نهاية الافكار ـ الجزء الاول والثاني ::: 391 ـ 405
(391)
العمدة أيضا في عدم ملاحظتهم لقاعدة الجمع المزبور في المقام مع بنائهم على أعمالها كثيرا في الفقه بنحو صار من الجموع المتعارفة ، هذا.
    اللهم الا ان يقال بمزاحمة المحكوم في المقام مع أصل حكومة دليل الناسخ ومقدار نظره حيث يصرفه إلى خصوص جهة الالزام وحيث المنع عن الترك وفي مثله لا يتأتى ما ذكر من لزوم تقديم دليل الحاكم ولو كان أضعف ظهورا ، من جهة ان ذلك انما هو في ظرف ثبوت أصل حكومته وقوة نظره ، بل لابد حينئذ من لحاظ التعارض بينهما وحينئذ إذا فرضنا اقوائية دليل المنسوخ في مطلق الرجحان من ظهور دليل الناسخ في النظر إلى جميع المراتب فلا جرم توجب مثل هذه الأقوائية لصرف دليل الناسخ إلى خصوص مرتبة الالزام وجهة المنع عن النقيض.
    وحينئذ فلئن خودش في ذلك فلابد من الخدشة في أصل المطلب بدعوى قوة ظهور دليل الناسخ في نظره إلى رفع جميع مراتب الحكم ، كما لعله ليس ببعيد أيضا لظهوره في رفعه لأصل الحكم الثابت بدليل المنسوخ بما له من المراتب ، وعليه لايبقى مجال للاخذ بظهور دليل المنسوخ في مطلق الرجحان لاثبات الاستحباب ، نعم لو فرضنا اجمال دليل الناسخ في نفسه وتردده بين رفع خصوص جهة الزامه أو رفعه حتى بمرتبة رجحانه وجوازه ففي مثله لا بأس بدعوى الرجوع إلى دليل المنسوخ لاثبات مطلق الرجحان لولا دعوى سراية اجماله إليه أيضا ، فتدبر.
    واما الاستصحاب فيبتنى جريانه على أن يكون المشكوك عرفا من مراتب ما هو المتيقن سابقا بحيث على تقدير بقائه يعد كونه عرفا بقاء لما علم بتحققه سابقا لا كونه أمرا مبائنا معه وحادثا غيره ، والا فلا مجال لجريان الاستصحاب أيضا من جهة عدم اتحاد القضية المتيقنة مع المشكوكة عرفا ، فتدبر.

    إذا تعلق الامر بأحد الشيئين أو الأشياء على وجه التخيير فالمرجع فيه كما عرفت إلى وجوب كل واحد منها لكن بايجاب ناقص بنحو لايقتضي الا المنع عن بعض أنحاء تروكه وهو الترك في حال ترك البقية ، من غير فرق في ذلك بين ان يكون هناك غرض


(392)
واحد يقوم به كل واحد منهما ولو بملاحظة ما هو القدر الجامع بينهما أو اغراض متعددة بحيث كان كل واحد منهما تحت غرض مستقل وتكليف مستقل وكان التخيير بينهما من جهة عدم امكان الجمع بين الغرضين اما من جهة التضاد بين متعلقيهما كما في المتزاحمين ، أو من جهة التضاد بين نفس الغرضين في عالم الوجود بحيث مع استيفاء أحد الغرضين في الخارج لايبقى مجال لاستيفاء الآخر ، أو في مرحلة أصل الاتصاف بحيث مع تحقق واحد الوجودات واتصافه بالمصلحة لاتتصف البقية بالغرض والمصلحة ، حيث أن مرجع الجميع إلى تعلق وجوب ناقص بكل واحد من الوجودات بنحو لايقتضي الا المنع عن بعض أنحاء تروكه وهو الترك في حال ترك البقية ، لاتعلق الوجوب التام بكل واحد منها مشروطا بعدم الآخر ، ولا وجوب أحد الوجودات لا بعينه ، أو أحدها المعين عند الله
    نعم غاية ما هناك من الفرق بين الصور المزبورة انما هو من جهة وحدة العقوبة وتعددها عند ترك الجميع ، حيث إنه في بعضها كالصورة الأولى والأخيرة لايترتب على ترك الجميع الا عقوبة واحدة ، وفي بعضها الآخر كالصورة الثانية والثالثة تترتب عقوبات متعددة حسب وحدة الغرض وتعدده.
    لايقال بأنه مع المضادة المزبورة لايكاد يستند إلى المكلف عند تركه للجميع الأفوت أحد الاغراض ، من جهة فوات البقية عليه على كل تقدير ، ومعه كيف يمكن استحقاقه للعقوبات المتعددة ، وبعبارة أخرى ان استحقاق العقوبة لابد وأن يكون على ما هو تحت قدرة المكلف واختياره فإذا لم يكن للمكلف حينئذ بمقتضي المضادة المزبورة بين المتعلقين أو الغرضين في عالم الوجود الا القدرة على تحصيل أحد الغرضين لا جرم لايترتب على تركه للجميع أيضا الا عقوبة واحدة
    فإنه يقال نعم وان كان لا قدرة للمكلف على الجمع بين الغرضين ولكن مجرد ذلك لايمنع عن استحقاقه للعقوبات المتعددة عند ترك الجميع ، من جهة تمكنه حينئذ من الاتيان بأحد الوجودين واخراج البقية عن حيز الوجوب الفعلي ، فتأمل.
    لايقال على ذلك في الصورة الأخيرة أيضا لابد من الالتزام بتعدد العقوبة فما وجه التفرقة بينها وبين غيرها ؟.
    إذ يقال بان عدم الالتزام فيها بتعدد العقوبة انما هو من جهة عدم صدق ترك المتصف بالمصلحة الا على أحد التروك نظرا إلى ما كان بينها من المضادة في أصل


(393)
الاتصاف بالمصلحة ، وبالجملة ان ترتب العقوبة انما هو ترك الشيء في ظرف الفراغ عن اتصافه بكونه تركا لما فيه الغرض والمصلحة ، ومثل هذا المعنى انما يصدق في الصورة الثانية والثالثة ، واما في الصورة الأخيرة فلايكاد صدق ترك المتصف الاعلى أحد التروك فمن ذلك لايكاد يترتب على تركه للجميع الا عقوبة واحدة ، فتأمل.

    بقى الكلام في التخيير بين الأقل والأكثر حيث إنه قد يقال بامتناعه واستحالته نظرا إلى أنه باتيان الأقل ووجوده ولو في ضمن الأكثر يتحقق الواجب لا محالة ويحصل الغرض ومع حصول الغرض وتحقق الواجب به يكون الزائد عليه لا محالة زائدا عن الواجب فيكون خارجا عن دائرة الوجوب فلايمكن حينئذ تعلق الوجوب به ، ولكن فيه انه كذلك إذا كان الأقل مأخوذا بنحو اللابشرط من جهة الزيادة وليس كذلك بل نقول بأنه مأخوذ على نحو بشرط لا بحيث كان لحده أيضا دخل في الواجب وفى حصول الغرض ، وعليه فيرتفع الاشكال المزبور حيث لايكون الآتي بالأكثر حينئذ آتيا بالأقل بحده في ضمنه حتى يتوجه الاشكال المزبور ، من غير فرق في ذلك بين ان يكون للأقل الكائن في ضمن الأكثر وجود مستقل بحيث كان هناك تخلل سكون في البين كما في التسبيحات أم لا كما في مثل الخط الطويل الذي رسم دفعة ، وذلك من جهة أنه بالتجاوز عن حد الأقل الذي فرض كونه تسبيحة واحدة أو نصف ذراع من الخط مثلا ينتفى الأقل ويكون المأتى به من أوله إلى آخره امتثالا للامر بالأكثر دون الأقل ، كما هو واضح.
    نعم قد يشكل على ما ذكرنا أيضا بأن الأكثر بعد أن أخذ لا بشرط من طرف الزيادة وقد وجب الاتيان بذات الأقل أيضا على كل تقدير فلا جرم لايبقى طرف التخيير الا نفس الحدين وهما الوقوف على الأقل أو التعدي والتجاوز عنه وحينئذ فحيث أنه مع الاتيان بذات الأقل لا محيص له من أحد الحدين ولايمكنه ترك كليهما يندرج لا محالة في التخيير العملي العقلي بمناط اللاحرجية نظير التخيير بين النقيضين أو الضدين اللذين ليس لهما ثالث لا في التخيير الشرعي من جهة عدم المجال حينئذ لأعمال المولوية بالامر التخييري نحو الحدين ، لما ذكرنا غير مرة بان مرجع الامر التخييري بأحد الامرين انما هو إلى النهى عن تركهما معا وهو انما يصح في مورد يتمكن المكلف من ترك كلا الامرين والا فمع عدم تمكنه من ذلك ولا بدية اتيانه بأحد الامرين عقلايكون الامر باتيان أحد


(394)
الفردين لغوا محضا ، فعلى ذلك حينئذ يتسجل الاشكال بأنه كيف المجال للتخيير الشرعي بين الأقل والأكثر مع كون ذات الأقل واجبة الاتيان على كل تقدير وكون التخيير بين الحدين أيضا عقليا محضا بمناط اللاحرجية ، هذا.
    ولكن يمكن التفصي عن هذا الاشكال أيضا بان ما هو طرف التخيير حينئذ انما كان هو الأقل بما هو متقيد بحد الأقلية ، فكان لحيث التقيد أيضا دخل في موضوع الوجوب وفي مثله معلوم بداهة كمال المجال لتعلق الامر المولوي التخييري بأحد الامرين اما الأقل أو الأكثر ، وحينئذ فتمام الخلط انما هو من جهة الغاء حيث التقيد بحد الأقلية عن موضوع الوجوب ولحاظ ذات الأقل عارية عن التقيد المزبور فمن ذلك استشكل بان ذات الأقل حينئذ بعد أن كانت واجبة الاتيان على كل تقدير لا على تقدير دون تقدير فلا جرم لايبقى في البين الا نفس الحدين الذين عرفت بأنه لايكون التخيير فيهما الا تخييرا عقليا بمناط اللاحرجية ، والا فبناء على ملاحظة مجموع الذات مع التقيد المزبور لايبقى مجال الاشكال المزبور أصلا ، من جهة وضوح ان الأقل حينئذ بوصفه لايكون واجب الاتيان على كل تقدير ، كما هو واضح. وعلى ذلك فمن اخذ الأقل بشرط لا محددا بحد الأقلية يرتفع تلك الاشكالات بأجمعها على التخيير بين الأقل والأكثر ، نعم على ذلك يكون مرجع التخيير المزبور إلى التخيير بين المتبائنين نظرا لأي مبائنة الأقل حينئذ ولو بحده مع الأكثر ، فتدبر.

    وهو سنخ من الوجوب متعلق بفعل كل واحد من آحاد المكلفين ، ومرجعه كما في الواجب التخييري إلى تعلق وجوب ناقص بفعل كل واحد من المكلفين بنحو لايقتضي الا المنع عن بعض أنحاء تروكه ، وهو تروكه في حال ترك بقية المكلفين ، غير أن الفرق بينهما هو توجه التكليف هناك إلى المكلف بكلا شقي التخيير من جهة كونه نتيجة التكليف التعييني بالجامع بخلافه في المقام حيث إنه بعد عدم قدرة شخص مكلف واحد على كل الشقين لايكاد يصح توجيه التكليف التعييني إليه بالجامع بمعناه الاطلاقي القابل للانطباق على فعل نفسه وفعل غيره ، ومن ذلك لايكون التكليف المتوجه إلى


(395)
كل مكلف الا تكليفا ناقصا متعلقا بشق واحد ولايكون امره الناقص الا أمرا واحدا
    بل ولئن تأملت ترى جريان الشقوق المتصورة في الواجب التخييري في المقام أيضا من حيث تعلق غرض وحداني تارة بجامع فعل المكلفين القابل للانطباق على فعل كل واحد من آحادهم ، وأخرى تعلق اغراض متعددة بفعل كل واحد من المكلفين مع كونها بنحو لايكاد حصول الغرض في واحد مع حصوله وتحققه في الاخر نظرا إلى ما كان بين تلك الاغراض حينئذ من المضادة اما في مرحلة الوجود والتحقق واما ما في مرحلة أصل الاتصاف بالغرض والمصلحة ، حيث إن مرجع الجميع كما عرفت إلى تعلق وجوب ناقص بفعل كل واحد من المكلفين ، ففي جميع الصور كان المكلفون كل واحد منهم مكلفا بالايجاد ولكن بتكليف ناقص بنحو لايقتضي الا المنع عن الترك في حال ترك البقية ونتيجة ذلك انما هو سقوط التكليف بفعل بعضهم عن الجميع واستحقاقهم جميعا للعقوبة عند اخلالهم بالامتثال مع امتثال الجميع أيضا واستحقاقهم للمثوبة لو أتوا بالمأمور به دفعة واحدة ، نعم هذا الأخير مخصوص بالفرض الأول وهو فرض قيام الغرض الوحداني بالجامع فان قضيته حينئذ هو تحقق الامتثال بفعل الجميع فلا يجري في بقية الفروض لأنه فيها حسب مضادة تلك الاغراض القائمة بأفعالهم اما بحسب الوجود أو الاتصاف لايكاد انتهاء النوبة إلى امتثال الجميع مع اتيانهم دفعة واحدة حتى يترتب عليه استحقاقهم أجمع أيضا للمثوبة بل ومقتضي بطلان الترجيح بلا مرجح حينئذ هو عدم حصول الغرض وعدم تحقق الامتثال من واحد منهم أيضا ، كما لايخفى ، هذا.
    ولكن الذي يسهل الخطب هو ان ما ذكرناه من الفروض الاخر في الواجب الكفائي مجرد فرض وبيان امكان جريان فروض الواجب التخييري في الكفائي أيضا ، والا فما هو الواقع في الواجبات الكفائية طرا انما هو خصوص الفرض الأول ، وعليه فكما أنه باخلالهم بالامتثال يستحق الجميع العقوبة كذلك باتيانهم جميعا للمأمور به دفعة واحدة يتحقق الامتثال من الجميع ويستحق الجميع المثوبة ، نعم على فرض وقوع ما عدا الفرض الأول فيها أيضا يبقى الكلام في أنه هل يمكن فيها تصوير إناطة التكليف بكل واحد منهم بعدم اتيان البقية كي يلزمه المصير إلى كون التكليف المتوجه إلى كل مكلف تكليفا تاما منوطا بعدم اتيان البقية أم لايمكن فينحصر تكليفهم كما في الواجب التخييري بالتكليف الناقص حسب ما عرفت ، وفي ذلك كان التحقيق هو الثاني ، وذلك فإنه ان أريد من


(396)
الإناطة إناطة كل واحد من التكاليف بعصيان البقية فعدم امكانه واضح ، من جهة ما يلزمه حينئذ من تأخر كل واحد من هذه التكاليف عن الآخر برتبتين ، وهو من المستحيل كما عرفت ، وان أريد إناطة كل واحد منها بعدم البقية أي العدم السابق على الامر والتكليف فكذلك أيضا ، إذ حينئذ وان لم يرد عليه المحذور المتقدم من جهة وقوع التكاليف حينئذ في رتبة واحدة الا انه بعد تحقق المنوط به بالنسبة إلى الجميع يلزمه ان يكون كل واجد منهم مكلفا بتكليف فعلى تام بالايجاد ، ومثل هذا المعنى بعد فرض مضادة تلك المصالح والاغراض وامتناع اجتماعها في الوجود والتحقق يكون من المستحيل ، لاستحالة البعث الفعلي التام نحو أمور يمتنع اجتماعها في التحقق ، فمن ذلك لا محيص في المقام أيضا كما في الواجب التخييري من ارجاع تلك التكاليف إلى التكليف الناقص بجعل التكليف المتوجه إلى كل مكلف تكليفا ناقصا على نحو لايقتضي الا المنع عن الترك في حال ترك بقية المكلفين ونتيجة ذلك كما عرفت انما هو سقوط التكليف عن الجميع بفعل البعض منهم مع استحقاق الجميع للعقوبة عند اخلالهم جميعا بالواجب والمأمور به ، كما هو واضح.

    وهو الذي كان للزمان دخل فيه شرعا ، وفي قباله غير الموقت وهو الذي لايكون للزمان دخل فيه شرعا وان كان مما لابد منه فيه عقلا.
    ثم إن قضية دخله فيه شرعا تارة تكون من جهة كونه قيدا للهيئة وللطلب وأخرى من جهة كونه قيدا للمادة وللمتعلق الراجع إلى مقام الدخل في وجود المحتاج إليه والمتصف فارغا عن أصل الاتصاف والاحتياج ، حيث إنه يجري فيه كلا الاحتمالين كما في غيره من القيود الاخر ، نعم لو بنينا على عدم امكان المعلق واستحالته في نفسه لكان المتعين في المقام هو ارجاعه عقلا بقول مطلق إلى الهيئة والطلب ولو كان بحسب ظاهر القضية راجعا إلى المتعلق والمادة حتى في ما لو كان دخله في المصلحة من قبيل الدخل في وجود المتصف والمحتاج إليه ، غير أن الفرق حينئذ بينه وبين سائر المشروطات من جهة الإناطة حيث كان إناطة الطلب به في المقام عقلية وفي سائر المشروطات شرعية. وأما


(397)
بناء على المختار من امكان المعلق أيضا كالمشروط فيجرى فيه كلا الاحتمالين كما في غيره من القيود ، فيكون قيدا للهيئة وللطلب تارة وللمتعلق أخرى.
    ثم إن الزمان المأخوذ في الواجب ظرفا ان كان بقدر الواجب لا أوسع فمضيق كالصوم مثلا ، وان كان أوسع منه فموسع وأمثلته كثيرة كالصلوات اليومية وصلاة الكسوف والخسوف ونحوها. واما كونه أضيق من الواجب فغير ممكن من جهة امتناع التكليف بما لا يسعه وقته وظرفه مع إرادة ايجاد الواجب بتمامه في ذلك الوقت وهو واضح ، نعم لا باس به لو أريد ايجاده فيه ولو ببعض اجزائه لا بتمامه ولكن ذلك حينئذ خارج عن الفرض نظرا إلى أن الموقت حينئذ انما هو الواجب ببعض اجزائه لا بتمامه ومن أوله إلى آخره.
    واما الاشكال في امكان الموسع أيضا فمدفوع بما عرفت من وقوعه الذي هو أدل على امكانه ، كالأمثلة المزبورة ، ومرجعه إلى مطلوبية الكلي الجامع بين الافراد التدريجية المنتجة للتخيير بين الافراد المزبورة. وفي كون مثل هذا التخيير عقليا أو شرعيا وجهان أوجههما الثاني ، كما تقدم بيانه مفصلا ، فراجع.
    نعم يبقى الكلام حينئذ في اقتضاء الامر بالموقت مع الاخلال به في الوقت لوجوبه في خارج الوقت وعدمه ، وفي ذلك نقول : ان مجمل الكلام فيه ان قضية دليل الموقت اما ان تكون على نحو وحدة المطلوب بحيث يستفاد منه كون التقييد بالوقت بلحاظ أصل المطلوب لا بلحاظ تمامه ، واما ان تكون على نحو تعدد المطلوب بحيث يستفاد منه كون التقييد به بلحاظ تمام المطلوب لا أصله ، واما ان لا يستفاد منه شيء من الوجهين بل كان مجملا من هذه الجهة ومرددا بين التقييد في أصل المطلوب أو تمامه.
    فان كان من قبيل الأول فلا اشكال في عدم اقتضاء الامر بالموقت لوجوب الاتيان به في خارج الوقت مع الاخلال به في الوقت ، لولا دعوى اقتضائه لعدم وجوبه.
    كما أنه على الثاني أيضا لا اشكال في اقتضائه وجوب الاتيان به في خارج الوقت بعكس القسم الأول من غير فرق في ذلك بين ان يكون التوقيت بدليل متصل أو منفصل
    واما ان كان من قبيل الثالث فان كان بدليل متصل بالكلام فلا اشكال أيضا في عدم اقتضاء دليل الواجب لوجوبه في خارج الوقت ، من جهة انه باتصاله به يوجب اجماله اجمالا لدليل الموقت أيضا ، ومعه لايبقى له ظهور حتى يصح التمسك به لاثبات الوجوب بعد انقضاء الوقت ، نعم لو كان التوقيت حينئذ بدليل منفصل وكان لدليل


(398)
الواجب أيضا اطلاق بان فرض كونه في مقام البيان من هذه الجهة لا في مقام أصل المشروعية لكان قضية اطلاقه حينئذ هو ثبوت الوجوب في خارج الوقت أيضا ولكن ذلك أيضا مجرد فرض ، إذ نقول أولا بظهور دليل التوقيت في وحدة المطلوب وفي كون التقييد به بلحاظ أصل المطلوب لا بلحاظ تمامه وعلى فرض عدم ظهوره واجماله من تلك الجهة لايكون لدليل العبادة في تلك الموقتات من نحو قوله : « أقيموا الصلاة » اطلاق يصح التمسك به لاثبات الوجوب في خارج الوقت لأنها طرا على ما حقق في محله في مبحث الصحيح والأعم كانت واردة في مقام أصل المشروعية لا في مقام البيان من تلك الجهات ، وعليه فلا يبقى مجال التمسك بدليل الموقتات في العبادات لاثبات الوجوب في خارج الوقت ، بل لابد حينئذ من قيام دليل عليه بالخصوص والا فلا كنا نحن ونفس تلك الأدلة لايمكننا اثبات الوجوب به بعد انقضاء الوقت كما هو واضح.
    نعم لو شك ولو يعلم من دليل الموقت بان التقييد بالوقت كان بلحاظ أصل المطلوب أو بلحاظ تمام المطلوب ربما كان مقتضى الأصل وهو الاستصحاب بقائه في خارج الوقت أيضا إذ حينئذ يشك عند ذهاب الوقت في ذهاب أصل المطلوبية أو ذهاب مرتبة منه مع بقائه ببعض مراتبه الاخر فيستصحب حينئذ بقائه ولو ببعض مراتبه ، نظير الاستصحاب الجاري في اللون الخاص إذا شك في ذهابه من رأسه أو ذهابه ببعض مراتبه مع بقائه ببعض مراتبه الاخر ، ومعه فلا يجرى فيه أصالة البراءة عن الوجوب ، هذا.
    ولكن الذي يسهل الخطب هو ما عرفت من ظهور الأدلة في وحدة المطلوب وفى كون التقيد بالوقت بلحاظ أصل المطلوب لاتمامه وحينئذ فلابد في اثبات وجوب القضاء في خارج الوقت وفاقا للمحققين من قيام دليل عليه بالخصوص والا فلايكفيه نفس الامر الأول ، كما هو واضح.
    نعم ربما ينافي ما ذكرنا ظهور مادة القضاء في التدارك المقتضي لوفاء المأتى به في خارج الوقت ببعض مراتب مصلحة الموقت ، حيث إن لازمه هو قيام المصلحة من الأول بالجامع بين الفرد الواقع في الوقت والفرد الواقع في خارجه ، ولازمه هو تعلق الامر الأول أيضا من الأول بالجامع بين الفردين لا بخصوص الفرد الواقع في الوقت ، ولازمه أيضا ان يكون وجوب الاتيان به في خارج الوقت بنفس الامر الأول لا بأمر جديد ، ولكنه يندفع ذلك بأنه وان كان الامر كذلك انه انه نقول بان فردية المأتي به في خارج الوقت للجامع


(399)
لما كانت في طول الافراد الواقعة في الوقت وفي رتبة متأخرة عن سقوط الامر والتكليف عنها ، فقهرا مثل هذه الطولية توجب تضيقا في دائرة الطبيعة المأمور بها بالامر الأول بنحو يخرج عنها مثل هذا الفرد ، فمن ذلك يحتاج في اثبات وجوبه بعد عدم شمول الامر الأول له إلى امر آخر يقتضي وجوبه في خارج الوقت ، وعليه فلا تنافي بين القول بان القضاء بأمر جديد وبين ما يقتضيه ظهور مادة القضاء في الوفاء ببعض مراتب مصلحة الموقت ، كما لايخفى.

    وتحقيقه ان يقال بان كلا الوجهين ثبوتا امر ممكن ، حيث إنه يمكن ان يكون الامر بالامر بشيء لا لأجل التوصل به إلى وجود ذلك الشيء في الخارج بل لأجل مطلوبية امر الآمر الثاني نفسيا كما أنه يمكن ان يكون ذلك لأجل التوصل إلى وجود الشيء في الخارج فحيث انه كان ذلك الشيء مطلوبا له أمر بالامر به ، الا انه في مقام الاثبات كان الظاهر من نحو تلك القضايا ولو بملاحظة قضية الارتكاز هو الثاني من كون الامر بالامر بشيء لمحض التوصل إلى الوجود ، لا من جهة مطلوبية أمر الآمر الثاني نفسيا وان لم يترتب عليه الوجود في الخارج.
    وعلى ذلك فلا بأس باستفادة شرعية عبادة الصبي مما ورد من أمر الأولياء بأمر الصبيان باتيان العبادات ، نعم هذا المقدار من الشرعية أيضا لا يفي باثبات وفاء المأتي به حال الصغر بمصلحة الواجب كي يلزمه الاجتزاء به عن فعل الواجب فيما لو كان بلوغه بعد الفراغ عن العبادة أو في أثنائها ، من جهة ان القدر الذي يستفاد من قضية الامر بالامر انما هو كون فعلهم في حال عدم البلوغ مشروعا وواجدا للمصلحة ، واما كون هذه المصلحة من سنخ تلك المصلحة الملزمة الثابتة في حال البلوغ فلا ، ومن هذه الجهة أيضا تشبث بعضهم للاجتزاء به وعدم الإعادة بعد البلوغ باثبات المشروعية من جهة نفس الخطابات الأولية ، وحاصله انما هو دعوى شمول اطلاق الخطابات في التكاليف مثل أقيموا الصلاة ونحوه للصبي الذي يبلغ بعد يوم أو نصف يوم أو ساعة ، حيث إن


(400)
دعوى انصرافها عن مثل هذا الصبي أيضا كما ترى بعيدة غايته ، إذ لايكاد يفرق العرف في شمول تلك الخطابات بين البالغ سنه إلى خمس عشرة سنة كاملة وبين من نقص سنة من ذلك بيوم أو نصف يوم أو ساعة واحدة ، بل كان العرف يرى شمول تلك الخطابات لكل منهما وحينئذ فإذا شمل تلك الخطابات لمثل هذا الصبي يتعدى عنه بمقتضي عدم الفصل إلى من هو دون ذلك في العمر إلى أن يبلغ في طرف القلة إلى ست أو سبع سنين فيستفاد من ذلك حينئذ ان الصبي المميز والمراهق كالبالغ في كونه ممن شرع في حقه العبادة على نحو مشروعيتها في حق البالغين من حيث اشتمال عباداته على المصالح الملزمة ، غاية الامر بمقتضي دليل رفع القلم يرفع اليد عن جهة الزام التكليف ويقال بأنه غير مكلف بالايجاد بتكليف لزومي في حال عدم بلوغه ، ونتيجة ذلك انما هو سقوط التكليف عنه بالايجاد لو فرض بلوغه في أثناء العبادة أو بعد الفراغ عنها ، نظرا لأي استيفائه بفعله حينئذ قبل البلوغ لتلك المرتبة من المصلحة الملزمة الداعية على الامر والتكليف هذا. ولكن فيه انه لا قصور في هذا التقريب لاثبات المشروعية بالمعنى المزبور لولا دعوى كون اعتبار البلوغ في أذهان المتشرعة بمقتضى دليل ( رفع القلم ) ونحوه في الارتكاز بمثابة يكون من القرائن الخاصة الموجبة لصرف الخطابات إلى خصوص البالغين ، كما لعله ليس ببعيد أيضا والا فلا مجال لاثبات مثل هذا النحو من الشرعية أيضا حتى يترتب عليه الاجتزاء به عن فعل الواجب بعد البلوغ فيما لو كان بلوغه في أثناء العبادة أو بعد الفراغ عنها ، كما لايخفى.
المبحث الرابع عشر
    إذا ورد امر بشيء بعد الامر به قبل امتثاله كقوله : صل ، صل ، ففي كون الامر الثاني تأكيدا للامر الأول فلايجب الا الاتيان بالشيء مرة واحدة أو تأسيسا فيجب الاتيان به متكررا وجهان ، بل قولان ، مقتضي اطلاق المادة في صرف الطبيعي هو الحمل على التأكيد فإنه من جهة عدم قابليته للتكثر غير قابل لتعلق الطلب التأسيسي به مرتين الا مع التقيد بوجود ثم وجود ، كما أن مقتضي اطلاق الهيئة هو كونه للتأسيس الموجب للاتيان به متكررا ، فيدور الامر حينئذ بين رفع اليد عن أحد الاطلاقين اما عن اطلاق المادة في


(401)
صرف الطبيعي بحمله على الطبيعة المهملة أو وجود ووجود واما من رفع اليد عن اطلاق الهيئة وظهورها في التأسيس مع ابقاء اطلاق المادة في صرف الطبيعي على حاله ، وفى مثله قد يقال بلزوم الحمل على التأكيد ترجيحا لاطلاق المادة على الهيئة باعتبار كونها معروضة للهيئة وفي رتبة سابقة عليها ، إذ يقال حينئذ بجريان أصالة الاطلاق فيها في رتبة سابقة بلا معارض. ولكن يدفعه ان المادة كما كانت معروضة للهيئة وفي رتبة سابقة عليها كذلك الهيئة أيضا باعتبار كونها علة لوجود المادة في الخارج كانت في رتبة سابقة عليها فمقتضى تقدمها الرتبي عليها حينئذ هو ترجيح اطلاقها على اطلاق المادة. وبالجملة نقول : بأنه بعد أن كان لكل من الهيئة والمادة نحو تقدم على الآخر فلا وجه لملاحظة حيث تقدم المادة عروضا وترجيح اطلاقها على اطلاق الهيئة ، بل لنا حينئذ دعوى تعين العكس بحسب أنظار العرف نظرا إلى عدم اعتنائهم بحيث تقدم المادة على الهيئة في مقام العروض بعد ما يرون كون الهيئة علة لوجود المادة في الخارج وفي رتبة سابقة عليها ، إذ حينئذ يجرى فيها أصالة الاطلاق في رتبة سابقة فلابد معه حينئذ من التصرف في المادة برفع اليد عما هو قضية اطلاقها في الطبيعة الصرفة ، هذا. ولكن مع ذلك لا تخلو المسألة من اشكال ينشأ من جهة ما عرفت من وجود ملاك التقدم حينئذ في كل واحدة منهما نعم مع الشك وعدم ترجيح أحد الاطلاقين على الآخر كان مقتضي الأصل هو التأكيد لأصالة البراءة عن التكليف الزائد.
    ثم إن هذا كله إذا لم يكن هناك ذكر شرط أو سبب في البين والا فمقتضى قوة ظهور الشرط في السببية التامة على الاستقلال ربما كان هو لزوم الاتيان بالشيء مكررا ، كما سيجيء إن شاء الله تعالى في مبحث المفاهيم.


(402)
المقصد الثاني في النواهي
    وفيه أيضا مباحث
المبحث الأول
    الظاهر أن مفاد الهيئة في النهى عبارة عن الزجر عن الطبيعة المعبر عنه بالفارسية ب‍ « بازداشتن » قبال الامر الذي يكون مفاد الهيئة فيه عبارة عن البعث إلى الطبيعة والارسال نحوها ، مع كون مفاد المادة فيهما عبارة عن صرف الطبيعة لكنه بما هي ملحوظ كونها خارجية لا بما هي هي ولا بما هي موجودة في الذهن كما عرفت بيانه مفصلا وبهذا الاعتبار أي : اعتبار الطبيعة خارجية أيضا صح إضافة كل منهما إلى الوجود بجعل الامر عبارة عن الارسال والبعث إلى الوجود والنهى عبارة عن الزجر عن الوجود ، والا فمتعلقهما في الحقيقة لايكون الا الطبيعة ، كما تقدم بيانه. وعليه تكون الهيئة في كل من الأمر والنهي مغايرا مع الآخر بتمام المدلول حيث كان مدلول الهيئة في الامر عبارة عن البعث والارسال إلى الوجود وفى النهى عبارة عن الزجر عن الوجود ، لا انه كان التغاير بينهما في بعض المدلول وجزئه ، كما يقتضيه كلام الفصول حسب اشرابه الوجود في مدلول الهيئة في الامر والترك في مدلول الهيئة في النهى ، وجعله مدلول الهيئة في الامر عبارة عن طلب وجود الطبيعة وفى النهى عبارة عن طلب ترك الطبيعة. إذ ذلك مضافا إلى ما عرفت سابقا من عراء الهيئة في الأوامر أيضا عن هذه الجهة وعدم دلالتها الا على النسبة الارسالية بين المبدء والفاعل ، نقول بان ذلك مخالف لما هو مقتضى الوجدان والارتكاز أيضا فان في مثل قوله : ( لا تضرب ) لايكاد ينسبق من الهيئة فيه الا الزجر والمنع عن الضرب وايجاده في الخارج ، لا انه ينسبق منها طلب ترك


(403)
طبيعة الضرب ، كما هو واضح.
    وعليه أيضا لايبقى مجال للاشكال المعروف في الترك : بان الترك ومجرد ان لا يفعل لكونه أمرا عدميا خارج عن تحت قدرة المكلف واختياره فلايصح ان يتعلق به البعث والطلب وان كان فيه ما فيه أيضا يظهر وجهه من جهة ان كون الترك كك أزلا لايوجب خروجه عن تحت المقدورية بقول مطلق حتى بحسب البقاء والاستمرار الذي عليه مدار التكليف وحينئذ فإذا كان الترك بحسب البقاء تحت قدرته حيث كان له في كل آن قلبه بالنقيض وهو الفعل فأمكن لا محالة تعلق الطلب والبعث به ، كما هو واضح.
    ثم لايخفى عليك انه كما أن لحاظ الطبيعي في الأوامر يتصور على وجهين : تارة على نحو السريان في ضمن الافراد المنتج لمطلوبية الحصص الفردية كلها وانحلال التكليف المتعلق بالطبيعي إلى التكاليف المتعددة حسب تعدد الحصص وأخرى لحاظه بنحو صرف الوجود المنتج لمطلوبية أول وجود الطبيعي ، كك تصورا يتأتى هذان الوجهان في النواهي أيضا ففيها أيضا قد يكون المأخوذ في حيز النهى الطبيعة بما هي سارية في ضمن الافراد وقد يكون المأخوذ فيه هو صرف وجودها المنطبق على أول وجودها كما يتصور ذلك في العرفيات في مثل النهى عن اكل الفوم لأجل ما فيه من الرائحة الكريهة الموجبة لتنفر طباع العامة واشمئزازهم حيث إنه في مثله ربما يتحقق تمام المبغوض في الوقعة الواحدة بصرف الوجود منه المنطبق على أول وجود الاكل منه ويخرج ثاني وجود الاكل منه في تلك الوقعة عن تحت المبغوضية إذا فرض عدم كونه سببا لازدياد تلك الرائحة الكريهة ، نعم قل ما يتفق وجود هذا القسم في النواهي النفسية في الشرعيات بل العرفيات أيضا ولئن لوحظ وتأمل يرى عدم وجود هذا القسم في النواهي خصوصا في الشرعيات حيث إن المبغوض فيها طرا انما كان من قبيل الوجود الساري لا صرف الوجود ، ومن ذلك لايسقط التكليف بعصيان واحد أو بالاضطرار إلى المخالفة مرة واحدة ولو عند اطلاقها حتى أنه أوجبت هذه الجهة ظهورا ثانويا لها في الحمل عليها عند اطلاقها بخلافه في الأوامر فان المنصرف منها عند اطلاقها انما كان هو صرف الطبيعي دون الوجود الساري منه.
    ومن اجل ذلك وقعوا في حيص وبيص بأنه كيف هذا التفكيك بين الأوامر والنواهي وانه ان كان الحمل على صرف الوجود كما في الأوامر من جهة اقتضاء مقدمات الحكمة فكيف لا توجبه في النواهي أيضا حيث يحمل فيها على الوجود الساري ولو مع اطلاقها ؟


(404)
وان كان الحمل على الوجود الساري من جهة خصوصية في النواهي تقتضي الحمل على ذلك على خلاف ما اقتضته الحكمة ، فهي منفية بالفرض من جهة وضوح ان قضية النهى لا تكون الا الزجر عن تلك الطبيعة التي تعلق بها الامر مقيدة كانت أو مطلقة ومجرد الاختلاف بينهما بالايجاب والسلب أيضا غير موجب للتفرقة المزبورة ، كما لايخفى.
    وقد أجيب عن ذلك بوجوه غير نقية عن الاشكال : منها ان منشأ الحمل على الوجود الساري في النواهي من جهة كون طبع المفسدة في القيام بالشيء كلية قيامها به بوجوده الساري في ضمن تمام الافراد بخلافه في الأوامر حيث إن طبع المصحلة في قيامها بالشيء قد يكون بصرف وجوده وقد يكون بوجوده الساري ، وفيه ما لايخفى فإنه بعد ما يتصور في العرفيات قيام المفسدة أيضا بصرف وجود الشيء كما في اكل الفوم واكل الأشياء المضرة التي لا يفرق فيها بين القليل والكثير والدفعة والدفعات لا مجال لدعوى هذه الكلية حيث أمكن في النواهي الشرعية ان تكون المفسدة فيها على نحو صرف الوجود.
    ومنها : دعوى كونه من جهة الغلبة حيث إن كل ما يرى من النواهي يرى كونه من قبيل الوجود الساري دون صرف الوجود ، وفيه أيضا انه وان كان لا سبيل إلى انكار ذلك الا ان الكلام في ذلك النهى الصادر في بدو الشريعة بأنه ما وجه حمله عند الاطلاق وعدم القرينة على الوجود الساري على خلاف الأوامر.
    ومنها : ان الحمل على الوجود الساري في النواهي انما هو من جهة اقتضاء الاطلاق ومقدمات الحكمة ، نظرا إلى دعوى اختلاف نتيجة مقدمات الحكمة باختلاف خصوصيات الموارد وعدم كونها على حد سواء في الجميع ، وان من الخصوصيات الموجبة لاختلاف نتيجة الاطلاق خصوصية المورد بحسب الايجاب والسلب فتوجب هذه الخصوصية للحمل على صرف الوجود في الأوامر وعلى الوجود الساري في النواهي.
    وفيه ان ما ذكر من اختلاف نتيجة الاطلاق والحكمة بحسب اختلاف خصوصيات الموارد متين جدا ولكنه ليس منه الاختلاف بحسب الايجاب والسلب جدا ، فان مثل هذه الجهة لا توجب اختلافا بينهما فيما هو قضية الاطلاق في المتعلق الواحد في مثل قوله اضرب وقوله لا تضرب ، كما هو واضح.
    ومنها : ان الحمل على الوجود الساري في النواهي انما هو جهة كونه مقتضي اطلاق الهيئة والطلب فيها ، بدعوى ان مقتضي اطلاق الهيئة والطلب في كل من الأمر والنهي


(405)
انما كان هو الارسال الموجب لبقاء الطلب بعد الايجاد أيضا الا ان الاكتفاء بايجاد واحد في الأوامر انما كان من جهة تقديم اطلاق المادة فيها في صرف الوجود على قضية اطلاقها وذلك أيضا بملاحظة ما يلزمه من فرض العكس بعد عدم تعين مرتبة خاصة من التكرار الموجب للوقوع في محذور العسر والحرج ، وهذا بخلافه في النواهي فإنه فيها لما لا يلزم هذا المحذور قدم فيها اطلاق الهيئة ولو بملاحظة كونها علة لوجود المادة في الخارج على اطلاق المادة في صرف الوجود ، وفيه ان مجرد لزوم العسر والحرج لايقتضي تقديم اطلاق المادة على اطلاق الهيئة في الأوامر والاكتفاء بايجاد واحد في تحقق الامتثال وسقوط التكليف وذلك من جهة امكان التحديد حينئذ بما يرتفع معه العسر والحرج المزبوران وحينئذ فإذا فرض تقدم اطلاق الهيئة على الطلاق المادة من جهة قضية عليتها لوجود المادة في الخارج يلزمه تقديم اطلاقها على اطلاقها في الأوامر أيضا والمصير إلى لزوم الايجاد متكررا إلى أن يبلغ حد العسر والحرج.
    ومنها : ان لزوم التكرار والدوام والاستمرار في النهى انما هو من جهة انه لايكاد يصدق ترك الطبيعي عقلا والانزجار عنه الا بترك جميع أفراده الدفعية والتدريجية ، إذ حينئذ لابد في مقام الإطاعة وامتثال النهى من ترك الطبيعي بما له من الافراد الدفعية والتدريجية والا فمع تحقق فرد واحد لايكاد يصدق الامتثال والطاعة بل يصدق العصيان والمخالفة وهذا بخلافه في الأوامر فإنه بعد ما كان وجود الطبيعي بوجود فرد واحد يكتفى في مقام الإطاعة بايجاد فرد واحد من جهة تحقق تمام المطلوب وهو الطبيعي بوجود واحد.
    وفيه انه ليس الكلام في مقام الإطاعة إذ لا شبهة في أنه لابد في مقام امتثال النهى عن الطبيعي من ترك جميع أفراده الدفعية والتدريجية ، بل وانما الكلام في طرف العصيان والمخالفة في اقتضاء النهى لزوم ترك بقية الافراد حتى بعد العصيان نظرا إلى اقتضائه لكون المبغوض هو الوجود الساري دون صرف الوجود وحينئذ فلا يفيد ما ذكر لدفع الاشكال المزبور كما هو واضح ، هذا.
    وقد تصدي شيخنا الأستاذ دام ظله لدفع الاشكال بوجه آخر حيث أفاد بما حاصله ان مبني الاشكال وأصله انما نشأ من جهة توهم كون مقتضي الاطلاق وقرينة الحكمة هو الطبيعة الساذجة الصرفة الغير القابلة للانطباق الا على أول وجود ، إذ حينئذ يتوجه الاشكال بأنه إذا كان طبع الاطلاق في الأوامر عند عدم التقيد بالسريان ونحوه يقتضي
نهاية الافكار ـ الجزء الاول والثاني ::: فهرس