نهاية الافكار ـ الجزء الرابع القسم الاول ::: 91 ـ 105
(91)
والمأمور به كما ) هو ظاهر ( هذا كله ) بالنسبة إلى عنوان الجزئية للواجب ولقد عرفت كونها انتزاعية محضة عن التكليف لا مجعولة بالجعل الاستقلالي ، بل ولا التبعي أيضا الا بضرب من المسامحة ولو باعتبار إناطتها لسعة دائرة التكليف وانبساطه بنحو يشمل ذات الجزء الكذائي فيقال بهذه العناية انها مجعولة قهرا تبعا لجعل التكليف وبسطه على الذوات المعروضة له.
    ( واما الشرطية ) والمانعية ( فيقع الكلام ) فيهما تارة في شرطية الشيء ومانعيته للواجب ، وأخرى للوجوب والتكليف ( اما الأول ) فلا شبهة في عدم كونها من الأحكام الوضعية المجعولة ولا المنتزعة من التكليف ( اما عدم ) مجعوليتها بالجعل المستقل فظاهر ( واما ) عدم انتزاعيتها من التكليف ، فلأنها أمور واقعية منتزعة من الإضافة والربط بين الشيء وذات الواجب في المرتبة السابقة على وجوبه ، بحيث كان الوجوب قائما بالربط المزبور ، كقيامه بذات العمل ( لوضوح ) ان شرطية الشيء للواجب كعنوان مقدميته انما تنتزع من الجهة التي تكون علة لسراية الوجوب الغيري إلى الذات ، المتصفة بهذا الوصف ، وهي لا تكون الا عبارة عن طرفية الشيء للإضافة والقيد الذي هو معروض الوجوب ( فان ) كون الشيء قيدا للواجب ومقدمه له ليس الا كونه طرفا لشخص الإضافة والتقيد المأخوذ في موضوع الوجوب ، ولأجل هذه الطرفية تكون الإضافة المعبر عنها بالتقيد قائمة به ، فيصير مثله مقدمة للتقيد الذي هو معروض الوجوب ، فيسري إليه الوجوب الغيري ( والا ) فمع قطع النظر عن طرفيته للتقيد الذي هو جزء موضوع الوجوب لاوجه لمقدميته للواجب ولا لسراية الوجوب الغيري إليه ( لان ) ذات الشرط بالإضافة إلى ذات الواجب ربما يكون في عرض واحد بلا تقدم رتبي لأحدهما على الآخر ( وحينئذ ) فإذا كان عنوان شرطية الشيء للواجب كعنوان مقدميته منتزعا من جهة دخله وطرفيته للتقيد الذي هو جزء موضوع الوجوب ، ( نقول ) : ان من البديهي أجنبية مثل هذه الطرفية والإضافة المزبورة عن مرحلة التشريعيات الجعلية والانتزاعيات من التكليف ، إذ هي بذاتها من الأمور الواقعية القائمة بين الشيئين والمحفوظة بذاتها قبل التكليف


(92)
( والتشريع ) انما هو يدخل مثلها في موضوع التكليف لا بايجاد حقيقتها ، فيستحيل تحققها من قبل التكليف المتأخر رتبة عنها ( نعم ) ما هو جاء من قبل التكليف انما هو اضافتها إلى الواجب بوصف وجوبه ( حيث ) انه بتشريع دخلها في موضوع الحكم وتعلق الوجوب بالذات المرتبط على نحو خروج القيد ودخول التقيد يصير القيدية المحفوظة بذاتها مضافة إلى الواجب ، نظير إضافة سائر الأمور إليه من نحو مكان الواجب وزمان الواجب ( ففي الحقيقة ) التكليف انما كان مقوم إضافة القيدية إلى الواجب ، لا انه مقوم ذات المضاف وهي القيدية والشرطية ( وهكذا الكلام ) في المانعية حيث إنها كالشرطية منتزعة من تقيد الشيء بعدم امر كذا ولا دخل للامر والتكليف الا في اضافتها إلى الواجب كما هو ظاهر.
    ( وبما ذكرنا ) اتضح الفرق بين الجزئية وبين الشرطية والمانعية ( فان ) الجزئية بحقيقتها منتزعة من الوحدة الاعتبارية الطارية على الأمور المتعددة من قبل تعلق تكليف واحد بها ، فالتكليف بالنسبة إليها محقق حقيقة المضاف وهي الجزئية واضافتها إلى الواجب بحيث لولاه لا يكون منشأ لاعتبار أصل الجزئية للواجب ، بل وحدة أخرى لحاظية أو غيرها ، بخلاف الشرطية والمانعية ( فان ) حقيقة الشرطية والمانعية انما نشأت من طرفية الشيء للإضافة المحفوظة بذاتها قبل التكليف وبعده والتكليف انما كان منشأ لمجرد إضافة الشرط إلى الواجب كمنشئيته لإضافة سائر الأمور إليه كالمكان والزمان ونحوهما ( وعليه ) فلا مجال لجعل مثل الشرطية والمانعية في عداد الجزئية التي من الانتزاعيات الصرفة هي بذاتها انتزاعية صرفة من التكليف ، الا بالالتزام بانتزاع الشرطية والمانعية من تلك الإضافة الجائية من قبل التكليف ، لا من واقع الإضافة المأخوذة في الموضوع وطرفية الشيء لها ، ومثله كما ترى لا يمكن الالتزام به ( إذ لازمه ) عدم صحة انتزاع قيدية شيء لشيء لولا وجود حكم في البين ، مع أن البداهة قاضية بفساده ، لوضوح ان الشيء قد يكون قيدا للشيء وطرفا لإضافته. ولو لم يكن في العالم حكم كالرقبة المؤمنة وزيد العالم ( بل ولازمه ) ادخال سائر الأمور المضافة إلى الواجب في الأحكام الوضعية أيضا كزمان الواجب ومكانه ونحوهما مما كان تأخره عن


(93)
الواجب بصرف اضافته إلى الواجب لا بنفس ذاته ، بلحاظ ان اضافتها إلى الواجب انما هي كإضافة القيد والشرط إليه ، ومثله لا يظن التزامه من ذي مسكة ( فيكشف ) ذلك عن خروج مثل الشرطية والمانعية للواجب عن كونه من الأحكام الوضعية ، فان العبرة في وضعية الحكم انما هو بكون الشيء من الاعتبارات المجعولة بجعل من الجاعل وارادته في مقام التشريع ، أو بكونه من الاعتباريات المنتزعة المتأخرة بذاتها من التكليف ، لا بمجرد اضافتها إليه ( هذا كله ) في الشرطية والمانعية للواجب.
    ( واما الشرطية ، والسببية ) والمانعية للحكم ، فلا شبهة في أنها من الأمور الاعتبارية ، وانما الكلام في منشأ اعتبارها في أنه هل هو الجعل المتعلق بها بحيث كانت من الاعتبارات المجعولة أصالة أو تبعا ، أو انه هو التكليف المرتب على موضوعاتها ، أو لا هذا ولا ذلك بل هي خصوصية تكوينية في ذات السبب تقتضي الرشح وإفاضة الوجود ، فيه وجوه وأقوال.
    ( والتحقيق ) ان يقال : ان السببية للشيء انما ينتزع من إناطة الشيء بالشيء وترتبه عليه ( فان ) كان الشيء المنوط من الأمور الخارجية كالاحراق بالنسبة إلى النار فالسببية تكون حقيقة ، لكونها حينئذ عبارة عن مؤثرية الموجود الخارجي في الشيء لخصوصية ذاتية فيه تكوينية اقتضت الرشح وإفاضة وجود المسبب ، لا انها انتزاعية من التكليف ، ولا جعلية ( بداهة ) عدم قابلية هذا المعنى من السببية للجعل التكويني فضلا عن الجعل التشريعي ( كيف ) وان الجعل التشريعي لا يوجب الا احداث امر اعتباري لا يكون وعائه الا الذهن كسائر الأمور الجعلية ، ومثله يستحيل ان يغير الوجود الخارجي عما عليه من الخصوصية الذاتية التي بها قوام مؤثريته ( وان كان ) المنوط من الاعتبارات الجعلية كالملكية والوجوب بناء على جعليته كانت الإناطة والسببية أيضا تبعا لاعتبارية المنوط اعتبارية ومجعولة بتبع جعله ، لا انها واقعية ، ولا منتزعة من التكليف ( حيث ) انه بجعل الملكية أو الوجوب منوطا بأمر خاص في نحو قوله : من حاز ملك ، وقوله إذا تحقق الدلوك تجب الصولة تتحقق الإناطة والملازمة بين الحيازة والملكية ، وكذا بين الدلوك والوجوب ، وبدون هذا الجعل


(94)
لا ينتزع الملازمة المزبورة بينهما.
    ( وحيث ) ان محط البحث في المقام في موضوع السببية هي الأمور المأخوذة في تلو أداة الشرط في القضايا الشرعية المشروطة في نحو قوله : من حاز ملك لا المعنى الأول بمعنى المؤثرية والمتأثرية الخارجية ، فلا محالة تكون السببية مجعولة بعين جعل الملكية والوجوب معلقا على الحيازة والدلوك لا بجعل آخر مغاير ( ومعه ) لا مجال لدعوى انتزاعيتها من التكليف بل ولا التكليف عنها ، كما لا مجال لدعوى كونها واقعية بمقتضى الخصوصية الذاتية التكوينية ( اما الأول ) فظاهر إذ هما حينئذ اعتباران منتزعان من جعل خاص في مرتبة واحدة ، لا ان أحدهما منشأ لاعتبار الآخر ، من غير فرق بين ان يكون الخطاب بلسان جعل المعلق عليه والوجوب المنوط أو بلسان جعل الإناطة والقضية التعليقية ( فان ) مجرد لحاظ الإناطة معنى حرفيا تارة ، واسميا أخرى لا يوجب فرقا من هذه الجهة الا في مجرد التعبير ( واما الثاني ) فكذلك ، كيف وانه لو تم ذلك فإنما هو فيما له الدخل في أصل الإرادة وتشريع الحكم من المصالح والملاكات بوجودها اللحاظي ، لا بالنسبة إلى ما أنيط به المجعول الشرعي في القضايا الشرعية في نحو قوله من حاز ملك كما هو محط البحث ( بداهة ) امتناع كون السببية فيه حقيقية بمعنى المؤثرية ، والا يلزم عدم جعلية حقيقة الجزاء ، لان لازم جعلية الجزاء بحقيقته هو عدم تحققه بدون جعله ، فمع فرض جعليته وكونه فعلا اختياريا للجاعل كيف يمكن دخل مثل الدلوك والحيازة في تحقق الملكية والوجوب بمقتضي الخصوصية الذاتية ( فلا محيص ) حينئذ من نفي السببية الحقيقة عن مثله والالتزام بكونها فيه مجعولة بعين جعل الملكية أو الوجوب معلقا على الحيازة والدلوك ، لا بجعل آخر مغاير لجعله ( نعم ) كما يمكن ان يكون مورد الجعل بدوا هو الوجوب وتكون الإناطة والملازمة ملحوظة في مقام الجعل تبعا للوجوب ، كذلك يمكن ان يكون مورد الجعل بدوا نفس السببية والملازمة بلحاظها معنا اسميا على نحو يكون النظر إليها في مقام الجعل استقلاليا والى الوجوب تبعيا ، وبهذين الاعتبارين تكون السببية قابلة للجعل التبعي والاستقلالي ، ويفرق بين


(95)
كون القضية بلسان جعل الوجوب المنوط بالدلوك ، وبين كونها بلسان جعل الملازمة بين الدلوك والوجوب.
    ( والى ما ذكرنا ) نظر المحقق الخراساني قدس سره في مصيره إلى نفي كون السببية مجعولة وانها من الأمور الواقعية والخصوصيات التكوينية ( حيث ) ان التأمل في كلامه يقضى بان تمام همه انكار جعلية السببية بمعنى المؤثرية ، نظرا إلى بنائه على أن السببية الحقيقية عبارة عن خصوص الإناطة المؤثرية الناشئة من خصوصية ذاتية في الشيء تقتضي التأثير والتأثر ، لا مطلق الإناطة والترتب بين الشيئين ولو بنحو ترتب الامر الاعتباري على منشئه ( ففي الحقيقة ) مرجع انكاره إلى نفي السببية الحقيقية عما رتب عليه الحكم الوضعي أو التكليفي في الخطابات الشرعية كالدلوك والعقد والاستطاعة وان السببية المنتزعة عنها من إناطة الحكم الوضعي أو التكليفي بها في الخطابات ادعائي لا حقيقي ببيان ان مثل الدلوك لو كان شرطا وسببا حقيقيا يستحيل الجعل ، لأنه اما واجد لملاك الشرطية الواقعية من الخصوصية الذاتية أو فاقد له وعلى اي تقدير لا معنى لجعل السببية له ، لا ان المقصود هو انكار الجعلية في السببية المنتزعة من إناطة الوجوب به في حيز الخطاب ( ولذلك ) أتم مدعاه ، بقوله والا لزم الخ ، وبقوله : ومنه انقدح عدم صحة انتزاع السببية للدلوك من ايجاب الصلاة عنده لعدم اتصافه بها كذلك نعم لا بأس باتصافه بها عناية واطلاق السبب عليها مجازا الخ ، ( وعليه ) فلا يبقى المجال لما عن بعض الأعاظم قدس سره من الاشكال عليه بأنه خلط بين علل التشريع وموضوعات الاحكام ( كيف ).
    وهذا المعنى مما اعترف به هو قده قبل ذلك وبين بان السببية بمعنى المؤثرية لا تكون مجعولة ولا منتزعة من التكليف المترتب على موضوعاتها لأنها من الأمور الواقعية والخصوصيات التكوينية التي تقتضيها ذات الشيء وان السببية المنتزعة من مجرد إناطة الوجوب بشيء في الخطاب ادعائي لا حقيقي ، ومع هذا الاعتراف أين يبقى المجال لهذا الرد والاشكال بحيث يجعل له عنوان مخصوص ( نعم ) لو كان محط البحث في كلام المحقق الخراساني قدس سره هي المصالح والملاكات بوجوداتها العلمية


(96)
للإرادة وجعل الوجوب ، لصح نسبة الخلط إليه بين سببية الشيء للوجوب الواقع في خير الخطاب وبين شرطيته لأصل الجعل وتشريع الاحكام ( ولكنه ) ليس كذلك ، بل محط البحث في كلامه انما هو في سببية مثل الدلوك للوجوب الواقع في حيز الخطاب غير أنه أنكر فيه السببية الحقيقية بمعنى المؤثرية وجعلها ادعائية كما بيناه ( هذا بناء ) على انتزاع السببية عن الإناطة والترتب بين الشيئين ( واما ) بناء على انتزاعها عما تقوم به الإناطة ، لا من نفس الإناطة ففيها التفصيل المتقدم من كونها في المجعولية وعدمها تابع مجعولية المسبب وعدمه ، فإذا كان المسبب من الأمور المجعولة فلا محالة تكون السببية أيضا مجعولة ، فان كون العقد سببا للملكية والدلوك سببا لوجوب الصلاة لا يكون الا بجعل من الشارع والا فلا اقتضاء لذات العقد للملكية ولا للدلوك للوجوب أصلا ( هذا كله ) في الجزئية والشرطية والمانعية والسببية وقد عرفت اختلافها في المجعولية والانتزاعية وعدم كونها على نمط واحد ، فتكون الجزئية انتزاعية محضة من التكليف ، بخلاف الشرطية والمانعية ، فإنهما بالنسبة إلى الواجب تكون واقعية لا مجعولة ولا منتزعة من امر مجعول ، وبالنسبة إلى نفس الوجوب والتكليف تكون مجعولة بعين جعل الوجوب لا بجعل آخر مغاير لجعله ( غاية الامر ) ان جهة الإناطة والسببية ، تارة تكون ملحوظة في مقام جعل الوجوب تبعا للوجوب فتكون مجعولة بالتبع ، وأخرى تكون ملحوظة في مقام الجعل معنى اسميا فتكون مجعولة بالاستقلال كما شرحناه ( ولعله ) إلى مثل هذه الجهة نظر من يقول : بان للشارع في نحو المقام جعلين ، جعل متعلق بسببية العقد والدلوك للملكية والوجوب ، وجعل متعلق بالملكية والوجوب عقيب العقد والدلوك ، فيكون المقصود من أحد الجعلين هو الجعل التبعي بلحاظ استتباع الجعل الاستقلالي في كل منهما للجعل التبعي للآخر ، لا ان المقصود هو استقلال كل من السبب والمسبب بالجعل المستقل كي ترمى بالغرابة ( كما أنه ) إلى ذلك نظر القائل بان المجعول الشرعي تأسيسا أو امضاء امر واحد وهو سببية العقد والدلوك للملكية والوجوب ، فيكون المقصود من جعلية السببية هو الجعل الاستقلالي المستتبع للجعل التبعي للمسبب ، لا ان المقصود نفى الجعلية عن المسبب


(97)
رأسا حتى تبعا ، فان ذلك مما لا يكاد توهمه من أحد.
    ( ومنها ) الصحة والفساد ، والطهارة والنجاسة ، والرخصة والعزيمة ( اما الصحة والفساد ) فالصحة على ما شرحناه في مبحث الصحيح والأعم عبارة عن تمامية الشيء بلحاظ الجهة المرغوبة منه ويقابلها الفساد تقابل العدم والملكة ( ففساد ) الشيء عبارة عن نقصه وعدم تماميته بلحاظ الأثر المرغوب منه ( نعم ) حيث إن الجهة المرغوبة من الشيء تختلف باختلاف الآثار والاغراض يختلف الشيء الواحد صحة وفسادا باختلاف الآثار والاغراض ، فيكون الشيء الواحد صحيحا بلحاظ اثر وغرض وفاسدا بلحاظ اثر وغرض آخر ، ( مثلا ) المركب من عدة أمور لتحصيل اثر مخصوص به إذا فقد منه بعض اجزائه الذي يخل ببعض آثاره دون بعض يكون هذا الناقص فاسدا باعتبار خصوص ذلك الأثر ، وصحيحا باعتبار اثر آخر ( وبهذه ) الجهة قلنا ان الاختلاف في تفسير الصحة في العبادة ، تارة باسقاط الإعادة والقضاء كما في لسان الفقيه ، وأخرى بموافقة المأتى به للشريعة وعدمها في لسان المتكلم ، وثالثة غير ذلك ، لا يكون اختلافا منهم في حقيقة الصحة لتكون من متعدد المعنى ( بل الصحة ) عند الجميع بمعنى واحد وهي التمامية ، ( وانما ) الاختلاف بينهم في تطبيق هذا المفهوم الوحداني على وجود واحد باعتبار ما هو المهم عند كل فريق من الجهة المرغوبة منه في انظارهم ( فالاثر ) المهم في نظر الفقيه في العبادة حيث إنه سقوط الإعادة والقضاء فسرها بما يوافق غرضه ، ( كما ) ان الأثر المهم في نظر المتكلم لما كان موافقة الامر والشريعة الموجبة لاستحقاق المثوبة ، فسرها بما يوافق غرضه.
    ( وعليه ) نقول انه بعد أن تختلف صحة الشيء الواحد وفساده بلحاظ الجهة المرغوبة منه ، فلا بد في الحكم بانتزاعية الصحة وواقعيتها من ملاحظة الجهة التي أريد تمامية الشيء بالإضافة إليها ( فان كان ) تلك الجهة من الأمور الواقعية كالملاك والمصلحة تكون التمامية والصحة واقعية ، لان كون الشيء بحيث يفي بالغرض ويترتب عليه الملاك والمصلحة امر واقعي لا مجعول شرعي ولا منتزع من امر مجعول ومن هذا القبيل ، جهة المسقطية للقضاء والإعادة التي هي تلازم الاجزاء لا عينها ( فان )


(98)
مثل هذه الجهة تكون دائرة مدار الوفاء بالغرض في الجملة ، وبذلك تكون الصحة والتمامية من الأمور الواقعية ( وان كانت ) من الأمور المجعولة من التكليف أو الوضع في أبواب المعاملات ، فالصحة تكون منتزعة من تلك الجهة ( لأنه ) لولا تلك الجهة لما كان مجال لانتزاع صحة الشيء وتمامية من تلك الجهة ، ( فانتزاعية ) الصحة حينئذ وواقعيتها تكون تابعة لجعلية الجهة التي لوحظ تمامية الشيء بالإضافة إليها وعدم جعليتها ( وعليه ) فلا بد في انتزاعيتها من التفصيل بحسب الآثار المقصودة من الشيء التي يراد تماميته بالإضافة إليها ( ولا مجال ) لدعوى انتزاعيتها من المجعول الشرعي مطلقا ، ولا للمنع عن انتزاعيتها كذلك ( نعم ) لا تكون الصحة من الأمور المتأصلة بالجعل تأسيسا أو امضاء بل هي اما واقعية محضه كالصحة بلحاظ الوفاء بالغرض أو المسقطية للإعادة والقضاء ، واما منتزعة من مجعول شرعي كالصحة في أبواب المعاملات من العقود والايقاعات ، فالقول بكونها متأصلة بالجعل ساقط عن الاعتبار.
    ( واما الطهارة والنجاسة ) فهما بمعنى النظافة والقذارة ، وقد جعلها الشيخ قده من الأمور الواقعية ، وهو كما افاده قدس سره في النظافة والقذارة العرفية المحسوسة ، إذ لا ينبغي الاشكال في كونهما من الأمور الواقعية الخارجية التي يدركها العرف والعقلاء ولذلك تريهم يستقذرون عن بعض الأشياء كعذرة الانسان ولا يستقذرون عن بعض الآخر.
    ( وانما الكلام ) فيهما شرعا فيما لم يكن في البين جهة محسوسة عرفية كنجاسة الخمر والكافر ونحوهما في أنهما أيضا من الأمور الواقعية الخارجية التي كشف عنها الشارع لنا بحكمه بوجوب الاجتناب ، أو انهما من الاعتبارات الجعلية ( ويمكن ) ترجيح الثاني بجعلهما من الاعتبارات الجعلية الراجعة إلى نحو ادعاء من الشارع بنجاسة ما يراه العرف طاهرا وبالعكس بلحاظ ما يرى من المناط المصحح لهذا الادعاء بحيث لو اطلع العرف عليه لرتبوا عليه آثار النجاسة ( كما يشاهد ) نظيره في العرف حيث يرى عندهم بعض المصاديق الادعائية للطهارة والنجاسة ، كاستقذارهم من أيدي غسال الموتى وأيدي من شغله تنظيف البالوعة واخرج الغائط منها واباء طبعهم عن المؤاكلة مع


(99)
هؤلاء من اناء واحد ولو كانت أياديهم حين الاكل في كمال النظافة الظاهرية ، وعدم استقذارهم من أيدي مثل الفلاح المستعمل للفواكه ولو كانت أيديهم من جهة استعمال الفواكه من الوسخ ما بلغ ( ومن المعلوم ) ان ذلك لا يكون الا من جهة ادعائهم القذارة في الأول الموجب لترتيبهم الآثار القذارة الخارجية عليه وعدم اعتبارهم إياها في الثاني.
    ( وعليه ) نقول : انه يمكن ان يكون حكم الشارع بنجاسة مالا يراه العرف قذرا كالخمر والكافر ونحوهما من هذا القبيل ، فيكون مرجعه إلى نحو ادعاء من الشارع بقذارة ما يراه العرف طاهرا ، وبالعكس بلحاظ ما يرى منه من المناط المصحح لهذا الادعاء بحيث لو يراه العرف أيضا لرتبوا عليه آثار قذاراتهم من دون ان يكون المناط المزبور هو عين الطهارة والنجاسة الشرعية كي تكونان من الأمور الواقعية التي كشف الشارع عنها ببيانه كما توهم ( وبالجملة ) فرق بين كون الشيء طاهرا أو قذرا خارجيا ، وبين كونه طاهرا أو قذرا ادعائيا لمناط مخصوص ( وعليه ) لا وجه لجعلها بقول مطلق من الأمور الواقعية ( نعم ) على كل تقدير لا تكونان من الأحكام الوضعية حتى يأتي فيهما النزاع في كونهما مجعولة أو منتزعة من التكليف ( إذ هما ) اما من الأمور الواقعية ، واما من الأمور الادعائية ، فعلى الأول لا تكونان من الأمور الوضعية ولا مرتبطة بالجعل ، ( وعلى الثاني ) وان كانتا مجعولة ولكن بالجعل بمعنى الادعاء لا الجعل الحقيقي كما هو ظاهر.
    ( واما الرخصة والعزيمة ) فقد عدهما بعض من الأحكام الوضعية ( ولكن ) فيه منع واضح ( فان ) الرخصة والعزيمة عبارة عن السقوط على وجه التسهيل والسقوط على وجه الحتم والالزام ، وهما مندرجان في الأحكام التكليفية لا الوضعية.
    ( ومنها ) الحجية وقد اختار المحقق الخراساني قدس سره وبعض آخر كونها مجعولة بنفسها لا منتزعة من امر مجعول نظير الملكية ونحوهما من منشئات العقود والايقاعات ( ولكن ) لا يخلو ذلك عن غموض واشكال ( فان ) حقيقة الحجية على ما تقدم ض في مبحث القطع لا تكون الا عبارة أخرى عن منشئية الشيء لقطع عذر العبد


(100)
ومصححيته لاستحقاق العقوبة على المخالفة ، ومن المعلوم ان هذا المعنى نظير السببية الحقيقية امر ذاتي للشيء لكونه في الحقيقة عبارة عن الملازمة بين انكشاف الواقع واستحقاق العقوبة على مخالفته ، من غير فرق في ذلك بين القطع وغيره من الامارات والحجج الشرعية ( غير أن ) في القطع يكون المعروض لهذه الحيثية ذات القطع لكونه عين انكشاف الواقع بلا تعلق جعل شرعي بحيث معروضيته ، وفي غيره يكون معروضها مما تعلق به الجعل الشرعي تأسيسا أو امضاء من الطريقية والكاشفية ، كما في الامارات الجعلية ، حيث إنه بتتميم كشفها وادعاء كونه علما تصير الامارة بما يستتبعه من الحكم الطريقي سببا لقطع عذر العبد ومصححا لاستحقاق العقوبة على مخالفة الواقع ، بلا تعلق جعل منه بحيث منشئيتها لاستحقاق العقوبة ، ففي الحقيقية مرجع الجعل فيها إلى تتميم ما هو معروض للحيثية المزبورة ، لا إلى احداث العارض على نفس الذات ، ومرجعه إلى احداث الجزم ببلوغ الحكم المحتمل وجوده في الاهتمام لدى المولى بمرتبة لا يرضى بمخالفته حتى في ظرف الشك به الذي هو بنفسه سبب لاستحقاق العقوبة على المخالفة.
    ( وبتقريب ) آخر مرجع ذلك إلى قلب عدم البيان الذي هو موضوع حكم العقل بقبح العقوبة بالنقيض الذي هو البيان على الواقع ( نعم ) لو بيننا على عدم كفاية مجرد هذا الجعل ولو بما يستتبعه من الحكم الطريقي لتنجيز الواقع وقلب اللابيان الموضوع لقبح العقوبة بالبيان المصحح لها ( لاتجه ) القول بمجعولية الحجية بنفسها في الامارات والطرق الشرعية ، ولو بدعوى كونها من الاعتباريات الجعلية التي متى تحققت تستتبع حكم العقل بوجوب الاتباع والقاطعية للعذر ( ولكنه ) مع فساد المبني كما أوضحناه في مبحث الظن عند التعرض لوجه منجزية أو امر الطرق والامارات ، مبني على اعتبار الواسطة في مثل القطع أيضا بين حيث كاشفيته ومنجزيته ، وليس كذلك ( بداهة ) انه لا يرى العقل مصححا في حكمه بمنجزية القطع وقاطعيته للعذر الا حيث كاشفيته بلا اعتبار جهة زائدة عليها ، وعليه لا مجال لاعتبار الواسطة في الامارات والالتزام بكونها مجعولة فيها ، بل لا محيص من الالتزام بانتزاعية الحية في


(101)
الامارات اما من المجعول الادعائي أعني تتميم الكشف على فرض كفايته في تنجيز الواقع ، أو مما يستتبعه من الحكم الطريقي كما هو المختار ، هذا في الحجية بمعنى المعذرية والمنجرية.
    ( واما الحجية ) بمعني الوسطية للاثبات فهي وان كانت مجعولة في الامارات بنفس تكفل دليلها لتتميم كشفها وتطبيق عنوان العلم والاحراز عليها ، فتقوم بذلك مقام العلم الطريقي بل الموضوعي إذا كان اخذه في موضوع الحكم على الوجه الطريقي لا الصفتي ، وتصح أيضا حكومتها على أدلة الأصول المأخوذ فيها المعرفة غاية للحكم الظاهري ( ولكن ) الجعل فيها انما هو بمعنى الادعاء لا الجعل الحقيقي ، لما ذكرنا غير مرة من أن تمامية الكشف ليست من الحقايق الجعلية التي تشريعها عين تكوين حقيقتها ، وانما هي نظير الموت والحياة والفسق والعدالة من الأمور الواقعية غير القابلة للتحقق بالجعل والتشريع ( فمرجع ) الجعل فيها إلى نحو عناية وادعاء مستتبع لتطبيق عنوان العلم والاحراز عليها ، نظير سائر الأمور الادعائية ، ولذا لابد في صحة هذا الادعاء والتنزيل من اثر شرعي مصحح له ولو في طرف المنزل كسائر التنزيلات الشرعية.
    ( ومنها ) الملكية والزوجية ونحوهما من منشآءت العقود والايقاعات ( ولا شبهة ) في أن هذه العناوين بحقايقها من الاعتباريات القصدية التي تكون حقيقتها بجعل من ينفذ جعله واعتباره بحيث بعد تمامية جعلها يكون لها نحو تقرر في الواقع وكان الاعتبار الذهني طريقا إليها على نحو يلتفت إليها تارة ويغفل عنها أخرى ، نظير العلاقة والاختصاص الحاصل بين اللفظ والمعنى ، والملازمات الذاتية بين الأشياء المحفوظة في عالم تقررها ( لا انها ) من الاعتباريات الصرفة المتقومة بالاعتبار والمنقطعة بانقطاعه التي لا تكون لها واقعية حتى بعد انشاء النفس إياها ، كأنياب الأغوال والوجودات الادعائية التنزيلية ( فان ) كونها أمورا اعتبارية انما هو بمعنى ان الجعل منشأ لاحداثها في قبال الإضافات المقولية والنسب الخارجية الموجبة لنحو وجود هيئة عينية في الخارج لطرفيها كالفوقية والتحتية ونحوهما ، لا بمعنى كونها


(102)
بذاتها متقومة بالاعتبار ، كالوجودات الادعائية التنزيلية ، وإلا لزم كونها تابعة لاعتبار معتبرها حدوثا وبقاء ، فيلزم انقطاعها بانقطاع الاعتبار ، بل وبانعدام شخص المعتبر لها ، لقيام اعتباره بشخصه ، الا بفرض اعتبار معتبر آخر لها كالمعتبر الأول.
    ( مع ) ان الوجدان قاض بخلافه ، إذ لا شبهة في بقاء هذه الأمور بعد جعلها بأسبابها في الوعاء المناسب لها وكونها مما له نحو تقرر في الواقع بحيث كان اللحاظ طريقا إليها حتى من شخص المعتبر لها ، لا انه مقوم ذاتها كالاعتبارات الصرفة ( ففي الحقيقة ) تكون هذه الأمور وسطا بين الوجودات الادعائية ، وبين الإضافات المقولية والنسب الخارجية ( فمن حيث ) عدم احداثها لتغيير هيئة خارجية لطرفيها من المالك والمملوك والزوج والزوجة ، تشبه الاعتباريات الصرفة ( ومن حيث ) ان لها واقعية بنحو كان اللحاظ طريقا إليها بعد جعلها ، وتشبه الإضافات المقولية ( وعليه ) فلا مجال لجعل مثل الملكية والزوجية واضرابهما من منشآت العقود والايقاعات من سنخ الوجودات الادعائية بمحض عدم كونها من الاعتبارات الذهنية ، ولا من الإضافات المقولية والنسب الخارجية ( بدعوى ) ان لمفهوم الملكية وأضرابها نحو ان من من الوجود ، وجود حقيقي ووجود ادعائي هو من منشآت العقود والايقاعات ( كما ) ان مجرد اختلاف العرف والشرع ، بل واختلاف أهل العرف في اعتبار الملكية في الموارد الخاصة لا يقتضى نفي واقعيتها ( إذ مرجع ) اختلافهم انما هو إلى تخطئة العرف بعضهم بعضا فيما يرونه منشأ لاعتبار الملكية ، بلحاظ ان ما يكون منشأ لصحة الجعل عند بعضهم ليس بمنشأ عند بعض آخر ( وكذلك ) في اختلاف العرف والشرع ( والا ) فعلى فرض التوافق على منشئية المنشأ لصحة الجعل لا اختلاف بينهم في اعتبار الملكية عند تحقق المنشأ ( وحينئذ ) فلا ينبغي الاشكال في مجعولية هذه الأمور وتقررها النفس الأمري في الوعاء المناسب لها عند حصول أسبابها على وجه تكون بحقايقها محفوظة قبل التكليف ( لا انها ) انتزاعية من التكليف الشرعي كما يظهر من الشيخ قدس سره ( إذ ذلك ) مضافا إلى كونه خلاف الوجدان وعدم تماميته في نحو ما دل على سببية الحيازة للملكية بمثل قوله من حاز ملك الا باتعاب النفس لاثبات حكم تكليفي


(103)
ينتزع عنه الملكية ، يلزمه عدم امضاء الشارع مضامين العقود على طبق ما يقصده المتعاقدان ( فلابد ) اما من جعل الأدلة كاشفة عن ارتباط خاص واقعي غير ما يقصده المتعاقدان بانشائهما ، أو حاكية عن إضافة خاصة ناشئة من التكليف الخاص المتوجه بالنسبة إلى المبيع أو الزوجة كإباحة التصرفات في المبيع للمشتري وبعوضه للبايع ، وإباحة الاستمتاعات للزوج عند تحقق الانشاء من المتعاقدين ( وهما ) كما ترى غير مرتبطين بما يقصده المتعاقدان في أبواب المعاملات من التوصل بانشائهما إلى تحقق هذه الأمور ( مع أن ) ما افاده قدس سره ينافي ظواهر الأدلة المأخوذ فيها تلك الإضافات موضوعا للتكليف ، من نحو ما دل على حرمة التصرف في مال الغير بدون اذنه ورضاه ، وسلطنة الناس على أموالهم ( إذ بعد ) ان يكون الموضوع للسلطنة والحرمة في نحو هذه الأدلة هو المال المضاف إلى الشخص أو الغير ، نقول : ان نشو هذه الإضافة و الاختصاص ، اما ان يكون من نفس ذلك التكليف المتعلق بالموضوع المزبور ، واما ان يكون نشوها من تكليف آخر في الرتبة السابقة عن الإضافة المزبورة ، واما ان يكون نشوها من صرف جعلها قبل تعلق التكليف بها ( والأولان ) لا سبيل إليهما ، لكون الأول منهما مستحيل ذاتا ، واستلزام الثاني لاجتماع المثلين ، أحدهما محقق الإضافة المزبورة في المرتبة السابقة والآخر مترتب عليها في المرتبة اللاحقة فيتعين الثالث وهو المطلوب خصوصا في نحو قوله من حاز ملك الذي لا يكون في مورده حكم قابل لان ينتزع منه الملكية ( فتلخص ) انه لا وجه لانكار الجعلية في مثل الملكية ونحوها من مضامين العقود والايقاعات واتعاب النفس فيها بنحو من التكلفات للالتزام بانتزاعيتها من التكليف ( خصوصا ) بعد تداول تلك الاعتبارات بين العرف والعقلاء من ذوي الأديان وغيرهم ممن لا يلتزم بشرع ولا شريعة ، وكونها لديهم من الاعتبارات المتأصلة بالجعل والمتحققة بصرف جعلها بقول أو فعل ، نظير سائر اعتباراتهم الجعلية من التعظيم والتوهين وأمثالهما ( فالتحقيق ) في نحو هذه الاعتبارات العرفية ما ذكرناه من كونها أمورا مجعولة بالاستقلال ، قد أمضاها الشارع.
    ( واما القضاوة والولاية ) فهما أيضا من الاعتبارات المتأصلة بالجعل كالملكية ونحوها وليستا منتزعتين من التكليف ولا كانتا من الأمور الواقعية ، وقياسهما يمثل


(104)
النبوة والإمامة الثابتة لبعض الأشخاص لأجل مالهم من خصوصية كمال النفس كما ترى ( بداهة ) وضوح الفرق بين مثل النبوة والإمامة الناشئة من أقصى مرتبة كمال النفس ، وبين الولاية والقضاوة الجعلية.
    ( وكذلك الوكالة والنيابة ) فهما أيضا من الاعتبارات العرفية الجعلية التي يقصد التوصل إليها بانشائها المخصوص ( فان ) مرجعهما إلى جعل نحو ولاية للغير على مال أو نفس ( على اشكال ) في الأخير لامكان دعوى خروج النيابة من الأحكام الوضعية وكونها من سنخ الحقايق الادعائية والوجودات التنزيلية بلحاظ رجوع حقيقتها إلى تنزيل النائب نفسه منزلة المنوب عنه بادعاء كونه هو هو بالنسبة إلى ما يصدر منه من الأمور الراجعة إلى المنوب عنه ، لا إلى جعل الولاية للغير بما هو غير وتفويض الامر إليه ( بخلاف ) الوكالة فان مرجعها إلى جعل الغير بما هو غير وليا وسلطنا على التصرف في مال الموكل أو نفسه ، ومن هنا لا يحتاج الوكيل في ايقاع العمل الموكل فيه إلى قصد وقوعه عن موكله بل هو بعد تحقق وكالته يستقل في ايقاع العمل الموكل فيه عقدا كان أو ايقاعا فيتصرف بما هو هو في مال موكله أو في نفسه بإجارة أو تزويج ونحو ذلك ( وبالجملة ) فرق واضح بين جعل الغير بما هو غير وليا وسلطانا على العمل الموكل فيه ، وبين جعله عناية منزلة المنوب عنه بادعاء كونه هو هو فيما يصدر منه من الأعمال كما في باب النيابة ( ومن المعلوم ) عدم ارتباط مثله بالأحكام الوضعية والاعتبارات الجعلية ( إذ مرجع ) الجعل فيها انما هو إلى تكوين حقيقتها المصطلحة عند الحكيم بالجعل ، بخلاف الأمور الادعائية ، فان الجعل فيها راجع إلى تكوين حقيقتها الادعائية المصطلحة في ألماني والبيان ( نعم ) نفس الادعاء والتنزيل فيها يكون متحققا بالجعل والانشاء بمثل قوله جعلتك نائبا ، ولكن مجرد ذلك لا يوجب كونها من الأحكام الوضعية ، والا لاقتضى عدم حصرها ، لان باب الادعاء والتنزيل واسع ، فيلزم ان يكون جميع التنزيلات الشرعية من الأحكام الوضعية وهو كما ترى ( هذا تمام الكلام في الأحكام الوضعية ).


(105)
( وينبغي التنبيه على أمور )
    ( التنبيه الأول ) قد تقدم سابقا انه يعتبر في الاستصحاب اليقين بثبوت المستصحب سابقا والشك في بقائه لاحقا ( اما الأخير ) فاعتباره ظاهر لكونه مما به قوام حقيقته ( وفي اعتبار ) خصوص الشك الفعلي أو كفاية الشك التقديري ، كلام قد تقدم تحقيق القول فيه وفيما تترتب عليه من الثمرة وقد ذكرنا ان المختار هو اعتبار خصوص الشك الفعلي فلا موجب لإعادته ( واما الأول ) وهو اليقين السابق ، فاعتباره أيضا في صحة جريانه مما لا اشكال فيه خصوصا على مبنى اخذه من الاخبار كما هو المختار ( وانما الكلام ) في أن اعتباره من جهة كونه مما به قوام حقيقة الاستصحاب ، أو من جهة كونه مما به قوام تطبيقه على المورد لا قوام حقيقته ( ولقد ) تقدم تحقيق القول فيه أيضا ، وانه على المختار من اخذ اليقين في لا تنقض على نحو العنوانية ولو بما هو طريق ، لا بما هو صفة خاصة يكون مما به قوام حقيقة الاستصحاب كالشك اللاحق زائدا عن دخله في مقام تطبيقه على المورد فلا نطيل الكلام بإعادته.
    ( التنبيه الثاني ) لا فرق في صحة الاستصحاب بين ان يكون المستصحب محرزا باليقين الوجداني أو بغيره من الطرق والامارات بل الأصول المحرزة أيضا كالاستصحاب ( اما ) على المختار في مفاد أدلة حجية الامارات من كونه ناظرا إلى تتميم الكشف واثبات الاحراز فظاهر ، حيث إنها بتكفلها لتتميم الكشف بعناية التنزيل يوسع دائرة اليقين المنقوض والناقض في الاستصحاب بما يعم الوجداني والتعبدي وبذلك يكون المستصحب عند قيام الامارة أو الطريق عليه محرزا باليقين التعبدي ، فمع الشك في بقائه في الزمان المتأخر يجري فيه الاستصحاب لا محالة لتمامية أركانه من الاحراز السابق والشك اللاحق ، قلنا ان اليقين في لا تنقض ملحوظ على نحو العنوانية كما هو المختار أو على وجه المرآتية للمتيقن.
نهاية الافكار ـ الجزء الرابع القسم الاو ::: فهرس