نهاية الافكار ـ الجزء الرابع القسم الاول ::: 76 ـ 90
(76)
فليس ذلك مقصودا من اخبار الباب ، إذ هو أجنبي عن الاستصحاب ، فإضافة النقض إليه انما هو بلحاظ كونه مأخوذا طريقا إلى المتيقن بحيث كان لحوق النقض به من ناحية المتيقن لا انه ملحوظ بنفسه وبحيال ذاته ، وبذلك يختص بما إذا كان للمتيقن اقتضاء البقاء والاستمرار بحيث لو خلى وطبعه لكان الجري العملي على وفق اليقين ويصدق عليه نقض اليقين بالشك وعدم نقضه به ( بخلاف ) ما إذا لم يكن للمتيقن اقتضاء البقاء والدوام ، فان الجري العملي حينئذ ينتقض بنفسه فلا يصح ورود النقض على اليقين بعناية المتيقن ، لان المتيقن حينئذ غير مقتضى بنفسه للجري العملي على طبقه حتى يكون رفع اليد عنه نقضا لليقين به فالشك في اقتضاء المتيقن للبقاء حينئذ ملازم للشك في صدق النقض عليه فلا يندرج في عموم اخبار الباب.
    ( ومنها ) ان النقض وان كان متعلقا باليقين لا بالمتيقن ولكن صدق النقض في مثله لما كان منوطا بوحدة متعلق اليقين والشك لأنه بدونه يكون الشك مجامعا مع اليقين لا ناقضا له فلا يكون النقض واردا على اليقين ، فتوطئة لاعتبار الوحدة المزبورة وتصحيحا لصدق النقض يحتاج إلى اعتبار وجود مقتضى البقاء في المتيقن لكونه أقرب إلى اعتبار وحدة المتعلقين وعدم ملاحظة التقطيع الحاصل فيه في فرض عدم وجود المقتضى فيه.
    ( ومنها ) ان صدق نقض اليقين بالشك يتوقف على أن يكون الزمان اللاحق الذي يشك فيه في بقاء المتيقن متعلقا لليقين من حين حدوثه ولو مسامحة بحيث يقتضى اليقين بوجوده حين حدوثه ترتب الأثر عليه على الاطلاق حتى في الزمان اللاحق ( وهذا ) انما يكون إذا كان المتيقن من شأنه البقاء والاستمرار لأجل وجود مقتضيه ( إذ حينئذ ) يكون اليقين به من الأول باعتبار المزبور كأنه يقين بأمر مستمر باستمرار مقتضيه ويكون المتيقن في الزمان اللاحق كأنه متيقن الوجود من حين حدوث اليقين بوجوده وقد انتقض اليقين به بطرو الشك في البقاء ، فيصدق بذلك النقض عليه ، كما أنه يصح النهى عنه بحسب البناء والعمل ، بخلاف فرض عدم وجود مقتضى البقاء فيه ، فإنه عليه لا يكون المتيقن متعلقا لليقين بالوجود الا محدودا بزمان خاص وحد مخصوص ، ولا


(77)
كان لليقين بوجوده اقتضاء ترتب الأثر عليه الا كذلك ، فلا يكون رفع اليد عنه في الزمان اللاحق نقضا لليقين به حتى يصح النهى عنه ( والفرق ) بين هذين التقريبين بعد اشتراكهما في كون المصحح لاطلاق النقض في المقام هو تعلقه بنفس اليقين الذي هو من قبيل الامر المبرم ، انه على التقريب ( الأول ) يكون دخل وجود مقتضى البقاء فيه في قلة المسامحة في اعتبار وحدة المتعلقين ( وعلى الثاني ) يكون دخله في المسامحة في اعتبار تعلق اليقين بأمر مستمر باستمرار مقتضيه ، لا في اعتبار وحدة المتعلقين ، بل الوحدة فيهما حينئذ تكون محفوظة دقة لا مسامحة ( هذا ) غاية ما قيل أو يمكن ان يقال في وجه التفصيل بين مورد الشك في الرافع والشك في المقتضى ( ولكن ) في الجميع مالا يخفى.
    ( اما التقريب ) الأول ففيه منع كون العناية المصححة لاطلاق النقض في المقام هي جهة اتصال المتيقن الحاصل من استمراره في عمود الزمان كي يصير صور وجود مقتضى البقاء فيه منشأ لا قربية اعتبار النقض من غيرها فيتعين ارادته عند عدم امكان إرادة المعنى الحقيقي للنقض ( كيف ) ومع الغض عن اقتضائه مساوقة مفهوم النقض المستعمل في أمثال المقام مع مفهوم القطع الطارئ على الهيئات الاتصالية ، يلزمه صحة استعارته في الأمور المبنية على الثبوت والدوام ولو لم تكن ذات اجزاء مبرمة فيلزم صحة اطلاقه في مثل نقضت الحجر من مكانه وصحة صدق نقض القيام والقعود ونحو ذلك من الأمور التي يقطع ببقائه ما لم يرفعه رافع ، مع أن ذلك كما ترى ( بل المصحح ) لاطلاقه في المقام هو ما في نفس اليقين من الابرام والاستحكام الذي لا يزول بالتشكيك نحو الابرام الحاصل في عقود الحبال ، فان مثل هذا العنوان منتزع من مرتبة الجزم الراسخ الذي لا يزول بالتشكيك ، وبهذه الجهة اختص اليقين من بين مراتب الجزم بخصوصية موجبة لصحة إضافة النقض إليه فيشبه النقض المستعمل في أمثال الغزل والحبل ، ولذا لا يضاف النقض إلى غيره من مثل عنوان القطع والعلم والمعرفة فضلا عن الظن والشك ( وما يرى من اطلاقه أحيانا في مورد الشك كما في قوله (ع) ولكن ينقض الشك باليقين فإنما هو من باب الازدواج والمشاكلة ، لامن


(78)
باب استحقاق الشك لصحة إضافة النقض إليه ( كما أن ) نكتة التعبير في أمثال المقام بعنوان اليقين مع كون موضوع الحكم بعدم الانتقاض مطلق الجزم بالشيء انما هو لأجل مناسبة هذا العنوان المبرم مع الحكم بعدم الانتقاض ، فكأنه بعد المسامحة في وحدة متعلق الوصفين ادعى بان مطلق العلم في هذا الباب يقين لا يزول بالتشكيك ولا ينقضه الشك ، لا ان ذلك من جهة غلبة استعمال اليقين في مورد ترتب آثار الواقع دون العلم والمعرفة كما توهم بخيال ان اطلاق العلم والمعرفة غالبا يكون في مقابل الظن والشك ( بل إن تأملت ) ترى ان ما ذكرناه هو المصحح لاستعارة النقض في غير المقام أيضا ، كمورد البيعة والعهد واليمين ، وكذا في مثل الصلاة والوضوء كما في الاخبار ، حيث كان المصحح لاستعماله فيها اعتبار نحو استحكام فيها يشبه الاستحكام الحاصل في عقود الحبال وخيوط الاغزال ، لا ان ذلك من جهة اعتبار هيئة إتصالية امتدادية في متعلقاتها.
    ( وعلى ذلك ) نقول : انه بعد أن كان المصحح لاستعارة النقض في المقام كونه متعلقا بنفس اليقين الذي هو من قبيل الامر المبرم ، لا حيث اتصال المتيقن ، فلا يفرق فيه بين ان يكون متعلقا بما فيه اقتضاء الثبوت والبقاء وبين ان يكون متعلقا بما ليس فيه اقتضاء البقاء ، إذ لا قصور حينئذ في شمول اطلاق اخبار الباب لكل من مورد اليقين بوجود مقتضى البقاء في المتيقن ومورد الشك فيه ( ومعه ) لا مجال لاعتبار استعداد المتيقن للبقاء تصحيحا للنقض وتوطئة للتفصيل المزبور ، لان حيث استعداده للبقاء حينئذ أجنبي عن الدخل في الصحيح المزبور ( كما لا قصور ) أيضا في شمول اطلاقها لمطلق الآثار العملية المترتبة على اليقين أعم من كونها من آثار نفس اليقين كاليقين المأخوذ تمام الموضوع أو جزئه ، أو من آثار الواقع المترتبة عليه لأجل اليقين ( فان المراد ) من مادة النقض المتعلق باليقين بعد أن كان هو النقض الادعائي بحسب البناء والعمل ، لا النقض الحقيقي ، يكون مرجع النهي المستفاد من الهيئة إلى الامر بالبناء على بقاء اليقين بلحاظ ما يترتب عليه من الأعمال الراجع إلى وجوب المعاملة مع اليقين المنقوض معاملة عدمه من حيث الجري العملي ، فكل عمل يجب في حال اليقين


(79)
بشئ يجب في حال الشك في بقائه سواء كان العمل من آثار نفس اليقين كاليقين الموضوعي أو من آثار المتيقن المترتب عليه بسبب اليقين كاليقين الطريقي المحض ( وبذلك ) نلتزم بقيام الاستصحاب مقام العلم الموضوعي على الوجه الطريقي لا الصفتي ما لم يؤخذ في موضوعه نفى الشك ، كما نلتزم بحكومته على سائر الأصول المأخوذ فيها المعرفة غاية للحكم بنحو تمام الموضوعي كما نبهنا عليه غير مرة.
    ( وبما ذكرنا ) يظهر فساد ما أفيد من التقريب الثاني أيضا ، حيث إنه مبني كما اعترف به على كون اليقين في القضية ملحوظا في توجيه النقض إليه طريقا لتوجيه التنزيل إلى المتيقن بلحاظ خصوص الآثار المترتبة عليه ، لا ملحوظا مستقلا على وجه العنوانية ( ومثله ) بمعزل عن التحقيق ، إذ هو خلاف ما يقتضيه ظهور القضية في كون اليقين المأخوذ فيها ملحوظا في إضافة النقض إليه مستقلا ( كما هو ) الأصل المعول عليه في جميع عناوين الألفاظ المأخوذة في طي القضايا من حيث ظهور كل عنوان في الحكاية عن إرادة معناه مستقلا ( مضافا ) إلى استلزامه عدم قيامه مقام العلم الموضوعي ولو على الوجه الطريقي بنحو تمام الموضوع أو جزئه ، وعدم حكومته على سائر الأصول المأخوذ فيها المعرفة غاية تمام الموضوع للحكم بالحلية والطهارة ( بداهة ) ان قيامه مقام العلم المأخوذ تمام الموضوع أو جزئه انما هو من لوازم ثبوت العلم التنزيلي بالواقع ، وهو متفرع على كون نظر التنزيل في القضية إلى نفس اليقين مستقلا ، لا مرآة إلى المتيقن ولا طريقا إلى الواقع كي يختص بخصوص آثار الواقع المترتب عليه لأجل اليقين ولا يعم آثار نفس اليقين ( فان ) هذا المقدار وان كان مجديا في قيامه مقام القطع الطريقي المحض ، الا انه لا يجدي في قيامه مقام العلم المأخوذ في الموضوع على نحو جزء الموضوع أو تمامه ولو على الوجه الطريقي لا الصفتي ، ولا يصحح حكومته على مثل دليل الحلية المأخوذ فيه المعرفة غاية بنحو تمام الموضوع بلا دخل للحرمة الواقعية ابدا ( ومن هنا ) التجاء المحقق الخراساني قدس سره إلى جعل تقديمه على مثل هذه الأدلة بمناط الورود لا الحكومة ، بدعوى ان الغاية فيها هي المعرفة بمطلق الحرمة والنجاسة ولو ظاهرية ، وان كان ما افاده أيضا لا يخلو من اشكال بلحاظ ظهور هذه


(80)
القضايا في اتحاد متعلق الشك واليقين الموجب لكون الغاية فيها خصوص المعرفة بالحكم الواقعي الذي تعلق به الشك لا مطلق المعرفة بحكم الشيء ولو ظاهريا ( فان ) التزامه بتقديمه على تلك الأدلة بمناط الورود لا الحكومة لا يكون الا لما ذكرنا من انتفاء الحكومة على هذا المسلك ( ومن هنا ) نقول : ان كل من التزم بقيام الاستصحاب مقام العلم الموضوعي ولو على الوجه الطريقي لا الصفتي ، وحكومته على سائر الأصول المغيا بالعلم والمعرفة كالشيخ قدس سره لا محيص له من التزام بان اليقين في لا تنقض ملحوظ في تعلق النقض به على وجه الاستقلال بنحو يكون محيط التزيل هو نفس اليقين بلحاظ ما يترتب عليه من الأعمال المخصوصة المتمشية من المكلف ، ولازمه المصير إلى عمومه لمطلق آثار العلم حتى المترتبة عليه من جهة احكام نفسه ، كما أن لازمه المصير إلى عموم الحجية حتى في مورد عدم احراز استعداد المتيقن للبقاء ( لما عرفت ) من أن حيث استعداد المتيقن للبقاء حينئذ غير مرتبط بصدق النقض حتى يلزم مراعاته تصحيحا للنقض ( نعم ) انما يثمر ذلك في فرض ارجاع التنزيل في القضية إلى المتيقن ، اما بأخذ اليقين في القضية مرآة للمتيقن في توجيه النقض إليه ، أو طريقا لايصال التنزيل إليه بحيث يكون لحوق النقض باليقين من ناحية المتيقن ( ولكن ذلك ) مضافا إلى كونه خلاف ظاهر القضية ، موجب لانهدام أساس حكومة الاستصحاب على سائر الأصول المغيا بالمعرفة ، وعدم قيامه مقام العلم الموضوعي ( ومن العجب ) ان بعض الأعاظم قدس سره مع التزامه في المقام برجوع النهي عن نقض اليقين في القضية إلى وجوب ترتيب خصوص آثار المتيقن المرتبة عليه لأجل اليقين والتفصيل لأجله بين الشك في الرافع والمقتضى ، التزم بحكومة الاستصحاب على الأصول المغيا بالعلم والمعرفة وقيامه مقام العلم الموضوعي ( ويا ليت ) شعري انه مع التزامه بذلك كيف يصح حكومة الاستصحاب على سائر الأصول المغيا بالمعرفة وقيامه مقام العلم الموضوعي على الوجه الطريقي ، ( إذا ) الالتزام بكون اليقين بعنوانه ملحوظا استقلالا في مقام التنزيل لا يناسب القول باعتبار احراز استعداد المتيقن للبقاء توطئة لصدق النقض وتصحيحا له ، كما أن تسليم كون المتيقن هو المنزل حقيقة


(81)
بلحاظ ما يترتب عليه من الآثار وان عناية لحوق النقض باليقين كان من ناحية المتيقن لا بما هو هو لا يناسب القول بحكومة الاستصحاب على الأصول المغيا بالعلم كما هو ظاهر.
    ( فالتحقيق ) حينئذ ما ذكرناه من أن المصحح لاطلاق النقض في المقام هو تعلقه بنفس اليقين الذي هو من قبيل الامر المبرم وان اليقين في القضية مع كونه مأخوذا على وجه الطريقية لا الصفتية ملحوظ في تعلق النقض به استقلالا بما هو هو بلحاظ ما يترتب عليه من الأعمال ، ولا مرآة لمتعلقه ليكون محط التنزيل حقيقة هو المتيقن ، ولا طريقا لايصال التنزيل إلى متعلقة كسائر العناوين الطرقية ، ليكون مرجع النهي عن نقضه إلى الامر بترتيب خصوص آثار الواقع المترتبة عليه لأجل اليقين ولا يشمل آثار نفسه ( فان لازمه ) هو المصير إلى عموم الحجية لمورد الشك في الرافع والمقتضى ، كما أن لازمه هو الاخذ باطلاق التنزيل لمطلق ما يترتب على اليقين من الأعمال حتى بالنسبة إلى ما يترتب عليه من جهة احكام نفس اليقين لرجوع النهي عن نقضه حينئذ إلى الامر بالبناء على بقاء اليقين ووجوب العمل حال الشك في البقاء عمل حال اليقين به كما لو كان متيقنا بالبقاء وجدانا ، كان العمل مستندا إلى اثر شرعي لنفس اليقين ، أو كان مستندا إلى اثر شرعي للمتيقن ( واما توهم ) عدم امكان شمول التنزيل في هذه الأخبار لكل من آثار نفس اليقين و آثار المتيقن المرتبة عليه لأجل اليقين لاستلزامه محذور اجتماع اللحاظين المتنافيين في اليقين استقلالا ومرآة ( فمدفوع ) بأنه بعد أن كان للأثر المترتب على الواقع أيضا إضافة إلى اليقين لكونه سببا لترتب أعماله عليه ، يكون معدودا من آثاره وبهذه الجهة يكون اليقين ملحوظا في توجيه التنزيل إليه بلحاظ واحد وهو اللحاظ الاستقلالي ( وان شئت ) قلت إن هذا الاشكال انما يرد لو كان التنزيل بلحاظ الآثار الشرعية المتمشية من الشارع ، لا بلحاظ الآثار العملية المتمشية من المكلف ، والا فلا مورد لهذا الاشكال ، لان ترتب هذه أيضا انما يكون على اليقين بالأحكام الشرعية لا على نفس الواقع ، ومعه لا يكون اليقين في القضية الا ملحوظا مستقلا بلحاظ ما يترتب عليه من الأعمال ، ولازم اطلاق


(82)
التنزيل حينئذ هو العموم لمطلق ما يترتب عليه من الأعمال سواء كان العمل من جهة احكام نفس اليقين كاليقين الموضوعي أو من جهة احكام المتيقن كاليقين الطريقي كما في مورد الرواية ( وبذلك ) انقدح انه لا وجه لما في الكفاية من الاشكال في المقام بقوله لا محيص عنه ، كما لا وجه أيضا لما افاده في الجواب عنه بقوله : انما يلزم ذلك لو كان اليقين بنفسه ملحوظا بنحو المرآتية وبالنظر الآلي كما هو الظاهر في مثل قضية لا تنقض حيث تكون ظاهرا عرفا في أنها كناية عن لزوم البناء والعمل الخ ( إذ فيه ) أولا منع الاستظهار المزبور ، بل ظاهر القضية خلافه لظهورها في أن اليقين فيها ملحوظ في مقام الاستعمال وتوجيه النقض إليه بما هو هو استقلالا لا مرآة إلى متعلقه ، كما هو الأصل المعمول عليه في جميع عناوين الألفاظ الواقعة في طي القضايا الطلبية وغيرها في ظهور كل عنوان في الحكاية عن إرادة مفهومه استقلالا ( واما ما افاده ) من الاشكال على هذا التقدير فقد عرفت انه غير وارد وانه لا يكاد ينافي ذلك مع مورد الرواية ( وثانيا ) لا وجه لجعل اليقين في القضية بمفهومه مرآة إلى المتعلق ، لان لازم المرآتية على ما اعترف به في المعان الحرفية ان يكون اليقين بمفهومه مغفولا عنه في مقام الاستعمال ، مع أن اليقين في هذه القضية ليس كذلك قطعا ، بل لازم ذلك هو ان يكون لفظ اليقين الذي هو من الأسماء مستعملا حسب مختاره في خلاف وضعه ، فإنه على مختاره من وحدة المعنى الاسمي والحرفي ذاتا موضوع لان يلاحظ مفهومه حين الاستعمال مستقلا بما هو هو وفي نفسه ، بخلاف الحرف ، فإنه موضوع لان يلاحظ مفهومه حين الاستعمال مرآة لمتعلقه ( ودعوى ) سراية المرآتية من مصاديقه الخارجية إلى مفهومه بلحاظ ان الطبيعي عين مصاديقه فيتبع مصاديقه في الآلية والاستقلالية ( مدفوعة ) بمنع سراية المرآتية من المصداق الذي هو اليقين الخارجي إلى المفهوم منه ، بداهة كمال الالتفات حين الاستعمال من مثل هذا اللفظ إلى مفهوم نفسه ولذا قد يجعل كونه تمام الموضوع أو جزئه ( كيف ) ولازم سراية المرآتية من المصداق الخارجي إلى المفهوم منه هو عدم الالتفات إلى حيث استحكامه أيضا ، ومعه كيف يمكن جعل هذه الجهة مصححا لإضافة النقض إليه ، فلابد حينئذ من


(83)
الالتزام بان المصحح لاطلاق النقض هو حيث اتصال المتيقن الناشئ من اقتضائه للبقاء والدوام ، وهو خلاف مختاره من كون المصحح له هو ما في نفس اليقين من الابرام ولا استحكام ان يقال : ان شأن المرآت وان كان هو الغفلة عن ذاتها ولكن بعد سراية صفاتها إلى مرئيها كما في تلون السراج بلون الزجاج لا بأس بدعوى اكتساب المتيقن من اليقين حيثية الابرام والاستحكام ، فإنه لأجل هذا الاكتساب يصير المتيقن كأنه مستحكما بنحو استحكام اليقين ويكتفى بهذا المقدار في عناية اطلاق النقض ولو لم يكن فيه اقتضاء البقاء والاستمرار.
    ( ولعمري ) ان المنشأ كله في الالتزام بمرآتية اليقين وطريقيته في توجيه النقض إليه هو تخيل ان التنزيل في القضية ناظر إلى الأحكام الشرعية لا إلى مطلق الآثار العملية ، ان مرجع النهي المستفاد من الهيئة إلى جعل مماثل المتقين تعبدا إذا كان حكما ولحكمه إذا كان موضوعا ، حيث إنه بعد أن يرى أن اليقين الطريقي المحض ليس له اثر شرعي مجعول وانه لا يمكن ان يراد من النهي عن نقض اليقين بالشك اليقين الموضوعي وآثاره لمنافاته مع المورد بلحاظ ان الحكم المترتب في مورد الرواية على حرمة النقض هي صحة الصلاة ونحوها وهي من احكام الطهارة الواقعية المشكوكة لا من احكام اليقين بها ، التجأ إلى جعل اليقين في القضية مرآة إلى متعلقه أو طريقا لتوجيه التنزيل إليه بلحاظ الأحكام الشرعية المترتبة عليه كي لا يشمل آثار نفس اليقين حذرا من لزوم محذور اجتماع اللحاظين في اليقين استقلالا ومرآة ( والا ) فلو دقق النظر وأبقى اليقين في القضية على ظاهره في كونه ملحوظا مستقلا بلحاظ جميع ما يترتب عليه من الأعمال المتمشية من المكلف ، فلا محذور في الاخذ باطلاقه حتى بالنسبة إلى الأعمال المرتبة على اليقين من جهة احكام نفسه ، إذ مرجع النهى عن نقضه حينئذ إلى الامر بالبناء على بقاء اليقين ووجوب ترتيب اعمال اليقين بالبقاء كما لو كان حاصلا له بالوجدان ، كان العمل مستندا إلى اثر شرعي لنفس اليقين كاليقين الموضوعي ، أو كان مستندا إلى اثر شرعي للمتيقن كما في مورد الرواية.
    ( ثم انه ) يترتب على هذين المسلكين نتائج مهمه ( منها ) حكومة


(84)
الاستصحاب على مسلك المختار على الأصول المغياة بالمعرفة ، وقيامه مقام اليقين المأخوذ في الموضوع على الوجه الطريقي بنحو تمام الموضوع أو جزئه ما لم يؤخذ فيه نفى الشك ( بخلاف المسلك الاخر ) فإنه عليه لا مجال لقيامه مقام اليقين الموضوعي ، ولا لتقديمه على مثل تلك الأصول بمناط الحكومة ، بل لابد وأن يكون بمناط آخر غير الحكومة من الورود أو التخصيص ( ومنها ) انه على المختار لا قصور في شمول الاخبار للموارد التي يكون الشك فيها في بقاء المستصحب ملازما مع الشك في القدرة على امتثال حكمه كالحياة التي هي موضوع وجوب الاكرام والاطعام ونحو ذلك ، فإنه على المختار لا قصور في جريان الاستصحاب فيها فيجب في نحو المثال ايجاد مقدماته إلى أن ينكشف الحال ، بخلاف المسلك الاخر ، فإنه عليه يشكل جريان الاستصحاب في القرض المزبور ، لان جعل الحكم الظاهري مع الشك في القدرة على امتثاله غير معقول ( ومنها ) غير ذلك مما يأتي الإشارة إليه في تنبيهات المسألة ( وكيف كان ) فهذا كله في الجواب عن التقريبين الأولين.
    ( واما التقريب الثالث والرابع ) فيرد عليها انه لا اعتبار بمثل هذه الاعتبارات بعد اكتفاء العرف في وحدة متعلق الوصفين وصدق النقض في المقام بصرف وحدتهما ذاتا والتغافل عن التقطيع الزماني الحاصل فيه في تعلق الوصفين ، فإنه بذلك يرى كون الشك ناقضا لليقين فيصدق نقض اليقين بالشك ، بلا احتياج إلى اعمال عناية في اليقين في تصحيح إضافة النقض إليه ، خصوصا مع بعده عن أذهان العرف ، واقتضائه للالتزام بشمول اخبار الباب لقاعدة المقتضي والمانع بلحاظ ان اليقين بوجود مقتضى الشيء بالعناية عين اليقين بالشيء الذي شك في بقائه ، مع انحفاظ.
    وحدة المتعلقين فيه دقة أيضا ( فإنه ) لا يندفع هذه الشبهة الا بما ذكرنا من الارتكاز العرفي في مثل القضية على تجريد متعلق الشك واليقين عن التقطيع الزماني الحاصل فيه في تعلق الوصفين ، وتقديم المسامحة في وحدة المتعلقين على العناية في اليقين في صدق النقص واستناده إلى اليقين.
    ( وبهذه ) الجهة منعنا عن جعل اليقين بالوضوء في صغرى القياس في الرواية


(85)
قرينة على تعدد متعلق الوصفين ، لتكون الكبرى دليلا على قاعدة المقتضى والمانع ، ويكون المراد منها عدم نقض اليقين بالمقتضى بالشك بالمانع من نحو النوم وأمثاله ( حيث ) قلنا ان ظهور القضية عرفا في وحدة متعلق الوصفين ، وفي كون نقض اليقين بالشك من جهة المعاندة بين نفس الوصفين لا من جهة المعاندة بين متعلقيهما ، بمثابة لا يكون قابلا للانكار ، فلابد من جعل اليقين بالوضوء في صغرى القياس كناية عن اليقين بأثره وهو الطهارة القابلة لتعلق الشك ببقائها كي بعد التجريد عن التقطيع الزماني يتحد متعلق الوصفين ، فيصدق على اليقين به انه يقين حقيقي بشيء قد شك في بقائه ، لا يقين عنائي ، هذا ( مضافا ) إلى استلزام القول بالتفصيل المزبور لسد باب الاستصحاب في الأحكام التكليفية رأسا في الشبهات الحكمية ، بل الموضوعية أيضا الا في موارد نادرة ، كمورد الشك في النسخ ، أو المبتلى بالمزاحم الأهم ، أو حصول ما يرتفع به فعلية التكليف ، كالشك في لزوم العسر والحرج أو الضرر ونحو ذلك من العناوين الثانوية الموجبة لارتفاع فعلية التكليف ( فإنه ) بعد تبعية التكاليف على مذهب العدلية للمصالح والملاكات الكائنة في متعلقاتها ، لا يكاد مورد يشك فيه في بقاء الحكم الشرعي الا ويشك في ثبوت الملاك الذي اقتضى حدوثه ( وتوضيح ذلك ) هو ان مقتضى الشيء في الأمور التكوينية كما يكون ، تارة مؤثرا في صرف حدوث الشيء لا في بقائه ، نظير البناء والبناء ، وأخرى مؤثرا في بقائه أيضا بحيث يدور الأثر في بقائه مدار بقاء علته نظير الفئ للشيء ( كذلك ) يتصور ذلك في الأمور التشريعية ( فان ) ما يدعو إلى جعلها وتشريعها من المصالح والملاكات النفس الامرية ، تارة على نحو يقتضى صرف تشريع الحكم واحداث جعله بلا دخل له في بقائه بل كان المجعول في بقائه مستندا إلى استعداد ذاته ، وأخرى على نحو يكون مقتضيا لبقائه أيضا ، بحيث يفتقر المجعول في بقائه إلى بقاء ما يقتضى حدوثه من الملاكات والمصالح النفس الامرية ( وبعد ) ذلك نقول : ان الأحكام الوضعية انما تكون من قبيل الأول في أن المقتضى لجعلها من أسبابها مؤثرا في احداثها فقط ، وان بقائها كان مستندا إلى استعداد ذاتها ، ولا ترتفع الا


(86)
بطرو رافع لها كالملكية والزوجية ونحوهما من الوضعيات ، فلو شك في بقائها أحيانا كان الشك فيها من جهة الشك فيما يزيلها وهو الرافع لا من جهة الشك في المقتضى ( واما الاحكام ) التكليفية فهي طرا من قبيل الثاني في أن المقتضى لاحداثها من المصالح والاغراض الكائنة في متعلقاتها هو المبقي لها أيضا ( بداهة ) ان الإرادة الحقيقية وكذا الكراهة التي هي روح الوجوب والحرمة انما تتبعان المصالح والاغراض الكائنة في متعلقاتهما ( فمهما ) كان الشيء فيه المصلحة يتعلق به الإرادة الحقيقية من المولى ، فيريد حصوله ويبعث نحوه ( ومهما ) لم تكن فيه المصلحة أو كانت فيه ولكن انتفت عنه بجهة من الجهات تنتفي عنه الإرادة بمباديها فلا يريد حصوله وتحققه ولا يبعث نحوه ( فإذا ) شك حينئذ في بقاء الحكم الشرعي بجهة من الجهات يكون الشك فيه لا محالة راجعا إلى الشك في وجود مقتضى البقاء فيه أعني الملاك والمصلحة لاستحالة استعداد التكليف للبقاء بدون بقاء المصلحة في متعلقه ، فيلزم من القول بعدم حجية الاستصحاب عند الشك في المقتضى سد باب الاستصحاب في الأحكام التكليفية الا في موارد نادرة كمورد الشك في السنخ بناء على كونه رفعا لا دفعا ، وموارد الشك في فعلية التكليف من جهة الشك في طرو ما يمنع عن فعليته من وجود مزاحم أو طرو عجز عن امتثاله ونحوه ، وهو كما ترى ، فان حصر مورد تلك الأخبار الكثيرة الدالة بالسنة مختلفة وتأكيدات بليغة على عدم نقض اليقين بالشك في التكليفيات بالموارد النادرة من البعد بمكان لا يخفى على العارف بأساليب الكلام ( خصوصا ) مع عدم الحاجة إلى الاستصحاب عند التأمل في أكثر الموارد المزبورة ، بلحاظ ان موارد الشك في وجود المزاحم مما استقرت عليه السيرة العرفية وبناء العقلاء على لزوم الجري على طبق المقتضى وعدم الاعتناء باحتمال وجود المزاحم الأقوى إلى أن ينكشف الحال ، نظير بنائهم على حجية العام ووجوب العمل به عند عدم قيام حجة أقوى على خلافه ، ولذا لا يعتنون باحتمال وجود خاص أو معارض في البين على الخلاف ، كما أن موارد الشك في التكليف من جهة الشك في قيد من القيود زمانا أو زمانيا مما يرجع إلى الشك في القدرة أيضا كذلك ، لاستقلال العقل عند


(87)
احراز ملاك التكليف والشك في القدرة بلزوم الاحتياط وعدم الاعتناء باحتمال عدم القدرة على الامتثال ( فالتحقيق ) حينئذ هو حجية الاستصحاب مطلقا سواء في الشك في المقتضى أو الرافع أو رافعية الموجود ، وسواء فيه بين كون المستصحب مغيا بغاية شك في تحققها من جهة الشبهة الحكمية أو المفهومية أو الموضوعية ، وبين غيره كل ذلك لعموم حرمة نقض اليقين بالشك الشامل لجميع هذه الأقسام : وانما أطلنا الكلام في المقام حرصا لدفع بعض الشبهات عن الأذهان الناشئ من مصير مثل الشيخ قدس سره إلى التفصيل المزبور والله العالم بحقائق الأمور ( هذا كله ) في التفصيل الأول.
    ( واما التفصيل الاخر ) وهو المنسوب إلى الفاضل التوني قده بين الأحكام التكليفية والوضعية بحجية الاستصحاب في الأول دون الثاني ( فمنشئه ) هو تخيل ان الأحكام الوضعية أمور عقلية انتزاعية لا تكون بنفسها اثرا مجعولا ولا موضوعا لاثر كذلك حتى يجري فيها الاستصحاب ( ولكنه تخيل فاسد ) فان قصر حجية الاستصحاب بما إذا كان المستصحب كذلك دعوى بلا بينة ولا برهان ( فان ما لابد منه ) في باب الاستصحاب هو ان يكون الأثر المصحح لجريانه مما امر رفعه ووضعه بيد الشارع ولو بتوسيط منشأ انتزاعه ، إذ لا نعني من شرعية الأثر ومجعوليته في نحو المقام الا هذا المقدار ( وبعد ) ان كانت الأحكام الوضعية طرا مما ينتهي أمرها إلى الشارع وتنالها يد الجعل والرفع التشريعي ولو بتوسيط مناشئها ، فلا محالة يجري فيها الاستصحاب لعموم أدلته القاضي بعدم اختصاصه بما هو اثر شرعي بنفسه بلا واسطة ( وعليه ) فلا وقع لهذا التفصيل ، ولا يحتاج في دفعه بأزيد مما ذكرناه
وحيث انتهى الكلام إلى ذلك
    فالحري هو عطف عنان القلم إلى البحث عن حقيقة الأحكام الوضعية وبيان مجعوليتها أو انتزاعيتها وتفصيل أقسامها بقدر ما يسعه المجال ( فنقول ) : وعليه الاتكال انه قد اختلف كلماتهم في الأحكام الوضعية ( تارة ) في عددها ومقدارها ( وأخرى )


(88)
في مجعوليتها وانتزاعيتها ( وذلك ) بعد وفاقهم على مجعولية الأحكام التكليفية ، كما ينبئ عنه تخصيصهم النزاع في المجعولية بالأحكام الوضعية ( ولعل ) نظرهم في تسلم الجعل في باب التكليف إلى مرحلة البعث والالزام والايجاب المنتزع من مرحلة انشاء الآمر على وفق ارادته ، بلحاظ ما يرى من احتياج مثل هذه العناوين في تحققها إلى انشاء الحاكم بحيث لولا انشائه لما كان لاعتبارها مجال ولو مع تحقق الإرادة الحقيقية من الآمر فعلا ، لأنه حينئذ وان صدق انه مريد بالفعل ويحكم العقل أيضا بوجوب الامتثال مع العلم بإرادة المولى ، ولكن لا يصدق عليه انه ملزم ولا موجب ولا باعث ( كما ) لعله إلى ذلك نظر من جعل حقيقة الطلب غير الإرادة ، فكان الغرض من الطلب هو هذا الامر الاعتباري المنتزع من مرحلة الانشاء ، لا انه معنى آخر قائم بالنفس غير الإرادة على وجه يحكى عنه الانشاء كحكايته عن الإرادة حتى يتوجه عليه انه لا يتصور معنى آخر قائم بالنفس غير الإرادة يسمى بالطلب ، وباستلزامه للالتزام بالكلام النفسي ( ولكن ) دقيق النظر يقتضى خلافه وانه لا يرتبط باب التكليف بالأمور الجعلية الا بنحو من الادعاء و العناية كما سنشير إليه ( فان ) الحقايق الجعلية عبارة عن اعتبارات متقومة بالانشاء الناشئ عن قصد التوصل به إلى حقايقها على نحو يكون القصد والانشاء واسطة في ثبوتها ومن قبيل العلة التامة لتحققها بحيث لولا القصد والانشاء لما كان لها تحقق في وعاء الاعتبار المناسب لها كما هو الشأن في جميع الأمور القصدية كالتعظيم والتوهين والملكية ونحوها من العناوين التي يكون الجعل المتعلق بها مصحح اعتبارهما في موطنها ( وبذلك تمتاز ) عن الأمور الاعتبارية المحضة التي تتبع صرف لحاظ المعتبر وتنقطع بانقطاعه كأنياب الأغوال ، منها الأمور الادعائية في موارد التنزيلات كالحياة ونحوها ، فإنها ليست مما يتعلق به الجعل بالمعنى المتقدم ولا كان لها واقعية ولا تقرر في وعاء الاعتبار وان اطلاق الجعلية عليها انما هو بمعنى الادعاء ( كما انها ) تمتاز بذلك عن الأمور الانتزاعية ، إذ هي تابعة لمنشأ انتزاعها قوة وفعلية ولا تقوم لها بالجعل والانشاء ( نعم ) قد يكون الجعل محقق منشأ انتزاعها فيما إذا كان منشأ الانتزاع من الاعتباريات الجعلية كمفهوم الملكية


(89)
بالنسبة إلى حقيقتها الحاصلة بالجعل والانشاء.
    ( وبعد ما عرفت ) ذلك نقول : ان من المعلوم عدم تصور الجعلية بالمعنى المزبور في الأحكام التكليفية في شيء من مراتبها ( واما بالنسبة ) إلى مرحلة المصلحة والعلم بها فظاهر ( واما ) بالنسبة إلى لب الإرادة التي هي روح التكليف ، فلأنها من الكيفيات النفسانية التابعة للعلم بالمصلحة في الشيء بلا مزاحم لمفسدة أخرى فيه أو في لازمه فلا ترتبط بالانشائيات ( وهكذا ) الامر بالإضافة إلى الانشاء المبرز للإرادة ، فإنه أيضا امر واقعي وكان من مقولة الفعل الخارج عن الاعتباريات الجعلية ، فلا يبقى حينئذ الامر حلة الايجاب والبعث واللزوم ونحوهما من العناوين المنزعة من ابراز الإرادة بالانشاء القولي أو الفعلي وهذه أيضا غير مرتبطة بالجعليات المتقومة بالانشاء والقصد ( لأنها ) اعتبارات انتزاعية من مرحلة ابراز الإرادة الخارجية ، حيث ينتزع العقل كل واحدة منها من الانشاء المظهر للإرادة بعنايات خاصة ( ولذا ) يكتفى في انتزاع تلك الأمور ، وكذا في حكم العقل بلزوم الاتباع بصرف انشاء الآمر بداعي الاعلام بإرادته ولو لم يقصد به مفهوم الطلب ولا خطر بباله عنوان البعث والايجاب ، ( وعليه ) فلا أصل لما اشتهر وتداول في الألسنة من جعلية الأحكام التكليفية ( نعم ) لا بأس بدعوى الجعل فيها بمعنى التكوين والايجاد ولو بلحاظ ايجاد المنشأ القهري لا القصدي للاعتبارات المزبورة ، فإنها بهذه الجهة تكون تابعة لما بيد الشارع وضعه ورفعه وهو الطلب والامر الذي هو عين انشائه الاختياري بالقول أو الفعل ، فيكون الغرض من جعليتها حينئذ مجرد احتياجها في مقام انتزاع مفاهيمها إلى الانشاء المبرز للإرادة ، لا الجعلية بالمعنى المتقوم بالقصد والانشاء من القول أو الفعل الجاري في الأحكام الوضعية كما هو ظاهر ( هذا كله ) في الأحكام التكليفية.
    ( واما الأحكام الوضعية ) فقد عرفت اختلافهم فيها ، تارة في تعدادها وأخرى في جعليتها وانتزاعيتها من التكليف بعد الفراغ عن كونها بحقايقها من الأمور الاعتبارية وخارجات المحمول ، لا المحمولات بالضمية ، وعدم انتزاعها من الجهة التي ينتزع عنها مفاهيم التكاليف ، والا يلزم مرادفتها مع مفهوم التكليف من الوجوب


(90)
والحرمة ( ولكن ) الجهة الأولى لا يهمنا التكلم فيها لعدم ترتب ثمرة مهمة عملية أو علمية عليها ، مع وضوح ان ملاك حكميتها انما هو بانتهائها إلى جعل الشارع تأسيسا أو امضاء وارادته في مقام التشريع بلا واسطة أو معها ، حيث إنه بذلك ينضبط وضعية الحكم ويميز عن غيره لانحصار مصداقه حينئذ بالاعتباريات المجعولة أو المنتزعة بحقايقها عن التكليف ( وانما المهم ) هو التكلم فيها من الجهة الثانية في أن حقايقها مجعولة بالجعل المتعلق بها أصالة أو تبعا ، أو انها منتزعة من التكليف محضا ( وتنقيح المقال فيها ) يستدعى افراد كل ما عد كونه من الوضعيات بالبحث ليتضح ما هو المجعول منها استقلالا أو تبعا ، وما هو المنتزع من التكليف محضا.
    ( فنقول ) ان ما عدا كونه من الوضعيات أمور ( منها ) الجزئية والشرطية والمانعية والسببية ( وقد يتوهم ) كونها بأجمعها أمورا انتزاعية صرفة من التكليف لا تنالها يد الجعل التأسيسي والامضائي لا استقلالا ولا تبعا ( ولكنه ) توهم فاسد ( بل الحري ) الحقيق هو التفصيل بين المذكورات فنقول : ( اما الجزئية ) للواجب فهي كما أفادوه انتزاعية صرفه من التكليف المتعلق بعدة أمور متكثرة خارجية ( بداهة ) ان اعتبار عنوان الجزئية للشيء في المركبات الاعتبارية كعنوان الكلية انما ينتزع من نحو ارتباط بين الأمور المتكثرة الحاصل من طرو وحدة اعتبارية عليها من قبل وحدة التكليف أو اللحاظ أو الغرض ونحوها ، حيث إنه بطرو إحدى الوحدات عليها يحصل نحو ارتباط بين تلك الأمور ، فينتزع به عنوان الجزئية لكل واحد منها وعنوان الكلية للمجموع ويختلف ذلك باختلاف ما يضاف إليه الجزئية من الملحوظ أو الغرض أو الواجب والمأمور به ، والا فمع قطع النظر عن طرو وحدة ما عليها لا كلية ولا جزئية بل لا تكون الا متكثرات خارجية ( وعليه ) فمنشأ اعتبار الجزئية للواجب يتمحض بالوحدة الطارية على المتكثرات من قبل تعلق تكليف واحد بها وانبساطه عليها دون غيرها من الوحدات الاخر لحاظية أو غيرها ، وبدونه لا مجال لاعتبار الكلية ولا الجزئية بالإضافة إلى الواجب ، وان كان هناك وحدات اخر لحاظية أو غيرها ، لان هذه انما تجدي في اعتبار الجزئية بالنسبة إلى الملحوظ وغيره لا بالنسبة إلى الواجب
نهاية الافكار ـ الجزء الرابع القسم الاو ::: فهرس