الجامع الأزهر الشيخ مصطفى المراغي ، والشيخ محمد أبو طه المهنى وغيرهما من مشيخة الأزهر ، حصل على شهادات راقية من جامع الأزهر ، وعاد إلى بلاده ، وامتهن إمامة الجماعة والجمعة والتدريس والإفتاء والخطابة نحو خمسة عشر عاماً.
وأخيراً أخذ بمذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) لما تبيّن له أن الحقّ معهم وفيهم ، وذلك بسبب قراءته كتاب المراجعات للسيد شرف الدين ( قدس سره ) ، ومناظراته الكثيرة مع علماء الشيعة الإمامية ، كما تشيع على يده ويد أخيه الشيخ أحمد ـ رحمه الله تعالى ـ الكثير من أبناء العامة من سوريا ولبنان وتركية. ( إستفدنا هذه الترجمة من كتابه الشهير « لماذا اخترت مذهب الشيعة » ).


(26)
رحب ، وقلب ملؤه السرور ، وما إن اطمأنَّ بهم الجلوس حتى فاتحوني بالبحث العلميّ ، يريدون الإيضاح عن مذهب الشيعة ، وعن اعتقادهم في الخلافة ، وما يدور حولها.

    ضرورة الوصية بالخلافة بعد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم )
    فبادرت إلى الجواب ، وهم صامتون يصغون إلى ما أورد عليهم من الأدلّة الواضحة ، والحجج القاطعة ، والبراهين الساطعة ، القائمة لدينا ولديهم حتى مضى علينا أكثر من ثلثي الليل ، وبعد انتهائنا من البحث قاموا ، فمنهم الشاكر ، ومنهم المنكر.
    ومن جملة ما أفدت عليهم ، قلت : لا شك في أن النبيَّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان يعلم أن أمّته الجديدة القريبة العهد بالإسلام ، وما هي عليه من الرغبة في الخلافة ، ويعلم أنه سينقلب الكثير منهم على الأعقاب (1) ، ولا يسلم منهم إلاَّ مثل همل النعم (2) عند ورودهم على الحوض ـ كما جاء في البخاري في حديث الحوض (3) ، ويعلم علم اليقين أن أصحابه كانوا يضمرون الشرَّ لوصيِّه وخليفته من بعده علي ( عليه السلام ) (4) ،
1 ـ قال تعالى في سورة آل عمران ، الآية : 144 : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ ).
2 ـ قال ابن الأثير في النهاية : 5/274 : في حديث الحوض : ( فلا يخلص منهم إلاَّ مثل همل النعم ) الهمل : ضوالّ الإبل ، واحدها هامل ؛ أي إن الناجي منهم قليل في قلّة النعم الضالّة.
3 ـ صحيح البخاري : 7/208 ـ 209.
4 ـ جاء في تاريخ بغداد للخطيب البغدادي : 11/216 ، في ترجمة رقم : 5928 بإسناده عن أبي إدريس عن علي ( عليه السلام ) قال : مما عهد إليَّ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن الأمة ستغدر بك من بعدي.
وراجع الحديث في المصادر الآتية : شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 4/107 و20/326 ح 734 ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : 42/447 ـ 448 ، تذكرة الحفاظ ، الذهبي : 3/995 ، البداية والنهاية ، ابن كثير : 6/244.
ورواه أيضاً الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين : 3/142 عن حيان الأسدي قال : سمعت علياً ( عليه السلام ) يقول : قال لي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن الاُمة ستغدر بك بعدي وأنت تعيش على ملتي.
ورواه عنه كنز العمال ، المتقي الهندي : 11/297 ح 31562.


(27)
وأنهم فور موته يحدثون حدثاً.
    إذن ، فلابد أن يكون قد وضع للخلافة حلاًّ لها ، يوقف من تدعوه نفسه إلى الخلافة ، ولا يخفى عليه أمر أصحابه ، إذ أنه قد سبرهم ، وعرف المستقيم منهم والملتوي ، وهو القائل لهم : ستتبعون سنن من قبلكم شبراً بشبر ، وذراعاً بذراع ، حتى لو دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه (1) ، وكان شيخنا العلامة الشيخ ( أحمد أفندي الطويل الأنطاكي ) يرويه لنا في أثناء الدرس ، وعلى المنبر ، ويقول في ختام الحديث : ولو جامع أحدهم امرأته في السوق لفعلتموه !! وهو القائل : من لم يعرف إمام زمانه ، مات ميتة جاهلية (2) أي كفر.
    إذن ، فلابد أن يضع للخلافة حلاًّ يوقفهم عند حدِّهم ، ونحن ما دمنا نعتقد أنه نبيٌّ مرسل من الله ، ويعلم أنه الذي ختم الرسل ، وأن رسالته مستمرة إلى آخر الدنيا ، فلا يبقى له أن يترك أمّته فوضى مع علمه أنها ستفترق إلى ثلاث وسبعين
1 ـ صحيح البخاري : 4/144 ـ 145 و8/151 ، صحيح مسلم : 8/57 ، صحيح ابن حبان : 15/95 ، مسند أحمد بن حنبل : 2/327 و511 ، المستدرك ، الحاكم : 4/455 ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : 7/261.
2 ـ راجع : شرح النهج لابن أبي الحديد : 9/155 و13/242. وسوف يأتي الحديث نفسه أيضاً مع مصادر أخرى.


(28)
فرقة كما في الحديث (1).

    مناقشة دعوى إيكال أمر الخلافة إلى الاُمة
    هذا ودعوى إيكال أمر الخلافة إلى الأمة باطلة لأمور :
    أوّلا : إن أهل الحلِّ والعقد ، أو الانتخاب ، أو ذوي الشورى لا يتمُّ الأمر بما أوكل إليهم إلى مدى الدهر ، بل هو عين إيقاع الأمة في الفوضى التي توقع الأمة في هوَّة ساحقة لاحدَّ لها ولا قرار ، لهذا نرى الأمّة لا زالت تمخر في بحور من الدماء من ذلك اليوم إلى يومنا هذا ، ثمَّ إلى انتهاء حياة البشر يوم البعث والنشور.
    ثانياً : مما لا خفاء فيه أن الناس مختلفون في معتقداتهم ، ومتباينون في آرائهم ، ونرى أنه لا يتفق اثنان في الرأي ، بل الإنسان نفسه لا يتفق له أن يستمرَّ على رأي دائم ، بل يتقلَّب رأيه في كل لحظة ، فكيف يمكن أن يكون الأمر موكولا إلى أهل الحلِّ والعقد ؟! وهذا يأباه العقل والوجدان.
    ثالثاً : يستحيل أن يحصل الاتفاق بإيكال الأمر إلى أهل الحلِّ والعقد ، فلابدَّ من وقوع اضطراب شديد بين الشعوب والقبائل ، ووقوع القتل والسلب والنهب ، وغيرها ممّا هو موجود ، كما هو موجود في كل عصر ومصر ، ولم يمكن لرئيس أن يتمَّ على يده نظام حياة الإنسان إلاَّ بالقوَّة القاهرة ، وهذه مؤقَّتة زائلة ، ومتى زالت رجع كل واحد إلى ما كان عليه من الأعمال الضارّة بالسكان.
    لهذا قلنا مكرَّراً : إن الله لا يدع أمراً من أمور الدين للأمَّة تتجاذبه
1 ـ تاريخ بغداد ، الخطيب البغدادي : 13/295 ، تاريخ دمشق ، ابن عساكر : 62/311 ، الفصول في الأصول ، الجصاص : 3/316.

(29)
أهواؤهم ، بل لابدَّ من أن يوكل الأمر إلى أربابه ممن له أهليّة كاملة في العلم الغزير الذي كان عند الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) (1) ، والشجاعة ، والحكم ، والكرم ، والزهد ، والتقى ، والفراسة ، والإعجاز ، وأهمُّها العصمة ، وغير ذلك مما يكون الوصيُّ الذي يقوم مقام الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في حاجة إليه في إدارة دفّة الحكم ، وهذا لا يمكن أن يتمكَّن منه أحد إلاَّ الله العالم بما تكنُّه الصدور ، ويعلم السرَّ وأخفى ، والرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد بيَّن بصراحة في كل مناسبة أن الوصيَّ والخليفة من بعده : علي ( عليه السلام ).
    كما وإن هناك أدلّة كثيرة أخرى ترشدك إلى ما تقوم به الحجة ، زيادة على ما قدَّمنا ، مما هو ثابت لدنيا معاشر الشيعة ، والكتاب والسنة بُنيتا على ذلك.
    ثمَّ استحسن جميعهم ما أفدت عليهم ، وطلبوا مني بعض مؤلَّفات
الشيعة ، فأعطيتهم بعض ما كانت عندي ، فقاموا وحمدوا الله تعالى على هذه النعمة (2).
1 ـ قال الأنطاكي في الهامش : كحديث : أنا مدينة العلم وعلي بابها.
2 ـ لماذا اخترت مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) ، الأنطاكي : 450 ـ 453.


(30)
مناظرة
الشيخ الأنطاكي مع بعضهم في مشروعية السجود
على التربة الحسينيّة وإقامة العزاء
    يقول الشيخ محمّد مرعي الأنطاكي ( رحمه الله ) : في يوم الرابع عشر من شهر محرم الحرام سنة 1374 هجرية أتاني جماعة من علماء السنّة وبعضهم زملائي في الأزهر حاملين عليَّ حقداً في صدورهم لأخذي بمذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) وتركي مذهب السنة ، ودار البحث بيننا طويلا يقرب حوالي عشر ساعات تقريباً وذلك في كثير من المسائل.
    ومنها : انتقادهم على الشيعة بأنهم يسجدون على التربة الحسينية فهم مشركون ، وإجراؤهم التعازي على الإمام الحسين ( عليه السلام ) وهو بدعة ؟!
    فقلت لهم : كلاهما أمرٌ محبوب محبذ إليه من الشارع المقدّس ، أما قولكم : إنّ الشيعة يسجدون على التربة الحسينية فهم مشركون ! هذا غير صحيح لأن السجود على التربة لا يكون شركاً ، لأن الشيعة تسجد على التربة لا لها ، وإن كانت الشيعة تعتقد على حسب مدعاكم وزعمكم ـ على الفرض المحال ـ أن التربة هي أو في جوفها شيء يسجدون لأجلها ، فكان اللازم السجود لها لا السجود عليها ، لأن الشخص لا يسجد على معبوده ، لأن السجود يجب أن يكون
مناظرات المستبصرين ::: فهرس