مناظرات المستبصرين ::: 376 ـ 390
(376)
مناظرة
الشيخ معتصم سيد أحمد السوداني مع الشيخ عبدالقادر
الأرنؤوطي في حديث الثقلين
    حدث لي أثناء إقامتي في الشام لقاء مع الشيخ عبدالقادر الأرنؤوطي ، وهو من علماء الشام ، وله إجازة في علم الحديث.
    وقد تم هذا اللقاء من غير إعداد مني ، وإنما كان من طريق الصدفة ..
    كان لي أحد الأصدقا السودانيين أسمه عادل ، تعرفت عليه في منطقة السيدة زينب ( عليها السلام ) وقد أنار الله قلبه بنور أهل البيت ( عليهم السلام ) وتشيع لهم ، وامتاز هذا الأخ بصفات حميدة قل ما تجدها في غيره ، فكان خلوقاً متديناً ورعاً ، وقد أجبرته الظروف على العمل في إحدى المزارع في منطقة تُسمى العادلية ـ 9 كم تقريباً جنوب السيدة زينب ( عليها السلام ) ، وكان بجوار المزرعة التي يعمل بها مزرعة اُخرى لرجل كبير السن متديّن يكنى بأبي سليمان.
    فعندما عرف هذا الجار أن السوداني الذي يعمل بجواره شيعي ، جاء إليه وتحدّث معه ، قال : يا أخي ، السودانيون سنّة طيبون ... من أيين لك بالتشيع ؟! هل في اُسرتك أحد شيعي ؟
    قال عادل : لا ، ولكن الدين والقناعة لا تبتني على تقليد المجتمع


(377)
والاُسرة.
    قال : إن الشيعة يكذّبون ويخدعون العامة.
    قال عادل : أنا لم أر منهم ذلك.
    قال : بلى نحن نعرفهم جيداً.
    قال عادل : يا حاج ، هل تؤمن بالبخاري ومسلم وصحاح السنة ؟
    قال : نعم.
    قال عادل : إن الشيعة يستدلون على أي عقيدة يؤمنون بها من هذه المصادر ، فضلاً عن مصادرهم.
    قال : إنهم يكذبون ، ولهم بخاري ومسلم محرَّف.
    قال عادل : إنهم لم يلزموني بكتاب مخصص ، بل طلبوا مني أن أبحث في أي مكتبة في العالم العربي.
    قال : هذا كذبٌ ، وأنا من واجبي أن أردك مرة اُخرى إلى السنّة ، « وإن يهدي بك الله رجل واحد خير لك مما طلعت عليه الشمس » (1).
    قال عادل : نحن طالبي حق وهدى ، نميل مع الدليل حيثما مال.
    قال : إني سأحضر لك أكبر عالم في دمشق ، وهو العلامة عبدالقادر الأرونؤوطي ، عالم جليل ، ومحدّث حافظ ، وقد حاول الشيعة إغراءه بالملايين حتى يصبح معهم ، لكنه رفض ...
    وافق ـ الأخ ـ عادل على هذا الطرح ، وقال له أبو سليمان : موعدنا يوم الأثنين أنت وكل السودانيين الذين تأثروا بالفكر الشيعي.
1 ـ بحار الأنوار : ج 1 ص 215 ح 26 ، وج 2 ص 146 ح 15.

(378)
    جاء إليَّ عادل ، وأخبرني بما حدث ، وطلب مني أن أذهب معه ... وبفرحة شديدة قبلت هذا العرض ، وتواعدت معه يوم الإثنين بتاريخ 8 صفر 1417 من الهجرة على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم ، في تمام الساعة 12 ظهراً.
    وكان يوماً شديد الحر ، تقابلنا في الموعد ، وانطلقنا إلى المزرعة مع ثلاثة من السودانيين ، وبعد وصولنا كان الأخ عادل في استقبالنا في مزرعة خضراء تحفّها الأشجار المثمرة من الخوخ والتفاح والتوت وغيرها من الفواكه التي لا توجد عندنا في السودان.
    وبعدها أخذنا نحث الخطى إلى مزرعة جاره السني ، فاستقبلنا بحفاوة بالغة ، وبعد قليل من الاستجمام في ذلك المكان الذي تحيط به الخضرة من كل حدب ، قمت إلى صلاة الظهر ، وفي أثناء الصلاة ، جاءت قافلة في مقدمتها سيارة تحمل الشيخ الأرنؤوطي ، وقد امتلأ المكان بالناس وخارج المبنى بالسيارات ، وعلت الدهشة وجوه أصحابي السودانيين من هيبة هذا المقام ، لأنهم لم يتصوروا أن الأمر بهذا الحجم ، وبعدما استقر كل واحد في مكانه ، اخترتُ مكاناً بجوار الشيخ.
    وبعد إجراء التعريف بين الجميع ، تحدّث صاحب المزرعة مع الشيخ قائلاً : إن هؤلاء إخواننا من السودان ، وقد تأثروا بالتشيع في السيدة زينب ( عليها السلام ) ، وبينهم واحد شيعي يعمل في المزرعة التي بجوارنا.
    قال الشيخ : أين هذا الشيعي ؟
    قالوا له : ذهب إلى مزرعته وسيرجع بعد قليل.
    قال : إذن نؤخر الحديث إلى رجوعه ..
    ... ذهب إليه أحد السودانيين وأحضره إلى المجلس ، وقد استغل الشيخ


(379)
هذه الفرصة ، بقراءة أحاديث كثيرة يحفظها عن ظهر قلب ، وكان موضوعها أفضلية بعض البلدان على بعض ، وخاصة الشام ودمشق ، وقد أخذ هذا الموضوع حوالي نصف ساعة ـ وهو موضوع لا جدوى فيه ـ ، وقد تعجبت منه كثيراً كيف لا يستغل هذا الظرف ، وقد أعاره الجميع عقولهم بحديث يستفيدون منه في دينهم ودنياهم ، ثم قال : إن دين الله لا يؤخذ بالحسب والنسب ، وقد جعل الله شرعه لكل الناس ، فبأي حق نأخذ ديننا من أهل البيت ( عليهم السلام ) ؟! وقد أمرنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالتمسك بكتاب الله وسنته ، وهو حديث صحيح لا يستطيع أحد تضعيفه ، ولا يوجد عندنا طريق آخر غير هذا الطريق وضرب بيده على ظهر عادل وقال له : يا إبني ، لا يغرنَّك كلام الشيعة.
    استوقفته قائلاً : سماحة الشيخ ، نحن باحثون عن الحق ، وقد اختلط علينا الأمر ، وجئنا كي نستفيد منك عندما عرفنا أنك عالم جليل ومحدّث وحافظ.
    قال : نعم.
    قلت : من البديهيات ، التي لا يتغافل عنها إلا أعمى أن المسلمين قد تقسموا إلى طوائف ومذاهب متعددة ، وكل فرقة تدعي أنها الحق وغيرها باطل ، فكيف يتسنى لي ، وأنا مكلف بشرع الله أن أعرف الحق من بين هذه الخطوط المتناقضة ؟! هل أراد الله لنا أن نكون متفرقين ، أم اراد أن نكون على ملة واحدة ، نُدين الله بتشريع واحد ؟! وإذا كان نعم ، ما هي الضمانة التي تركها الله ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) لنا لكي تحصن الاُمة من الضلالة ؟
    مع العلم أن أول ما وقع الخلاف بين المسلمين كان بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مباشرة ، فليس جائز في حق الرسول أن يترك أمته من غير هدى يسترشدون به.
    قال الشيخ : إن الضمانة التي تركها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لتمنع الاُمة من الاختلاف


(380)
قوله ( صلى الله عليه وآله ) : إني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا ، كتاب الله وسنتي (1).
    قلت : لقد ذكرت قبل قليل ، في معرض كلامك قد يكون هناك حديث لا أصل له ، أي غير مذكور في كتب الحديث.
    قال : نعم.
    قلت له : هذا الحديث لا أصل له في الصحاح الستة ، فكيف تقول به ، وأنت رجل محدّث ؟
     ... هنا ، شبت ناره ، وأخذ يصرخ قائلاً : ماذا تقصد ، هل تريد أن تضعّف هذا الحديث.
    تعجبت من هذه الطريقة ، وعن سبب هيجانه مع أنني لم أقل شيئاً.
    فقلت : مهلاً ، إنَّ سؤالي واحد ومحدد ، هل يوجد هذا الحديث في الصحاح الستة ؟
    قال : الصحاح ليست ستة ، وكتب الحديث كثيرة ، وإن هذا الحديث يوجد في كتاب الموطأ للإمام مالك (2).
    قلت ـ متوجها إلى الحضور ـ : حسناً ، قد اعترف الشيخ أن هذا الحديث ، لا وجود له في الصحاح الستة ، ويوجد في موطأ مالك ..
    فقاطعني ـ بلهجة شديدة ـ قائلاً : شو ، الموطأ مو كتاب حديث ؟
    قلت : الموطأ كتاب حديث ، ولكن حديث : كتاب الله وسنتي مرفوع في
1 ـ كنز العمال : ج 1 ص 186 ح 948.
2 ـ الموطأ لمالك بن أنس : ج 2 ص 899 ح 3 ( كتاب القدر ) وإليك نص الحديث كما جاء في الموطأ ، قال : وحدثني عن مالك ، أنّهُ بلغه أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما مَسَكتُمْ بهما : كتاب الله وسنّة نبيه.


(381)
الموطأ من غير سند ، مع العلم أن كل أحاديث الموطأ مسندة.
    هنا صرخ الشيخ بعدما سقطت حجته ، وأخذ يضربني بيده ويهزني شمالاً ويميناً : أنت تريد أن تضعّف الحديث ، وأنت مَنْ حتى تضعّفه ... حتى خرج عن حدود المعقول ، وأخذ الجميع يندهش من حركاته وتصرفه هذا.
    قلت : يا شيخ ! هنا مقام مناقشة ودليل ، وهذا الاُسلوب الغريب الذي تتبعه لا يجدي ، وقد جلست أنا مع الكثير من علماء الشيعة ، ولم أر مثل هذا الاُسلوب أبداً ، قال تعالى : ( ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ) (1) ... وبعد هذا ، هدأ قليلاً من ثورته.
    قلت : أسألك يا شيخ : هل رواية مالك لحديث كتاب الله وسنتي ، في الموطأ ، ضعيفة أم صحيحة ؟!
    قال ـ بتحسر شديد ـ : ضعيفة.
    قلت : فلماذا إذن ، قلت : أن الحديث في الموطأ ، وأنت تعلم أنه ضعيف ؟ قال ـ رافعاً صوته ـ : إنَّ للحديث طرق اُخرى.
    قلت للحضور : قد تنازل الشيخ عن رواية الموطأ ، وقال : إن للحديث طرق اُخرى ، فلنسمع منه هذه الطرق.
    ... هنا أحس الشيخ بالهزيمة والخجل ، لأن ليس للحديث طرق صحيحة ، وفي هذه الأثناء ، تحدث أحد الجلوس ، فوكزني الشيخ بيده ، وقال لي وهو مشيراً إلى المتحدث : إسمع له والتفت ، يريد بذلك الهروب من السؤال المحرج الذي وجهته له.
1 ـ سورة آل عمران : الآية 159.

(382)
    أحسست منه هذا ، ولكني أصررت وقلت : أسمعنا يا شيخ الطرق الاُخرى للحديث ؟؟
    قال ـ بلهجة منكسرة ـ : لا أحفظها ، وسوف أكتبها لك.
    قلت : سبحان الله! ، أنت تحفظ كل هذه الأحاديث ، في فضل البلدان والمناطق ، ولا تحفظ طريق أهم الأحاديث ، وهو مرتكز أهل السنة والجماعة ، والذي يعصم الاُمة عن الضلالة كما قلت ... فظل ساكتاً.
    وعندما أحس الحضور بخجله ، قال لي أحدهم : ماذا تريد من الشيخ وقد وعدك أن يكتبها لك ، قلت : أنا أقرّب لك الطريق ، إن هذا الحديث يوجد أيضاً في سيرة ابن هشام (1) من غير سند.
    قال الشيخ الأرنؤوطي : إن سيرة ابن هشام ، كتاب سيرة وليس حديث.
    قلت : إذن تضعّف هذه الرواية.
    قال : نعم.
    قلت : كفيتني مؤونة النقاش فيها.
    وواصلت كلامي قائلاً : ويوجد أيضاً في كتاب الإلماع للقاضي عياض (2) ، وفي كتاب الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي (3) ... هل تأخذ بهذه الروايات ؟
    قال : لا.
    قلت : إذن ، حديث كتاب الله وسنتي ، ضعيف بشهادة الشيخ ، ولم يبقى أمامنا إلا ضمانة واحدة تمنع الاُمة من الاختلاف ، وهي حديث متواتر عن
1 ـ السيرة النبويّة لابن هشام : ج 4 ص 251.
2 ـ الألماع إلى معرفة الرواية وتقييد السماع للقاضي : ص 9.
3 ـ كتاب الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي : ج 1 ص 94.


(383)
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقد روته كتب الحديث السنية ، والصحاح الستة ما عدا البخاري وهو قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ، كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض ، وعترتي أهل بيتي ، فإن العليم الخبير ، انبئني انهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض. كما في رواية أحمد بن حنبل (1) ، ولا مناص لمؤمن يريد الإسلام الذي أمر الله به ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) غير هذا الطريق ، وهو طريق أهل البيت المطهرين في القرآن الكريم من الرجس والمعاصي ، وذكرت مجموعة من فضائل أهل البيت ( عليهم السلام ) ، والشيخ ساكت لم يتفوه بكلمة طوال هذه المدة ـ على غير عادته ـ فقد كان يقاطع حديثي بين كلمة واُخرى.
    وعندما رأى مريدوه الإنكسار في شيخهم ، أصبحوا يهرّجون ويمرّجون.
    قلت : كفى دجلاً ونفاقاً ، ومراوغة عن الحق ، إلى متى هذا التنكر ؟!! والحق واضحة آياته ، ظاهرة بيناته ، وقد أقمتُ عليكم الحجة ، بأن لا دين من غير الكتاب والعترة الطاهرة من آل محمد ( صلى الله عليه وآله ).
    وظل الشيخ ساكتاً ولم يرد عليَّ كلمة واحدة. فقام منتفضاً قائلاً : أنا أريد أن أذهب ، وأنني مرتبطٌ بدرس ، مع العلم أنه كان مدعواً لطعام الغذاء !!.
    أصر عليه صاحب المنزل بالبقاء ، وبعد إحضار طعام الغداء ، هدأ المجلس ، ولم يتفوه الشيخ بكلمة واحدة في أي موضوع كان ، طيلة جلسة الغداء ، وقد كان فيما سبق هو صاحب المجلس والحديث أولاً ! ...
    هكذا مصير كل من يراوغ ويخفي الحقائق ، فلا بد أن ينكشف أمام
1 ـ مسند أحمد بن حنبل : ج 3 ص 17 ، كنز العمال : ج 1 ص 173 ح 873 و 943 ـ 945.

(384)
الملأ .. (1)
1 ـ الحقيقة الضائعة ، للشيخ معتصم السوداني : ص 49 ـ 56.

(385)
مناظرة
الشيخ معتصم سيد أحمد السوداني مع الشيخ أحمد الأمين
في صيانة القرآن عن التحريف (1)
    قال الشيخ معتصم السوداني ـ في معرض كلامه عمّا جرى له مع بعض أولئك الذين ينالون من الشيعة ـ : وجرى حوار بيني وبين شيخهم ـ أحمد الأمين ـ وطلبت منه العقلانية وترك الإستهتار والتهجم دون جدوى ، وبعدما طفح الكيل وازداد تعنتهم وتعصبهم ذهبت إلى مسجدهم وصليتُ خلفه صلاة الظهر ، وبعد الإنتهاء من الصلاة سألته : هل تعرضتُ لك يوماً طوال هذه المدة ، التي تسب فيها الشيعة وتكفرهم بمكبرات الصوت ؟!
    قال : لا.
    قلت : أو تدري ما السبب ؟!
1 ـ من أراد الاطلاع الواسع على رأي الشيعة الإمامية واعتقادهم بصيانة القرآن الكريم عن التحريف فليراجع :
1 ـ البيان في تفسير القرآن للسيد الخوئي ( قدس سره ) : ص 197 ـ 272.
2 ـ التحقيق في نفي التحريف للسيد علي الميلاني.
3 ـ سلامة القرآن من التحريف ، نشر وإصدار مؤسسة الإمام عليّ ( عليه السلام ) وغيرها الكثير.


(386)
    قال : لا أدري.
    قلت : إن كلامك تهجم وجهل ، وتعرّض لشخصيتي ، فخفتُ أن أعترض عليك فيكون ذلك دفاعاً عن نفسي ، وليس دفاعاً عن الحق ، والآن أطلب منك مناظرة علمية ومنهجية أمام الجميع حتى ينكشف الحق.
    قال : لا مانع عندي.
    قلت : إذاً حدد محاور المناظرة.
    قال : تحريف القرآن ، وعدالة الصحابة.
    قلت : حسناً ، ولكن هناك أمران ضروريان لابد من مناقشتهما ، وهما صفات الله ، والنبوة في اعتقادكم ورواياتكم.
    قال : لا.
    قلت : ولِمَ ؟
    قال : أنا أحدد المحاور ، فإذا طلبتُ منك ـ أنا ـ المناظرة ، يكون الحق لك في تحديد المحاور.
    قلت : لا خلاف ... متى موعدنا ؟
    قال : اليوم ، بعد صلاة المغرب ـ ظناً منه أنه سيرهبني بهذا الموعد القريب ـ فأظهرت موافقتي بكل سرور ، وخرجت من المسجد.
    وبعد أداء صلاة المغرب ، بدأت المناظرة ، فبدأ شيخهم ـ أحمد الأمين ـ الحديث كعادته يتهجم ويتهم الشيعة بالقول بتحريف القرآن ، وكان يمسك في يده كتاب ( الخطوط العريضة لمحب الدين ).
    وبعد الفراغ من حديثه ، ابتدأت حديثي ، وقمت بالرد على كل ما افتراه من اتهامات بالتفصيل ، وبرأت الشيعة تماماً من القول بتحريف القرآن ، وبعد ذلك ،


(387)
قلت له كما قيل : ترون التبنة في أعين غيركم ، ولا ترون الخشبة في أعينكم ، فإن الروايات التي احتوتها كتب الحديث عند السنة ظاهرة في اتهام القرآن الكريم بالتحريف ، فنسبة القول بالتحريف إلى السنة أقرب منها إلى الشيعة. وذكرت ما يقارب عشرين رواية مع ذكر المصدر ورقم الصفحة من صحيح البخاري ومسلم ومسند أحمد والإتقان في علوم القرآن للسيوطي ، مثال :
    أخرج الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ، عن أبي بن كعب قال : كم تقرأون سورة الأحزاب ؟ قال : بضعاً وسبعين آية ، قال : لقد قرأتها مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مثل البقرة أو أكثر منها ، وإن فيها آية الرجم (1).
    وأخرج البخاري في صحيحه بسنده عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب ، قال : إن الله بعث محمداً ( صلى الله عليه وآله ) بالحق ، وأنزل عليه الكتاب ، فكان مما أنزل الله آية الرجم ، فقرأناها وعقلناها ووعيناها ، فلذا رجم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ورجمنا بعده ، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل : والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله ، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ... إلى أن يقول : ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله : ( أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم ، أو إن كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم ) (2).
    وروى مسلم في صحيحه ، قال : بُعث أبو موسى إلى قراء أهل البصرة ، فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن ، فقال : أنتم خيار أهل البصرة ، وقراؤهم ، فاتلوه ولا يطولن عليكم الأمر ، فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم ، وإنا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة فأنسيتها ، غير
1 ـ مسند أحمد بن حنبل : ج 5 ص 132.
2 ـ صحيح البخاري : ج 8 ص 209 ـ 210 ( ك المحاربين ، ب رجم الحبلى إذا زنت ).


(388)
أني قد حفظت منها لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب ، وكنا نقرأ سورة كنا نشبهها بإحدى المسبحات فأنسيتها ، غير أني حفظت منها : ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة ) (1).
    وفي أثناء ذكري لهذه الروايات ، لاحظت أن الشيخ حملق عينيه وفتح فاه وظهرت الحيرة والدهشة على وجهه ، فما أن توقفت عن الكلام حتى أخذ يقول : أنا لم أسمع بذلك وأنا لم ارَ ذلك ، وأطالبك أن تحضر هذه المصادر أمامي.
    قلت : قبل قليل كنت تتهجم على الشيعة وتتهمهم بالتحريف ، فلماذا لم تحضر كتبهم التي لم ترها في حياتك كلها ، فأنت ملزم بإحضار مصادرك وهذه مكتبتك ، فيها البخاري ومسلم وكتب الحديث ، أحضرها حتى اُخرجَ لك هذه الروايات منها ، وعندما لم يجد مخرجاً قفز إلى موضوع آخر ، وهو أن الشيعة تقول بالتقية فكيف نصدق كلامهم ؟!
    وهرج ومرج ، حتى قام أحدهم وأذن لصلاة العشاء ، وبعد الصلاة تواعدنا أن نكمل المناظرة في الأيام القادمة ، على أن نختار في كل يوم موضوعاً نتناظر حوله ... ولما جاء الغد كنتُ جالساً أمام منزلنا في الصباح فمر الشيخ وسلّم عليَّ بكل احترام وقال : إن هذه المباحث لا يفهمها العامة ، فمن الأفضل أن نتحاور ونتناظر أنا وأنت على انفراد.
    قلت : أوافق ، لكن بشرط أن تترك التهجم على الشيعة ، وفيما بعد لم نسمع له تهجماً على الشيعة .. (2)
1 ـ صحيح مسلم : ج 2 ص 726 ح 119 ( ك الزكاة ب 39 ).
2 ـ الحقيقة الضائعة للشيخ معتصم السوداني : ص 26 ـ 29.


(389)
مناظرة
الشيخ معتصم السوداني مع الأستاذ عبد المنعم
في أن كتب السنّة فيها دلائل على التشيُّع
وبداية تحوُّله وبحثه عن الحقيقة
    يقول الشيخ معتصم سيِّد أحمد السوداني : انطلقت إلى المكتبة التي حوت كثيراً من الكتب والموسوعات الضخمة ، فأصبحت ملازماً لها ، ولكنَّ المشكلة التي واجهتني هي : من أين أبدأ ؟ وأيَّ شيء أقرأ ؟
    وبقيت على هذه الحال أنتقل من كتاب إلى آخر ، وقبل أن أضع لنفسي برنامجاً فتح لي أحد أقاربنا باباً واسعاً ومهمّاً في البحث والتنقيب ، وهو دراسة التاريخ وتتبُّع المذاهب الإسلاميّة لمعرفة الحقِّ من بينها ، وكان الفتح توفيقاً إلهيّاً لم يكن في حسباني عندما التقيت بقريبي عبد المنعم ـ وهو خريج كلية القانون ـ في منزل ابن عمّي في مدينة عطبرة ، وقبل غروب الشمس رأيته في ساحة المنزل يتحاور مع أحد من الإخوان المسلمين الذي كان ضيفاً في البيت ، فأرهفت السمع لأرى فيم يتحادثان ، وأسرعت إليهم عندما علمت بطبيعة النقاش ، وهو في الأمور الدينيّة ، فجلست بالقرب منهم أراقب تطوُّرات المحاورة التي امتاز فيها عبد المنعم بالهدوء التامّ ، رغم استفزازات الطرف الآخر


(390)
وتهجُّمه ، ولم أعرف طبيعة النقاش بتمامه إلى أن قال الأخ المسلم : الشيعة كفَّار زنادقة.
    هنا انتهيت وأمعنت النظر ، ودار في ذهني استفهام حائر : من هم الشيعة ؟ ولماذا هم كفَّار ؟ وهل عبد المنعم شيعيٌّ ؟ وما يقوله من غريب الحديث هل هو كلام الشيعة ؟
    وللإنصاف إن عبد المنعم أفحم خصمه في كلِّ مسألة طرحت في النقاش ، بالإضافة إلى لبقة منطقه وقوَّة حجَّته.
    وبعد الانتهاء من الحوار وأداء صلاة المغرب انفردت بقريبي عبد المنعم ، وسألته بكلِّ احترام : هل أنت شيعيٌّ ؟ ومن هم الشيعة ؟ ومن أين تعرَّفت عليهم ؟
    قال : مهلا .. مهلا ، سؤال بعد سؤال.
    قلت له : عفواً ، وأنا ما زلت مذهولا ممَّا سمعته منك.
    قال : هذا بحث طويل ، ومجهود أربع سنوات من العناء والتعب ، مع الأسف لم تكن النتيجة متوقَّعة.
    فقاطعته : أيُّ نتيجة هذه ؟
    قال : ركام من الجهل والتجهيل عشناه طوال حياتنا ، نركض خلف مجتمعاتنا من غير أن نسأل : هل ما عندنا من دين هو مراد الله تعالى وهو الإسلام ؟ وبعد البحث اتّضح أن الحقَّ كان مع أبعد الطرق تصوُّراً في نظري وهم الشيعة.
    قلت له : لعلّك تعجَّلت .. أو اشتبهت.
    فابتسم في وجهي قائلا : لماذا لا تبحث أنت بتأمُّل وصبر ؟ وخاصة أن لكم مكتبة في الجامعة تفيدك في هذا الأمر كثيراً.
مناظرات المستبصرين ::: فهرس