نهاية الافكار ـ الجزء الثالث ::: 31 ـ 45
(31)
عليه ( كي يدفع ) ذلك بأنه خلاف ما يقتضيه الوجدان من بقاء الواقع على ما هو عليه من المحبوبية لدى المولى وعدم كون القطع بحرمة شيء بالقطع المخالف للواقع من العناوين المغيرة لجهة حسنه ومحبوبيته ( بل ) من جهة ان نفس اقدامه على ما اعتقد كونه مبغوضا للمولى ومعصية له مما ينطبق عليه عنوان الطغيان على المولى لكونه ابرازا للجرئة عليه وخروجا عن مراسم العبودية وان مبغوضية العمل واستحقاق العقوبة عليه انما هو لأجل هذا العنوان الطارئ عليه ، كما هو الشأن في اقدامه على العمل من قبل العلم المصادف ، حيث إن قبحه أيضا انما هو من جهة كونه طغيانا على المولى بابرازه للجرئة عليه بلا خصوصية في ذلك لعنوان العصيان فتمام المناط في القبح الفعلي واستحقاق العقوبة انما هو عنوان الطغيان المنطبق على الاقدام على ما اعتقد كونه مبغوضا للمولى ومعصية له الأعم من المصادف وغيره ولا يستلزم ذلك اخذ عنوان العلم في موضوع القبح على نحو الصفتية كما توهم ( بل العلم ) بما هو مأخوذ على نحو الطريقية والكاشفية يكون تمام الموضوع في احداث عنوان الطغيان على اقدامه ( واما ) الاشكال في امكان اخذه تمام الموضوع على نحو الطريقية ، فقد عرفت الجواب عنه فراجع ( واما المنع ) عن كون العلم الغير المصادف علما وانه حقيقة جهل مركب أطلق عليه العلم لمكان انه في نظر القاطع كاشف عن الواقع ، لا من جهة كونه كاشفا حقيقة ( فيدفعه ) كفاية مثل هذا الجهل أيضا كالعلم المصادف في احداث عنوان الطغيان على العمل المتجرى به وفى اشمئزاز العقل عنه بعين اشمئزازه عنه في العلم المصارف كاحداثه لعنوان التسليم على اقدامه في طرف الانقياد « كما » هو الشأن أيضا في مقام الانبعاث حيث كان مثل هذا الجهل محدثا لإرادة العالم بالبعث والمصلحة بعين محدثية العلم المصادف كما هو ظاهر ( نعم ) بينهما فرق من حيث إصابة المصلحة وعدمها ، ولكن ذلك أجنبي عن المقام الذي هو من وجدانيات العقل فتدبر « ولعمري » ان تمام المنشأ للتوهم المزبور انما هو تخيل ان الاحكام العقلية الوجدانية كغيرها مما تكون مصلحتها واقعية قابلة لتخلف الطريق عنها كما في مدركاته التي هي مركز بحث الملازمة ، مع أنها ليست كذلك جزما كما أوضحناه في محله « وعلى ذلك » لا يبقى في البين ما يقتضي المنع عن مبغوضية العمل المتجرى


(32)
به واستحقاق العقوبة عليه الا شبهة انقلاب الواقع عما هو عليه أو اجتماع الضدين وهما المحبوبية والمبغوضية والحسن والقبح في ذات واحدة وفى وجهة فاردة ( بتقريب ) ان مثل هذه الجهات بعد كونها من الجهات التعليلية الغير الموجبة للمكثرية فلا محالة يكون المنشأ فيها واحدا ذاتا وجهة وحيثية ، وحينئذ لو قيل بقبح التجري ومبغوضية العمل المتجرى به مع عدم انقلاب الواقع عما هو عليه ، يلزم اجتماع الضدين وهما المحبوبية والمبغوضية في ذات واحدة وفى جهة فاردة وهو من المستحل ولو على القول بجواز اجتماع الأمر والنهي في العنوانين المتحدين في الوجود فضلا عن القول بعدم جوازه ( لان ) القول بالجواز هناك انما هو في صورة اختلاف العنوانين في الجهة والحيثية لا في المقام المفروض اتحادهما ذاتا وجهة أيضا ، إذ في مثله لا شبهة في عدم جوازه حتى من القائل بالجواز هناك « ولكن فيه » أولا النقض بباب الإطاعة المتسالم على حسنها حتى عند الأشعري ، وكذا الانقياد المتسالم على حسنه كموارد الاحتياط التي تسالموا على حسنه فيها عقلا وشرعا باعتبار كونه انقيادا وإطاعة حكمية حتى قيل بامكان تصحيح العبادة باتيانها بداعي حسنها الانقيادي مع كون العمل في الواقع مباحا أو مبغوضا ، وكباب النذر الذي تسالموا على اعتبار رجحان المتعلق في نفسه لولا النذر ، إذ فيه أيضا اجتماع الرجحانيين في ذات واحدة ، أحدهما الرجحان الثابت قبل النذر ، والاخر الرجحان الطارئ عليه من قبل النذر ، وكما في العهد واليمين عند تعلقهما بما هو راجح في نفسه ، وكما في امر الوالد ولده بما هو راجح في نفسه ، وغير ذلك من الموارد الكثيرة ( وثانيا ) الحل فتقول بعد الجزم بتعلق الاحكام بل جميع الصفات الوجدانية بنفس العناوين الحاكية عن مناشئها وعدم تعديها إلى المعنوات الخارجية لابد أولا بالسراية بتوسيط العناوين كما أوضحناه في محله « ان مناط » استحالة اجتماع الضدين في العنوانين المتحدين في الوجود خارجا انما هو سراية الحكمين بواسطة اطلاق العنوانين لحال اجتماعهما في وجود واحد إلى جهة واحدة وحيثية فاردة ، وهذا لا يكون الا في العنوانين المنتزعين المشتركين ولو في بعض المنشأ نظير الغصب والصلاة بناء على اشتراكهما في بعض المنشأ على ما حققناه في محله « إذ حينئذ » تصير تلك الجهة الواحدة بلحاظ اطلاق العنوانين موردا لتوارد الحكمين المتضادين « والا »


(33)
فمع فرض عدم اشتراكهما ولو في بعض المنشأ كما في الأجناس بالقياس إلى فصولها وكما في الغصب والصلاة بناء على أن الغصب من مقولة والصلاة من مقولة أخرى فلا باس باجتماع الحكمين المتضادين في العنوانين المتحدين في وجود واحد ، إذ بعد وقوف كل حكم على نفس عنوان موضوعه وعدم تعديه إلى المعنون الخارجي لا يكاد يمنع مجرد وحدة المعنون خارجا عن اجتماع الحكمين لعدم انتهاء الامر في مثله إلى توارد الحكمين في جهة واحدة ( كما أنه ) في فرض طولية العنوانين بان كان انتزاع أحدهما عن الذات في مرتبة معروضيتها للإرادة والاخر عن الذات في المرتبة المتأخرة عن تعلق الإرادة بها لا بأس أيضا بالالتزام باجتماع الحكمين بلحاظ عدم سراية حكم كل عنوان حينئذ إلى العنوان الاخر « وبعد ذلك » نقول في المقام ان الاشكال المزبور انما يتوجه إذا كان ما ينطبق عليه عنوان التجري والطغيان هي الذات في مرتبة معروضيتها للإرادة وليس كذلك ، بل ما ينطبق عليه التجري انما هي الذات في المرتبة المتأخرة عن تعلق الإرادة بها أعني مرتبة موافقتها « وذلك » « لان » انتزاع عنوان التجري والانقياد كعنوان الإطاعة والعصيان انما كان عن الذات في المرتبة المتأخرة التي هي مرتبة فعلية تأثير الإرادة ، قبال العنوان المنتزع عن الذات المعروضة للإرادة المحفوظة في المرتبة السابقة عليها بنحو يرى المحكى منهما في مقام التصور ذاتان ، إحديهما في المرتبة السابقة معروضة للإرادة والاشتياق ، والأخرى في المرتبة المتأخرة التي هي مرتبة موافقتهما ، كعنوان الصلاة مثلا التي هي متعلق الامر المولوي ، وعنوان اطاعته المنتزع عن الفعل الماتى بدعوته بحيث يتخلل بينهما الفاء الكاشف عن اختلاف مرتبتهما ، كما في قولك أردت الصلاة فصليت وان لم يكن في الخارج لهاتين الذاتين الا منشأ واحد « وحينئذ » فحيث ان مثل هذه المرتبة مرتبة سقوط الإرادة بمباديها عن التأثير لا مرتبة ثبوتها لاستحالة سراية الحسن القائم بالذات في المرتبة السابقة على الإرادة إلى الذات المرئية في المرتبة المتأخرة عنها ، ولم يكن للمصلحة الواقعية أيضا تأثير في الحسن في هذه المرتبة لان تأثيرها كان ممحضا في المرتبة السابقة « فلا » غرو في مركزية إحدى الذاتين للحسن والمحبوبية ، والأخرى للمبغوضية العقلية ، فأمكن الالتزام حينئذ بمبغوضية العمل المتجرى به واستحقاق العقوبة


(34)
عليه لأجل انطباق عنوان الطغيان عليه ، مع الالتزام ببقائه على ما هو عليه في الواقع من الحسن والمحبوبية مثلا ، من غير أن تؤثر جهة وحدة وجود المعنون خارجا في المنع عن ذلك لعدم انتهائه إلى اجتماع الضدين في شيء واحد « بل » ولئن تأملت ترى الوجود الخارجي دائما بإزاء هذا العنوان الطارئ لا بإزاء العنوان الذي تعلق به الامر وان كان منشأ لانتزاعه لأنه يعتبر في تعلق الامر بعنوان عرائه عن الوجود ، إذ وجوده في الخارج منشأ سقوط الامر عنه لا ثبوته « واما » توهم مضادة المصلحة القائمة بتلك الذات مع مفسدة التجري ( فمدفوع ) بعدم كون مبغوضيته ناشئة عن مفسدة في ما ينطبق عليه بل هو كاردافه بنفسه مبغوض مستقلا « وما قيل » من أن العنوان المأخوذ في الحكم بعد أن لم يكن بلحاظ وجوده الذهني الاستقلالي بل بلحاظ آليته وحكايته عن الوجود الخارجي « فلا جرم » بعد اتحاد العنوانين المزبورين في الوجود الخارجي ، يكون المرئي منهما عبارة عن جهة واحدة وحيثية فاردة ، ولازمه اتصاف تلك الجهة الواحدة بحكمين متضادين بلحاظ ما كان بينها وبينهما بهذا اللحاظ من العينية والاتحاد وهذا مما يأبى العقل عنه « مدفوع » بان العنوانين بعد كونهما طوليين لا يرى في عالم اللحاظ والاعتبار من عنوان ما يرى من العنوان الاخر بل كان المرئي فيهما في عالم التصور ذاتان إحديهما معروضة للامر وفي رتبة سابقة عنه ، والأخرى معلولة للامر وفي رتبه لاحقة عنه ، وان لم يكن في الخارج وفي عالم التصديق الا ذات واحدة في قبال العنوان الطارئ وبإزائه ، لا العنوان الأول كما أشرنا إليه « وحينئذ » فبعد عدم مانعية وحدة المنشأ خارجا لمثل هذين الاعتبارين في عالم التصور وكون مدار تعلق الاحكام أيضا على الأنظار التصورية لا التصديقية « فلا محذور » في الالتزام بقبح الفعل المتجرى به بعنوان كونه تجريا وطغيانا مع بقاء الواقع على ما هو عليه من المحبوبية ، ( كما هو الشأن ) أيضا في الانقياد المتسالم على حسنه لديهم حسب اطباقهم على حسن الاحتياط حتى في العبادات على وجه يتوهم صلاحيته للتقرب وتصحيح العبادة المحتملة بمثله ، مع كونه في ظرف المخالفة انقيادا محضا ، حيث إنه بعد بقاء الواقع في مثله أيضا على ما هو عليه من الحكم يتأتى فيه أيضا شبهة اجتماع الضدين ، ولا تندفع هذه الشبهة الا بما ذكرنا من طولية العنوانين الموجبة


(35)
لعدم تعدى الحكم من عنوان إلى عنوان متأخر عنه رتبة « بل وكذا » الامر في الإطاعة الحقيقية والعصيان الحقيقي ، ولا يندفع شبهة اجتماع المثلين أو الضدين فيهما الا بما ذكرنا ( وبهذا البيان ) أيضا تندفع شبهة اجتماع المثلين في نحو النذر وغيره من العناوين المأخوذة جهة تعليلية للحكم ، حيث إنه بمقتضى طولية الحكمين نلتزم بالجمع بينهما بلا ورود محذور في البين ، ومن غير أن نلتزم بالتأكد أيضا في أمثال المقام كما أفيد ، كيف وان التأكد يقتضي الاتحاد في الوجود ، ومثله ينافي طولية الحكمين بنحو يتخلل بينهما الفاء الموجب للمغايرة ، إذ في مثله يستحيل الاتحاد فكيف يتصور التأكد فتدبر.
    ( ثم انه قد يتوهم ) اشكال آخر على ما ذكرنا من قبح التجري واستحقاق العقوبة عليه ، بتقريب ان اتصاف كل شيء بأي عنوان بالحسن أو القبح الموجبين للمثوبة والعقوبة فرع اختيارية ذلك العنوان ، إذ يأبى العقل عن تحسين ما لا يطاق أو تقبيحه واستحقاق المثوبة أو العقوبة عليه ، وهي غير متصورة في المقام ، لان عنوان التجري أو مقطوع المبغوضية بالقطع المخالف بهذا العنوان لا يكون اختياريا بحيث يقصده الفاعل ، لامتناع التفات الفاعل إليهما حين عمله ، والا ينقلب عن كونه متجريا ومقدما على مقطوع المبغوضية بالقطع المخالف بهذا العنوان ، ومعه يستحيل اتصافه بالقبح الموجب لاستحقاق العقوبة ( ولكنه يندفع ) بما أشرنا إليه سابقا من أن التقبيح والعقوبة انما يكونان على عنوان التمرد والطغيان وابراز الجرئة على المولى الذي هو جامع بين التجري والعصيان ، لا على خصوص عنوان التجري أو العصيان ، كي يقال ان الأول من جهة الغفلة عنه غير اختياري ، و الثاني غير متحقق بالفرض ، ومن المعلوم بداهة كون هذا العنوان الجامع مما يلتفت إليه المتجرى حين اقدامه ، فان القادم على ارتكاب مقطوع المبغوضية قادم على هتك المولى وعلى الطغيان عليه ، غاية الامر يتخيل تحقق هذا العنوان في ضمن العصيان لغفلته عن الفرد الاخر وفي الواقع كان متحققا في ضمن فرد اخر وهو التجري ، ومن المعلوم ان مثل هذه الغفلة عن فرد الجامع مع الالتفات إلى نفسه غير ضائره بالتقبيح واستحقاق العقوبة عليه كما هو ظاهر ، فتمام الخلط انما هو في جهة تخيل كون مناط التقبيح والعقوبة خصوص عنوان العصيان والتجري


(36)
والا فبناء على جعل المناط بتمامه عنوان الطغيان على المولى أو التسليم له الجامعين بين العصيان والتجري والإطاعة والانقياد فلا يلزم محذور ، ( وبذلك أيضا ) يندفع ما أفيد من اشكال لزوم تعدد العقوبة في موارد العصيان ، تارة على تجريه المنطبق على العزم على العصيان الذي هو عبارة عن هيجان الرغبة بعد الشوق إلى العمل ولو بشروعه في بعض مقدماته ، وأخرى على نفس عصيانه المتحقق باتيان ما هو حرام ومبغوض للمولى « إذ نقول » ان مناط استحقاق المثوبة والعقوبة كما أنه عنوان التسليم للمولى والطغيان عليه ، كذلك مناط وحدة المثوبة والعقوبة وتعددهما أيضا هي وحدة التسليم والطغيان وتعددهما ، فالطغيان المتحقق في مورد العصيان الحقيقي ، حيث إنه طغيان واحد مستمر من حين شروعه في مقدمات المعصية إلى آخر العمل ، كانت العقوبة المترتبة عليه أيضا واحدة ، فحصول الطغيان وان كان بشروعه في مقدمات المعصية المفضية إليها ، الا انه يستمر طغيانه ذلك إلى آخر العمل ، فمتى استمر على عمله كان طغيانه أيضا مستمرا ، والا فينقطع من حيث قطعه ، كما هو الشأن أيضا في تسليمه للمولى في مقام الإطاعة ، ومن ذلك ترى العقلاء بأنهم لا ينتظرون في ذم المقدم على المعصية بايجاد المقدمات المفضية إليها إلى زمان صدور المعصية ، بل بنفس الاقدام على المقدمة المفضية إليها يقبحونه ويذمونه بطغيانه على المولى وابرازه للجرئة عليه ، وحينئذ فلا يكون طغيانه ولو بلغ باستمراره ما بلغ حسب كثرة المقدمات الا طغيانا واحدا مستتبعا لعقوبة واحدة « هذا مع امكان » التفكيك بين أصل الاستحقاق وجهة وحدة العقوبة وتعددها بجعل مناط أصل الاستحقاق عنوان التسليم والطغيان على المولى المتحقق ولو بالاقدام على المقدمة ، لا نفس العصيان وتفويت الغرض الأصلي ، ومناط وحدة العقوبة وتعددها وحدة الغرض الفائت وتعدده ، ولازم ذلك عدم استحقاقه بتفويت غرض اصلى واحد الا عقوبة واحدة ، ولو مع مخالفته لواجبات غيرية متعدده فتدبر ثم انك بعد ما عرفت استقلال العقل بقبح التجري واستحقاق العقوبة عليه بمناط كونه طغيانا على المولى ، يقع الكلام في المقام الثاني ، وهو استتباع مثل هذا القبح للتكليف المولوي وعدمه ( فنقول ) لا ينبغي الاشكال في عدم صلاحية عنوان التجري والانقياد كعنوان الإطاعة والعصيان للتكليف المولوي ( وذلك )


(37)
اما أولا فلعدم قابلية مثل هذه العناوين لأعمال جهة المولوية فيها ، بل لو ورد امر أو نهى شرعي بعنوانهما لابد وأن يكون ارشادا محضا إلى حكم العقل ، كما في النهى عن العصيان والامر بالإطاعة « لان » الغرض من الحكم المولوي حينئذ ليس الا البعث نحو الشيء بالايجاد أو الزجر عنه للفرار عما يترتب على مخالفة التكليف الواقعي أو الاعتقادي من التبعات « ومن المعلوم » انه مع زجر العقل عنه وحكمه باستحقاق العقوبة لا يحتاج إلى زجر آخر بعنوان التجري أو العصيان لكونه لغوا محضا « ولئن شئت » قلت إن النهى المقطوع به ان كان زاجرا عن العمل بحكم العقل ، فلا يحتاج إلى زجر آخر مولوي بهذا العنوان ( والا ) فلا يكون النهى الثاني أيضا زاجرا عنه ( واما ثانيا ) فلعدم صلاحية مثل هذا القبح العقلي في المقام لاستتباع التكليف المولوي على وفقه ، لان الحسن والقبح العقليين انما يستتبعان التكليف المولوي على الملازمة إذا كانا ناشئين عن مصلحة أو مفسدة في نفس العمل ومثله غير متصور في المقام « إذ لا يحدث » من قبل طرو عنوان التجري والانقياد وكذلك الإطاعة والعصيان مصلحة أو مفسدة في نفس العمل ، كي بذلك يكون مثل هذا الحسن أو القبح العقلي مستتبعا على الملازمة للحكم الشرعي « وحينئذ » فلو ثبت حكم شرعي لكان ذلك بلا ملاك يقتضيه كما هو ظاهر ( بل وبمثل ) هذا البيان نقول بعدم المجال لاثبات الحكم المولوي أيضا ولو على القول بعدم اقتضاء التجري شيئا سوى الكشف عن سوء سريرة الفاعل فضلا عن سائر الأقوال ، حيث إن المنع عنه حينئذ انما هو من جهة عدم المقتضى للحكم المولوي ( نعم ) على سائر الأقوال يتجه المنع من جهة وجود المانع أيضا كما ذكرناه ( ثم انه ) بالتأمل فيما ذكرنا في وجه المختار يتضح لك ضعف سائر الأقوال وانه لا مجال لانكار القبح والعقوبة رأسا كما افاده شيخنا العلامة الأنصاري قدس سره ( إذ هو ) مع مخالفته لما عرفت من حكم الوجدان بقبح الطغيان على ولى النعمة والاحسان مناف لما تسالموا عليه من حسن الانقياد وترتب المثوبة عليه ( واما توهم ) ان الثواب فيه تفضلي ( فيدفعه ) تصريحهم برجحان الاحتياط بالفعل الماتى بداعي المحبوبية لكونه انقيادا وإطاعة حكمية ، حتى أنه قدس سره بنى على امكان تصحيح العبادة المحتملة بهذا المقدار من الحسن العقلي ( ولا ) للتفكيك بين ذات الفعل وجهة صدوره


(38)
عن الفاعل بالتزام القبح في الثاني دون الأول كما افاده بعض الأعاظم قدس سره ( إذ بعد ) الغض عن عدم مكثرية مثل هذه الجهات للوجود يتوجه عليه انه ( ان أريد ) من موضوع القبح الفعل المضاف إلى الفاعل بإضافة صدورية ، فهو عين الالتزام بقبح نفس الفعل غايته بقبح ضمني لا استقلالي وهو خلاف المقصود ( وان أريد ) به نفس إضافة الفعل إلى الفاعل ، فلازمه أيضا سراية القبح المزبور إلى ما تقوم به الإضافة المزبورة ولو غيريا ( وان أريد ) به كشف صدور الفعل عن الفاعل عن سوء سريرته بلا قبح لا في نفس الفعل ولا في صدوره من الفاعل ابدا ( فهو ) لكونه خارجا عن الاختيار لا يكاد يوجب مثله لاحداث قبح فيه ، فيلزمه انكار أصل القبح كما افاده شيخنا العلامة الأنصاري قدس سره لا اثبات القبح الفاعلي ( ولازم ) ذلك أيضا الالتزام بعدم استحقاق المثوبة في طرف الانقياد ، بل ولازمه عدم رجحان الاحتياط باحتمال كونه انقيادا ( وهو ) كما ترى خلاف مقصود هذا القائل ( وحينئذ ) فالالتزام بقبح صدور الفعل عن الفاعل فقط لا نفس الفعل مما لم نفهم له وجها ( ولعمري ) ان تمام المنشأ في الاستيحاش عن قبح الفعل المتجرى به المستتبع لاستحقاق العقوبة عليه ، انما هو من جهة شبهة التضاد بعد الفراغ عن بقاء ذات العمل على ما هو عليه في الواقع من الحكم بتوهم عدم امكان اجتماع حسن العمل ومحبوبيته واقعا مع مبغوضيته بالعنوان الطاري عليه ، حيث إنه لأجل هذه الشبهة التزم بما التزم ( ولكنه ) بعد حل هذه الشبهة مما أسلفناه لا يبقى مجال لهذه الالتزامات ( كما لا مجال ) أيضا لما افاده في الكفاية من تخصيص موضوع القبح بالعزم على المعصية الذي هو من المقدمات الخارجية ( إذ نقول ) ان مناط القبح في العزم بعد أن كان حيث طغيانه على المولى ، فلا شبهة في تحققه في نفس الفعل الصادر عن اعتقاد المعصية ، بل استحقاقه للعقوبة على العزم المزبور حينئذ انما هو لكونه شروعا في الطغيان بايجاد مقدمته ، والا فلا وجه للالتزام باستحقاق العقوبة على مجرد القصد والعزم ، كما هو الشأن أيضا في طرف الانقياد الذي هو إطاعة حكمية فان حسنه واستحقاق المثوبة عليه ، انما كان باعتبار اشتغاله باظهار العبودية بعمله وصيرورته في مقام التسليم لأوامر مولاه كما هو ظاهر ( بل ) وبما ذكرنا ظهر أيضا انه لا وجه لما عن الفصول قدس سره من


(39)
دعوى المزاحمة بين محبوبية العمل في الواقع ومبغوضيته بعنوان التجري ووقوع الكسر والانكسار بين الجهات الموجب لصيرورة التجري محكوما بأحكام خمسة وانقلاب الواقع أحيانا ( إذ ذلك ) كله فرع عدم امكان الجمع بين الحسن والقبح والمحبوبية والمبغوضية في الفعل بعنوانه الواقعي وبالعنوان الطارئ عليه لشبهة انقلاب الواقع أو اجتماع الضدين ( وبعد ) دفع تلك الشبهة بما بيناه من تعدد العنوانين وطوليتهما بنحو لا يسرى الحسن القائم بعنوان إلى العنوان المعروض للقبح ( لا يبقى ) مجال توهم المزاحمة بين تلك الصفات كي ينتهى الامر أحيانا إلى انقلاب الواقع أو عدم قبح التجري ( نعم ) لو اغمض عن ذلك لا يتوجه عليه ما افاده شيخنا العلامة الأنصاري قدس سره من الاشكال ( تارة ) بان التجري على المولى قبيح ذاتا لكونه ظلما عليه فيمتنع عروض الصفة الحسنة له ، كما أن الانقياد بعكس ذلك ، فيمتنع ان يعرضه جهة مقبحة ( وأخرى ) بان المصالح الواقعية انما تصلح للمزاحمة مع مفسدة التجري مع الالتفات إليها لا مع الغفلة عنها ( والا ) فيكون التأثير للمفسدة الملتفت إليها ( إذ يمكن ) ان يجاب عن الأول بامكان أهمية مصلحة الواقع بالنسبة إلى مفسدة التجري في نظر المولى بنحو يمنع عن تأثير التجري في المبغوضية الفعلية ( وعن الثاني ) بان غفلة المكلف عن مصلحة الواقع ، انما تمنع عن تأثيرها في المصلحة بحسب نظره الذي به قوام حكم عقله بالقبح ( والا ) فبالنسبة إلى نظر المولى العالم بالواقع والملتفت إلى الجهتين فلا تمنع غفلة المكلف عن تأثير المصلحة التي هي أهم في نظره في المحبوبية الفعلية المانعة عن تأثير التجري في المبغوضية الفعلية والحرمة ( نعم ) تأثيرها في تحسين الفاعل واستحقاقه بذلك للمثوبة يحتاج إلى التفاته إلى الجهات المحسنة كما هو كذلك في تأثيرها في توجيه الحكم الفعلي إليه بنحو يصير داعيا ومحركا له على وفقه ، لما عرفت غير مرة من أن العلم والالتفات تمام الموضوع في هذه المراحل ( ولكن ) هذه الجهة غير مرتبطة بمرحلة مؤثرية المصلحة الواقعية في فرض أهميتها بنظر المولى في المحبوبية الفعلية المانعة عن تأثير مفسدة التجري في الحرمة ( وحينئذ ) فالأولى هو الاشكال عليه بما ذكرنا من منع المزاحمة بين تلك الجهات بعد تعدد الموضوع لها وطوليته ( ثم إن ) في الفصول كلاما اخر في مبحث مقدمة الواجب ( وهو ) ان التجري على المعصية


(40)
معصية أيضا لكنه ان صادفها تداخلا وعدا معصيته واحدة ( أقول ) وهو بظاهره مشكل بان التجري وان كان يصدق على ترك مقدمة من مقومات الواجب كما هو محل كلامه ويلزمه تحققه مع العصيان أيضا إذ ليس من مقومات التجري عدم مصادفته مع العصيان كما افاده بعض الأعاظم قدس سره وانما قوامه بعدم صدق العصيان عليه ( ولكنه ) بعد أن يباين العصيان وجودا وموردا بلحاظ ان مورده هي المقدمة التي هي غير نفس العصيان يستحيل تداخله معه ( وحينئذ ) لو قيل باستحقاق العقوبة على خصوص هذا العنوان المقابل للعصيان ، يلزمه لا محالة تعدد العقوبة ولا مجال للتداخل ( نعم ) على ما ذكرنا من أن مدار العقوبة على عنوان الطغيان على المولى الجامع بين التجري والعصيان لا على خصوص عنوانهما ( لا باس ) بالالتزام بوحدة العقوبة في الفرض المزبور بلحاظ كونه حينئذ طغيانا واحدا مستتبعا لعقوبة واحدة ولكن ذلك غير مرتبط بالتداخل كما هو واضح ولا يبعد ان يكون نظر الفصول أيضا إلى ما ذكرناه ولكنه سامح في مقام التعبير فعبر عنه بالتداخل هذا ( وقد أفيد ) في توجيه كلامه قدس سره بان المراد من المعصية المجتمعة مع التجري غير المعصية التي تجرى فيها بل معصية أخرى كما لو شرب مايعا باعتقاد انه خمر ثم تبين انه مغصوب فان المكلف تجرى بالنسبة إلى شرب الخمر وعصى بالنسبة إلى شرب المغصوب ، بناء على أن العلم بجنس التكليف يكفي في تنجز التكليف وان لم يعلم فصله كما سيأتي في العلم الاجمالي فيقال في المثال انه قد تعلق علمه بحرمة شرب المانع على أنه خمر فبالنسبة إلى كونه خمرا أخطأ علمه وبالنسبة إلى الحرمة لم يخطأ وصادف الواقع لأنه كان مغصوبا ، فيكون قد فعل محرما ويعاقب عليه وان لم يعاقب على خصوص الغصبية لعدم تعلق العلم بها بل يعاقب على القدر المشترك بين الخمرية والغصبية ، فلو فرض ان عقاب الغصب أشد يعاقب عقاب الخمر ولو انعكس الامر يعاقب عقاب الغصب لأن المفروض انه لم يشرب الخمر فلا يعاقب عليه وفي الصورة الأولى انما كان يعاقب عقاب شرب الخمر مع أنه لم يشرب الخمر من جهة ان عقاب ما يقتضيه شرب الخمر هو المتيقن الأقل والمنفي هو العقاب الزائد الذي يقتضيه الغصب انتهى ( ولكنك خبير ) بما في هذا التوجيه مع ما فيه من التشويش والاضطراب إذ مضافا إلى كونه خارجا


(41)
عن مورد كلام الفصول الذي هو التجري بترك مقدمة الواجب ( نقول ) ان كان الغرض ان الغصبية طرف للعلم الاجمالي فلا ريب في أن الغصبية كما انها محتملة كذلك الخمرية محتملة أيضا ، فلا معنى حينئذ لفرض العلم بالخمرية « وان كان » الغرض ان الغصبية غير محتمله رأسا وان المعلوم هو الخمرية فقط « ففيه » ان مجرد العلم بحرمة الخمر لا يستلزم العلم بحرمة الغصب ولا بالجامع بينهما ( إذ هما ) وانكانا تحت جامع الحرمة ، ولكن المعلوم بعد أن كان هي الحصة الخاصة من الحرمة المتعلقة بالخمر لا يسرى العلم منها إلى الحصة الأخرى المتعلقة بالغصب ولا إلى الجامع بينهما القابل للانطباق على كل من الحصتين ، كما في العلم بوجود زيد في الدار فإنه لا يكون الا علما بحصة من الانسانية المتحققة في ضمنه لا علما بمطلقه القابل للانطباق على سائر الافراد ، وما يأتي في العلم الاجمالي بجنس التكليف فإنما هو في مورد تعلقه بالجنس القابل للانطباق على كل واحد من الفردين لا فيمثل المقام « وحينئذ » فبعد عدم اقتضاء العلم بشخص حرمة الخمر للعلم بشخص حرمة الغصب ولا بالجامع بينهما فأين يتصور عصيان لحرمة الغصب أو للقدر المشترك بينهما وبين حرمة الخمر كما هو ظاهر ( بقى ) الكلام في اقسام التجري ( فنقول ) ان التجري ( تارة ) يكون في مقطوع المعصية ( وأخرى ) في مظنونه ( وثالثة ) في محتمله وعلى الأخيرين ( تارة ) يكون اقدامه على العمل برجاء المصادفة للواقع ( وأخرى ) برجاء عدم المصادفة للواقع ( وثالثة ) لمحض دعوة شهوته ( واما ) حكم هذه الأقسام فالقسم الأول منها قد تقدم مشروحا ( واما ) القسم الثاني وهو التجري في مظنون المعصية فحكمه كالتجري في مقطوع المعصية ان قام دليل معتبر على حجية ظنه ( لان ) ملاك القبح مخالفة ما هو المنجز في حقه علما كان أو غيره من غير فرق بين الصور الثلاث المتقدمة ( وان كان ) فرق بينها من جهة أشدية التجري في الصورة الأولى ( اللهم ) الا ان يمنع أصل صدق التجري في الصورة الثانية ، بدعوى ان الامر بالغاء احتمال الخلاف لما كان حكما طريقيا راجعا إلى حكم صوري في ظرف المخالفة للواقع فالاقدام على العمل برجاء عدم مصادفة الطريق للواقع يرجع إلى البناء على كونه ترخيصا ، والاقدام مع هذا البناء لا يكون تجريا لا بالنسبة إلى الواقع ولا بالنسبة إلى الطريق فتدبر ( واما ) إذا لم يقم دليل


(42)
معتبر على حجية ظنه فلا اثر لتجريه بعد عدم حجية ظنه وعدم تنجز الواقع عليه بل يمكن التأمل في أصل تجريه حتى في فرض اتيان العمل برجاء المعصية ( وهكذا ) الكلام في القسم الثالث ( بقى ) الكلام فيما يمكن ان يجعل ثمرة لهذا النزاع ( وهو ) انه على المختار من قبح التجري ذاتا ومبعديته لو قامت امارة معتبرة على حرمة شيء فلا اشكال في عدم صلاحية العمل المتجرى به حينئذ للمقربية ولو مع اتيانه برجاء مطلوبيته واقعا ، من جهة انه مع قبحه فعلا ومبعديته يستحيل صلاحيته للمقربية ( واما ) على مختار الشيخ قدس سره فيمكن التقرب بمثله باتيانه برجاء المطلوبية الواقعية ، إذ لا تنافي بين كشفه عن سوء سريرته وبين صلاحيته للمقربية ( وتوهم ) مانعية سوء سريرته حينئذ عن مقربية عمله كما في عمل الكافر المأتي بقصد التقرب بناء على عدم مانعية الكفر ( ممنوع ) إذ يحتاج مثله إلى قيام دليل عليه ( واما ) على مختار الكفاية فيمكن الالتزام أيضا بصحة عمله وصلاحيته للمقربية ( إذ ) بعد عدم سراية القبح إلى نفس العمل ووقوفه على نفس العزم على المعصية فلا قصور في صلاحية عمله للمقربية ، اللهم الا ان يقال بان قوام مقربية الأعمال بعد أن كان بقصدها ، فلا محاله يكون مبعدية قصده مانعا عن مقربية عمله ( ولعله ) إلى ما ذكرناه أيضا نظر الأصحاب في حكمهم ببطلان العبادة مع خوف الضرر الغير المالي ، وكذا بنائهم على بطلان عبادة الحائض في أيام الاستظهار أو عند الاشتباه بدم آخر قبل الاختبار بناء على الحرمة الذاتية ولو لم يكن في الواقع حيضا ولا كان في الواقع ضرر ( إذ بعد ) كون المرتكز في الأذهان هو طريقية هذه العناوين لا موضوعيتها يتمحض بنائهم على البطلان من جهة كونه تجريا ( واما ) توهم ان بنائهم على البطلان في نحو هذه الموارد انما هو من جهة التشريع لا التجري ( فيدفعه ) استلزامه للبناء على صحة العبادة في فرض الاتيان بها برجاء المطلوبية واقعا ، لعدم تأتي التشريع المحرم حينئذ ولو مع قيام الامارة المعتبرة على الحرمة مع أنهم لا يلتزمون بذلك
الجهة السادسة
    « قد عرفت » ان القطع إذا كان طريقا محضا فلا يفرق فيه بين أسبابه


(43)
وأشخاصه وأزمانه وانه متى تحقق يتبعه حكم العقل تنجيزا بلزوم متابعته والحركة على وفقه بنحو يستحيل الردع عنه من قبل الشارع ( الا انه ) خالف في ذلك جماعة من أصحابنا الأخباريين فقالوا بأنه لا اعتبار بالقطع الناشئ من غير الأدلة السمعية ( وهو ) بظاهره مشكل بداهة اباء العقل بعد تنجيزية حكمه بلزوم الاتباع عن تشريع خلافه لكونه من المناقضة الواضحة في نظره ( نعم ) لهذا الكلام مجال بناء على تعليقية حكمه على عدم الردع عنه ( إذ حينئذ ) بالردع يرتفع حكم العقل فترتفع المناقضة ( كما لعله ) إلى ذلك أيضا نظر القائلين بجواز ارتكاب جميع الأطراف في العلم الاجمالي فكان تجويزهم ارتكاب الجميع من جهة دعوى كون حجية العلم الاجمالي كالظن في حال الانسداد على الحكومة ( معلقة ) على عدم ورود ترخيص شرعي على الخلاف ( وحينئذ ) فلا يبقى في البين الا شبهة المناقضة والمضادة الواقعية ، وهي أيضا مندفعة بما يجاب به في الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي من اختلاف الرتبة بين الحكمين هذا ولكن المبنى واضح البطلان ، بداهة انه ليس حكم العقل بلزوم اتباع القطع الا على نحو التنجيز الغير القابل للمنع عنه ، بشهادة ارتكاز المناقضة الكاشف إنا عن كون حكمه بلزوم اتباع القطع على نحو التنجيز والعلية التامة ، نظير كشف التبادر عن ثبوت الوضع ( إذ ) المناقضة المزبورة الارتكازية ثبوتا من توابع تنجيزية حكم العقل ( وعلى ذلك ) فمتى حصل القطع يتبعه حكم العقل التنجيزي بوجوب الموافقة سواء كان حصوله من المقدمات العقلية النظرية أو الضرورية أو الأدلة السمعية ، وسواء كان القاطع قطاعا أو غيره ، لاستواء الجميع بنظر العقل ( نعم ) يمكن ان يفرق بين القطع الناشي عن تقصير المكلف في مقدمات حصول قطعه وبين غيره في جهة معذريته عند مخالفة قطعه للواقع ، بدعوى عدم معذورية من يقصر في مقدمات قطعه خصوصا إذا كان ذلك من جهة الخوض في المقدمات العقلية التي نهى عن الخوض فيها ( ولكن ) مثل هذه الجهة غير مرتبطة بجهة منجزيته وعليته لحكم العقل بوجوب الحركة على وفقه ( إذ ) لا تلازم بين عدم معذرية قطعه ذلك عند تخلفه عن الواقع ، وبين عدم منجزيته في مقام اثبات الاشتغال بالتكليف وصحة الردع عن العمل على وفقه ( ولا بأس ) أيضا بالالتزام بهذا المقدار ، كما يشهد له النصوص الناهية عن


(44)
الخوض في المطالب العقلية ز بناء على شمولها للقطع بالأحكام الفرعية ، بل وما ورد من نفي الثواب على ما لا يكون بدلالة ولى الله ( فان ) الظاهر المستفاد منها هو النهي عن الخوض في المباني العقلية في مقام استنباط الاحكام الفرعية كالأقيسة والاستحسانات كما كان عليه ديدن العامة اللذين استغنوا بأمثال هذه الأمور عن أهل البيت عليهم الصلاة والسلام « لولا » دعوى سوقها في مقام شرطية الولاية في صحة الأعمال خصوصا بقرينة بناء الاسلام عليها ( نعم ) ما كان منها بلسان عدم جواز العمل به لابد من حمله على الظنون العقلية والاستحسانات الظنية ونحوها مما لا يستتبع حكم العقل بوجوب الاتباع ( ولعله إلى ما ذكرنا ) نظر القائل بعدم اعتبار قطع القطاع فيراد من ذلك عدم اعتباره في مقام المعذرية ، ولو بملاحظة تقصيره في مقدمات قطعه من الأول الناشئ من جهة قلة مبالاته وعدم تدبره الموجب لخروجه بذلك عما عليه متعارف الناس من الاستقامة إلى الاعوجاج في السليقة بنحو يحصل له القطع من كل شيء مما لا يكون مثله سببا عاديا لحصول الظن بل الشك لمتعارف الناس ، لا عدم اعتباره في مقام المنجزية ومرحلة اثبات التكليف والاشتغال به ( بل ويمكن ) ان يحمل عليه أيضا مقالة الأخباريين في حكمهم بعدم اعتبار القطع الناشئ من غير الأدلة السمعية لولا تصريح بعضهم بالخلاف ولو بدعوى كون القطع الناشئ من المقدمات العقلية أكثر خطأ من القطع الناشي من الأدلة السمعية وان كان فيه ما فيه أيضا لمنع أكثرية الخطأ في ذلك عما يحصل من الأدلة السمعية بنظر العقل ومساواتها بنظره من جميع الجهات ( وربما ) أفيد في توجيه كلامهم كما عن بعض الأعاظم قدس سره بجعله ناظرا إلى شرطية العلم الخاص في أصل ثبوت التكليف الواقعي بنحو نتيجة التقييد ( بل ) نفي البعد أيضا عن كون العلم الحاصل من غير الطرق الشرعية كالرمل والجفر وغيرهما مانعا شرعيا عن أصل ثبوت التكليف الواقعي « ولكنه » كما ترى فان نظر الأخباريين لو كان فيما اختاروه إلى شرطية العلم من سبب خاص في ثبوت الحكم الشرعي ولو بمتمم الجعل يلزمهم انكار حصول العلم بالحكم من غير الكتاب والسنة كما توجه إلى ذلك أيضا هو قده قبيل ذلك « لا المنع » عن حجيته ولزوم متابعته ( مع ) ان كلماتهم كما ترى مشحونه بأنه لو حصل العلم من غير الكتاب والسنة يطرح ولا يصلح


(45)
للمعارضة مع العلم الحاصل من الدليل النقلي ( ومن ذلك ) ترى الشيخ قدس سره يستوحش من هذه المقالة غايته وينادي بأنه ليت شعري مع حصول العلم من دليل العقل ، كيف يعقل حصول العلم بخلافه من غيره وبالعكس ، حتى يقع بينهما المعارضة وينتهي الامر إلى ترجيح النقلي عليه ، وانه في فرض حصول العلم كيف يعقل الردع عنه ( واما ) ما وقع منه قدس سره من جعل مقالة الأخباريين من أمثلة العلم المأخوذ في الموضوع فإنما هو لمحض التمثيل على ما يقتضيه مذاق الأخباريين من عدم العبرة بالعلم الحاصل من غير الكتاب والسنة لا انه لأجل تصحيح كلامهم والا لم يكن مجال للانكار عليهم والاستيحاش من مقالتهم كما هو ظاهر وقد يوجه » كلامهم بوجه آخر وتقريبه ان قصد التقرب في الأحكام الشرعية لما كان منوطا بالجزم بالامر الشرعي الباعث على الاتيان كان للشارع تقييد القربة المعتبرة في المأمور به بالقرب الناشئ عن خصوص الجزم الناشئ من الأدلة السمعية لا مطلقا فحينئذ تصح مقالة الاخباري من عدم العبرة بالقطع الناشئ من المقدمات العقلية ، مؤيدا بما ورد من النصوص بعدم الثواب على الأعمال التي لم تكن بدلالة ولى الله الظاهرة في كون عدم المثوبة من جهة الاخلال بقصد القربة ( أقول ) ولا يخفى ان هذا التوجيه وان كان وجيها في نفسه ولا يرد عليه اشكال امتناع ردع الشارع عن العمل على وفق القطع الناشئ عن غير الأدلة السمعية لخروجه في الحقيقة عن مفروض البحث الذي هو القطع الطريقي ( ولكن ) يرد عليه مضافا إلى اختصاصه بالتكاليف العبادية وعدم جريانه في كلية التكاليف ، انه لا دليل على التقييد المزبور في العبادات لو لم نقل بظهور أدلة اعتبار قصد القربة في كفاية مطلق القرب الناشئ ولو من الجزم الناشي من الطرق العقلية ، واما التأييد المزبور فقد عرفت ان هذه النصوص ، بين ما يكون في مقام اعتبار شرطية الولاية في أصل صحة الأعمال ، وبين ما يكون في مقام النهى عن الخوض في الأقيسة والاستحسانات العقلية الظنية كما عليه العامة ( وحينئذ ) فأحسن التوجيهات لمقالتهم هو ما ذكرناه أولا من تعليقية حكم العقل في وجوب اتباع القطع على عدم ردع الشارع عن خلافه كما ربما يؤيده كلام المحدث البحراني قدس سره في ترجيح للنقل على العقل عند تعارض القطعين وتأييد أحدهما بالنقلي فتأمل
نهاية الافكار ـ الجزء الثالث ::: فهرس