نهاية الافكار ـ الجزء الثالث ::: 376 ـ 390
(376)
السرير في المركب الخارجي الحاصلة من انضمام ذوات الأخشاب بعضها ببعض على هيئة مخصوصة فذوات الاجزاء حينئذ بملاحظة كونها وجودات مستقلة معروضة للهيئة الاجتماعية المقومة للكل والمركب متقدمة طبعا على الكل والمركب وبذلك تكون فيها ملاك المقدمية للمركب ، وباعتبار كونها وجودات ضمنية للمركب تكون عين الكل والمركب ( وبهذين ) الاعتبارين يقرب أيضا وجه صحة عروض الوجوب الغيري والنفسي عليها ولو مع اتحادها مع المركب في الخارج ( وذلك أيضا ) بضميمة ما مر منا مرارا من كون معروض الإرادة والكراهة وغيرهما من الصفات القائمة بالنفس هي الصور الحاكية عن الخارج بنحو لا يلتفت إلى ذهنيتها في ظرف وجودها ، مع عدم تعديها من الصور إلى الموجود الخارجي ، إذ الخارج ظرف اتصافه بها ، لا ظرف عروضها ، لان ظرف عروضها لا يكون الا الذهن ( فيقال ) حينئذ انه بعد تغاير هذين الاعتبارين في الذهن ووقوف الطلب على نفس العناوين والصور ، لا مانع من اتصاف الاجزاء بأحد الاعتبارين بالوجوب الغيري وبالاعتبار الاخر للوجوب النفسي الضمني ـ فان ـ المتصور في الذهن بهذين الاعتبارين صورتان متغايرتان غير الصادق إحداهما على الأخرى ـ نعم ـ بناء على تعلق الاحكام بالخارج اما بدوا أو بالسراية بتوسيط الصور ، يستحيل اتصاف الاجزاء بالوجوبين لكونه من اجتماع المثلين الذي هو في الاستحالة ، كاجتماع الضدين ، وفى مثله لا مجال لتوهم التأكد أيضا ـ لأنه ـ انما يصح إذا كان الحكمان في عرض واحد ومرتبة فأرده ، لا فيمثل المقام الذي كان أحد الحكمين معلولا للاخر وفي مرتبة متأخرة عنه ـ فان ـ تأخر أحد الحكمين حينئذ رتبة يمنع عن التأكد كما هو ظاهر ـ ولكن ـ أصل المبنى فاسد جدا ، لما عرفت مرارا من أن معروض الاحكام انما هي العناوين والصور ، وعليه يتجه اتصافها بالوجوب الغيري والنفسي ، هذا ( ولكن لا يخفى عليك ) فساد القول بمقدمية الاجزاء فان مناط مقدمية شيء لشئ ليس الا كونه مما يتوقف عليه وجود الشيء وفي رتبة سابقة عليه بنحو يتخلل بينهما الفاء في قولك وجد فوجد على ما هو الشأن في كل علة باجزائها بالنسبة إلى المعلول ـ ومن الواضح ـ استتباع ذلك للمغايرة والا ثنينية بين المقدمة وذيها في الوجود علاوة عن اختلافهما مرتبة ، والا فبدونه لا يكاد يصح انتزاع هذا العنوان عن


(377)
الشئ وبعد ذلك ، نقول انه من الواضح عدم تحقق هذا المناط بالنسبة إلى اجزاء المركب ، فإنها باعتبار كونها عين المركب بحسب الهوية والوجود لا يكاد يتصور فيها ملاك المقدمية ، ولو على القول بان المركب عبارة عن الاجزاء مع وصف الاجتماع ، لان لازم ذلك هو دخول الاجزاء في المركب وعينية وجودها مع وجوده ، غاية الامر على نحو الضمنية ـ لا الاستقلالية ـ ولازمه انتفاء ملاك المقدمية فيها أعني استقلال كل من المقدمة وذيها في الوجود وتقدمها على ذيها رتبة ـ نعم ـ لازم ذلك هو تقدم بعض اجزاء المركب على البعض الاخر وهو الجزء الصوري أعني وصف الاجتماع ، نظير تقدم ذوات أخشاب السرير على الهيئة السريرية العارضة عليها ـ وذلك غير مرتبط بمقدمية الاجزاء للمركب ـ لان المركب حينئذ عبارة عن الاجزاء الخارجية مع الجزء الصوري ـ لا انه عبارة عن خصوص الجزء الصوري والهيئة الاجتماعية ـ والا يلزم خروج الاجزاء عن كونها مقدمات داخلية ـ لاندراجها حينئذ في المقدمات الخارجية ، نظير الطهارة والستر والقبلة بالنسبة إلى الصلاة ـ وهو خلف ـ على أنه ـ من الواضح انه ليس مناط تركب الواجب بما هو واجب وارتباطه على مثل هذه الوحدة الناشئة عن اجتماع أمور متكثرة تحت هيئة واحدة خارجية ، بل المناط كله في تركب الواجب وارتباط بعض اجزائه بالآخر واستقلاله ، انما هو بوحدة الغرض والتكليف المتعلق بأمور متكثرة وتعددهما ( فإنه ) بقيام تكليف واحد بأمور متكثرة تبعا لوحدة الغرض القائم بها ، ينتزع منها في مرتبة متأخرة عن تعلق الوجوب بها عنوان التركب والارتباط للواجب وعنوان الكلية للمجموع والجزئية لكل واحد منها ولو لم تكن تحت هيئة واحدة خارجية أو غيرها من زمان أو مكان ونحو ذلك ، كما في اطعام ستين مسكينا في الكفارة ( كما أنه ) بتعلق تكاليف متعددة مستقلة وأغراض كذلك بكل واحد منها ، ينتزع منها استقلال كل واحد منها في عالم الواجبية ، فيكون كل واحد واجبا مستقلا ناشئا عن غرض مستقل له امتثال وعصيان مستقل في قبال الاخر ولو مع فرض كونها في الخارج تحت هيئة مخصوصة خارجية كهيئة السير مثلا ، غاية الامر اعتبار كونها تحت هيئة خاصة أوجب تلازم امتثالها خارجا ( ولكن ) مجرد ذلك لا يوجب خروجها عن كونها واجبات مستقلة غير مرتبط أحدها


(378)
بالآخر في عالم واجبيته حتى في فرض دخل الهيئة المخصوصة على نحو الشرطية في تعلق الوجوب بكل واحد منها ، فضلا عن فرض عدم دخلها ( وبمثل هذا البيان ) نفرق بين العام المجموعي والافرادي أيضا ، حيث نقول ان العمدة في الفرق بينهما انما هو من جهة وحدة الحكم المتعلق بالافراد لبا وتعدده على نحو ينحل الحكم الواحد انشاء إلى احكام عديدة مستقلة حسب تعدد الافراد ـ ويكون لكل إطاعة مستقلة وعصيان مستقل ـ لا ان الفرق بينهما من جهة خصوصية في المدخول توجب اختلافا في نحوي العموم كما توهم ، وحينئذ فإذا لم يكن مدار تركب الواجب بما هو واجب واستقلاله الا على وحدة التكليف المتعلق بالمتكثرات الخارجية وتعدده تبعا لوحدة الغرض القائم بها وتعدده ( نقول ) من الواضح انه لابد من تجريد متعلق الوجوب في عالم عروضه عن الارتباط الناشئ من قبل وحدة الوجوب أيضا لاستحالة اعتبار مثل هذا الارتباط والتركب الناشئ من قبل وحده الوجوب في معروضه ( كيف ) وان اعتبار التركب والكلية والجزئية للواجب بما هو واجب انما هو في رتبة متأخرة عن تعلق الوجوب ، وهذه الرتبة لا تكون صقع عروض الوجوب عليها وانما صقع عروضه هي المرتبة السابقة ، وفى هذه المرتبة لا يكون اعتبار الكلية والتركب للواجب كي يتعلق الوجوب بالمركب ( وحينئذ ) فلا يتصور لمتعلق الوجوب تركب وارتباط في في مرحلة عروضه ، كي يبقى مجال توهم مقدمية اجزاء الواجب ، وينتهي الامر إلى البحث عن وجوبها الغيري ، كما هو ظاهر ـ لا يقال ـ ان الممتنع انما هو اخذ الارتباط الناشئ من قبل وحدة التكليف في متعلق نفسه وكذا الارتباط الناشي من قبل اللحاظ والمصلحة في متعلقهما ـ واما اعتبار الوحدة الناشئة من قبل وحدة اللحاظ والمصلحة في متعلق الامر والتكليف ، فلا مانع عنه لامكان تعلق اللحاظ أو لا بما هو المؤثر والمتصف بالمصلحة ، وتعلق الوجوب بما هو المتصف بالملحوظية بهذا العنوان الطاري ، فيكون تركب الواجب وكليته حينئذ بهذا الاعتبار ـ فإنه يقال ـ ان ذلك وان كان ممكنا في نفسه ، ولكنه بهذا العنوان لا يكون معروضا للوجوب وانما معروضه هو ما تقوم به اللحاظ والغرض وهو لا يكون الا نفس المتكثرات الخارجية لكونها هي المؤثرة في الغرض


(379)
والمصلحة ، لا العنوان الطاري عليها من قبل قيام وحدة اللحاظ أو المصلحة بها كما هو ظاهر ، وحينئذ فإذا كان انتزاع تركب الواجب بما هو واجب أو كليته ممحضا بكونه من جهة تعلق وجوب واحد بأمور متكثرة ، فلا يتصور في معروض هذا الوجوب تركب وكلية للواجب كي يصير مركز البحث في مقدمية اجزائه ووجوبها غيريا ( نعم ) لو كانت الوجودات المتكثرة في نفسها تحت هيئة واحدة خارجية كاجزاء السرير مثلا وتعلق وجوب واحد بكل واحد من الذوات مع الهيئة المخصوصة العارضة عليها ، لا بأس بدعوى مقدمية بعض الواجبات الضمنية لواجب ضمني آخر وهي الهيئة المخصوصة ( ولكن ذلك ) مع كونه غير مرتبط بمقام تركب الواجب بما هو واجب ، لا يكاد يصلح هذا المقدار مع وحدة الوجوب المتعلق بالجميع لترشح الوجوب الغيري إليها ( فإنه ) مع وجوب كل واحد من ذوات الاجزاء في الرتبة السابقة بعين وجوب الجزء الاخر يستحيل ترشح الوجوب الغيري إليها ثانيا عما هو متحد مع وجوبها ، ولا مجال في مثله للتأكد أيضا ، لان ذلك انما هو فيما كان الوجوبان في عرض واحد ( نعم ) انما يتجه ذلك فيما لو كان كل واحد من الذوات المزبورة مع الهيئة المعارضة عليها واجبا مستقلا في قبال الاخر ، فإنه مع تعدد الوجوب لا بأس بمقدمية بعض الواجبات المستقلة لواجب آخر مستقل وترشح الوجوب الغيري من ذي المقدمة إلى مقدمته ، حيث إن نتيجة ذلك بعد عرضية الوجوبين انما هو تأكد وجوبه ، ولكن أين ذلك والمقام الذي لا يكون كذلك ، فتدبر.
    « الامر الثاني » لا شبهة في أن من لوازم ارتباطية الواجب ، هو ان يكون دخل كل واحد من ذوات الاجزاء في تحقق الغرض والمصلحة على نحو المؤثرية الضمنية لا الاستقلالية ، كما هو الشأن في جميع العلل المركبة بالنسبة إلى معاليلها ، حيث يكون دخل كل واحد من ذوات اجزاء العلة في تحقق المعلول بنحو المؤثرية الضمنية الراجع إلى مؤثرية كل جزء منها لسد باب عدم المعلول من قبله ( ولازمه ) بعد عدم قابلية الغرض الواحد القائم بذوات الاجزاء للتبعيض عقلا ، وان كان إناطة الغرض في مقام تحققه بتحقق جميع الاجزاء بأسرها ، الملازم لعدم اتصاف شيء من الاجزاء بالوجوب الفعلي والمؤثرية الفعلية الا في ظرف انضمام


(380)
بقية الاجزاء الاخر ، لان بانتفاء بعضها ينتفي الغرض والمصلحة لا محالة ، فلا يكاد اتصاف البقية بالوجوب الفعلي والمؤثرية الفعلية ( ولكنه ) من المعلوم ان عدم اتصافها بذلك ليس من جهة قصورها فيما لها من المؤثرية الضمنية في الغرض والمصلحة ، بل انما يكون ذلك من جهة قصور المصلحة والإرادة المتعلقة بها من جهة ضمنيتها عن الشمول لها حتى في حال انفرادها عن بقية الاجزاء الاخر ، الناشئ ذلك من جهة عدم تحقق الاجزاء الاخر ، نظرا إلى عدم قابلية الإرادة الواحدة والغرض الواحد القائمين بتمام ذوات الاجزاء للتبعيض في مقام التحقق ( كيف ) وان شأن كل جزء أو شرط لا يكون الا سد باب عدم المطلوب من قبله ، ولا اشكال في أنه بتحقق كل جزء يتحقق السد المزبور لا محالة ، الا ان عدم تحقق المطلوب عند عدم انضمام بقية الاجزاء إليه انما يكون من جهة عدم انسداد عدمه من قبل اجزاء غير الماتى بها ، لا انه من جهة القصور في الاجزاء المأتى بها فيما لها من الدخل في تحقق المطلوب ( وتوهم ) رجوعه بالآخرة إلى القصور في الاجزاء المأتي بها في مرحلة اتصافها بالمؤثرية والوجوب الفعلي ، نظرا إلى تخيل تقيد الاجزاء كل واحد منها في مقام الاتصاف بالواجبية والمؤثرية الفعلية بصورة الانضمام ببقية الاجزاء ، ومع عدم تحقق جزء منها لا يكاد تتصف الاجزاء المأتية بالمؤثرية ، لان المؤثر الفعلي في الغرض انما يكون هو المقيد بالانضمام المزبور ، وهو غير متحقق ( مدفوع ) بان معروضية الاجزاء للاتصاف المزبور انما يكون تابعا لمعروضتها للوجوب والمصلحة ، وكما أن في مقام العروض لا يكون معروض الوجوب والمصلحة الا نفس ذوات الاجزاء ، لا انها بما هي متقيدة بالانضمام المزبور ، كذلك فيقام اتصافها بالواجبية والمؤثرية الفعلية في الغرض والمصلحة ( وثانيا ) مع الاغماض عن ذلك ، نقول انه بعد انحلال المقيد إلى الذات والتقيد ، فلا محالة تكون ذوات الجزء الذي هو طرف التقيد على ماله من الشأن في الدخل في تحقق الغرض سواء انضم إليه حيث التقيد المزبور أم لا ، حيث إن عدم تحقق الغرض حينئذ انما كان من جهة فقد التقيد الناشئ من جهة فقد بقية الاجزاء ، لا انه من جهة القصور في الاجزاء المأتى بها ( فعلى كل حال ) يكون انتفاء الغرض وعدم اتصاف الاجزاء الماتى بها بالواجبية والمؤثرية الفعلية مستندا إلى


(381)
فقد بقية الاجزاء ، لا إلى قصور الاجزاء المأتية في عالم مؤثريتها في الغرض ، قلنا بان لحيث التقيد بالانضمام المزبور دخل أيضا في تحقق الغرض أم لا ، بل كان المؤثر في تحققه هو نفس ذوات الاجزاء ، غاية الامر في حال الانضمام على نحو القضية الحينية لا التقييدية.
    « الامر الثالث » لا يخفى ان وصف الأقلية والأكثرية للواجب في المقام انما يكون باعتبار حد التكليف من حيث وقوفه على الأقل أو شموله وانبساطه على الجزء المشكوك ( فمرجع ) الشك في أن الواجب هو الأقل أو الأكثر إلى أن شخص التكليف المنبسط على ذوات الاجزاء هل هو محدود بحد يشمل الجزء المشكوك أو بحد لا يشمله نظير شخص الحظ الذي يشك في أنه محدود بكونه إلى ذراع أو أزيد ( ومن الواضح ) ان هذا المقدار من الحدود المتبادلة لا يوجب اختلافا في ذات الوجوب التي هي مصب حكم العقل بالإطاعة ، ولا في ناحية معروض هذا الوجوب أيضا بحيث يكون الواجب المعروض للوجوب محدودا في الرتبة السابقة عن تعلق الوجوب به بحد القلة أو الكثرة ، بل هو من المستحيل ، بداهة ان طرو حد القلة انما نشاء من ناحية قصور الوجوب تبعا لقصور مقتضيه وهي المصلحة عن الشمول للزائد ، فيستحيل اخذ مثله في معروض هذا الوجوب ( كما أن حد الكثرة ) للأكثر أيضا لا يوجب تقييد الأقل المعروض للوجوب بكونه في ضمن الأكثر كي يختلف حاله بوجوبه استقلالا أو ضمنا ( لان ) مثل هذه الضمنية التي هي منشأ ارتباط الاجزاء بالاجزاء انما جاء من قبل وحدة الغرض والتكليف المتعلق بالجميع ، فيستحيل اخذ مثل هذه الحيثيات الناشئة من قبل الامر والتكليف في متعلقه ( نعم ) هو مانع عن اطلاقه ، فلا يكون الأقل المعروض للوجوب الضمني الا ذات الأقل بنحو الاهمال ، لا مقيدة بقيد الانضمام ولا مطلقة من حيث الانضمام ( كما أنه ) بقصور الوجوب عن الشمول للزائد عند وجوب الأقل لا يكون الواجب في عالم عروض الوجوب عليه الا الذات التوئمة مع حد القلة لا بشرط القلة ولا لا بشرطها ، مع كون الواجب من جهة الانضمام بالزائد خارجا مأخوذا بنحو لا بشرط على معنى عدم اضرار انضمام الزائد بوجوبه ، من غير اعتبار حد القلة فيه خارجا ، والا يدخل في المتبائنين ، كالقصر والاتمام


(382)
فيجب فيه الاحتياط بتكرار العمل خارجا ، تارة باتيان الأقل لا في ضمن أكثر ، وأخرى في ضمنه ، لا الاكتفاء باتيانه في ضمن الأكثر ، كما هو مرام القائل بالاحتياط في المقام ( وحينئذ ) فمتى شك في كون الواجب هو الأقل أو الأكثر لا يكون هذا الشك الا في حد الوجوب محضا في أنه محدود بحد لا يشمل الزائد أو بحد يشمله ، من غير أن يوجب ذلك اختلافا في الأقل المعروض للوجوب استقلالا أو ضمنا ، كي يتردد بذلك بين المتبائنين ، بل ما هو الواجب مستقلا بعينه هو الواجب ضمنا بذاته ومرتبته ، غير أن الامتياز انما هو بشمول الوجوب وانبساطه على الزائد وعدمه ( ومن ذلك ) لا مجال لتشكيل العلم الاجمالي في المقام بالنسبة إلى نفس الواجب وذات التكليف مع قطع النظر عن حد الأقلية والأكثرية إذ لا يكون الامر المردد في المقام من باب مجمع الوجودين كما في المتبائنين حتى يجئ فيه المناط المقرر في العلم الاجمالي من صحة تشكيل قضيتين منفصلتين حقيقيتين في في الطرفين ، وانما يكون ذلك من باب مجمع الحدين ، حيث كان العلم الاجمالي بين حدي الوجوب الطاري بالعرض على معروضه ، والا فبالنسبة إلى ذات الوجوب وحيث وجوده الذي هو مصب حكم العقل بوجوب الإطاعة لا يكون الأعلم تفصيلي بمرتبة من التكليف بالنسبة إلى الأقل وشك بدوي بمرتبة أخرى منه متعلقة بالزائد ، كما هو ظاهر.
    « وإذ عرفت هذه الأمور » يظهر لك انه متى تردد الواجب بين الأقل والأكثر لا قصور في جريان البراءة العقلية عن الأكثر ، لوجود المقتضى وهو الشك وانتفاء المانع وهو العلم الاجمالي ( لما عرفت ) من أن العلم الاجمالي المتصور في المقام انما هو بالنسبة إلى حد التكليف من حيث تردده بين كونه بحد لا يتجاوز عن الأقل أو بحد يتجاوز عنه ويشمل الزائد ـ والا فبالنسبة إلى نفس التكليف والواجب ـ لا يكون من الأول الأعلم تفصيلي بمرتبة من التكليف وشك بدوي محض بمرتبة أخرى منه متعلقة بالزائد ( ولذلك ) نقول ان في تسمية ذلك بالعلم الاجمالي مسامحة واضحة ـ لأنه في الحقيقة لا يكون الا من باب ضم مشكوك بمعلوم تفصيلي ( نعم ) لو كان لحد القلة والكثرة وجهة الارتباط والانضمام دخل في موضوع التكليف بحيث يكون قصور الوجوب عن الشمول للزائد موجبا


(383)
لاختلاف الأقل في عالم معروضيته للوجوب الاستقلالي والضمني ، لكان لدعوى العلم الاجمالي كما عن المحقق صاحب الحاشية قده مجال ، نظرا إلى تردد الواجب حينئذ بين المتبائنين وصيرورته باعتبار تردد الحدود من باب مجمع الوجودين ، فإنه على تقدير كون متعلق التكليف هو الأقل يكون الأقل في عالم عروض الوجوب عليه مأخوذا على نحو لا بشرط عن الزيادة ، وعلى تقدير كون متعلق التكليف هو الأكثر يكون الأقل في عالم تعلق التكليف الضمني به مأخوذا بشرط انضمامه مع الزيادة ، ومع تباين المهية اللا بشرط القسمي للمهية بشرط شيء ، لا محيص بمقتضى العلم الاجمالي من الاحتياط باتيان الأكثر ، ( ولكنك ) عرفت فساده بما مهدناه في المقدمة الثالثة ، من أن مثل هذه الضمنية وجهة ارتباط الاجزاء بالاجزاء انما كانت ناشئة من قبل وحدة الوجوب المتعلق بالجميع ، فلا يصلح مثلها لتقييد الأقل المعروض للوجوب في ضمن الأكثر بكونه منضما بالأكثر ( وعليه ) لا يختلف معروض الوجوب على التقديرين ، بل ما هو الواجب مستقلا بعينه هو الواجب ضمنا عند وجوب الأكثر ، وانما الاختلاف يكون بالنسبة إلى حد وجوبه من حيث تردده بين انبساطه على الزائد وعدمه ( وحينئذ ) فمع الشك في كون الواجب هو الأقل أو الأكثر لا يكون العلم الاجمالي الا بين حد الوجوب خاصة دون نفسه حيث يكون من باب العلم بشخص الوجوب المردد حده بين الحدين المتبادلين ، وبعد وضوح كون مصب حكم العقل بالامتثال والخروج عن العهدة هو ذات التكليف دون حيث حده تجري البراءة العقلية عن التكليف بالأكثر لا محالة من غير أن يمنع عنها هذا العلم الاجمالي كما هو ظاهر ( نعم ) لو اغمض عما ذكرناه ، لا مجال لما عن بعض الأعاظم قده من الاشكال عليه ، تارة بانحلال العلم الاجمالي حينئذ بالعلم التفصيلي بوجوب الأقل على كل حال لكونه هو المتيقن في تعلق الطلب به وانه لا يضر به اختلاف سنخي الطلب من كونه طورا متعلقا بالمهية لا بشرط وطورا بالمهية بشرط شيء ( وأخرى ) بان المهية لا بشرط لا تباين المهية بشرط شيء ، إذ ليس التقابل بينهما من تقابل التضاد حتى يكون التغاير بينهما بالهوية والحقيقة ولا يكون بينهما جامع ، وانما التقابل بينهما من تقابل العدم والملكة ، لان مرجع المهية لا بشرط إلى عدم لحاظ شيء معها ـ لا لحاظ العدم ـ ومعه يكون


(384)
الجامع بينهما نفس المهية ويكون التقابل بينهما بصرف الاعتبار محضا لا بالهوية والحقيقة ( إذ فيه ) اما الاشكال الأول ـ فبأنه مع تسليم اختلاف سخي الطلب وتردد الواجب بين المتبائنين من حيث كونه لا بشرط وبشرط شيء ـ لا مجال لدعوى انحلال العلم الاجمالي بالعلم التفصيلي بمطلق وجوب الأقل ( فان ) هذا العلم التفصيلي لكونه عين العلم الاجمالي المزبور ومتولدا من قبله غير صالح لحله ( واما الاشكال الثاني ) فبمنع كون مرجع المهية لا بشرط إلى مجرد عدم لحاظ شيء معها ـ بل مرجعها ثبوتا انما هو إلى سعة وجودها في مقابل ضيقه ـ ومن الواضح انه ليس التقابل بينها وبين المهية بشرط شيء الا بالهوية والحقيقة ـ لا انه يكون اعتباريا محضا ( نعم ) في مقام الاثبات والدلالة يكفي في إرادة المهية لا بشرط مجرد ارسالها ـ بخلاف المهية بشرط شيء أو بشرط لا ـ فإنه لابد فيها من ذكر القيد والخصوصية ( ثم إن من العجب ) ان القائل المزبور مع استشكاله على صاحب الحاشية بما عرفت ـ اختار القول بالاحتياط العقلي في المقام ـ ولم يفد في تقريب مختاره على ما في التقريرين الا الوجه المتقدم ذكره من المحقق المحشى قده ـ ويا ليت الناظر البصير يبين وجه الفرق بين تقريب مختاره وبين كلام صاحب الحاشية قده ( وكيف كان ) فالتحقيق ما عرفت من أن العلم الاجمالي المتصور في المقام انما هو بين حدي التكليف ( واما ) بالنسبة إلى ذات التكليف التي عليها مدار الإطاعة والامتثال ـ فلا يكون الموجود الأعلم تفصيلي بوجوب الأقل واستحقاق العقوبة على تركه وشك بدوي في أصل وجوب الزائد ـ فتجري فيه البراءة لقبح العقاب بلا بيان واصل ( وتوهم ) استتباع البراءة عن الأكثر على فرض وجوبه لعدم وجوب الأقل أيضا من جهة تبعية الأقل حينئذ للأكثر ثبوتا وسقوطا واشتغالا ـ ومعه لا مقتضى لوجوب الاتيان بالأقل الا على تقدير مشكوك ـ وهو تقدير كون الواجب النفسي هو الأقل ـ وهو أيضا تحت البراءة للشك في وجوبه كذلك ـ ولازمه عدم وجوب الاتيان بالأقل وجواز المخالفة القطعية ( مدفوع ) بأنه لو تم ذلك فإنما هو إذا قيل باقتضاء أصل البراءة نفي التكليف عن الجزء المشكوك واقعا ( والا ) فبناء على عدم اقتضائه الا نفي الالزام عنه ظاهرا في ظرف الشك بالواقع الراجع إلى نفى استحقاق العقوبة على ترك الأكثر في فرض وجوبه واقعا من قبل ترك الجزء المشكوك فيه لكونه من


(385)
هذه الجهة عقابا بلا بيان ، فلا محذور ولا تنافى بين جريان البراءة عن الأكثر وبين وجوب الاتيان بالأقل ( فان ) تبعية الأقل للأكثر انما تكون بحسب الحكم الفعلي لا بحسب التنجز أيضا ( كيف ) وان تنجز كل تكليف لا يكون الا بمقدار قيام البيان عليه لا أزيد ، فوجوب الاتيان بالأقل انما هو من جهة استقلاله في قيام البيان عليه ، حيث إنه يعلم تفصيلا بوجوبه واستحقاق العقوبة على تركه وان لم يعلم أن العقاب لأجل ترك نفسه أو لترك ما هو سبب في تركه ، وأين ذلك والجزء المشكوك الذي لم يقم عليه البيان على فرض وجوبه واقعا ، ومرجع ذلك إلى التفكيك في مجيء الأكثر في العهدة على فرض وجوبه من جهة دون جهة الراجع إلى معذورية المكلف من تركه الناشئ عن ترك الجزء المشكوك لكون العقاب عليه من هذه الجهة عقابا بلا بيان ، دون الترك الناشئ عن ترك الاجزاء المعلومة.
    ( ثم انه ) من التأمل فيما ذكرنا يظهر فساد الوجوه التي استدل بها في المقام لتقريب الاشتغال ( منها ) دعوى العلم الاجمالي بالتكليف النفسي المردد بين تعلقه بالأقل أو الأكثر ، وعدم صلاحية العلم التفصيلي بمطلق وجوب الأقل المردد بين النفسي والغيري لحل العلم الاجمالي ، لكونه معلولا للعلم الاجمالي بالوجوب النفسي بينهما وفي رتبة متأخرة عنه ( فان ) في مثله يكون العلم الاجمالي في الرتبة السابقة مؤثرا في تنجز معلومه في الطرفين ، وبتأثيره لا يبقى مجال لتأثير العلم التفصيلي المتأخر حتى يوجب انحلاله ، ولازمه بحكم العقل هو الاحتياط ووجوب الاتيان بالأكثر ( وتوضيح ) الفساد يظهر بالمراجعة إلى ما ذكرناه في المقدمة الأولى من منع تحقق ملاك المقدمية في اجزاء المركب أولا ، ومنع قابليتها لعروض الوجوب الغيري عليها عما هو متحد مع وجوبها النفسي ثانيا ، بداهة ان الاجزاء باعتبار كونها عين المركب خارجا يكون كل واحد منها بعروض وجوب واحد على الجميع واجبا بوجوب نفسي هو عين وجوب الكل والمركب ، ومع وجوبها كذلك يستحيل ترشح الوجوب الغيري إليها ثانيا مما هو عين وجوبها النفسي ( وما قرع ) سمعك من امكان كون الشيء واجبا بوجوبين النفسي والغيري من جهتين ، فإنما ذلك في فرض تعدد الوجوب النفسي كما في كل واجب نفسي يكون


(386)
هو مقدمة لواجب نفسي آخر ، ونتيجة ذلك هو تأكد وجوبه حينئذ ، لا فيمثل المقام المتحد وجوب الكل والمركب مع وجوب نفس الجزء ، فان في مثله يستحيل ترشح الوجوب الغيري إليها مما هو متحد مع وجوبها ، ولا يكون قابلا للتأكد أيضا ، لأنه فرع عرضية الوجوبين كما هو ظاهر ( وحينئذ ) فبعد كون الاجزاء واجبة بوجوب نفسي هو عين وجوب الكل والمركب بلا مغايرة بينهما بالنفسية والغيرية لا قصور في انحلال العلم الاجمالي المزبور بالعلم التفصيلي بوجوب الأقل ، بل عرفت انتفاء العلم الاجمالي حقيقة بالنسبة إلى ذات التكليف التي هي مصب حكم العقل بالإطاعة وانه لا يكون الا علم تفصيلي بشخص التكليف المتعلق بالأقل وشك بدوي محض في تعلقه بالزائد من جهة التردد بين الحدين.
    « ومنها » ما عن صاحب الكفاية قده من دعوى الملازمة بين تنجز التكليف بالأقل بقول مطلق وعلى كل تقدير غيريا أو نفسيا ضمنيا أو استقلاليا ، وبين تنجزه في الأكثر ، نظرا إلى تبعية وجوب الأقل بمقتضى الارتباطية لوجوب الأكثر وعدم انفكاك وجوبه الضمني أو الغيري عن وجوبه ثبوتا وسقوطا وتنجزا ( بتقريب ) انه لو لم يتنجز التكليف بالأكثر على تقدير تعلقه به لم يجب الاتيان بالأقل أيضا ، لان وجوبه حينئذ يتبع وجوب الأكثر ـ فمع عدم تنجز التكليف بالأكثر لم يتنجز التكليف بالأقل أيضا الا على تقدير مشكوك فلا يجب الاتيان به لعدم العلم بوجوبه على كل تقدير ( فلا بد ) حينئذ بمقتضى الالتزام بوجوب الاتيان بالأقل وتنجز التكليف به على كل تقدير من الالتزام بوجوب الأكثر وتنجزه ، من غير فرق في ذلك بين القول بوجوب الاجزاء غيريا أو نفسيا ، فإنه بناء على وجوبها الغيري أيضا لابد من الالتزام بوجوب الأكثر وتنجزه بعين الالتزام بتنجز الأقل ووجوب الاتيان به على كل تقدير والعلم التفصيلي المتولد بمطلق وجوب الأقل غير صالح لانحلال العلم الاجمالي ولو قلنا بصلاحيته لذلك في غير المقام ، وذلك لما يلزمه من محذور الخلف ، حيث يلزم من تأثير العلم بوجوب الأقل وتنجزه بقول مطلق في الانحلال عدم تنجز التكليف به بقول مطلق المستلزم لعدم وجوب الاتيان به أيضا كما شرحناه « ولكن فيه » ان ما أفيد من ملازمة تنجز التكليف بالأقل على كل تقدير لتنجز التكليف بالأكثر على تقدير


(387)
وجوبه مبني على اخذ حيث الانضمام بالزائد على تقدير كون متعلق التكليف هو الأكثر قيدا للأقل في مرحلة كونه معروضا للوجوب الضمني كما هو مختاره أيضا فإنه حينئذ يستحيل تصور مجيء الأقل في العهدة مستقلا وانفكاكه عن تنجز الأكثر ضرورة منافاة ذلك مع اخذ حيث الارتباط والانضمام بالزائد في موضوع الوجوب ولكن المبنى فاسد جدا ، لما عرفت من أن جهة الارتباط والانضمام غير مأخوذة في موضوع الوجوب لأنها انما كانت جائية من قبل وحدة الوجوب المتعلق بالاجزاء بأسرها ، وان موضوع الوجوب في الرتبة السابقة انما كان هو نفس الاجزاء بلا ارتباط لبعضها بالآخر في عالم طرو الوجوب عليها ( وعليه ) فلا قصور في مجيء الأقل نفسه في العهدة وتنجزه مستقلا بسبب العلم بوجوبه دون الأكثر ، بداهة امكان التفكيك ( حينئذ ) بين تنجزه وتنجز الأكثر ، فان تنجز كل تكليف انما هو تابع مقدار قيام البيان عليه لا أزيد ولا شبهة في أنه بالعلم بوجوب الأقل ولو ضمنا يستقل التكليف به في قيام البيان عليه وان احتمل عدم استقلاله في الوجود لاحتمال كون الواجب هو الأكثر ، ولازمه صيرورة الأقل في العهدة مستقلا حتى على فرض وجوب الأكثر ، بخلاف الأكثر فإنه على فرض وجوبه واقعا لم يقم عليه بيان يقتضي تنجزه وجوب الاتيان به لما هو المفروض من الشك الوجداني في وجوبه ( ومرجع ) ذلك كما ذكرناه انفا إلى نحو تفكيك في مجيء الأكثر في العهدة على فرض وجوبه من جهة دون جهة الراجع إلى عدم جواز تركه من قبل ترك الاجزاء المعلومة وحسن العقوبة عليه من هذه الجهة لكونه عقابا ببيان ، وعدم استحقاق العقوبة على مخالفته الناشئة من قبل ترك الجزء المشكوك لكونه عقابا بلا بيان ، لا ان المقصود اشتغال العهدة مستقلا بالاجزاء المعلومة بما هي في قبال الكل حتى يقال ان الجزء بما هو في قبال الكل لا عهدة له مستقلا وانما عهدته يتبع عهدة الكل.
    ( ومنها ) التشبث بالعلم التفصيلي بالاشتغال بالأقل كما عن الفصول ( قده ) ( بتقريب ) ان التكليف بالجزء أو الشرط الزائد وان كان مشكوكا ولم يكن من هذه الجهة ما يقتضي تنجزه ووجوب الاتيان به بل كان من هذه الجهة مجرى للبرائة العقلية لقبح العقاب بلا بيان ، الا ان هناك جهة أخرى تقتضي لزوم الاتيان


(388)
به واستحقاق العقوبة على تركه على تقدير تعلق التكليف به ، وهي استتباع الاشتغال اليقيني بالتكليف بالأقل بحكم العقل للفراغ اليقيني عنه حيث إنه بعد ارتباطية التكليف واحتمال دخل الزائد الناشئ من احتمال وجوب الأكثر في سقوط التكليف بالأقل والخروج عن عهدته يستقل العقل بلزوم الاتيان بالأقل على نحو يقطع بوقوعه على صفة الوجوب وكونه مصداقا للمأمور به ، ومع ارتباطية التكليف واحتمال وجوب الأكثر وجدانا لا يتحقق ذلك الا بالاتيان بالأكثر ، إذ لو اقتصر على الأقل لم يعلم بالخروج عن عهدة ما تنجز عليه من التكليف المعلوم فالفراغ عن عهدة التكليف حينئذ كان احتماليا ، ومثله مما لا يجوزه العقل مع جزمه بالاشتغال ( ولئن شئت ) قلت إن سقوط التكليف واقعا فرع حصول الغرض الداعي عليه ومع احتمال دخل الزائد يشك في حصول الغرض فيشك في سقوط التكليف والخروج عن عهدته والعقل يستقل بلزوم تحصيل القطع بالفراغ عند الجزم بالاشتغال ( ونظير ) ذلك ما قيل في تقريب الاشتغال في الأوامر المستقلة عند الشك في التعبدية والتوصلية بأنه بعد دخل القربة في العبادات في تحقق الامتثال وحصول الغرض الداعي على الامر بها لا محيص عند الشك في تعبدية الواجب وتوصليته من الاحتياط باتيان العمل مقرونا بقصد القربة ، لان بدونه يشك في تحقق الامتثال وسقوط الامر المعلوم ، للشك في حصول الغرض ، غاية الامر الفرق بين المقامين هو ان الامر المعلوم في المقام على تقدير وجوب الأكثر ضمني وهناك استقلالي ، والا فهما مشتركان في لزوم الاحتياط بحكم العقل بلزوم تحصيل الجزم بالفراغ هذا ( ولكنه ) يندفع بما بيناه في المقدمة الثانية من أن حكم العقل بتحصيل الجزم بالفراغ تابع لمقدار ثبوت الاشتغال بالتكليف ، والمقدار المعلوم ثبوت الاشتغال به في المقام انما هو التكليف بذات الأقل وهي الاجزاء المعلومة المحفوظة بذاتها في ضمن الأكثر وعدمه ( ومن الواضح ) انه باتيان الأقل في الخارج يتحقق الفراغ عن عهدة التكليف المتعلق به ولو لم تنضم إليه الاجزاء المشكوكة ، فان الفراغ عن عهدة كل تكليف لا يكون الا بايجاد متعلقه في الخارج على نحو لا يكون قصور في المأتي به وبايجاده لا محالة يتحقق الخروج عن العهدة بالنسبة إلى ما تنجز التكليف به سواء انضم إليه الجزء المشكوك أم لا ( ومجرد )


(389)
الشك في حصول الغرض وسقوط التكليف بالأقل واتصاف المأتي به بالوجوب الفعلي والمؤثرية الفعلية غير ضائر بالمقصود بعد عدم القصور في الأقل المأتى به في وفائه بالغرض ، وما قرع سمعك من عدم تجويز العقل الاكتفاء بالشك في الفراغ عند اليقين بالاشتغال انما هو فيما كان الشك في سقوط التكليف والفراغ عن عهدته لقصور من ناحية الماتى به ، لا فيما كان ذلك من جهة قصور في سقوط حكمه الناشئ من جهة فقدان الجزء المشكوك الذي هو بنفسه مجرى البراءة والترخيص كما في المقام ، حيث إن احتمال عدم سقوط التكليف بالأقل حينئذ مع الاتيان بمتعلقة انما كان من جهة احتمال ملازمة سقوطه مع ما لا يتنجز من القطعة المشكوكة المتعلقة بالزائد ( وبالجملة ) نقول ان هم العقل في حكمه بلزوم تحصيل الجزم بالفراغ وعدم جواز القناعة بالشك فيه عند الجزم بالاشتغال بالتكليف ، انما هو لزوم رفع الشك عن جهة متعلق التكليف بايجاده في الخارج للتخلص عن تبعة مخالفته لا رفع الشك عنه من جهة سقوط التكليف عنه واتصافه بالوجوب الفعلي والمؤثرية الفعلية في تحقق الغرض ولو كان ذلك من جهة قصور حكمه الناشئ من جهة امر آخر هو بنفسه تحت الترخيص ( ولا ريب ) ان ذلك مما يقطع بتحققه باتيان الأقل ولو على تقدير وجوب الأكثر واقعا ، حيث إنه باتيانه يقطع بالخروج عن عهدة ما تنجز عليه من التكليف به ولا يبقى معه شك الا من جهة اتصافه بالوجوب والمؤثرية الفعلية ، وبعد ما لم يكن هم العقل رفع الشك عنه من هذه الجهة لعدم كون ذلك لقصور في الماتى به فلا يبقى مجال لاثبات وجوب الاتيان بالأكثر بقاعدة الاشتغال المزبور كما هو ظاهر ( هذا كله في البراءة العقلية.
    ( واما البراءة النقلية ) فعلى القول بجريان البراءة في المشكوك كما هو المختار ، فلا اشكال في جريانها أيضا من دون احتياج إلى اثبات ان الواجب هو الأقل ( واما بناء ) على القول بعدم جريان البراءة العقلية ، فعلى تقريبه من جهة العلم الاجمالي ، فان قلنا باقتضاء العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية ، فلا اشكال أيضا في جريان البراءة الشرعية ( فان ) المانع عن جريانها على هذا المبنى انما هو ابتلائها بالمعارض وهو مفقود في المقام ، لسلامة الأصل الجاري في الأكثر من معارضة جريانه في الأقل بعد العلم التفصيلي بوجوبه على كل تقدير ، هذا بالنسبة إلى ذات الوجوب


(390)
المتعلق بالأقل ( واما بالنسبة ) إلى حده فلا تجري فيه الأصل أيضا ، لعدم ترتب ثمرة عملية عليه بعد حكم العقل بالاشتغال بالنسبة إلى ذات التكليف ( هذا بناء ) على تقرير العلم الاجمالي من جهة اخذ الحدود في متعلق التكليف ( واما ) على تقريره من جهة الغيرية والنفسية ، فالأصل الجاري في الأكثر في وجوبه النفسي وان كان معارضا بالأصل الجاري في الوجوب النفسي للأقل ـ فيبقى العلم الاجمالي على حاله من هذه الجهة ، الا انه بالنسبة إلى جزئية المشكوك للواجب لا مانع عن جريانه بعد عدم جريانه في الأقل للعلم التفصيلي بوجوبه اما لكونه تمام المأمور به أو لكونه جزئه ( وتوهم ) عدم جريان الأصل في جزئية المشكوك لعدم كونها مجعولا شرعيا ( يدفعه ) بأنه يكفي في جريانه مجرد كونها مما امر رفعه ووضعه بيد الشارع ولو بتوسط منشئه وهو التكليف ( فان ) للشارع رفع الجزئية عن المشكوك برفع اليد عن فعلية التكليف المتعلق بالأكثر ( وحينئذ ) فعلى مسلك الاقتضاء في العلم الاجمالي تجري الأصول الشرعية النافية للتكليف في الأكثر من غير حاجة إلى اتعاب النفس باثبات ان الواجب هو الأقل ( واما بناء ) على علية العلم الاجمالي للموافقة القطعية ومنعه من جريان الأصل النافي ولو في بعض أطرافه بلا معارض كما هو المختار ، فالتفكيك بين البراءة العقلية والشرعية في غاية الاشكال إذ بعد انتهاء الامر بمقتضى علية العلم الاجمالي إلى حكم العقل بوجوب الاحتياط ولزوم تحصيل الجزم بالفراغ ولو جعليا لا مجال لجريان الأصول النافية ولو في فرض كونها بلا معارض ، الا على فرض اقتضاء جريانها لاثبات ان الواجب الفعلي هو الأقل ولو ظاهرا كي ببركة اثباته ذلك يكون الاتيان به فراغا جعليا عما ثبت في العهدة ، وهو أيضا في محل المنع ، لمنع اقتضاء مجرد نفي وجوب الأكثر والخصوصية الزائدة لاثبات هذه الجهة الا على القول بالمثبت الذي لا نقول به ( نعم ) قد يتوهم تكفل مثل حديث الرفع لاثبات ذلك بتقريبات ثلاثة ( أحدها ) ان الحديث ناظر إلى اطلاقات أدلة الجزئية واقعا بتقييد مفاد فعليتها بحال العلم بها وانه برفع فعلية التكليف عن المشكوك واقعا مع ضميمة ظهور بقية الاجزاء في الفعلية يرتفع الاجمال من البين ويتعين كون متعلق التكليف الفعلي هو الأقل وبالاتيان به يتحقق الفراغ والخروج عن عهدة التكليف ( وثانيها ) تقريبه من
نهاية الافكار ـ الجزء الثالث ::: فهرس