نهاية الافكار ـ الجزء الثالث ::: 16 ـ 30
(16)
المقدار لا يحتاج في تصحيحه إلى متمم الجعل كما أفيد ، بل يكفيه نفس الجعل الأولى ، غاية الامر يحتاج في مقام الاثبات إلى قيام قرينة في البين يقتضي كون معروض الحكم ثبوتا في مقام الجعل والتشريع عبارة عن الحصة الخاصة الملازمة مع العناوين المتأخرة لا الذات المطلقة ( نعم الاحتياج ) إلى متمم الجعل انما يكون في فرض قيام المصلحة من الأول بالمقيد بالعناوين المتأخرة بما هو مقيد نظير قصد القربة بناء على دخله في المأمور به شرعا ، فإنه يعد عدم امكان اخذه في متعلق الامر ولو لقصور في الامر مع قيام المصلحة بالمقيد بما هو مقيد يحتاج الآمر في الوصول إلى غرضه إلى تعدد الجعل بتعلق الجعل الأولى بنفس الذات في المرتبة السابقة والجعل الاخر باتيانها بداعي الامر ( لا في مثل المقام ) المفروض خروج تلك العناوين المتأخرة طرا عن موضوع الحكم والمصلحة ، إذ مجرد عدم سعة الغرض ثبوتا عن الشمول لغير صورة العلم بالحكم لا يقتضى دخله في الغرض وفي موضوع المصلحة كما أن مجرد استحالة الاهمال في الواقع ثبوتا وامتناع التقييد بالعلم لا يقتضى المصير إلى التقييد بنحو متمم الجعل بعد امكان تصويره بنحو آخر يتكفله نفس الجعل الأولى بتعلقه بحصة من الذات في الرتبة السابقة الملازمة مع العلم بحكمها في الرتبة اللاحقة ، نعم غاية ما يكون احتياجه في مقام الاثبات إلى القرنية عليه ولكن ذلك أيضا غير مرتبط بمسألة متمم الجعل هذا كله في فرض العلم بالجعل في الرتبة المتأخرة وأما إذا لوحظ العلم بانشائه الملازم مع العلم بحقيقة الحكم فأمكن تقييد موضوع الحكم المنشأ بهذا الانشاء بالعلم بانشائه المحفوظة في الرتبة السابقة الملازمة مع العلم بنفسه في الرتبة اللاحقة أيضا بلا ورود محذور في البين ( ثم إن ) من هذا البيان يظهر امكان تصوير توسعة الحكم وكذا اطلاق موضوعه أيضا ، بفرض جعل الحكم لذات الموضوع المحفوظ في الرتبة السابقة عن العلم به الموسع في مرتبة ذاته من جهة الشمول لحالتي وجود العلم وعدمه بان يلاحظ الحالتين في مقام الجعل والتشريع بنحو كونهما من لوازم الذات في الرتبة المتأخرة قبال الحصة الخاصة المقارنة لوجود العلم لا ملحوظا في نفس الموضوع ، ومن المعلوم انه يكفي في هذا الاطلاق مجرد عدم لحاظ الإناطة والتقييد ولو من جهة استحالتهما ، إذ بمجرد عدم لحاظه في مرحلة الجعل والتشريع يكون له


(17)
سعة الانطباق بحكم العقل لحالتي وجود القيد وعدمه بلا اختصاص له بصورة امكان التقييد « ومن هذه الجهة » نقول ان جعل التقابل بين الاطلاق والتقييد مطلقا من باب تقابل التضاد أو العدم والملكة منظور فيه ، لان ما به قوام هذا الاطلاق هو عدم لحاظ التقييد ولو من جهة استحالته فيكون التقابل بينهما من باب الايجاب والسلب محضا ، قبال الاطلاق والتقييد اللحاظي الراجع فيه التقابل إلى تقابل التضاد أو العدم والملكة « نعم » مثل هذا الاطلاق يختص بصورة قابلية الحكم بذاته للسعة لحالتي فقدان القيد ووجد انه ، والا ففي صورة عدم قابليته بذاته للسعة بالنسبة إلى فقدان القيد فلا يتصور فيها الاطلاق كما في قيد التقرب بالنسبة إلى موضوع الحكم حيث إنه من جهة ضيق الحكم يطرء قهرا ضيق في موضوعه أيضا بنحو لا يتصور له اطلاق يشمل حال فقده « ولكن » ذلك لا يجرى في باب العلم ، إذ في مثله وان لم يمكن اخذه قيدا الا ان لسعة الحكم ذاتا لحال فقده كمال مجال ، ولقد عرفت كفاية مجرد عدم لحاظ الإناطة أو التقييد ثبوتا في سعة انطباقه بحكم العقل لحالتي وجود العلم وعدمه من غير احتياج أيضا في هذا المقدار إلى متمم الجعل بانشاء آخر ، نعم في مقام الاثبات يحتاج إلى قيام القرينة عليه من قاعدة اشتراك ونحوها هذا « ويمكن » أيضا تصوير الاطلاق بوجه آخر وهو لحاظ اطلاقه في المرتبة السابقة بالنسبة إلى الأزمنة التي هي في الواقع اما زمان العلم بالحكم أو الجهل به حيث إنه بمثله يثبت الحكم في كلتي حالتي وجود العلم وعدمه بلا ورود محذور في البين ولا احتياج إلى متمم الجعل أيضا غير أنه يحتاج في مقام للاثبات إلى القرينة عليه من قاعدة اشتراك ونحوها « نعم » مثل هذا التصوير لا يجرى في التقييد بزمان العلم لاحتياجه إلى لحاظ إضافة الزمان إلى العلم الذي هو في الرتبة المتأخرة الراجع بالآخرة إلى التقييد بالعلم ولحاظه في الرتبة السابقة ولو بتوسيط الزمان فتأمل « ثم انه » قد يعد مسألة الجهر والاخفات وكذا القصر والاتمام مثالا لشرطية العلم لثبوت الحكم واقعا بنحو نتيجة التقييد ، ولكنه لا يخلو عن نظر ، من جهة قوة احتمال ان عدم الإعادة في المثالين عند الجهل من باب جعل البدل المفوت لبقية المصلحة كما ربما يشهد له ما ينسب إلى ظاهر الأصحاب كما في مصباح الفقيه وغيره من الحكم باستحقاق الجاهل المقصر للعقوبة في الفرعين


(18)
المزبورين والا فبناء على التقييد بالعلم ولو بنحو متمم الجعل لا يبقى مجال لاستحقاق العقوبة لعدم تصور تقصير حينئذ في حق الجاهل فتدبر.
الجهة الرابعة
    في قيام الطرق والامارات والأصول مقام القطع باقسامه ، وتنقيح المرام فيها يستدعى اشباع الكلام في مقامين « الأول » في قيام الامارات والأصول مقام القطع الطريقي « الثاني » في قيامهما مقام القطع الموضوعي « فنقول » اما المقام الأول فلا اشكال في قيام الطرق والامارات والأصول المحرزة وغيرها مقام القطع الطريقي ، كما لا ينبغي الاشكال أيضا في أن قيامهما مقام العلم انما كان من جهة وجوب الاتباع والجري العملي الذي هو من الجهات المترتبة على القطع ، وانه تشرك الامارات في هذه الجهة مع الأصول بلا اقتضاء حيثية تتميم الكشف فيها تفاوتا بينهما في جهة قيامهما مقام القطع ، « إذ على » ما هو التحقيق فيها من كونها أحكاما طريقية ناشئة عن مصلحة الواقع ومبرزة عن نفس الإرادة الواقعية التي تضمنتها الخطابات الواقعية لا عن إرادة أخرى « يكون » مأل الجميع إلى امر واحد ، وهو الامر بالبناء والجري العملي بابراز الإرادة الواقعية في ظرف الجهل بها بهذه الانشاءات المتأخرة على اختلاف ألسنتها ، من كونها بنحو تتميم الكشف أو تنزيل المؤدي ، أو الامر بالبناء والجري العملي أو غير ذلك « حيث إنه » بذلك يكون جميع هذه الانشاءات المتأخرة حتى مثل ايجاب الاحتياط الذي لا عناية فيه بوجه أصلا مبرزة عن الإرادة الواقعية وموجبة لتنجيزها بعين مبرزية الخطابات الأولية عنها ، الا ان الفرق بينهما بأوسعية دائرة هذه الانشاءات عن لب الإرادة لأنه قد لا تكون في مورد انشائها إرادة في الواقع « بخلاف » الخطابات الأولية فان دائرة انشائها دائما تكون بمقدار الإرادة لا أوسع منها « ومن هذه الجهة » قلنا بان الخطابات الظاهرية طرافي فرض عدم المصادفة للواقع انشاءات صورية خالية عن الإرادة ، وفي فرض المصادفة ووجود الحكم في الواقع احكام حقيقية وانها من حيث المبرزية التي بها حكمية الحكم وقوامه ظاهرية وفي طول الواقع ، ومن حيث المبرز بالفتح أعني الإرادة التي هي حقيقة الحكم وروحه عين الحكم الواقعي


(19)
« وبهذا الوجه أيضا » صححنا اطلاق الوسطية في الثبوت والاثبات على الظن بلا لزوم مغالطة في القياس فراجع كما أنه بهذه الجهة من المبرزية ولو في ظرف وجود لب الحكم تكون هذه الخطابات موجبة لتنجيز الواقع المنوط تنجزه بوصوله إلى المكلف بلا احتياج في منجزيتها للواقع إلى عناية أخرى في البين من نحو اثبات الاحراز وتتميم الكشف وغيره ، ولذا نجري حتى في مثل ايجاب الاحتياط الذي لا عناية فيه بوجه أصلا ، حيث كان موجبا لتنجيز الواقع في مورده ولاستحقاق العقوبة في ترك الاحتياط على مخالفته لا على مخالفة نفسه ، ولا يضر الجهل بالفرض المزبور بعد كون الحكم على تقدير وجوده مقرونا بالبيان الواصل ، لأنه بمثله يرتفع حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان بلحاظ ان موضوعه هو عدم البيان على تقدير وجود الحكم لا عدم البيان بقول مطلق وسيجئ لذلك مزيد بيان في محله انشاء الله تعالى ( وبالتأمل فيما ذكرناه ) ينقدح ما في كلام بعض الأعاظم قده من التفصيل بين الامارات والأصول في جهة قيامهما مقام القطع ، بدعوى ان المجعول في الطرق والامارات حيث كان هي المحرزية والكاشفية كان موجبا لتخصيص جهة قيامها مقام العلم بالجهة الثانية من العلم أعني الطريقية والكاشفية التي كان العلم واجدا لها بذاته ، لأنه بنفس تتميم الكشف يتحقق مصداق الاحراز والعلم بالواقع وبتحققه يترتب عليه تنجيز الواقع فيترتب عليه بحكم العقل جهة البناء والجري العملي بخلاف الأصول المحرزة فان المجعول فيها عبارة عن الجهة الثالثة من العلم وهو الجري والبناء العملي على ثبوت الواقع ، ولا يمكن ان يكون المجعول فيها هي الكاشفية كالأمارات ، لان ذلك انما يكون فيما فيه جهة كشف عن الواقع ولو ناقصا ولا كشف للشك الذي اخذ موضوعا في الأصول ( إذ نقول ) ان المراد من مجعولية الاحراز والطريقية والكاشفية ، اما ان يكون احداث حقيقته التي هي منشأ انتزاع مفهومه بنحو يطبقه العقل على المورد بالوجدان ، واما ان يكون احداثه عناية وادعاء بادعاء ما ليس بمحرز حقيقة محرزا حقيقيا المستلزم لكون تطبيق عنوانه على المورد بنحو العناية والادعاء نظير جعل الحياة أو الممات لزيد بالجعل التشريعي ولا ثالث لهذين المعنيين « والأول » واضح الاستحالة لبداهة ان الجعل التشريعي انما يتعلق بالحقائق الجعلية التي يكون تشريعها عين تكوين حقيقتها في


(20)
الوعاء المناسب لها ويكون القصد والانشاء من قبيل الجزء الأخير من العلة في تحققها كالملكية والزوجية ونحوهما ، لا بالأمور التكوينية الخارجية ، وحقيقة الاحراز والكشف التام المساوق لعدم احتمال الخلاف لكونها من الأمور التكوينية والصفات الوجدانية غير قابلة للتحقق من قبل الجعل والانشاء بشهادة احتمال الخلاف بعد الجعل والتشريع أيضا ( واما الثاني ) فهو وان كان متينا جدا ، ولازمه صحة اطلاق العلم ومرادفاته على الظن بنحو الحقيقة بعد الادعاء المزبور على ما هو مذهب السكاكي ولا يكون مجازا في الكلمة ( ولكن نقول ) ان تطبيق عنوان المجعول على المورد بعد أن كان ادعائيا لا حقيقيا يحتاج في صحة الادعاء والتنزيل المزبور إلى لحاظ اثر مجعول في البين ولو في طرف المنزل يكون هو المصحح للتنزيل كما في غيره من التنزيلات الشرعية وغيرها ، والا فبدونه لا يكاد يصح التنزيل أصلا وحيث إن الأثر المصحح لمثل هذا التنزيل في المقام لا يكون الا امر الشارع بالمعاملة مع ما أدى إليه الظن معاملة الواقع لكونه هو الذي زمام امر وضعه ورفعه بيده ويصلح أيضا لتنجيز الواقع لا غيره من الآثار الأخرى ولا نفس عمل المكلفين لأنه من جهة عدم نشؤه من قبله غير صالح للمصححية لتنزيله ، فلا جرم يكون مرجع تشريع الاحراز المزبور إلى الامر بالمعاملة مع مؤدى الظن معاملة الواقع ( وبعد كفاية ) مثل هذا الامر الطريقي من جهة مبرزيته لتنجيز الواقع ، تشترك الامارات لا محالة مع الأصول في جهة المنجزية وقيامها مقام القطع من جهة البناء والجري العملي لرجوع الجميع بالآخرة إلى الامر بالمعاملة والجري العملي الراجع إلى ابراز الإرادة الواقعية بمثل هذه الانشاءات ، غاية الامر هو كون الامر بالمعاملة في الأصول مجعولا بدوا وفى الامارات مستكشفا من جعل الاحراز وتتميم الكشف بدوا أو امضاء ( والوصول ) المعتبر في تنجيز الاحكام انما هو بمعنى المبرز الجاري حتى في ايجاب الاحتياط لا بمعنى تتميم الكشف والا يلزمه عدم منجزية ما عدى الامارات الملحوظ فيها تتميم الكشف مع أنه كما ترى ( وتوهم ) كفاية هذا المقدار في الفرق بينهما في جهة القيام مقام العلم بدعوى ان التنجيز لا يكون الا بالوصول إلى الواقع واحرازه وجدانا أم جعلا ومن الواضح انه بنفس تتميم الكشف يتحقق مصداق الاحراز فيترتب عليه التنجيز قهرا ( مدفوع ) بان مجرد ادعاء كون الظن علما


(21)
وتنزيله منزلته بدون استكشاف الامر بالمعاملة معه معاملة العلم لا يكون ملزما عقليا بالعمل ، ومعه يكون تمام الملزم العقلي بالعمل هو الامر الطريقي المستكشف منه وهو الموجب أيضا لقيام الظن مقام العلم لا جهة تتميم كشفه كما هو الشأن أيضا لو قلنا في مفاد أدلة الامارات بكونه مجرد التعبد بكون المؤدي هو الواقع بلا تتميم كشف فيه « وما ربما يقال » في توجيه جعل الطريقية والمحرزية في الامارات من أن المقصود به امضاء الشارع لما عليه سيرة العقلاء في موارد الامارات من الاعتماد عليها بما انها كواشف تامة وكونها علوما عادية عندهم من جهة غفلتهم عن احتمال الخلاف وان التفتوا إليه بعد التأمل والتدبر ، لا ان المقصود من ذلك جعل الشارع الطريقية والكاشفية التامة للظن تأسيسا بحيث يتحقق بجعله مصداق المحرز التام ، كي يتوجه الاشكال المتقدم من أنه من المستحيل تعلق الجعل التشريعي بما هو من قبيل الأمور التكوينية ( فمدفوع ) بمنع كون اعتماد العقلاء على الطرق والامارات من باب حصول العلم العادي ، لما يرى منهم بالعيان والوجدان من الاعتماد عليها حتى مع الالتفات ، بل ومع الظن بالخلاف أيضا كما في الظنون النوعية كظواهر الألفاظ المصرح في كلماتهم بان حجيتها انما هي من باب الظن النوعي الذي لا ينافيه الظن الشخصي بالخلاف ، لا من جهة إفادة الظن الشخصي فضلا عن كونها من باب الاطمينان أو العلم العادي ، وحينئذ فلابد وأن يكون ذلك منهم من باب البناء والتنزيل بلحاظ بنائهم على العمل بها فيكون مرجع امضاء الشارع للتنزيل المزبور إلى ايجاب معاملة العلم معها فينتهى بالأجرة إلى الحكم التكليفي ( وعليه ) فلا يكاد ينتج مثل هذه العنايات تفاوتا بين الامارات والأصول في جهة قيامها مقام العلم ( نعم ) انما يثمر مثل هذه الألسنة في مقام تقديم الامارات على الأصول وتحكيم الأصول بعضها على بعض ، حيث إنه بناء على تتميم الكشف في الامارات يكون تقديمها على مثل الاستصحاب ودليل الحلية والطهارة بمناط الحكومة بلحاظ اقتضائها بالعناية المزبورة لحصول المعرفة التي هي الغاية فيها بخلاف مسلك جعل المؤدى ، إذ عليه لا مجال لتقديمها عليها بمناط الحكومة لعدم اقتضائها حينئذ لاثبات العلم بالواقع الحقيقي لا وجدانا ولا عناية ، وانما غايته اقتضائه للعلم الوجداني بالواقع التعبدي وبعد كون الغاية في الأصول هو العلم بالواقع الحقيقي يحتاج في


(22)
قيام هذا العلم مقام العلم بالواقع الحقيقي إلى دليل آخر ، والا فلا يفي به مجرد التعبد بكون المؤدى هو الواقع ، ومن اجل ذلك التزم صاحب هذا المسلك بتقديم الامارات على الأصول بمناط اخر غير الحكومة كما سنذكره ( ولكن ) مثل هذه الجهة غير مرتبطة بجهة قيامها مقام القطع كما هو واضح ( ثم انه ) بالتأمل فيما ذكرنا يظهر لك الحال في الأصول المحرزة أيضا كالاستصحاب وانه لا يفرق فيها في جهة قيامها مقام القطع بين رجوع التنزيل فيها إلى اليقين أو المتقين لرجوعه على كل تقدير إلى ايجاب المعاملة وترتيب آثار الواقع عملا ( واما الأصول ) الغير المحرزة كايجاب لاحتياط فهي أيضا باعتبار مبرزيتها للإرادة الواقعية في ظرف الشك تقوم مقام القطع ، غير أن قيامها مقامه في جهة التنجيز لا في ترتيب آثار الواقع لعدم تكفل مثلها لاثبات الواقع ، ولا لاثبات العلم به ولو عناية وادعاء ، كما أنه بما ذكرنا ظهر أيضا عدم استلزام القول بجعل المؤدى في الامارات للتصويب وشبهه كما توهم لان ذلك لو سلم لزومه فإنما هو في فرض حكاية الجعل والا نشأ الظاهري عن إرادة أخرى قبال الإرادة الواقعية ، والا فبناء على حكايته في ظرف الجهل عن الإرادة الواقعية كما شرحناه فلا يبقى مجال لهذا الاشكال على من يقول بجعل المؤدي « وظهر أيضا » وجه حكومة الامارات والأصول المحرزة على الاحكام الواقعية ، وانه من باب الحكومة الظاهرية بلحاظ اقتضاء الامارة أو الأصل المحرز بمعونة دليل الاعتبار لتوسعة الواقع وايصاله عناية في الظاهر وفي ظرف الشك بالتكليف الواقعي ، حيث إنه بهذه العناية تكون حكومتها ظاهرية ، لا واقعية موجبة للتوسعة الحقيقية في موضوع الحكم « وفي ذلك » لا يفرق بين كون نتيجة الجعل تتميم الكشف ، أو تنزيل المؤدى ، وان كان في الحكومة على عناية تتميم الكشف نحو خفاء باعتبار ان مقتضى العناية المزبورة انما هي التوسعة في العلم الموجبة لحكومتها على أدلة الأصول كالاستصحاب ودليلي الحلية والطهارة ، لا التعبد بثبوت الحكم الواقعي ، ولكنه يرتفع هذا الظلام بما ذكرناه سابقا من رجوعه لبا إلى جعل حكم ظاهري في البين « ثم إن » ذلك على ما اخترناه في الامارات والا فعلى ما أفاده بعض الأعاظم قده من مجعولية نفس الاحراز والطريقية فيها ، بلا استتباعه لحكم شرعي ظاهري ، ولا تصرف في


(23)
الواقع ولو بالعناية فلا مجال لحكومتها على الاحكام الواقعية لا بالحكومة الواقعية كما هو ظاهر ، ولا بالحكومة الظاهرية ، لان غاية ما يقتضيه الجعل المزبور انما هو التوسعة في طريق الحكم لا في نفسه ولو عناية وتنزيلا ، ومعه كيف تكون الامارات حاكمة على الاحكام الواقعية بالحكومة الظاهرية بل وان تأملت ترى عدم حكومتها على أدلة الأصول أيضا نظرا إلى أنه بنفس جعل الاحراز والكشف التام يتحقق مصداق المعرفة وجدانا وبذلك تكون الامارات واردة على أدلة الأصول لا حاكمة عليها.
    « المقام الثاني » في قيام الامارات والأصول المحرزة مقام القطع الموضوعي « فنقول » قد عرفت ان اخذ القطع في الموضوع ، تارة يكون على نحو الصفتية وأخرى على نحو الطريقية ، وعلى التقديرين ، تارة يكون تمام الموضوع ، وأخرى جزئه وقيده ( فإن كان ) مأخوذا بنحو الصفتية فلا اشكال في أنه لا تقوم مقامه الامارات فضلا عن الأصول « لان » أدلة الامارات ولو على تتميم الكشف انما تكون ناظرة إلى كونها كالعلم في ترتيب اثاره من حيث طريقيته وكاشفيته لا من حيث نوريته وصفتيته ، حيث إن هذه الجهة تحتاج إلى قيام دليل عليها بالخصوص يقتضي تنزيل الظن منزلته من حيث كون نورا وصفة خاصة قبال سائر الصفات النفسانية « والا » فنفس أدلة حجيتها غير وافية باثبات التنزيل من هذه الجهة ، ولكن الذي يسهل الخطب انه لم يوجد في الفقه مورد يكون القطع فيه مأخوذا على نحو الصفتية والأمثلة التي يتوهم كونها في بادي النظر من هذا القبيل كلها بالتأمل في النصوص راجعة إلى دخله من حيث الطريقية والكاشفية ، كباب أداء الشهادة ، والحلف عن بت ، والركعتين الأوليين المعتبر فيهما الاحراز ونحو ذلك فتدبر فيها تجد صدق ما ادعيناه ( واما ان كان القطع ) مأخوذا على نحو الطريقية فتقوم مقامه الامارات على المختار فيها من تتميم الكشف ، واما على القول بتنزيل المؤدى فيها ، ففي قيامها مقام القطع الموضوعي اشكال إذ بعد عدم تكفل دليلها لتتميم كشفها واثبات كونها علما بالواقع ولو عناية وادعاء لا يبقى مجال لقيامها مقامه ( وبهذه الجهة ) أيضا منعنا حكومتها على أدلة الأصول بلحاظ عدم اقتضاء مجرد تنزيل المؤدى والتعبد بكونه هو الواقع لاثبات العلم بالواقع لا وجدانا


(24)
ولا تعبد أو تنزيلا ( نعم ) نتيجة ذلك انما هو العلم الوجداني بالواقع التعبدي ولكنه بعد تغاير العلمين يحتاج في قيامها مقام العلم الموضوعي إلى توسيط جعل آخر يقتضى تنزيل العلم بالواقع التعبدي منزلة العلم بالواقع الحقيقي ، والا فلا يفي به مجرد جعل المؤدى وتنزيله منزلة الواقع كما هو ظاهر ( وهذا بخلاف ) القول بتتميم الكشف حيث إنه وان لم يحصل بقيام الامارة العلم الوجداني بالواقع ، الا انه باقتضاء دليلها لتتميم كشفها تكون الامارة احرازا تعبديا للواقع فتقوم بهذا الاعتبار مقام العلم الموضوعي ومرجعه حينئذ إلى التوسعة الحقيقية في دائرة موضوع الحكم بجعله عبارة عما يعم العلم الوجداني والتعبدي بالواقع الحقيقي ( وبهذه الجهة ) أيضا تكون حكومتها من باب الحكومة الواقعية الموجبة لتوسعة موضوع الحكم واقعا نظير الطواف بالبيت صلاة ، لا من الحكومة الظاهرية الموجبة لتوسعة الحكم في مرحلة الظاهر وفي ظرف الشك به كما افاده بعض الأعاظم قدس سره ( وكذا الامر ) على مسلك جعل المؤدى بناء على قيام الدليل على تنزيل العلم بالواقع الجعلي منزلة العلم بالواقع الحقيقي ، حيث إن حكومتها أيضا واقعية لا ظاهرية ( إذ ) بانتفاء القطع الوجداني بالواقع الحقيقي يقطع بانتفاء الحكم المترتب عليه ( معه ) كيف يكون اثبات اثار القطع بشيء للظن به توسعة لحكمه في الظاهر كي تكون الحكومة ظاهرية ( نعم ) الحكومة الظاهرية كما أسلفنا انما تكون بالنسبة إلى احكام المتعلق التي يكون القطع بالنسبة إليها طريقا محضا ( واما ) بالنسبة إلى احكام نفس القطع وآثاره فالحكومة لا تكون الا واقعية ( ثم إن ) في المقام اشكالا للمحق الخراساني قدس سره في أصل قيام الامارات مقام القطع الموضوعي بعد تسليم قيامها مقام القطع الطريقي بتقريب ان قيامها مقام القطع الطريقي يستدعى لحاظ المنزل والمنزل عليه آليا وقيامها مقام القطع الموضوعي يستدعى لحاظهما استقلاليا حيث إن اللحاظ في الحقيقة على الوجه الأول متعلق بالمؤدي والواقع وعلى الثاني بنفس المنزل والمنزل عليه ، وبعد ان لم يكن بينهما جامع ولم يمكن الجمع بينهما في تنزيل واحد لاستلزامه اجتماع اللحاظين المتنافين فلابد ان يكون نظر التنزيل إلى أحد الامرين ، اما إلى المؤدى والواقع واما إلى نفس المنزل والمنزل عليه ومع الدوران المزبور يكون المتعين هو الأول لكونه


(25)
هو المتيقن من أدلة الاعتبار لظهورها في غير المقام في النظر إلى نفس المؤدى والواقع لا إلى حيث وصول الواقع والعلم به ( ولكنه كما ترى ) إذ نقول ان ما أفيد انما يتم إذا كان التنزيل في موارد الطريقية المحضة متوجها إلى نفس الواقع بلحاظ الحكم الشرعي المترتب عليه ( والا ) فبناء على كون التنزيل فيها راجعا إلى نفس وصول الواقع والعلم به بلحاظ الآثار العملية المترتبة على وصول الواقعيات على ما هو التحقيق من تتميم الكشف فيها ( فلا يرد ) في البين محذور من اطلاق التنزيل ، حيث إنه من الممكن حينئذ كون التنزيل في التعبد بالظن ناظرا إلى جهة وصول الواقع والعلم به بلحاظ مطلق الآثار العملية المترتبة عليه بجعل الظن بشيء كالعلم به في كونه جاريا مجراه في الوصول الراجع إلى الامر بالمعاملة معه معاملة العلم من الحركة والجري العملي على وفقه في اي اثر يقتضيه العلم ، اما بموافقة حكم نفسه ، واما بموافقة متعلقه كما لو كان العلم حاصلا بالوجدان ، وبذلك يقوم الظن مقام العلم بكلا نحويه بلا ورود محذور في البين ، وعدم كون الأثر شرعيا في القطع الطريقي غير ضائر بصحة اطلاق التنزيل لان شرعيته في طرف المنزل كافية في صحة التنزيل وان لم يكن كذلك في طرف المنزل عليه فتدبر.
    ( هذا كله ) في القطع المأخوذ تمام الموضوع ( اما ) القطع المأخوذ جزء الموضوع ، فحكمه كالمأخوذ تمام الموضوع فتقوم مقامه الامارات على المختار من تتميم الكشف فيها ، حيث إنه بقيام الامارة يتحقق مصداق الاحراز ولو بالعناية فيتحقق كلا جزئي الموضوع المركب من الاحراز والواقع كما لو حصل العلم الوجداني بالواقع ، فيترتب عليها بعد عموم التنزيل اثر الواقع والاحراز بلا احتياج إلى جهة زائدة من احراز آخر للاحراز فكان التنزيل المزبور ينحل إلى تنزيلين أحدهما قائم بذات العلم والاخر بطريقيته للمتعلق الموجب لاختلاف جهة حكومتها أيضا بكونها بالنسبة إلى ما لنفس العلم من الأثر الضمني واقعية وبالنسبة إلى ما للمتعلق ظاهرية ( واما على القول ) بتنزيل المؤدي ففيه الاشكال المتقدم من حيث عدم اقتضاء مثله لاثبات العلم بالواقع لا وجدانا ولا عناية وادعاء لان ما يحصل من التنزيل المزبور انما هو العلم الوجداني بالواقع التعبدي وهو انما يجدى بالنسبة إلى جزء الموضوع فيحتاج جزئه الاخر إلى جعل آخر يقتضي تنزيل


(26)
العلم بالواقع التعبدي منزلة العلم بالواقع الحقيقي كي يلتئم كلا جزئي الموضوع والا فلا يفي به مجرد تنزيل المؤدي منزلة الواقع ( ودعوى ) الملازمة العرفية بين التنزيلين ( ممنوعة ) جدا حيث لا تلازم بين تنزيل المؤدى منزلة الواقع وتنزيل العلم بالواقع التنزيلي منزلة العلم بالواقع الحقيقي لا عقلا ولا عرفا ومن هنا استشكل فيها في الكفاية أيضا ( نعم ) لو أغمض عن هذه الجهة وقلنا بثبوت الملازمة العرفية بين التنزيلين ( لا يرد ) عليه اشكال الدور بما أفيد في الكفاية من أن تنزيل أحد جزئي الموضوع بلحاظ اثره انما يصح إذا كان جزئه الاخر أيضا محرزا اما بالوجدان أو بتنزيل آخر في عرضه كما لو كان هناك دليل على تنزيل كلا الجزئين بالمطابقة وأما إذا لم يكن كذلك بان كان تنزيل الجزء الاخر من لوازم تنزيل هذا الجزء كما في المقام فلا يكاد يصح التنزيل الا على وجه دائر ، من جهة توقف دلالته على تنزيل المؤدى على دلالته على تنزيل العلم به منزلة العلم بالواقع الحقيقي إذ لولاه لا يكون للمؤدى اثر مصحح لتنزيله ، وتوقف دلالته الالتزامية على تنزيل أحد العلمين منزلة الاخر على تمامية التنزيل المطابقي في طرف المؤدي فيدور ( إذ نقول ) انما يرد اشكال الدور إذا قلنا باحتياج تنزيل الجزء إلى وجود الأثر الفعلي والا فبناء على كفاية الأثر التعليقي للجزء بأنه لو انضم إليه جزئه الاخر لوجب فعلا فلا يرد محذور الدور نظرا إلى صحة تنزيل المؤدى حينئذ بلحاظ اثره التعليقي بلا توقفه على شيء ( وحينئذ ) فالعمدة هو منع الملازمة بين التنزيلين ( هذا كله في الامارات ( واما الأصول المحرزة ) كالاستصحاب فقيامه مقام القطع الموضوعي مبنى على أن التنزيل في لا تنقض ناظر إلى المتيقن أو إلى اليقين ( فعلى الأول ) لا يقوم مقام القطع الموضوعي لعين ما ذكرناه في الامارات ( وعلى الثاني ) يقوم مقام القطع الموضوعي تماما أو جزء نظرا إلى اقتضائه بتلك العناية لاثبات العلم بالواقع ، ومرجعه على ما عرفت إلى ايجاب ترتيب اثار العلم بالواقع في ظرف الشك به ( نعم ) حيث إنه لوحظ في موضوعه الجهل بالواقع والشك فيه يحتاج في قيام مثله مقام القطع الموضوعي إلى استظهار كون موضوع الأثر في الدليل هو صرف انكشاف الواقع محضا بلا نظر إلى نفي الشك فيه ( والا ) فلا مجال لقيام الاستصحاب


(27)
مقامه نظرا إلى ما عرفت من انحفاظ جهة الشك بالواقع في موضوعه كغيره من الأصول غير أن الفرق بينه وبينها هو تكفل دليله لاثبات اليقين بالواقع في ظرف الشك به بخلاف سائر الأصول حيث لم يكن لأدلتها هذا النظر وبهذه الجهة يكون الاستصحاب جامعا للجهتين ، فمن حيث نظره إلى اثبات اليقين بالواقع يكون مقدما على سائر الأصول ، ومن حيث كون موضوعه الشك بالواقع والجهل به كان مؤخرا عن الامارات الناظر دليلها إلى الغاء احتمال الخلاف وتتميم الكشف محضا وعلى ذلك فلابد في قيامه مقام القطع الموضوعي تماما أو جزء من لحاظ ان الأثر في الدليل مترتب على مجرد العلم بالواقع وانكشافه أو على عدم الشك فيه محضا فيقوم مقامه على الأول دون الثاني ولعله إلى مثل هذه الجهة أيضا نظر المشهور فيما حكى عنهم من عدم جواز الحلف والشهادة تعويلا على الاستصحاب وان كان فيه ما فيه أيضا.
    ( تذييل ) كلما ذكرنا من الشقوق والصور في القطع يجرى في الظن أيضا من حيث تعلقه تارة بالموضوع وأخرى بالحكم وكونه طريقا محضا تارة وموضوعا أخرى تماما أو جزء وقيدا على نحو الصفتية تارة والطريقية والكاشفية أخرى وفيه أيضا يجرى الاشكال المتقدم سابقا في أصل امكان اخذه تمام الموضوع على نحو الطريقية والكاشفية مع دفعه بما بيناه في القطع ( ويزيد الظن في المقام ) في أن اخذه تمام الموضوع أو جزئه وقيده تارة بما انه حجة شرعية وطريق محرز لمتعلقه وأخرى بما انه ذات الظن واجمال الكلام في هذه الأقسام هو ان الظن إذا كان حجة شرعية فلا اشكال في عدم جواز اخذه موضوعا بالنسبة إلى نفس حكم متعلقه بعين ما ذكرناه في القطع من محذور تقدم الشيء على نفسه الا بنحو نتيجة التقييد على ما فصلناه سابقا من دون فرق بين الظن بنفس الحكم الشرعي والظن بموضوعه ( واما بالنسبة ) إلى حكم آخر غير حكم متعلقه فيجوز اخذه فيه على نحو الصفتية أو الطريقية ما لم يكن مضادا لحكم متعلقه أو مماثلا له كما لو رتب وجوب الحد على شرب مظنون الخمرية أو مظنون الحرمة من دون فرق فيه بين كونه تمام الموضوع وكونه جزئه على اشكال متوهم في الأول تقدم بيانه مع دفعه في القطع ( واما ) لو كان مضادا لحكم متعلقه أو مماثلا له فلا يجوز اخذه في الموضوع تماما أو جزء صفة أو طريقا ( لا ) مرجع حجيته إلى اثبات الواقع في المرتبة المتأخرة


(28)
عن الظن به فلو حكم الشارع حينئذ في هذه المرتبة بما يضاد الواقع أو يماثله بجعل الظن بالخمر أو بحرمته موضوعا لجواز شربه أو حرمته يلزم اجتماع الضدين أو المثلين في مرتبة واحدة في موضوع واحد ومثله مما يأبى عنه العقل هذا إذا كان الظن حجة وطريقا محرزا لمتعلقه شرعا ( واما ) إذا لم يكن حجة شرعية فلا باس بأخذ صفة أو طريقا موضوعا للحكم وان كان مضادا لحكم متعلقه ( واما ) ما أفيد من استلزامه حينئذ لمحذور اجتماع الضدين ولو في الجملة وفى بعض الموارد ( فيدفعه ) طولية الحكمين الموجب لاختلاف الرتبة بينهما إذ لا محذور حينئذ في اخذه في الموضوع بنفس ذاته بعد عدم حجيته شرعا ( ومن ذلك ) يظهر صحة اخذه أيضا موضوعا لمماثل حكم المتعلق بلا اقتضائه لتأكد الحكمين أيضا كما أفيد ( كيف ) والتأكد يقتضي وحدة الوجود ومع اختلاف الرتبة وطولية الحكمين يستحيل الاتحاد في الوجود ومعه لا يتصور التأكد ( نعم ) انما يلزم ذلك في فرض اخذ عنوان المظنونية بنحو الجهة التقييدية لا بنحو الجهة التعليلية الموجبة لطولية الحكمين ( ومن العجب ) عد مسألة النذر أيضا من باب التأكد مع أنه لا شبهة في أن عنوان المنذورية من الجهات التعليلية للحكم ( هذا كله ) في الظن المأخوذ تمام الموضوع ( واما ) المأخوذ جزء الموضوع ( ففيه ) اشكال منشئه عدم انتهاء الامر بعد عدم حجية الظن المزبور إلى مرحلة احراز جزئه الاخر لا وجدانا ولا تعبدا وتنزيلا ، إذ حينئذ لا تصل النوبة إلى مقام تطبيق كبرى الأثر على المظنون كي يحكم عليه بالوجوب أو الحرمة فيلزم حينئذ لغوية الجعل المزبور فان جعل الحكم لموضوع لا يقدر المكلف على تطبيقه في الخارج لغو محض ( نعم ) لا يجرى هذا الاشكال في الظن الذي هو حجة شرعا لأنه بمقتضى حجيته يكون احرازا لجزئه الاخر بالتعبد بالظن المزبور بمكان من الامكان ( واما الاشكال ) عليه بلزوم الدور من جهة إناطة الظن المزبور في حجيته ومشموليته لدليل الاعتبار بترتب الأثر الشرعي على المظنون وإناطة الأثر في ترتبه وفعليته بقيام الحجة عليه ( فمدفوع ) بما ذكرناه سابقا من كفاية الأثر التعليقي للجزء وهو كونه بحيث لو انضم إليه الطريق الشرعي لوجب أو حرم فعلا ( لان ) مثل هذا المعنى أيضا اثر شرعي وعليه فيرتفع الدور المزبور حيث إن ما أنيط ترتبه على قيام الطريق


(29)
عليه انما هو فعلية الأثر وما ينوط به الظن في حجيته انما هو الأثر التعليقي الواصل إلى مقام الفعلية بقيام الطريق عليه فتدبر هذا إذا كان المأخوذ في الموضوع تماما أو جزء هو ذات الظن مطلقا ( واما ) إذا كان المأخوذ في الموضوع هو الظن المصادف للواقع أو غير المصادف ففيه أيضا اشكال منشئه عدم امكان تطبيق كبرى الأثر على المورد ( نعم ) في الفرض الثاني يمكن القول بجوازه بلحاظ انتهاء الامر حينئذ إلى العلم الاجمالي بأحد الحكمين فيخرج عن محذور اللغوية لانتهائه بالآخرة إلى مرحلة ترتيب الأثر ، ولكن ذلك أيضا في فرض كون الحكم المترتب على الظن المزبور ملائما مع حكم المظنون أو مماثلا له ( والا ) فمع فرض مضادته له فلا مجال لصحة اخذه في الموضوع لعدم تأثير مثل هذا العلم الاجمالي بعد دوران المعلوم بالاجمال بين المحذورين الراجع إلى التخيير بمقتضى اللابدية العقلية ( واما ) الكلام في قيام غيره مقامه من الطرق الشرعية الغير المفيدة للظن فمجمل القول فيه هو ان الظن ان كان طريقا محضا إلى متعلقه يقوم مقامه العلم الوجداني وسائر الطرق الشرعية والأصول المحرزة ( واما ) ان كان موضوعا فإن كان على نحو الصفتية أو لكونه طريقا ناقصا لخصوصية في نقصه فلا يقوم مقامه العلم الوجداني فضلا عن الطرق الشرعية والأصول التعبدية ( وان كان ) اخذه بلحاظ رجحانه بلا نظر إلى جهة نقصه في الكاشفية ولا إلى جهة كونه صفة فيقوم مقامه العلم الوجداني ولكن لا تقوم مقامه الامارات التعبدية والأصول العملية ولو على القول بتتميم الكشف فيها نظرا إلى عدم اقتضاء دليل التنزيل المثبت لخصوصية العلم لاثبات مطلق الرجحان الا على القول بالمثبت بشهادة عدم اقتضاء استصحاب الفرد والخصوصية لاثبات الكلى والجامع ( فتأمل ) واما لو كان اخذه بلحاظ كونه حجة ومنجزا للواقع فيقوم مقام العلم الوجداني والامارات المعتبرة والأصول العملية حتى مثل ايجاب الاحتياط لكونه منجزا أيضا للواقع وان لم يكن طريقا مثبتا له هذا ولكن الفروض المزبورة أكثرها مجرد فرض ليس لها واقع أصلا.
الجهة الخامسة
    لا اشكال في أن من شؤون القطع كونه حجة وقاطعا للعذر مع المصادفة بحيث


(30)
يوجب استحقاق العقوبة على المخالفة والمثوبة على الموافقة ( وانما الكلام ) في كونه قاطعا للعذر مطلقا حتى في فرض عدم المصادفة بمحض كونه تجريا على المولى باتيان ما قطع بأنه حرام ومبغوض مثلا أولا فيه وجوه وأقوال ( منها ) ما ارتضاه الشيخ قدس سره من عدم اقتضاء التجري شيئا سوى الكشف عن سوء سريرة الفاعل وخبث باطنه الذي لا يترتب عليه سوى اللوم كالبخل والحسد ونحوهما من الأوصاف المذمومة التي لا يترتب عليها استحقاق العقوبة ما لم تبرز في الخارج مع بقاء العمل المتجرى به على ما هو عليه من المحبوبية قبل تعلق القطع به ( ومنها ) اقتضائه للقبح الفاعلي محضا بمعنى كون الفعل من حيث صدوره من هذا الفاعل قبيحا لا من حيث ذاته الراجع إلى التفكيك في القبح بين ذات الفعل وجهة صدوره مع عدم استحقاق العقوبة عليه بدعوى ان مناط الاستحقاق انما هو القبح الفاعلي المتولد من القبح الفعلي لا المتولد من سوء السريرة وخبث الباطن ومنها اقتضائه لاستحقاق العقوبة على مجرد العزم على العصيان محضا لا على الفعل المتجري به نظرا إلى أن التجري كالتشريع من المحرمات الجنانية لا الجوارحية ( ومنها ) اقتضائه لكون الفعل المتجرى به قبيحا ومعاقبا عليه من جهة انطباق عنوان الطغيان عليه مع بقاء ذات العمل على ما هو عليه في الواقع ، بلا استتباعه لحرمته شرعا بهذا العنوان الطاري ( ومنها ) اقتضائه زايدا على ذلك لصيرورة العمل بهذا العنوان الطارئ عليه محرما شرعيا لكن لا مطلقا بل في بعض الموارد كما هو مختار الفصول قدس سره نظرا إلى دعوى مزاحمة الجهات الواقعية مع الجهات الظاهرية الناشئ من منع كون قبح التجري ذاتيا وأنه يكون بالوجوه والاعتبار ( ومنها ) اقتضائه لكون حراما شرعيا على الاطلاق لكون قبح التجري ذاتيا وعدم صلاحية الجهات الواقعية للمزاحمة مع مفسدته بلحاظ كونه طغيانا على المولى وظلما له ( فهذه ) وجوه ستة في المسألة والذي يقتضيه التحقيق هو الوجه الرابع توضيح المرام في المقام يقتضي بسط الكلام في مقامين.
    اما المقام الأول فنقول لا ينبغي الارتياب في حكم العقل بقبح الاقدام على العمل الصادر عن اعتقاد المعصية واستحقاق العقوبة عليه « وذلك » لا من جهة اقتضاء مجرد القطع بالمبغوضية لصيرورة العمل قبيحا ومعاقبا
نهاية الافكار ـ الجزء الثالث ::: فهرس