مناظرات المستبصرين ::: 76 ـ 90
(76)
رأيه بعض الحاضرين ، وكان ذلك انتصارا للحق والحقيقة ، ولم يكن انتصارا بالقوة والقهر ولكنّه انتصار العقل والحجّة والبرهان ( قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) (1).
    ذلك ما دفعني وشجّعني على الدخول في البحث ، وفتح الباب على مصراعيه فدخلته باسم اللّه وباللّه وعلى ملّة رسول اللّه ، راجيا منه سبحانه وتعالى التوفيق والهداية فهو الذي وعد بهداية كلّ باحث عن الحقّ وهو لا يخلف وعده (2).
1 ـ سورة البقرة ، الآية : 111.
2 ـ كتاب ثم اهتديت ، الدكتور التيجاني : 149.


(77)
مناظرة
الدكتور التيجاني مع السيد الخوئي ( قدس سره ) في الإفتراء
المنسوب إلى الشيعة أن جبرئيل أعطى
الرسالة النبي ( صلى الله عليه وآله ) بدل علي ( عليه السلام )
    يقول الدكتور التيجاني في لقائه مع السيد الخوئي ( قدس سره ) : ودخل السيد الخوئي ومعه كوكبة من العلماء عليهم هيبة ووقار ، وقام الصبيان وقمت معهم ، وتقدّموا من « السيد » يقبّلون يده ، وبقيت مستمّراً في مكاني ، ما إن جلس « السيد » حتى جلس الجميع وبدأ يحيّيهم بقوله : « مسّاكم الله بالخير » يقولها لكل واحد منهم ، فيجيبه بالمثل حتى وصل دوري فأجبت كما سمعت ، بعدها أشار عليَّ صديقي الذي تكلّم مع « السيد » همساً ، بان أدنو من « السيد » وأجلسني على يمينه وبعد التحية قال لي صديقي : احكِ للسيد ماذا تسمعون عن الشيعة في تونس.
    فقلت : يا أخي ، كفانا من الحكايات التي نسمعها من هنا وهناك ، والمهم هو أن أعرف بنفسي ماذا يقول الشيعة ، وعندي بعض الأسئلة أريد الجواب عنها بصراحة.
    فألحّ عليّ صديق وأصرّ على أن أروي « للسيد » ما هو اعتقادنا في الشيعة ،


(78)
قلت : الشيعة عندنا هم أشدّ على الإسلام من اليهود والنصارى ، لأنّ هؤلاء يعبدون الله ويؤمنون برسالة موسى ( عليه السلام ) ، بينما نسمع عن الشيعة أنّهم يعبدون عليّاً ويقدّسونه ، ومنهم فرقة يعبدون الله ولكنهم ينزلون عليّاً بمنزلة رسول الله ، ورويت قصّة جبريل كيف أنّه خان الأمانة حسب ما يقولون ، وبدلا من أداء الرسالة إلى علي ( عليه السلام ) ، أدّاها إلى محمد ( صلى الله عليه وآله ) (1).
1 ـ هذه الفرية على ما يبدو إنها ظهرت من قبل أكثر من ألف سنة ، فقد نسبها إلينا كلٌ من ابن عبد ربه الأندلسي ( ت 328 هـ ) في العقد الفريد : ج 2 ص 250 ، بلا تورع ولا تثبت فيما ينقل عن الشيعة الإمامية ، وأبو القاسم النيسابوري ( ت 406 هـ ) في كتابه عقلاء المجانين ص 184 ح 322 بسنده عن بكار بن علي عن أبي سعيد الضبعي ، الذي يزعم أن الشيعة تقول : إن الله بعث جبرئيل إلى علي ( عليه السلام ) فغلط فأتى محمداً ( صلى الله عليه وآله ) !! وتكفي شهادة راوي الحديث ـ بكار بن علي ـ في المروي عنه ـ وهو أبو سعيد الضبعي ـ أنه قد خولط في عقله. هذا في نفس الكتاب المطبوع في بيروت نشر دار النفائس تحقيق الدكتور عمر الأسعد ، أما في الكتاب المطبوع في القاهرة نشر مكتبة إبن سينا تحقيق مصطفى عاشور ص 119 ـ 120 فقد حذفت منه شهادة الراوي في المروي عنه ( إنه قد خولط في عقله ) ولا أدري كيف حذفت منه ، أهو من أجل دفع شبهة الجنون عن الراوي لتزكيته لتثبيت التهمة ، أو لخطاء من الناسخ أو غيرهما الله العالم راجع تعلم ، كما ذكر هذه الفرية أيضاً ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج 10 ص 13 إلا أنه لم ينسبها إلى فئة معينة ، قال : وادعوا فيه ـ أي الإمام علي ( عليه السلام ) ـ انه كان الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ولكن الملك غلط فيه.
وبسبب هؤلاء غير المتثبتين الذين ألصقوا هذه الفرية على الشيعة الإمامية انطوت على أولئك الذي لا يتورعون عن بث الفرقة والخلاف في أوساط المسلمين ، وراحوا يبثونها ما وجدوا إليها من سبيل حتى عولَ عليها مَنْ لا تثبت عنده ، ولم يسأل نفسه عن مصدرها وحقيقتها ، فهل وجدت هذه الفرية في كتاب من كتب الشيعة مثبتة ، أو سمع أحداً منهم تفوه بها ولو كان شاذاً ، والعجب كل العجب من بعض الكتاب الذي يعيشون في عصر الثقافة والعلم ، أمثال الشرقاوي الذي انطوت عليه مثل هذه الأكذوبة التي لا أصل لها ، فقد ذكر في مقال كتبه عن ( زيد الشهيد ) نشرته جريدة الأهرام بتاريخ 4 / 8 / 1978 م ، ص 10 ، قال فيه : وفي العراق جماعات مختلفة متطرفة من شيعة آل بيته ، اضطرهم جور الحكام وظلمهم لآل البيت ( عليهم السلام ) إلى المبالغة والتطرف والتفوا حوله ، منهم جماعة تدعي أن الوصي كان سينزل على الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ولكنه أخطأ. انتهى.
ولنا أن نحاسب الشرقاوي في ما كتبه ، فمن أين جاء بهذه المعلومة فهل سمع من هؤلاء الجماعة التي تزعم ذلك بنفسه أم تلقفها من الأبواق المأجورة ، ومن هؤلاء أيضاً عبد الرحمن الجزيري في كتابه الفقه على المذاهب الأربعة : ج 4 ص 75 ، في باب النكاح في مبحث الكفاءة ، حيث يقول في صدد استعراض من يختلف مع المسلمين بالدين ، قال :
المخالفون للمسلمين في العقيدة ثلاثة أنواع : الأول ، الذين لا كتاب لهم سماوي ، ولا شبهة كتاب ، إلى أن قال : ويُلحق بهؤلاء المرتدون الذين ينكرون المعلوم من الدين الإسلامي بالضرورة ، كالرافضة الذين يعتقدون أن جبرئيل غلط في الوحي ، فأوحى إلى محمد مع أن الله أمره بالإيحاء إلى علي ( عليه السلام ) ... إلى آخر كلامه الذي سوف يحاسب عليه في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ، وبعد هذا كله هل تجد مسوغاً لأمثال هؤلاء الذين لا يتورعون عن الإفتراء على أمة بكاملها ، ولم يحاسبوا أنفسهم ، ولم يكلفوها عناء البحث والتحقيق والتثبت ؟!


(79)
    أطرق « السيد » رأسه هنيئة ، ثم نظر إليّ وقال : نحن نشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وما عليُّ ( عليه السلام ) إلاّ عبد من عبيد الله ، والتفت إلى بقية الجالسين قائـلا ومشيراً إليّ : انظروا إلى هؤلاء الأبرياء كيف تغلّطهم الإشاعات الكاذبة ، وهذا ليس بغريب فقد سمعت أكثر من ذلك من أشخاص آخرين ، فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم ، ثم التفت إليَّ وقال : هل قرأت القرآن ؟
    قلت : حفظت نصفه ولم أتخطّ العاشرة من عمري.
    قال : هل تعرف أنّ كلّ الفرق الإسلامية على اختلاف مذاهبها متفقة على القرآن الكريم ، فالقرآن الموجود عندنا هو نفسه موجود عندكم.
    قلت : نعم هذا أعرفه.
    قال : إذاً ، ألم تقرأ قول الله سبحانه وتعالى : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قِد خَلَت مِن


(80)
قِبلِهِ الرُّسلُ ) (1).
    وقوله أيضاً : ( مُّحَمّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلىَ الكُفَّارِ ) (2).
    وقوله : ( مَّا كَانَ مُحَمّدٌ أَبا أَحَد مِّن رجَالكُم وَلَكِن رّسُولَ اللهِ وَخَاتَم النَّبِيِّينِ ) (3)
    قلت : بلى أعرف هذه الآيات.
    قال : فأين هو علي ( عليه السلام ) ؟ إذا كان قرآننا يقول بأنّ محمداً رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فمن أين جاءت هذه الفرية ؟ سكتُّ ولم أجد جواباً.
    وأضاف يقول : وأمّا خيانة جبرئيل « حاشاه » فهذه أقبح من الأولى ، لأنّ محمداً كان عمره أربعين سنة عندما أرسل الله سبحانه إليه جبرئيل ( عليه السلام ) ، ولم يكن عليّ ( عليه السلام ) إلاّ صبياً صغيراً عمره ستّ أو سبع سنوات ، فكيف يا ترى يخطئ جبرئيل ولا يفرّق بين محمد الرجل وعلي الصبي ؟.
    ثم سكتّ طويلا ، بينما بقيت أفكّر في أقواله وأنا مطرق أحلّل وأتذّوق هذا الحديث المنطقي الذي نفذ إلى أعماقي وأزال غشاوة عن بصري ، وتساءلت في داخلي كيف لم نحلّل نحن بهذا المنطق.
    أضاف « السيد الخوئي » يقول : وأزيدك بـأنّ الشيعة هي الفرقة الوحيدة من بين كل الفرق الإسلامية الأخرى التي تقول بعصمة الأنبياء والأئمة ، فإذا كان أئمتنا ـ سلام الله عليهم ـ معصومين عن الخطاء وهم بشر مثلنا ، فكيف بجبرئيل وهو ملك مقرّب سمّاه ربّ العزّة بـ « الروح الأمين ».
    قلت : فمن أين جاءت هذه الدعايات ؟!
1 ـ سورة آل عمران ، الآية : 144.
2 ـ سورة الفتح ، الآية : 29.
3 ـ سورة الأحزاب ، الآية : 40.


(81)
    قال : من أعداء الإسلام ، الذين يريدون تفريق المسلمين وتمزيقهم وضرب بعضهم ببعض ، وإلاّ فالمسلمون إخوة سواء كانوا شيعة أم سنّة ، فهم يعبدون الله وحده لا يشركون به شيئاً وقرآنهم واحد ، ونبيّهم واحد ، وقبلتهم واحدة ، ولا يختلف الشيعة عن السنّة ، إلاّ في الأمور الفقهية ، كما يختلف أئمـة المذاهب السنّية أنفسهم في ما بينهم ، فمالك يخالف أبا حنيفة ، وهذا يخالف الشافعي وهكذا ...
    قلت : إذاً كل ما يُحكى عنكم هو محض افتراء ؟
    قال : أنت بحمد الله عاقل ، وتفهم الأمور وقد رأيت بلاد الشيعة وتجوّلت في أوساطهم فهل رأيت أوسمعت شيئاً من تلك الأكاذيب ؟
    قلت : لا ، لم أسمع ولم أر إلاّ الخير (1).
1 ـ كتاب : ثم اهتديت ، للدكتور التيجاني : 55 ـ 57.

(82)
مناظرة
الدكتور التيجاني مع السيد الصدر ( قدس سره ) في حكم الشهادة
لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) بالولاية والسجود على التربة
والبكاء على الحسين ( عليه السلام )
    يقول الدكتور التيجاني في لقاءه مع السيد الصدر ( قدس سره ) : سألت السيد الصدر عن الإمام علي ( عليه السلام ) ، لماذا يشهدون له في الأذان بأنه وليّ الله ؟!
    فأجاب قائلا : إنّ أمير المؤمنين عليّاً ـ سلام الله عليه ـ هو عبد من عبيد الله ، الذين اصطفاهم الله وشرّفهم ليواصلوا حمل أعباء الرسالة بعد أنبيائه ، وهؤلاء هم أوصياء الأنبياء ، فلكل نبي وصي وعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) هو وصيّ محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، ونحن نفضله على سائر الصحابة بما فضّله الله ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) ولنا في ذلك أدلّة عقلية ونقليّة من القرآن والسنّة ، وهذه الأدلّة لا يمكن أن يتطرّق إليها الشكّ لأنّها متواترة وصحيحة من طرقنا وحتى من طرق أهل السنة والجماعة ، وقد ألّف في ذلك علماؤنا العديد من الكتب.
    ولمّا كان الحكم الأموي يقوم على طمس هذه الحقيقة ومحاربة أمير المؤمنين علي وأبنائه ( عليهم السلام ) وقتلهم ، ووصل بهم الأمر إلى سبّه ولعنه على منابر


(83)
المسلمين ، وحمل الناس على ذلك بالقهر والقوة (1).
    فكانت شيعته واتباعه ـ رضي الله عنهم ـ يشهدون أنّه وليّ الله ، ولا يمكن للمسلم أن يسبّ وليّ الله ، وذلك تحدّياً منهم للسلطة الغاشمة حتى تكون العزّة لله ولرسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وللمؤمنين ، وحتى تكون حافزاً تأريخياً لكلّ المسلمين عبر الأجيال فيعرفون حقيقة علي ( عليه السلام ) وباطل أعدائه.
    ودأب فقهاؤنا على الشهادة لعلي ( عليه السلام ) بالولاية في الأذان والإقامة استحباباً ، لا بنيّة أنها جزء من الأذان أو الإقامة ، فإذا نوى المؤذّن أو المقيم أنّها جزء بطل أذانه وإقامته (2).
1 ـ جاء في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 11/44 قال : روى أبو الحسن المدايني في كتاب ( الأحداث ) قال : كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة أن برئت الذمة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته ، فقامت الخطباء في كل كورة ، وعلى كل منبر يلعنون علياً ( عليه السلام ) ويبرأون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته ، وكان أشد الناس بلاءً حينئذ أهل الكوفة لكثرة من بها من شيعة علي ( عليه السلام ) .. الخ.
قال عامر بن عبدالله بن الزبير لما سمع ابنا له يتنقص علياً ( عليه السلام ) : يا بني إياك والعودة إلى ذلك ، فإن بني مروان شتموه ستين سنة ، فلم يزده بذلك إلاّ رفعة ، وإن الدين لم يبن شيئاً فهدمته الدنيا ، وإن الدنيا لم تبنِ شيئاً إلاّ عادت على ما بنت فهدمته.
راجع : الجوهرة في نسب الإمام علي وآله ( عليهم السلام ) ، البري : 94 ـ 95 ، المحاسن والمساوئ ، البيهقي : 55.
وجاء في رواية الثقفي : فإن بني أميه لعنوه على منابرهم ثمانين سنة ، فلم يزده الله بذلك إلاّ رفعة. شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 13/221.
2 ـ قال السيد الخوئي ( قدس سره ) في كتاب الصلاة من التقرير الشريف : 2/288 : لا شبهة في رجحان الشهادة الثالثة في نفسها بعد أن كانت الولاية من متممات الرسالة ، ومقومات الإيمان ، ومن كمال الدين بمقتضى قوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) بل من الخمس التي بني عليها الإسلام ، ولا سيما وقد أصبحت في هذه الأعصار من أجلى أنحاء الشعائر ، وأبرز رموز التشيع ، وشعائر مذهب الفرقة الناجية ، فهي إذن أمر مرغوب فيه شرعاً ، وراجح قطعاً في الأذان وغيره ، وإن كان الإتيان بها فيه بقصد الجزئية بدعة باطلة ، وتشريعاً محرماً حسبما عرفت.


(84)
    والمستحبات في العبادات والمعاملات لا تحصى لكثرتها ، والمسلم يثاب على فعلها ولا يعاقب على تركها ، وقد ورد على سبيل المثال أنه يذكر استحباباً بعد شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله ، بأن يقول المسلم : وأشهد أن الجنّة حقّ ، والنار حقّ ، وأن الله يبعث من في القبور (1).
    قلت : إنّ علماءنا علّمونا : أنّ أفضل الخلفاء على التحقيق سيدنا أبو بكر الصديق ، ثم سيدنا عمر الفاروق ، ثم سيدنا عثمان ، ثم سيدنا علي ( عليه السلام ) ؟
    سكت السيد قليلا ، ثمّ أجابني : لهم أن يقولوا ما يشاؤون ، ولكن هيهات أن يثبتوا ذلك بالأدلّة الشرعيّة ، ثم أن هذا القول يخالف صريح ما ورد في كتبهم الصحيحة المعتبرة ، فقد جاء فيها ، أنّ أفضل الناس أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ولا وجود لعلي ( عليه السلام ) بل جعلوه من سوقة الناس ، وإنّما ذكره المتأخّرون استحباباً لذكر الخلفاء الراشدين (2).
1 ـ جاء ذكر هذه الكلمات في روايات أهل البيت ( عليهم السلام ) بعد ذكر الشهادتين ( بتفاوت ) ـ على سبيل المثال ـ كما في التشهد والوصية والعتق ، راجع وسائل الشيعة : ج 4 ص 682 ، ( ب 1 من أبواب أفعال الصلاة ح 11 ) ، وص 989 ( ب3 من أبواب التشهد ح 2 ) ، و ج 13 ص 353 ( ب3 من أحكام الوصايا ح 1 ) ، وج 16 ص 10 ( ب6 من أبواب العتق ح 2 ).
2 ـ فانظر كيف جعلوا خليفة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) علياً أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) واحداً كسائر الناس لا فضل له عليهم ، وهو الذي نصبه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عليهم خليفة وإماماً يوم غدير خم وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه .. ، وقال في حقه : أنا مدينة العلم وعلي بابها .. وسد كل الأبواب الشارعة في المسجد إلاّ باب علي ( عليه السلام ) ، قال أحمد بن حنبل : ما جاء في أحد من الفضائل ما جاء في علي ( عليه السلام ) ، وقال النيسابوري : لم يرد في حق أحد من الصحابه بالأحاديث الحسان ما ورد في حق علي ( فيض القدير ، المناوي : 468 ).
فمع كل هذه النصوص الدالة على إمامته وولايته عليهم ، غصبوه حقه في الخلافة ، وفضلوا غيره عليه ، وجعلوه واحداً من سائر الناس لا فضل له عليهم ، فإنا لله وانا إليه راجعون ، وإليك هنا كلام ابن عمر الصريح في ظلامة أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) ، روى أبو علي الموصلي في مسنده : 9/454 ح 5602 ، وابن عساكر أيضاً في تأريخ دمشق : 39/166 عن ابن عمر قال : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولا نعدل به أحداً ، ثم نقول : خير الناس أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ثم لا نفاضل.
أقول : فأين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه ، فلم يذكروه بالفضل حتى بعد عثمان .. ؟! وفي رواية ابن عساكر بعد ذكر عثمان قال : ثم لم نبال من قدمنا أو أخرنا ؟! وهذا صريح في استقصاء أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) وتجاهله وجحده حقه ، وإنكار فضله على سائر الخلق بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).


(85)
    السجود على التربة الحسينية
    سألته بعد ذلك عن التربة التي يسجدون عليها والتي يسمّونها بـ « التربة الحسينية ».
    أجاب قائلا : يجب أن يُعرف قبل كلّ شيء أننا نسجد على التراب ، ولا نسجد للتراب ، كما يتوهّم البعض الذين يشهّرون بالشيعة ، فالسجود هو لله سبحانه وتعالى وحده ، والثابت عندنا وعند أهل السنّة أيضاً أن أفضل السجود على الأرض أو ما أنبتت الأرض من غير المأكول ، ولا يصحّ السجود على غير ذلك ، وقد كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يفترش التراب وقد اتخذ له خمرة من التراب والقش يسجد عليها ، وعلّم أصحابه فكانوا يسجدون على الأرض ، وعلى الحصى ، ونهاهم أن يسجد أحدهم على طرف ثوبه ، وهذا من المعلومات بالضرورة عندنا.
    وقد اتّخذ الإمام زين العابدين وسيد الساجدين علي بن الحسين ( عليهما السلام ) تربة


(86)
من قبر أبيه أبي عبدالله ( عليه السلام ) باعتبارها تربة زكية طاهرة (1) سالت عليها دماء سيد الشهداء ، واستمر على ذلك شيعته إلى يوم الناس هذا ، فنحن لا نقول بأنّ السجود لا يصحّ إلاّ عليها ، بل نقول بأنّ السجود يصحّ على أي تربة أو حجرة طاهرة ، كما يصحّ على الحصير والسجاد المصنوع من سعف النخيل وما شابه ذلك.

    البكاء واللطم على الإمام الحسين ( عليه السلام )
    قلت : على ذكر سيدنا الحسين ( عليه السلام ) لماذا يبكي الشيعة ويلطمون ويضربون أنفسهم حتى تسيل الدماء ؟! وهذا محرّم في الإسلام ، فقد قال ( صلى الله عليه وآله ) : « ليس منّا من لطم الخدود وشقّ الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية » (2).
    أجاب السيد قائلا : الحديث صحيح لا شكّ فيه ، ولكنّه لا ينطبق على مأتم أبي عبدالله ( عليه السلام ) ، فالذي ينادي بثأر الحسين ، ويمشي على درب الحسين ، دعوته ليست دعوى جاهلية ، ثم إنّ الشيعة بشر فيهم العالم وفيهم الجاهل ولديهم عواطف ، فإذا كانت عواطفهم تطغى عليهم في ذكرى استشهاد أبي عبدالله ( عليه السلام ) وما جرى عليه وعلى أهله وأصحابه من قتل وهتك وسبي ، فهم مأجورون لأنّ نواياهم كلّها في سبيل الله ، والله سبحانه وتعالى يعطي العباد على قدر نواياهم.
    وقد قرأت منذ أسبوع التقارير الرسميّة للحكومة المصرية بمناسبة موت
1 ـ من الواضح عناية أهل البيت ( عليهم السلام ) بهذه التربة المقدّسة العظيمة كما حدّثوا أيضاً أصحابهم وشيعتهم بفضلها وفضل السجود عليها وإنها شفاء من كلّ داء ، راجع في ذلك : مصباح المتهجّد للشيخ الطوسي : 731 ـ 735 ، كامل الزيارات : 274 ـ 286 ب 91 ـ 95 ، بحار الأنوار : 46 / 79 ح 75 وج 82 ص 45 و ج 85 ص 144 ، و ج 101 ص 120.
2 ـ صحيح البخاري : 2/82 ، صحيح مسلم : 1/70 ، مسند أحمد بن حنبل : 1/386.


(87)
جمال عبد الناصر ، تقول هذه التقارير الرسميّة بأنّه سجّل أكثر من ثماني حالات انتحارية قتل أصحابها أنفسهم عند سماع النبأ ، فمنهم من رمى نفسه من أعلى العمارة ، ومنهم من ألقى بنفسه تحت القطار وغير ذلك ، وأمّا المجروحون والمصابون فكثيرون ، وهذه أمثلة أذكرها للعواطف التي تطغي على أصحابها.
    وإذا كان الناس ـ وهم مسلمون بلا شك ـ يقتلون أنفسهم من أجل موت جمال عبد الناصر وقد مات موتاً طبيعياً ، فليس من حقّنا ـ بناءً على مثل هذا ـ أن نحكم على أهل السنّة بأنّهم مخطئون ؟!
    وليس لإخواننا من أهل السنّة أن يحكموا على إخوانهم من الشيعة بأنّهم مخطئون في بكائهم على سيّد الشهداء ( عليه السلام ) ، وقد عاشوا محنة الحسين ( عليه السلام ) وما زالوا يعيشونها حتى اليوم ، وقد بكى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) نفسه على ابنه الحسين ( عليه السلام ) وبكى جبريل لبكائه.
    قلت : ولماذا يزخرف الشيعة قبور أوليائهم بالذهب والفضّة ، وهو محرّم في الإسلام ؟
    أجاب السيد الصدر : ليس ذلك منحصراً بالشيعة ، ولا هو حرام فها هي مساجد إخواننا من أهل السنة سواء في العراق أو في مصر أو في تركيا أو غيرها من البلاد الإسلامية مزخرفة بالذهب والفضة ، وكذلك مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في المدينة المنورة ، وبيت الله الحرام في مكّة المكرّمة ، الذي يُكسى في كل عام بحلّة ذهبية جديدة يصرف فيها الملايين ، فليس ذلك منحصراً بالشيعة.

    تعظيم قبور الصالحين
    قلت : إنّ بعض العلماء يقولون : إنّ التمسح بالقبور ، ودعوة الصالحين ،


(88)
والتبرّك بهم ، شرك بالله ، فما هو رأيكم ؟
    أجاب السيد محمد باقر الصدر : إذا كان التمسّح بالقبور ، ودعوة أصحابها بنيّة أنّهم يضرّون وينفعون ، فهذا شرك ، لا شكّ فيه : وإنّما المسلمون موحِّدون ويعلمون أنّ الله وحده هو الضارّ والنافع ، وإنّما يدعون الأولياء والأئمة ( عليهم السلام ) ليكونوا وسيلتهم إليه سبحانه وهذا ليس بشرك ، والمسلمون سنّة وشيعة متّفقون على ذلك من زمن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) إلى هذا اليوم ...
    وإنّ السيّد شرف الدين من علماء الشيعة لمّا حجّ بيت الله الحرام ... كان من جملة العلماء المدعوين إلى قصر الملك لتهنئته بعيد الأضحى كما جرت العادة هناك ، ولمّا وصل الدور إليه وصافح الملك قدّم إليه هديّة وكانت مصحفاً ملفوفاً في جلد ، فأخذه الملك وقبّله ووضعه على جبهته تعظيماً له وتشريفاً.
    فقال له السيد شرف الدين عندئذ : أيّها الملك لماذا تقبّل الجلد وتعظّمه وهو جلد ماعز ؟
    أجاب الملك ، أنا قصدت القرآن الكريم الذي بداخله ولم أقصد تعظيم الجلد !
    فقال السيد شرف الدين عند ذلك : أحسنت أيها الملك ، فكذلك نفعل نحن عندما نقبّل شبّاك الحجرة النبويّة أو بابها ، فنحن نعلم أنّه حديد لا يضرّ ولا ينفع ، ولكنّنا نقصد ما وراء الحديد وما وراء الأخشاب ، نحن نقصد بذلك تعظيم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، كما قصدت أنت القرآن بتقبيلك جلد الماعز الذي يغلّفه.
    فكبّر الحاضرون إعجاباً له وقالوا : صدقت ، واضطر الملك وقتها إلى السماح للحجّاج أن يتبركوا بآثار الرسول ( صلى الله عليه وآله ).
    وسألته عن الطرق الصوفيّة فأجابني بإيجاز : بأن فيها ما هو إيجابي وفيها


(89)
ما هو سلبي ، فالإيجابي منها تربية النفس وحملها على شظف العيش ، والزهد في ملذّات الدنيا الفانية ، والسموّ بها إلى عالم الأرواح الزكية ، أمّا السلبي منها ، فهو الإنزواء والهروب من واقع الحياة ، وحصر ذكر الله في الأعداد اللفظية وغير ذلك ، والإسلام ـ كما هو معلوم ـ يقرّ الإيجابيات ويطرح السلبيات ، ويحق لنا أن نقول بأنّ مبادئ الإسلام وتعاليمه كلّها إيجابية (1).
1 ـ كتاب : ثم اهتديت ، الدكتور التيجاني : 65 ـ 69.

(90)
مناظرة
الدكتور التيجاني مع السيد الصدر ( قدس سره )
في حكم الجمع بين الصلاتين
    قال الدكتور التيجاني في معرض حديثه عن مسألة جواز الجمع بين الصلاتين (1) : وأنا أتذكّر بأنّ أوّل صلاة جمعت فيها بين الظهر والعصر كانت
1 ـ مسألة جواز الجمع بين الصلاتين من المسائل التي قام الدليل عليها في كتب الحديث عند السنة ، ومع ذلك لم يعملوا بها ، فقد رووا أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) جمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء ، من غير سفر ولا خوف ولا مطر ، ومع ذلك قد شُنّع على الشيعة الإمامية في مسألة الجمع إذ عملوا بسنة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأهل بيته ، أضف إلى ذلك ما ثبت عن بعض الصحابة في جواز ذلك كما في كتب الصحاح ، مع أن المذاهب الإسلامية يرون جواز الجمع بين الظهر والعصر في عرفة ويسمى جمع تقديم ، وبين المغرب والعشاء في مزدلفة ويُسمى جمع تأخير ، وإنما الخلاف هو في مسألة الجمع بدون عذر السفر وغيره من سائر الأعذار.
فأما المالكية ، عندهم أن أسباب الجمع هي السفر والمرض والمطر والطين مع الظلمة في آخر الشهر ، ووجود الحاج بعرفة أو مزدلفة.
وأمّا الشافعية ، قالوا : بجواز الجمع بين الصلاتين جمع تقديم أو تأخير للمسافر مسافة القصر ، ويجوز جمعها جمع تقديم فقط بسبب نزول المطر.
وأما الحنفيّة ، قالوا : لا يجوز الجمع بين صلاتين في وقت واحد لا في السفر ولا في الحضر بأي عذر من الأعذار إلاّ في حالتين.
الأولى : يجوز جمع الظهر والعصر في وقت الظهر جمع تقديم بشروط أربعة ، منها أن يكون ذلك في يوم عرفة.
الثانية : يجوز جمع المغرب والعشاء في وقت العشاء جمع تأخير بشرطين : أن يكون ذلك بالمزدلفة ، وأن يكون محرماً بالحج ، وكل صلاتين لا يؤذن لهما إلا أذان واحد ، وان كان لكل منهما إقامة واحدة.
وأمّا الحنابلة ، قالوا بجواز الجمع المذكور تقديماً وتأخيراً فانه مباح ولكن تركه أفضل ، وإباحة الجمع عندهم لا بد أن يكون بأحد الأعذار التالية كأن يكون المصلي مسافراً أو مريضاً تلحقه مشقة بترك الجمع ، أو امرأة مرضعة أو مستحاضة وللعاجز عن الطهارة بالماء أو التيمم لكل صلاة ، وللعاجز عن معرفة الوقت كالأعمى والساكن تحت الأرض ، ولمن خاف على نفسه أو ماله أو عرضه ، ولمن خاف ضرر يلحقه بتركه في معيشته ، وفي ذلك سعة للعمال الذين يستحيل عليهم ترك أعمالهم. راجع : كتاب الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري : 1/483 ـ 487.
مناظرات المستبصرين ::: فهرس