مناظرات المستبصرين ::: 241 ـ 255
(241)
إذا ثبت لدينا بالدليل القاطع أنهم يعبدون غير الله ، أو يشركون بعبادته أحداً ، حينها يكونون مشركين.
    أمَّا ما يفعلونه من أفعال مثل التوسُّل وتعظيم الأولياء واحترامهم فهذا ليس من الشرك في شيء ؛ لأن العبادة تعني الخضوع والتذلُّل لمن نعتقد أنه إله مستقلّ في فعله لا يحتاج إلى غيره ، أمَّا مجرَّد الخضوع والتذلُّل والاحترام فلا يعتبر عبادة ، وقد أمرنا به القرآن ؛ كالتذلُّل للوالدين والمؤمنين ، بل إن الله أمر الملائكة بالسجود لآدم ( عليه السلام ) ، بناء على ذلك لا يكون احترام الأولياء وزيارة قبورهم والتوسُّل بهم وتعظيمهم شركاً بالله ؛ لأنهم لا يرون أن هؤلاء آلهة مستقلّون عن الله ، بل هم عباد أكرمهم الله بفضله ، فعطاؤهم من الله ، وليس لهم قدرة ذاتيّة مستقلّة.
    قال : ولماذا لا يسألون الله مباشرة ؟ هل هناك مانع وهو القائل : ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) (1) ؟
    قلت : أيضاً قال تعالى : ( وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ) (2) ، ثمَّ إنك عندما تمرض لماذا تذهب إلى الدكتور ؟ ألم يقل الله تعالى في كتابه : ( وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ) (3) ؟ أليس من أسمائه الشافي ؟
    قال : هذه ضرورة في الحياة.
    قلت : أيضاً تلك سنّة ، وسبب به تبتغى الحاجات ، والتفتُّ إلى الحاضرين وقلت : هل تجدون في كلامي هذا خطأ ؟
1 ـ سورة غافر ، الآية : 60.
2 ـ سورة المائدة ، الآية : 35.
3 ـ سورة الشعراء ، الآية : 80.


(242)
    فأقرُّوا بما قلت ، وزاد أحدهم ـ وكان صوفيّاً ـ : هذه الأشياء موجودة من زمن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وسار عليها الصحابة والتابعون ، وكل المسلمين إلى أن جاء ابن تيميّة وتلميذه محمّد بن عبد الوهاب ببدعهم الجديدة هذه.

    النقاش في مسألة التجسيم
    قال الوهابي : إنكم تتحدَّثون بلا علم ، والوقت ضيِّق الآن ، فلنأخذ من الموضوع شيئاً نتناقش حوله ، وفي وقت آخر أكون مستعدّاً لنتحاور أكثر من ذلك.
    قلت : عندي سؤال أخير حول التوحيد : ماذا تقولون في صفات الله ؟
    قال : نحن لا نقول ، إنما نصفه بما وصف به نفسه في القرآن.
    قلت : وبماذا وصف نفسه ؟ هل قال بأنه جسم يتحرَّك ؟ أو أن له يداً وساقاً وعينين ؟
    قال : نحن نقول بما جاء في القرآن ، لقد قال تعالى : ( يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ) (1) ، وكثير من الآيات الأخرى التي تصف الله لنا ، فنقول : إن لله يداً بلا كيف.
    قلت : إن قولك هذا يستلزم التجسيم ، والله ليس بجسم ، وهو ليس كمخلوقاته ، ثمَّ ما هو الفرق بينكم وبين مشركي مكة ؟ أولئك نحتوا أصنامهم بأيديهم وعبدوها ، وأنتم نحتم أصناماً بعقولكم ، وظلَّت في أذهانكم تعبدونها ، لقد جعلتم لله يداً وساقاً وعينين ومساحة يتحرَّك فيها ( مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ
1 ـ سوره الفتح ، الآية : 10.

(243)
وَقَاراً ) (1) ، وبكلمة : إن الآيات التي ذكرتها مجازيّة ، وترمز لمعان أخرى.
    قال : نحن لا نؤمن بالمجازات والتأويلات في القرآن ؟
    قلت : ما رأيك فيمن يكون في الدنيا أعمى ؟ هل يبعث كذلك أعمى ؟
    قال : لا !
    قلت : كيف وقد قال تعالى : ( وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى ) (2) ، وأنتم تقولون : لا مجاز في القرآن ، ثمَّ إنه بناء على كلامك إن يد الله ستهلك ، وساقه ، وكل شيء مما زعمتموه ـ والعياذ بالله ـ عدا وجهه ، ألم يقل البارئ جلَّ وعلا : ( كُلُّ شَيْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ) (3) ، و ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَان * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالاِْكْرَامِ ) (4).
    قال : هذه الأشياء لا ربط بينها وبين ما نقوله.
    قلت : كلام الله وحدة واحدة لا تتجزَّأ ، وإذا استدللتم به على صحَّة قولكم يحقُّ لي أن أنطلق منه لتفنيد هذا القول ، وأنتم تستدلّون على مجي الله مع الملائكة صفّاً يوم القيامة ، كما فهمتم من القرآن.
    قال : ذلك ما قاله الله تعالى في القرآن.
    قلت : المشكلة تكمن في فهمك للقرآن ، إن في القرآن آيات محكمات وأخر متشابهات ، فلا تتّبع المتشابهات فتزيغ ، وإلاَّ أين كان الله حتى يأتي ؟
    قال : هذه أمور لا يجب أن تسأل عنها.
1 ـ سورة نوح ، الآية : 13.
2 ـ سورة الإسراء ، الآية : 72.
3 ـ سورة القصص ، الآية : 88.
4 ـ سورة الرحمن ، الآية : 26.


(244)
    قلت : دعك من هذا ، ألا تقولون إن الله ينزل في الثلث الأخير من الليل ليستجيب الدعاء ؟
    قال : نعم ، ذلك ما جاءنا عبر الصحابة والتابعين من أحاديث.
    قلت : إذن أين هو الله الآن ؟!
    قال : فوق السماوات.
    قلت : وكيف يعلم بنا ونحن في الأرض.
    قال : بعلمه.
    قلت : إذن الذات الإلهيَّة شيء ، وعلمه شيء آخر.
    قال : لا أفهم ماذا تقصد !
    قلت : إنك قلت إن الله في السماء ، وبعلمه يعلم بنا ونحن في الأرض ، إذن الله شيء ، وعلمه شيء آخر.
    سكت متحيِّراً ... واصلت حديثي : أو تدري ماذا يعني ذلك ؟ إنه يعني الشرك الذي تصفون به الآخرين ؛ لأن الفصل بين الذات الإلهيَّة والعلم واحد من اثنين ، إمَّا أن العلم صفة حادثة فأصبح الله عالماً بعد أن كان جاهلا ، وإمَّا أنها صفة قديمة وهي ليست الذات كما تدّعون فيعني الشرك ؛ لأنكم جعلتم مع الله قديماً ، أو يأخذنا قولكم هذا إلى أن الله مركَّب ، والتركيب علامة النقص ، والله غنيٌّ كامل ، سبحانه وتعالى عمَّا يصفه الجاهلون.
    عندما وصلت إلى هذا الموضع من الكلام قال أحد الحاضرين : إذا كانوا يقولون بذلك فالله ورسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) منهم براء ، ثمَّ التفت إليَّ قائلا : ما تقول أنت حول هذا الموضوع ؟ ومن أين لك بذلك ؟


(245)
    كلام أهل البيت ( عليهم السلام ) حول التوحيد
    بيَّنت لهم أن ما أقوله هو كلام أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وهو كلام واضح تقبله الفطرة ، ولا يرفضه صاحب العقل السليم ، ويؤكِّد عليه القرآن ، وأتيتهم ببعض خطب الأئمَّة حول التوحيد ، منها خطبة الإمام علي ( عليه السلام ) ، يقول : أوَّل الدين معرفته ، وكمال معرفته التصديق به ، وكمال التصديق به توحيده ، وكمال توحيده الإخلاص له ، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه ، لشهادة كلِّ صفة أنها غير الموصوف ، وشهادة كل موصوف أنّه غير الصفة ، فمن وصف الله فقد قرنه ، ومن قرنه فقد ثنَّاه ومن ثنَّاه فقد جزَّأه ، ومن جزَّأه فقد جهله ، ومن جهله فقد أشار إليه ، ومن أشار إليه فقد حدَّه ، ومن حدَّه فقد عدَّه ، ومن قال : فيم فقد ضمَّنه ، ومن قال : علام فقد أخلى منه ... (1).
    ثمَّ شرحت لهم مقصود الخطبة ، قال بعض الحاضرين : والله إنه كلام بليغ سلس ومحكم.
    ثمَّ اتفقت كلمتهم حول هذا الشابِّ المسكين أنه مخطئ في اعتقاده ، ويجب عليه مراجعة حساباته حتى لا يذهب إلى نار جهنم.
    ثمَّ دار النقاش حول الرسالة والرسول محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، والذي يدّعون أنهم أولى الناس به ، وقد ثبت لي أنهم أبعد ما يكون عن نبيِّ الرحمة ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وعن معرفته ، فكيف يكونون أولى الناس به ؟
1 ـ نهج البلاغة ، خطب أميرالمؤمنين علي ( عليه السلام ) : 1/15 ـ 16.

(246)
    انقطاع حجة المُحاوِر وتعنته
    وبالحوار انقطعت حجّته ، وأصبح محلَّ تهكُّم الآخرين ، وقبل أن نختم الحوار سألني محاولا استفزازي : شيخنا ! ما رأيكم في الصحابة الذين نعتبرهم نحن من أولياء الله الصالحين ؟
    فقلت له : يا شيخ ! أول الدين معرفته ، وأنت لم تعرف الله فكيف تعرف أولياءه ؟! وتواعدنا لمواصلة الحوار يوماً آخر.
    وفي ذلك اليوم جاء بوجه آخر ، ويبدو أنه أخذ جرعة قويَّة من مشايخه ، وابتدأ هذه المرَّة بالشتم والسبِّ أمام جمع من الحاضرين ، وطالبهم بعدم الجلوس معي ، ولا أبالغ إذا قلت إنه ظلَّ ما يقارب الساعتين يسبُّ ويشتم ويصرخ ، ويلوِّح بيده مهدِّداً ومتوعِّداً بقتلي جهاداً في سبيل الله ، ولا أدري من أين تعلَّم الجهاد ، وهو عمليّاً محرَّم عندهم ، خصوصاً ضدَّ الطواغيت ، ولعلّه لم يكن ملتفتاً إلى أن دم الحسين ( عليه السلام ) ما زال يغلي في عروق الشيعة.
    مع ذلك ـ ويعلم الله ـ فإنني لم أردَّ عليه ؛ لأنني على بصيرة من ديني ، وتعلَّمت من سيرة النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كيف أنه صبر على أذى كفار قريش ، وكيف أمروا صبيانهم بملاحقته وإيذائه ، وطلبوا من الناس ألا يستمعوا إليه ، وهكذا التاريخ يعيد نفسه.
    لأجل ذلك ـ عزيزي القارئ ـ أقدِّم كتابي هذا ، إنه الحق يصرخ لنصرته ، لقد رأيت في عيون الذين حضروا حواري هذا التلهُّف لمعرفة الحقيقة ، وما زلت أراها في عيون كل الأحرار ، الذين يدفعون ثمن التضليل الإعلامي وتزييف الحقائق.


(247)
    وعندما يشعر الإنسان قبل ذلك بلذَّة الانتصار على النفس الأمَّارة بالسوء ، ويبصر نور الحقّ شعلة برَّاقة أمام ناظريه ... يتمنَّى أن يشاركه الآخرون هذا النور ، فيبيِّن لهم طريق ذلك ... وهذا الكتاب ما هو إلاَّ إثارة لدفائن العقول ، وتحفيز الآخرين للبحث عن الحقيقة ، التي كادت أن تضيع بين مطرقة اقتفاء آثار الآباء والأجداد ، وسندان سياسة التجهيل التي مارسها العلماء في حقّ الأبرياء ، مثل هذا الشابّ الذي أجريت معه الحوار ، إن هنالك الكثير ما يزال على فطرته يريد الحقَّ ، ولكن يلتبس عليه الأمر فيتمسَّك بما اعتقده من باطل ، وأصبح جزء من كيانه يدافع عنه بتعصُّب ، مانعاً الحقيقة أن تتسرَّب إلى عقله.
    لقد منَّ الله عليَّ بالهداية بفضله ، وأدخلني برحمته إلى حيث نور الحقّ ، وشكراً لهذه النعمة يجب عليَّ أن أبلغ للناس ما توصَّلت إليه.
    لذلك أسطِّر هذه المباحث ، وأكتب هذا الكتاب ، إنه شعلة حقٍّ أخذتها من فاطمة الزهراء عليها ، وأقدِّمها لكل طالب حقٍّ ، ولكل باحث عن الحقيقة ... (1).
1 ـ بنور فاطمة ( عليها السلام ) اهتديت ، عبد المنعم حسن : 15 ـ 23.

(248)
مناظرة
الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني
مع بعض السلفيَّة في حديث أن الأئمة اثنا عشر
    قال الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني : عندما كنت أحاور ذلك السلفي الذي أجريت معه المناظرة المذكورة في أوَّل الكتاب ، وفي أثناء حوارنا لمعت عيناه فجأة وكأنه عثر على ضالّته ، وفاجأني بسؤال معتقداً أنه سيضعني في زاوية حرجة .. سؤال من ظنَّ أنه بلغ منتهى العلم والحكمة ، قال : من قال لكم أن الأئمة اثنا عشر ؟ ولماذا هذا العدد بالذات ؟ وضحك !!
    قلت له : يا أخي ! بالنسبة للعدد فلو فتحنا هذا الباب لمعرفة الحكمة من العدد سأجرُّ إليك أسئلة لا قبل لك بها ، فلماذا كان الخلفاء أربعة فقط ؟ ولماذا اختار موسى سبعين رجلا لميقات ربِّه ولم يكونوا ثمانين ؟ ولماذا خلق الله سبع سماوات وسبعاً من الأرض ، ولم تكن كل واحدة منهما عشرة مثلا ؟ ولماذا كان عدد نقباء بني إسرائيل اثني عشر ؟ ولماذا يقول تعالى : ( وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً ) (1) ولم يكونوا خمسة عشر ؟ ... وهكذا.
1 ـ سورة الأعراف ، الآية : 158.

(249)
    الأئمة اثنا عشر في صحاح وكتب السنة
    أضف إلى ذلك أن الآيات والروايات التي وردت عن أهل البيت ( عليهم السلام ) كافية لتوجِّهنا للأخذ منهم ، ونحن لم نجد سوى الشيعة متمسِّكة بهم ، وهنالك تعلم بعدد الأئمة ، ولا ضرورة للاحتجاج عليك بعدد الأئمة من مصادركم ؛ لأن الموضوع فرعىٌّ ، ومع ذلك ـ وبلطف من الله تعالى لإظهار الحقّ ولإقامة الحجّة ـ لم تخل مصادر أهل السنة والجماعة من الأحاديث التي تحدِّد عدد الأئمَّة بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    وصدفة كنت أحمل أحد مجلَّدات موسوعة تجمع ما جاء في الصحاح الستة من أحاديث ، وفتحت باب الإمارة ، وقرأت عليه : عن جابر بن سمرة قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يكون بعدي اثنا عشر أميراً كلُّهم من قريش ، وقلت له : هل سمعت ؟ فبهت الذي كفر.
    وانتفض انتفاضة قويَّة وكأنه قد مسَّ بطائف من الشيطان ، وقال : من أين لك هذا الحديث ؟!
    فذكرت له المصادر ، وأذكرها هنا تتمَّة للفائدة :
    صحيح البخاري ، كتاب الأحكام ، ج9 ، ص 729.
    صحيح مسلم ، ج3 ، كتاب الإمارة ، باب الناس تبع لقريش.
    صحيح الترمذي ، ج4 ، ص 501.
    سنن أبي داوود ، كتاب المهدي ، ص 508.
    مسند أحمد بن حنبل ، ج1 ، ص 398.


(250)
    ماذا قال علماء السنة في الحديث
    وهذا الحديث جعل علماء أهل السنة يعيشون في تخبُّط ومشكلة كبيرة لن يخرجوا منها ، ولن يجدوا لها حلاًّ إلاَّ عند أتباع أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وهم الشيعة المعروفون بـ : الاثني عشريَّة ... ولقد حاول البعض أن يجد تفسيراً معقولا للحديث على أرض الواقع ، فمنهم من عدَّ أبا بكر وعمر وعثمان وعليّاً ( عليه السلام ) وتوقَّف ، ومنهم من زاد عليهم الحسن بن علي ( عليهما السلام ) ثمَّ تحيَّر ، وبعضهم أضاف إليهم معاوية وبني أمية فلم يوفَّق لضبط العدد ، وآخر أصبح انتقائيّاً يختار كما يتراءى له ... وهكذا.
    والأمر لا غموض فيه ولا لبس عند شيعة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، ذلك بعد أن علمنا حقَّهم في الولاية والخلافة بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وليس من المعقول أن يخرج هذا العدد خارج دائرتهم ، وقد جاء في ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ، الباب ( 94 ) عن المناقب ، بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يا جابر ! إن أوصيائي وأئمّة المسلمين من بعدي أوَّلهم عليٌّ ، ثمَّ الحسن ، ثمَّ الحسين ، ثمَّ علي بن الحسين ، ثمَّ محمّد بن علي المعروف بالباقر ، ستدركه يا جابر ! فإذا لقيته فأقرئه منّي السلام ، ثمَّ جعفر بن محمّد ، ثمَّ موسى بن جعفر ، ثمَّ عليُّ بن موسى ، ثمَّ محمّد بن علي ، ثمَّ علي بن محمّد ، ثمَّ الحسن بن علي ، ثمَّ القائم ، اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي ، محمّد بن الحسن بن علي المهدي ، ذلك الذي يفتح الله تبارك وتعالى على يديه مشارق الأرض ومغاربها.
    أمَّا النصوص الواردة من مصادر الشيعة عن طريق أهل البيت ( عليهم السلام ) فهي متواترة وواضحة بخصوص هذا الشأن ، ولم يدّع أحد من الأمَّة أنه أحد الأئمة الاثني عشر كما قال أهل البيت ( عليهم السلام ) عن أنفسهم ... (1).
1 ـ بنور فاطمة ( عليها السلام ) اهتديت ، عبد المنعم حسن : 147 ـ 149.

(251)
مناظرة
الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني مع بعضهم
في حديث أصحابي كالنجوم
    قال الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني : قلت لأحدهم وهو يحاورني : إن كان حديث أصحابي كالنجوم صحيحاً أفلا يعتبر علي ( عليه السلام ) منهم فيحقّ لي اتبّاعه ؟
    قال : عليٌّ ( عليه السلام ) من أكابر الصحابة !
    قلت له : إذن أنا أقتدي بعليٍّ ( عليه السلام ) ، الذي رفض بيعة أبي بكر ، وقاتل عائشة وطلحة والزبير ، ولو ظفر بطلحة والزبير أثناء القتال في صفوف أعدائه لقتلهم ، وكنت سأقاتل مع عليٍّ ( عليه السلام ) لو كنت حاضراً في حرب صفّين ولو تمكَّنت من معاوية لقتلته ، وكنت سأجهز على عمرو بن العاص وهو يظهر سوأته لعليٍّ ( عليه السلام ) حتى لا يقتله ! أليس من حقي أن أقتدي بأيِّ صحابيٍّ كما تدّعون ؟! ... ألا ساء ما يحكمون (1).
1 ـ بنور فاطمة ( عليها السلام ) اهتديت ، عبد المنعم حسن : 163.

(252)
مناظرة
الأستاذ عبد المنعم السوداني وبعض الشيعة
مع بعض السلفيّة في أمر معاوية ويزيد
    قال الأستاذ عبد المنعم السوداني : في إحدى المرَّات التقى بعض الإخوة الشيعة مع مجموعة وهابيّة صدفة ، وكنت موجوداً ، ولم تكن الرؤية واضحة لديَّ وإن كانت ملامح الصواب بدأت تلوح لي ، ويبدو أن هؤلاء الوهابيّة كان لهم حوار سابق مع الشيعة ، فبدأوا معهم النقاش حول قضية الحسين ( عليه السلام ) وكربلاء ، ورأيت الوهابيّة وقد احتوشوا الإخوة والشرر يتطاير من أعينهم وكأنهم يريدون القتال.
    تحدَّث أحد الشيعة عن عدم أحقّيّة معاوية في تنصيب يزيد خليفة للمسلمين ، فذكر اسم معاوية مجرَّداً من الترضّي عليه ، فصرخ أحدهم في وجهه قائلا : قل : رضي الله عنه ، هل هو أخوك حتى تذكره مجرَّداً ؟!
    فردَّ عليه الشيعي : هل أنت وأنا أفضل من عليٍّ ( عليه السلام ) وأكثر فهماً منه ؟ فشمَّر أحدهم عن ساعديه ، وكأنه ينوي ضربه ، وهو يقول : اسمعوا ، هذا هو ديدن الشيعة ، يشكِّكون في كل شيء ، وهذا الرجل يسألنا سؤالا بديهياً والإجابة عنه واضحة ، فلا أحد يرى أن هنالك أفضل من عليٍّ سوى الخلفاء الثلاثة ، رضي الله


(253)
عنهم جميعاً وأرضاهم.
    فالتفت إليه الشيعي وقال : أولا : فليتكلَّم أحدكم ، ثانياً : إذا أردت الحديث فافهم أولا ما أقول ثمَّ تحدَّث ، وثالثاً : إذا كان علي ( عليه السلام ) أفضل منّا ـ وهو كذلك بلا شك ـ فهو أدرى منا بالأصول ، أليس كذلك ؟!
    قالوا بحذر : نعم.
    فقال لهم : عليٌّ ( عليه السلام ) حارب معاوية ، ليس فقط لم يترضَّ عليه كما تطالبوني ، بل قاتله أشدَّ قتال ، ولو ظفر به لألحقه بأجداده.
    قال أحدهم وهو يمضغ مسواكاً : نقول كما قال السلف : تلك دماء عصم الله منها سيوفنا فلنعصم ألسنتنا ، ونحن نرى معاوية صحابيّاً جليلا ، وأنه فعل خيراً عندما نصب يزيد ، ونرى أن خروج الحسين بن علي ( عليه السلام ) كان خطأ منه ، وقد تاب يزيد.
    قال الشيعي : قولك : فنعصم منها ألسنتنا ، لا ينطبق عليك ؛ لأنك الآن تقول إن معاوية صحابيٌّ جليل ، إذن لقد أخطأ عليٌّ في حربه لمعاوية ، ثمَّ من قال لك : إنك لن تسأل عن تلك الدماء ؟ لابدّ أن يكون لكم موقف تجاه ما جرى ، فهما جهتان : إحداهما على حقٍّ ، والأخرى على باطل ، ووقوفك الآن في وجهي اشتراك في تلك ( الفتنة ) كما تدّعي.
    أمَّا عن الحسين بن علي ( عليه السلام ) فهو لم يخطئ كما تقول ، فهو كما قال عنه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : سيِّد شباب أهل الجنة (1) ، وهو من أهل بيت النبوَّة ، وتعلَّم من
1 ـ روى ابن أبي شيبة الكوفي ، عن علي ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنة.
وروى ابن أبي شيبة الكوفي ، عن حذيفة قال : أتيت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فصلَّيت معه المغرب ، ثمَّ قام يصلّي حتى صلى العشاء ، ثمَّ خرج فاتبعته ، فقال : ملك عرض لي ، استأذن ربَّه أن يسلِّم عليَّ ، ويبشِّرني أن الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنة.
راجع : المصنّف ، ابن أبي شيبة الكوفي : 7/512 ، سنن الترمذي : 5/321 ح 3856 ، صحيح ابن حبان : 15/413 ، المستدرك ، الحاكم النيسابوري : 167 ، المعجم الكبير ، الطبراني : 3/35 ـ 38 ح 2599 وح 2608 وح 2611 ، ذخائر العقبى ، أحمد بن عبدالله الطبري : 129.


(254)
جدِّه كيف ينصر الحق ، ويزيد تعلَّم من أبيه ما تعلَّم كما نقلت إلينا كتب التأريخ.
    قاطعه أحد الوهابيّة ، وساق كلاماً سيّئاً خارجاً عن حدود الأدب في الحوار والمناظرة ، كما هي عادة أمثاله وشاكلته ، بدل أن يدلي بحجّة أو برهان.
    فقال له أحد الشيعة وهو يبتسم : هكذا دائماً كان أعداء الشيعة ، باسم الحقّ يقتلون الحقّ ، وباسم الفتنة يحجبون الناس عن الحقائق ، وبالنتيجة أنت لا تفترق عن سلفك كثيراً ، إنك تربية ذلك المنهج الذي تبنَّاه معاوية ويزيد وآل أميَّة ومن إليهم.
    وبعد مشادّة كلاميّة عنيفة حصلت بينهم .. يقول الأستاذ عبد المنعم فقال له بعضهم : على كل حال يجب ألا تتأثَّر بكلام هؤلاء ، فإن في حديثهم سحراً يؤثِّر.
    ضحكت وقلت له : هذا ما قالته قريش للنبيِّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عندما جاء بالقرآن ، ورجعت إليه مرَّة أخرى قائلا له : دعنا من كل ذلك ، فأنا أسألك حول قضيّة الحسين بن علي ( عليهما السلام ) كمسألة واضحة ماذا تقولون فيها ؟
    سكت وكأنه يبحث عن إجابة ، ثمَّ قال : لماذا تبحثون عن هذه الأشياء ؟!
    قلت : أجب على سؤالي ، ودع عنك السبب.
    قال : معاوية صحابيٌّ جليل ، ويزيد كان أميراً على المسلمين ، والحسين


(255)
خرج على وليِّ أمر زمانه ، ولو كان يزيد قد أخطأ فربَّما يكون قد تاب ، فلا داعي لأن نتحدَّث حوله ونشهِّر به.
    قلت مختتماً هذا الحوار الذي لن يثمر عن شيء : أنت بهذا تلغي الآيات القرآنية التي شهَّرت بقابيل ونمرود وفرعون والسامري .. وغيرهم من الطغاة أعداء الرسالات ، وبقولك هذا تبرِّر لكل مخطئ في هذه الدنيا ؛ لأنه ربما يتوب ، وبهذه العقليّة تعطِّل الدين ، ويصبح كل التأريخ بلا فائدة.
    كلمة أخيرة أقولها لك : أنتم لا ترتقون لمستوى الدفاع عن شريعة السماء ؛ لأنها لا تحتاج إلى مراوغة وكذب وافتراء ، وحديثي معك الآن إذا لم أصبح بسببه شيعيّاً فهو يبعدني عنكم أكثر فأكثر.
    وحاول أن يعتذر قائلا : على كل حال ، نصيحة لك لا تقرأ لهؤلاء ، ونحن سنكون بالمرصاد لهم.
    قلت : إذا كانوا على حق فالله ناصرهم ، وإن كانوا على باطل فأنتم أكثر بطلاناً منهم.
    وتركته وانصرفت راجعاً إلى الإخوة ، فوجدت أن الوهابيّة لم تزل تدافع عن يزيد ومعاوية ، فتركتهم وانصرفت إلى بعض أشغالي أسفاً على حال هؤلاء المساكين الذين يردِّدون ما يقوله أحبارهم بلا وعي ولا فهم (1).
1 ـ بنور فاطمة ( عليها السلام ) اهتديت ، عبد المنعم حسن السوداني : 189 ـ 192.
مناظرات المستبصرين ::: فهرس