مناظرات المستبصرين ::: 181 ـ 195
(181)
صُبَّت عليّ مصائبٌ لو أنها صُبّت على الأيام صرن لياليا (1)
    والمعروف بأن عليّاً ( عليه السلام ) بنى لها بيتاً يسمى بيت الأحزان فكانت تقضي جلّ أوقاتها في البقيع (2).
    قال : وعلى فرض صحة الرّواية فهي تخص فاطمة ( عليها السلام ) وحدها.
    إنّه التعصّب الأعمى مع الأسف ، وإلاّ كيف يتصوّر مسلمٌ أن يمنع الله ورسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) المرأة المسلمة من زيارة قبر أبيها ، أو قبر أخيها ، أو قبر ولدها ، أو قبر أمّها ، أو قبر زوجها ، فتترحّم عليهم وتستغفر لهم ، وتسيل عليهم دموع الرّحمة ، وتتذكر هي الأخرى الموت والآخرة ، كما يتذكر الرّجل ، إنّه ظلمٌ للمرأة المسلمة المسكينة ، ولا يرضاه الله ، ولا يرضاه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ولا يرضاه أهل العقول السليمة (3).
1 ـ مناقب آل أبي طالب ، ابن شهر آشوب : 1/208 ، نظم درر السمطين ، الزرندي : 181 ، أعلام النبلاء ، الذهبي : 2/134.
2 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 43/177 ـ 178.
3 ـ كل الحلول عند آل الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، الدكتور التيجاني : 266 ـ 267.


(182)
مناظرة
الدكتور أسعد القاسم الفلسطيني مع دكتور أردني
في حديث ( الخلفاء إثنا عشر )
    يقول الدكتور أسعد القاسم (1) : من الحوادث أذكر منها مناقشتي لدكتور معروف في كليَّة الشريعة بالجامعة الأردنية ، لا داعي لذكر اسمه ، حيث زار مانيلا قبل عشر سنوات ، وألقى محاضرة للطلبة العرب ، تعرَّض فيها لأحوال المسلمين عموماً ، وكان مما قاله : أن معركة المسلمين مع الشيعة معركة عقيدة.
    وبعد انتهاء المحاضرة طلبت مناقشته فيما قال ، فكان همُّه معرفة إن كنت شيعيّاً أم سنّياً ، وعندما حاصرته بالأدلّة القويّة حاول في البداية تبريرها بقوله : ومن منّا لا يحب أهل البيت ( عليهم السلام ).
1 ـ هو : الدكتور أسعد وحيد القاسم ، من مواليد فلسطين 1965 م ، حاصل على بكالوريوس في الهندسة المدنيَّة ، وما جستير في إدارة الإنشاءات ، ودكتوراة في الإدارة العامة ، دفعه اطّلاعه على بعض كتب السلفيّة التي تهاجم مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) إلى قراءة كتاب المراجعات وكتباً أخرى ، ثمَّ تحقَّق مما جاء فيها من صحاح السنة ، وهو الأمر الذي قاده إلى إعلان تشيُّعه بعد بحث مستفيض طال سنتين ، له كتاب : تحليل نظم الإدارة العامة في الإسلام ، وهي رسالة الدكتوراة ، وكتاب : حقيقة الشيعة الاثني عشرية ، وكتاب : أزمة الخلافة والإمامة وآثارها المعاصرة. عن كتاب : المتحوِّلون : 485.

(183)
    وعندما واجهته بالأحاديث التي توجب اتبّاعهم بالعمل ، وليس بمجرِّد الادّعاء حاول أن ينهي النقاش ، وعندما ذكرت له الأحاديث الدالّة على عدد الأئمة الاثني عشر ( عليهم السلام ) ، وسألته : من هم هؤلاء الأئمَّة أو الأمراء كما ذكر البخاري ؟ كان جوابه :
    هذا الحديث من عقلك ، وليس له وجود عندنا ، ثمَّ سحب نفسه من المناقشة تاركاً الطلبة يهزّوا رؤوسهم استغراباً.
    وكان لهذه الحادثة الأثر الكبير في تحفيزي للمزيد من البحث ما دامت المسألة على هذه الدرجة من الخطورة (1).

    السبب الذي دعاني إلى التشيع
    ويقول الدكتور أسعد في بيان السبب الذي دعاه إلى التشيُّع : إن الدافع كان واحداً ليس له ثاني ، وهو رؤيتي ـ بما لا يقبل الشك ، والدليل والبرهان القاطع ـ وجوب اتّباع أهل البيت ( عليهم السلام ) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً ، فماذا بعد التمعُّن بقوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في خطبة حجة الوداع : إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسَّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً : كتاب الله وعترتي أهل بيتي (2).
    فهذا القول المعروف بحديث الثقلين يرسم المنهاج بإطاره العام ، ثمَّ يخصّص بقوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه ، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه (3) ، وقوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاَّ أنه لا نبيَّ
1 ـ المتحولون ، الشيخ هشام آل قطيط : 483 ـ 484.
2 ـ تقدَّمت تخريجاته.
3 ـ روى أحمد بن حنبل في مسنده : 4/281 : عن البراء بن عازب قال : كنّا مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في سفر ، فنزلنا بغدير خمٍّ ، فنودي فينا : الصلاة جامعة ، وكسح لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تحت شجرتين ، فصلَّى الظهر ، وأخذ بيد علي ( عليه السلام ) فقال : ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا : بلى ، قال : ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه ؟ قالوا : بلى ، قال : فأخذ بيد علي ، فقال : من كنت مولاه فعليٌّ مولاه ، اللهم والِ من والاه ، وعادِ من عاداه. قال : فلقيه عمر بعد ذلك فقال له : هنيئاً يا ابن أبي طالب ! أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة.
ورواه أيضاً الحاكم النيسابوري في المستدرك : 3/109 عن زيد بن أرقم مثله ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله.
وروى أحمد بن حنبل أيضاً في مسنده : 1/118 عن سعيد بن وهب ، وعن زيد بن يثيع قالا : نشد علي ( عليه السلام ) الناس في الرحبة : من سمع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول يوم غدير خم إلاَّ قام ، قال : فقام من قبل سعيد ستة ، ومن قبل زيد ستة ، فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول لعلي ( عليه السلام ) يوم غدير خم : أليس الله أولى بالمؤمنين ؟ قالوا : بلى ، قال : اللهم من كنت مولاه فعليٌّ مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه.
وهذا الحديث من المتواترات ، وقد ذكرته جلَّ المصادر ، ونذكر منها مايلي :
فضائل الصحابة ، أحمد بن حنبل : 15 ، المصنّف ، ابن أبي شيبة الكوفي : 7/499 ح 28 و503 ح 55 ، السنن الكبرى ، النسائي : 5/45 ح 8148 و134 ح 8478 ، مسند أبي يعلى الموصلي : 1/429 ، صحيح ابن حبان : 15/376 ، المعجم الكبير ، الطبراني : 2/357 ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 2/289 ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : 1/9 ، ذخائر العقبى ، أحمد بن عبدالله الطبري : 67.


(184)
بعدي (1) ، وغير ذلك الكثير من التوجيهات النبوّيّة التي تضع النقاط على الحروف ، فكلمة « بعدي » توضح أن علياً ( عليه السلام ) كان وصيّاً للرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كما كان هارون ليكون خليفة له وإماماً على الأمة بعده.
    وهناك العديد من الروايات الموثَّقة أيضاً في الصحاح ، تشير إلى أن عدد الأئمة ( عليهم السلام ) اثنا عشر ، وكان علماء أهل السنة على مرّ التأريخ مازالوا في حيرة أمام هذا الرقم الصعب دون أن يجدوا له تفسيراً (2).
1 ـ تقدَّمت تخريجاته.
2 ـ المتحوِّلون ، الشيخ هشام آل قطيط : 472 ـ 473.


(185)
مناظرة
السيّد حسين الرجا السوري مع بعض علماء العامّة
في أن الخليفة عمر شهر سيفه بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم )
وقال إنَّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لم يمت
    قال السيِّد حسين الرجا (1) : أبلغني ذات يوم أحد المحبّين الغيارى أنّه يعتزم عقد لقاء بيني وبين أحد العلماء ، فقلت له : ياليت ، فإن وضح الحق وشفيت نفسي لك الأجر والثواب ، وإنني خائف من زلّة القدم ، ولكنني أطلب منك أن يحضر ندوة الحوار بعض المثقَّفين ؛ لأنهم أقدر على الفهم فيحكموا لي أو عليَّ.
    وبعد أيام أبلغني بأنَّه عيَّن العالم والزمان والمكان ، فذهبنا في الوقت المحدَّد ، ووجدنا الشيخ بالانتظار ، وقد حضر أحد المثقَّفين ، وكان عدد الحضور سبعة رجال ، وما أن استقرَّ بنا المجلس إلاَّ ونطق أحدهم قائلا : شيخنا ! هذا السيِّد الذي كلَّمناك بشأنه ، وعندها بدأنا الكلام ، وإليك عزيزي القارئ نصَّ الحوار بكامله.
    أشاح الشيخ بوجهه ناظراً إلى وجهي فقال : ( هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ
1 ـ من منطقة دير الزور حطلة ، ومؤلِّف كتاب : دفاع من وحي الشريعة ضمن دائرة السنة والشيعة.

(186)
صَادِقِينَ ) (1).
    فقلت له : شيخنا ! أصحيح أن عمر بن الخطاب دخل على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فوجده ميِّتاً مسجَّى ببردته ، فأغلق الباب عليه ، وشهر سيفه ، يهدِّد الناس ، ويمنعهم من القول بأن محمّداً قد مات ، ويقول : من قال إن محمّداً قد مات ضربته بسيفي هذا ، محمّد لم يمت ، إنما ذهب إلى ميقات ربِّه كموسى بن عمران ، وسيرجع بعد أربعين يوماً ، فيقطع أيدي رجال وأرجلهم ؟ (2)
    فقال : نعم ، هذا الحديث صحيح لا غبار عليه.
    فقلت له : شيخنا ! هل الله قال : إن محمَّداً لم يمت ؟
    قال : لا.
1 ـ سورة البقرة ، الآية : 111.
2 ـ جاء في صحيح البخاري : 4/193 : قال عمر : والله ما مات رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وليبعثنَّه الله ، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم.
وفي رواية تاريخ اليعقوبي : 2/114 : قال : وخرج عمر فقال : والله ما مات رسول الله ولا يموت ، وإنما تغيَّب كما غاب موسى بن عمران أربعين ليلة ، ثمَّ يعود ، والله ليقطعن أيدي قوم وأرجلهم ، وقال أبو بكر : بل قد نعاه الله إلينا فقال : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ) فقال عمر : والله لكأني ما قرأتها.
وفي رواية الآحاد والمثاني للضحاك : 3/13 ، قال : ثمَّ إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قبض ، فقال عمر : والله لا أسمع أحداً يذكر أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قبض إلاَّ ضربته بسيفي هذا.
وراجع أيضاً : السنن الكبرى ، النسائي : 4/263 ، أسد الغابة ، ابن الأثير : 2/248 ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 2/40.
وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 1/178 : لمَّا مات رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وشاع بين الناس موته ، طاف عمر على الناس قائلا : إنه لم يمت ، ولكنه غاب عنّا كما غاب موسى عن قومه ، وليرجعن فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم ، يزعمون أنه مات ، فجعل لا يمرُّ بأحد يقول إنه مات إلا ويخبطه ويتوعَّده ، حتى جاء أبو بكر ، فقال : أيُّها الناس ! من كان يعبد محمّداً فإن محمّداً قد مات ، ومن كان يعبد ربَّ محمّد ، فإنه حيٌّ لم يمت .. إلخ.


(187)
    قلت : فهل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : إني لم أمت ؟
    قال : لا.
    قلت : فهل جبرئيل نزل على عمر فقال له : إن محمَّداً لم يمت ؟
    قال : لا.
    قلت : أما كان عمر يقرأ قول الله : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ) (1) معنى ذلك أن عمر تكلَّم بما لا يتطابق مع الواقع ، بل تكلَّم ضدَّ الله ورسوله وجبرئيل والقرآن.
    ثمَّ سكتُّ قليلا أنتظر الجواب ، ووجه الشيخ يتغيَّر ، وقبل أن يتكلَّم قلت : اللّهم إلاَّ أن يقال : إن عمر كان يهجر ، وحتى هذا الاعتذار ساقط من الحسبان ؛ لأن الرجل عندما يهجر يختلُّ كلامه لفظاً ومعنى ؛ لأنه فاقد الشعور ، لا يدرك ما يقول ، وعلى عكس ما يقوله عمر ، حيث تكلَّم بكلام فصيح ، فلا ركّة في المعنى ، ولا هجر في القول.
    ثمَّ سكتُّ قليلا أنتظر الجواب ، وإذا بالشيخ ينظر إلى الساعة في يده قائلا : عندي موعد ، يا الله ، فنهض قائماً فتفرَّقنا بلا عودة.
    ثمَّ التقيت بالرجل المثقَّف ، فقلت له : بماذا حكمت ؟
    فقال : إذا كان دليل الشيعة هكذا ، وعلماء السنة هكذا ، فعلى هذا الأساس اعتبرني شيعيّاً ، وبعد مدّة استبصر ذلك المثقَّف ، والحمد لله (2).
1 ـ سورة الزمر ، الآية : 30.
2 ـ دفاع من وحي الشريعة ، السيد حسين الرجا : 26 ـ 28 ، المتحولون ، الشيخ هشام آل قطيط : 365 ـ 366.


(188)
مناظرة
السيّد حسين الرجا مع بعض مشايخ السنّة
في صحّة مذهب الشيعة من كتب السنّة وأنهم على حق
    قال السيِّد حسين الرجا : اصطحبني ذات ليلة أحد المحبّين إلى بيت أحد المشايخ لغرض الاستشفاء ، فاستقبلنا ورحَّب بنا ، فقبَّلت يده ، ولمَّا استقرَّ بنا المجلس قال الشيخ : يا حاج حسين ! أصحيح ما سمعناه عنك ؟
    فقلت له : نعم شيخنا.
    فقال : تكلَّم لنا كيف استحوذ عليك الشيعة بأعظم مصيبة ، هي المصيبة في الدين ؟
    فقلت له : شيخنا ! لقد قرأت بعض كتبهم العقيديّة والجدليّة والتأريخيّة وسيرة الصحابة وغيرها ، فوجدتهم يثبتون صحّة مذهبهم من كتب أهل السنة ، وبالأخصّ صحيحي مسلم والبخاري وسائر الكتب الستة. وكذلك يثبتون غلط مذاهب أهل السنة من كتبهم.
    ولقد راجعت الكثير فوجدته كما يقولون ، وكلَّما يزداد شكّي في التسنُّن يزداد يقيني في التشيُّع ، وفي مثل هذه القضايا تزلُّ الأقدام ، فخفت على نفسي من زلَّة القدم ، وأصبحت مريضاً ولا علاج لي إلاَّ عند العلماء ، وإلاَّ فمرضي لا


(189)
ترجى براءته.
    فأطرق الشيخ دقيقة صمت ، ثمَّ نظر إليَّ نظر العالم المتمكِّن والمتحدّي ، فقال : يا حاج حسين ! لا يمكن أن الصحابة يغلطون أو يزلّون ، وإذا الصحابة يغلطون أو يزلّون ، أو يأثمون ويجرمون ، أو يتعاطون المعاصي فأنا أشرط عمامتي وأضعها في بيت الماء ـ يعني يمزِّقها ويضعها في المرحاض.
    ولمَّا أنهى الشيخ كلامه أطرقت رأسي ، ولم أردَّ جواباً ، وشرع ذهني يتجوَّل بين ثلاثة محاور ، تارة في مكتبة الشيخ التي تضمُّ صحيحي مسلم والبخاري ، وتارة في عمامته التي أصيغت على طراز أبدع ما تصاغ به العمائم ، وثالثة أفكِّر في المرحاض الذي لا يبعد كثيراً عن مجلس الحوار ، فأخذني صراع داخلي ، فتارة تحمل عليَّ نفسي فأكاد أن أقول للشيخ : آتني بمجلَّد كذا ورقم كذا وباب كذا وكذا في مسلم والبخاري ، وتارة أحمل عليها فأسكتها ، فو الله ما منعني عن ردّ التحدّي إلاَّ شيمي وأخلاقي ، ولأن الردَّ خطير.
    وبعد الحوار الذي هو أقرب إلى كونه صبياني تفرَّقنا ، ولمَّا دخلت بيتي وأخذت مضجعي أدركتني بركة الشيخ ، فاستفدت كثيراً ، غير أنها من نوع سلبي ونتيجة عكسيَّة ، حيث قرَّرت أن لا أموت إلاَّ شيعيّاً على طريق محمَّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    وعلمت أن الشيخ مأسور الفكر والدراسة ، وأدركت أن كثيراً ما يوجد في العالم الإسلامي من عالم بلا علم ، وعمامة بلا معمَّم ، وأيقنت أن طلب العلم للعلم هو غيره عن طلب العلم للوظيفة والاكتساب (1).
1 ـ دفاع من وحي الشريعة ، السيد حسين الرجا : 28 : 30 ، المتحوِّلون ، الشيخ هشام آل قطيط : 366 ـ 367.

(190)
مناظرة
الكاتب الأستاذ إدريس الحسني المغربي
مع بعضهم في معاوية والحجّاج
    قال الأستاذ إدريس الحسيني (1) : جاءني يوماً أحد أصدقائي الطلبة ، يسألني عن معاوية وقتاله لعلي ( عليه السلام ) في صفين ، وقبل أن أباشر في الجواب نطق أحد الحاضرين قائلا : اللعنة عليه ، فخزرت فيه ، ثم قلت : أعوذ بالله ، لماذا تلعنه ؟
    قال : لأنه قاتل علياً ( عليه السلام ) (2).
1 ـ هو : الأستاذ الكاتب والصحافي السيّد إدريس بن محمّد بن أحمد العشاقي المغربي الحسيني الإسماعيلي ، من نسل إسماعيل ابن الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) ، من مواليد نكسة 1967 ، بمدينة مولاي إدريس ، ويحضر حالياً بحوث الخارج في الحوزة العلميّة في منطقة السيِّدة زينب ( عليها السلام ) في الشام ، وله عدة مؤلَّفات منها : كتاب لقد شيَّعني الحسين ( عليه السلام ) ، وكتاب الخلافة المغتصبة ، وله كتاب رد على أحمد الكاتب ( المتحوِّلون : 265 ـ 266 ).
2 ـ قال ابن أبي الحديد : وكان معاوية على أسّ الدهر مبغضاً لعلي ( عليه السلام ) ، شديد الانحراف عنه ، وكيف لا يبغضه ، وقد قتل أخاه حنظلة يوم بدر ، وخاله الوليد بن عتبة ، وشرك عمَّه في جدِّه وهو عتبة ، أو في عمِّه وهو شيبة ، على اختلاف الرواية ، وقتل من نبي عمِّه عبد شمس نفراً كثيراً من أعيانهم وأماثلهم ، ثمَّ جاءت الطامة الكبرى واقعة عثمان ، فنسبها كلها إليه بشبهة إمساكه عنه ، وانضواء كثير من قتلته إليه ( عليه السلام ) ، فتأكَّدت البغضة ، وثارت الأحقاد ، وتذكرت تلك الترات الأولى ، حتى أفضى الأمر إلى ما أفضى إليه.
وقد كان معاوية مع عظم قدر علي ( عليه السلام ) في النفوس ، واعتراف العرب بشجاعته ، وأنه البطل الذي لا يقام له يتهدَّده ـ وعثمان بعد حيٌّ ـ بالحرب والمنابذة ، ويراسله من الشام رسائل خشنة.
إلى أن قال : ومعاوية مطعون في دينه عند شيوخنا ، يرمى بالزندقة ، وقد ذكرنا في نقض السفيانية على شيخنا أبي عثمان الجاحظ ما رواه أصحابنا في كتبهم الكلاميّة عنه من الإلحاد والتعرُّض لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وما تظاهر به من الجبر والإرجاء ، ولو لم يكن شيءٌ من ذلك لكان في محاربته الإمام ( عليه السلام ) ما يكفي في فساد حاله ، لا سيما على قواعد أصحابنا ، وكونهم بالكبيرة الواحدة يقطعون على المصير إلى النار والخلود فيها ، إن لم تكفِّرها التوبة. شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد 1/338 ـ 340.


(191)
    قلت له : ومع ذلك ، فإن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : لا تسبّوا أصحابي.
    وبهذه الكلمة البائسة الغبيّة المصحوبة بتماوج كاريكاتوري يختزل وقاراً مصطنعاً .. استطعت أن أسكت صديقنا (1).
    قال إدريس الحسيني في موضع آخر : وذات مرَّة قلت لأحد المشائخ الكبار : عجباً ! لست أدري كيف يقبل المسلمون بأمثال الحجاج بن يوسف الثقفي ، ذلك السفاح ، ما وقَّر عالماً ولا عاميّاً ؟ (2)
    فقال شيخنا الموقَّر : أعوذ بالله ، نحن السنة والجماعة نعتقد في إيمانه وإسلامه ، وقد قال فيه العلماء خيراً رغم كل ذلك ، فهو من الصالحين ، لأنه شكل القرآن ؟ (3).
    ويقول السيد إدريس الحسيني في كتابه القيِّم ( لقد شيَّعني الحسين ( عليه السلام ) ) في سبب تشيُّعه وأخذه بمذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) : ما إن خلصت من قراءة مذبحة
1 ـ كتاب لقد شيعني الحسين ( عليه السلام ) ، الكاتب والصحفي إدريس الحسيني : 46.
2 ـ راجع جملة من أخبار الحجاج في التأريخ وموبقاته بعد هذه المناظرة.
3 ـ كتاب لقد شيَّعني الحسين ( عليه السلام ) ، الكاتب إدريس الحسيني : 49.


(192)
كربلاء بتفاصيلها المأساويّة حتى قامت كربلاء في نفسي وفكري ، ومن هنا بدأت نقطة الثورة ؛ الثورة على كل مفاهيمي ومسلَّماتي الموروثة ؛ ثورة الحسيني ( عليه السلام ) داخل روحي وعقلي ، إلى أن يقول : فكربلاء مدخلي إلى التأريخ ، إلى الحقيقة ، إلى الإسلام ، فكيف لا أجذب إليها جذبة صوفي رقيق القلب ، أو جذبة أديب مرهف الشعور ؟! وتلك هي المحطة التي أردت أن أنهي بها كلامي عن مجمل معاناة آل البيت ( عليهم السلام ) ، وظروف الجريمة التأريخية ضدَّ نسل النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو : من قتل الحسين ( عليه السلام ) ؟ أو بتعبير أدقّ من قتل من ؟ نحن لا نشك في أن مقتل الحسين ( عليه السلام ) هو نتيجة وضع يمتدُّ بجذوره إلى السقيفة ، إلى أخطر قرار صدر بعد وفاة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وكان ضحيَّته الأولى : آل البيت ( عليهم السلام ) ، ونلاحظ من خلال حركة التاريخ الإسلامي أن محاولة تهميش آل البيت ، وقمع رموزهم بدأ منذ السقيفة ، ورأيي لو جازف الإمام علي وفاطمة الزهراء ( عليهما السلام ) لكان فعلا أحرقوا عليهم الدار ، ولكان شيء أشبه بعاشوراء وكربلاء الحسين ( عليه السلام ) (1).
    والجدير بالذكر هنا هو ما أنشده القاضي أبو بكر بن أبي قريعة ( المتوفَّى 367 ) في هذا المعنى ، حيث يقول :
يَا مَنْ يُسَائِلُ دائباً لاَ تَكْشِفَنَّ مُغَطَّأً وَلَرُبَّ مَستُور بَدَا عن كلِّ مُعضِلَة سخيفه فَلَرَبَّما كَشَّفْتَ جِيْفَه كالطبلِ مِنْ تَحْتِ القطيفه

1 ـ نفس المصدر : 315 و317.

(193)
إِنَّ الجَوَابَ لَحَاضِرٌ لو لا اعتذارُ رَعِيَّة وَسُيُوفُ أعْدَاء بها لَنَشَرْتُ مِنْ أَسْرَارِ تُغنِي بِها عمَّا رَوَاهُ وَأَرَيْتُكُمْ أَنَّ الحُسَيْنَ وَلاَِيِّ حَال أُلْحِدَتْ وَلِما حَمَتْ شَيْخَيْكُمُ آه لِبِنْتِ محمَّد لكنَّني أُخفِيْهِ خِيْفَه (1) ألغى سِيَاسَتَها الخليفه هَامَاتُنا أبداً نقيفه آلِ محمَّد جُمَلا طريفه مَالِكٌ وأبو حنيفه أُصيِبَ في يَوْمِ السقيفه باللَّيلِ فَاطِمَةُ الشريفه عَنْ وَطْيِ حُجْرَتِها المنيفه ماتت بِغُصَّتِها أسيفه (2)

    جملة من أخبار الحجاج في التأريخ
    جاء في شرح النهج لابن أبي الحديد : فأمَّا الكعبة فإن الحجاج في أيام عبدالملك هدمها ، وكان الوليد بن يزيد يصلّي إذا صلى أوقات إفاقته من السكر إلى غير القبلة ، فقيل له ، فقرأ : ( فَأَيْنََما تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ ) (3).
    وخطب الحجاج بالكوفة فذكر الذين يزورون قبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالمدينة ، فقال : تبّاً لهم ! إنّما يطوفون بأعواد ورمَّة بالية ! هلاّ طافوا بقصر أميرالمؤمنين عبد الملك ! ألا يعلمون أن خليفة المرء خير من رسوله ! (4)
1 ـ كشف الغمة ، الإربلي : 2/127 ـ 128.
2 ـ كتاب الوافي بالوفيات ، الصفدي : 3/227 ـ 228.
3 ـ سورة البقرة ، الآية : 115.
4 ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 15/242.


(194)
    وروى أبو داود في سننه بسنده عن المغيرة عن الربيع بن خالد الضبي قال : سمعت الحجاج يخطب ، فقال في خطبته : رسول أحدكم في حاجته أكرم عليه ، أم خليفته في أهله ؟ فقلت في نفسي : لله عليَّ ألا أصلِّي خلفك صلاة أبداً ، وإن وجدت قوماً يجاهدونك لأجاهدنَّك معهم (1).
    وقال الأوزاعي : قال عمر بن عبد العزيز : لو جاءت كل أمة بخبيثها ، وجئنا بالحجاج لغلبناهم (2).
    وقال أبو بكر بن عياش : عن عاصم بن أبي النجود : ما بقيت لله حرمة إلاَّ وقد ارتكبها الحجاج.
    وقال عبد الرزاق : عن معمّر ، عن ابن طاووس أن أباه لما تحقَّق موت الحجاج تلا قوله تعالى : ( فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) (3) (4).
    وقال ابن حجر في ترجمته : حجاج بن يوسف بن أبي عقيل الثقفي ، الأمير الشهير ، ولد سنة ( 45 ) أو بعدها بيسير ، ونشأ بالطائف ، وكان أبوه من شيعة بني أمية ، وحضر مع مروان حروبه ، ونشأ ابنه مؤدِّب كتّاب ، ثمَّ لحق بعبد الملك بن مروان ، وحضر مع قتل مصعب بن الزبير ، ثمَّ انتدب لقتال عبدالله بن الزبير بمكة ، فجهَّزه أميراً على الجيش ، فحضر مكة ورمى الكعبة بالمنجنيق إلى أن قتل ابن الزبير.
1 ـ سنن أبي داود : 2/400 ، رقم : 4642 ، البداية والنهاية ، ابن كثير : 9/151.
2 ـ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : 12/186 ، البداية والنهاية ، ابن كثير : 6/267.
3 ـ سورة الأنعام ، الآية : 45.
4 ـ البداية والنهاية ، ابن كثير : 6/267.


(195)
    وقال جماعة : إنه دسَّ على ابن عمر من سمَّه في زجّ رمح (1) ، وقد وقع بعض ذلك في صحيح البخاري ، وولاَّه عبدالملك الحرمين مدّة ، ثمَّ استقدمه فولاَّه الكوفة وجمع له العراقين ، فسار بالناس سيرة جائرة واستمرَّ في الولاية نحواً من عشرين سنة ، وكان يزعم أن طاعة الخليفة فرض على الناس في كل ما يرومه ، ويجادل على ذلك ، وخرج عليه ابن الأشعث ومعه أكثر الفقهاء والقرَّاء من أهل البصرة وغيرها ، فحاربه حتى قتله ، وتتبَّع من كان معه فعرضهم على السيف ، فمن أقرَّ له أنه كفر بخروجه عليه أطلقه ، ومن امتنع قتله صبراً ، حتى قال عمر بن عبد العزيز : لو جاءت كل أمة بخبيثها وجئنا بالحجاج لغلبناهم.
    وأخرج الترمذي من طريق هشام بن حسان : أحصينا من قتله الحجاج صبراً فبلغ مائة ألف وعشرين ألفاً.
    وقال زاذان : كان مفلساً من دينه ، وقال طاووس : عجبت لمن يسمّيه مؤمناً ، وكفَّره جماعة منهم سعيد بن جبير ، والنخعي ، ومجاهد ، وعاصم بن أبي النجود ، والشعبي .. وغيرهم.
    وقالت له أسماء بنت أبي بكر : أنت المبير الذي أخبرنا به رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    وروى ابن أبي الدنيا بسنده ، عن زيد بن أسلم قال : أغمي على المسور بن مخرمة ، ثمَّ أفاق فقال : أشهد أن لا إله إلاَّ الله ، وأن محمّداً رسول الله أحبُّ إليَّ من الدنيا وما فيها ، إلى أن قال : وعبدالملك والحجاج يجرّ ان أمعاء هما في النار.
    قال : قلت : هذا إسناد صحيح ، ولم يكن للحجاج حينئذ ذكر ، ولا كان عبدالملك ولي الخلافة بعد ؛ لأن المسور مات في اليوم الذي جاء فيه نعي يزيد
1 ـ الزُجّ بضمِّ الزاي المعجمة : الحديدة في أسفل الرمح ، ونصل السهم.
مناظرات المستبصرين ::: فهرس