نهاية الافكار ـ الجزء الرابع القسم الاول ::: 151 ـ 165
(151)
وهذا التقريب أولى مما افاده في الكفاية من استصحاب بقاء الامساك النهاري قبل ذلك على حاله في الآن المشكوك ، وذلك ، لما يرد عليه من أنه يتم بالنسبة إلى ما يترتب على بقاء الامساك النهاري بمفاد كان التامة ، لا بالنسبة إلى ما يترتب على كون شخص الامساك الموجود امساكا نهاريا بمفاد كان الناقصة ، ولعله إلى ذلك أشار بقوله فتأمل.
( المقام الثاني )
    في استصحاب الزمانيات المتدرجة المبنية على التقضى والتصرم ، كالحركة والتكلم وجريان الماء وسيلان الدم ونحوها ( وملخص ) الكلام فيها هو ان الشك في بقاء الزماني التدريجي ( تارة ) يكون لأجل الشك في انتهاء حركته وبلوغه إلى المنتهى أو بقائه بعد على صفة الجريان ( وأخرى ) يكون لأجل الشك في طرو ما يمنع عن حركته وجريانه مع القطع باستعداده للبقاء ، كما لو شك في بقاء التكلم لأجل احتمال طرو صارف عن الداعي الذي اقتضى التكلم ، وكما لو شك في جريان الماء وسيلان الدم من عروق الأرض وباطن الرحم لاحتمال وجود ما يمنع عن ذلك ( وثالثه ) يكون لأجل الشك في كمية المبدء ومقدار استعداده ، كما لو شك في مقدار استعداد عروق الأرض وباطن الرحم لجريان الماء وسيلان الدم ( ورابعة ) لأجل احتمال قيام مبدء آخر مقام المبدء الأول مع العلم بارتفاعه ، كما لو شك في بقاء التكلم من جهة احتمال انقداح داع آخر للمتكلم يقتضى التكلم بعد القطع بارتفاع الداعي الأول ، وكما لو شك في جريان الماء لاحتمال قيام منبع آخر مقام المنبع الأول الذي علم بنفاد مائه ( وهذا ) يتصور على وجهين ( فان ) المبدء الآخر الذي احتمل قيامه مقام المبدء الأول ( تارة ) على نحو يوجب تغييرا في عنوان المستصحب أو في الخصوصية


(152)
المقومة لفرديته عرفا ، بحيث يعد معه الموجود اللاحق فردا مغايرا مع الموجود السابق نظير تغيير عنوان التكلم من مثل القرآن إلى الأدعية ، أو الخطبة أو الزيارة أو تغييره من فرد إلى فرد آخر ( وأخرى ) على نحو لا يوجب ذلك ، نظير تبدل أعمدة الخيمة غير الموجب لتغيير في هيئتها ، كما في تبدل عرق الأرض الجاري منه الماء إلى عرق آخر غير موجب لتغيير في الماء وجريانه ( فهذه ) صور خمسة للشك في بقاء الامر الزماني التدريجي.
    ( ولا ينبغي ) الاشكال في جريان الاستصحاب في الصورة الأولى والثانية ( واما الصورة ) الثالثة ، فجريان الاستصحاب فيها أيضا مما لا غبار فيه ، لولا شبهة كونه من الشك في المقتضى ، وهي أيضا مندفعة بما حققناه في بعض المباحث المتقدمة من عموم حجية الاستصحاب حتى في مورد الشك في المقتضى ( واما الصورة ) الرابعة ، ففي الوجه الأول منها لا يجري الاستصحاب ، لكونه من استصحاب الوجه الثاني من القسم الثالث من اقسام الكلي الذي عرفت عدم جريان الاستصحاب فيه ( واما الوجه ) الثاني منها ، فلا قصور في جريان الاستصحاب فيه ، لكونه مما تم فيه أركانه من اليقين السابق والشك اللاحق واتحاد متعلق الوصفين ، نظير استصحاب بقاء هيئة الخيمة عند الشك في قيام عمود آخر مقام العمود الأول المنتفي قطعا ( ولعل ) من هذا القبيل استصحاب بقاء جريان الماء وسيلان الدم عند الشك في قيام مبدء آخر مقام المبدء الأول الذي علم بارتفاعه ، فان مجرد اختلاف المبادئ لا يمنع عن جريان الاستصحاب فيها ما لم يوجب اختلافها تغييرا في عنوان المستصحب عرفا أو في الخصوصية المقومة له بنحو يعد الموجود اللاحق مغايرا مع الموجود السابق عرفا ( وكذا ) الحال في مثل التكلم والقرائة في بعض افرادهما فلا يمنع عن جريان الاستصحاب فيها مجرد تعدد الدواعي ( وحينئذ ) فلا وجه لما في التقرير عن بعض الأعاظم قده من اطلاق القول بالمنع عن جريان الاستصحاب في الصورة الرابعة


(153)
وادراجها بقول مطلق في استصحاب الوجه الثاني من القسم الثالث من اقسام الكلى ، بل لا بد من التفصيل حسب ما أشرنا إليه بين ما يكون اختلافه من قبيل اختلاف عمود الخيمة بالنسبة إلى هيئتها المخصوصة غير الموجب لتغيير فيها ، وبين ما يكون موجبا لتغيير في المستصحب اما في عنوانه أو في خصوصيته المقومة لفرديته على نحو يعد الموجود اللاحق عرفا فردا آخرا مغايرا للموجود السابق ، كتغيير عنوان التكلم من القرآن إلى الخطبة أو الزيارة أو تغيير الخطبة إلى فرد آخر مغاير للفرد الأول عرفا ، بتخصيص المنع عن الاستصحاب بالثاني دون الأول ( وحيث ) انه يختلف ذلك باختلاف الموارد حتى في مثل التكلم وجريان الماء وسيلان الدم ، فلابد في تجويز الاستصحاب أو المنع عنه من ملاحظة خصوصيات الموارد ( والضابط ) في ذلك هو بقاء الوحدة العرفية بين القضيتين وعدم بقائها كذلك ، فكل مورد اقتضى تعدد المبدء أو الداعي اختلافا في المستصحب على وجه لا يصدق عليه البقاء عرفا لا يجرى فيه الاستصحاب ، وكل مورد لا يقتضي تعددهما اختلافا فيه ولا تشكيكا في صدق البقاء عرفا على الموجود السابق يجري فيه الاستصحاب.
    ( المقام الثالث ) في استصحاب الأمور المقيدة بالزمان كما لو وجب الجلوس إلى الزوال مثلا ، فشك في وجوبه بعد الزوال ( وقد وقع ) فيه الخلاف بين الاعلام ( وتحقيق ) الكلام في المقام ان يقال : ان الشك في ثبوت الحكم الشرعي في المقيدات بالزمان ، تارة يكون من جهة الشك في بقاء القيد ، كالشك في بقاء الليل أو النهار ( وأخرى ) يكون من غير تلك الجهة مع القطع بانتفائه كما في نحو المثال فيما لو شك في بقاء الوجوب لاحتمال كون القيد من علل حدوثه وقيام علة أخرى تقتضي بقائه ، أو احتمال كون الواجب بنحو تعدد المطلوب ( وعلى الأول ) فالشك في بقاء القيد ( تارة ) يكون من جهة الشبهة المصداقية ( وأخرى ) من جهة الشبهة المفهومية مع القطع ببقائه بمعنى ، وزواله بمعنى آخر ، كالشك في أن النهار ينتهي بغياب القرص أو بذهاب الحرمة المشرقية ( وثالثة ) من جهة الشك في اخذ اي واحد من القيدين المبينين مفهوما ( وعلى التقادير ) اما ان يكون الزمان في ظاهر الدليل


(154)
مأخوذا ظرفا أو قيدا مقوما لنفس الحكم ، واما ان يكون مأخوذا في الموضوع كذلك ، فهذه شقوق متصورة للشك في بقاء الحكم الشرعي في المقيدات بالزمان.
    ( وبعد ) ذلك نقول ، انه لو كان الشك في بقاء الحكم الشرعي من جهة الشك في بقاء القيد المبين مفهوما ، فلا شبهة في أنه يجري الاستصحاب في نفس القيد الذي هو الزمان الخاص ، كالنهار الذي قيد به الصوم ، فيترتب عليه وجوب الامساك وعدم جواز الافطار ، من غير فرق بين ان يكون الزمان مأخوذا ظرفا أو قيدا مقوما ، لنفس الحكم ، أو لموضوعه كذلك ، فإنه باستصحابه يثبت المقيد ، فيترتب عليه حكمه ، كما أنه يجري الاستصحاب في نفس المقيد ، هذا إذا كان الأثر الشرعي لوجود القيد أو المقيد بمفاد كان التامة ( واما ) لو كان الأثر لوجوده بمفاد كان الناقصة ، ففيه الاشكال السابق من عدم احراز الحالة السابقة لهذا المعنى وعدم اقتضاء الأصل في الوقت المستصحب أو المقيد بمفاد كان التامة لاثبات نهارية الزمان الحاضر أو رمضانيته ، ويأتي فيه أيضا ما دفعنا به الاشكال المزبور على كل من تقريبي الاستصحاب بمفاد كان التامة والناقصة فراجع ( واما ) إذا كان الشك في الحكم الشرعي ناشئا من الشك في القيد من جهة الشبهة المفهومية ، كتردد النهار بين كونه منتهيا إلى غياب القرص ، أو إلى ذهاب الحمرة المشرقية ، كما لو شك في وجوب الامساك في النهار بعد غياب القرص ، فلا يجري الاستصحاب لا في القيد ولا في المقيد ، فإنه بالنسبة إلى ما تم فيه أركانه وهو العنوان الاجمالي المأخوذ في موضوع الحكم ، لا يكون موردا للأثر الشرعي حتى يستصحب ، وبالنسبة إلى ما هو المورد للأثر الشرعي يكون من قبيل استصحاب الفرد المردد الذي تقدم في طي استصحاب الكلى المنع عن جريان الاستصحاب في أمثاله ( ومثله ) الكلام فيما لو كان الشك في بقاء الحكم من جهة الشبهة الحكمية في اخذ أحد المعنيين المبينين مفهوما قيدا لموضوع الحكم ، ففيه أيضا لا يجري الاستصحاب لا في القيد ولا في المقيد ، لعدم تصور الشك في البقاء فيما هو موضوع الأثر بعد تردد القيد بين الزائل والباقي ، فينتهى الامر حينئذ إلى استصحاب نفس الحكم الشرعي ، ولا بأس بجريان الاستصحاب


(155)
فيه بناء على فهم العرف ظرفية القيد لا مقوميته لموضوعه ، والا فلا يجري فيه الاستصحاب لرجوع الشك في اخذ أحد القيدين المردد بين الزائل والباقي إلى الشك في بقاء موضوع التكليف ( هذا كله ) إذا كان الشك في بقاء الحكم الشرعي ناشئا من الشك في بقاء القيد من جهة الشبهة الموضوعية أو الشبهة المفهومية في القيد أو الشبهة الحكمية في اخذ أحد المعنيين قيدا للتكليف أو لموضوعه ( واما ) إذا كان الشك فيه ناشئا من جهة أخرى ، بان كان الحكم مبهما من حيث الأمد بحيث يحتمل بقائه بعد انقضاء الزمان الخاص ( فان كان ) الزمان مأخوذا في ظاهر الدليل على وجه الظرفية أو القيدية للحكم الشرعي ، كقوله : يجب الجلوس في المسجد في النهار ، يجري فيه استصحاب الوجود ، دون العدم ( اما ) جريان استصحاب الوجود ، فعلى الظرفية ظاهر ، وكذلك على القيدية لاجتماع أركانه فيه ( فان ) شخص الحكم الخاص الثابت لموضوع كذلك مما علم بثبوته سابقا فشك في بقائه بعد انقضاء النهار ، لاحتمال كون القيد الخاص من علل حدوثه وقيام علة أخرى تقتضي بقائه في الليل ، أو لاحتمال قيديته لبعض مراتبه ، لا لاصله حتى ينتفي بزواله ( وتوهم ) انه على القيدية يكون الوجوب المجعول وجوبا موقتا ولا يعقل بقائه بشخصه بعد ارتفاع قيده ، وانما المعقول هو ثبوت شخص وجوب آخر مقارنا لارتفاع الوجوب الموقت ، ومعه يكون الاستصحاب المزبور من استصحاب الوجه الثاني من القسم الثالث من اقسام الكلى الذي تقدم المنع عن جريانه ( مدفوع ) بأنه كذلك إذا كان الحكم الثابت في الوقت محدودا ومبينا بالتفصيل بداية ونهاية ، ولكنه خارج عن مفروض البحث بينهم ( إذ على ذلك ) لا يتصور الشك في بقاء الحكم المجعول حتى يتأتى فيه النزاع بينهم في استصحابه حتى على فرض ظرفية الزمان للحكم المجعول ( فلا بد ) حينئذ من فرض البحث بينهم في مورد يكون الحكم والتكليف مبهما من جهة الأمد بحيث يحتمل بقائه بعد ارتفاع قيده بأحد الوجهين المتقدمين ، وفي هذا الفرض لا قصور في استصحابه على كل من الظرفية والقيدية ، فان قيدية الزمان ليس الا كسائر القيود المأخوذة في طي الخطاب للحكم أو لموضوعه ، فيجري فيه استصحاب الشخص والكلي القسم الأول ( واما عدم


(156)
جريان ) استصحاب العدم فيه ، فللعلم الوجداني بانتقاض العدم الأزلي المطلق بصرف الوجود وانقلابه بالنقيض ( واما توهم ) لزوم كون القيود الراجعة إلى الحكم في ظاهر الدليل قيودا للموضوع ، اما لما افاده الشيخ قدس سره من أن معنى الهيئة معنى حرفي وهو لجزئيته غير قابل للاطلاق والتقييد ، واما لما افاده في الكفاية من أن ما يكون قيدا للحكم لابد من كونه قيدا للموضوع أيضا ، لاستحالة أوسعية دائرة الموضوع من دائرة حكمه ، ومع تقييده به يتعدد الموضوع لا محالة ، فيمتنع استصحاب الوجود لكونه من اسراء حكم ثابت لموضوع خاص إلى موضوع آخر ، ومع امتناع استصحابه يتعين كونه مجرى لاستصحاب العدم ( فمدفوع ) اما التقريب الأول ، فبما حققناه في محله من أن تقييد الهيئة بمكان من الامكان ، لعموم المعنى والموضوع له في الحروف والهيئات ( واما التقريب ) الثاني فبمنع اقتضاء تقييد الحكم والهيئة تقييد الموضوع والمادة ، بل هو من المستحيل لاستحالة قيدية شيء لكل من الهيئة والمادة ، لما يلزمه من لزوم كون الشيء الواحد في مرتبتين ( فان ) لازم قيدية شيء للموضوع هو ان يكون ملحوظا في المرتبة السابقة على الحكم المتعلق به للزوم تأخر كل حكم عن موضوعه ومتعلقه بما له من القيود كما هو الشأن في كل عرض بالنسبة إلى معروضه ( ولازم قيديته لنفس الحكم كونه ملحوظا في رتبة متأخرة ، فيلزم من قيدية الشيء لكل من الحكم والموضوع ان يكون ملحوظا في مرتبتين ، وهذا مما لا خفاء في بطلانه واستحالته ( نعم ) قضية لزوم تطابق دائرة الحكم والموضوع في مفروض البحث هو عدم اطلاق موضوع الحكم ولزوم اختصاصه بحصة من الذات التوائمة مع وجود القيد ، ولكن ذلك غير تقييده به كما هو ظاهر ( وعليه ) فلا قصور في استصحاب الحكم الثابت لتلك الذات إلى ما بعد القيد لاتحاد موضوع القضيتين ولو على النظر الدقى العقلي فضلا عن العرفي التسامحي ، فيقال : انه كان على يقين بحكم الذات في الوقت فشك في بقاء حكمه بعده من جهة احتمال كون الوقت المحدود من علل حدوث الحكم ، أو احتمال كونه قيدا لبعض مراتبه لا قيدا لاصله ، ولا ينقض اليقين بالشك ، هذا إذا كان الزمان في ظاهر الدليل مأخوذا في الحكم على وجه الظرفية أو القيدية.


(157)
    ( واما ) إذا كان مأخوذا في الموضوع ، فان كان على وجه الظرفية ، فاما ان يكون المطلوب صرف وجود الطبيعي الذي لا تعدد فيه ولا تكثر ولو بالتعمل والتحليل ، أو يكون هو الطبيعة السارية في ضمن كل فرد التي لازمها انحلال الحكم المتعلق بها إلى احكام متعددة واختصاص كل فرد بحكم شخصي مستقل غير مرتبط بالآخر في مقام الإطاعة والمعصية ، ومرحلة المثوبة والعقوبة ( فعلى الأول ) لا يجري فيه الا استصحاب الوجود ، دون العدم للقطع بانتقاض العدم الأزلي بصرف الوجود ( وعلى الثاني ) يجري فيه كلا الاستصحابين استصحاب الوجود ، والعدم ( اما ) استصحاب الوجود فباعتبار ذلك الحكم المنشأ والمجعول الحقيقي الذي من شأنه الانحلال إلى احكام متعددة حسب تعدد افراد الموضوع بتعدد الآنات والأزمنة ، حيث إنه من جهة اهمال أمد ذلك الحكم المنشأ الذي من شأنه الانحلال وقابليته للزيادة والشمول للأفراد الحادثة بعد الوقت يشك في بقائه ، فيجري فيه الاستصحاب واما جريان استصحاب العدم فباعتبار أشخاص حصص الحكم المختصة بالافراد الحادثة بعد الوقت المضروب ، حيث إن كل واحد منهما تبعا لموضوعاتها المقدرة وجودها كان مسبوقا بالعدم الأزلي ، وبعد وجود موضوعاتها يشك في انقلابه إلى الوجود فيستصحب ، فيقع التعارض بين الاستصحابين كما ذهب إليه النراقي قدس سره فيما حكى عنه ( وعلى هذا ) التقريب لا يتوجه اشكال لزوم الجمع بين النظرين المختلفين مع وحدة الملحوظ ، إذ على ما ذكرنا يكون الملحوظ أيضا متعددا كاللحاظ ، أحدهما انقلاب عدم الحكم في الجملة إلى الوجود. ثانيهما عدم معلومية انقلابه بالوجود مطلقا حتى بالنسبة إلى الافراد الحادثة بعد انقضاء الوقت ( هذا ) إذا كان الزمان مأخوذا في الموضوع على وجه الظرفية ( وأما إذا كان ) مأخوذا فيه على وجه القيدية والمفردية بنحو يقتضي تعدد الموضوع بحسب الوقت وخارجه ، فلا مجال فيه لاستصحاب الحكم واثباته لذات الموضوع بعد انقضاء الوقت ، لمبائنة الموضوع مع عدم القيد للموضوع المقيد ، فلا يكون اثبات الحكم له حينئذ ابقاء للحكم الأول الثابت للمقيد ، لأنه مما قطع بارتفاعه بارتفاع موضوعه المقيد بزوال قيده ، بل احداثا له في موضوع آخر


(158)
( الا ان يقال ) : ان كون الزمان قيدا مقوما للموضوع انما هو بحسب لسان الدليل والنظر العقلي ( واما ) بالنظر العرفي المسامحي يكون من حالات الموضوع لامن مقوماته ، فيمكن حينئذ استصحابه ( أو يقال ) : انه من المحتمل ان يكون ثبوت الحكم للذات المتقيدة بالزمان من باب تعدد المطلوب بان يكون لذات الامساك مثلا مطلقا مصلحة ملزمة تقتضي مطلوبيته ، ولخصوصية كونه في النهار مصلحة أخرى ملزمة غير المصلحة القائمة بذات الامساك ، فتنبعث من هاتين المصلحتين إرادة قوية نحو المقيد بالنهار وبعد ارتفاع الخصوصية تبقي المصلحة الأولى بحالها فتقتضى مطلوبية ذات الامساك ، فإنه مع هذا الاحتمال لا يقين بارتفاع أصل الحكم الثابت للمقيد بزوال قيده ، بل يحتمل بقاء مرتبة من الحكم الأول المتعلق بنفس الذات حتى مع اليقين بزوال القيد ، غاية الامر يتبدل حده من الضمني إلى الاستقلالي ، وذلك أيضا بضميمة فهم العرف عدم المغايرة بين الذات في الوقت وخارجه الا بصرف الوجدان للقيد والفقدان له ، وبذلك يجري فيه استصحاب الوجود لتمامية أركانه من اليقين السابق والشك اللاحق ووحدة القضيتين فتأمل ( واما ) استصحاب العدم فيجري فيه بلا كلام ، لان مرجع اخذ الزمان قيدا مفردا للموضوع بعد أن كان إلى تعدد الموضوع وكون الوجوب الثابت للذات مع القيد غير الوجوب الثابت للذات مع عدم القيد ، فلا محاله مهما يشك في ثبوته للفرد الفاقد للقيد ، يجري فيه استصحاب العدم لليقين بالعدم سابقا والشك في البقاء لاحقا ، لان ما علم بانتقاضه بالوجود انما هو عدم شخص الحكم المختص بالموضوع المقيد ، لا عدم طبيعي الحكم الجامع بينه وبين غيره كما هو ظاهر ( ولكن ) الذي يظهر من بعض الأعاظم قدس سره على ما في التقرير المناقشة في الاستصحاب المزبور ، ( فاورد عليه ) بما ملخصه ان الحكم الثابت للشيء على نحو القضية الحقيقية ينحل إلى احكام تقديرية ثابتة لموضوعات مقدرة الوجود دائرة مدارها في الفعلية والشأنية ، فإذا كان وجود الحكم الثابت للمقيد تبعا لموضوعه مقيدا بقيد خاص من الزمان أو الزماني ، فلابد من أن يكون عدمه أيضا مقيدا بذلك القيد ، لان نقيض الوجود المقيد بشيء هو العدم المقيد بذلك الشيء لا العدم المطلق ، فنقيض


(159)
الوجود المقيد كالوجود المقيد يكون متقوما بوجود القيد ، ثم استنتج من ذلك في المقام بأنه إذا أوجب الجلوس في المسجد إلى الزوال على نحو كان الزوال قيدا للحكم أو الموضوع ، فشك في وجوبه بعد الزوال فوجوب الجلوس بعد الزوال حسب مفردية الزمان وان كان من الحوادث المسبوقة بالعدم ، ولكن عدمه المسبوق به لا يكون هو العدم الأزلي المطلق ، لأنه مما انتقض بالوجود قطعا بوجوب الجلوس قبل الزوال ، وانما هو العدم الخاص والمقيد ببعد الزوال ، وهذا العدم الخاص باعتبار كونه كالوجود الخاص مما قوام تحققه بوجود القيد ، فقبل الزوال لا يكون الوجوب المقيد بما بعد الزوال متحققا ولا عدم الوجوب المقيد به متحققا حتى يصح استصحابه الا بنحو السالبة بانتقاء الموضوع ( وبالجملة ) العدم المتحقق سابقا انما هو العدم المطلق وهو مع أنه منتقض بالوجود قطعا ، لا يكون نقيضا للوجود المقيد بما بعد الزوال ، وانما النقيض هو العدم الخاص الذي موطنه بعد الزوال ، وهذا قبل تحقق موطنه لا يكون له تحقق الا بنحو السالبة بانتفاء الموضوع فلذلك لا يجري فيه استصحاب الوجود ولا العدم ، بل لابد من الرجوع فيه عند الشك إلى البراءة أو الاشتغال ( ثم قال ) نعم لا بأس باستصحاب عدم الجعل بالنسبة إلى هذا الموطن ، لأنه لا مانع من انشاء وجوب الجلوس يوم الجمعة من يوم الخميس ، بل انشاء الأحكام الشرعية كلها أزلية ، فإذا شك في انشاء وجوب الجلوس يوم الجمعة وجعله أزلا ، فالأصل عدم الجعل ، لان كل جعل شرعي مسبوق بالعدم ، من غير فرق بين اخذ الزمان قيدا أو ظرفا ، غاية الامر انه على القيدية لوجوب الجلوس لم يعلم انتقاض عدم الجعل بالنسبة إلى يوم الجمعة أو بعد الزوال ، لأنه على القيدية يحتاج وجوب الجلوس يوم الجمعة أو بعد الزوال إلى جعل آخر مغاير لجعل الوجوب يوم الخميس أو بعد الزوال ( وحيث ) انه يشك في جعل الوجوب يوم الجمعة أو بعد الزوال ، فالأصل عدمه ، الا انه لا اثر لاستصحاب عدم الجعل الا باعتبار ما يلزمه من عدم المجعول ، واثبات عدم المجعول باستصحاب عدم الجعل يكون من أوضح افراد المثبت انتهى ملخص كلامه ( وفيه ما لايخفى ) فان مرجع كون الزمان قيدا للموضوع ومفردا له بعد أن كان إلى تعدد الموضوع بحسب


(160)
الأزمنة واختصاص كل موضوع بحكم شخصي مستقل غير الحكم المختص بالآخر ، فلا جرم يكون المجعول في المقام فردين من الوجوب الثابت أحدهما للمقيد بما قبل الزوال والآخر للمقيد بما بعد الزوال ، غاية الامر يكون الفردان تبعا لتدريجية موضوعهما المقيدين بالزمان تدريجيين.
    ( وحينئذ ) فإذا كان الفردان من الحوادث المسبوقة بالعدم وكان مرجع الحدوث في كل شيء إلى سبقه بعدم نفسه ، لا بعدم الطبيعي الجامع بنيه وبين غيره ، يكون الفرد الثاني أيضا حادثا مسبوقا بعدم نفسه الراجع إلى سبقه بالعدم المضاف إلى المقيد ، لا إلى العدم المقيد بنحو التوصيف ، إذ العدم المقيد لا يكون نقيضا للوجود المقيد وانما نقيضه عدم المقيد بالإضافة لا بالتوصيف ، والا يلزم ارتفاع النقيضين بارتفاع القيد وهو كما ترى من المستحيل ( وبالجملة ) نقول ان مرجع القيد في أمثال هذه القضايا إلى كونه مأخوذا في ذات المهية المسبوقة في اللحاظ على طرو الوجود عليها ، وان الوجود والعدم كانا طاريين على المهية المقيدة ، لا ان القيد مأخوذ في طرف الوجود نفسه ليكون النقيض هو العدم المقيد ( فلا بد ) حينئذ من جعل الوجود والعدم مرسلين عن القيد في مرحلة طروهما على المقيد ، لاستحالة تقييدهما بما هو مأخوذ في معروضهما ( غاية الامر ) يكون تقييد المعروض مانعا عن اطلاقهما كما هو الشأن في كل عرض بالنسبة إلى معروضه ، لا انه موجب لتقييدهما ( وحينئذ ) فإذا كان القيد مأخوذا في ذات الموضوع الملحوظ كونه في الرتبة السابقة على طرو الوجود عليه وكان الوجود مرسلا من القيد في مرحلة طروه على المقيد ، فقهرا يصير النقيض للوجود المزبور هو العدم المضاف إلى المقيد ، لا العدم المقيد بالتوصيف ( وحيث ) ان هذا العدم المضاف لا يكون الا أزليا ، لان ما ليس بازلى هو العدم المقيد ، فلا محالة يجري فيه الاستصحاب لتحقق أركانه فيه ، حيث إن شخص وجوب الجلوس بعد الزوال من الحوادث المسبوقة بعدم نفسه أزلا ، فإذا شك قبل الزوال أو حينه في ثبوته للمقيد ببعد الزوال يجري فيه استصحاب العدم ( ولعمري ) ان المنشأ كله للمناقشة المزبورة هو تخيل رجوع القيود في نحو هذه القضايا إلى


(161)
نفس العدم لا إلى المعدوم ، ولأجل ذلك أنكر الاستصحاب في المقام وفي كلية الاعدام الأزلية ( والا ) فعلى ما ذكرنا من رجوعها إلى المعدوم ، فلا مجال للمناقشة المزبورة كما هو ظاهر ، وتنقيح الكلام بأزيد من ذلك موكول إلى محله ( واما ) ما افاده من المنع عن استصحاب عدم الجعل ، لعدم ترتب اثر شرعي عليه في نفسه ، وعدم اثباته لعدم المجعول ولكون الترتب فيه عقليا لا شرعيا ( ففيه ) أولا ان الجعل والمجعول نظير الايجاد والوجود ، ليسا الا حقيقة واحدة وان التغاير بينهما انما هو بصرف الاعتبار ( وثانيا ) على فرض تغايرهما بحسب الحقيقة نقول : ان شدة التلازم بينهما لما كانت بمثابة لا يرى العرف تفكيكا بينهما حتى في مقام التعبد والتنزيل ، بحيث يرى التعبد بأحدهما تعبدا بالآخر ، نظير المتضايفين كالأبوة والبنوة ، فلا قصور في استصحابه حيث يكون التعبد بعدمه تعبدا بعدم المجعول ( وحينئذ ) فعلى ما ذكرنا من التقريب في صحة استصحاب الوجود أيضا يتوجه اشكال الفاضل النراقي قدس سره من التعارض بين الأصلين.

    قد يطلق على بعض الاستصحابات الاستصحاب التعليقي تارة ، والمشروط أخرى ، باعتبار كون القضية المستصحبة قضية تعليقية حكم فيها بوجود الحكم على تقدير امر آخر ، كالحكم بحرمة عصير العنبي ونجاسته على تقدير غليانه ( وقد وقع ) فيه الخلاف بين الاعلام في جريان الاستصحاب وعدمه ( فقيل ) : بالعدم ، لان الاستصحاب فرع الثبوت سابقا ولا ثبوت للمستصحب في القضايا التعليقية قبل وجود المعلق عليه الا فرضا ، فان القضايا الطلبية المتضمنة للأحكام المجعولة انما تكون من سنخ القضايا الحقيقية التي تكون الحكم فيها في الفعلية والشأنية تابعا لفعلية وجود موضوعه. وشأنيته ، فما لم يتحقق الموضوع بقيوده في الخارج لا يكون الحكم الا فرضيا لامتناع فعلية الحكم والتكليف قبل


(162)
وجود موضوعه ، ففي مثل قوله : العنب يحرم مائه إذا غلى يكون الموضوع للحرمة هو العنب المغلى لرجوع قيود الحكم طرا إلى الموضوع ، فلو شك قبل تحقق الغليان في بقاء الحرمة لأجل تبدل بعض حالات الموضوع لا يجرى فيه الاستصحاب ، إذ لا ثبوت للمستصحب سابقا ( ولكن ) الأقوى خلافه ( وتحقيق ) الكلام في المقام يستدعي تقديم أمور : ( الأول ) ان الحكم المستصحب اما ان يكون مطلقا غير معلق على شيء حتى بالنسبة إلى وجود موضوعه بحيث يقتضي وجوب تحصيله مهما أمكن بما له من القيود المعتبرة فيه ولو بايجاده وتكوينه في الخارج ، نظير الامر بشرب الدواء ، واما ان يكون معلقا بشيء هو وجود موضوعه ، أو قيوده وحالاته ، أو امر خارج عن حدود موضوعه ( وعلى الأخير ) فالتعليق اما ان يكون واردا في لسان الدليل ، كقوله : العنب يحرم مائه إذا غلى ، واما ان يكون منتزعا من كيفية جعل الحكم الشرعي لعنوان مخصوص بنحو التنجيز كقوله : يجب اكرام العالم ، حيث إن العقل ينتزع من مثل هذا الحكم المنشأ قضية تعليقية بأنه لو وجد انسان وكان عالما لوجب اكرامه ولا يحكم بوجوب تحصيله مقدمة للاكرام الواجب ( ولا فرق ) ظاهرا في اعتبار الاستصحاب على القول به في القضايا التعليقية بين القسمين المزبورين ، إذ لا وجه لتخصيص اعتباره بالأول دون الثاني الا توهم ان القضية المستصحبة في مثله ليست شرعية ولا لها اثر شرعي ، بل عقلية محضة
     ( ولكنه ) مندفع بما بيناه مرارا من أنه يكفي في شرعية الأثر في باب الاستصحاب. مجرد كون الشيء مما امر رفعه ووضعه بيد الشارع ولو بالواسطة ، فإذا كان منشأ انتزاع هذه القضية العقلية التعليقية قضية شرعية يجري فيها الاستصحاب ( وبذلك ) قلنا : ان البحث في جعلية الأحكام الوضعية وانتزاعيتها من التكليف قليل الجدوى في باب الاستصحاب ، لأنه على الانتزاعية أيضا يجرى فيها الاستصحاب ، لكفاية مجرد انتهائها إلى الشارع وضعا ورفعا في الشرعية المعتبرة في باب الاستصحاب. ( الامر الثاني ) قد تكرر منا مرارا الفرق بين القيود الراجعة إلى مفاد الخطاب أعني الحكم والتكليف ، وبين القيود الراجعة إلى موضوعه ، فان


(163)
القيدين وان كانا مشتركين في الدخل في مصلحة المتعلق ، الا انهما مختلفان في كيفية الدخل فيها ، ( حيث إن ) دخل الأول فيها يكون من قبيل دخل الشيء في أصل الاحتياج إلى الشيء واتصافه بكونه صلاحا ، وبذلك يكون من الجهات التعليلية لطرو الحكم على الموضوع ، بخلاف الثاني فان دخله انما يكون في وجود ما هو المتصف بكونه صلاحا ومحتاجا إليه فارغا عن أصل اتصافه بكونه صلاحا ( ومن الواضح ) حينئذ انه لو ثبت في مورد قيدية شيء للوجوب الذي هو مفاد الخطاب في الواجبات المشروطة لا يكاد صلوحه للقيدية لموضوعه ، لاستحالة تقييد الموضوع بحكمه أو بما هو من علله وبالعكس ( نعم ) تقييد الحكم به موجب لضيق قهري في موضوعه وللزوم تطابق سعة دائرة كل حكم مع موضوعه وامتناع أوسعية أحدهما من الآخر ، كما هو الشأن في كل معروض بالنسبة إلى عرضه في الاعراض الخارجية وغيرها ، ولكنه غير تقييده به ( وحينئذ ) فارجاع القيود المأخوذة في مفاد الخطاب في القضايا المشروطة إلى موضوع الخطاب بجعله مركبا من الذات والوصف كما عن بعض منظور فيه ، فإنه ناشئ عن الخلط بين نحو القيد في كيفية الدخل في مصلحة المتعلق.
    ( الامر الثالث ) قد تقدم في بعض التنبيهات السابقة ان حقيقة الأحكام التكليفية المستفادة من الخطابات الشرعية ليست الا الإرادة التشريعية المبرزة بأحد مظهراتها من القول أو الفعل ، وان عنوان مثل البعث والتحريك والايجاب والوجوب ونحوها من العناوين اعتباريات محضة منتزعة من مقام ابراز الإرادة ، حيث إنه بابراز المولى إرادة الشيء واشتياقه إليه باخبار أو انشاء من قول أو فعل ، ينتزع العقل من ارادته المبرزة منه عنوان البعث والوجوب واللزوم ، كل باعتبار خاص ، لا انها هي الأحكام التكليفية المستفادة من الخطابات ، ولذا ترى صحة انتزاع تلك العناوين بمحض وصول إرادة المولى إلى مقام البروز بانشائه أو اخباره ولو لم يخطر ببال المولى التسبب بانشائه إلى تحقق تلك العناوين ( وبذلك ) قلنا : ان الأحكام التكليفية بحقيقتها التي هي الإرادة التشريعية المظهرة بأحد مظهراتها ، أجنبية بجميع مباديها عن الجعليات المتصورة في باب الأوضاع ، لان الحقائق الجعلية عبارة عن أمور اعتبارية التي قوام تحققها في الوعاء


(164)
المناسب لها بالانشاء والقصد بحيث كان الانشاء والقصد من قبيل الجزء الأخير من العلة التامة لتحققها ، نظير الملكية والزوجية ونحوهما ، فان روح الجعل فيها عبارة عن تكوين حقائقها بالانشاء والقصد بحيث لولا قصد التسبب بانشائها إلى تحققها في الوعاء المناسب لها لما كان لها تحقق أصلا ، فكان الجعل والانشاء فيها واسطة بينها وبين ارادتها ( وهذا المعنى ) غير متصور في الأحكام التكليفية ، لا بالنسبة إلى نفس الإرادة ، لأنها امر واقعي تدور في تحققها مدار تحقق مباديها من العلم بالمصلحة والعزم والجزم ، ولا بالنسبة إلى حيث ابرازها بانشاء أو اخبار ، لكونها من الأمور المتأصلة الخارجية ومن مقولة الفعل ، فلم يبق الامر حلة البعث والتحريك والوجوب ، وقد عرفت ان هذه أمور اعتبارية انتزاعية ينتزعها العقل من مجرد ابراز الإرادة من المولى فلا ترتبط بالحقائق الجعلية ( نعم ) لا بأس بدعوى الجعل بمعنى التكوين فيها باعتبار ايجاد ما هو المنشأ القهري لا القصدي للاعتبارات المزبورة أعني الاعلام بالإرادة واظهارها خارجا باخبار أو انشاء فعلي أو قولي ، فإنه بهذه العناية تكون الأمور المزبورة منسوبة إلى الجعل التكويني وتابعة لما بيد الشارع وضعه ورفعه وهو الامر الذي عين الانشاء الاختياري والتشريع ، ولكن هذا المقدار لا يوجب كونها جعلية بالمعنى المتصور في الأحكام الوضعية كما هو واضح ( وبما ذكرنا ) انقدح ان ما اشتهر وانغرس في بعض الأذهان من أن القضايا الشرعية والاحكام الطلبية من سنخ القضايا الحقيقية التي تكون فرض وجود الموضوع فيها موجبا لفرض محموله ، فلا يكون الحكم فيها فعليا الا في ظرف فعلية موضوعه بقيوده مما لا أصل له ولا أساس.
    ( فان ) القضايا الحقيقية المصطلحة انما تصح في مثل الأحكام الوضعية المجعولة والاعراض الخارجية التي يكون الخارج فيها ظرفا للعروض والاتصاف ، لا في الأوصاف الوجدانية التي تكون ظرف عروضها هو الذهن وكان الخارج ظرفا لاتصافها محضا ، كالإرادة والكراهة والحب والبغض والتمني ونحوها ، فإنها من جهة قيامها بالوجودات الذهنية لا تحتاج في فعليتها باي نحو يكون لها من التعلق إلى وجود متعلقاتها في الخارج ، ولذا قلنا كرارا ان معروضات تلك الصفات الوجدانية طرا لا يكون الا الصور


(165)
الذهنية ، غايته بما انها ترى خارجية على وجه لا يلتفت إلى ذهنيتها كما يشهد له موارد تخلف القطع والظن عن الواقع ، فالاحكام التكليفية التي لبها الإرادة المبرزة حينئذ أجنبية عن القضايا الحقيقية المصطلحة حتى فيما كان منها بنحو الإناطة والاشتراط ( فان ) مرجع الإناطة والاشتراط فيها بعد قيامها بالملحوظات الذهنية إلى اشتياق فعلى منوط بوجود الشيء في فرض الآمر ولحاظه المتحقق في حال الانشاء في قبال الاشتياق الفعلي المطلق نحو الشيء غير منوط بشيء حتى في فرضه ولحاظه ( لا إلى ) اشتياق تقديري ، فالمنوط به فيها دائما هو الشيء بوجوده الفرضي اللحاظي لا بوجوده العيني الخارجي ، كما هو الشأن في إناطة الإرادة بموضوعه ، ومع فرض وجوده في لحاظ الآمر يكون المبرز بالخطاب حتى في المشروطات فعليا دائما ، غايته كونه منوطا بوجود المنوط به في لحاظ الآمر بلا احتياج في فعليتها إلى وجود المنوط به خارجا ( نعم ) مرتبة محركية هذه الإرادة وفاعليتها منوطة بالعلم بوجود الموضوع والمنوط به خارجا ، لأنها من تبعاث تطبيق العقل عنوان الموضوع والمنوط به على الخارج وبدونه لا يحكم بوجوب الانبعاث ( ولكن ) ذلك لا يوجب إناطة أصل التكليف في فعليته بوجوده خارجا ( كيف ) وهذه المرتبة مرتبة تأثير الخطاب في حكم العقل بلزوم الانبعاث من بعث المولى ، لا مرتبة نفس الخطاب ومضمونه ، ولذا ترى إناطة هذه المرتبة بالعلم بالخطاب أيضا ، مع وضوح حفظ مضمونه في ظرف الجهل جزما ( والا يلزم ) اختصاص مضمون الخطاب بالعالم به وهو كما ترى ( نعم ) لو بنينا على جعلية الأحكام التكليفية كالأحكام الوضعية في أبواب العقود أمكن دعوى كونها من سنخ القضايا الحقيقية التي يكون فرض وجود الموضوع فيها موجبا لفرض محموله ، ولكن عرفت كونه بمعزل عن التحقيق ( فتلخص ) ان المبرز بالخطاب التكليفي الذي هو روح الحكم المتجسم بابرازه في جميع المقامات حتى في المشروطات فعلي دائما قائم بالوجودات اللحاظية وانه لا يحتاج في فعليته باي نحو يكون له من التعلق بقيده أو موضوعه إلى فعلية وجود قيده وموضوعه خارجا.
    ( وحيث اتضح ) هذه الأمور ( نقول ) انه بعد فعلية الإرادة في الخطابات المشروطة
نهاية الافكار ـ الجزء الرابع القسم الاو ::: فهرس