مناظرات في الامامة الجزء الرابع ::: 526 ـ 540
(526)
الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على ما أخرجه البخاري في صحيحه (1) عن ابن عباس أنه قال : يوم الخميس وما يوم الخميس ، ثمَّ بكى حتى خضب دمعه الحصباء ، قال : اشتدّ برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وجعه يوم الخميس ، فقال : ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً ، فتنازعوا ، ولا ينبغي عند نبيٍّ تنازع ، فقالوا : هجر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ! قال : دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه.
    هشام آل قطيط : عفواً سماحة السيِّد ! أراك خرجت عن موضوع الدليل والنصّ الذي طرحته.
    السيّد البدري : يا أستاذ ! تعلَّم الصبر والنفس الطويل في الحوار ، ولا تكن سريعاً ، مهلا ! سأورد لك بعض المخالفات لأنتقل إلى تحليل هذا النصّ الذي أنت تحتجُّ به وتعتبره دليلا مقنعاً.
    سؤال موجَّه لك : ألم يقل الخليفة عمر بن الخطاب للصحابة في مرض النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إن النبي قد غلبه الوجع ، وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله ؟ والرواية الأولى قال عن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إنه هجر ; أي بمعنى يهذي (2).
    هشام آل قطيط : سيِّدنا عمر بن الخطاب الفاروق يقول لسيِّدنا محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إنّه هجر ؟ من أين لك هذا الحديث ؟ ومن أين أتيت به أيها السيِّد ؟ كلام غريب ( معاذ الله من ذلك ).
    السيِّد البدري : لا تغضب يا أخي ، هدِّئ من روعك واصبر.
    هشام آل قطيط : كيف أهدأ وأنت تتهجَّم على سيِّدنا عمر وتتّهمه هذا
1 ـ صحيح البخاري : 7/9 ، 5/137 ، 2/132 ، 4/65 ـ 66 ، صحيح مسلم : 2/16 ، 5/75 ، 11/94 ـ 95 ، بشرح النووي ، مسند أحمد بن حنبل : 1/955.
2 ـ سرّ العالمين وكشف ما في الدارين ، أبو حامد الغزالي : 21.


(527)
الاتّهام ؟
    السيِّد البدري : ما رأيك في صحيح البخاري يا أستاذ ؟
    هشام آل قطيط : صحيح البخاري أصدق صحيح عندنا بعد القرآن.
    السيِّد البدري : راجع صحيح البخاري في أواخر ص 118 الجزء الثاني في باب ( هل يستشفع إلى أهل الذمّة ومعاملتهم ) وحتى أربط كل هذا الاستدلال لك يقول : عن ابن عباس قال : لمَّا حضر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب ، قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : هلمّ أكتب لكم كتاباً لا تضلُّوا بعده ، فقال عمر : إن النبيَّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد غلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله ، فاختلف أهل البيت فاختصموا ، منهم من يقول : قرِّبوا يكتب لكم النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كتاباً لنا تضلوا بعده ، ومنهم من يقول ما قال عمر ، فلمَّا أكثروا اللغو واللغط والاختلاف عند النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : قوموا. قال عبيدالله : فكان ابن عباس يقول : الرزيّة كل الرزيَّة ما حال بين رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم (1) ، وهذا مشهور برزيَّة يوم الخميس.

    الوجه الصحيح في حديث صلاة الخليفة أبي بكر
    السيِّد البدري : أقول : إن الصحيح المتواتر بين الفريقين : السنّي والشيعيّ معاً أن النبيَّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أخَّر الخليفة أبا بكر من تلك الصلاة ، وصرفه عن إمامة المسلمين ; لأنه خرج بعد سماعه بتقدُّم أبي بكر يتهادى بين علي والعبّاس ، مع ما فيه من ضعف الجسم بالمرض ، الأمر الذي لا يتحرَّك معه العاقل إلاَّ في حال
1 ـ صحيح البخاري ، الجزء الثاني ، باب ( يستشفع إلى أهل الذمّة ومعاملتهم ) ص 118.

(528)
الاضطرار ، لتدارك ما يخاف بفوته حدوث أعظم فتنة ، فعزل النبيُّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أبا بكر عمّا كان تولاَّه من تلك الصلاة كما نطقت به صحاحكم ، ويدلُّك على أن تقدُّمه للصلاة لم يكن بأمر من النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في شيء ، وإنما كان الأمر صادراً من ابنته السيّدة عائشة ، ولم تكن تلك الصلاة إلاَّ صلاة الصبح لا غيرها.
    ويرشدك ويدلُّك على ذلك ـ يا أخي ـ ما أخرجه الحافظ الكبير الإمام مسلم في صحيحه (1).
    وأنقل لك هذه الرواية عن عائشة : قالت : لمَّا ثقل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) جاء بلال يؤذنه بالصلاة ، فقال : مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس ، قالت : فقلت : يا رسول الله ! إن أبا بكر رجل أسيف ، وإنه متى يقم مقامك لم يسمع الناس فلو أمرت عمر ، فقال : مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس ، قالت : فقلت لحفصة : قولي له : إن أبا بكر رجل أسيف ، وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس فلو أمرت عمر ، فقالت له ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إنكن لأنتن صويحبات يوسف ، مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس ! قالت : فأمروا أبا بكر يصلّي بالناس.
    ثمَّ ـ أخي الكريم ـ لماذا تحاول ربط مسألة الصلاة بمسألة الخلافة ؟ لو فرضنا جدلا صحّة حديث عائشة أم المؤمنين ، وغضضنا النظر عن تلك الوجوه التي ناقشتها الآن ، ومع كل ذلك فإن الأمر بالصلاة خلفه لا يوجب للخليفة أبي بكر الإمامة العامة على المسلمين ; لعدة أسباب ، منها :
    أولا : لقد اتّفق أئمّة السنة والحفّاظ عندكم على أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) صلَّى
1 ـ صحيح مسلم ، 2/22 ـ 23 باب ( استخلاف الإمام إذا عرض له عذر ) كتاب الصلاة ، صحيح البخاري : 1/165 ، مسند أحمد بن حنبل : 6/96 ، سنن الترمذي : 5/275 ح 3754.

(529)
خلف عبد الرحمن بن عوف ، على ما نقله لنا ابن كثير في تأريخه (1) وهذا شيء لا يختلف فيه أحد ، فلم يوجب فضلا لعبد الرحمن بن عوف على النبيِّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ولا يقتضي ذلك أن يكون إماماً واجب الطاعة عليه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعلى غيره من أصحابه ، فكما أن صلاة النبيِّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خلف عبد الرحمن بن عوف لم توجب له الإمامة على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولا على غيره من الناس ، فكذلك لم توجب صلاة أبي بكر بالمسلمين إمامته عليهم.
    ثانياً : لا خلاف بين الفريقين : السنّي والشيعيّ في أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد استعمل عمرو بن العاص على الخليفتين أبي بكر وعمر وجماعة المهاجرين والأنصار ، وكان يؤمُّهم في الصلاة مدّة إمارته عليهم في واقعة ذات السلاسل ، على ما نقله لنا ابن كثير في تاريخه (2) ، فلم توجب صلاته فيهم (3) إمامته عليهم ، ولا فضلا عليهم ، لا في الظاهر ، ولا عند الله تعالى على حال من الأحوال ، فكذلك الحال في صلاة أبي بكر فيهم ، لا توجب إمامته عليهم ، ولا فضلا عليهم.
    ثالثاً : وهذا البخاري أصدق صحيح عندكم يحدِّثنا في صحيحه (4) عن ابن عمر قال : لمَّا قدم المهاجرون الأوّلون العصبة ( موضع بقبا ) قبل مقدم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان يؤمُّهم سالم مولى أبي حذيفة ، وكان أكثرهم قرآناً.
    فكما أن إمامة سالم مولى أبي حذيفة للمهاجرين الأوّلين لم توجب له
1 ـ البداية والنهاية ، ابن كثير : 5/22.
2 ـ البداية والنهاية ، ابن كثير : 4/273.
3 ـ راجع في إمامة عمرو بن العاص في الخليفتين أبي بكر وعمر هذه المصادر : السيرة الحلبيّة ، الشافعي : 3/19 ، تاريخ الخميس : 2/82 ، والدحلاني في ص 11 من سيرته بهامش الجزء الثاني من السيرة الحلبية.
4 ـ صحيح البخاري : 1/89 ، باب ( إمامة العبد من أبواب صلاة الجماعة من كتاب الأذان ).


(530)
فضلا ، ولا الإمامة العامّة عليهم ، ولم تقض له بخلافة الرسالة المحمديَّة ، فكذلك إمامة أبي بكر للصلاة بالمسلمين لم توجب له فضلا ، ولا الإمامة العامّة عليهم ، ولم تقض له بخلافة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    رابعاً : عتاب بن أسيد أحقُّ بالخلافة من الخليفة أبي بكر ، لماذا ؟ لأنه الذي قدَّمه الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يصلّي بالناس حين فتح رسول الله مكة ، والرسول مقيم في مكة ، وأبو بكر معه يصلّي خلف عتاب بن أسيد ، فقدَّمه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يصلّي بالناس في المسجد الحرام من غير علّة ، ولا ضرورة دعته إلى ذلك.
    وهذا بإجماع الأمّة ، فكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يصلّي بالناس الظهر والعصر ، وعتاب بن أسيد يصلّي بالناس الثلاث صلوات بإجماع الأمّة ، وبإجماع الأمّة أن المسجد الحرام أفضل من مسجد المدينة ، ومكة أفضل من المدينة ، ويلزم في النظر أن من قدَّمه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في المواطن الأفضل من غير علّة أفضل ممن قدَّمه في مسجد هو دونه في الفضل مع ضرورة العلة ، فتأمَّل يا أخي.
    تجويزكم للصلاة خلف البرّ والفاجر
    السيِّد البدري : ثمَّ إنكم متّفقون على أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أرشدكم إلى الصلاة خلف كل برٍّ وفاجر (1) ، فإذا كانت الصلاة تجوز عندكم خلف كل فاسق وفاجر ، والاقتداء بكل ظالم وعاص ، بإجماع علماء السنة نصّاً وفتوى وعملا ، وكانت صلاة الخليفة أبي بكر بالمسلمين دليلا على خلافة النبيِّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وإمامة الأمّة ، كان ذلك دليلا أيضاً على إمامة هؤلاء جميعاً ، ولكان كلُّهم خلفاء النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من بعده ، وكأن قوله تعالى : ( وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ
1 ـ سنن البيهقي : 4/19 ، الفتح الكبير : 2/190.

(531)
النَّارُ ) (1) باطلا لا معنى له (2).
    حوار في حديث خوخة أبي بكر
    هشام آل قطيط : بعدما ذكرت الأدلّة الكثيرة حول صلاة الخليفة أبي بكر وإبطالها ، فما رأي سماحتكم بقوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : لو كنت متّخذاً من أهل الأرض خليلا غير ربّي لا تخّذت أبا بكر خليلا ، لا يبقين في المسجد خوخة إلاَّ سدَّت إلاَّ خوخة أبي بكر (3) ؟ أليس هذا الحديث دليلا قاطعاً على خلافة سيدنا أبي بكر (4).
1 ـ سورة هود ، الآية : 113.
2 ـ قال الشيخ المظفر عليه الرحمة في دعوى تقديم أبي بكر في الصلاة : فليس فيها أيَّة إشارة إلى تعيينه للخلافة ، فضلا عن النصّ ; لأن الإمامة في الصلاة ليست بالأمر الخطير الشأن الذي لا يكون إلاَّ لمن له الإمامة ، ولا سيّما على مذهب أهل السنّة ، وكان ائتمام المسلمين بعضهم ببعض مما اعتادوا عليه ، وشاع يومئذ بينهم بترغيب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فيه .. ولا أعتقد بصحّة ما يروى أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هو الذي قدَّمه للصلاة ، وأنه صلَّى أياماً ; لأن أبا بكر كان من جيش أسامة من غير شك ، وقد نهى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن التخلُّف عنه ، وشدَّد في الإسراع بإنفاذه ، فكيف يجتمع هذا مع تقديم النبيِّ له للصلاة مدّة مرضه ؟
    نعم ، الثابت أنه صلَّى صلاة واحدة .. يوم الإثنين ، يوم وفاة النبيِّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وقبل أن يتمَّها خرج صاحب الرسالة يتهادى بين رجلين ، ورجلاه تخطّان الأرض من الوجع ، فصلَّى بالناس صلاتهم ، وتأخَّر أبو بكر ، فإن عائشة هي التي روت أمر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بتقديمه لا غيرها ، وأنها راجعته في ذلك حتى قال لها غاضباً : إنكن لأنتن صواحب يوسف ، وهي نفسها تروي خروجه في نفس تلك الصلاة ، وكان خروجه بهذه الحال إلى الصلاة يوم وفاته وهو يوم الإثنين ، ولو أن النبيَّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان قدَّمه للصلاة إشارة إلى خلافته ، فلماذا خرج بهذه الحال المؤلمة ، وصلَّى بالناس صلاة المضطرين جالساً ؟ ولا معنى لما يقال : إنّه صلَّى أبو بكر بصلاة النبيِّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وصلَّى الناس بصلاة أبي بكر ، فمن هو الإمام إذن ؟ إن كان أبا بكر فلم يكن قد صلَّى بصلاة النبيِّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وإن كان النبي فلم تكن الناس قد صلَّت بصلاة أبي بكر .. السقيفة ، الشيخ محمّد رضا المظفر : 54.
3 ـ صحيح البخاري : 4/254 ، فضائل الصحابة ، أحمد بن حنبل : 3 ، مسند أحمد بن حنبل : 1/434 ، سنن الترمذي : 5/270 ح 3740 ، صحيح مسلم : 7/109 ، السنن الكبرى ، البيهقي : 6/246.
4 ـ قال ابن أبي الحديد في شرح النهج : 11/49 : إن البكرية وضعت لأبي بكر أحاديث في مقابلة هذه الأحاديث نحو ( لو كنت متخذاً خليلا ... ) فإنهم وضعوه في مقابلة حديث الإخاء ، ونحو سد الأبواب ، فإنه كان لعلي ( عليه السلام ) فقلبته البكرية إلى أبي بكر.


(532)
    السيِّد البدري : إن هذا الحديث رواية آحاد ، هذا أوَّلا.
    وثانياً : إن هذا الحديث معارض بحديث أقوى منه سنداً ، وتنقله أحاديثكم ، وهو قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : لا تقل : لو أني فعلت كذا كان كذا ، ولكن قل : قدَّر الله وما شاء فعل ، فإن كلمة ( لو ) تفتح عمل الشيطان ( حديث شريف ) (1) ، فكيف برسول الأمّة وإمامها ينهانا عن القول بكلمة ( لو ) ويقول لنا إنها تفتح عمل الشيطان ، وهو يبدأ بها ؟! هل يعقل هذا الأمر بأن هذا الحديث يصدر من النبيِّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ فتأمَّل.
    ثالثاً : إن هذا الحديث موضوع لدينا ، ووضع مقابل حديث المؤاخاة المشهور والمتواتر ، وهو قول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لعلي ( عليه السلام ) : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاَّ أنه لا نبيَّ بعدي (2).
    رابعاً : الشطر الثاني من الحديث ( لا يبقين في المسجد خوخة إلاَّ سدَّت إلاَّ خوخة أبي بكر ) وضع مقابل الحديث المشهور والمتواتر ( سدُّوا هذه الأبواب إلاَّ باب علي ) (3) فوضع أصحاب الأقلام المأجورة كلمة ( خوخة ) بدل ( باب )
1 ـ سنن ابن ماجة : 5/31 ح 79 ، صحيح مسلم : 8/56 ، السنن الكبرى ، البيهقي : 10/89 ، السنن الكبرى ، النسائي : 6/159 ح 10475.
2 ـ تقدَّمت تخريجاته.
3 ـ فضائل الصحابة ، أحمد بن حنبل : 13 ـ 14 ، صحيح مسلم : 7/120 ـ 121 ، سنن الترمذي : 5/302 ح 3808 و 304 ح 3813 ، المستدرك ، الحاكم : 2/337 ـ 338 ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، و 3/108 ـ 109 ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة ، وص 133 أيضاً ، السنن الكبرى ، البيهقي : 9/40 ، المصنّف ، عبد الرزاق : 5/405 ـ 406 ح 9745 ، وغير ذلك من المصادر الكثيرة ، كما أن هذا الحديث يعدُّ من المتواترات.


(533)
للتغيير والتحريف.
    هشام آل قطيط : عفواً سماحة السيِّد ! الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ترك خوخة مفتوحة لسيِّدنا أبي بكر ، ومعنى كلمة الخوخة أي ( الباب الصغير ).
    السيِّد البدري : لو أن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أراد إكرامه لفتح له باباً كبير ، لماذا باب صغير ؟ وحتى أثبت لك بالأدلّة والبراهين القاطعة بأن هذا الحديث وضع مقابل حديث ( سدُّوا كل الأبواب إلاَّ باب علي ) فتفضَّل يا أخي :
    أوّلا : أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بسدِّ أبواب الصحابة من المسجد تنزيهاً له عن الجنب والجنابة ، ولكنَّه أبقى باب علي ( عليه السلام ) ، وأباح له عن الله تعالى أن يجنب في المسجد ، كما كان هذا مباحاً لهارون ، فدلَّنا على ذلك عموم المشابهة كما كان هذا مباحا لهارون ( عليه السلام ).
    الحديث : قال ابن عباس حبر الأمّة : وسدَّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أبواب المسجد غير باب عليٍّ ، فكان يدخل المسجد جنباً ، وهو طريقه ليس له طريق غيره (1).
    الحديث : كان لنفر من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أبواب شارعة في المسجد ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : سدُّوا هذه الأبواب إلاَّ باب عليٍّ ، فتكلَّم الناس في ذلك ، فقام رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمَّ قال : أمَّا بعد ، فإني أمرت بسدِّ هذه الأبواب إلاَّ باب علي ، فقال فيه قائلكم ، وإنّي والله ما سددت شيئاً ولا فتحته ، ولكني أمرت بشيء فاتبعته (2).
1 ـ المستدرك ، الحاكم : 3/134 ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة ، السنن الكبرى ، النسائي : 5/112 ـ 113 ح 8409 ، المعجم الكبير ، الطبراني : 12/78 ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : 42/99 ـ 102 ، ذخائر العقبى ، أحمد بن عبد الله الطبري : 87 ـ 88.
2 ـ السنن الكبرى ، النسائي : 5/118 ح 8423 ، فتح الباري ، ابن حجر : 7/12 ـ 13 ، فيض القدير ، المناوي : 1/120.


(534)
    وأخرج الطبراني في الكبير ، عن ابن عباس أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قام يومئذ فقال : ما أنا أخرجتكم من قبل نفسي ، ولا أنا تركته ، ولكن الله أخرجكم وتركه ، إنما أنا عبد مأمور ، ما أمرت به فعلت ، إن أتَّبِعُ إلاَّ ما يوحى إليَّ (1).
    يا عليُّ ! لا يحلُّ لأحد أن يجنب في المسجد غيري وغيرك (2).
    وعن سعد بن أبي وقاص ، والبرّاء بن عازب ، وابن عباس ، وابن عمر وحذيفة بن أسيد الغفاري ، قالوا كلُّهم : خرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى المسجد فقال : إن الله تعالى أوحى إلى نبيِّه موسى أن ابن لي مسجداً طاهراً لا يسكنه إلاَّ أنت وهارون ، وإن الله أوحى إليَّ أن ابنِ مسجداً طاهراً لا يسكنه إلاَّ أنا وأخي علي (3)

    حديث المنزلة ومنازل هارون من موسى ( عليه السلام )
    السيِّد البدري : وحتى أثبت لك بأن حديث الخلّة وضع مقابل حديث المنزلة ، حتى تكون على بصيرة من أمرك أيُّها الأستاذ الباحث عن الحقيقة ، فالواجب الشرعي يفرض عليَّ أن أبيِّن لك الحقائق لتنقذ نفسك من الصراع الذي تعيشه ، والتناقض والحيرة ، فهذا الإمام البخاري يحدِّثنا في صحيحه (4) في مناقب علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وذاك الإمام مسلم في صحيحه يحدِّثنا عن
1 ـ المعجم الكبير ، الطبراني : 12/114 ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : 9/115 ، كنز العمال ، المتقي الهندي : 11/600 ح 32887.
2 ـ سنن الترمذي : 5/303 ح 3811 ، السنن الكبرى ، البيهقي : 7/66 ، فتح الملك العلي ، المغربي : 46 ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : 42/140 ، تهذيب الكمال ، المزي : 26/252 ، سير أعلام النبلاء ، الذهبي : 13/272 ، ذخائر العقبى ، أحمد بن عبد الله الطبري : 77.
3 ـ المناقب ، ابن المغازلي : 252 ح 301 ، ينابيع المودة ، القندوزي الحنفي : 1/258 ح 6.
4 ـ صحيح البخاري : 4/208 و 5/129 ، التأريخ الكبير ، البخاري : 1/115 ، رقم : 333.


(535)
النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنه قال لعلي ( عليه السلام ) : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاَّ أنّه لا نبيَّ بعدي (1).
    وفي القرآن العربي المبين يقول الله تعالى في سورة طه : آية 25 وما بعدها ، حكاية عن كليمه موسى ( عليه السلام ) : ( رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) إلى قوله تعالى : ( قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى ) وأنت تعلم ـ يا أخي المحاور ـ أن منازل هارون ( عليه السلام ) من موسى ( عليه السلام ) كثيرة ومتعدِّدة ، وسأورد لك بعض المقارنات بين هارون ومنزلته من موسى لتعلم أن علياً هو الخليفة الحق بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    الأوَّل : إن هارون ( عليه السلام ) كان وزيراً لموسى ( عليه السلام ) ، فكذلك علي ( عليه السلام ) وزير رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    الثاني : إن هارون ( عليه السلام ) كان شريكاً لموسى ( عليه السلام ) في أمره ، فكذلك علي ( عليه السلام ) شريك رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في أمره على الخلافة والإمامة ، إلاّ النبوَّة ، والمستثناة من عموم المنازل في الحديث الشريف.
    الثالث : إن هارون ( عليه السلام ) كان ثاني موسى ( عليه السلام ) في قومه ، فكذلك علي ( عليه السلام ) ثاني رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في أمته.
    الرابع : إن هارون ( عليه السلام ) كان أخاً لموسى ( عليه السلام ) ، فكذلك علي ( عليه السلام ) كان أخاً لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، بدليل حديث المؤاخاة المتواتر نقله في كتب السنة والشيعة ، وعدم استثناء النبيِّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من حديثه إلاَّ النبوة ، وقد أخرج ذلك أحد علمائكم ـ
1 ـ صحيح مسلم : 7/120 ـ 121.

(536)
أحمد بن حنبل في مسنده ـ عن عمرو بن ميمون ، عن ابن عباس في حديث : بضع عشرة فضيلة كانت لعلي ( عليه السلام ) لم تكن لغيره من الصحابة (1).
    الخامس : إن هارون ( عليه السلام ) كان أفضل قوم موسى ( عليه السلام ) عند الله تعالى وعند نبيِّه موسى ( عليه السلام ) ، فكذلك علي ( عليه السلام ) أفضل أمّة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عند الله تعالى وعند رسوله محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    السادس : إن هارون ( عليه السلام ) كان هو القائم مقام موسى ( عليه السلام ) في غيبته مطلقاً ، فكذلك علي ( عليه السلام ) هو الذىِّ يقوم مقام النبيِّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في غيبته مطلقاً ، وقد جاء التنصيص عليه جليّاً واضحاً ، لا يرتاب فيه اثنان من أهل الإيمان ، بقوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : لا ينبغي أن أذهب إلاَّ وأنت خليفتي (2).
1 ـ مسند أحمد بن حنبل : 1/331 ، السنن الكبرى ، النسائي : 5/113 ، خصائص أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) ، النسائي : 62 ، وقال محقِّق الكتاب في الهامش : في نسخة : فضائل ليست لأحد غيره ، تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : 42/99 ، البداية والنهاية ، ابن كثير : 7/374 ، ذخائر العقبى ، أحمد بن عبدالله الطبري : 87.
    وروى الموفق الخوارزمي بالإسناد عن عبد الله بن أحمد بن حنبل ، عن أبيه بإسناده عن ابن عباس : وقعوا في رجل له بضع عشرة فضائل ليست لأحد غيره ( المناقب ، الموفق الخوارزمي : 125 ح 140 ، المستدرك ، الحاكم النيسابوري : 3/132 ).
    وفي رواية النعمان المغربي : عن عمرو بن ميمون ، عبدالله بن عبّاس : وقعوا في رجل قال فيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عشر خلال ، كل خلّة منها خير من الدنيا وما فيها ، وقعوا في علي أميرالمؤمنين.
    ( شرح الأخبار ، القاضي النعمان المغربي : 2/209 ح 541 ).
2 ـ مسند أحمد بن حنبل : 1/331 ، كتاب السنّة ، عمرو بن أبي عاصم : 551 ، خصائص أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) ، النسائي : 64 ، المعجم الكبير ، الطبراني : 12/78 ، المناقب ، الموفق الخوارزمي : 127 ، تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : 42/102 ، الإصابة ، ابن حجر : 4/467 ، البداية والنهاية ، ابن كثير : 7/374 ، ذخائر العقبى ، أحمد بن عبدالله الطبري : 87 ، كنز العمال ، المتقى الهندي : 11/606 ح 32931 ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : 9/120 ، ينابيع المودة ، القندوزي : 1/112.


(537)
    السابع : إن هارون ( عليه السلام ) كان أعلم قوم موسى ( عليه السلام ) فكذلك علي ( عليه السلام ) أعلم أمة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وقد صرَّح النبيُّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بذلك فقال : أعلم أمّتي من بعدي علي بن أبي طالب (1).
    الثامن : إن هارون ( عليه السلام ) كان واجب الطاعة على يوشع بن نون وصيِّ موسى ( عليه السلام ) وغيره من أمّته ، فكذلك علي ( عليه السلام ) واجب الطاعة على الخلفاء : أبي بكر وعمر وعثمان ، وغيرهم من أمّة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    التاسع : إن هارون ( عليه السلام ) كان أحبَّ الناس إلى الله تعالى وإلى كليمه موسى ( عليه السلام ) ، فكذلك عليٌّ أحبُّ الناس إلى الله تعالى وإلى رسوله محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    العاشر : إن الله تعالى قد شدَّ أزر نبيِّه موسى ( عليه السلام ) بأخيه هارون ( عليه السلام ) ، فكذلك شدَّ أزر نبيِّه محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بأخيه علي ( عليه السلام ).
    الحادي عشر : إن هارون ( عليه السلام ) كان معصوماً من الخطأ والنسيان ، والزلل والعصيان ، فكذلك علي ( عليه السلام ) يكون معصوماً من الخطأ والنسيان ، والزلل والعصيان.
    هشام آل قطيط : سماحة السيِّد ! هل لديك أدلّة أخرى في عليٍّ كرَّم الله وجهه ، وفي إثبات أحقّيّته بالخلافه ؟ زدني من فضلك.
    السيِّد البدري : وما أزيدك ؟ ما هذا الذي ذكرته إلاَّ غيض من فيض من
1 ـ روى الموفق الخوارزمي بالإسناد عن سلمان ، عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنه قال : أعلم أمتي من بعدي علي بن أبي طالب ( عليه السلام ).
    راجع : المناقب ، الموفق الخوارزمي : 82 ، فتح الملك العلي ، أحمد بن الصديق المغربي : 70 عن مسند الفردوس ، ينابيع المودة ، القندوزي : 2/70 ح 6 و 239 ح 669 ، كنز العمال ، المتقي الهندي : 11/614 ح 32977.


(538)
فضائل علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، إذا قلت لك إن عليّاً جامع لفضائل الأنبياء هل تقنع ؟
    هشام آل قطيط : إذا كان هناك أدلّة وبراهين تقنعني لماذا لا أقنع ؟ الإمام علي ( عليه السلام ) جامع فضائل الأنبياء.
    السيِّد البدري : وقد شهد بذلك سيِّد الرسل ، وخاتم النبيين محمّد ، الصادق الأمين ( عليه السلام ) ، كما جاء في مناقب الخوارزمي : ص 49 ـ 245 والرياض النضرة : 2 ـ 217 ، وذخائر العقبى : 93 ، وغيرها أنه قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مع بعض الاختلافات اللفظيّة : ( من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في فهمه ، وإلى يحيى بن زكريا في زهده ، وإلى موسى بن عمران في بطشه فلينظر إلى علي بن أبي طالب ).
    ونقل لنا ابن الصبّاغ المالكي في كتابه ( الفصول المهمة ) : من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في عزمه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى موسى في هيبته ، وإلى عيسى في زهده فلينظر إلى علي بن أبي طالب.
    وفي الرياض النضرة : 2 ـ 202 قال : أخرج الملا عمر بن خضر في سيرته : قيل : يا رسول الله ! وكيف يستطيع علي ( عليه السلام ) أن يحمل لواء الحمد ؟ فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : وكيف لا يستطيع ذلك وقد أعطي خصالا شتّى ; صبراً كصبري ، وحسناً كحسن يوسف ، وقوّة كقوّة جبريل ( عليه السلام ) ؟!
    وروى السيِّد مير علي الهمداني في كتابه ( مودّة القربى ) المودة الثامنة ، قال : عن جابر قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : من أراد أن ينظر إلى إسرافيل في هيبته ، وإلى ميكائيل في رتبته ، وإلى جبرائيل في جلالته ، وإلى آدم في علمه ، وإلى نوح في خشيته ، وإلى إبراهيم في خلّته ، وإلى يعقوب في حزنه ، وإلى


(539)
يوسف في جماله ، وإلى موسى في مناجاته ، وإلى أيوب في صبره ، وإلى يحيى في زهده ، وإلى عيسى في عبادته ، وإلى يونس في ورعه ، وإلى محمّد في حسبه وخلقه ، فلينظر إلى عليٍّ ، فإن فيه تسعين خصلة من خصال الأنبياء جمعها الله فيه ، ولم يجمعها في أحد غيره (1).
    هشام آل قطيط : عفواً سماحة السيد ! أنت هنا وصلت بي إلى مقايسة عليٍّ ـ كرَّم الله وجهه ـ بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وهذا مشكل منكم ؟
    السيِّد البدري : اسمع ـ يا أخي ـ لأروي لك ما نقله بعض من المؤرِّخين ، إذا الأدلّة لم تقنع فناقشني وحاورني.

    مقايسة علي ( عليه السلام ) بالأنبياء ( عليهم السلام )
    لقد حدَّثنا المؤرِّخون والمحدِّثون أنه ( عليه السلام ) في آخر يوم من حياته الكريمة ، حينما كان على فراش الموت والشهادة حضر عنده جماعة من أصحابه لعيادته ، وكان ممَّن حضر صعصعة بن صوحان ، وهو من كبار الشيعة في الكوفة ، وكان خطيباً بارعاً ، ومتكلِّماً لامعاً ، وهو من الرواة الثقات حتى عند أصحاب الصحاح الستة عندكم وأصحاب المسانيد ، فإنّهم يروون عنه ما ينقله عن الإمام علي ( عليه السلام ) ، وقد ترجم له كثير من أعلامكم مثل : ابن عبد البرّ في الاستيعاب ، وابن سعد في الطبقات الكبرى ، وابن قتيبة في المعارف ، وغيرهم ، فكتبوا أنه كان عالماً صادقاً ، وملتزماً بالدين ، ومن خاصة أصحاب أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، في ذلك اليوم سأل صعصعة الإمام عليّاً ( عليه السلام ) قائلا : يا أميرالمؤمنين !
1 ـ ينابيع المودة ، القندوزي : 2/306 ـ 307 ح 874.

(540)
أخبرني أنت أفضل أم آدم ( عليه السلام ) ؟
    فقال الإمام ( عليه السلام ) : يا صعصعة ! تزكية المرء نفسه قبيح ، ولو لا قول الله عزَّ وجلَّ : ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) (1) ما أجبت ، يا صعصعة ! أنا أفضل من آدم ; لأن الله تعالى أباح لآدم كلَّ الطيِّبات المتوفِّرة في الجنة ، ونهاه عن أكل الحنطة فحسب ، ولكنَّه عصى ربَّه وأكل منها ! وأنا لم يمنعني ربّي من الطيِّبات ، وما نهاني عن أكل الحنطة ، فأعرضت عنها رغبة وطوعاً.
    فقال صعصعة : أنت أفضل أم نوح ؟
    فقال ( عليه السلام ) : أنا أفضل من نوح ; لأنه تحمَّل ما تحمَّل من قومه ، ولمَّا رأى منهم العناد دعا عليهم ، وما صبر على أذاهم ، فقال : ( رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الاَْرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً ) (2) ، ولكنّي بعد حبيبي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تحمَّلت أذى قومي وعنادهم ، فظلموني كثيراً ، فصبرت وما دعوت عليهم (3).
    فقال صعصعة : أنت أفضل أم إبراهيم ؟
    فقال ( عليه السلام ) : أنا أفضل ، لأن إبراهيم قال : ( رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) (4) ، ولكنّي قلت وأقول : لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً.
    قال صعصعة : أنت أفضل أم موسى ؟
    قال ( عليه السلام ) : أنا أفضل من موسى ; لأن الله تعالى لمَّا أمره أن يذهب إلى فرعون
1 ـ سورة الضحى ، الآية : 11.
2 ـ سورة نوح ، الآية : 26.
3 ـ راجع : نهج البلاغة ـ الخطبة الشقشقية حيث يصف ( عليه السلام ) فيها جانباً من الوضع الذي قاساه فصبر.
4 ـ سورة البقرة ، الآية : 260.
مناظرات في الامامة الجزء الرابع ::: فهرس