مناظرات المستبصرين ::: 196 ـ 210
(196)
ابن معاوية من الشام ، وذلك في ربيع الأول سنة ( 64 ) من الهجرة.
    وقال القاسم بن مخيمرة : كان الحجاج ينقض عرى الإسلام عروة عروة.
    وقال موسى بن أبي عبدالرحمن النسائي عن أبيه : ليس بثقة ولا مأمون.
    وقال الحاكم أبو أحمد : ليس بأهل أن يروى عنه.
    ومما يحكى عنه من الموبقات قوله لأهل السجن : ( اخْسَؤُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ ) مات سنة ( 95 ) بواسط وهو الذي بناها ، وقيل إنه لم يعش بعد قتل سعيد بن جبير إلاَّ يسيراً.
    وقال الأصمعي : عن أبي عمرو بن العلاء : لمَّا مات الحجاج ، قال الحسن : اللهم أنت أمتّه فأمت سنَّته.
    وعن أشعث الحداني ـ وكان يقرأ للحجاج في رمضان ـ قال : رأيته في منامي بحالة سيئة ، فقلت : يا أبا محمّد ! ما صنعت ؟ قال : ما قتلت أحداً بقتلة إلاَّ قتلت بها ، قلت : ثمَّ مه ؟ قال : ثمَّ أمر به إلى النار .. (1).
1 ـ تهذيب التهذيب ، ابن حجر : 2/184 ـ 187.

(197)
مناظرة
الشيخ مروان خليفات الأردني مع صديقه الشيعي
في حديث رزيّة الخميس وآثارها
    قال الشيخ مروان خليفات (1) : في وقت الغروب ، وفي إحدى طرق القرية كنت مع صديقي الشيعي ، كان لا يأتي علينا يوم إلاَّ ويحتدُّ النقاش بيننا ، تمنَّيت في وقتها أن يصبح هذا الصديق سنّيّاً ، وعزمت أن أنقله من مذهبه إلى المذهب الشافعي ، وجرت الأيام ، والتحقت بكليَّة الشريعة ، وفي الدروس كان مشايخنا يتطرَّقون إلى الشيعة ، وكان البعض منهم يكفِّرهم ، ومع أني كنت على المذهب الشافعي إلاَّ أني بدأت أتأثَّر بما يطرحه أساتذتي السلفيَّة خاصة في العقيدة ، فقمت أردِّد معالم العقيدة السلفيَّة وكأني مقتنع بها ، وكنت أعرض هذه العقيدة مع ذكر الأدلّة على صديقي الشيعي ، وكذا ما يقال عن الشيعة في قاعة الدرس ، وذلك كي أبدأ بهدايته ، لكنَّه كان يردُّ عليَّ بكلِّ قوَّة.
    وفي أثناء مسيرنا ، وبينما كنت أحدِّثه عن فضائل أبي بكر وعمر قاطعني
1 ـ ولد عام 1973 في كفر جايز من توابع مدينة إربد في الأردن ، تخرَّج من جامعة اليرموك ، وحصل على شهادة البكالوريوس في الشريعة الإسلامية سنة 1995 م ، له كتاب : وركبت السفينة.

(198)
قائلا كالمنتصر : رزيَّة الخميس.
    قلت : خيراً ! ماذا تقصد ؟
    قال : إنها حادثة كانت قبل وفاة النبيِّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بأيام ، حيث قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لأصحابه : ائتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتاباً لن تضلُّوا بعده أبداً ، فقال عمر : إن النبيَّ غلبه الوجع أو يهجر ، حسبنا كتاب الله.
    فقلت له : هل وصل بكم الأمر أن تنسبوا هذا الكلام للفاروق الذي ما عصى النبيَّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قط ؟
    قال : تجد هذه الحادثة في صحيح البخاري ومسلم.
    عندئذ يئست من جوابه ، وشعرت بالهزيمة ، وقلت فوراً : وإن قال ذلك يبقى صحابيّاً ، أسأل الله الغفران ، عبارة لم تأت صدفة ولكنها تعبير عن عقيدة ترسَّخت في أذهاننا ، وأردفت : في أيِّ كتاب قرأت هذه الحادثة ؟ لأنني وان وقفت موقف المعاند الذي هزم ولم يعترف ، لكنني كنت أتعصَّر ألماً.
    فقال : في كتاب ( ثمَّ اهتديت ) لأحد علمائكم الذين تشيَّعوا.
    قلت ساخراً : وهل هناك عالم من علمائنا تشيَّع ؟!
    قال : نعم ، فالتيجاني صاحب هذا الكتاب يذكر كيف تشيَّع ، وأسباب تشيُّعه وطلبت الكتاب منه ، وبدأت بقراءته فوراً ، ورزيَّة الخميس تدور في ذهني ، وأتوجَّس خيفة لعلي أجدها ، فأخذتني قصَّة الكاتب الممتعة ، وأسلوبه الجذَّاب ، وقرأت نصوص إمامة آل البيت ( عليهم السلام ) ، ومخالفات الصحابة للرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ورزيَّة الخميس ، والمؤلِّف يوثِّق كلَّ قضيَّة من صحاحنا المعتبرة ، فدهشت لما أقرأ ، وشعرت أن كلَّ طموحاتي انهارت وسقطت أرضاً ، وحاولت إقناع نفسي بأن هذه الحقائق غير موجودة في كتبنا.


(199)
    رزية الخميس في صحيح مسلم والبخاري
    وفي اليوم الثاني عزمت على توثيق نصوص الكتاب من مكتبة الجامعة ، وبدأت برزيَّة الخميس فوجدتها مثبتة في صحيح مسلم والبخاري بعدّة طرق ، وكان أمامي احتمالان : إمَّا أن أوافق عمر على قوله فيكون النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يهجر والعياذ بالله ، وبهذا أدفع التهمة عن عمر ، وإمَّا أن أدافع عن النبيِّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأقرُّ بأن بعض الصحابة بقيادة عمر ارتكبوا خطأ جسيماً بحقِّ النبيِّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حتى طردهم ، وهنا أتنازل أمام صديقي عن معتقدات طالما ردَّدتها ، وافتخرت بها أمامه.
    وفي نفس اليوم سألني صديقي عن صحّة ما في الكتاب ، فقلت وقلبي يعتصر ألماً : نعم ، صحيح.
    بقيت فترة حائراً ، تأخذني الأفكار شرقاً وغرباً ، وعرض عليَّ صديقي كتاب ( لأكون مع الصادقين ) لمؤلِّفه التيجاني ، وكتاب ( فاسألوا أهل الذكر ) وغيرها ، فكشفت هذه الكتب أمامي حقائق كثيرة ، وزادت حيرتي وشكي ، وحاولت إيقاف حيرتي بقراءة ردود علمائنا على هذه الحقائق ، لكنَّها لم تنفعني بل زادتني بصيرة ، وقرأت كتباً كثيرة لا يسعني ذكرها ، فكانت ترسم لي صورة الحقيقة بألوان من الحجج الدامغة التي كان عقلي يقف مبهوراً محتاراً أمامها ، فضلا عن حيرة علمائنا في التعامل معها ، إلى أن اكتملت الصورة في ذهني كالشمس في رابعة النهار ، واعتنقت مذهب آل البيت الأطهار ( عليهم السلام ) ، أبناء الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأشقّاء القرآن ، وأولياء الرحمن ، سفن النجاة ، وأعلام الورى ، ورحمة الله للملأ ، بكل قناعة واطمئنان قلب.
    وها أنا الآن ـ وبعد تخرُّجي من كليَّة الشريعة ـ على يقين تام بصحّة ما أنا عليه ، أقول هذه الكلمات ويمرُّ بذهني كيف عزمت على هداية صديقي الشيعي وأهله ، وإذا بالصورة قد انعكست فكان هو سبب هدايتي ، وفَّقه الله.


(200)
    ولا أنسى تلك اليد ؛ يد الرحمة الإلهيَّة ، كانت تعطف عليَّ باستمرار أيَّما عطف ، فلك الحمد ربَّاه حمداً يليق بجلالك العظيم ، ومنِّك الجسيم (1).
1 ـ المتحوِّلون ، الشيخ هشام آل قطيط : 193 ـ 196.

(201)
مناظرة
لمياء حمادة السوريَّة مع بتول العراقيَّة
في كليَّة الشريعة بدمشق في عقائد الشيعة
وشرحها كيفيَّة اعتناقها التشيُّع
    تقول الأستاذة لمياء حمادة (1) في بداية اكتشافها للحقيقة : وربَّ صدفة ، ولحسن الحظّ وخير الطالع ، وأثناء دراستي في الجامعة دخلت علينا طالبة جديدة ، وكانت عراقيَّة ، وقد تهجَّرت من بلادها مع ذويها إلى بلدنا طلباً للأمان.
    وقد انخرطت في الدراسة بالجامعة ، واختارت كليَّتنا ؛ لأن طلابها ملتزمون ، مع أنه كان بإمكانها أن تختار كليَّة أعلى من كليَّتنا ؛ لأنها كانت من المتفوِّقين في كليَّة الطبِّ في بلدها.
    وكانت هذه الفتاة واسمها ( بتول ) ـ تجلس في المقعد الأخير في القاعة ، ودائماً تلبس العباءة السوداء والخمار يغطي رأسها حتى ذقنها وياله من حجاب يدلُّ على التزامها الدينيّ ، وانتصارها على تقلُّبات العصر ، وهفوات التقدّم
1 ـ ولدت سنة 1965 ، اعتنقت مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) عام 1985 ، تخرَّجت من كليَّة الشريعة جامعة دمشق عام 1987 م.

(202)
والموضة.
    ولكن لمَّا عرفنا ـ نحن طلاب كليَّة الشريعة ـ بأنها عراقيَّة تيقّنّا بأنّها شيعيَّة ، وكثيراً ما كنَّا نتحرَّش بها قاصدين السخرية والاستهزاء بها ؛ لأنها ـ حسب اعتقادنا ومعلوماتنا الخاطئة طبعاً ـ أنها ومن يتبع هذا المذهب غير مسلمين ، فهم يعبدون عليَّ بن أبي طالب ، والمعتدلون منهم فقط يعبدون الله ، ولكنهم لا يؤمنون برسالة محمَّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ويشتمون جبرائيل ويقولون بأنه خان الأمانة ، فبدلا من أداء الرسالة إلى علي ( عليه السلام ) أدَّاها إلى محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وأنهم ينزِّلون أئمّتهم منزلة الآلهة ، وأنهم يقولون بالحلول ، وأنهم يسجدون للقرص الحجريّ من دون الله ، وأنهم أشدُّ على الإسلام من اليهود والنصارى ، لأن هؤلاء يعبدون الله ويؤمنون برسالة موسى ( عليه السلام ) ، بينما نسمع عن الشيعة أنهم يعبدون علياً ويقدِّسونه.
    ومع كل هذا التقريع وهذه السخرية والأخت بتول لا تردُّ علينا ، وتقول في كل مرة : سامحكم الله ، هداكم الله ، ليتكم تعلمون الحق ، أستغفر الله لي ولكم.
    وهكذا إلى أن جاء يوم من الأيام ـ وهو بالنسبة لي يوم التحوُّل الكبير ـ جئت في هذا اليوم متأخِّرة عن موعد المحاضرة ، فلم أجد مكاناً إلاَّ إلى جانب هذه الفتاة بتول ، وكنت قبلا لا أجلس إلى جانبها أبداً ، تحسُّباً منها على أنها كافرة ، أو أنها جاسوسة تريد أن تعرف تفاصيل مذاهبنا لتنقلها إلى فرقتها.
    جلست وأنا مستاءة منها نوعاً ما ، ثمَّ قلت في نفسي : ما لي وما لها ؟ كل واحدة منّا في حالها ، وبالصدقة كانت المحاضرة يومذاك عن المذهب الشيعيّ ، وبدأت المحاضرة وكلُّنا مصغون إلى ما يقال عن ذلك المذهب ، وبتول تندهش وتندهش من كل ما يقال عنهم ، وتتمتم أثناء المحاضرة بأن لعنة الله على


(203)
الظالمين .. سامحكم الله .. أذناب بني أمية .. أتباع معاوية ... وهكذا إلى أن انتهت المحاضرة وبتول تكاد تنفجر من الغيظ.
    فقلت لها : لماذا أنت مغتاظة ومتضايقة ؟ أليس ما قاله الدكتور المحاضر عنكم صحيحاً ؟ فابتسمت بتول عندها وقالت : إذا كان الأستاذ يفكِّر بهذا الشكل فلا لوم على الطلاب ، وإذا كان تفكير الطلاب هكذا فلا لوم على عامة الناس الذين لا ثقافة لهم.
    قلت : ماذا تقصدين ؟
    أجابت : عفواً ، ولكن من أين لكم هذه الادّعاءات الكاذبة ؟
    قلت : من كتب التاريخ ومما هو مشهور عند الناس كافّة.
    قالت : هل عندكِ الوقت للمناقشة ؟
    تردَّدت قليلا ثمَّ أجبت : ربّما بعض الوقت ، وأخذنا نتمشَّى إلى الكافتيريا ، فطلبت القهوة وجلسنا نتحدَّث.
    قالت : لنترك الناس كافة ، الذين يعتمدون على الصحاح بالدرجة الأولى ، ولكن أنتِ هل قرأت شيئاً من الكتب عنّا ؟
    قلت : نعم ، مثل : ظهر الإسلام ، وفجر الإسلام ، وضحى الإسلام لأحمد أمين ، وغيرها كتب كثيرة.
    قالت : ومتى كان أحمد أمين حجَّة على الشيعة ؟ أليس عليكم أن تتبيَّنوا الأمر من مصادره الأصليّة المعروفة.
    قلت : وكيف لنا أن نتبيَّن في أمر كهذا.
    قالت : إن أحمد أمين نفسه زار العراق ، وقد التقى بأساتذة عدّة في النجف ،


(204)
وعاتبوه على كتاباته عن الشيعة ، فاعتذر قائلا : إني لا أعلم عنكم شيئاً ، ولم أتصّل بالشيعة من قبل ، وهذه أول مرَّة ألتقي فيها بالشيعة ، فقلنا له : إذن لم تكتب عنا القبيح ؟ قال : هكذا ورثنا عن الناس نظرتهم إليكم.
    وتابعت : أرأيتِ هذا الافتراء ؟ وهكذا خذي كل ما يقال عنّا على هذا المنوال ، فهو أكاذيب مغرضة حاقدة.
    قلت : دعينا من أحمد أمين هذا ، وأخبريني عن حقائق عديدة تقال عنكم.
    فقاطعتني قائلة : إذا كنتِ تريدين تمضية الوقت والكلام لمجرَّد الكلام فأنا آسفة ، والأفضل أن أذهب ، وأمَّا إذا أردتِ الاستفادة حقّاً ، والتأكُّد من مظلوميَّتنا فلكِ ما تريدين ، ووقتي لكِ كلُّه.
    قلت : لا والله ، معاذ الله أن أتكلَّم معكِ لمجرَّد الكلام ، ولكني أحببتكِ فعلا ، وأحسست بأنّكِ مظلومة ، وعندكِ حجج كثيرة أردت قولها أثناء المحاضرة ، ولكنَّكِ لم تجرؤي ، فلم يا ترى ؟
    قالت : الكلام مع هؤلاء الناس كعدمه ، وربَّما جرَّتنا المناقشة أن أضع من شأن مذهبي وديني من جرَّاء مناقشتي مع جهَّال كهؤلاء ، فقد قال الإمام علي ( عليه السلام ) : ناقشت جاهلهم فغلبني ، وناقشت عالمهم فغلبته (1).
    قلت : فلنبدأ ، فقاطعتني وقالت : إذن صلي على محمَّد وآل محمّد ، فتعجَّبت وقلت في نفسي : هؤلاء الذين نتّهمهم نحن بالخروج عن الدين
1 ـ لم أعثر على مثل هذا الحديث في هذه العجالة ، وقد روي ما بمضمونه عن أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) وهو : لا ينتصف عالم من جاهل. عن كتاب عيون الحكم والمواعظ ، الليثي : 534.

(205)
يحافظون عليه أكثر منّا.
    فقلت : اللهم صلِّ على محمّد وآله وصحبه أجمعين ، فتبسَّمت قليلا وقالت : تابعي ، فقلت لها : لأيِّ المذاهب ينتمي مذهبكم ؟
    قالت : المذهب الجعفريّ.
    قلت : عجباً ! ما هذا الاسم الجديد ؟! نحن لا نعرف غير المذاهب الأربعة ، وما عداها فليس من الإسلام في شيء.
    وابتسمت قائلة : عفواً ، إن المذهب الجعفري هو محض الإسلام المحض ، ألا تعرفين أن الإمام أبا حنيفة تتلمذ على يد الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) ؟ وفي ذلك يقول أبو حنيفة : ( لولا السنتان لهلك النعمان ) (1).

    الإمام الصادق ( عليه السلام ) والمذاهب الأربعة
    فسكتُّ ولم أردَّ ، وقالت : إن المذاهب الأربعة أخذ بعضهم عن بعض ، فأحمد بن حنبل أخذ عن الشافعي ، والشافعي أخذ عن مالك ، وأخذ مالك عن أبي حنيفة ، وأبو حنيفة أخذ عن جعفر الصادق ، وعلى هذا فكلُّهم تلاميذ لجعفر بن محمّد ( عليه السلام ) ، وهو أول من فتح جامعة إسلاميَّة في مسجد جدِّه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وقد تتلمذ على يديه أكثر من أربعة آلاف محدِّث وفقيه.
    وسألتني مقاطعة نفسها : أيَّ الأئمَّة تقلدين ؟
    قلت : الإمام أبا حنيفة !
    قالت : كيف تقلِّدين ميِّتاً بينك وبينه قرابة أربعة عشر قرناً ، فإذا أردت أن
1 ـ التحفة الاثني عشرية ، الآلوسي : 8 ، الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) ، عبدالحليم الجندي : 162.

(206)
تسأليه الآن عن مسألة مستحدثة فهل يجيبك ؟
    فقلت لها بسرعة البديهة : وأنت إمامك ميِّت ، فكيف تقلِّدينه ؟
    قالت : إن إمامي حيٌّ غائب ، وفي غيبته نقلِّد أحد المجتهدين الورعين ، ولا يجوز عندنا تقليد الميت.
    وأخبرتني عندها كيف على الإنسان أن يعرف إمام زمانه ، فقد قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية (1) ، وأنا إمام زماني هو صاحب الزمان الإمام المهدي ( عليه السلام ) ، وهذا موضوع طويل يحتاج لشرح.

    بعض المفتريات على الشيعة
    قلت : حسناً ، هذه اقتنعت بها .. لننتقل إلى الثانية : إنكم تعبدون عليّاً وتقدِّسونه ، أليس كذلك ؟
1 ـ روى الشيخ الكليني عليه الرحمة في الكافي : 1/377 ح 3 ، بالإسناد عن الحارث بن المغيرة قال : قلت لأبي عبدالله ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهليَّة ؟ قال : نعم ، قلت : جاهليَّة جهلاء أو جاهليَّة لا يعرف إمامه ؟ قال : جاهليَّة كفر ونفاق وضلال.
وروى الشيخ الصدوق عليه الرحمة في ثواب الأعمال : 205 ، عن عيسى بن السري اليسري قال : قلت لأبي عبدالله ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهليَّة ، قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : أحوج ما يكون إلى معرفته إذا بلغ نفسه هكذا ـ وأشار بيده إلى صدره ـ فقال : لقد كنت على أمر حسن.
وجاء في مسند أحمد بن حنبل : 4/96 : عن أبي صالح ، عن معاوية قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : من مات بغير إمام مات ميتة جاهليَّة.
وراجع : المعجم الكبير ، الطبراني : 19/388 ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : 5/218 و225 ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 9/155 ، كنز العمال ، المتقي الهندي : 1/103 ح 464.
وفي رواية الطبراني في المعجم الأوسط : 6/70 : من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهليَّة.


(207)
    قالت : ألم تقرأي قول الله سبحانه وتعالى : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ) (1) وقوله : ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ ) (2) ، وقوله : ( مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَد مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ) (3) ؟
    قلت : بلى ، أعرف هذه الآيات.
    قالت : فأين هو علي ؟ فالقرآن نفسه عندنا وعندكم ، ويقول بأن محمّداً هو رسول الله ، فمن أين جاء هذا الاتّهام الباطل ؟
    قلت : هذه أقنعتيني بها ، فماذا عن خيانة جبرئيل ؟
    قالت : حاشاه ، هذه أقبح من الأولى ، لأن محمّداً ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان عمره أربعين سنة عندما أرسل الله سبحانه إليه جبرئيل ( عليه السلام ) ، ولم يكن عليٌّ إلاَّ صبيّاً صغيراً ، عمره ست أو سبع سنوات ، فكيف يخطئ جبرئيل ، ولا يفرِّق بين محمَّد الرجل وعليٍّ الصبيّ ؟!
    فقلت : هذا منطقيٌّ جدّاً ، كيف لم نحلِّل نحن بهذا المنطق ؟
    أضافت : إن الشيعة هي الفرقة الوحيدة من بين كلِّ الفرق الإسلاميَّة الأخرى ، التي تقول بعصمة الأنبياء والأئمّة ، فإذا كان أئمّتنا عليهم سلام الله معصومين عن الخطأ وهم بشر مثلنا ، فكيف بجبرائيل وهو ملك مقرَّب ، سمَّاه الربُّ الروح الأمين ؟!
    فاحترت وتلكَّأت ، وقلت في نفسي : قبل أن نسألهم عن اختلافهم عنّا في اعتقاداتهم ، لنسأل أنفسنا نحن السنة : لماذا تتعدَّد مذاهبنا وتختلف فيما بينها ؟
1 ـ سورة الفتح ، الآية : 29.
2 ـ سورة الأحزاب ، الآية : 40.
3 ـ سورة آل عمران ، الآية : 144.


(208)
    قلت : إذن كل ما يقال عنكم افتراء ؟
    قالت : سامحكم الله.
    اعتذرت منها لضيق الوقت ، وودَّعتها طالبة منها زيارتي في القريب العاجل ؛ لأنني تلهَّفت كثيراً لسماع المزيد من ردود الشيعة على الأقاويل التي يدانون بها.
    فشكرتني وتمنَّت هي بدورها لي الخير والهداية ، فقلت في نفسي بعدما مشيت خطوات عدّة : هل سيأتي يوم وأصبح فيه شيعيَّة ؟ ثمَّ استبعدت الفكرة ، وقلت : لا ، هكذا كان آباؤنا وأجدادنا ، فهل من المعقول أن يكونوا كلُّهم على ضلال ؟ وهل أنا الوحيدة في عائلتي سأكون على نور وبيِّنة ؟ لا ، لا .. هذا مستحيل ، أستغفر الله وأتوب إليه.

    الحديث عن أحقية أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) في الخلافة وأمور أخرى
    وبعد أيام عدّة جاءت بتول لعيادتي ، فقد كنت متوعِّكة قليلا ، ولم أذهب إلى الكليَّة لأيام عدّة ، فأهدتني طاقة من الورد ومعها مصحف ، ففتحته ووجدته مثل مصحفنا تماماً ، فقلت لها : يقولون إن لكم مصحفاً خاصاً بكم ؟
    قالت : أشهد أن لا إله إلاَّ الله ، وأن محمَّداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله الطيِّبين الطاهرين ، هؤلاء المفترون أعداء الإسلام يريدون تفريق المسلمين وتمزيقهم ، وضرب بعضهم ببعض ، فنحن نعبد الله وحده لا شريك له ، وقرآننا واحد ، ونبيُّنا واحد ، وقبلتنا واحدة ، نشترك معكم في هذه الأمور ، وربما نختلف عنكم أنتم السنة في بعض الأمور الفقهيَّة وبعض الأمور العقائديَّة.
    فقلت لها : زيديني زادك الله من علمه.


(209)
    قالت : عن ماذا تريدين أن تستفسري ؟
    قلت : حدِّثيني عن أحقّيّة عليٍّ ( عليه السلام ) في الخلافة كما تزعمون .. حدِّثيني عن التربة الحسينيّة ( قرص الطين الذي تسجدون عليه ) ، عن الحسين ( عليه السلام ) ، ولماذا يبكي الشيعة ويلطمون ؟ حدِّثيني عن توسُّلكم وتبُّرككم بأضرحة أئمَّتكم ، حدِّثيني كيف تجعلون من أبي بكر وعمر وعثمان أشخاصاً عاديين ، وأحياناً تشتمونهم ، وتسبُّون بعض أزواج النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً ... أخبريني لماذا وضوؤكم غير وضوئنا .. ولماذا صلاتكم غير صلاتنا ، وماذا عن الزواج المؤقَّت ، والتقيَّة ، والرجعة ، والخمس ، وتأويلكم لآيات القرآن في عليٍّ وذرّيّته ( عليهم السلام ) آيات لا نعرفها ، وماذا عن مصحف فاطمة ( عليها السلام ) ؟
    ذكرت كل تساؤلاتي ، وكانت هي مبتسمة ، وبدا أنها مستعدّة لكل سؤال يطرح عليها ، وأنها واثقة من نفسها تماماً.
    فقالت : هل تريدين الحقَّ ؟ لقد أحببتك يا أختي لمياء ، وأتمنَّى منك أن تقبلي هديّتي المقبلة ، كتب عدّة ، اقرأيها ، وسوف تجدين ملاذك عن كل سؤال طرحتيه عليَّ ... فأنا إن أجبتك عن كل سؤال لا يكفينا أيام السنة كلّها ، ونحن نتناقش في صحّة كلامي وعدمه ، أمَّا إذا قرأتِ عن أشخاص عدّة استبصروا ، وعرفوا طريق الحق ، كانوا من أهل السنة وأصبحوا من الشيعة ، لوجدتِ برهاناً دامغاً ساطعاً ، وحجّة عليكِ من كتبكم ، ولن أطلعك على كتبنا حتى تطلبيها أنتِ بعد قراءتك لكتب المتشيِّعين.
    شكرتها وتمنَّيت منها أن تزورني وترسل لي الكتب بأسرع وقت ، فأنا شغفة ومتشوِّقة لقراءتها ، عسى ولعلَّ أن أجد فيها شفاء لشكوكي ووساوسي


(210)
الدفينة حول الاختلاف الدائر بين المذاهب الأربعة المعروفة.

    رزية الخميس وحدها كافية لأن تشيعني
    وفعلا ، لم تكذِّب خبراً ، فبعد ثلاثة أيام جائتني بكثير من الكتب ، وقالت لي : سآتي في الأسبوع القادم لأخذك معي لحضور عاشوراء ، فتردَّدت قليلا في قبول الدعوة ، ثمَّ قبلت وأنا حيرانة ، وقلت : حسناً كما تريدين ... ثمَّ انكببت على الكتب ليل نهار وأنا أقرؤها من الجلدة إلى الجلدة ـ كما يقولون ـ فقد استهواني تحليل كل كاتب منهم القضايا العالقة بين السنة والشيعة ، وفاجأني الكل بقصّة لم أسمع بها من قبل ، رزيَّة يوم الخميس ، إنها فضيحة فظيعة لا تصدَّق ، ولكن عندما ذيَّل الكاتب الصفحة بأنها من كتب السنة : صحيح البخاري ، وصحيح مسلم ، ومسند الإمام أحمد ، وتاريخ الطبري ، وتاريخ ابن الأثير.
    فكيف بعد هذا الذي قرأته أكذِّب نفسي وأقول : إنه قول جماعة لا يحبُّون الخلفاء الثلاثة ويكرهونهم ، أليس ذلك مذكوراً في الصحاح ؟ فخطر لي أن أبحث عن تلك الصفحات في الصحاح لأتأكَّد ، وتمنَّيت أني لو لم أجدها ، لكنَّ البخاري ذكرها ، ومسلم ذكرها ، وكلُّهم ذكروها ، وأمرونا أن نتبع أبا بكر وعمر ، وأخبرونا بأنهم عدول لا يذنبون.
    ومن هنا ملت إلى الشيعة أكثر فأكثر ، لأن تحليلهم لكل الأمور منطقيٌّ ، أكملت قراءة كل كتب التيجاني ، والشيخ محمّد مرعي أمين الأنطاكي ، وكتاب .. و ... و ... وكلُّهم سنة تشيَّعوا ، ولم أسمع بحياتي عن شيعيٍّ قد تسنَّن.
    إن رزيَّة الخميس وحدها كافية لأن تشيِّعني ، ليتك ـ يا عزيزي القارئ ـ تعرفها لتعرف أني على حقّ ، إنها قصّة يندى لها الجبين ، وهي عار على أهل
مناظرات المستبصرين ::: فهرس