مناظرات المستبصرين ::: 211 ـ 225
(211)
السنة في كتبهم ، فلا نؤاخذ المستشرقين عندما يكتبون عن رسولنا ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ما يكتبون ، فهم قد استندوا في دعاويهم على كتبنا المليئة بمثل هذه الروايات عن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    لقد قرأت الكتب واقتنعت بها ، وأنا مندهشة حيناً لما أقرأ ، ومستاءة حيناً آخر على الدهر الذي أمضيته وأنا عمياء البصيرة .. فالشيعة على حقٍّ ونحن على باطل ، وهم يتمسَّكون باللبِّ ونحن نتمسَّك بالقشور ، هم الذين يجب أن يُسَمَّوا أهل السنة ؛ لأنهم لم يغيِّروا ما جاء به محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، أمَّا نحن فاتّبعنا سنّة أبي بكر وعمر ومعاوية.

    الحق هو اتباع أهل البيت ( عليهم السلام )
    أقولها وبكل صراحة : إن الحقَّ هو اتّباع أهل البيت ( عليهم السلام ) ، الذين أوصى النبيُّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالتمسُّك بهم فقال : إني تارك فيكم ما إن تمسَّكتم به لن تضلُّوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر ، كتاب الله ، حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يتفرَّقا حتى يردا عليَّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفونني فيهما (1).
    وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلَّف عنها هلك (2).
1 ـ سنن الترمذي : 5/328 ـ 329 ح 3876 ، مسند أحمد بن حنبل : 3/14 و17 و26 و59 ، المصنّف ، ابن أبي شيبة : 7/176 ح 5 ، مسند أبي يعلى الموصلي : 2/376 ح 166 ، المعجم الصغير ، الطبراني : 1/131 ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : 9/163 ، ذخائر العقبى ، أحمد بن عبدالله الطبري : 16.
2 ـ تقدمت تخريجات الحديث في مناظرة الشيخ الأنطاكي مع أحد مشايخ الأزهر وهي المناظرة الخامسة فراجع.


(212)
    آه وا أسفاه على ماض كنت فيه مغمضة العينين ، أمشي مع أقراني وقومي وهم على طريق الضلالة ، ولكن الحمد لله الذي هداني بفضل هذه الفتاة المؤمنة الصادقة النيَّة ، وليهنأ وليعتزَّ بنفسه كل شيعي ، فهو الذي يتمسَّك بالعروة الوثقى ، وهو من الفرقة الناجية التي حدَّث عنها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في حديث له.
    انتهيت من قراءة الكتب وقد تشيَّعت تماماً ، وطويت صفحة الأيام الماضية ، وقرَّرت أن أبداً من يومي هذا حياة جديدة.
    وفي اليوم الذي وعدتني به صديقتي بتول جزاها الله عنّي كل خير ، أتت إليَّ وقد بدا عليها الحزن قليلا ، فقلت : لم ـ يا صديقتي ـ هذا الحزن ؟
    قالت : إنه يوم عاشوراء ، وقد قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) ـ إنه علينا أن لا نبتسم في هذا اليوم ففيه قتل الحسين ( عليه السلام ) (1) ، وكانت هذه مصيبة على الأمّة الإسلاميّة
1 ـ جاء في كتاب المصباح للشيخ الطوسي عليه الرحمة ، عن عبدالله بن سنان قال : دخلت على سيدي أبي عبدالله جعفر بن محمّد ( عليهما السلام ) في يوم عاشوراء ، فألفيته كاسف اللون ، ظاهر الحزن ، ودموعه تنحدر من عينيه كاللؤلؤ المتساقط ، فقلت : يا ابن رسول الله ! مم بكاؤك ؟ لا أبكى الله عينيك ، فقال لي : أو في غفلة أنت ؟ أما علمت أن الحسين بن علي أصيب في مثل هذا اليوم ؟ إلى أن قال ( عليه السلام ) : فإنه في مثل ذلك الوقت من ذلك اليوم تجلَّت الهيجاء عن آل رسول الله ، وانكشفت الملحمة عنهم ، وفي الأرض منهم ثلاثون صريعاً في مواليهم ، يعزُّ على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مصرعهم ، ولو كان في الدنيا يومئذ حيّاً لكان صلوات الله عليه وآله هو المعزَّى بهم ، قال : وبكى أبو عبدالله ( عليه السلام ) حتى اخضلَّت لحيته بدموعه ..
( مصباح المتهجِّد ، الطوسي : 782 ، المزار ، محمّد بن المشهدي : 473 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 98/303 ح 4 ).
وروى ابن قولويه عليه الرحمة ، عن أبي عمارة المنشد قال : ما ذكر الحسين بن علي ( عليهما السلام ) عند أبي عبدالله جعفر بن محمّد ( عليهما السلام ) في يوم قط فرئي أبو عبدالله ( عليه السلام ) في ذلك اليوم متبسِّماً إلى الليل ( كامل الزيارات ، ابن قولويه : 203 ح 6 ).
وروى الشيخ الصدوق عليه الرحمة ، عن إبراهيم بن أبي محمود قال : قال الرضا ( عليه السلام ) : إن المحرَّم شهر كان أهل الجاهليَّة يحرِّمون فيه القتال ، فاستحلَّت فيه دماؤنا ، وهتكت فيه حرمتنا ، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا ، وأضرمت النيران في مضاربنا ، وانتهب ما فيها من ثقلنا ، ولم ترع لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حرمة في أمرنا ، إن يوم الحسين أقرح جفوننا ، وأسبل دموعنا ، وأذلَّ عزيزنا ، بأرض كرب وبلاء ، أورثتنا الكرب والبلاء ، إلى يوم الانقضاء ، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون ، فإن البكاء يحطُّ الذنوب العظام. ثم قال ( عليه السلام ) : كان أبي ( صلوات الله عليه ) إذا دخل شهر المحرَّم لا يرى ضاحكاً ، وكانت الكآبة تغلب عليه حتى يمضي منه عشرة أيام ، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه ، ويقول : هو اليوم الذي قتل فيه الحسين ( صلوات الله عليه ). ( الأمالي ، الصدوق : 190 ح 2 ).


(213)
كلِّها.
    فقلت : لعن الله أعداء الإسلام ، وعجِّل فرجك أيُّها الإمام المنتظر لتملأ هذه الدنيا قسطاً وعدلا بعدما ملئت ظلماً وجوراً.
    فاستغربت صديقتي وقالت : أتهزأين ؟ قلت : حاشا وكلاّ ، وقبلَّتها بين عينيها ، وقلت : أشكرك ، أشكرك يا بتول على هذه الهديَّة ، فلقد أنقذتيني من ظلام وجهل كنت أعيشه ، ونقلتيني إلى النور والعلم والنبوَّة والعقائد الصحيحة ، إلى أحضان أئمَّة الهدى أحفاد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فهل من مزيد من هذه الكتب ؟
    فقالت : إذا كنتِ قد اكتفيتِ ، وصار عندكِ يقين تام فسأعطيكِ بعضاً من كتبنا من المؤلِّفين الشيعة.

    الحضور في مجالس عاشوراء
    فقلت : أتمنَّى هذا ، ودعينا الآن نذهب لحضور عاشوراء ، فذهبت ورأيت الناس في بكاء وعويل ، وكأن الحسين ( عليه السلام ) قد استشهد لتوِّه ، فبكيت معهم ، وعشت لحظاتهم المباركة الحزينة ، وأحسست بانجلاء الكروب عن نفسي ،


(214)
وتنفسَّت الصعداء ، واعتبرت هذا اليوم أول يوم من مسيرة تشيُّعي ، واعتبرت هذا البكاء حزناً على الأيام الماضية ، وعلى الإسلام ، وعلى المآخذ التي كنت أشنُّها ورفاقي على صديقتي الشيعيّة ، وكل من اتّبع هذا المذهب ، والذين أصبحوا أحبّائي من بعد تشيُّعي ، وإخوتي في الدين ، بارك الله فيهم.
    لقيت في البداية بعض المعارضة من أهلي ـ سامحهم الله ـ ولكن بصبري وتفوُّقي عليهم ، وحفظي لكل المسائل التي ربَّما أتعرَّض إليها خلال مناقشاتي ومجادلتي مع كل من يسمع بأنّي قد تشيَّعت ، تفوَّقت وتفوَّقت ، واستطعت أن أشيِّع اثنتين من أخواتي ، وذلك بعد اطّلاعي على كل كتب الشيعة تقريباً ، فقد وجدت في عقائدهم وأدعيتهم كنزاً لا يفنى.

    لمياء تعلن تشيعها
    وهكذا كانت مسيرة حياتي مع التشيُّع ، بدأتها بشك بيني وبين نفسي عن اختلاف المذاهب ، وأنهيتها بإعلان التشيُّع ، والتمسُّك بالمذهب الحقّ ؛ مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ).
    فسلام عليكم يوم ولدتم ، ويوم استشهدتم ، ويوم تبعثون ، وخاسر خاسر من لا يعرفكم ولا يعرف قدركم ، وأنا متأسِّفة جدّاً ، وأعتذر إليكم عني ، وعن المسلمين الذين كانوا يجهلون صلتكم بالنبيِّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وحديثه عنكم ، وعن حبِّكم ومودَّتكم الواجبة علينا ، وعن بعض من آذاكم ، وحمل الآخرين على القول فيكم وفيمن تمسَّك بكم أقاويل وأكاذيب مغرضة ، لعنهم الله وأحرقهم بناره.
    وأنت ـ عزيزي القارئ ـ إذا أردت الاستبصار أكثر عليك بقراءة كتب التيجاني والأنطاكي وخليفات ... إلخ ، وكل من تشيَّع ؛ لأنها حجّة علينا يوم


(215)
الحساب .. وستجد فيها جواباً لكل مسائلي التي لم أورد لك أجوبتها كي تتشجَّع وتبحث بنفسك على طريق النور والحقّ ... وبعدها إذا بقيت على حالك ولم تغيِّر رأيك في موروثك فعلى الدنيا السلام ، وإلاَّ فأنت إنسان راق قد اتّبعت قوله تعالى : ( فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الاَْلْبَابِ ) (1) (2).
1 ـ سورة الزمر ، الآية : 17 ـ 18.
2 ـ كتاب : أخيراً أشرقت الروح ، لمياء حمادة : 9 ـ 21 ، المتحوِّلون ، هشام آل قطيط : 330 ـ 341.


(216)
مناظرة
الهاشمي بن علي التونسي مع بعض الشيعة
في حديث العشرة المبشَّرة ووصوله إلى الحقيقة
    قال الهاشمي بن علي التونسي في بداية تعرُّفه على الحقائق : كنت أدرس في الصفِّ مادة التأريخ ، وكان عندنا أستاذ يتبنَّى الفكر القوميّ ، ولمَّا مررنا على معركة صفّين ابتسم الأستاذ وقال : فاقترح الداهية عمرو ابن العاص فكرة رفع المصاحف حتى يخدعوا جيش عليٍّ ( عليه السلام ) ، وينجوا من الهزيمة المنكرة التي بدأت تلوح لهم.
    صعقني جدّاً هذا الكلام ، فقلت في نفسي : أعمرو بن العاص يفعل هذا ؟ هذا الصحابيّ الجليل ـ الذي عرفناه من أقطاب الصحابة كما قال لنا شيوخنا ـ يخدع ويمكر ؟! إذن أين تقوى الصحابة وإخلاصهم الذي دمغجنا به شيوخنا ؟!
    شعرت حينها بتمزُّق نفسيٍّ شديد بين ثقافتي الإسلاميّة التي تقدِّم كل الصحابة ، وترفعهم إلى صفوف الملائكة ، وبين حقائق التأريخ إن كانت حقَّه ، رجعت إلى البيت مغموماً ، وسألت أخي عن المسألة فقال لي : إن هذا ليس من شأننا فلا تخض فيه ، وهم ـ أي الصحابة ـ أدرى بزمانهم.
    ولم يقنعني هذا الكلام البارد الفارغ من كل معنى ، وهل يمكن أن يمارس المؤمن العادي الخداع والمكر ؟! فكيف بالصحابة ؟!


(217)
    وتمضي السنوات ، وتبقى في نفسي أشياء وأشياء ، لكنّي لمَّا لم أصل إلى الجواب قفلت عليها في صدري ، وألقيت حبلها على غاربها ومضيت.
    وتشاء الأقدار أن تجمعني بصديق قديم ، وزميل دراسة ، كنَّا تفارقنا مدَّة من الزمن ، وإذا بي أسمع أنه شيعي ، لقد كنت أعتقد أن المذهب السنّيّ هو المذهب الصافي ، وخاصّة أتباع الإمام مالك ، إمام دار الهجرة ، حيث إن أكثر إفريقيا مالكيُّون ، وكنت أعتقد أن بقيَّة المذاهب الثلاثة وإن كانت على الحقّ ، لكنَّ المذهب المالكي أصفاها وأحقُّها ، نعم كانت أحياناً تجول في خاطري تساؤلات حول الاختلافات التي ما بين هذه المذاهب الأربعة ، وكنت لا أرى مبرِّراً لاختلافها ، نعم لقد تعلَّمنا منذ صغرنا أن اختلافها رحمة ، وأنهم كلَّهم من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ملتمس ، لكن كان في نفسي من ذلك ما كان ، لكنّي قنعت بحجّة شيوخنا ، أو ربَّما أقنعت بها نفسي.
    وكنت قاطعاً ببطلان مذهب الشيعة ، وأنهم متطرِّفون في عقائدهم ، وكنت أسمع ما كان ينقله البعض حول بكائهم على الحسين ( عليه السلام ) ، وسبِّهم للصحابة ، فيزداد عجبي ، وكنت أتمنَّى أن ألتقي بواحد منهم لأقنعه ، أو على الأقل لأعرف لماذا هم هكذا ؟
    كان أوَّل ما ناقشني فيه صديقي الشيعي حديث العشرة المبشَّرين بالجنَّة ، وقال لي : هل يعقل أن يكون طلحة والزبير وعلي ( عليه السلام ) في الجنة ، وقد قتل بعضهم بعضاً ، وشتم بعضهم بعضاً ؟!
    وهل يعقل كذلك أن يكونوا في النار ؟! فكان مما أجابني به أن الصحابة على ثلاثة أقسام : قسم الثابتين بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وقسم المرتدّين ( فعلا لا قولا ) ، وقسم المنافقين ، وعليه لا يمكن أن يكونوا كلُّهم عدولا.


(218)
    من الحجج الملزمة حديث الثقلين
    وممّا واجهني به صديقي هذا من الحجج حديث الثقلين ، الذي يقول فيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إني تارك فيكم الثقلين ما ان تمسَّكتم بهما لن تضلّؤا أبداً : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ولن يتفرَّقا حتى يردا عليَّ الحوض (1) ، وقد كفانا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مؤونة إمامة الأمّة السياسيّة والعلميّة بالأئمّة من أهل بيته ( عليهم السلام ).
    وخضنا نقاشات عديدة حول تنزيه الله تعالى عن الرؤية والحركة والانتقال ، وتنزيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من الذنوب والكبائر والخطأ والنسيان.
    وهكذا رأيت أن عائشة وحفصة نزلت فيهما سورة كاملة تهدِّدهما بالطلاق وبعذاب النار .. ورأيت أن كل بناء السنّة العقائديّ متهاو ، بل هو من صنع وبناء حكَّام بني أميَّة أعداء الله ورسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وبني العباس ، ومن بعدهم من الظالمين إلى اليوم.

    مذهب الشيعة مليء بالحجج الدامغة وضرورة الاطلاع على كتبهم
    ورأيت أن الشيعة مذهب صاف عقلاني ، مليء بالحجج الدامغة من القرآن الكريم والسنّة المحمديَّة ، ولا مجال للخرافات والتحريفات والأكاذيب فيه ، وهكذا إذ بينما كنت أنسب إلى الشيعة كل قبيح ، استفقت على أن مذهبهم حقٌّ ، ولهذا كثرت حوله الأباطيل والدعايات الباطلة ، التي لم يرم بها حتى دين اليهود والمجوس.
1 ـ تقدَّمت تخريجاته.

(219)
    وعرفت حينها معنى قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَة ... ) (1) ، وعرفت الحديث القائل : الناس أعداء ما جهلوا.
    وأنا من موقعي هذا أدعو كل إنسان حرٍّ أن يطّلع على كتب الشيعة ، وعلى آرائهم دون واسطة ، كما عرفت أنا كتب السنّة كالبخاري والموطَّأ دون واسطة ، وقارنوا بين المذاهب ، فلسنا أقلَّ من معاوية الذي قتل النفوس ، وأحدث الفتن ، ثمَّ يقال عنه : إنّه اجتهد فأخطأ ، فنحن إن وصلنا إلى الحق ـ إلى دين الله ورسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ـ فلنا أجران ، وإن لم نتوصَّل إلى ذلك فلعلَّ الله يكتب لنا أجراً واحداً ، وذلك لصدق نيَّاتنا وصفاء سرائرنا.
    وجرِّبوا أن تطالعوا عن التشيُّع والشيعة الاثني عشريَّة ، فليس في ذلك بأس ولا ضرر ولا فتنة ولا سمٌّ ، كما يدّعي بعض العلماء المتحجِّرين ، بل إن أحدنا يفاخر بأنَّه قرأ مجموعة آثار فيكتور هيجو مثلا ، أو اطّلع على مسرحيَّات شكسبير ، وتجده جاهلا بما يقوله إخوانه وبما يعتقدونه جهلا مطبقاً. أقول قولي هذا ، وأستغفر الله العليَّ العظيم ، الهاشمي بن علي ، رمضان قابس ـ تونس 1 ـ شوال ـ 1419 هـ (2).

    كلام الأستاذ عبدالمنعم السوداني في حديث العشرة المبشَّرة
    قال الأستاذ عبدالمنعم حسن السوداني : حديث العشرة المبشَّرين المزعوم : ما بدأت حواراً مع أحد فيما جرى بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلاَّ وبادرني :
1 ـ سورة الحجرات ، الآية : 6.
2 ـ الصحابة في حجمهم الحقيقي ، الهاشمي بن علي : 9 ـ 12.


(220)
إنهم مبشَّرون بالجنَّة ، مستنداً إلى حديث العشرة المبشَّرين بالجنّة كما يزعمون ، وإنه لعمري حديث لا يحتاج منّي إلى كثير عناء لإثبات وهنه ، ومخالفة متنه لواقع الأحداث التاريخيّة ، وهو لا يعدو أن يكون إحدى الأكاذيب التي وضعت كغيرها من الفضائل ، وأورده هنا كنموذج لمأساة الأمّة.
    العشرة المبشَّرون بالجنّة هم : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، وطلحة والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن زيد ، وأبو عبيدة بن الجرَّاح.
    هذا الحديث الضعيف سنداً ـ كما بيَّن فطاحل العلم ـ يكذِّبه متنه كذلك ، ولا ندري لماذا اشتهر هؤلاء العشرة بالتبشير بالجنَّة ، وحصرت فيهم مع أن النبيَّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بشَّر غيرهم ، كآل ياسر والحسن والحسين وأبي ذر ، والقرآن أيضاً يبشِّر كل من آمن وعمل صالحاً ثمَّ اهتدى بالجنّة.
    إن هؤلاء الذين يرفعون عقيرتهم بمثل هذه الروايات الموضوعة لم يفطنوا إلى وضوح كذب الأحاديث ، إذ أنها لو كانت وردت عن النبيِّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حقيقة لسمعنا في التأريخ احتجاج عمر بهاً ـ مثلا ـ في السقيفة كدعاية انتخابيّة لأبي بكر ، يسند بها انتخابه له.
    وياليتني أجد من يوضح لي : هل من الممكن أن يكون عبد الرحمن بن عوف أحد رواة هذا الحديث معتقداً بصحّته ، ومع ذلك يسلُّ سيفه على عليٍّ ( عليه السلام ) يوم شورى الستة قائلا : بايع وإلاَّ تقتل (1) ؟!
1 ـ راجع : شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 6/96 ، و12/265 ، الإمامة والسياسة ، ابن قتيبة : 176 ، الغدير ، الأميني : 5/375.

(221)
    ويقول لعلي ( عليه السلام ) ـ بعدما انتقضت البلاد على عثمان ـ : إذا شئت فخذ سيفك ، وآخذ سيفي ، إنّه قد خالف ما أعطاني (1).
    وهل أبو بكر وعمر المبشَّران بالجنّة هما اللذان ماتت الصدّيقة بضعة المصطفى ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهي واجدة عليهما (2) ؟
    وهل هما اللذان قالت لهما : إني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني ، وما أرضيتماني ، ولئن لقيت النبيَّ لأشكونَّكما إليه (3) ؟
    وهل أبو بكر هذا هو الذي أوصت فاطمة ( عليها السلام ) أن لا يصلِّي عليها ، وأن لا يحضر جنازتها (4) ؟
    وهل كان عمر يصدِّق هذه الرواية وله إلمام بها ، وهو يناشد مع ذلك حذيفة بن اليمان العالم بأسماء المنافقين ، ويسأله عن أنه هل هو منهم (5) ؟
    وهل كان طلحة والزبير يؤمنان بقول الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهما يؤلِّبان على عثمان ، ويشاركان في قتله ؟ وهما اللذان خرجا على إمامهما ، وخليفة
1 ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 3/28 ، الغدير ، الأميني : 9/86 عن البلاذري.
2 ـ راجع صحيح البخاري : 5/82 ، صحيح مسلم : 5/154.
3 ـ الإمامة والسياسة ، ابن قتيبة : 1/31 ، مناقب أهل البيت ( عليهم السلام ) الشيرواني : 402.
4 ـ صحيح البخاري : 5/82 ، صحيح مسلم : 5/154 ، تأريخ المدينة ، ابن شبة النميري : 1/197.
5 ـ فتح الباري ، ابن حجر : 8/487 ، تفسير القرطبي : 1/200 ، قال الشيخ علي بن يونس العاملي في ( الصراط المستقيم : 3/79 : وفي الإحياء للغزالي : كان عمر لا يحضر جنازة لم يحضرها حذيقة وفي مسند الصحابيات روى أبو وائل عن مسروق عن أم سلمة قالت : قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : من أصحابي من لا أراه ولا يراني ، فناشدها عمر : هل أنا منهم ؟ الخبر ، وكيف يسأل الإمام رعيته عن أحوال إيمانه وقد رويتم أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) شهد له بالجنة ورأى له قصراً فيها فلا يعتمد على قول نبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ويعتمد على غيره ؟

(222)
المسلمين ، المفروض عليهما طاعته ، بعد أن عقدت له البيعة ، فنكثا بيعته ، وأسعرا عليه نار البغض وقاتلاه وقتلا ؟
    أو ليس طلحة والزبير هما اللذان ارتكبا من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في هتك حرمته ما لم يرتكبه أحد ، حينما أخرجا زوجته عائشة تسير بين العساكر في البراري والفلوات ، غير مبالين في ذلك ولا متحرِّجين ؟!! (1)
    وغير ذلك الكثير مما يؤكِّد أن الحديث مكذوب على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من أصله ، ولا تحتاج معرفة ذلك إلى كثير عناء (2).
1 ـ جاء في كتاب البداية والنهاية لابن كثير : 7/240 ، في معركة الجمل : قال علي ( عليه السلام ) لطلحة : أجئت بعرس رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تقاتل بها ، وخبأت عرسك في البيت ؟!
وجاء في تاريخ اليعقوبي : 2/183 في معركة الجمل لما اجتاز الزبير بالأحنف بن قيس قال : ما رأيت مثل هذا ! أتى بحرمة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يسوقها فهتك عنها حجاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وستر حرمته في بيته ثم أسلمها وانصرف ! ألا رجل يأخذ لله منه ؟!
وجاء في مروج الذهب للمسعودي : 2/367 في وقوف أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) على هودج عائشة بعدما هزمت وسقط جملها ، قال : فجاء علي ( عليه السلام ) فضرب الهودج بقضيب وقال : يا حُميراء ! أرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أمركِ بهذا ؟ ألم يأمرك أن تقري في بيتك ؟ والله ما أنصفك الذين أخرجوكِ إذ صانوا عقائلهم وأبرزوكِ ؟!
2 ـ بنور فاطمة ( عليها السلام ) اهتديت ، عبدالمنعم حسن : 163 ـ 165.


(223)
مناظرة
المحامي محمّد علي المتوكِّل السوداني
مع الدكتور الحبر يوسف نور الدائم
في الإقتتال الذي جرى بين الصحابة
    يذكر المحامي محمّد علي المتوكِّل السوداني (1) أنه أجرى مع الدكتور الحبر يوسف نور الدائم (2) حواراً في منزله في أحد الأحياء الشعبيَّة في أم درمان ، باقتراح من أحد أصدقائه في معرفة رأي الدكتور في التشيُّع ، وموقفه من تناقضات التأريخ.
    ومن هذا الحوار مايلي :
    الدكتور الحبر : على كل حال هم شيعة ، ويكفي أنهم لا يتورَّعون عن القدح في الصحابة والتطاول عليهم.
    قال : فقلت : وماذا في ذلك إذا كان الصحابة أنفسهم كان ما بينهم السباب وتبادل الاتّهام ، بل أكثر من ذلك : الاقتتال وإراقة الدماء ، كالذي حدث مباشرة
1 ـ مؤلِّف كتاب : ودخلنا التشيُّع سجَّداً.
2 ـ أستاذ اللغة العربيّة بجامعة الخرطوم ، وأحد أبرز مؤسِّسي حركة الإخوان في السودان.


(224)
بعد وفاة النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ ويكفي أنهم اقتتلوا في واقعة الجمل ، فكان القتلى من الصحابة والتابعين بالألوف ، فكيف جاز لهم أن يقتتلوا ويتسابّوا ، ولا يجوز لنا أن نعيِّن المخطئ منهم والمصيب ؟ (1)
1 ـ والمشكلة عند القوم تكمن في تزكيتهم جميع الصحابة بلا استثناء ، يقول ابن الأثير في مقدِّمة كتابه أسد الغابة في معرفة الصحابة : 1/3 : والصحابة يشاركون سائر الرواة في جميع ذلك إلاَّ الجرح والتعديل ، فإنّهم كلّهم عدول ، لا يتطرَّق الجرح إليهم ؛ لأن الله عزَّوجلَّ ورسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) زكَّياهم وعدَّلاهم ، وذلك مشهور لا نحتاج لذكره.
أقول : ليس هناك أيُّ دليل على أن الله تعالى ورسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) زكَّيا جميع الصحابة ، وحاشاهما ، والقرآن الكريم والسنّة فيهما الأدلّة التي تنافي هذه الدعوى ، وذلك من خلال بعض الآيات والأحاديث الشريفة ، وكيف يكونون كلُّهم عدولا ، وفيهم من هو معلوم الحال ، وفيهم المنافقون الذين يتستَّرون تحت شعار الإسلام ، ونزلت آيات من القرآن فيهم ، بل نزلت سورة كاملة باسمهم وهي سورة المنافقون ، وإذا حكمنا بأن جميع الصحابة عدول فقد حكمنا في الضمن أيضاً بعدالة جميع المنافقين ، المندسّين في صفوف الصحابة ، والمتستِّرين باسم الإسلام وباسم صحابة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وكانت لهم بعض العلامات التي يعرفون بها ، فقد روى الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين : 3/129 وصحَّحه ، عن أبي ذر رضي الله عنه قال : ما كنّا نعرف المنافقين إلاَّ بتكذيبهم الله ورسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، والتخلُّف عن الصلوات ، والبغض لعليِّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
وقد أخبر القرآن عن بعضهم وسمَّاه فاسقاً ، وهو الوليد ، وذلك في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَة فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) سورة الحجرات ، الآية : 6. فانظر قصة الوليد بن عقبة ونزول الآية فيه في الدرّ المنثور للسيوطي : 6/88.
وقد روى البخاري في صحيحه : 7/207 عن أنس ، عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : ليردن عليَّ ناس من أصحابي الحوض ، حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني ، فأقول : أصحابي فيقول : لا تدري ما أحدثوا بعدك.
وروى في ص 209 عن أسماء بنت أبي بكر ، قالت : قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إني على الحوض حتى أنظر من يرد عليَّ منكم ، وسيؤخذ ناس من دوني ، فأقول : يا ربّ ! منّي ومن أمتي ، فيقال : هل شعرت ما عملوا بعدك ؟ والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم.
فكيف يكونون كلهم عدولا وفيهم من قد علمت ؟ وبعد هذه الروايات وأمثالها ، هل يمكن القول بعدالة جميع الصحابة ، وفيهم سمرة بن جندب ومعاوية بن أبي سفيان وأمثالهما ؟ والخلاصة أن الصحابة كغيرهم ، فيهم المؤمن التقيُّ والصفيُّ النقيُّ ، وفيهم غير ذلك ، وكلٌّ يعرف بعمله ، وما ظهر على سلوكه ، إن خيراً فخير ، وإن شراً فشرٌّ.


(225)
    قال : إن اقتتال الصحابة فيما بينهم لا يخرجهم من دائرة الإيمان ؛ لقوله تعالى : ( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ) (1).
    قلت : ولكنه تعالى يقول بعد ذلك : ( فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الاُْخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ) أليس لنا أن نحدِّد الفئة الباغية ، وإذا ما كانت قد فاءت إلى أمر الله أم لا ؟
    قال : يا بنيَّ ! نحن نقول كما قال أبو زرعة : تلك فتنة وقى الله منها سيوفنا ، أفلا نقي منها ألسنتنا ؟
    عند هذا الحدّ كان صاحبي قد بلغ به الغضب مبلغاً خشيت معه أن يأتي بتصرُّف لا يليق بالمقام ، وفي ذات الوقت بدأ الدكتور غير راغب في المضيِّ في هذا الاتجاه المزعج ، عندئذ أدركت أنه لا جدوى من الإصرار على توجيه الحوار عقائديّاً ، فعدنا إلى الحوار في ساحة العمل الإسلاميّ.

    حركة التشيع في السودان
    ويقول المحامي محمّد علي : إن الدكتور الحبر ... لم يرضه أن يعلو ذكر أهل البيت ( عليهم السلام ) في السودان ، وأن يسارع الشباب إلى الدخول في حصون
1 ـ سورة الحجرات ، الآية : 9.
مناظرات المستبصرين ::: فهرس