مناظرات المستبصرين ::: 151 ـ 165
(151)
وأعطيته موطّأ مالك مفتوحا على الصفحة المعنيّة فأخذ يقرأ والكل يستمعون قال :
    وحدّثني عن مالك ، عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمان بن الحارث ابن هشام ، أنه سمع أبا بكر بن عبد الرحمان بن الحارث بن هشام يقول : كنت أنا وأبي عند مروان بن الحكم وهو أمير المدينة فذكر له أن أبا هريرة يقول : من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم فقال مروان : أقسمت عليك يا عبد الرحمان لتذهبنّ إلى أم المؤمنين عائشة وأم سلمة فلتسألنّهما عن ذلك ، فذهب عبد الرحمان وذهبت معه حتى دخلنا على عائشة فسلّم عليها ثم قال : يا أم المؤمنين إنا كنّا عند مروان بن الحكم فذكر له أن أبا هريرة يقول : من أصبح جنباً أفطر ذلك اليوم ، قالت عائشة : ليس كما قال أبو هريرة يا عبد الرحمان أترغب عمّا كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يصنع ، فقال عبد الرحمان : لا والله ، قالت عائشة : فاشهد على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنه كان يصبح جنباً من جماع غير احتلام ثم يصوم ذلك اليوم.
    قال : ثم خرجنا حتى دخلنا على أم سلمة فسألها عن ذلك فقالت مثل ما قالت عائشة ، قال : فخرجنا حتى جئنا مروان بن الحكم فذكر له عبد الرحمن ما قالتا ، فقال مروان : أقسمت عليك يا أبا محمّد لتركبنّ دابّتي فإنها بالباب فلتذهبن إلى أبي هريرة فإنه بأرضه بالعقيق فلتخبرنّه ذلك ، فركب عبد الرحمان وركبت معه حتى أتينا أبا هريرة ، فتحدّث معه عبد الرحمان ساعة ثم ذكر له ذلك.
    فقال أبو هريرة : لا علم لي بذلك إنما أخبرنيه مخبر (1).
    ضحك الأخ الجزائري عند سماع هذه العبارة وهو يقول بلهجته : اشنيّة ؟
1 ـ كتاب الموطأ ، الإمام مالك : 1/290 ح 11.

(152)
صار هي وكالة أنباء « متاع قيل وقالوا » ؟
    قلت : اصبر قليلا وأعطيت الكتاب الثاني وهو صحيح البخاري للمتطوع فأخذ يقرأ : حدّثنا عمر بن حفص حدّثنا أبي حدّثنا الأعمش حدّثنا أبو صالح قال : حدّثني أبو هريرة قال : قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أفضل الصدّقة ما ترك غنى ، واليد العليا خير من اليد السفلى ، وابدأ بمن تعوّل ، تقول المرأة : إمّا أن تطعمني وإمّا أن تطلّقني ، ويقول العبد : أطعمني واستعملني ، ويقول الابن : أطعمني إلى من تدعني ، فقالوا : يا أبا هريرة سمعت هذا من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟
    قال : لا ، هذا من كيس أبي هريرة (1).
    قال محمود الطّاهري وهو يضحك : كلّنا مشينا في كيس أبي هريرة ، وحاول أمير الجماعة أبو يس أن يتفلسف في الحديثين ويجد لهما مخرجا فقال : سبحان الله الذي لا ينسى ، أبو هريرة كسائر البشر نسي أو اشتبه عليه الأمر في حديث الجنب الذي يفطر ذلك اليوم فذكّرته أم المؤمنين عائشة فرجع عن رأيه.
    أمّا في حديث البخاري الذي يقول : المرأة تقول أطعمني أو طلّقني الخ ...
    واعترض عليه بعض الحاضرين الذين لم يقتنعوا بكلامه وقالوا : ليس من حقّ أبي هريرة أن يزيد في الحديث من كيسه ، فمرّة يقول : لا علم لي وإنما أخبرنيه مخبر ، ومرّة يقول : هذا من كيس أبي هريرة ، ومع ذلك فهو يبدأ الحديث بقوله : قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فهذا كذب صريح على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    ولمّا كثر الجدال حول هذا واختلف الحاضرون كلّهم يدينون أبا هريرة إلاّ أبو يس بقي المدافع الوحيد الذي حاول تأويل الكلام على غير واقعه.
1 ـ صحيح البخاري : 6/190 باب وجوب النفقة على الأهل والعيال.

(153)
    فتدخلت بلطف لأحسم هذا النزاع فقلت : يا أخي العزيز سأعطيك دليلا أوضح كي لا يبقى بعده عندك عذر مقبول ، وإن شئت بعده أن تبقى على رأيك فأنت حرّ ، ورأيك محترم.
    أعطيته صحيح البخاري وقلت : اقرأ وحدك بصوت عال حتى يسمع الجميع ، وأخذ الكتاب وقرأ : حدّثني عبد الله بن محمّد ، حدّثنا هشام بن يوسف ، أخبرنا معز بن الزّهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : لا عدوى ولا صفر ولا هامّة ، فقال أعرابي : يا رسول الله فما بال الإبل تكون في الرمّل كأنها الطباء فيخالطها البعير الأجرب فيجربها ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : لا يوردن ممرّض على مصح.
    وأنكر أبو هريرة الحديث الأوقات : قلنا ألم تحدّث أنه لا عدوى ، فرطن بالحبشيّة ، قال أبو سلمة : فما رأيته نسي حديثاً غيره (1).
    وصاح فرحا ألم أقل لكم أنه نسي ، ودار الجدال من جديد بينه وبين رفاقه يحاول هو إقناعهم بنزاهة أبي هريرة ملتمسا له عذر السّهو والنسيان والغلط ، وهم لا يقبلون منه هذا الاعتذار ولكنّهم يردّدون : ما كنّا نعرف هذا عن أبي هريرة.
    قلت : لو كانت المسألة تتعلّق بالسّهو والنسيان لهانت ، ولكن المسألة غير ذلك تماما لأن أبا هريرة اتّهمه كثير من الصحابة من أجل كثرة الحديث ، وعمر بن الخطّاب نفسه كذّبه في حديث خلق الله السماوات والانتشار في سبعة أيّام ، وكذّبته عائشة كما كذّبه أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وحسبكم قراءة
1 ـ صحيح البخاري : 7/31 ، باب لاهامة ولا عدوى.

(154)
كتاب « شيخ المضيرة » لمؤلفّه الشيخ محمود أبو ريّة العالم المصري الذي كشف عن أكاذيب أبي هريرة وهو سنيّ.
    تكلّم الأخ الجزائري فقال : الشيعة يقولون : إن أبا هريرة كذّاب ، ولا يعطون الدليل على كذبه ، والسنّة يقولون بأنه ثقة ولكنّهم يعطون مائة دليل على كذبه.
    انفعل أبو يس أمير الجماعة واصفرّ لون وجهه والتفت إليّ ليقول : أنت تستغلّ بسطاء العقول للتأثير عليهم ، أمّا أنا فإني حائز على دكتوراه دولة ولا يمكن أن تؤثّر عليّ.
    غضب الأخوة من كلامه وكيف ينتقص من شأنهم ويقول عنهم بسطاء العقول.
    فتكلّم الأخ الشطّي رئيس الرّابطة وقال : يا أخ التيجاني نحن معك إلى الصباح وسنستمع لكلّ ما تقوله ، ومن كان عقله بسيطاً فالباب مفتوح ، وما عليه إلاّ الخروج ومغادرة المكان.
    وفهم أبو يس أنه المقصود ، لكنّه فهم أيضاً بأنه احترق عندما احتقرهم وسمّاهم بسطاء العقول.
    وتدخّلت أنا لتهدئة الجوّ فقلت : يا أخ أبو يس أنا أحترم رأيك ولو لم تكن حائزاً على دكتوراه دولة فأنا لا أريد أنّ أقول لك بأني أنا أيضاً دكتور ، ولكن هذه الشهادات وهذه الألقاب لا تعني بالنسبة إليّ شيئاً لأني تعلّمت من أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) قوله الحكيم : « قيمة كل امرئ ما يحسنه (1) ، المرء مخبوء تحت
1 ـ نهج البلاغة : 4/18 ، رقم : 81 ، روضة الواعظين ، النيسابوري : 109 ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 18/230.

(155)
طيّ لسانه لا تحت طيلسانه » (1).
    فقام أبو يس غاضبا وغادر الغرفة وكنت أحاول إبقاءه معنا ولكن الجماعة غمزوني لأدعه يخرج كي يستفيدوا من الجلسة ، ولمّا خلا المكان منه طلبوا منّي تعليمهم كيفيّة الوضوء والصلاة على طريقة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، ففعلت ، ونزلوا من الغد إلى غرفتي وطلبوا منّي مصاحبتهم إلى معرض الكتاب كي أشير عليهم بالكتب التي تفيدهم ، واشتروا من المعرض كل كتب الشيّعة المعروضة ، ولمّا كان يوم المغادرة بعد انتهاء المؤتمر وجهّوا إليّ الدّعوة لزيارتهم في السوّيد عسى أن أقنع المزيد من رفاقهم ، وأعلموني بأن رابطتهم الإسلامية تنتمي إلى السعوديّة ، وأن الفكر الوهابي انتشر بين المصلّين ، لأن أغلب المسؤولين عن الرابطة يتقاضون مرتّبات شهريّة بالإضافة إلى المبالغ المخصّصة لإحياء شؤون الرّابطة (2).
1 ـ راجع : نهج البلاغة 4/38 ، رقم : 148 ، الإرشاد ، المفيد : 300.
2 ـ كتاب فسيروا في الأرض ، الدكتور التيجاني : 281 ـ 287.


(156)
مناظرة
الدكتور التيجاني مع أبي لبن
متعهد الرابطة الإسلامية في استكهولم
في المراد من ( أهل البيت ( عليهم السلام ) ) في آية التطهير
    قال الدكتور التيجاني : كانت فرحة الإخوان المستبصرين كبيرة خصوصاً الأخ محمود الطّاهري الذي ألحّ عليّ في السّفر معه إلى مدينة قوتو بورق حيث يقيم هناك مع جالية إسلامية كبيرة أغلبها من الأتراك ، واستشرت الإخوة فاستحسنوا ذلك ، وسافرت معه ليلة كاملة في القطار السريع ، وقضيت في بيته يومين نسهر في الليل في المسجد مع المصلين وإمامهم من الأتراك الناطقين بالعربيّة ، وقد استهواه البحث ومال إلى التشيع ، ولكنّه فضلّ الكتمان على حاله حتى يتكاثر المستبصرون ، ولمّا كان اليوم الثالث اتّصل بنا جماعة استكهولم طالبين منّي القدوم على جناح السرعة ، لأن الجماعة المناوئين استنجدوا بأحد العلماء الكبار الذي قدم من النروج خصيصا لإبطال دعوتي وهو في انتظاري.
    وركبت قطار اللّيل ووصلت يوم الجمعة صباحاً ، وكان في انتظاري بالمحطّة ثلاثة من الإخوة ، فأعطوني بعض الإرشادات عن العالم الذي يسمّى أبو لبن ، وهو متخرّج من جامعة الملك عبد العزيز بالسّعوديّة ، وهو الذي يتعهدّ


(157)
الرّابطة من حين لآخر ، ويبدو أن السعودية أسّست رابطة إسلامية لنشر الوهابية في كل بلد من البلد الاسكندنافيّة التي تقطنها جاليات إسلامية لا بأس بها.
    تركوني لأخذ نصيباً من الرّاحة والنوم لأني قضيت ليلة بيضاء بالقطار ، ولمّا استيقظت كان أحد المستبصرين يروي لنا بأن أبو لبن هو الذي صلّى بالناس صلاة الجمعة ، وقد اكتظّ المسجد بالنّاس فخطبهم خطبة كلّها تكفير للشيعة ، وتحقير لهم ولعقائدهم الزّائفة المزيفة حسب تعبيره ، وكان الغذاء والدّعوة للمناظرة في بيت أحد الإخوة المستبصرين ، وهو من أمثلة العرائس من ولاية قفصة اسمه أحمد العيساوي ، وكان يحبّني كثيرا ، وهو صاحب نكتة وطرافة ، فكان يقول للجماعة : أنا لا أخاف على ولد بلادي.
    وجاء أبو لبن ووراءه رجل سوداني يحمل حقيبته اليدويّة ، وهو رجل طويل القامة بلباس عربيّ ، ولحيته تتدلّى على صدره ، وعلى عينيه نظّارات ، قام الجميع يسلّمون عليه وقمت معهم ، قدّموني إليه فكأنه احتقرني ولم يعبأ بوجودي ، وتقدّم صاحب البيت باقتراح طلب فيه تسجيل ما يدور بيننا من جدال ، ووافقت أنا ولكن أبو لبن رفض التسجيل ، وبدأنا الحوار.
    قلت : قبل كلّ شيء ما رأيك بالشيّعة ؟
    وأردت بهذا السؤال أن أحرجه أمام الحاضرين الذين صلّوا معه وسمعوا قوله.
    وأراد التخلّص من هذا السؤال ولكنّي أصررت على الإجابة فقال : نحن نكفّر الشيعة لأنهم لا يؤمنون بقرآننا ، وعندهم قرآن خاصّ بهم يسمّونه ، مصحف فاطمة ( عليها السلام ) ، ضحكت لهذه المعلومات ، وعرفت قيمة مجادلي ، وما مبلغه من


(158)
العلم ، فقلت : ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً ) (1).
    أنت تكفّرنا ، أمّا نحن فلا نكفّرك ، إنما نقول : بأن الدّعايات الأموية ضلّلتك ، ونطلب من الله أن يهديك إلى الحق ، وأنا سوف لن أجادلك في قضايا وهميّة ترددونها كالببّغاء خلفا عن السلّف بدون تحقيق ولا تمحيص ، ولكنّي سوف أجادلك في قضيّة اعتقد أنها من أهم القضايا التي تجمع المسلمين وتنقذهم من النّار ليفوزوا بالجنّة.
    قال : هات ما عندك فما هي القضيّة ؟
    قلت : قضيّة أهل البيت ( عليهم السلام ) ووجوب الاقتداء بهم لعصمتهم.
    قال : لنبدأ بأهل البيت ، من هم أهل البيت ؟ أليست عائشة منهم ؟
    قلت : لا ، لأن عائشة نفسها ما ادّعت يوما أنها منهم.
    قال مستغربا وهو يكلّم الحاضرين : أعندكم مصحف قرآن في البيت؟
    قلت : أتريد أن تقرا قوله تعالى : « يَا نِساء النبيِّ لَستُنَّ كَأَحَدٍ مِّن النِّسَاء إِنِ اتَّقَ يتُنَّ فَلَاَ تَخضَغنَ بِالقَولِ ... » (2).
    قال : نعم ، هي هذه.
    قلت : هذه لاتقصد نساء النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لأن الله سبحانه عندما خاطب نساء النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خاطبهم بنون النسوة ، فقال لستن ، إن اتقيتنّ ، فلا تخضعن ، وقلن قولا معروفا ، وقرن في بيوتكنّ ولا تبرّجن ، وأقمن الصلاة ، وآتين الزكاة ،
1 ـ سورة المائدة ، الآية : 27.
2 ـ سورة الأحزاب ، الآية : 32 ـ 33.


(159)
وأطعن الله ورسوله فكلّ هذا خطاب لنساء النبي ( صلى الله عليه وآله ) لكنّ قوله سبحانه : « إنَّمَا يُريدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ ويُطهِّرِكُم تَطهِيراً » خارج عليهنّ ، ولو كان المقصود بها نساء النبي ( صلى الله عليه وآله ) لتواصل السيّاق نفسه وقال : إنما يريد الله ليذهب عنكنّ ويطهّركن. فقال أبو لبن مستهزئا : يبدو أنك لاتعرف اللّغة العربيّة وتجهل قواعدها ، وإلاّ ما وقعت في هذا الخطأ الفاحش.
    قلت : لماذا علّمني.
    قال : لأن اللغة العربيّة تأتي بنون النّسوة عندما يكون نسوة فقط ، ولو كان عددهنّ ألف امرأة ، أمّا إذا كان بينهنّ رجل واحد فتأتي اللّغة بجمع المذكّر.
    قلت : أنا أعرف ذلك ، وهذه من القواعد الابتدائيّة التي نعرفها.
    قال : فلماذا تحتجّ عليّ بأنها لا تخصّ نساء النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟
    قلت : لعدّة أسباب وعدّة وجوه سوف أوقفك عليها فيما بعد ، ولكن سلّمت لك جدلا بصحّة ما تذهب إليه ، فسؤالي إليك من هو الرّجل الذي قصده الله ودخل مع نساء النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في هذه الآية ؟
    قال بدون تردد : هو سيّدنا علي كرّم الله وجهه.
    قلت : الحمد لله رب العالمين فهذا يكفيني حجّة ودليلا ، فأنت تقول بأن الله أذهب الرّجس وطهّر نساء النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) جميعاً ومعهنّ الإمام عليّ ( عليه السلام ).
    قال : أقول بذلك ، وهذا هو الردّ المناسب لمزاعم الشيعة الذين يريدون إسقاط نساء النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من العصمة لأنهم لا يحبّون أم المؤمنين عائشة.
    قلت : دعنا من الهروب إلى الهامشيّات ، وخلّنا في صلب الموضوع ، فأنا أعيد عليك أمام الحاضرين لتتأكد ممّا تقول ، فقد قلت : بأن الآية نزلت في نساء النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ومعهم رجل واحد هو علي ( عليه السلام ).


(160)
    قال : نعم.
    قلت : تثبّت لعلّه أبو بكر.
    قال : لا.
    قلت : لعلّه عمر ؟
    قال : لا ،
    قلت : لعلّه عثمان ؟
    قال : إنها لم تخصّ من الرّجال إلاّ علي فقط ، فلماذا أنت تكرّر ما نقول ؟
    قلت : لأن العصمة لم تثبت إلاّ لرجل واحد هو علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) حسب شهادتك ، وهو دليل قاطع على صحّة عقيدة الشيعة لأن المسلمين مطالبون بالاقتداء بالرّجال دون النّساء ، والمسلمون اتّفقوا كلّهم على أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) ولم نسمع بأميرة المؤمنين.
    فكبّر لذلك الحاضرون وقالوا : إنها حجّة قاطعة يا أبا لبن.
    قال : نحن علماؤنا كلّهم متّفقون على نزول الآية في نساء النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    قلت : اتّق الله يا رجل ، أنا أقول قال الله ، وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأنت تقول : قال العلماء ، أفتقدّم قول العلماء على قول الرّسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    قال : ماذا قال الرّسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    قلت : جمع تحت كساء : نفسه وعليّاً وفاطمة والحسن والحسين ( عليهم السلام ) ثم قال : « اللّهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرّجس » فنزلت الآية (1).
1 ـ سنن الترمذي : 5/30 ـ 31 ح 3258 ، أسباب النزول ، الواحدي : 239 ، مسند أحمد بن حنبل : 6/292 ، مناقب أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) ، الكوفي : 1/157 ح 92 ، المعجم الكبير ، الطبراني : 3/54 ح 2666 ، تاريخ دمشق ، ابن عساكر : 14/141 ، الدر المنثور ، السيوطي : 5/198 ، ذخائر العقبى ، الطبري : 21.

(161)
    قال : هذا ما يقوله الشيعة.
    قلت : اتّق الله في الشيعة فإنهم لا يقولون إلاّ قول الله ورسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وهذا الذي تنكره أنت ذكره صحاح السنّه.
    قال : ما رأيت عند علماء السنّة وفي صحاحهم هذا أبدأ.
    قلت لصاحب البيت : هل لك أن تأتينا بصحيح مسلم ؟ فأحضره فناولته لأبي لبن ليقرأ في فضائل أهل البيت ( عليهم السلام ) أن عائشة هي التي روت رواية الكساء ونزول الآية في هؤلاء الخمسة المذكورين (1) ، فلمّا قرأ ذلك في صحيح مسلم تغيّر لونه وتلعثم في الكلام.
    وظهر عجزه قلت : أعرفت لماذا نحن نخصّ هؤلاء بنزول الآية ، لأن عائشة التي تريدون إلصاقها بالآية لا توافقكم هي نفسها على ذلك ، وكذلك أم سلمة من نساء النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قالت : أردت الدّخول معهم تحت الكساء فمنعني رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقال : أنت إلى خير (2).
    وقام الأخ رشيد الجزائري وقال متوجّها إلى أبي لبن وهو يضحك : أنا من
1 ـ صحيح مسلم : 7/130 ، المستدرك ، الحاكم النيسابوري : 147 ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وعن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نزلت هذه الآية في خمسة ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) في وفي علي وفاطمة وحسن وحسين.
تاريخ دمشق ، ابن عساكر : 13/206 ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : 9/167 ، نظم درر المسطين ، الزرندي : 238 ، جامع البيان ، ابن جرير الطبري : 22/9 ح 21727 ، الدر المنثور ، السيوطي : 5/198 ، تفسير ابن كثير : 3/494.
2 ـ راجع : المعجم الكبير ، الطبراني : 3/52 ـ 53 ح 2662 ، تاريخ دمشق ، ابن عساكر : 14/139 ، سير أعلام النبلاء ، الذهبي : 346 ـ 347.


(162)
اليوم سأسميك أبا لهب ، لأنك تترك قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وتتبع قول العلماء الذين علّموك ..
    وانتهت الجلسة على أحسن ما يرام وازداد المستبصرون بذلك فرحا وابتهاجا.
    وما خرجت من السوّيد حتى انقلبت الرّابطة إلى شبه حسينيّة.
    واستقدموا بعد ذلك شيخا معمّما من قم المقدّسة ، وأسسوا مسجداً للشيعة هناك يديره جماعة المستبصرين بمعيّة مجموعة من العراقيّين على رأسهم السيد أبو حيدر الذي ساهم بكل جهوده وأمواله في إنجاح المشروع (1).
1 ـ كتاب فسيروا في الأرض ، الدكتور التيجاني : 291 ـ 295.

(163)
مناظرة
الدكتور التيجاني مع شرف الدين المصري
إمام الرابطة في السويد
في حديث أن عمر جذب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من قميصه
    قال الدكتور التيجاني : وجاء اليوم الموعود واستقبلني الأخوة بالمطار في العاصمة السوّيدية ستوكهولم ، ونزلت ضيفا عند الأخ الشطّي رئيس الرّابطة وفي يومين وخلال محاضرتين انقسمت الرّابطة إلى قسمين وتشيّع أغلبهم بإعانة الإخوة الذين عرفتهم خلال المؤتمر ، وكان أشدّ النّاس حماسا للتشيّع الأخ محمود الطّاهري والأخ الجزائري رشيد بدرة ، ولكن إمام الرّابطة شرف الدين المصري ومعاونه حسين التونسي بقيا معادين ومعاندين.
    وبدأ الإمام يحسّ بالعزلة شيئاً فشيئا فلجأ إلى المواجهة والهجوم العنيف على الشيعة وقال فيما قال : أنا أعرف أن علماء الشيعة كذّابين ومنافقين ، وأن أعظم كتاب عندهم هو كتاب المراجعات الذي يفتخر به الدكتور التيجاني نفسه ، هذا الكتاب كلّه كذب ونفاق.
    استفزّني كلامه الذي قاله بمحضر أكثر من عشرين رجلا فقلت : اتّق الله فأنت إمام الجماعة والمفروض أن الإمام يكون مثال الصدّق والأمانة ، ولا يقول


(164)
بما لا يعلم ، فكيف لو طالبتك بالدليل على ادّعائك.
    قال : عندي دليل على ما أقول وأنا لا أتكلم إلاّ بما أعلم.
    استغربت منه هذه الجرأة وتحدّيته أمام الحاضرين قائلا : إن هذا الكتاب هو بالفعل من أعظم الكتب التي أثّرت فيّ شخصيّاً ، وقد تتبّعته بالبحث فوجدته ينقل بدقّة ، أعني مؤلّفه وهو السيد شرف الدين الموسوي ينقل بدقّة وأمانة فلا يزيد ولا ينقص ، فأنا أتحدّاك أمام الحاضرين إن جئتني بكذبة واحدة في كتابه فسوف ألعنه أمام الجميع وألعن الشيعة معه.
    قال : أتشهدون عليه يا جماعة ؟
    قالوا : لقد حكم على نفسه بنفسه.
    قلت : وهو كذلك.
    قال : موعدنا الليلة وسآتيكم بالدليل القاطع ، إن شاء الله.
    قال الأخ الجزائري : السهرة الليلة في بيتي فأنتم كلّكم مدعوّون للعشاء عندي ، وبعد العشاء نبحث في الموضوع ، وكان الاتّفاق على ذلك.
    بقي الأخ محمود الطاهري متخوّفاً ويحذّرني من الإمام على أنه مثقّف ، ومطّلع على أمور كثيرة ، وأغلب النّاس يثقون بعلمه فلو انتصر عليك ، لا قدّر الله فستكون ردّة لكلّ من تشيّعوا ، فهدّأت من روعه وطمأنته بأن شرف الدين الشيعي أعلم من شرف الدين السنّي.
    وكان اللقاء ، الإمام المصري يتبعه معاونه حسين التونسي ويحمل حقيبته ، وبعد تناول العشاء وقضاء فريضة الصّلاة ، افتتح صاحب البيت الأخ رشيد بدرة الجلسة بكلمة وجيزة دعا فيها الحاضرين ، وكانوا يزيدون على الثلاثين رجلا ، ونساءهم في الغرفة المجاورة ، دعاهم كلّهم لاحترام المجالس العلميّة ولزوم


(165)
الصمت ، وقال : كلّنا نستمع للدكتور التيجاني والإمام شرف الدّين ، فلسنا هنا للخصام ولا للملاكمة ، وإنما نحن نريد الوصول إلى الحقيقة ، وهذه الحقيقة قد تكون مع التيجاني وقد تكون من شرف الدين ، فنحن يجب أن نكون مع الحقّ لا مع الأشخاص.
    أخرج الإمام شرف الدين المصري من حقيبته كتاب النصّ والاجتهاد ، ثم أخرج معه صحيح البخاري وفتح كتاب النص والاجتهاد وأعطاني إيّاه ، وطلب مني قراءة الصفحة المسطرة ، وقرأتها وأنا أعرفها فهي تتعلّق باجتهاد عمر بن الخطّاب عندما جذب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من قميصه وهو يصلّي على عبد الله ابن أبي المنافق وقال له : إن الله نهاك أن تصلي على المنافقين (1).
    قلت : وماذا فيها فالقضيّة معروفة ولا ينكرها أيّ باحث.
    قال : نعم أنا لا أجادل في القضيّة ، وإنما في العالم الشيعي الذي يكذب ويقلّب الحقائق.
    قلت : وكيف ذلك ، ما وجدت في القصّة كذبا ولا تقليباً للحقيقة أعدت القراءة ، خرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يصلّي على عبدالله بن أبي ، فجاء عمر فجذبه من قميصه.
    قال : قف هنا واقرأ التعليق الذي كتبته أنا ، فقرأت على الحاشية وقد سطّر كلمة فجذبه بسطرين ، قوله : انظروا إلى هذا الكذّاب الدجّال الذي يحرّف الكلام عن مواضعه ، ثم أولغ سباً وشتماً في المؤلّف وفي الشيعة عامّة.
    فقلت مستغرباً : ما فهمت حتى الآن قصدك ، وأين الكذب والتحريف أنا ما
1 ـ صحيح البخاري : 7/36 ، سنن النسائي : 4/36 ـ 37.
مناظرات المستبصرين ::: فهرس