نهاية الافكار ـ الجزء الثالث ::: 361 ـ 375
(361)
( مع أن القائل المزبور على مختاره من القول بالاقتضاء لا يحتاج في الحكم بطهارة الملاقي بالكسر إلى اتعاب النفس لاسقاط العلم بالمسبب عن التأثير ، فإنه على مبناه من جعل منشأ سقوط الأصول في أطراف العلم هي المعارضة يجرى الأصل المسببي في الملاقي بالكسر بلا معاوض لسقوط أصالة الطهارة الجارية في طرفه في المرتبة السابقة بمعارضتها مع أصالة الطهارة الجارية في السبب وهو الملاقى ( نعم ) بناء على علية العلم الاجمالي ومنعه عن جريان الأصل ولو في طرف واحد يحتاج الحكم بطهارة الملاقي إلى دعوى انحلال علمه بالعلم المتأخر بالتكليف بين الملاقى بالفتح والطرف ( ولكنك ) عرفت انه لا سبيل إلى دعواه ، وانه لابد بمقتضى قواعد العلم الاجمالي من تخصيص التنجيز بالعلم بالتكليف بين الملاقي والطرف ، لأنه بسبقه رتبة على العلم بالملاقي بالفتح يؤثر في التنجيز في الرتبة السابقة فلا يبقى بعد مجال لتأثير العلم اللاحق رتبة لأنه انما يتحقق في رتبة غير قابلة للتأثير فيرجع الشك بالنسبة إلى الملاقى بالفتح بدويا تجري فيه أصالة الطهارة ( ثم انه بالتأمل ) فيما ذكرناه يظهر الحال في الصورة الثالثة وهي صورة عرضية العلمين كما فرضنا ( فإنه ) بعد عدم اقتضاء سبق المعلوم في أحد العلمين على المعلوم بالعلم الآخر لسبق تنجزه لابد بمقتضى عرضية العلمين وتقارنهما من الاجتناب عن الملاقي والملاقى معا والطرف لتأثير كل من العلمين ـ ح ـ بوروده على غير المنجز أحد طرفيه بمنجز سابق في تنجز متعلقه ، وفى الحقيقة مرجع ذين العلمين إلى علم واحد بالتكليف المردد بين تكليف واحد في طرف وتكليفين في طرفين آخرين ومقتضاه هو وجوب الاجتناب عن الجميع ( هذا كله ) بناء على كون نجاسة الملاقي بالكسر في طول نجاسة الملاقى اما بمناط التعبد محضا أو بمناط السراية بمعنى السببية كما هو المختار ( واما بناء ) على عرضية نجاستهما كما هو لازم السراية بمعنى الانبساط والاتساع ( فقد يقال ) بكفاية مجرد العلم الاجمالي بنجاسة الملاقى والطرف في وجوب الاجتناب عن الملاقى بالكسر بلا حاجة إلى كونه بنفسه طرفا للعلم الاجمالي ، لأنه على هذا تكون نجاسته من شؤون نجاسة الملاقى بالفتح بل عين نجاسته فيكفي في وجوب الاجتناب عنه بمجرد العلم بنجاسة الملاقى والطرف ( ولا يخفى ) ما فيه فإنه وان كان نجاسة الملاقي بناء على الانبساط مرتبة من نجاسة الملاقى بالفتح ، ولكنه بعد أن كان الملاقي معروضا مستقلا للنجاسة لابد وأن يكون التكليف المتولد من نجاسته أيضا تكليفا مستقلا في عرض التكليف المتولد من نجاسة الملاقي ومع تعدد


(362)
تكليفهما لا محيص في تنجز كل تكليف من العلم به مستقلا فلا معنى لدعوى كفاية العلم بالتكليف بين الملاقي والطرف في تنجز التكليف بالملاقى ولو مع عدم كونه بنفسه طرفا للعلم الاجمالي كما هو ظاهر وحينئذ فلا محيص في وجوب الاجتناب عن الملاقي بالكسر من فرض وقوعه بنفسه طرفا للعلم الاجمالي ليدخل بذلك في صغرى العلم الاجمالي اما بتكليف واحد في طرف أو تكليفين في طرفين آخرين ( ثم انه بما ذكرنا كله ) ظهر حال النماء والمنفعة بالنسبة إلى ذي النماء والعين على كل من فرضي كون ملك النماء والمنفعة في طول ملك العين بحيث اخذ ملكية العين علة لملك النماء والمنفعة أو في عرض ملك العين بحيث كان تبعيتهما للعين بحسب الوجود محضا لا بحسب الملكية أيضا ، فإذا كانت الشجرة المثمرة طرفا للعلم الاجمالي بالغصب يجري في الشجرة وثمرتها جميع ما ذكرناه في الملاقى والملاقي حرفا بحرف ( تذييل ) لبعض الأجلة من المعاصرين قده اشكال على من خصص وجوب الاجتناب بالملاقى بالفتح والطرف دون الملافي بالكسر بتقريب ان التكليف بالملاقى وان كان جائيا من قبل التكليف بالملاقى وبذلك تكون رتبة الأصل الجاري في السبب وهو الملاقى بالفتح متقدمة على الأصل الجاري في الملاقي ولا تصل النوبة إليه مع جريان الأصل السببي ، الا انه بعد سقوط أصالة الطهارة في الملاقى بمعارضتها مع أصالة الطهارة الجارية في الطرف ينتهي الامر إلى أصل مسببي آخر وهي أصالة الحلية من جهة سببية الشك في حلية كل من الملاقى والطرف عن الشك في طهارته ، وحيث إن هذا الأصل في عرض أصالة الطهارة الجارية في الملاقي بالكسر فلا محالة في هذه المرتبة تسقط الأصول الثلاثة ، وبعد سقوطها تصل النوبة إلى أصالة الحلية في الملاقي بالكسر لسقوط معارضها وهي أصالة الحلية في الطرف في المرتبة السابقة فيلزم الحكم حينئذ بجواز شربه مع عدم صحة الوضوء به ونحوه مما هو مشروط بطهارته ، مع أن هذا التفكيك مما لا قائل به فان كل من قال بجواز شربه قال بصحة الوضوء به لأصالة طهارته ( ولا يخفى عليك ) انه على المختار من علية العلم الاجمالي ومانعيته عن جريان الأصل النافي ولو بلا معارض لا وقع لهذا الاشكال ، فإنه بتأثير العلم السابق بنجاسة الملاقى بالفتح أو الطرف لا مجال لجريان شيء من الأصول الجارية في الطرف حتى أصالة الحلية ولو على فرض خلوها عن المعارض ومعه لا تجري أصالة الحلية في الطرف كي تصلح للمعارضة مع أصالة الطهارة في الملاقي بالكسر فتجري حينئذ أصالة الطهارة في الملاقي لرجوع الشك في نجاسته


(363)
إلى الشك البدري ( نعم ، بناء على مسلك اقتضاء العلم وحصر سقوط الأصول بالمعارضة لا مناص عن الاشكال المزبور ، ولا يجديه أيضا دعوى انحلال العلم الاجمالي بين الملاقي والطرف وسقوطه عن التأثير بتأثير العلم السابق بالتكليف بين الملاقى بالفتح والطرف ، لان مناط سقوط الأصول على هذا المسلك انما هي المعارضة ، فمع تحقق المعارضة بين أصالة الطهارة في الملاقي وأصالة الحلية في الملاقى والطرف لا محيص من جريان أصالة الحلية في الملاقي فيتوجه شبهة التفكيك المزبور.
    ( فرعان ) الأول لو فقد الملاقى بالفتح فان كان ذلك بعد العلم الاجمالي بنجاسته أو المشتبه الآخر فلا اثر لفقده بالنسبة إلى ملاقيه ( واما لو كان ) ذلك قبل العلم الاجمالي كما إذا حصل الملاقاة وفقد الملاقى بالفتح ثم حصل العلم الاجمالي اما بنجاسة المفقود أو المشتبه الاخر ، فعلى مسلك علية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية لا اشكال في وجوب الاجتناب عن ملاقيه للعلم الاجمالي بالتكليف بينه والطرف وعدم ما يوجب منعه عن التأثير من أصل أو قاعدة اشتغال مثبت للتكليف في بعض أطرافه بعد انعزال العلم الاجمالي السابق بين الملاقى بالفتح والطرف عن التأثير بحدوثه بعد خروج بعض أطرافه عن الابتلاء ( واما على مسلك ) الاقتضاء فقد يقال بقيام ملاقيه مقامه في وجوب الاجتناب نظرا إلى معارضة الأصل الجاري فيه مع الأصل الجاري في الطرف بعد عدم جريانه في المفقود والخارج عن الابتلاء ( وفيه ان ) عدم جريان الأصل في التالف أو الخارج عن الابتلاء انما هو بالنسبة إلى اثره الخارج عن مورد ابتلاء المكلف فعلا من نحو حرمة ارتكابه ووجوب الاجتناب عنه ، واما بالنسبة إلى اثره المبتلى به فعلا كنجاسة ملاقيه فلا باس بجريان الأصل فيهما بلحاظ هذا الأثر ، ولذا ترى بنائهم على اجراء أصالة الطهارة في الماء التالف فعلا عند الابتلاء بأثره من نحو صحة الوضوء به وطهارة البدن والثوب المغسول به بلا التفات منهم إلى الأصول الجارية في نفس الأمور المزبورة ( وعليه نقول ) انه بعد أن كان نجاسة الملاقي بالكسر ووجوب الاجتناب عنه من آثار نجاسة الملاقي بالفتح ، تجرى فيه أصالة الطهارة بلحاظ هذا الأثر ولو في ظرف تلفه وخروجه بنفسه عن الابتلاء ، فتعارض أصالة الطهارة الجارية في المشتبه الاخر وبعد سقوطهما تصل النوبة إلى الأصل


(364)
الجاري في المسبب وهو الملاقي بالكسر ، فتجري فيه أصالة الطهارة لسقوط معارضها في المرتبة السابقة بالمعارضة مع الأصل الجاري في الملاقى بالفتح كما في في صورة عدم فقده ( واما توهم ) ان المجعول في الملاقي بالكسر لا يكون الا طهارة واحدة لا طهارتان لامتناع جعل طهارتين لشئ واحد ومع سقوطها بالمعارضة مع الأصل في الطرف لا يبقى مجال لجريانها ثانيا في الملاقي ( فمدفوع ) بان الممتنع انما هو جعل طهارتين لشئ في عرض واحد واما جعل الطهارتين الطوليتين إحداهما من حيث نفسه والأخرى من حيث سببه بنحو لا يكاد اجتماعهما في مرتبة واحدة بل وزمان واحد ، فلا برهان يقتضى امتناعه ، والا اقتضى المنع عن جريان أصالة الطهارة فيه حتى في ظرف بقاء الملاقى بالفتح ، مع أنه لا يلتزم به المتوهم المزبور أيضا ( ومع الغض ) عن ذلك ، نقول انه بعد أن كان لهذه الطهارة الواحدة المجعولة طريقان أحدهما في مرحلة الدلالة والحجية في طول الاخر بحيث لا تصل النوبة إلى الثاني الا بعد سقوط الأول عن الحجية ولو بالتعارض ، فلا مانع عن الاخذ بالأصل الجاري في الملاقي بعد سقوط الأصل في الطرف بمعارضته مع الأصل الجاري في الملاقى ، لان ذلك هي نتيجة جعل الطريقين الطوليين ، والا لا يجرى الأصل فيه حتى في ظرف وجود الملاقى بالفتح كما هو ظاهر وحينئذ فلا محيص من التفصيل في وجوب الاجتناب عن الملاقى بالكسر عند فقد الملاقى قبل العلم بين المسلكين في العلم الاجمالي ، ولعل اطلاق كلام الشيخ قده بقيام الملاقي بالكسر مقام الملاقى بالفتح عند فقده مبنى على القول بعلية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية كما هو مختاره قده ، والا فعلى القول بالاقتضاء لا وجه لدعوى قيامه مقام التالف ومعارضة الأصل الجاري فيه مع الأصل الجاري في الطرف ، بل اللازم على هذا المسلك هو عدم التفصيل في جريان أصالة الطهارة في المسبب وهو الملاقي بين صورة وجود الملاقى بالفتح وبين صورة فقده أو خروجه عن الابتلاء ( نعم ) انما يتجه التفصيل المزبور بين صورة وجود الملاقى وفقده فيما إذا كان الأصل من الأصول غير التنزيلية ، كاصالة الحلية على وجه ، فإنه بعد عدم جريانها في التالف بعدم صلاحية التالف لجعل الحلية الظاهرية فيه ، ينتهي الامر مع فقده في أصالة الحلية في الملاقي ، فتعارض الأصل الجاري في الطرف ، وبعد تساقطهما يؤثر العلم الاجمالي بينهما اثره ( ثم لا يخفى ) ان ما ذكرنا من وجوب


(365)
الاجتناب عن ملاقي المفقود على العلية ، انما هو في صورة عدم علمه بعود المفقود بعد ذلك وصيرورته مورد ابتلاء المكلف ، والا ففي فرض عوده في زمان يمكن فيه الامتثال لا يجب الاجتناب عن الملاقي من جهة سقوط علمه حينئذ عن التأثير بسبقه بعلم اجمالي آخر وهو العلم بتكليف غير محدود في الطرف أو بتكليف محدود في الملاقى بالفتح ، فإنه بتأثير هذا العلم في التنجيز يخرج العلم بين الملاقي والطرف عن صلاحية المنجزية ، فيرجع الشك بالنسبة إلى الملاقي بدويا تجري فيه أصالة الطهارة كما هو ظاهر ( الثاني ) إذا كان لاحد طرفي العلم الاجمالي اثر واحد وللآخر اثران ولكنه يشك في أن الاثرين عرضيان أو طوليان كما في نجاسة الملاقى والملاقي بناء على الشك في أن نجاسة الملاقي من باب السراية بمعنى الانبساط أو من باب السراية بمعنى الاكتساب أو التعبد ، وكما في ضمان المنافع مع الشك في كونه في عرض ضمان العين بلحاظ ان اليد على العين يد على العين والمنفعة ، أو في طول ضمان العين ( فنقول ) ان الصور المتصورة في ذلك ثلاثة ، فإنه تارة يكون الدوران بين العرضية والطولية في كل واحد من الاثرين « وأخرى » يكون احتمال العرضية والطولية في خصوص أحد الاثرين ، واما الاخر فلا يحتمل فيه ذلك ، بل امره يدور بين ان يكون في عرض ذلك الأثر أو في رتبة سابقة عليه ، كما في نجاسة الملاقي والملاقى ، وكما في ضمان المنافع في الأعيان المغصوبة « وثالثة » لا يحتمل العرضية في شيء من الاثرين ، بل الدوران بينهما كان في الطولية خاصة لاحتمال السببية والمسببية في كل منهما كما يفرض ذلك في الملاقي والملاقى بناء على السراية بمعنى السببية فيما لو اشتبه الملاقي بالملاقى ولم يدر أيهما هو الملاقى ( فهذه ) هي الصور المتصورة في المقام ( واما حكمها ) ففي جميع الصور المزبورة على كل واحد من مسلكي العلية والاقتضاء في العلم الاجمالي هو الاحتياط ، وذلك ( واما على مسلك ) الاقتضاء فظاهر ، لان جريان الأصل النافي على هذا المسلك في بعض الأطراف انما هو بمناط السببية والمسببية الموجبة لحكومة أحد الأصلين على الاخر ، ومن الواضح ان ذلك انما يكون في فرض العلم بوجود الحاكم واحرازه بعينه المتوقف على العلم بالطولية بين الاثرين أيضا ، والا فلا يكفي مجرد احتمال وجود الحاكم واقعا في رفع اليد عن أصل المحكوم ، وحينئذ فعند الشك وعدم احراز الحاكم بعينه لابد من الاحتياط للشك في أصل وجود الحاكم ، في


(366)
الصورة الأولى ، والثانية ، وفي تعيينه في الصورة الثالثة ( واما على مسلك ) علية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية فلما عرفت غير مرة من أن جواز الرجوع إلى الأصل النافي ولو في بعض الأطراف انما يكون بانحلال العلم الاجمالي بقيام ما يوجب انحلاله أو بدلية بعض الأطراف تعيينا عن الواقع ، ومن الواضح انه لابد في ذلك من العلم بالانحلال وجعل البدل ووصولهما إلى المكلف ، والا فلا يكفي مجرد احتمالهما في رفع اليد عما يقتضيه العلم الاجمالي من لزوم الاحتياط كما هو ظاهر ( وكيف كان ) فهذا كله في الشبهة الموضوعية التحريمية ( واما الشبهة ) الحكمية فيعلم حكمهما مما ذكرنا في الشبهة الموضوعية ، حيث يجرى فيها جميع ما ذكرناه من منجزية العلم الاجمالي وعليته لوجوب الموافقة القطعية حرفا بحرف فلا يحتاج إلى إعادة البحث فيها ( هذا كله ) إذا كان الحرام المشتبه مرددا بين المتبائنين ( واما ) إذا كان مرددا بين الأقل والأكثر فسيتضح حكمه انشاء الله تعالى في طي الشبهة الوجوبية

    ، وفيها مقامان ( الأول ) فيما إذا كان الواجب مرددا بين أمرين متباينين كما لو تردد الامر بين وجوب الظهر والجمعة في يوم الجمعة ، وبين القصر والاتمام في رأس أربعة فراسخ ، ونحو ذلك ( والأقوى ) فيها وجوب الاحتياط بالموافقة القطعية ، لعين ما تقدم في الشبهة التحريمية من منجزية العلم الاجمالي وعليته بحكم العقل لحرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية على وجه يمنع عن مجيء الترخيص الظاهري على خلاف التكليف المعلوم بالاجمال ولو في بعض الأطراف ، الا إذا كان هناك ما يوجب انحلال العلم الاجمالي أو بدلية بعض الأطراف عن الواقع من أصل موضوعي أو حكمي مثبت للتكليف في بعض الأطراف ، من غير فرق في ذلك كله بين كون الشبهة موضوعية ، أو حكمية ، ولا في الثاني بين كون منشأ الاشتباه هو فقد نص المعتبر ، أو اجماله ، أو تعارض النصين ( نعم ، في فرض تعارض النصين يكون الحكم هو التخيير في الاخذ بأحد الخبرين ، للنصوص الامرة في التخيير في الاخذ بأحدهما فيخرج مثل هذه الصورة عما هو معقد البحث في العلم الاجمالي ( نعم ، يدخل في المقصد تعارض الآيتين والاجماعين المنقولين


(367)
بناء على عدم الحاقهما بالخبرين المتعارضين في الحكم المزبور كما هو التحقيق أيضا ، فيرجع فيهما بعد التساقط إلى قواعد العلم الاجمالي ( ثم انه قد يتمسك ) بالاستصحاب لوجوب الاتيان بالمحتمل الاخر عند الاتيان بأحد المحتملين ، اما مطلقا ، أو في مورد لم يكن هناك قاعدة اشتغال ، كما لو حدث العلم الاجمالي بوجوب أحد الامرين بعد الاتيان بأحدهما ، وذلك تارة باجرائه في الموضوع باستصحاب عدم الاتيان بما هو الواجب المعلوم في البين ، وأخرى في الحكم باستصحاب بقاء وجوب ما وجب سابقا وعدم سقوطه بفعل أحدهما ، نظرا إلى تمامية أركانه فيهما من اليقين السابق والشك اللاحق ( ولكن فيه ما لا يخفى ) اما الأول ، فهو وان تم فيه أركان الاستصحاب لتعلق الشك بعين ما تعلق به اليقين السابق وهو العنوان الاجمالي المعبر عنه بأحد الامرين ، الا ان الاشكال فيه انما هو من جهة عدم تعلق اليقين والشك بعنوان ذي اثر شرعي ، فان العنوان الذي تعلق به اليقين والشك وهو العنوان الاجمالي لا يكون بهذا العنوان مما له الأثر الشرعي حتى يصح التعبد ببقائه ، وماله الأثر الشرعي انما هي العناوين التفصيلية كعنوان صلاة الظهر والجمعة والقصر والاتمام ، ومثل هذه العناوين مما اختل فيه أحد ركني الاستصحاب من اليقين السابق أو الشك اللاحق ( وبهذه الجهة ) نقول أيضا بعدم جريان الاستصحاب في الفرد المردد ، ولا في المفهوم المجمل المردد بين الأقل والأكثر كعنوان الرضاع المحرم ( لان ) ما هو مشكوك البقاء لا اثر له وما له الأثر وهو العنوان التفصيلي مردد بين ما هو متيقن الارتفاع وما هو متيقن البقاء « فعلى كل حال » لا يجرى الاستصحاب ، اما لفقد الأثر ، واما لاختلال أحد ركني الاستصحاب وهو الشك في البقاء ( ولا يقاس ) المقام بباب استصحاب الكلى والقدر المشترك بين الفردين كاستصحاب الحدث المردد بين الأكبر والأصغر ، للفرق الواضح بين المقام وما هناك ، حيث إن الكلى بنفسه موضوع للأثر الشرعي فيجري فيه الاستصحاب ـ بخلاف المقام ـ فإنه ليس لذلك العنوان المعلوم بالاجمال وهي الصلاة المرددة بين القصر والاتمام أو الظهر والجمعة اثر شرعي بهذا العنوان حتى يصح التعبد ببقائه بلحاظه وهو واضح ( نعم لو اغمض عما ذكرنا ) وقلنا بكفاية مرأتية عنوان المشكوك بقائه لما له الأثر الشرعي في صحة التعبد ببقائه ـ لا يرد عليه ما عن بعض الاعلام من الاشكال باستلزامه التعبد بما هو معلوم


(368)
البقاء وما هو معلوم العدم ـ من جهة ان معنى استصحاب الفرد المردد انما هو التعبد ببقاء الفرد الحادث على ما هو عليه من الترديد وهو يقتضي الحكم ببقاء الحادث على كل تقدير سواء كان هو الفرد الباقي أو الزائل ـ وهو ينافي العلم بارتفاع الحادث على تقدير وبقائه على تقدير آخر ( حيث إن الاشكال ) المزبور مبني على سراية اليقين والشك من متعلقه الذي هو العنوان الاجمالي إلى العناوين التفصيلية ـ والا فبناء على وقوفهما على نفس العنوان الاجمالي كما هو التحقيق بشهادة اجتماع اليقين الاجمالي بالشيء مع الشك التفصيلي بالنسبة إلى خصوصيات الأطراف ـ فلا يقتضي استصحاب الفرد المردد أيضا الا التعبد ببقاء ما هو المعلوم سابقا من دون تعديه إلى العناوين التفصيلية ( كيف ) وان التعبد الاستصحابي انما هو تابع شكه وبعد عدم تعدي الشك عن مورده الذي هو متعلق اليقين الاجمالي إلى العناوين التفصيلية لا يكاد يتعدى التعبد بالبقاء أيضا عن مورد شكه ـ كي يقتضى ابقاء كل واحد من الطرفين المعلوم تفصيلا بقاء أحدهما وارتفاع الاخر وحينئذ فالعمدة في الاشكال على الاستصحاب المزبور هو ما ذكرناه ـ فتدبر ( هذا كله ) في استصحاب الموضوع ( واما استصحاب ) الحكم والتكليف المعلوم وجوده في البين ( فان ) أريد به استصحاب شخص التكليف المعلوم بالاجمال بما هو مردد بين الوجوب المتعلق بالظهر أو الجمعة ( يتوجه عليه ) الاشكال المتقدم من عدم كون المستصحب بهذا العنوان الاجمالي اثرا شرعيا كي يجري فيه الاستصحاب ( وان أريد ) به استصحاب الكلى والقدر المشترك بين ما هو مقطوع البقاء وما هو مقطوع الارتفاع ـ ( فله ) وجه بناء ـ على أن نتيجة استصحاب الحكم والتكليف عبارة عن جعل المماثل ـ حيث إنه بعد عدم امكان جعل الجامع الا في ضمن الفصل والخصوصية أمكن اثبات خصوص وجوب الفرد الباقي بالاستصحاب المزبور ـ لأنها حينئذ تكون من اللوازم العقلية لمطلق وجود الكلى والجامع ولو ظاهرا ـ لا انها من لوازم خصوص الواقع كي يرد عليه اشكال المثبتية ـ وبعد عدم امكان كون فصله هي الخصوصية المرتفعة فبالاستصحاب المزبور بتعين خصوص وجوب الباقي ـ وبذلك لا يبقى مجال لجريان قاعدة الاشتغال من جهة ورود الاستصحاب عليها لكونه بيانا ورافعا لموضوعها كما في استصحاب شخص التكليف في موردها وهو ظاهر ( نعم ) بناء على المختار من كون نتيجة الاستصحاب سواء في الحكم أو الموضوع عبارة عن مجرد الامر بالمعاملة مع المشكوك


(369)
معاملة المتيقن في لزوم الجري العملي على وفقه بلا جعل حكم في البين « يتوجه عليه » اشكال المثبت على تقدير إرادة اثبات وجوب الفرد الباقي ، كما أنه على تقدير عدم اثبات ذلك يتوجه عليه محذور لغوية الاستصحاب المزبور « لوضوح » انه انما يجري استصحاب الجامع في صورة الجزم بترتب الأثر العملي عليه ، وهذا انما يكون في ظرف اليقين بان المورد مورد عمله وامتثاله واحراز انه مصداق للجامع ، والا فمع الشك فيه كما في المقام لم يحرز لهذا الجعل اثر عملي فلا يجري الاستصحاب كي يقتضى وجوب الاتيان بالمحتمل الاخر ، وان لم يكن في البين قاعدة اشتغال أيضا كما هو ظاهر.
    « وينبغي التنبيه على أمور » الأول ( قد يقال ) بعدم وجوب الاحتياط في موارد الشبهة الموضوعية في الشرائط والموانع كالقبلة والساتر وما يصح السجود عليه ـ بدعوى سقوط الشرطية عند الاشتباه وحكي عن الحلي قده الحكم بوجوب الصلاة عاريا عند اشتباه الساتر الطاهر بالنجس لسقوط وجوب الستر حينئذ ـ ولم يعلم وجه لسقوط الشرطية بمجرد الجهل بالموضوع وتردده بين أمور محصورة ـ الا إذا استفيد من دليل الشرطية اختصاصها بصورة العلم بموضوعها تفصيلا ـ والا فعلى فرض اطلاق أدلتها ـ لا محيص بمقتضى العلم الاجمالي من الاحتياط وتكرار الصلاة ( نعم ) في فرض اشتباه الساتر الطاهر بالنجس ـ أمكن دعوى سقوط الشرطية حينئذ لأهمية حيث مانعية النجاسة من شرطية الساتر في الصلاة ـ كما هو ذلك في فرض انحصار الساتر بالنجس ـ حيث إنه أفتى جماعة ـ بل قيل إنه المشهور بوجوب الصلاة عاريا ـ فيقال حينئذ ان لزوم ترك لبسهما في الصلاة بمقتضى العلم الاجمالي مستتبع لعدم القدرة على الساتر وهو موجب لسقوط شرطيته عند الاشتباه بالنجس ( ولعله ) إلى ذلك أيضا نظر الحلي قده في مصيره إلى الغاء شرطية الستر ووجوب الصلاة عاريا ـ لا انه من جهة استفادة اختصاص الشرطية من دليل الشرط بصورة العلم التفصيلي بطهارة الثوب ( ولكن ) مثل هذا الكلام انما يتم في صورة ضيق الوقت بحيث لا يفي الا لصلاة واحدة ـ واما مع سعة الوقت والتمكن من تكرار الصلاة فيهما ـ فلا مجال لهذه المزاحمة ـ بعد امكان حفظ كل من شرطية الستر ومانعية النجاسة بتكرار الصلاة فيهما ـ اللهم الا ان يكون نظر الحلي قده في حكمه بوجوب الصلاة


(370)
عاريا إلى تقديم اعتبار الامتثال التفصيلي في العبادة على شرطية الستر ـ كما يكشف عنه حكمه بعدم جواز الاكتفاء بالاحتياط إذا توقف على تكرار العبادة حتى مع عدم التمكن من الامتثال التفصيلي ( ولكن ) سيجيء ما فيه انشاء الله تعالى.
    ( الثاني ) إذا كان المعلوم بالاجمال من العبادات ، فهل يكفي في صحتها مجرد الاتيان بها بداعي احتمال الامر والمطلوبية كما في الشبهات البدوية المحضة ، أو لا يكتفي بذلك ، بل لابد من قصد امتثال الامر المعلوم بالاجمالي على كل تقدير المتوقف على أن يكون المكلف حال الاتيان بأحد المحتملين قاصدا للاتيان بالمحتمل الآخر أيضا ( فيه وجهان ) مبنيان على المسلكين في مبحث قصد القربة من البراءة والاشتغال في نحو هذه القيود غير المأخوذة في متعلق الامر « فعلى القول بالبرائة هناك كما هو المختار » يجوز الاكتفاء في المقام بداعي احتمال الامر في الخروج عن العهدة كما في موارد الشبهات البدوية ولا يعتبر في صحة الماتى به ان يكون حال الاتيان به قاصدا للاتيان بالمحتمل الاخر بل يصح ذلك ويحصل الامتثال به على على تقدير تعلق الامر به واقعا ولو كان قاصدا لعدم الاتيان بالمحتمل الآخر ( واما على القول ) بالاشتغال فلابد في صحة المأتي به والخروج عن عهدة الامتثال من قصد امتثال الامر المعلوم بالاجمال على كل تقدير ولا يجوز الاكتفاء بقصد احتمال تعلق الامر به ( ومن العجب ) ان بعض الاعلام قده مع التزامه باعتبار الامتثال الجزمي في العبادة مهما أمكن في حسن الطاعة وتحقق الامتثال وبنائه على الاشتغال في نحو هذه القيود عند الشك في اعتبارها ، التزم في المقام بجواز الاكتفاء بداعي احتمال تعلق الامر بالمأتي به ، نظرا إلى تخيل كون الامتثال احتماليا على كل تقدير ( حيث ) أورد على الشيخ قده القائل بلزوم قصد امتثال الامر المعلوم بالاجمال على كل تقدير في حسن الطاعة والامتثال وعدم جواز الاكتفاء بمجرد قصد احتمال الامر ( بان ) مجرد العلم بتعلق الامر بأحد المحتملين لا يوجب فرقا في كيفية النية في الشبهات بين البدوية والمقرونة بالعلم الاجمالي ، فان الطاعة والامتثال على كل حال لا تكون الا احتماليا ، لأنه لا يتمكن المكلف بأزيد من قصد امتثال الامر الاحتمالي عند الاتيان بكل من المحتملين ، فلا يتوقف تحقق الامتثال في كل منهما على قصد الامر المعلوم بالاجمال ، بل لو اتى المكلف بأحد


(371)
المحتملين من دون ان يكون قاصدا للاتيان بالمحتمل الاخر يحصل الامتثال ( ولا يخفى عليك ) وضوح الفرق بين ان يكون الداعي على الاتيان بالمحتمل احتمال تعلق الامر به ، وبين ان يكون الداعي على الاتيان به هو احتمال انطباق العبادة المعلومة بالاجمال المأتية بداعي امره الجزمي عليه ، فان الانبعاث على الثاني يكون انبعاثا عن الامر الجزمي وان الاحتمال مقدمة لتطبيق ما يدعوه جزما على مورده ، لا ان ما يدعوه إليه هو احتمال الامر والمطلوبية ، بخلاف الأول فإنه انبعاث عن الامر المحتمل بما هو محتمل ، وبعد الالتزام باعتبار الانبعاث الجزمي في صحة العبادة مهما أمكن لا مناص من المصير في المقام إلى لزوم قصد الامر المعلوم بالاجمال في كل من المحتملين المتوقف على كونه حال الاتيان بأحد المحتملين قاصدا للاتيان بالمحتمل الآخر ، فتدبر فيما ذكرنا فإنه دقيق وبالقبول حقيق.
    ( الثالث ) لو كان المعلوم بالاجمال أمرين مترتبين ، كالظهر والعصر المردد بين القصر والاتمام ، أو بين الجهات الأربع عند اشتباه القبلة ، فهل يعتبر في صحة الدخول في محتملات العصر ان يكون بعد استيفاء جميع محتملات الظهر ، أو انه لا يعتبر ذلك ، فيجوز الاتيان ببعض محتملات العصر قبل استيفاء جميع محتملات الظهر بان يأتي بكل واحد من محتملات العصر عقيب فعل كل واحد من محتملات الظهر إلى الجهة التي صلى الظهر إليها بنحو يحصل له اليقين بحصول الترتيب بينهما بعد الاتيان بمجموع محتملات المشتبهين ( فيه وجهان ) قد يقرب الأول من جهة دعوى تقدم رتبة الامتثال التفصيلي مهما أمكن على الامتثال الاجمالي ، ببيان انه كما يجب تقديم الامتثال التفصيلي مع الامكان في موارد اشتباه القبلة واشتباه الثوب الطاهر بالنجس ، فلا يجوز تكرار الصلاة كذلك في المقام ، فإنه بعد اشتراط الترتيب بين الظهرين لابد في مقام الامتثال من احراز تحقق الترتيب حال الاتيان بمحتملات العصر ، ولا يكفي مجرد العلم بتحققه بعد الاتيان بمجموع محتملات المشتبهين بعد امكان رفع الترديد من جهة شرطية الترتيب ، بان يكون شروعه في محتملات العصر بعد القطع بفراغ ذمته عن التكليف بالظهر ( ولكن فيه ) أولا منع تقدم رتبة الامتثال التفصيلي على الامتثال الاجمالي ، بعد كون الثاني كالأول في الخروج عن العهدة ، لعدم تمامية ما أفادوه في وجه تقديم الامتثال التفصيلي كما حققناه في محله


(372)
( ولو سلم ذلك ) فإنما هو إذا كان اهماله موجبا للتردد في أصل الواجب بنحو يلزم منه التكرار في العبادة ، فلا يجري في مثل المقام ـ حيث لا يلزم من اهماله تكرار زائد عما يقتضيه حيث اشتباه القبلة مثلا ـ كي يقال انه كما يجب رفع أصل الترديد مع الامكان ـ كذلك يجب تقليله مهما أمكن « وثالثا » مع الغض عن ذلك ( نقول ) ان ذلك انما ينتج إذا كان المعتبر في الصلاة هو القطع بوقوع محتمل العصرية بما انه محتمل عقيب الظهر الواقعي ( والا ) فبناء على أن المعتبر هو القطع بوقوع العصر الواقعي عقيب الظهر الواقعي ـ فلا يفرق بين الصورتين ( فان الإضافة ) القبلية كما انها مشكوكة في الصورة الثانية حال الاتيان بكل واحد من محتملات العصر ، كذلك تكون مشكوكة في الصورة الأولى ـ نظرا إلى الشك في عصرية المحتمل المأتى به ـ غير أن الفرق بينهما انه في الصورة الثانية يكون الشك في تحقق الإضافة القبلية ناشئا عن الشك في تحقق طرفي الإضافة ، وفي الصورة الأولى يكون الشك فيها ناشئا عن الشك في تحقق طرف واحد وهو عصرية المأتي به ، وهذا المقدار من الفرق غير مجد في التفرقة بينهما ( واما الجزم التقديري ) بتحقق الترتيب بينهما ـ فهو كما أنه حاصل في الصورة الأولى ـ كذلك هو حاصل في الصورة الثانية ـ فإنه على تقدير كون المأتي به عصرا واقعيا يقطع بتحقق الترتيب بينهما ـ من جهة ملازمة عصرية الماتى به واقعا لكون تلك الجهة هي القبلة الملازم لكون الماتى به أولا إلى تلك الجهة بعنوان الظهرية واقعيا ( ولئن شئت قلت ) ان الشك في جميع المحتملات متعلق بالقبلة محضا. والا فمن حيث الترتيب لا شك فيه ولا ترديد بل هو مما يقطع بتحققه في فرض كون القبلة هي الجهة التي صلى الظهرين إليها ، لا ان هناك ترديد ان يتعلق أحدهما بالقبلة ـ والاخر بالترتيب ـ كي يقال بلزوم رفع الجهل والترديد وتقليله مع الامكان ( كيف ) ولازم تعدد الجهل انما هو بقاء أحدهما في فرض ارتفاع الاخر ـ كما في الجهل الحاصل من جهة القبلة واللباس وليس كذلك في المقام ـ فإنه لو فرض ارتفاع الجهل من جهة القبلة لا ترديد من جهة الترتيب وذلك لا من جهة لملازمة ارتفاع الترديد من جهة القبلة لارتفاعه من جهة الترتيب ، بل من جهة عدم كونه بنفسه مع قطع النظر عن الجهل بالقبلة موردا للشك والترديد ( وحينئذ ) فالتحقيق هو الوجه الثاني ـ وهو كفاية فعل بعض


(373)
محتملات الظهر في صحة الشروع في محتملات العصر على نحو يحصل اليقين بحصول الترتيب بينهما بعد الاتيان بمجموع محتملات المشتبهين فتدبر ( هذا كله ) فيما كان الواجب مرددا بين المتبائنين.
المقام الثاني
    في الأقل والأكثر ، وهو اما استقلالي أو ارتباطي ، والفرق بينهما انما هو من جهة وحدة التكليف والغرض في ظرف وجوب الأكثر في الثاني وتعدده في الأول المستتبع لتعدد المثوبة والعقوبة عند الموافقة والمخالفة ، ولتحقق الإطاعة بمجرد الاتيان بالأقل ولو لم يكن في ضمن الأكثر ، بخلاف الارتباطي ، فان امتثال الأقل على فرض وجوب الأكثر منوط بكونه في ضمن الأكثر ( ثم انه لا اشكال ) في جريان البراءة عن الأكثر في الأول ، لانحلال العلم الاجمالي فيه حقيقة حسب انحلال الخطاب إلى خطابات متعددة مستقلة إلى علم تفصيلي بالتكليف بالأقل وشك بدوي في التكليف بالأكثر ، فتجري فيه البراءة عقليها ونقليها ، سواء فيه بين كون الشبهة وجوبية أو تحريمية ، وسواء فيه بين كون منشأ الاشتباه هي الأمور الخارجية وبين كونه فقدان النص ، أو اجماله ، أو تعارض النصين نعم فيه يكون الحكم هو التخيير بمقتضى النصوص الخاصة.
    ( وانما الكلام والاشكال ) في جريانها في الأقل والأكثر الارتباطي « وقبل » الخوض في البحث ينبغي تقديم أمور ( الأول ) ان محل الكلام في المقام ، انما هو إذا كان الأقل بنفس ذاته وحصته المعينة سوى حد الأقلية محفوظا في ضمن الأكثر ، مع كونه من جهة الزيادة مأخوذا على نحو لا بشرط « واما » إذا لم يكن الأقل محفوظا بذاته في ضمن الأكثر ، أو كان مأخوذا من جهة الزيادة على نحو بشرط لا ( فهو خارج ) عن مركز هذا النزاع ، وبذلك يخرج ما كان الدوران فيه بين الطبيعي والحصة كالانسان بالنسبة إلى زيد عن موضوع الأقل والأكثر ، لان الطبيعي باعتبار قابليته للانطباق على حصة أخرى منه المبائنة مع زيد لا تكون محفوظا بمعناه الاطلاقي في ضمن الأكثر ، فيدخل في التعيين والتخيير الراجع إلى المتبائنين ( كما أنه ) يخرج


(374)
باب الدوران بين القصر والاتمام عن موضوع هذا البحث ، فإنه باعتبار اخذ الأقل فيه بشرط لا عن الزيادة داخل في عنوان المتبائنين لتبائن الأقل المحدود بكونه بشرط لا مع الأكثر ( الثاني ) الظاهر هو رجوع هذا النزاع في المقام بين الاعلام إلى بحث صغروي في أن المورد من موارد الشك في التكليف الجاري فيه البراءة ، أو الشك في المكلف به الجاري فيه الاحتياط ، حيث إن هم القائل بالبرائة فيه انما هو اثبات اندراجه في صغري الشك في التكليف ، كما أن هم القائل بالاشتغال اثبات كونه من صغريات الشك في المكلف به الجاري فيه الاحتياط ، لا ان النزاع بينهم كان في أصل الكبرى حتى مع تسليم اندراج المقام في الشك في التكليف أو المكلف به ( كيف ) وهو مع بعده في نفسه ، تنافيه قضية استدلالاتهم في المقام بارجاع الشك في الأكثر إلى الشك في التكليف كما عن القائل بالبرائة ، والى الشك في المكلف به والخروج عن عهدة التكليف كما عن القائل بالاشتغال ( الثالث ) الظاهر أنه لا اختصاص لهذا النزاع بخصوص المركبات ، بل يجري في البسائط أيضا إذا كانت ذات مراتب متفاوتة ( حيث ) ان الامر البسيط باعتبار مراتبه يدخل في عنوان الأقل والأكثر فيجري فيه النزاع ( ولذلك ) قلنا في مبحث الصحيح والأعم انه لا يبتنى النزاع في الصلاة من جهة الوضع للصحيح أو الأعم ، وكذا في مرجعية البراءة ، أو الاشتغال عند الشك في دخل شيء فيها بنحو الشطرية أو الشرطية على خصوص القول بالتركب فيها ، بل يجري فيها كلا النزاعين ولو على البساطة أيضا إذا فرض كونها ذات مراتب مختلفة حاصل كل مرتبة منها من قبل جزء أو شرط ( لان ) مرجع الشك في مدخلية شيء بنحو الجزئية أو الشرطية إلى الشك في التكليف بالنسبة إلى تلك المرتبة المتحققة من قبل المشكوك فيه على تقدير دخله ، فيرجع إلى الأقل والأكثر ( نعم ) انما لا يجري هذا النزاع إذا كان البسيط أمرا وحدانيا غير مختلف المراتب ، كما أنه عليه لا يجري النزاع المعروف هناك من حيث الوضع للصحيح أو الأعم ، لدورانه حينئذ بين الوجود والعدم ، فلا يتصور له وجود يتصف بالصحة تارة ، وبالفساد أخرى حتى يجري فيه النزاع من حيث الوضع للصحيح أو الأعم كما هو ظاهر « وبعد ما عرفت ذلك » ( نقول ) ان للأقل والأكثر اقسام كثيرة


(375)
( فان ) الترديد بين الأقل والأكثر ، اما ان يكون في نفس المأمور به أعني فعل المكلف وتركه المطالب به أو لمتعلقه فيما كان لمعروض التكليف تعلق بموضوع خارجي ، واما ان يكون في الأسباب والمحصلات الشرعية أو العقلية والعادية ( وعلى التقديرين ) تارة يكون الأقل والأكثر من قبيل الجزء والكل ( وأخرى ) يكون من قبيل الشرط والمشروط ، ( وثالثة ) يكون من قبيل الجنس والنوع ، ثم ما كان من قبيل الشرط والمشروط ، ( تارة ) يكون منشأ انتزاع الشرطية أمرا خارجا عن المشروط مغايرا معه في الوجود خارجا كالطهارة والستر بالنسبة إلى الصلاة ( وأخرى ) يكون متحدا مع المشروط وقائما به نظير قيام العرض بمعروضه كما في جميع المحمولات بالضميمة ( وعلى التقادير ) تارة تكون الشبهة وجوبية ( وأخرى ) تحريمية ومنشأ الاشتباه ، اما ان يكون هو فقد النص المعتبر واما اجماله ـ أو تعارضه ، ورابعة الأمور الخارجية ( ولنقدم الكلام ) في القسم الأول من الصورة الأولى وهو ما يكون الترديد بين الأقل والأكثر في اجزاء المركب المأمور به كالشك في جزئية السورة أو جلسة الاستراحة للصلاة ( فنقول ) انه اختلف فيه كلماتهم على أقوال ثلاثة ( أحدها ) البراءة عقلا ونقلا ( وثانيها ) الاحتياط كذلك ( وثالثها ) الاحتياط عقلا والبرائة نقلا ( ولكن المختار ) هو القول الأول وتوضيح المرام يستدعي تقديم أمور.
    ( الأول ) في أن الاجزاء في المركبات هل هي مقدمة للكل والمركب بحيث كان فيها ملاك المقدمية
( وعلى فرض ) تحقق ملاك المقدمية فيها لتحقق المركب الاعتباري ، هل يمكن ان تتصف بالوجوب الغيري علاوة عن اتصافها بالوجوب النفسي ( فنقول ) الذي يظهر منهم في مبحث مقدمه الواجب من تقسيمهم المقدمة إلى الداخلية والخارجية وعدهم الاجزاء من قبيل الأول الذي يكون دخله في أصل حقيقة الشيء وماهيته هو القول بمقدمية الاجزاء للمركبات ودخولها في حريم النزاع ( وغاية ) ما قيل أو يمكن ان يقال في وجه ذلك ، هو دعوى ان الاجراء عبارة عن ذوات الاجزاء لا بشرط من حيث الانضمام إلى الأكثر والمركب عبارة عن الذوات المزبورة بشرط الاجتماع بنحو كان لوصف الاجتماع الطارئ عليها دخل في المركب نظير الهيئة الخاصة في
نهاية الافكار ـ الجزء الثالث ::: فهرس