نهاية الافكار ـ الجزء الثالث ::: 391 ـ 405
(391)
جهة المضادة بين فعلية التكاليف الواقعية والترخيصات الظاهرية ، بان نفي التكليف عن المشكوك ظاهرا ملازم حينئذ لعدم فعليته واقعا على تقدير تعلقه بالأكثر واقعا وبضميمة ظهور أدلة بقية الاجزاء في الفعلية يستكشف ان الواجب الفعلي هو الأقل ( وثالثها ) تقريبه من جهة الملازمة العرفية بين رفع الجزئية عن شيء ولو ظاهرا مع كلية غيره ( ولكن الجميع ) كما ترى ( اما الوجه الأول ) فلمنع صلاحية حديث الرفع لان يكون ناظرا إلى نفي فعلية التكليف عن المشكوك واقعا ، إذ مفاد الرفع فيه كما أوضحناه في محله عند التعرض لشرح الحديث انما هو مجرد الرفع الظاهري الثابت في المرتبة المتأخرة عن الجهل بالواقع ، ومثله غير صالح لتقييد إطلاق الجزئية الواقعية المحفوظة حتى بمرتبة فعليتها في المرتبة السابقة عن تعلق الجهل بها ( كيف ) وبعد ان كانت العناوين المأخوذة في الحديث التي منها عنوان ما لا يعلم من الجهات التعليلية للرفع والمانعة عن تأثير ما يقتضي انشاء الحكم ، لا محيص من أن يكون الرفع في المرتبة المتأخرة عن الجهل بالواقع ، ولازمه بعد عدم شمول اطلاق الواقع حتى بمرتبة فعليته لمرتبة الجهل بنفسه هو امتناع تعلق الرفع في تلك المرتبة بالجزئية الواقعية المحفوظة في المرتبة السابقة على الجهل بها ، لاستحالة ورود الرفع في ظرف الجهل بشيء على الشيء الملحوظ كونه في المرتبة السابقة على الجهل بنفسه ، ولأن رفع كل شيء عبارة عن نقيضه وبديله ، فلا يمكن ان يكون الرفع في هذه المرتبة نقيضا لما هو في المرتبة السابقة ، لان وحدة الرتبة بين النقيضين من الوحدات الثمان التي تعتبر في التناقض والتضاد ( وحينئذ ) فلو كانت مقتضيات الفعلية في المرتبة السابقة على الجهل متحققة ، لا يكاد يصلح مثل هذا الحديث للمانعية عنها كي يستكشف بمعونة ظهور أدلة بقية الاجزاء في الفعلية تحديد دائرة الواجب الفعلي بالأقل ( ومعه ) يبقى العلم الاجمالي على حاله في تأثيره في وجوب الاحتياط ( وتوهم ) ان الحكم الظاهري وان لم يكن في مرتبة الحكم الواقعي لكونه في المرتبة المتأخرة عن الشك في الحكم الواقعي الذي هو أيضا متأخر في الرتبة عن نفس وجوده ، الا ان الحكم الواقعي ولو بنتيجة الاطلاق يكون في مرتبة الحكم الظاهري وبذلك أمكن تعلق الرفع في تلك المرتبة بفعلية الحكم الواقعي ( مدفوع ) بأنه مع الاعتراف بكون الحكم الظاهري في طول الحكم


(392)
الواقعي كيف يمكن توهم كون الحكم الواقعي ولو بنتيجة الاطلاق في عرض الحكم الظاهري وفى مرتبته ( فان ) مرجع طولية الحكم الظاهري بعد أن كان إلى اخذ الشك في الحكم الواقعي في موضوعه كيف يعقل ان يكون الحكم الواقعي في مرتبة الشك بنفسه وهل هو الا دعوى ان المعروض في مرتبة عارضه ( نعم ) الحكم الواقعي يجتمع مع الحكم الظاهري زمانا ( ولكن ) اجتماعه معه زمانا لا يقتضي اجتماعهما رتبة ، بل كل منهما حينئذ محفوظ في رتبة نفسه بلا تعديه من مرتبة إلى مرتبة كما اجتماع العلة مع معلولها كما هو ظاهر ( واما الوجه الثاني ) ففيه انه مبنى على تسجيل المضادة بين فعلية الاحكام الواقعية والترخيصات الظاهرية ( ودون ) اثباته خرط القتاد ، لما ذكرنا غير مرة من أنه لا مضادة بين الترخيصات الظاهرية وبين فعلية الاحكام التي تتضمنها الخطابات الواقعية ( فان ) ما يضاد الترخيصات الشرعية الظاهرية بل العقلية أيضا انما هو الفعلي على الاطلاق على نحو يقتضي عدم قناعة المولى في حفظ مرامه بصرف خطابه الواقعي المتعلق بذات العمل بصيرورته بصدد حفظه حتى في المراتب المتأخرة عن الجهل بخطابه بايجاد الداعي للمكلف ولو بانشاء آخر من ايجاب احتياط ونحوه « لا الفعلي » من قبل الخطاب الواقعي الراجع إلى كون المولى بصدد حفظ مرامه من قبل دعوة خصوص خطابه الواقعي المتعلق بذات العمل ، فان ذلك مما يجتمع مع الترخيص الظاهري على الخلاف في المراتب المتأخرة عن الجهل بخطابه « والأول » مما لا طريق إلى احرازه « لان » الطريق إلى فعلية الاحكام الواقعية والاغراض النفس الامرية لا يكون الا الخطابات الواقعية ، والمقدار الذي يقتضيه كل خطاب ليس الا الفعلية بمقدار استعداد ذلك الخطاب لحفظ المرام من قبله ، لا أزيد منه « وبعد » اجتماع هذا المقدار من الفعلية مع الترخيص الظاهري على الخلاف لا يبقى مجال كشف تخصيص الفعلية بالبقية واثبات ان الواجب الفعلي هو الأقل بمجرد نفي الوجوب عن الأكثر والخصوصية الزائدة وعلى فرض تسليم التضاد بين هذه المرتبة من الفعلية أيضا ، انما يكون ذلك مع الترخيص الظاهري ، لا مع مجرد عدم الفعلية ظاهرا كما هو مقتضى حديث الرفع ، فان نتيجة ذلك لا تكون الا مجرد العذر العقلي ، ومثله لا يضاد فعلية الاحكام الواقعية عند القائل بالتضاد فتأمل « ثم إن ذلك » أيضا في


(393)
فرض ظهور الأوامر الواردة في مقام شرح المركب في المولوية ، واما على ما هو التحقيق من ظهورها في الارشاد إلى الجزئية والشرطية ، فالامر أشكل ( فان ) استفادة الامر الفعلي بالاجزاء حينئذ انما يكون من ناحية الامر بالكل ومع فرض اجماله وتردده بين الأقل والأكثر من أين يثبت كلية الأقل وفعلية التكليف به بمجرد الترخيص الجاري في الأكثر ، بل وكذلك الامر في فرض ظهور تلك الأوامر في المولوية الفعلية ( فان ) فعليتها حينئذ تتبع فعلية ما سيقت هذه لشرحه وهو الامر بالكل وبعد ان لا يكون لفعلية امره اطلاق يشمل حال فقد بعض الاجزاء لا مجال للاخذ باطلاق فعلية تلك الأوامر لاثبات فعلية وجوب الأقل كما هو ظاهر ( واما الوجه الثالث ) ففيه ان المورد الذي يحكم العرف بالملازمة بين الامرين حتى في مقام التنزيل ومرحلة الظاهر انما هو إذا كان التنزيل متوجها بدوا إلى عنوان أحد المتلازمين كما في تنزيل الأبوة لزيد ، لا فيما كان التنزيل متوجها بدوا إلى عنوان عام وكان المتكفل لتطبيقه على المورد هو العقل ( فان ) في مثله يمنع عن فهم العرف الملازمة بينهما حتى في مقام التنزيل ( والمقام ) من هذا القبيل حيث إن الرفع في دليل الرفع انما كان متوجها إلى عنوان عام وهو عنوان ما لا يعلم ، لا إلى عنوان الجزئية ، فلا يبقى مجال حينئذ للتشبث بفهم الملازمة لاثبات كلية الأقل ، ولذا لم يتوهم أحد اثبات كليته باستصحاب عدم جزئية المشكوك فيه بالملازمة المزبورة ( ولا أقل ) من الشك في ذلك فيبقى العلم الاجمالي على تأثيره ، لما عرفت غير مرة من أن المصحح للترخيص في أطراف العلم الاجمالي على هذا المسلك انما هو جعل البدل الواصل ، لا مجرد جعل البدل الواقعي ، فمع الشك في جعل البدلية وعدم احراز تحديد دائرة الواجب بالأقل ولو ظاهرا من جهة الشك في فهم العرف الملازمة بين التنزيلين ، كان العلم الاجمالي على مؤثريته في التنجيز والمانعية عن مجيء الترخيص على خلاف معلومه ولو في بعض الأطراف ( ثم انه من التأمل ) فيما ذكرنا يظهر الحال على سائر المسالك الاخر في الاحتياط العقلي أيضا ( فإنه ) لا مجال لجريان البراءة النقلية في الأكثر والخصوصية الزائدة المشكوكة خصوصا على مسلك صاحب الفصول قدس سره ( إذ حكم العقل ) بوجوب الاتيان بالأكثر وبالخصوصية الزائدة المشكوكة ليس من جهة الفراغ عن عهدة


(394)
التكليف بالأكثر نفسه ولا للتخلص عن احتمال العقوبة على ترك الخصوصية المشكوكة حتى يجديه دليل الرفع ، وانما ذلك من جهة كونه من لوازم الفراغ عن عهدة التكليف بالأقل ، ودليل الرفع على فرض جريانه لا يكاد يرفع هذا الحكم العقلي الا على فرض كونه ناظرا إلى تعيين كون الأقل هو تمام المأمور به واقعا ، وهو أيضا مما عرفت الكلام فيه مفصلا ـ ثم إن ذلك كله ـ على القول بالاحتياط العقلي في المقام ـ واما على القول ـ بالبرائة العقلية كما هو المختار ، فقد عرفت انه تجري البراءة النقلية أيضا كحديث الرفع والحجب في نفي المشكوك فيه بل ودليل الحلية أيضا في وجه ، بل وكذا يجري فيه استصحاب العدم من غير حاجة إلى اثبات كلية الأقل كي يتوجه اشكال المثبتية ـ فإنه ـ بعد رجوع العلم الاجمالي في المقام إلى علم تفصيلي بتعلق مرتبة من التكليف بالأقل وشك بدوي في تحقق مرتبة أخرى منه متعلقة بالزائد ، فلا شبهة في أن الأصل يقتضي عدمه لتحقق أركانه من اليقين السابق والشك اللاحق ، ونفى هذه المرتبة وان لم يثبت حد التكليف بخصوص الأقل ، ولكنه يكفي حينئذ في عدم الالتزام بالمشكوك فيه مجرد عدم وجوبه من الأزل بضمية اكتفاء العقل في حكمه بتحصيل الفراغ بالاتيان بما علم وجوبه وان لم يعلم أنه تمام المأمور به ـ من غير فرق ـ بين ان يكون المستصحب هو عدم وجوب الجزء المشكوك فيه ، أو عدم وجوب الأكثر المشتمل على الجزء المشكوك فيه ـ فإنه ـ على كل تقدير يجري استصحاب عدم وجوبه أزلا ، بل وأصالة عدم جعله لتحقق أركانه من اليقين السابق والشك اللاحق حتى في الأول ـ لان ـ ما اختل فيه ركنه حينئذ انما هو العدم النعتي بما هو مفاد ليس الناقصة بنحو يصدق مجعول مركب لم يلحظ فيه الجزء المشكوك فيه ، لا العدم المحمولي بما هو مفاد ليس التامة ـ فإنه لا ريب ـ في كونه مسبوقا باليقين بالعدم ـ فإذا ـ كان مرجع جعل الشيء إلى تعلق اللحاظ به بجعله واجبا أو جزء وكان يختلف مراتب الجعل واللحاظ أيضا بوحدة المجعول وتعدده ، فلا جرم بعد اليقين بتحقق مرتبة منه والشك في تحقق مرتبة أخرى تجري أصالة عدم الوجوب أو أصالة عدم تعلق الجعل بالجزء المشكوك فيه وبالأكثر المشتمل عليه ـ وتوهم ـ انه لا اثر لمجرد عدم تعلق اللحاظ والجعل


(395)
بالمشكوك فيه ، لان الآثار الشرعية بل العقلية من الإطاعة والامتثال انما تترتب على الأحكام الشرعية وجودا وعدما فلا اثر لمجرد عدم الجعل الا من جهة استتباعه لعدم المجعول وهو مبنى على حجية المثبت أو دعوى خفاء الواسطة ( مدفوع ) بان عدم جعل الوجوب واقعيا كان أو ظاهريا مستتبع لعدم الوجوب كذلك ، ومثله غير مرتبط بالأصول المثبتة ، فان عدم الوجوب الظاهري حينئذ انما كان من لوازم عدم الجعل الظاهري الذي هو الاستصحاب ، لا من لوازم نفس المستصحب واقعا ( وبعد ان كان ) نفس الجعل مما امر رفعه ووضعه بيد الشارع ويكتفي به في الأثر الشرعي في باب الاستصحاب ، فلا قصور في جريان استصحاب عدم تعلق الجعل به ، وان لم يثبت بنفي هذه المرتبة تحديد مرتبة الجعل بخصوص الأقل ( كيف ) ولازم المنع عن جريان أصالة عدم الجعل في المقام لأجل عدم ترتب الأثر عليه الا باعتبار ما يستتبعه من عدم تحقق المجعول ، هو المنع عن جريانه في الاحكام الكلية التي علم بعدمها قبل تشريع الاحكام وشك في ثبوتها في الشريعة عند تشريع الاحكام ، مع أن ذلك كما ترى ( واضعف من ذلك ) توهم معارضة أصالة عدم تعلق الجعل بالأكثر المشتمل على الجزء المشكوك فيه أو أصالة عدم وجوبه بأصالة عدم تعلق الجعل بالأقل الفاقد للجزء المشكوك فيه وعدم وجوبه ( فان ذلك مبنى ) على اخذ حد القلة في معروض الوجوب في المرتبة السابقة عن تعلق الوجوب به ، وهو في محل المنع ( لما عرفت ) من أن الواجب على تقدير كونه هو الأقل انما هو ذات الأقل مهملة المحفوظة في حال الانضمام بالزائد وعدمه ، وان طرو حد القلة عليه انما نشاء من جهة قصور الوجوب أو الجعل عن شموله للزائد ، فلا يمكن اخذ مثل هذا الحد الجائي من قبل الوجوب في معروضه ( وعلية ) فبعد العلم بتعلق الوجوب بذات الأقل وحكم العقل بلزوم الاتيان به ، لا يكاد يجري فيه أصالة العدم كي يعارض الأصل الجاري في طرف الأكثر كما هو ظاهر ( وبما ذكرنا ) ظهر الحال في العدم السابق على البلوغ ، والعدم السابق على حضور وقت العمل في الموقتات ( فإنه ) على ما ذكرنا لا قصور في جريان الاستصحاب فيهما من غير فرق بين جعل المستصحب هو عدم وجوب الجزء المشكوك فيه أو عدم وجوب الأكثر المشتمل عليه ( وحينئذ ) فما يظهر من بعض الاعلام قده من الاشكال على تلك الاستصحابات من جهة المثبتة في


(396)
بعضها وعدم ترتب الأثر في البعض الاخر وعدم اليقين السابق في ثالث ( منظور فيه ) يظهر وجهه مما ذكرناه ( هذا كله ) فيما لو كان الترديد بين الأقل والأكثر في الاجزاء ( وأما إذا كان الترديد ) بين الأقل والأكثر في شرائط المأمور به وموانعه ، فالكلام فيه هو الكلام في الاجزاء حرفا بحرف ، والمختار فيها أيضا هي البراءة عقلا ونقلا من غير فرق بين ان يكون منشأ انتزاع الشرطية أمرا خارجا عن المشروط مبائنا معه في الوجود ، أو متحدا مع المشروط وقائما به ، فان مرجع شرطية شيء للمأمور به بعد أن كان إلى اعتبار دخل التقيد به في موضوع التكليف النفسي في المرتبة السابقة على تعلق الوجوب به بحيث كان التقيد جزء للموضوع ولو تحليلا ونفس القيد خارجا ، فلا محالة يكون مرجع الشك في شرطية شيء للمأمور به إلى الشك في أن موضوع التكليف النفسي هي ذات الشيء أو هي مع التقيد بأمر كذائي فتجري فيه أدلة البراءة عقليها ونقليها.
    ( واما لو كان ) الأقل والأكثر من قبيل الجنس والنوع أو الطبيعي والحصة كما إذا دار الامر بين وجوب اطعام مطلق الحيوان أو الانسان ، أو وجوب اكرام الانسان أو خصوص زيد ، ففي جريان البراءة فيه عن الخصوصية المشكوكة اشكال ، منشئه الاشكال في كون الشهبة فيه من الأقل والأكثر أو المتبائنين ( ولكن الأقوى ) فيه وجوب الاحتياط ( لا لما قيل ) من أن الترديد بين الجنس والنوع وان كان بالتحليل العقلي من الأقل والأكثر ، ولكنه بنظر العرف خارجا يكون من الترديد بين المتبائنين ، من جهة تباين مفهوم الانسان بحسب الارتكاز العرفي مع مفهوم الحيوان ، فيجب فيه الاحتياط ـ إذ لازم ـ ذلك هو التفصيل بين ان يكون الترديد في متعلق الخطاب بين الحيوان والانسان ، وبين الحيوان والحيوان الناطق بالمصير في الثاني إلى البراءة لاندراجه في الأقل والأكثر حتى بنظر العرف بلحاظ اتحاد المفهوم من الحيوان في الحيوان الناطق مع المفهوم من الحيوان المطلق ، مع أن الالتزام بذلك كما ترى ـ فان محل الكلام ـ انما هو فيما لو كان تردد متعلق التكليف أو موضوعه من قبيل الجنس والنوع أو الطبيعي والحصة ، بأنه يندرج مثله في الأقل والأكثر أو المتبائنين ، كان التعبير عن ذلك بعنوان بسيط كالانسان أو بعنوان مركب كالحيوان الناطق ، أو بغير ذلك من


(397)
أنحاء التعبير ( بل ذلك ) من جهة عدم تحقق ملاك الأقل والأكثر فيه حتى بحسب التحليل العقلي ( فان ) مناط كون الشبهة من الأقل والأكثر كما عرفت غير مرة هو ان يكون الأقل على نحو يكون بذاته وحصته الخاصة سوى حده الأقلية محفوظا في ضمن الأكثر نظير الكليات المشككة المحفوظ ضعيفها بذاته لا بحد ضعفه في ضمن شديدها ( ومن الواضح ) عدم صدق المناط المزبور في مفروض البحث ( فإنه بعد ) تخصص الطبيعي في المتواطيات بالضرورة إلى حصص متعددة وآباء كذلك بعدد الافراد بحيث كان المتحقق في ضمن كل فرد حصة وأب خاص من الطبيعي المطلق غير الحصة والأب المتحقق في ضمن فرد آخر كالحيوانية الموجودة في ضمن الانسان بالقياس إلى الحيوانية الموجودة في ضمن نوع آخر كالبقر والغنم ، وكالانسانية المتحققة في ضمن زيد بالقياس إلى الانسانية المتحققة في ضمن بكر وخالد « فلا محالة » في فرض الدوران بين وجوب اكرام مطلق الانسان أو خصوص زيد لا يكاد يكون الطبيعي المطلق بما هو جامع الحصص والاباء القابل للانطباق على حصة أخرى محفوظا في ضمن زيد كي يمكن دعوى العلم بوجوبه على اي حال « لان » ما هو محفوظ في ضمنه انما هي الحصة الخاصة من الطبيعي ، ومع تغاير هذه الحصة مع الحصة الأخرى المحفوظة في ضمن فرد آخر كيف يمكن دعوى اندراج فرض البحث في الأقل والأكثر ولو بحسب التحليل بل الامر في أمثال هذه الموارد ينتهي إلى العلم الاجمالي بتعلق التكليف اما بخصوص حصة خاصة أو بجامع الحصص والطبيعي على الاطلاق بما هو قابل الانطباق على حصة أخرى غيرها ، ومرجعه إلى العلم الاجمالي اما بوجوب هذه الحصة الخاصة وحرمة ترك الاتيان ، بها مطلقا ، واما بوجوب حصة أخرى غيرها المشمولة لاطلاق الطبيعي وحرمة تركها في ظرف ترك الحصة الخاصة ، وفى مثله بعد عدم انطباق أحد التركين على الاخر وعدم قدر متيقن في البين في مشموليته للوجوب النفسي الأعم من الاستقلالي والضمني ، يرجع الامر إلى المتبائنين فيجب فيه الاحتياط باطعام خصوص زيد « لان » باطعامه يقطع بالخروج عن عهدة التكليف المعلوم في البين ، بخلاف صورة اطعام غير زيد ، فإنه لا يقطع بحصول الفراغ ولا يؤمن العقوبة على ترك اطعام زيد « وبما ذكرنا » يظهر الحال في جميع


(398)
موارد الدوران بين التخيير والتعيين الشرعي كما في الخصال الثلاث فإنه بمقتضى ما ذكرناه من البيان لابد من الاحتياط بالاتيان بما يحتمل وجوبه تعيينا ( من دون ) فرق بين القول برجوع التخيير فيه إلى التخيير العقلي الراجع إلى كون الواجب هو الجامع بين الأمور المزبورة ، وبين القول برجوعه إلى وجوب كل واحد منها بوجوب مستقل ناش من مصلحة مستقلة وانه بالاتيان بأحدها يسقط الوجوب عن البقية لمكان المضادة بين ملاكاتها في مقام التحقق « فإنه » على كل تقدير عند الشك في الوجوب التعييني لاحدها لابد بمقتضى العلم الاجمالي المزبور من الاحتياط عقلا باتيان ما يحتمل تعيينيته والى ما ذكرنا يكون نظر الشيخ « قده » في مصيره إلى الحاق المقام بالمتبائنين الا الأقل والأكثر ، فلا يلزم عليه حينئذ الالتزام بالبرائة في المقام على نحو ما اختاره في الأقل والأكثر كي يشكل عليه بأنه لا وجه للتفكيك بين المقامين فتدبر ، هذا كله في البراءة العقلية ـ واما البراءة الشرعية ـ فعلى المختار من علية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية لا تجري البراءة الشرعية أيضا ـ واما على القول ـ باقتضاء العلم الاجمالي لذلك ، فالظاهر أنه لا مانع عن جريانها في كل واحد من التركين وهما ترك العتق في ظرف وجود الاطعام والصيام وترك الاطعام والصيام المقرون بترك العتق ـ وذلك ـ اما من جهة العلم الاجمالي فلما هو المفروض من اقتضائه لوجوب الموافقة القطعية وقابليته لمنع المانع ، واما من جهة محذور استتباع جريانها للمخالفة القطعية ، فلعدم لزومها في المقام ، لان ما يعلم تفصيلا حرمته انما هو ترك العتق المقارن لترك الاطعام والصيام واما تركه في ظرف وجود الاطعام والصيام فلا يعلم حرمته ، كما لا يعلم أيضا حرمة ترك ، الاطعام والصيام المقرون مع ترك العتق ، لأنه من المحتمل كون العتق هو الواجب التعييني ، إذ على هذا التقدير لا يكون ترك الاطعام والصيام حراما ولا معاقبا عليه وانما العقاب حينئذ يكون على ترك العتق ، غاية الامر انه قارن ترك الاطعام والصيام مع ترك العتق الذي هو المحرم والمعاقب عليه ( وبذلك ) يندفع توهم المنع عن جريان البراءة في طرف ترك الصيام والاطعام في ظرف ترك العتق ، بدعوى العلم التفصيلي بحرمته والعقوبة عليه ( وجه ) الاندفاع ما عرفت من أن المعلوم تفصيلا حرمته انما هو ترك العتق في ظرف ترك البقية لا ترك الصيام والاطعام المقرون بترك العتق


(399)
المحتمل وجوبه تعيينا ، فان من المحتمل حينئذ إباحة تركهما وان العقوبة المترتبة تكون على ترك خصوص العتق ( ولكن ) الذي يسهل الخطب هو فساد المبنى المزبور ، وان التحقيق هو علية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية على نحو يمنع عن مجيء الترخيص على خلافه ولو في بعض الأطراف ، وعليه فلا محيص من الاحتياط باتيان ما هو المتيقن وجوبه ( هذا كله ) إذا كانت الخصوصية المشكوك دخلها في المطلوب من قبيل الخصوصيات المنوعة أو المشخصة المفردة ( واما ) إذا كانت من الخصوصيات العرضية غير المشخصة مثل العدالة والايمان ونحوها كما في الترديد بين العام والخاص والمطلق والمقيد كتردد متعلق العتق الواجب بين مطلق الرقبة أو الرقبة المؤمنة ، ففي جريان البراءة فيه أيضا اشكال منشئه الاشكال المتقدم في نحو الجنس والنوع في اندراجه في الأقل والأكثر أو المتبائنين ( وقد ) يقرب البراءة فيه برجوعه إلى الشك في التكليف بالقيد والخصوصية المشكوكة فتجري فيه البراءة على نحو ما مر في الشك في الجزئية ( ولكن ) التحقيق في المقام هو التفصيل ، بين ان يكون القيد المشكوك فيه على نحو يكون كل فرد من افراد الطبيعي قابلا للاتصاف به كالقيام والقعود والايمان في الرقبة ، وبين ما لا يكون كذلك كالهاشمية ونحوها ( بالمصير ) فيما كان من قبيل الأول إلى البراءة نظرا إلى رجوع الشك حينئذ في كل ما يفرض كونه من افراد الطبيعي وينطبق عليه أول وجود الطبيعي إلى أن الواجب هذه الحصة الفاقدة للخصوصية أو هي بشرط وجدانها للخصوصية الزائدة القابلة لطروها عليها فيرجع إلى الأقل والأكثر وتجري فيه البراءة عقليها ونقليها ، من غير فرق بين ان يكون القيد متحدا مع المشروط وقائما به ، وبين ان يكون خارجا عنه ومغايرا معه في الوجود ( وفى الثاني ) إلى الاشتغال ، لرجوع الشك حينئذ إلى الشك في أن الواجب هو خصوص الحصة الواجدة للخصوصية أو الجامع بينها وبين الفاقد الذي هو غير قابل لان يوجد مع الخصوصية فينتهى الامر إلى الدوران بين التعيين والتخيير والعلم الاجمالي بين المتبائنين بنحو ما قربناه في الدوران بين الجنس والنوع فيجب الاحتياط باتيان الواجد للخصوصية ( والسر ) في الفرق المزبور بعد اقتضاء التكليف بالطبيعي الصرف بنظر العقل مطلوبية أول وجوده ، هو ان في فرض قابلية


(400)
جميع افراد الطبيعي لطرو الخصوصية عليه يكون كل ما يفرض عند العقل كونه أول وجود لهذه الطبيعة يعلم بمطلوبية ذاته وانما الشك في أنه هو الواجب أو هو مع الخصوصية الزائدة القابلة لطروها عليه ، وبذلك يندرج في الأقل والأكثر ( بخلاف ) فرض عدم قابلية بعض افراد الطبيعي لطرو الخصوصية عليه ، فإنه لو فرض كون الفرد الفاقد للخصوصية أول وجوده لا يعلم بمطلوبية الحصة المحفوظة في ضمنه ، لاحتمال كون المطلوب هي الحصة الواجدة للخصوصية أو القابلة لايجادها فيها ، فيندرج بذلك في المتبائنين ، لتردد الواجب حينئذ بين الجامع بين الوجودين أو خصوص الواجد للخصوصية فيجب فيه الاحتياط باتيان الواجد للخصوصية ( وعليك ) بالتأمل فيما ذكرناه في الفرق بين الفرضين ، فإنه ينفعك أنشأ الله تعالى عند التباس الامر عليك في أمثال الموارد لتمييز باب الأقل والأكثر في المشروطات والمقيدات من باب التعيين والتخيير الراجع فيه العلم الاجمالي إلى المتبائنين ( هذا كله ) في شقوق الترديد بين الأقل والأكثر في معروض التكليف الذي هو فعل المكلف أو متعلقه الذي هو الموضوع الخارجي من حيث الشك في الجزئية أو الشرطية أو المانعية ( وقد عرفت ) ان المختار في جميع فروض المسألة هي البراءة عقليها ونقليها ، الا فيما كان الترديد فيه من قبيل الترديد بين الجنس والنوع والكلي والحصة ( فان ) المرجع فيمثله هو الاشتغال عقلا ( من ) دون فرق فيما ذكرناه من البراءة بين كون الشبهة وجوبية أو تحريمية ، لاتحاد مناط البراءة في الجميع ، غير أن الشبهات التحريمية تكون على عكس الشبهات الوجوبية ، فان في الشبهات الوجوبية يكون الأقل متيقن الوجوب والأكثر مشكوكا ، وفي الشبهات التحريمية يكون الأكثر متيقن الحرمة والأقل مشكوكا فلو شك حينئذ في دخل شيء في الحرام المركب على نحو الجزئية أو القيدية ، تجري البراءة عن حرمة الأقل مع ترك المشكوك فيه ( بل لو قلنا ) بالاحتياط العقلي في الشبهات الوجوبية لمكان شبهة الفصول من اقتضاء الاشتغال بالأقل للفراغ اليقيني عنه الذي لا يحصل الا باتيان الأكثر ، أمكن القول بالبرائة في الشبهات التحريمية ، لمكان عدم اقتضاء قاعدة الشغل المزبور فيها وجوب الاجتناب عن الأقل ( فإنه ) بعد أن كان عصيان الحرام المركب بارتكاب مجموع الاجزاء من


(401)
حيث المجموع ، ويكتفي العقل في تحقق ترك العصيان بترك جزء المركب ولو كان هو الجزء الأخير منه ( فلا جرم ) مع الشك في دخل شيء في موضوع الحرمة بنحو الجزئية أو القيدية يكتفى العقل بتركه في عدم حرمة البقية ، للشك حينئذ في أصل حرمة البقية ( والفرض ) أيضا عدم اقتضاء قاعدة الشغل بترك الحرام المركب الا الفراغ عنه بترك المجموع من حيث المجموع بلا اقتضاء مجرد اليقين بالشغل المزبور لحرمة البقية ( وهذا ) بخلاف الواجب المركب ، فان عصيانه لما كان بترك جزء منه ، فمع العلم باشتغال العهدة بالتكليف بالأقل يمكن اثبات وجوب الاتيان بالأكثر بقاعدة الشغل بالأقل ( وحينئذ ) فما توهم من اقتضاء وجوب الاحتياط في الشبهات الوجوبية لوجوبه أيضا في الشبهات التحريمية مما لا ينبغي الاصغاء إليه.
    « الصورة الثانية » في دوران الأقل والأكثر في الأسباب والمحصلات ، فيما كان الواجب والمأمور به عنوانا بسيطا كالغسلات الخاصة في باب الطهارة الحدثية والخبثية ، بناء على أن المأمور به هي الطهارة وان الامر بالغسلات انما هو لكونها محصلة لها ، لا انها هي المأمور بها « وفى جريان البراءة » عند الشك في دخل شيء في المحقق بنحو الجزئية أو القيدية اشكال ، والمشهور العدم مطلقا في الأسباب الشرعية والعقلية والعادية ( لان ) التكليف بالامر البسيط معلوم بجميع حدوده والشك في دخل شيء في تحققه راجع إلى الشك في حصول الفراغ منه بدونه ومقتضى اطلاق كلامهم هو عدم الفرق بين كون الامر البسيط دفعي الحصول والتحقق أو متدرج الحصول من قبل اجزاء محققه ( ولكن التحقيق ) التفصيل بين ان يكون العنوان البسيط الذي هو المأمور به ذا مراتب متفاوتة متدرج الحصول والتحقق من قبل اجزاء علته ومحققه بان يكون كل جزء من اجزاء سببه مؤثرا في تحقق مرتبة منه إلى أن يتم المركب فيتحقق تلك المرتبة الخاصة التي هي منشأ الآثار ، نظير مرتبة خاصة من النور الحاصلة من عدة شموع والظاهر أنه من هذا القبيل باب الطهارة كما يكشف عنه ظاهر بعض النصوص الواردة في باب غسل الجنابة من نحو قوله (ع) تحت كل شعرة جنابة فبلوا الشعر وانقوا البشرة وقوله (ع) في الصحيح فما جرى عليه الماء فقد طهر ، وقوله في الصحيح الاخر وكل شيء أمسسته الماء فقد أنقيته ( ويعضده )


(402)
استدلال جمع منهم على ناقضية الحدث الأصغر الواقع في أثناء الغسل ، بان الحدث الأصغر ناقض للطهارة بكمالها فلابعاضها أولى « وبين » ما لا يكون كذلك بان كان العنوان البسيط غير مختلف المراتب دفعي الحصول والتحقق عند تمامية محققة ـ فعلى الأول ـ لا قصور في جريان أدلة البراءة عند الشك في المحقق ودورانه بين الأقل والأكثر ، فان مرجع الشك في دخل الزائد في المحقق حينئذ بعد فرض ازدياد سعة الامر البسيط بازدياد اجزاء محققه إلى الشك في سعة ذلك الامر البسيط وضيقه ، فينتهى الامر في مثله إلى الأقل والأكثر في نفس الامر البسيط ، فتجري فيه البراءة عقليها ونقليها ، من غير فرق بين كون المحصل له من الأسباب العقلية والعادية أو الأسباب الشرعية كباب الطهارة الحدثية بل الخبثية أيضا ( واما على الثاني ) وهو فرض كون البسيط دفعي الحصول والتحقق عند تحقق الجزء الأخير من علته ، فلا محيص عند الشك في دخل شيء في محققه من الاحتياط « لان » التكليف قد تنجز بمفهوم مبين معلوم بالتفصيل بلا ابهام فيه ، والشك انما كان في تحققه وحصول الفراغ منه بدونه ، والعقل يستقل في مثله بوجوب الاحتياط تحصيلا للجزم بالفراغ عما ثبت الاشتغال به يقينا ( ولازمه ) المنع عن جريان الأصول النافية أيضا من غير فرق بين كون المحقق من الأسباب العادية والعقلية أو من الأسباب الشرعية ( نعم ) بناء على تعليقية حكم العقل بالفراغ الجزمي على عدم مجيء الترخيص على الخلاف كما هو أساس القول باقتضاء العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية ، لا قصور في جريان أدلة المرخصة حتى في فرض كون المحقق من الأسباب العقلية والعادية فضلا عن كونه من الأسباب الشرعية ، حيث إنه يشك في حرمة مخالفة التكليف بالبسيط من قبل الجزء المشكوك دخله في محققه وان كانت سببيته عقلية أو عادية ، فيجري فيه حديث الرفع ونحوه ، من دون احتياج إلى اثبات سببيته الأقل ومؤثريته في الامر البسيط ، ولا إلى اجزاء الأصل في نفس السبب كي يرد عليه اشكال المثبتية تارة ، وعدم مجعولية السببية أخرى حتى في الأسباب الشرعية ، بدعوى انه مع تعلق الجعل الشرعي بالمسبب لا يعقل تعلقه أيضا بنفس السبب ( فان المانع ) عن جريان الأصول النافية على هذا المبنى في أطراف العلم انما


(403)
هو تساقطها بالتعارض ، وبعد عدم جريانها في مقطوع المخالفة من ناحية الأقل لا قصور في جريانها بالنسبة إلى مشكوك المخالفة من ناحية مشكوك الدخل في السبب كما هو ظاهر ( ولكن ) الذي يسهل الخطب كما بيناه مرارا هو فساد هذا المبنى ( فان التحقيق ) هو تنجيزية حكم العقل عند اليقين بالاشتغال بوجوب تحصيل الجزم بالفراغ الأعم من الحقيقي والجعلي على نحو يأبى عن الترخيص على خلافه ( وعليه فبعد ) رجوع الشك في دخل المشكوك فيه في السبب إلى الشك في تحقق المسبب المأمور به بدونه لا محيص من الاشتغال ، ولا مجال لجريان الأصول النافية والترخيصات الظاهرية كحديث الرفع وأصالة عدم الجزئية ، وعدم تعلق الجعل بالزائد المشكوك فيه في الأسباب الشرعية ، وان قلنا بمجعولية السببية فيها مستقلا أو كفاية مطلق المجعولية ولو تبعيا في جريان الأصل ، الا على تقدير مثبتيتها لسببية الأقل ومؤثريته في تحقق المسبب ليكون بذلك مثبتا للفراغ الجعلي الظاهري ، ومثله كما ترى خارج عن عهدة تلك الأصول الا على القول بالأصل المثبتة ( لا يقال ) انه يمكن جريان البراءة على هذا المبنى أيضا في نفس المسبب في طرف تركه ( فإنه ) بعد ما ينعدم الامر البسيط بانعدام كل واحد من اجزاء محققه على نحو العموم البدلي ، فلا محالة عند الشك في جزئية شيء لمحققه ينتهى الامر في طرف حرمة تركه إلى الأقل والأكثر ، حيث إن تركه الناشئ من قبل ترك الأقل مما يعلم تفصيلا حرمته واستحقاق العقوبة عليه للعلم بافضاء تركه إلى ترك المأمور به ( واما ) تركه الناشئ من قبل ترك المشكوك جزئيته للسبب ، فلم يعلم حرمته لعدم العلم بافضاء تركه إلى تركه وانطباق النهى عن ترك المأمور به عليه ، فتجري فيه أدلة البراءة عقليها ونقليها ، كما في صورة تركب المأمور به وتردد اجزائه بين الأقل والأكثر خصوصا في الأسباب والمحصلات الشرعية التي لا سبيل للعقل إلى معرفتها الا ببيان الشارع ( فإنه يقال ) هذا انما يتم إذا كان إضافة اجزاء المحقق بالكسر إلى المحقق بالفتح من قبيل الجهات التقييدية الموجبة لتكثر اعدام المأمور به بالإضافة إليها حيث إنه بتعدد اجزاء المحقق حينئذ بتعدد الإضافات والتقيدات ، وبذلك يتكثر الاعدام أيضا فينتهى الامر من جهة حرمة الترك إلى الأقل والأكثر ( وليس الامر كذلك ) بل إضافة اجزاء المحقق إليه انما تكون ممحضة بكونها من الجهات


(404)
التعليلية ، وعليه لا يكاد يتصور للبسيط الذي هو المسبب الا عدم واحد وان بلغ اجزاء محققه في الكثرة ما بلغ لا اعدام متعددة وانما التعدد المتصور فيه انما هو في إضافة ذلك العدم الواحد إلى اجزاء علته ومحققه من حيث تحققه بانعدام كل واحد من اجزاء علته ( وبعد ) العلم بوقوع العدم المزبور تحت النهي والمبغوضية الفعلية حسب اقتضاء الامر بالشيء النهى عن النقيض ، لا محيص في مقام الفراغ من تحصيل الجزم بالخروج عن عهدته ، ولا يكون ذلك الا بالاتيان بجميع ما يحتمل دخله في محققه ( وبما ذكرنا من البيان ) ظهر فساد مقايسة المقام بصورة تركب المأمور به ( فان ) جريان البراءة فيه انما هو لأجل ان لكل واحد من اجزاء المركب المأمور به عدم مستقل يكون متعلقا للنهي الضمني قبال الاخر « فإنه » بهذا الاعتبار يتصور للمأمور به اعدام متعدده حسب تعدد اجزائه ، فينتهي الامر فيها إلى الأقل والأكثر ، وأين ذلك والامر البسيط الذي لا يتصور له إلا عدم واحد.
    « تذييل » قد يتولد مما ذكرنا من الوجه في أصالة الاشتغال وعدم جريان البراءة عند الشك في المحقق ودورانه بين الأقل والأكثر « الاشكال » في جريان البراءة في جميع موارد دوران الامر بين الأقل والأكثر في المركبات أيضا « بتقريب » ان المصالح والملاكات المبتنية عليها التكاليف الشرعية على مذهب العدلية أيضا من قبيل العناوين البسيطة والمسببات التوليدية من متعلقات التكاليف والافعال الصادرة من المكلف ، فان الغرض من الامر بالافعال الخارجية انما هو حصول تلك المصالح والملاكات ، ومع وقوعها تحت الإرادة الفعلية الموجبة لتوجيه البعث نحو محققها من الافعال الخارجية ، لابد بمقتضى البيان المتقدم من الاشتغال في جميع موارد دوران المكلف به بين الأقل والأكثر ( لان ) العقل ملزم في مثله بتحصيل مرام المولى ولو لم يكن بنفسه في حيز خطابه مستقلا ، فيلزم سد باب البراءة كلية في جميع موارد الأقل والأكثر الارتباطي ، فإنه ما من مورد يشك فيه في دخل شيء في المكلف به على نحو الجزئية أو الشرطية الا والشك فيه يرجع إلى الشك في حصول الملاك وتحققه بدون المشكوك فيه فلابد بمقتضى اشتغال العهدة بتحصيل الملاك من الاحتياط بالاتيان بكل ما يحتمل دخله في


(405)
حصول الملاك ( وقد أفاد الشيخ « قده » في دفع الاشكال بوجهين ( تارة ) بفرض الكلام على مذهب الأشاعرة المنكرين للحسن والقبح ، أو على مذهب من يقول من العدلية بكفاية المصلحة في نفس الامر والتكليف وان لم تكن في المأمور به ( وأخرى ) بان نفس الفعل من حيث هو ليس لطفا ولو لم يؤت به على وجه الامتثال وان اللطف انما هو في الاتيان به على وجه الامتثال ، فيحتمل حينئذ ان يكون اللطف منحصرا في امتثاله التفصيلي مع معرفة وجه الفعل ليوقع الفعل على وجهه كما صرح به بعضهم ( وبعد ) تعذر ذلك كما في المقام حيث إن الآتي بالأكثر لا يعلم أنه الواجب أو الأقل ، لا يعلم بحصول اللطف بالأقل المأتي به من الجاهل الخ ( ولا يخفى عليك ) ما في هذين الجوابين ( اما الأول ) فظاهر لأنه في الحقيقة تسليم للاشكال على ما يقتضيه مذهب العدلية من تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد الكائنة في متعلقاتها ( واما الثاني ) ففيه أولا انه خلاف ما هو التحقيق حتى على مختاره ( قده ) من عدم دخل قصد الوجه في تحقق الامتثال ( وثانيا ) ان قصد الوجه على تقدير اعتباره انما يكون مختصا بالعبادات المتوقف صحتها والخروج عن عهدة الامر بها على الاتيان بها عن قصد امتثال أمرها ، وليس محل الكلام مختصا بالعبادات ، بل يعم التوصليات ( لان ) في الأوامر التوصلية أيضا لابد من اشتمال متعلقاتها على المصالح والملاكات ( وثالثا ) ان اعتبار قصد لوجه في حصول الغرض في العبادات انما يكون في صورة التمكن من ايقاع الفعل على وجهه ، فلا يوجب سقوطه حينئذ لأجل التعذر انتفاء أصل الملاك كي يقتضى عدم وجوب الاحتياط باتيان الأكثر ، والا لاقتضى عدم وجوب الأقل أيضا ، من جهة اقتضاء وجوبه حينئذ لكونه بلا ملاك يقتضيه ( وقد تصدى ) بعض الأعاظم « قده » لدفع الاشكال المزبور على ما في تقرير بعض تلاميذه ، بما يرجع حاصله إلى منع دخول المصالح والملاكات الكائنة في متعلقات التكاليف تحت الإرادة الفعلية بحيث تصير في عهدة المكلف ويجب عليه تحصيلها ، بدعوى انه يعتبر في صحة تعلق التكليف الفعلي بشيء ان يكون ذلك الشيء مقدورا للمكلف ولو بواسطة سببه وعلته بان يكون من المسببات التوليدية لفعل المكلف كالقتل والاحراق ، اما بان يكون الفعل الصادر منه تمام العلة لحصوله ، أو الجزء الأخير
نهاية الافكار ـ الجزء الثالث ::: فهرس