مناظرات المستبصرين ::: 406 ـ 420
(406)
    لا علاقة للتشيّع بعبدالله بن سبأ
    بالله عليك ، هل هناك عاقل له قليل اطّلاع بالمذهب الشيعيِّ يكون صادقاً مع نفسه إذا نسبه إلى عبدالله بن سبأ ؟ نعم قد يكون الجاهل معذوراً ، ولكن ما عذر من يكرّر الجهل ويتبّناه من غير دراية وتحقيق ، ونحن على مشارف القرن الحادي والعشرين ، فكيف تتحدَّثون عن الشيعة وكأنهم مخلوق غريب لا ارتباط لهم بالإنسانيّة ، ويعيشون في كوكب غير كوكبنا ؟
    عزيزي ! إنّ الوسائل قد تغيَّرت ، فاتركوا ما ورثتموه عن سلفكم ، ابحثوا عن وسائل جديدة في الردِّ على الشيعة ، فزمنهم غير زمنكم ، فقد تعدَّدت وسائل المعارف ، فهذه الكتب الشيعيّة متوفِّرة في كل مكان فاطّلعوا على براهينهم ، وهذه البلاد الشيعيّة زوروها ، وقفوا على أحوالهم.
    وكان بإمكاني أن لا أردّ على ما ذكرت ؛ لأنه لا يرقى إلى مستوى الفكر والنقاش ، ولكن تنازلا أعقّب على ما ذكرته في حديثك.
    أولا : إنّ نسبة الشيعة إلى عبدالله بن سبأ ، يرجع إلى ما رواه الطبري ، وهو أول راوي لذلك ، أمَّا بقية المؤرِّخين فإنهم أخذوا منه ، وروى الطبري ذلك عن سيف بن عمر ، وسيف معروف قدره عند علماء الجرح والتعديل (1) ، فإنه رجل
1 ـ قال يحيى بن معين ـ ت 233 هـ ـ : ضعيف الحديث ، فلسٌ خير منه ، وقال أبو داوود ـ ت 275 هـ ـ : ليس بشيء كذّاب ، وقال النسائيي صاحب الصحيح ـ ت 303 هـ ـ : ضعيف ومتروك الحديث ، ليس بثقة ولا مأمون ، وقال ابن حاتم ـ ت 327 هـ ـ : متروك الحديث ، وقال ابن عدي ـ ت 365 ـ : يروي الموضوعات اُتهم بالزندقة ، وقال : قالوا : كان يضع الحديث ، وقال الحاكم ـ ت405 هـ ـ : متروك ، وقد اتهم بالزندقة ، وهاهُ الخطيب البغدادي ، ونقل ابن عبد البرّ عن ابن حيان أنه قال فيه : سيف متروك ، وإنّما ذكرنا حديثه للمعرفة ، ولم يعقِّب ابن عبد البرِّ عليه ، وقال الفيروز آبادي : صاحب توالف ، وذكره مع غيره وقال عنهم : ضعفاء ، وقال ابن حجر بعد إيراد حديث ورد في سنده اسمه : فيه ضعفاء أشدُّهم سيف ، وقال صفي الدين : ضعَّفوه ، وروى له الترمذي فرد حديث.

(407)
كاذب ومدلِّس ، ولا يؤخذ برواياته ، وللمزيد ارجع إلى كتاب عبدالله بن سبأ وأساطير أخرى للعلامة السيد مرتضى العسكري.
    ثانياً : حتى لو سلّمنا بهذه الروايات فإنها لا تقول بأن عبدالله بن سبأ هو مؤسّس الشيعة ، فكل ما فيها أنّ هذا الرجل ادّعى أنّ لكل نبيٍّ وصيّاً ، وأنّ وصيَّ محمَّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هو عليٌّ ( عليه السلام ) ، وهذا ليس من مبتكرات عبدالله بن سبأ ، وإنما صرَّح به رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من قبل ، فإذا كان قول الشيعة مطابقاً لقول ابن سبأ ، فما هو وجه الملازمة بين هذا وبين أن يكون هو مؤسّس الشيعة ؟ فما هو وجه الشبه حتى تربط بين الأمرين ؟ ولعمري إنها لسخافة في الرأي.
    أمَّا تأليه عليٍّ ( عليه السلام ) وأنّ عليّاً ( عليه السلام ) أحرق أتباعه بالنار ، فإن الشيعة لا تؤمن بذلك ، وإنما نعتقد أن عليّاً ( عليه السلام ) عبدٌ صالح من عباد الله الصالحين ، اختاره الله لحمل رسالته من بعد الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    ثالثاً : ما كانت هذه الفرية إلاَّ حلقة من مسلسل الوضع على الشيعة ، كما قال طه حسين : ( ابن سبأ شخص ادّخره خصوم الشيعة للشيعة ، ولا وجود له في الخارج ) وتستهدف هذه المحاولة تشويه عقائد الشيعة التي تنبع من القرآن والسنة ، مثل الوصيَّة والعصمة ، فلم يجد أعداؤهم طريقاً إلاَّ ربط هذه العقائد بجذر يهوديٍّ ، يكون بطلها شخصاً خياليّاً اسمه عبدالله ابن سبأ ، فيلقى اللوم بذلك عليه وعلى الذين أخذوا منه ، وهذا بالإضافة إلى تعديل صورة الصحابة


(408)
وتنزيههم عن اللوم والعتاب ، بما جرى بينهم من فرقة واختلاف انتهت بقتل عثمان ، وحرب الجمل التي تعتبر أكبر فاجعة بعد حادثة السقيفة ، حيث راح ضحيَّتها آلاف من الصحابة ، وما هذه القصة المفتعلة عن ابن سبأ إلاَّ تغطية على تلك الفترة الزمنيّة الحرجة ، فألقوا مسؤوليَّة ما حدث على هذه الشخصيّة الوهميّة وأسدلوا الستار ، ومن غير ذلك يكون الصحابة أنفسهم مسؤولين عمَّا حدث ، من انشقاق الأمَّة ، وتفرّقهم إلى مذاهب ومعتقدات شتى ، ولكن هيهات يتسنَّى لهذا الدخيل أن يعبث حتى غيَّر تاريخ الإسلام العقائدي ، والصحابة شهود على ذلك !! فإذا لم يكن الصحابة قادرين على قيادة الأمّة إلى برِّ الأمان في حياتهم ، فكيف يقودون الأمَّة بعد وفاتهم ، فالذي فشل في حياته كيف ينجح بعد مماته ؟!

    الدليل على ولاية علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وخلافته
    وعندما كنت أتحدَّث كان بعض الوهابيّة يصيحون : الزمن ، الزمن ، ولكن المحاضر صامت وكأنّ على رأسه الطير ، ولم يتفوّه بكلمة واحدة ، وشعرت بأنه يطلب المزيد ، ولذلك ما إن وضعت لاقطة الصوت وقلت : لنا عودة ، قال : أسألك سؤالا ، هل عندك دليل على ولاية علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وخلافته ؟
    قلت : من القرآن والسنة ، والعقل ، والتاريخ ، فأيّها تحبُّ ؟
    قال : من القرآن.
    فحمدت الله في سرّي على هذه الفرصة الجديدة ، وقلت : إنّ الآيات كثيرة في ذلك ، وسوف أذكر لك بعضها مع التوضيح :


(409)
    الآية الأولى : آية ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ ... ).
    أولا : قوله تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (1).
    هذه الآية تطرح نفس ما قلناه ، وتؤكِّد أولا : ضرورة الولاية في الدين ، وثانياً : استمراريّة ولاية الله ، وهي السلطة والحاكميّة للرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ثمَّ من بعده الذين آمنوا الذين يؤتون الزكاة وهم راكعون.
    أمَّا ولاية الله فهي ثابتة بالذات ، وأمَّا ولاية الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والذين آمنوا فهي بالتبع ، فولاية الله في الأرض وحكومته لا تتمُّ إلاَّ باصطفاء بشر أعطاهم الله القدرة التي تؤهّلهم على أن يكونوا امتداداً لحكومة الله في الأرض ، فلا يحقُّ للإنسان ، مطلق الإنسان ، أن يتصرَّف في إدارة البلاد والعباد من غير إذن الله ؛ لأنّ الله هو الحاكم ( إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ ) (2) ولا تتمُّ حكومته في الأرض إلاّ إذا اصطفى الله حاكماً من عباده ، ولذلك جاءت هذه الآية القرآنيّة صريحة في هذا المجال ، فأثبتت أولا : ولاية الله ، ثمَّ أجرت هذه الولاية على الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ثمَّ صرَّحت أن الولاية من بعد الرسول تكون مستمرَّة في الذين آمنوا وآتوا الزكاة في حال الركوع.
    فدلالة هذه الآية على ولاية علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) تكون واضحة إذا اتضح أنّ المراد من قوله تعالى ( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) هو علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، والحمد لله إنّ هذا المعنى ثابت ؛ لما تواتر
1 ـ سورة المائدة ، الآية : 55.
2 ـ سورة الأنعام ، الآية : 57.


(410)
من الأخبار في نزول هذه الآية بخصوص علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وأذكر لكم هنا ما جاء عن أبي ذر الغفاري في رواية طويلة أخرجها عنه الحاكم الحسكاني ( ج1 ص 177 ط. بيروت ) بسنده.
    قال أبو ذر الغفاري : أيُّها الناس ! من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا جندب بن جنادة البدري أبو ذرٍّ الغفاري ، سمعت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بهاتين وإلاَّ فصمَّتا ، ورأيته بهاتين وإلاَّ فعميتا ، وهو يقول : عليٌّ قائد البررة ، قاتل الكفرة ، منصور من نصره ، ومخذول من خذله ، أما إني صلّيت مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوماً من الأيام صلاة الظهر ، فسأل سائل في المسجد ، فلم يعطه أحد ، فرفع السائل يده إلى السماء ، وقال : اللهم اشهد أنّي سألت في مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فلم يعطني أحدٌ شيئاً ، وكان علي ( عليه السلام ) راكعاً فأومأ إليه بخنصره اليمنى ، وكان يتختّم فيها ، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره ، وذلك بعين النبيِّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فلمَّا فرغ النبي من صلاته رفع رأسه إلى السماء ، وقال : اللّهمّ إنّ أخي موسى سألك فقال : ( قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) (1) ، فأنزلت عليه قرآناً ناطقاً : ( سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ ) (2) ، اللهم وأنا محمّد نبيُّك وصفيُّك ، اللهم فاشرح صدري ، ويسرّ لي أمري ، وجعل لي وزيراً من أهلي ، عليّاً أخي ، اشدد به أزري.
    قال : فوالله ما استتمّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الكلام حتى نزل عليه جبرئيل ( عليه السلام ) من
1 ـ سورة طه ، الآية : 25 ـ 32.
2 ـ سورة القصص ، الآية : 35.


(411)
عند الله ، وقال : يا محمّد ! هنيئاً ما وهب لك في أخيك ، قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : وما ذاك يا جبرئيل ؟ قال : أمر الله أمّتك بموالاته إلى يوم القيامة ، وأنزل عليك ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ) ... إلى آخر الآية (1).
    فيكون معنى الآية بعد ذلك : إنما وليُّكم الله ورسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ). ولا يستشكل أحد ، كيف خاطب الله الفرد بصيغة الجمع ؟ لأنه أمر جائز في لغة العرب ، وهو ضرب من ضروب التعظيم ، والشواهد على ذلك كثيرة ، كقوله تعالى : ( الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء ) (2). فالقائل هو حيي بن أخطب ، وقوله تعالى : ( وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ) (3) ، وهذه الآية نزلت في رجل من المنافقين ، إما في الجلاس بن سويد ، أو نبتل بن الحرث ، أو عتاب بن قشيرة (4).
    ولا يستشكل أيضاً بأنّ معنى الوليّ هو المحبُّ والناصر ، وإنما هو الأولى بالتصرُّف ، والذي يدلُّ على ذلك هو أن الله تعالى نفى أن يكون لنا وليٌّ غيره وغير رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وغير ( وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) بلفظة ( إِنَّمَا ) ، ولو كان المقصود الموالاة في الدين ما خصّ بها المذكورين ، لأن الموالاة في الدين عامة للمؤمنين جميعاً ، قال تعالى :
1 ـ شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : 1/229 ـ 231 ح 235 ، نظم درر السمطين ، الزرندي الحنفي : 87.
2 ـ سورة آل عمران ، الآية : 181.
3 ـ سورة التوبة ، الآية : 61.
4 ـ تفسير الطبري : 8/198.


(412)
( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْض ) (1) فالتخصيص يدلُّ على أنّ نوع الولاية يختلف عن ولاية المؤمنين لبعضهم البعض ، فلا يكون المراد من قوله : ( وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ ... ) مجمل ومطلق المؤمنين ، وإنّما تكون خاصّة بعلي ( عليه السلام ) بدليل ( إنّما ) التي تفيد التخصيص فتنفي جملة المؤمنين ، وهذا بالإضافة للأحاديث التي أثبتت أن هذا الوصف ( وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) لم ينطبق على أحد ، ولم يدّعه أحد غير أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) ، وهو كونه أتى الزكاة وهو راكع.

    الآية الثانية : آية ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ... ).
    ثانياً : قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (2).
    تعالوا لنتدبَّر في هذه الآية المباركة ، فإننا نلاحظ أنّ هذه الآية خاطبت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بلهجة غريبة : « وإن لم تفعل » فمتى توانى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في أمر تبليغ الرسالة حتى يخاطبه الله بقوله : ( وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ ) فنستظهر من ذلك أن هذا الأمر الذي يأمر المولى بتبليغه في غاية الأهمّيّة والشأن ، هذا أولا.
    وثانياً : صعوبة تبليغ هذا الأمر من قبل الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وهذه الصعوبة تتحتَّم أن تكون من باب عدم قبول سائر الناس لهذا الأمر ، وإلاَّ لم تكن لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مصلحة في عدم تبليغه لهذا الأمر ، ويؤكِّد ذلك ذيل الآية ( وَاللّهُ يَعْصِمُكَ
1 ـ سورة التوبة ، الآية : 71.
2 ـ سورة المائدة ، الآية : 67.


(413)
مِنَ النَّاسِ ) أي بمعنى أنك ستواجه معارضة عنيفة في تبليغ هذا الأمر لدرجة أنه يمكن أن يلحق الأذى برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وهنا كفل الله له العصمة والضمانة.
    وقوله تعالى : ( وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) إنّ هذا الأمر بلغ من الأهمّيّة جعلته يوضع في كفّة قبال كل الرسالة بما فيها من صبر على العناء والجهاد ودماء الشهداء ، وما لاقاه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من أذى ، حتى قال : ما أوذي نبيٌّ كما أوذيت ، يكون كل هذا لا اعتبار له إلاَّ بتبليغ هذا الأمر.
    فياترى ماذا يكون ؟ هل الصيام ، أم الزكاة ، أم الحج ، أو التوحيد وسائر المفردات العقائدية ؟ لا يمكن أن يكون ذلك ؛ لأنّ هذه الآية في سورة المائدة ، وهي مدنيَّة ، كما أنّها من أواخر سور القرآن كما جاء في مستدرك الحاكم ، هذا بالإضافة إلى نزول هذه الآية بالذات بعد حجّة الوداع ، وهي آخر حجّة في الإسلام ، وكانت كل أحكام الدين مبلَّغةً وواضحةً ، فيكون الأمر خلاف ذلك ، وإنّما له ربط بوفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    فهل هنالك أمر غير تعيين الإمام والخليفة بعد الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، أمرٌ يكون بقاء الرسالة منوطاً به ، حيث لو لاه لما كانت رسالة ، وهل هنالك أمرٌ وقع الخلاف فيه بين المسلمين غير الخلافة والولاية كما قال الشهرستاني : ( ما سُلّ سيف في الإسلام كما سلّ في الخلافة ) (1) ، هذا بالإضافة لما أوضحناه في بداية حديثنا أن الإمامة والمرجعيّة الواحدة هي كفيلة بعصمة الأمّة من الضلال ، فيتحتَّم أن يكون الأمر المراد تبليغه هو ذلك.
    وهذا ما أثبته المفسِّرون ، وأصحاب السير ، ورواة الأحاديث بأن هذه الآية
1 ـ الملل والنحل ، الشهرستاني : 1/30.

(414)
نزلت بخصوص علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، في غدير خم ، ذكر السيوطي في تفسيره ( الدرّ المنثور ) في تفسير الآية عن ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر ، بأسانيدهم عن أبي سعيد قال : ( نزلت على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوم غدير خم في علي ( عليه السلام ) ) ونقل أيضاً عن ابن مردويه بإسناده إلى ابن مسعود قوله : كنّا نقرأ على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ـ أن عليّاً مولى المؤمنين ـ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (2).
    وروى الواحدي في أسباب النزول : ص 150 عن أبي سعيد قال : ( نزلت في غدير خم في علي ( عليه السلام ) ) (3) ، وروى الحافظ ابن عساكر الشافعي بإسناده عن أبي سعيد الخدري أنها نزلت يوم غدير خم في علي بن أبي طالب (4).
    فقد جاء عن زيد بن أرقم أنه قال : لمَّا نزل النبيُّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بغدير خم ، في رجوعه من حجّة الوداع ، وكان في وقت الضحى والحرّ شديد ، أمر بالدوحات فقمِّمن ، ونادى : الصلاة جامعة فاجتمعنا ، فخطب خطبة بليغة ، ثمَّ قال : إنّ الله تعالى أنزل إليَّ : ( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) وقد أمرني جبرائيل عن ربي أن أقوم في هذا المشهد ، وأعلم كل أبيض وأسود أن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) أخي ووصيّي وخليفتي والإمام من بعدي .. فاعلموا معاشر الناس ذلك ، فإنّ الله قد نصبه لكم وليّاً وإماماً ، وفرض طاعته على كل أحد ، ماض حكمه ، جائز قوله ، ملعون من خالفه ، مرحوم من صدَّقه ، اسمعوا وأطيعوا ، فإنّ الله مولاكم ، وعليٌّ إمامكم ، ثمَّ الإمامة في ولده من
1 ـ الدرّ المنثور ، السيوطي : 2/298 ، فتح القدير ، الشوكاني : 2/60.
2 ـ أسباب نزول الآيات ، الواحدي : 135.
3 ـ تأريخ دمشق ، ابن عساكر : 42/237.


(415)
صلبه إلى يوم القيامة ... (1).
    وبعدما بلَّغ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولاية علي ( عليه السلام ) التي لو لاها لم يكتمل الدين ، كما هو واضح من منطوق الآية : ( وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) أمَّا مفهومها ( إذا بلغت أكملت الرساله ) ومن هنا نزل قوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ) (2) فإكمال الدين وإتمام النعمة بولاية عليٍّ ( عليه السلام ) (3).

    الآية الثالثة : ( أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) (4).
    هذه الآية تلخِّص ما أوضحناه بأن استمراريّة الرسالة منوطة بطاعة الله ورسوله وطاعة أولي الأمر من بعد الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ونجد هنا أن مفهوم الولاية وكأنه ثابت في فطرة الإنسان ، ولذلك تتَّكي الآية عليه لإثبات حكم آخر ، وهو الملاك والمناط الذي من خلاله نتعرَّف على وليِّ الأمر ، وهو العصمة.
1 ـ راجع : الغدير ، الأميني : 1/214 ـ 215 ، روضة الواعظين ، الفتال النيسابوري : 92 ـ 93.
2 ـ سورة المائدة ، الآية : 3 ، وقد صرَّح بنزول هذه الآية في علي ( عليه السلام ) كثيرٌ من المحدِّثين ، وذكر منهم الأميني في كتابه الغدير : 1/230 ـ 237 ستة عشر مصدراً ، فراجع.
3 ـ روى ابن عساكر ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة قال : لمَّا أخذ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بيد علي بن أبي طالب فقال : ألست وليَّ المؤمنين ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : فأخذ بيد علي بن أبي طالب ، فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فقال له عمر بن الخطاب : بخ بخ لك يا ابن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى كل مسلم ، قال : فأنزل الله عزَّوجلَّ : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) قال أبو هريرة : وهو يوم غدير خم ، من صام ثماني عشرة من ذي الحجّة كتب الله له صيام ستين شهراً ـ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : 42/233.
4 ـ سورة النساء ، الآية : 59.


(416)
    إنّ العصمة للوالي ثابتة بالضرورة العقليّة ، ولكن هذا ليس موضع حديثنا ، ويكفي في هذا المقام أنّ الآية ظاهرة ، بل نصٌّ صريح في المدَّعى وهو العصمة ، فإنّ الله سبحانه وتعالى أمر بطاعة وليِّ الأمر على سبيل الجزم ، وكل من يأمر الله بطاعته على سبيل الجزم لابد أن يكون معصوماً ، وإلاّ اجتمع الأمر والنهي في موضع واحد ، وهذا محال ؛ لأنه لا يأمر بالمعصية وينهى عنها.
    وتقرير ذلك : إذا أمرنا الله بالطاعة الحتميّة لوليِّ الأمر ، مع افتراض المعصية والخطأ منه ، فنقع بالتبع في المعصية والخطأ منّا لطاعتنا له ، فيكون بذلك قد أمرنا الله بالمعصية والخطأ بطريقة غير مباشرة ، وفي الوقت نفسه قد نهانا الله عن الخطأ والمعصية ، وهذا تناقض ومحال ، فتتحتَّم وتتعيَّن العصمة للإمام ، وهذا هو المقياس الذي جعله الله لنا لنكتشف من خلاله المصداق الخارجي للإمام ، وهذا يعني الكفر بكل وال ادّعى خلافة المسلمين وهو غير معصوم ، فضلا على أن يكون فاسقاً مجاهراً بالفجور.
    وياترى من الذين كفل الله عصمتهم وطهارتهم حتى يكونوا ولاة أمورنا ؟ لم نجد في آيات الذكر الحكيم ، ولا أحاديث النبيِّ الأمين ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ولا من بين دفّات التاريخ جماعة طهّرهم الله وأذهب عنهم الرجس غير أهل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، قال تعالى : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (1).
    وإفادة العصمة واضحة من هذه الآية ، وذلك لاستحالة تخلُّف المراد ، إذا كان المريد هو الله سبحانه ، وهي تطهير أهل البيت ( عليهم السلام ) خاصة ، وأداة الحصر
1 ـ سورة الأحزاب ، الآية : 33.

(417)
( إنّما ) شاهدةٌ على ذلك ، وهذا بالإضافة لتأكيدات رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على تعضيد هذا المعنى ، كما في حديث الثقلين : إنّي أوشك أن أُدعى فأجيب ، وإنّي تاركٌ فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وإنّ اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، فانظروا بم تخلِّفوني فيهما ، ومن المعلوم أنّ القرآن معصوم ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وأهل البيت متلازمون معه إلى الحوض ، فإن كان يأتيهم الباطل كانوا حتماً يفترقون عن القرآن ، وهذا ما أكَّد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على عدمه بـ ( لن ) التي تفيد التأبيد ( لن يفترقا ) وغيره من النصوص الدالّة على ذلك مثل قوله : عليٌّ مع الحقِّ والحقُّ مع عليٍّ ، يدور معه حيثما دار (2).
    وبذلك تكون الآية نصّاً في ولاية أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وعلى رأسهم عليٌّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، فيكون معنى الآية : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وعليَّ بن أبي
1 ـ روى الخطيب البغدادي عن أبي ثابت مولى أبي ذر قال : دخلت على أم سلمة فرأيتها تبكي وتذكر علياً ( عليه السلام ) وقالت : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : علي مع الحق ، والحق مع علي ، ولن يفترقا حتّى يردا علي الحوض يوم القيامة.
( تاريخ بغداد ، الخطيب البغدادي : 14/322 ، رقم : 7643 تأريخ دمشق ، ابن عساكر : 42/449 ).
وعن سعد بن أبي وقاص قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : علي مع الحق والحق معه.
( مناقب أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) ، الكوفي : 1/297 ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : 7/235 ) وجاء في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 2/297 عن تلامذة الشيخ أبي القاسم البلخي وقد أيدهم ، قالوا جميعاً : قد ثبت عنه في الأخبار الصحيحة أنه قال علي مع الحق ، والحق مع علي ، يدور حيثما دار.
وجاء في كتاب الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري : 1/98 قال : وأتى محمّد بن أبي بكر فدخل على أخته عائشة ـ يعني في حرب الجمل لما خرجت على أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) ـ قال لها : أما سمعت رسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : علي مع الحق ، والحق مع علي ؟ ثم خرجت تقاتلينه بدم عثمان !؟


(418)
طالب ، وأولاده الأحد عشر (1) ، وغيرها من الآيات الدالّة على ذلك ، فبعضها نصٌّ في الأمر ، وبعضها ظاهر الدلالة ، ويمكنك أن تراجع في ذلك كتاب ابن حجر ( الصواعق المحرقة ) باب ما نزل في أهل البيت ( عليهم السلام ) من القرآن (2).

    سكوت المُحاضِر ولم يعقب بشيء
    وبعدما وضعت لاقطة الصوت وانصرفت ، لم يعقّب الوهابي المتحدِّث على كلامي ولو بنصف كلمة ، وبينما هو في سكوته رفع أحد إخواننا يده ـ وهو طالب في الجامعة ـ فأذن له المحاضر ، وكان يظنُّ أنه وهابي أتى لنجدته.
    وبعد أن حمد الله وأثنى عليه قال : لي نقطة ، أودّ أن أقرّها قبل أن أورد ملاحظاتي على الشيخ ، وهي عندما يتحدَّث الشيخ عن السودان ، وكأنه مستعمرة لمحمّد بن عبد الوهاب ، وأنّ دخول التشيُّع يُعدُّ أمراً شاذّاً إلى هذا البلد الطيِّب ، وأقول له من باب ردَّ الحجر من حيث أتى : وأنت من الذي أدخلك إلى السودان ، فهل تظنُّه مقاطعة من صحارى نجد ؟! إن السودان بلد فطر على حبّ
1 ـ روى القندوزي الحنفي في ينابيع المودة : 104 ، منشورات مؤسَّسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت ، و3/289 ط. أسوة عام 1416 ، قال ذكر يحيى بن الحسن في كتاب العمدة من عشرين طريقاً أن الخلفاء من بعد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) اثنا عشر خليفة ، كلهم من قريش ، وفي البخاري من ثلاثة طرق ، وفي مسلم من تسعة طرق ، وفي أبي داود من ثلاثة طرق ، وفي الترمذي من طريق واحد ، وفي الحميدي من ثلاثة طرق. ففي البخاري عن جابر رفعه : يكون من بعدي اثنا عشر أميراً ، فقال كلمة لم أسمعها ، فسألت أبي : ماذا قال ؟ قال : قال كلهم من قريش ، وفي مسلم عن عامر بن سعد ، قال : كتبتُ إلى ابن سمرة : أخبرني بشيء سمعته من النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فكتبت إليَّ : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوم عشية رجم الأسلمي يقول : لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة ويكون عليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش.
2 ـ ص 220.


(419)
محمّد وآل محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وأنتم الغرباء لا نحن (1).

    حادثة الإرتداد بعد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في صحيح البخاري ومسلم
    أمَّا النقطة الثانية : هي مسألة الارتداد في عصر النبيِّ الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والتي لم يبتدعها الشيعة من عند أنفسهم ، بل طفحت بها الكتب المعتمدة لديكم ، كالبخاري ومسلم وغيرهما ، وهي واضحة بحيث لا يشك فيها أحد ، هذا إذا لم نأخذ بالاعتبار الآيات القرآنية المتحدِّثة في هذا المجال ، إنّ الردّة ـ يا شيخ ـ قد حدثت ، ولم تقدر أنت ، ولا من معك ، ولا من كان قبلك ، ولا من سيأتي بعدك على إنكارها ، وحروب الردّة التي قامت في صدر الإسلام فهي تؤكِّد أن هناك حقاً ارتدّ عنه ، ولذا نشب القتال ، فحاصل الأمر أن هناك ارتداداً ، أم تقول : إن الذين قاتلهم أبو بكر كانوا أمريكان ولم يكونوا مسلمين ؟
    وأمَّا النقطة الثالثة : هل فات الشيخ أنه يخاطب عقولا ناضجة وصلت إلى هذه المرحلة ، أم أنه يستهزئ بها ، إنّ وصف الشيعة باليهوديّة أمرٌ لا يقبله العقل ، والدليل على ذلك ـ أيُّها الشيخ ـ من الذي يدافع عن الإسلام اليوم ضدَّ الزحف اليهودي ؟ إلى من ينتمي حزب الله في لبنان ، وحركة المقاومة الإسلاميَّة ؟ إنّ وصفاً كهذا يسفِّه قائله قبل أيّ شخص آخر ، فنرجوا احترام العقول هنا.
    وبعد أن أكمل الطالب حديثه قال له الوهابي : لي سؤال واحد ، فقد ذكرت في حديثك أنّ مجموعة من الصحابة ارتدّوا ، فهل تستطيع أن تذكر لي أسماءهم ؟
1 ـ قال في الهامش : مع العلم أنّ المتحدِّث كان وهابياً متشدِّداً ، هداه الله إلى التشيُّع.

(420)
    فردَّ عليه قائلا : لا أذكر.
    فقال الشيخ : أتخاف أن تكشف عقيدتك.
    وفي هذه اللحظة طلبت من الوهابي أن أجيب أنا على هذا السؤال ، ولكنه رفض ، وقال : لماذا لا يجيب هو ؟
    فقال الطالب : الأسود العنسي.
    فقال الشيخ : فيك الخير سمِّ واحداً غيره.
    فقلت لصديقنا : قل : لا أعلم ، وبعد إصرار منّي سمح الوهابي لي بالإجابة على هذا السؤال.
    فقلت : إن القضية لا تثبت موضوعها ، ونقاشنا الآن في مجمل القضيّة ، وهي : هل كان هناك ارتداد بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟
    وقد أثبتت ذلك الآيات القرآنيّة والأحاديث النبويّة ، فقد أثبت القرآن وجود المنافقين ، ولم يذكر أسماءهم ، وذكر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ذلك ولم يحدّد أسماءهم ، فكيف تطالبني بشيء سكت عنه الله ورسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ونحن نلتزم بقولهم ، فعندما يقول تعالى : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ) (1) فنقول نحن كما قال الله سبحانه وتعالى : إنّ بعض الصحابة انقلبوا ، وهم الأكثريّة ، ولا نزيد على ذلك ، وكذلك نقول عندما يقول رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كما جاء في البخاري ومسلم.
    روى البخاري في تفسير سورة المائدة ، باب ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ) وتفسير سورة الأنبياء ، كما رواه الترمذي في أبواب صفة القيامة ، باب ما
1 ـ سورة آل عمران ، الآية : 144.
مناظرات المستبصرين ::: فهرس