مناظرات المستبصرين ::: 526 ـ 540
(526)
والاعتراض ، فالحديث يتكوَّن من ثلاثة محاور أساسية ، فإن اجتمعت في موضوع واحد تتعلَّق به الحرمة والنهي ، وهي : شقُّ الجيوب ، ولطم الخدود ، ودعوة الجاهلية ، والدليل على الاقتران هو حرف العطف ، فإن كان شقُّ الجيب لوحده حراماً ، وكذا لطم الخد لكان من المفترض استخدام حرف ( أو ) فيكون الحديث ( .. من شقّ الجيوب أو لطم الخدود أو دعا بدعوة الجاهلية ) فبالتالي لا تنصبُّ الحرمة على شقِّ الجيب إلاَّ بعنوان دعوة الجاهلية ، أمَّا من شقَّ جيبه بل شقَّ كل ملابسه ولطم خدَّه لأيِّ سبب يراه أو مصلحة يجلبها لنفسه أو حتى عبثاً ، ولم يدع بدعوة الجاهليّة ، لا يكون ملاماً أو معاتباً ، وأكثر ما يقال فيه إذا لم يكن هناك حكمة عقلائيَّة : إنّه مجنون ، فإذاً ليس شقُّ الجيب ولطم الخدِّ بمعزل عن دعاء الجاهليّة ، وهو الذي تدور عليه الحرمة ، وإنما تتحقَّق الحرمة ، ويتعلَّق النهي عن هذه التصرُّفات مع الدعاء بدعوة الجاهليّة ، وكذلك لا يكون الأمر محصوراً في شقِّ الجيب ولطم الخدِّ ، فالذي يضرب رأسه ويشدُّ شعره ويدعو بدعوة الجاهليَّة كذلك يشمله الحديث ، ومن هنا كان محور الحرمة ومناط الحكم هو دعوة الجاهليّة مع شقِّ الجيب أو ضرب الرأس أو أيِّ تصرُّف آخر ، وإلاَّ حكمنا بجواز من يحثو التراب على رأسه ويدعو بدعوة الجاهليّة.
    فالحديث بعيد عن تصرُّفات الشيعة أيام محرَّم ؛ لأنهم لا يدعون بدعوة الجاهليّة ، فهم لا يدعون اللاّت والعزّى ومناة وهُبل ، ولا يدعون باسم العصبيّة القبليّة ، ولا كل العادات التي ذمّها الإسلام ، وإنما يدعون بدعوة الإسلام ، ودعوة التوحيد ، ويبكون على مصائب أهل البيت ( عليهم السلام ) التي هي مصائب الإسلام ، فالحديث بعيد عنهم.
    قلت : ولكن ليس هناك أحد من كل العقلاء يستحسن ما يفعله الشيعة ، بل


(527)
يستقبحونه ، ألا يكفي حكم العقلاء لتحريمه ؟
    خالي : أولا : إذا نظرنا إلى حكم العقل بعيداً عن العقلاء فإن العقل لا يرى فيه قبحاً ؛ لأن العقل إذا نظر إلى أمر نظر له وهو مجرَّد عن كل العناوين وكل الاعتبارات ، فإذا جرَّدنا هذه التصرُّفات من كل عناوينها لا يتمكَّن العقل من الحكم عليها ؛ لأنها من الأمور غير الذاتيّة القبح أو الحسن كالعدل والظلم ، وإنما من الأمور التي يدور حكم العقل فيها مع العنوان ، فمثلا : الضرب كموضوع إذا نظرنا له بعيداً عن أيِّ اعتبار ليس قبيحاً ، وليس هو حسناً ، فإذا كان الضرب مع عنوان التأديب فهو حسن ، والضرب نفسه مع عنوان الإيذاء والظلم فهو قبيح ، فبالتالي الحسن والقبح يدوران مدار العنوان ، كذلك بعض الشعائر الحسينيّة ، فهي إمَّا أن تكون بعنوان إحياء أمر أهل البيت ( عليهم السلام ) وبالتالي إحياء الإسلام ، وإمَّا بأيِّ عنوان سلبيٍّ آخر ، فإن كانت بالأول فهي حسنة ، وإن كانت بالثاني فهي قبيحة ، وأظنُّ أنّ الأمر واضح أن هذه الشعائر بالقصد الأوَّل.
    أمَّا حكم العقلاء فهو دائر مدار المصلحة العامة من الفعل أو المفسدة ، ولا يرى العقلاء أيَّ مفسدة في أن يقوم مجموعة من الناس بشعيرة معيَّنة لمصلحة تخصُّهم ، كما لا يرى مانع أن يخترع مجموعة من الناس احتفالا يعظِّمون فيه أمراً ما ، مثلا : كأس العالم في كرة القدم الذي يقوم كل أربع سنوات بإجراء منافسات دوليّة ينشغل بها كل العالم ، فلا يستقبح العقلاء هذا الأمر.
    أمَّا حكم العرف والذوق والميل والحب والكراهية كلها عناوين لا يمكنها تشكيل معيار لمحاكمة أيِّ قضية ، فإذا كان هناك عرف لا يحبِّذ الشعائر الحسينيّة فهناك عرف آخر يحبِّذها بل يحترمها ، وكذا الحب والكراهية ، فما تحبينه أنت يكرهه الآخر ، فمن الخطأ أن نحاكم الشيعة برغباتنا الخاصة.


(528)
    قلت : ولكنَّ الأمر يصل إلى حدِّ الضرر كضرب الرؤوس بالسيوف ، وهذه مفسدة واضحة ؛ لأن فيها ضرراً ، وقد نهى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عنه وقال : لا ضرر ولا ضرار في الإسلام (1).
    خالي : إذا نظرنا إلى هذا الحديث وأمعنّا فيه النظر نجد أنّ الاستدلال بهذا الحديث يكون كالتالي : كل ضرر حرام ، وضرب الرأس بالسيف ضرر ، إذاً هو حرام ، وهذا قياس منطقيٌّ واضح ، فإذا كان كل إنسان يموت ، وزيد إنسان ، إذاً زيد حتماً يموت ، أليس كذلك ؟
    قلت : نعم ، فكيف تجوِّزونه إذاً ؟
    خالي : مهلا ولا تتعجّلي ، حتى يكون هذا الأمر صحيحاً والقياس تاماً لابد أن تكون الكبرى سليمة كما يسمُّونها في المنطق ، وهي : كل ضرر حرام ، فهل كل ضرر على إطلاقه حرام ، فإذا كان كذلك لتوقَّفت كل الحياة ، وليست الشعائر الحسينيّة لوحدها ؛ لأن الضرر نسبيٌّ ، فكل فعل يفعله الإنسان فيه ضرر ، ففي الأكل ضرر كما قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ما ملأ ابن آدم وعاء شرّاً من بطنه (2) ، وفي عدمه ضرر ، والنوم الكثير ضرر ، والقليل كذلك ، في القراءة ضرر ، وفي عدمها ضرر ، كذلك هناك أفعال في فعلها ضرر وفي تركها منفعة ، ولكنّها ليست حراماً بإجماع الأمّة ، مثل أكل بعض المأكولات الضارّة كالشحوم ، والفلفل الحار ،
1 ـ الكافي ، الكليني : 5/292 ـ 293 ح 2 ، تهذيب الأحكام ، الطوسي : 7/146 ـ 147 ح 35 ، مسند أحمد بن حنبل : 5/327 ، سنن ابن ماجة : 2/784 ح 2340 و2341 ، المستدرك ، الحاكم : 2/57 ـ 58.
2 ـ روي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ماملأ آدمي وعاء شراً من بطنه ، فإن كان لابد فثلث لطعامه ، وثلث لشرابه ، وثلث لنفسه. راجع : مشكاة الأنوار ، الشيخ علي الطبرسي : 564 ، سنن الترمذي : 4/18.


(529)
والسكر الأبيض ، وعشرات الأسماء ، فمع إمكان الإنسان التخلّي عنها إلاَّ أنه ليس ملزماً ، وباختصار ليس هنالك فعل إلاَّ فيه ضرر ، ممَّا يدعونا إلى التفكير في معنى الضرر المقصود في الحديث.
    وهنا نتعرَّف على أنّ الضرر نوعان : ضرر حتميٌّ ، وضرر غير حتميٍّ ، أو بمعنى : ضرر مسموح به ، وضرر غير مسموح به ، فالضرر الحرام المقصود في الحديث هو الضرر الحتمي ، بمعنى حتماً يؤدِّي إلى هلاك الإنسان ، مثل أن يشرب الانسان كأساً من السمِّ ، أمَّا الضرر غير الحتمي هو أن يشرب الإنسان مثلا كأساً من القهوة ، فمع أنه فيه نسبة من الضرر إلاَّ أنه ضرر مأذون به.
    قاطعته قائلة : ولكن في ضرب الرأس بالسيف ضرر حتمي ، فمن الممكن أن تصادف الضربة شرياناً ، ممَّا يؤدِّي إلى النزف المتواصل ، فيؤدِّي إلى موته.
    خالي : هذا الاحتمال غير وارد ولا يعوَّل عليه ؛ لأن الاحتمال نوعان : احتمال عقلائي ، واحتمال غير عقلائي ، والفرق بين الاثنين أنّ الأول احتمال قائم على مجموعة من المبادئ العلمية ، والثاني عكسه ، فمن المحتمل أن يقع هذا البيت على رؤوسنا ، فهل نركض خارج الغرفة ؟!
    قلت : لا ـ وأنا ضاحكة ـ لأن هذا مجرَّد احتمال سخيف.
    خالي : وإذا قال لك مهندس مختص : بأن أعمدة البيت لا يمكنها حمل هذه الغرفة أكثر من يوم مثلا فهل تغادرينها ؟
    قلت : نعم ، وإذا بقيت أكون رميت بنفسي في التهلكة !
    خالي : هذا هو بالضبط الفرق بين الاحتمالين ، فقولك : من المحتمل أن تقطع الضربة شرياناً ، هو كالقول : من المحتمل أن تصدمك سيارة إذا عبرت الشارع ، فهل تتوقَّفين عن العبور ؟


(530)
    قلت : لكن يا خالي ، إذا نظر إنسان إلى منظرهم وهم مضرّجون بالدماء في منظر تشمئزّ منه القلوب وخاصة غير المسلم ، ممَّا يجعله يستهجن هذا الدين الذي يجعل أتباعه غارقين في الدماء.
    خالي : نعم معك حق ، إن هذا المنظر الذي يخرج به المطبّرون كما يسمّونهم منظر ( قد ) تشمئزُّ منه القلوب ، ولكن ليس عليهم عتاب ، ولكي تعرفي ذلك لابدَّ لنا من النظر في الجذر الثقافي الذي يرتكز عليه التطبير ، فهو لا يعدو كونه عملا فنّياً ولوحةً إبداعيةً تحاول أن تقترب من مأساة كربلاء ، فإذا أحضرنا مجموعة من الرسَّامين وكلَّفناهم برسم واقعة كربلاء فما هي اللوحات التي تتوقَّعين أن يرسموها ، غير رؤوس مقطَّعة ، وأياد مبتورة ، وخيام محروقة ، ونساء مفجوعة ، فهل يحقُّ لنا أن نعاتبهم على تلك الرسومات ونقول : كان أجدر بكم أن ترسموا لنا حدائق ومياهاً وزهوراً ، فالقبح إذاً ليس في اللوحة ، وإنما القبح في الواقع الذي حاولت أن تجسِّده اللوحة ، وإن صدق ذلك على اللوحة الورقيَّة يصدق أيضاً على اللوحة التي يشترك مجموعة من الناس في إخراجها كالعمل الدرامي مثلا ، فهذا الموكب الدرامي الذي يتكوَّن من مجموعة من الناس لا بسين الأكفان وهي ملطَّخة بالدماء ، وحاملين السيوف ، حقاً منظر تشمئزُّ منه النفوس ، ولكن ليس القبح فيه ، وإنما القبح في ذلك الواقع التأريخي ، وفي تلك المعركة المفجعة ، فالمأساة ليست في التطبير ، وإنما هي في كربلاء ، فهل نغيِّر حقيقة كربلاء أيضاً ؟!
    قلت : هذا الكلام بصورته النظريّة مقنع ، ولكن عملياً أرى أنه بعيد ، فأنا لا أتصوَّر أن يدفعني أمر للقيام بضرب رأسي بالسيف.
    خالي : الفعل يصدر من الإنسان عندما تكون هناك تهيئة نفسيَّة تناسب


(531)
الفعل ، فإذا لم تتحقَّق فإن الدوافع النظريَّة ليست كافية ، فكثير من الأمور نعتقد بها نظريّاً ولكن لا نمارسها إلاَّ إذا كانت هناك تهيئة نفسيّة ، فمثلا ضرورة الأكل مقدِّمة نظريَّة ، ولكن لا يقدم الإنسان على الأكل إلاَّ إذا كان جائعاً ممَّا تستعدُّ نفسه للقيام بالأكل ، وكذا الأمثلة كثيرة ، فنحن خلافنا مع الذين يستنكرون هذه الشعائر خلاف نظريٌّ وليس عمليّاً ، فلم نطلب منهم المشاركة ، ومن هنا كان النقاش النظري ضرورياً معهم ، أمَّا التهيئة النفسيَّة فتحتاج إلى مقدِّمات من نوع آخر ، فمثلا الصوت الجميل في تلاوة القرآن يخلق جوّاً تهيج معه النفس ممَّا يجعلها تبكي ، وكذا الأغاني ، فإنّها تطرب النفس فتكون مقدِّمة للرقص ، وكذلك في محرَّم عندما يعيش الإنسان أجزاء كربلاء ، ويستنشق روائح تلك الدماء الزاكيات ، وتعلو النداءات بثارات الحسين ( عليه السلام ) ، وتدقُّ طبول الحرب ، تهيِّئ الإنسان نفسيّاً للقيام بتلك الشعائر التي تكون تعبيراً صادقاً لما يجول في نفسه من حبٍّ للإمام الحسين ( عليه السلام ).

    الحسين ( عليه السلام ) الدمعة الجارية
    تردَّدت كثيراً في تسجيل تجرتبي الأولى مع الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، وكلَّما أبدأ بالكتابة تهرب الكلمات من تحت سنان قلمي ، وتبقى المأساة مكتومة في داخل نفسي ، فلا معين أطيل معه العويل والبكاء ، ولا جزوع فأساعد جزعه إذا خلا ، فتمتزج البسمة عندي بالدمعة ، ويحلُّ الحزن مكان الفرحة ، وتتبدَّل كل أهازيج البشرى بأنين الحزن الدائم ، ففي ميلاده سكبت عبرة ... وما زالت تلك العبرة .. وفي استشهاده وفي ذكراه تعلو العبرة .. فللحسين مجد مكتوب من الأزل الأبديّ لا ينال إلاَّ بالدمع الأحمر : يا حسين ! اعلم أن لك عند الله أجراً لا تبلغه إلاَّ


(532)
بالشهادة.
    قبل أن أعيش في رحاب التشيُّع ، وأهتدي إلى مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) لم أكن أعرف عن الحسين ( عليه السلام ) إلاَّ ما درسناه في المدارس ، وهي قصة مجتزأة تعبِّر عن الكبت الدائم لقضيَّة كربلاء ، أذكر أنّني كنت في الرابع الابتدائي ، فحاول الأستاذ ـ تبعاً للمنهج ـ أن يطوي كل ذلك التأريخ في قوله : إن يزيد قتل الإمام الحسين ( عليه السلام ) وأولاده وسبى نساءه ، في معركة تسمَّى كربلاء ، فسألت طالبة مسيحيَّة بدهشة : كيف تجوِّزون قتل ابن بنت نبيِّكم ؟ فدمعت عيناي دون أن أشعر ، فكانت تلك أول دمعة في مصاب الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، فقال الأستاذ : ذلك قدر الله على هذه الأمة.
    قدر الله أم غدر الأمة التي لم تحفظ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في ذرِّيَّته وهو
القائل : أذكِّركم الله في أهل بيتي (1) ، وقال الله تعالى في حقِّهم : ( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (2) ، أيقتل ـ روحي له الفداء ـ في أبشع صورة مرَّت على تأريخ البشرية ، وهو الذي قال فيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : حسين منّي وأنا من حسين ، أحبَّ الله من أحبّ حسيناً (3) ، وقال : الحسين مصباح الهدى وسفينة
1 ـ راجع : فضائل الصحابة ، أحمد بن حنبل : 22 ، مسند أحمد بن حنبل : 4/367 ، السنن الكبرى ، النسائي : 5/15 ح 8175 ، المعجم الكبير ، الطبراني : 5/182 ـ 183 ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : 41/19 ، الدرّ المنثور ، السيوطي : 5/199.
2 ـ سورة الشورى ، الآية : 23.
3 ـ وهو من الأحاديث المتواترة جداً ، راجع : الإرشاد ، المفيد : 2/127 ، مناقب آل أبي طالب ، ابن شهر آشوب : 3/226 ، مسند أحمد بن حنبل : 4/172 ، سنن ابن ماجة : 1/51 ح 144 ، سنن الترمذي : 5/324 ح 3864 ، المصنف ، ابن أبي شيبة الكوفي : 7/515 ح 22 ، الأدب المفرد ، البخاري : 85 ح 364 ، صحيح ابن حبان : 15/428 ، المستدرك على الصحيحين ، الحاكم : 3/177 ، المعجم الكبير ، الطبراني : 3/33 ح 2589 ، تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : 64/35 ، أسد الغابة ، ابن الأثير : 2/19 ، تهذيب الكمال ، المزي : 6/402 ، سير أعلام النبلاء ، الذهبي : 3/283 ، تهذيب التهذيب ، ابن حجر : 2/299 ، الجامع الصغير ، السيوطي : 1/575 ح 3727 ، كنز العمال ، المتقي الهندي : 12/115 ح 34264 ، ذخائر العقبى ، أحمد بن عبدالله الطبري : 133.


(533)
النجاة (1) ، والحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنة (2) ، وعندما قال رجل للحسين ( عليه السلام ) وهو راكب على ظهر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : نعم المركب ركبت ، فقال رسول الله : ونعم الراكب هو (3) ، فالأمَّة التي تجرَّأت على قتل الحسين ( عليه السلام ) هي نفسها يمكنها قتل الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    فبقيت تلك الدمعة وحيدة حتى جاء اليوم الذي عشت فيه مأساة كربلاء بتفاصيلها ، حيث ما تزال ظلالها الحزينة ترافق ظلّي إلى اليوم ، تاركة آثاراً عميقة في نفسي.
1 ـ كمال الدين وتمام النعمة ، الصدوق : 265 ح 11 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 36/205 ح 7.
2 ـ صحيح ابن حبان : 15/413 ، فضائل الصحابة ، أحمد بن حنبل : 20 ، مسند أحمد بن حنبل : 3/3 ، سنن ابن ماجة : 1/44 ح 118 ، سنن الترمذي : 5/321 ح 3856 ، المصنف ، ابن أبي شيبة الكوفي : 7/512 ، المعجم الكبير ، الطبراني : 3/35 ـ 36 ح 2599 ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : 9/165.
3 ـ نظم درر السمطين ، الزرندي الحنفي : 212 ، وفي سائر المصادر بدل الحسين ( عليه السلام ) الحسن ( عليه السلام ) ، راجع : سنن الترمذي : 5/327 ح 3872 ، المستدرك ، الحاكم : 3/170 ، أسد الغابة ، ابن الأثير : 2/12.
وروى ابن عساكر في تأريخ دمشق : 13/216 ، بالإسناد عن جابر بن عبد الله قال : دخلت على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو حامل الحسن والحسين على ظهره ، وهو يمشي بهما ، فقلت : نعم الجمل جملكما ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : نعم الراكبان هما.
وراجع أيضاً في حديث آخر وفيه أن القائل هو أبو بكر : المعجم الكبير ، الطبراني : 3/65 ح 2677 ، ذخائر العقبى ، أحمد بن عبدالله الطبري : 130 ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : 9/182.


(534)
    كنّا في شهر محرَّم الحرام في منطقة السيِّدة زينب ( عليها السلام ) بدمشق ، والسواد يغطّي الساحات ، والكل حزين يهتف : يا لثارات الحسين ، فانتقل بي الزمان حتى كأنّي أرى كربلاء بأمِّ عيني ، صورة لا تحكى ومنظر لا يصوَّر ، عشت لحظات في فيافي دمائها الحمراء ، أواسي النساء الهاشميّات ، فبكيت معهن حتى نبض الدمع مني ، وحينها رجع صدى النفس يردِّد : يا ليتنا كنّا معك فنفوز فوزاً عظيماً.
    فعاشوراء لم تمت ، بل هي حاضرة في وجدان هذه الأمَّة ، يلوح من أريج دمائها الذاكية الصمود والإباء ، وفي أعتابها شموخ الإيمان على الكفر ، وفي لهواتها انتصار الحق على الباطل ، وعلى أشراف أبوابها كان نهج الحق وراية العدل ترفرف مدى الأزمان ، فكل أيامنا عاشوراء ، وكل بقعة من بقاع الأرض كربلاء ، فهي أعظم من أن تكون حبيسة التأريخ ، وأكبر من أن يكون الزمان قيداً على عنفوان تحدّيها ، فهي شاهد حيٌّ على كل العصور.
    فعام 61 للهجرة هو بداية المأساة ، ولكن لم يكن هو النهاية ، فلم تزل حاضرة بكل مأساتها عبر السنين ، ففي كربلاء يتجلَّى الإسلام بأسمى معانيه ، وتضيق عندها المسافة بين الإنسان والقيم ، وتقترب فيها السماء من الأرض ، فكانت تضحيات الحسين جسراً يقرِّب الإنسان من العالم المعنويِّ والأفق الأعلى بما لا يقرِّب به شيء آخر.
    فللحسين قضيَّتان : قضيَّة الجسد المقطَّع ، وقضيَّة الحقِّ المضيَّع ، وفي كربلاء اختلطت القيم بالدماء ، والعدل بالشهادة ، ولكي يرفع الحق رفعت هامة الحسين على سنان الرماح ، فلا وجود للمسيرة من غير الوقوف على أشلاء كربلاء ، وليس هناك مأساة تبكي من غير تلك المسيرة التي كان الحسين قرباناً


(535)
لها : ( اللهمّ تقبل هذا القربان من آل محمّد ) فكانت المأساة بحجم المسيرة ، وكانت التضحية بقدر المنهج.
    فأصبح الحسين ( عليه السلام ) هو نهجي .. وعاشوراء هي شعاري ، وتربته الطاهرة أضعها تحت جبيني في سجودي ، لكي أبقى دوماً مع الحسين وألقى الله مع الحسين ( عليه السلام ) (1).
1 ـ كتاب : من حقّي أن أكون شيعية ، أم محمّد علي المعتصم.

(536)

(537)
مصادر الكتاب
حرف الألف
    1 ـ الآحاد والمثاني : ابن أبي عاصم ( ت 287 ) نشر دار الدراية للطباعة والنشر والتوزيع السعودية الرياض ، الطبعة الأولى 1411 هـ ـ 1991 م.
    2 ـ الإحتجاج : الشيخ الطبرسي ، أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي تعليقات وملاحظات السيد محمّد باقر الخرسان ، طبع في مطابع النعمان النجف الأشرف حسن الشيخ إبراهيم الكتبي 1386 هـ ـ 1966 م.
    3 ـ أحكام القرآن : أبو بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص المتوفى سنة 370 هـ ضبط نصه وخرج آياته عبد السلام محمّد علي شاهين ، دار الكتب العلمية بيروت ـ لبنان الطبعة الأولى 1415 هـ ـ 1994 م.
    4 ـ أخيرا أشرقت الروح : الأستاذه لمياء حمادة ، نشر دار الخليج العربي.
    5 ـ الأدب المفرد : محمّد بن إسماعيل البخاري المتوفى سنة 256 هـ ، نشر مؤسسة الكتب الثقافية الطبعة الأولى 1406 هـ ـ 1986 م تحقيق السيد مهدي الرجائي ، الطبعة الأولى 1418 هـ قم المقدسة.
    6 ـ الإرشاد : الشيخ المفيد ، أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي ( 336 ـ 413 هـ ) تحقيق مؤسسة آل البيت ( عليهم السلام ) لتحقيق التراث.


(538)
    7 ـ أسباب النزول : أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري ، ( ت 468 هـ ) ، نشر مؤسسة الحلبي وشركاه للنشر والتوزيع 1388 هـ ـ 1968 م توزيع دار الباز مكه المكرمة.
    8 ـ أسد الغابة في معرفة الصحابة : عز الدين أبو الحسن على بن أبي الكرم محمّد بن محمّد الشيباني المعروف بابن الأثير ، انتشارات اسماعيليان تهران ـ ناصر خسرو.
    9 ـ الإصابة في تمييز الصحابة : الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 هـ نشر دار الكتب العلمية بيروت ـ لبنان.
    10 ـ أضواء على السنة المحمدية : الشيخ محمود أبو ريه ، الطبعة الخامسة.
    11 ـ الإمامة والسياسة المعروف بتأريخ الخلفاء : ابن قتيبة الدينوري الناشر : انتشارات الشريف الرضي سنة الطبع : 1413 هـ الطبعة : الأولى في إيران المطبعة : أمير ـ قم المقدسة.
حرف الباء
    12 ـ بحار الأنوار : فخر الأمة المولى الشيخ محمّد باقر المجلسي ( قدس سره ) ، الطبعة الثانية 1403 هـ ـ 1983 م نشر مؤسسة الوفاء ـ بيروت ـ لبنان.
    13 ـ بداية المجتهد ونهاية المقتصد : القاضي أبو الوليد محمّد بن أحمد بن رشد القرطبي الأندلسي الشهير ( بابن رشد الحفيد ) المتوفى سنة 595 هـ نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
    14 ـ البداية والنهاية : إسماعيل بن كثير الدمشقي المتوفى سنة 774 هـ ،


(539)
نشر دار إحياء التراث العربي ، الطبعة الأولى 1408 هـ. 1988 م.
    15 ـ بلاغات النساء : أبو الفضل بن أبي طاهر المعروف بابن طيفور المتوفى سنة 380 هـ منشورات مكتبة بصيرتي قم ـ شارع إرم.
    16 ـ بنور فاطمة اهتديت : الكاتب السوداني الأستاذ عبد المنعم حسن ، نشر دار المعروف للطباعة والنشر ، الطبعة الأولى 1419 هـ قم المقدسة ـ إيران.
حرف التاء
    17 ـ تأريخ بغداد أو مدينة السلام : أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي المتوفى سنة 463 هـ ، نشر دار الكتب العلمية بيروت ـ لبنان.
    18 ـ تأريخ الطبري ( تأريخ الأمم والملوك ) : أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري ، تصحيح نخبة من العلماء الأجلاء ، نشر مؤسسة الأعلمي ، بيروت ـ لبنان.
    19 ـ التأريخ الكبير : أبو عبدالله محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم الجعفي البخاري المتوفى سنة ( ت 256 ) طبع تحت مراقبة الدكتور محمّد عبد المعيد خان.
    20 ـ تأريخ المدينة المنورة ( أخبار المدينة النبوية ) : ابن شبه أبو زيد عمر بن شبه النميري البصري 173 هـ ـ 262 هـ نشر دار الفكر ـ قم شارع إرم ـ إيران.
    21 ـ تأريخ مدينة دمشق : الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي المعروف بابن عساكر 571 هـ ـ نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع 1415 هـ /1995 م بيروت ـ لبنان.


(540)
    22 ـ تأريخ اليعقوبي : أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب ابن واضح الكاتب العباسي المعروف باليعقوبي ( ت 284 هـ ) دار صادر ، بيروت ـ لبنان.
    23 ـ تحف العقول عن آل الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أبو محمّد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني ( رحمه الله ) من أعلام القرن الرابع نشر مؤسسة النشر الإسلامي قم المشرفة ( إيران ) الطبعة الثانية 1404 هـ.
    24 ـ تذكرة الحفاظ : أبو عبد الله شمس الدين الذهبي المتوفى سنة 748 هـ نشر دار إحياء التراث العربي ، بيروت ـ لبنان.
    25 ـ تذكرة الموضوعات : محمّد طاهر بن علي الهندي الفتني المتوفى سنة 986 هـ.
    26 ـ تفسير القرآن العظيم : أبو الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي المتوفى سنة 774 هـ نشر دار المعرفة 1992 م ـ 1412 هـ بيروت ـ لبنان.
    27 ـ تهذيب الأحكام في شرح المقنعة للشيخ المفيد رضوان الله عليه : تألف شيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسى المتوفى سنة 460 هـ ، نشر دار الكتب الإسلامية ، طهران بازار سلطاني.
    28 ـ تهذيب التهذيب : شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى سنة 528 هـ نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، الطبعة الأولى 1404 هـ ـ 1984 م.
    29 ـ تهذيب الكمال في أسماء الرجال : جمال الدين أبي الحجاج يوسف المزي 742 هـ مؤسسة الرسالة ، الطبعة الرابعة 1406 ـ 1985 م.
مناظرات المستبصرين ::: فهرس