نهاية الافكار ـ الجزء الرابع القسم الاول ::: 166 ـ 180
(166)
لرجوع الإناطة والاشتراط فيها إلى اشتياق فعلي في ظرف لحاظ الشيء خارجيا لا إلى اشتياق تقديري ، فلا قصور في جريان الاستصحاب التعليقي فيها قبل حصول المعلق عليه في الخارج لعموم أدلته الشامل لمثله ، غاية الامر انه لا اثر له الا في ظرف وجود المنوط به خارجا الذي هو ظرف تطبيق الخطاب وظرف محركيته ( ولكن ) ذلك لا يمنع عن استصحابه ، لان في استصحاب لا يحتاج الا إلى اليقين بوجود المستصحب وما هو مفاد الخطاب سابقا والشك في بقائه لاحقا ، فإذا فرضنا ان مفاد الخطاب في المشروطات حكم فعلي منوط بوجود الشيء في فرض الآمر ولحاظه ، لا انه حكم فرضي تقديري بفرض وجود المنوط به خارجا ، فلا محالة يجري فيه الاستصحاب لتمامية أركانه ، من غير فرق بين ان تكون الإناطة والتعليق فيه بوجود موضوعه ، أو بأمر خارج عنه ، ولا بين ان يكون التعليق بأمر وجداني بسيط ، أو بأمر مقيد أو مركب من أمرين أو غير ذلك ، ولا بين ان يكون الحكم المعلق كليا أو جزئيا ( فلو علم ) حينئذ بترتب الحرمة والنجاسة على العنب في ظرف غليانه أو على العنب المغلي ، فشك بعد تبدله بالزبيب قبل غليانه في بقاء تلك الحرمة والنجاسة الثابتتين للعنب ، على تقدير غليانه ، يجري فيهما الاستصحاب لا محالة بعد جعل وصف العنبية والزبيبية من حالات الموضوع لا من مقوماته ، سواء فيه بين اخذ الغليان وصفا للموضوع ، كقوله : العنب المغلي يحرم أو ينجس ، أو شرطا للحكم كقوله : العنب يحرم وينجس إذا غلى ، وبذلك ينقدح فساد ما أفيد في المنع عن الاستصحاب المزبور ، من أن الحكم المترتب على الموضوع المركب انما يكون وجوده وتقرره بوجود موضوعه بما له من الاجزاء والقيود ، لان نسبة الموضوع إلى الحكم نسبة العلة إلى المعلول ، ولا يعقل ان يتقدم الحكم على موضوعه ، والموضوع في مثال العنب يكون مركبا من جزئين العنب والغليان لان شرط الحكم يرجع إلى الموضوع ويكون من قيوده ، فقبل فرض غليان العنب لا يمكن فرض وجود الحكم ومع عدم فرض وجود الحكم لا معنى لاستصحابه ، لأنه يعتبر في الاستصحاب الوجودي ان يكون المستصحب شاغلا لصفحة الوجود في الوعاء المناسب له ، فبوجود أحد جزئي المركب ، لا يترتب عليه


(167)
الحكم الشرعي ما لم ينظم إليه الجزء الآخر ، نعم الأثر المترتب على أحد جزئي المركب هو انه لو انضم إليه الجزء الآخر لترتب عليه الأثر ، وهذا المعنى مع أنه عقلي ، يكون مقطوع البقاء في كل مركب وجد أحد جزئيه فلا معنى لاستصحابه ( وجه الفساد ) ما عرفت أولا من منع رجوع شرائط الحكم في القضايا المشروطة إلى كونها قيودا للموضوع بحسب اللب ليكون الموضوع فيها هو الذات المتقيد ، وانما هي من الجهات التعليلية لطرو الحكم على ذات الموضوع ( ومجرد ) اقتضائها لاخراج الذات عن الاطلاق ، غير تقييدها بنفس الحكم أو بما أنيط به الحكم ( بل الموضوع ) في نحو هذه القضايا هو الذات المجردة عن القيد ، غايته على نحو لا اطلاق لها ولا تقييد.
    ( وثانيا ) على فرض تسليم رجوع قيود الحكم إلى الموضوع نمنع توقف فعلية الحكم على فعلية وجود موضوعه باجزائه وقيوده ( لما عرفت ) من أن حقيقة الحكم وهي الإرادة التشريعية المبرزة بالخطاب ، فعلية دائما في الخطابات المشروطة وغيرها ، وان مرجع الإناطة والاشتراط فيها إلى فعلية الإرادة والاشتياق التام في فرض لحاظ الشيء خارجيا قبال الإرادة المطلقة الراجعة إلى الاشتياق إلى الشيء لا في ظرف وجود شيء آخر في لحاظه ( لا ان ) مرجع الإناطة فيها إلى اشتياق تقديري بفرض وجود المنوط به خارجا ( نعم ) مرتبة محركية مثل هذه الإرادة منوطة بوجود المنوط به خارجا كإناطتها بالعلم به أيضا ، ولكنه غير مرتبة فعلية أصل الإرادة ( نعم ) ما أفيد من عدم فعلية الحكم الا في فرض فعلية موضوعه انما يتم في فرض مجعولية الأحكام التكليفية كما هو المعروف مع البناء على أن حقيقة الحكم التكليفي عبارة عن نفس البعث والايجاب ، لا الإرادة التشريعية المبرزة بالخطاب ، فإنه على هذا المبنى ، أمكن دعوى كون المجعول في باب التكاليف من سنخ القضايا الحقيقية التي يتبع المجعول فيها وجود موضوعه بقيوده في الفعلية والفرضية ، وهذا أيضا لولا دعوى كون المجعول حينئذ على وفق الإرادة في كونه فعليا منوطا بفرض وجود القيد في لحاظه ( وبالجملة ) فعلى ، هذا المبنى يتجه الاشكال في استصحاب الحكم التعليقي قبل وجود المعلق عليه خارجا ، بناء على اعتبار لزوم كون المستصحب فعليا شاغلا لصفحة الوجود


(168)
خارجا ، إذ حينئذ لا فعلية للحكم المستصحب في نحو المثال قبل تحقق الغليان حتى يمكن استصحابه ( ولكن ) على ذلك يلزم المنع عن الاستصحاب في الاحكام الكلية أيضا قبل وجود موضوعاتها فيما لو شك فيها لأجل احتمال نسخ أو تغيير بعض حالات الموضوع ( إذ بعد ) اعتبار كون المستصحب شاغلا لصفحة الوجود خارجا ( لا فرق ) في المنع عن الاستصحاب ، بين الاحكام الكلية ، والجزئية مع أن المستشكل المزبور ملتزم بجريانه في الاحكام الكلية قبل وجود موضوعاتها ( فإذا التزم ) فيها بكفاية فرضية وجودا الحكم في صحة استصحاب الحكم الكلى ، يلزمه الاكتفاء به في استصحاب الحكم الجزئي ( وبالجملة ) احتياج الاستصحاب في جريانه إلى وجود الموضوع خارجا بما له من الاجزاء والقيود يستلزم المنع عنه حتى في الاحكام الكلية قبل تحقق موضوعاتها سواء كان الشك فيها من جهة الشك في النسخ أو من جهة أخرى ( كما ) ان الاكتفاء بصرف فرضية وجود الموضوع في استصحاب الحكم الكلى ، يستلزم الاكتفاء به في استصحاب الحكم الجزئي أيضا ( إذ لا فرق ) في فرضية الحكم بفرضية وجود موضوعه ، بين فرضية تمام موضوعه باجزائه وشروطه ، وبين فرضية بعضه ( فعلى ) كل تقدير لا وجه للتفصيل المزبور ، بل لا محيص اما من المنع عن استصحاب الحكم التعليقي قبل تحقق الموضوع والمعلق عليه مطلقا حتى في الحكم الكلى ، واما من الالتزام بجريانه مطلقا حتى في الحكم الجزئي بناء على الاكتفاء في جريانه بصرف وجوده فرضا في زمان يقينه ، هذا ( مع ) امكان اجراء الاستصحاب حينئذ في نفس القضية التعليقية والحرمة أو النجاسة التقديرية الثابتة للعنب قبل الغليان ، فإنه يصدق عليه قبل الغليان انه يحرم أو ينجس على تقدير غليانه وبعد صيرورته زبيبا يشك في بقاء تلك القضية التعليقية بحالها فيستصحب ، إذ لا قصور في أدلته للشمول لمثل الفرض ( ودعوى ) انها ليست بشرعية لأنها عبارة عن الملازمة بين وجود الشيء ووجود الحكم فهي اعتبار عقلي منتزع من جعل الشارع وانشائه الحرمة والنجاسة على العنب المغلي ، ودليل الاستصحاب غير ناظر إلى مثله ، مضافا إلى أن الملازمة انما هي بين الحكم وتمام الموضوع ، ولا يعقل الشك في بقائها الا من جهة الشك في نسخ الملازمة ، فيرجع إلى استصحاب عدم النسخ الذي لا اشكال فيه ، وهو غير الاستصحاب التعليقي


(169)
( مدفوع ) بما ذكرنا مرارا من أنه يكفي في الشرعية في باب الاستصحاب مجرد كون المستصحب مما امر رفعه ووضعه بيد الشارع ولو بتوسيط منشئه ، فإذا كانت القضية التعليقية والملازمة المزبورة منتهية إلى كيفية إرادة الشارع وجعله على نحو خاص ، بحيث لولا الجعل الشرعي لما يعتبر العقل تلك الملازمة ، فلا محالة يجري فيها الاستصحاب والتعبد بعدم نقض اليقين بالشك بعد انتهائه إلى الأثر العملي ، كما في السببية في الأمور الجعلية حسب ما شرحناه سابقا خصوصا على المبنى المختار في لا تنقض من كونه ناظرا إلى نفس اليقين بلحاظ ما يترتب عليه من الأعمال حتى في الاحكام المجعولة ، لا إلى المتيقن ولو بتوسيط اليقين بنحو جعل المماثل ، أو الامر بالمعاملة مع المتيقن معاملة الواقع ( وعليه ) فلا يحتاج في اجراء الاستصحاب في نحو هذه التعليقيات وشرعيتها إلى اتعاب النفس لاثبات ان لها مرتبة من الوجود كي يورد عليه بأنها كالملازمات الواقعية بين الشيئين ليست من الموجودات الخارجية وانما هي اعتبارات عقلية منتزعة من مجرد امتناع انفكاك أحد الشيئين عن الاخر ( نعم ) ما لا يكون جعليا انما هي الملازمة والسببية في الأمور الواقعية التكوينية التي لا يكون لها مساس بالجعل الشرعي ولو بالواسطة ، لا مثل هذه التعليقيات التي عرفت انتهائها بالآخرة إلى الجعل الشرعي ، كما هو ظاهر ( واما شبهة ) عدم تصور الشك في بقاء الملازمة ألا من جهة الشك في النسخ وبدونه يقطع ببقائها لكونها كالصحة التأهلية لجزء المركب ( فمدفوع ) بان المقطوع انما هو الحكم الثابت للذات في حال العنبية لا مطلقا حتى في حال الزبيبة ، إذ هو في هذا الحال مشكوك لا مقطوع ، والمستصحب هو هذا الحكم الضمني الفرضي الثابت للذات في حال العنبية وبقائه مشكوك لا مقطوع.
    ( ثم ) انه أورد على الاستصحاب المزبور بوجهين آخرين ( أحدهما ) من جهة تغاير الموضوع في القضيتين ، بدعوى ان الموضوع للحرمة والنجاسة المعلقة بالغليان في القضية المتيقنة انما هو ماء العنب وقد انعدم بصيرورته زبيبا ، وفي القضية المشكوكة هو الجرم الخاص وليس هو موضوعا للحرمة والنجاسة ( والثاني ) بمعارضة الاستصحاب المزبور مع استصحاب الطهارة والحلية الثابتة قبل الغليان ، فان


(170)
الاستصحاب التعليقي كما يقتضى حرمة الزبيب ونجاسته بعد الغليان كذلك الاستصحاب التنجيزي للطهارة والحلية الفعلية يقتضى حليته وطهارته بعد الغليان وحيث إن الشك في أحد الاستصحابين لا يكون مسببا عن الاخر يسقط الاستصحابان فيرجع فيه إلى قاعدة الحلية والطهارة ( ولكن ) الأول مندفع بفهم العرف كون الموضوع للحرمة والنجاسة هو الجسم الخاص وان وصف العنبية والزبيبية من حالات الموضوع لا من مقوماته.
    ( واما الثاني ) ففيه ان المعارضة انما تتم إذا كان المستفاد من دليل الغليان مجرد سببيته للحرمة والنجاسة المشروطة بلا غائيته للطهارة والحلية الثابتتين للعنب قبل الغليان بحيث يكون ارتفاع الحلية والطهارة الثابتة قبل الغليان عند فعلية الحرمة أو النجاسة المشروطة بالغليان بمناط المضادة ( واما ) إذا كان المستفاد من دليل الغليان علاوة عن شرطية الغليان وسببيته للحرمة والنجاسة ، كونه غاية أيضا شرعا لحكم المضاد أعني الحلية والطهارة الفعلية الثابتتين للعنب قبل الغليان ، ( فلا مجال ) لتوهم المعارضة بين الاستصحابين ، نظرا إلى حكومة الاستصحاب التعليقي حينئذ على الاستصحاب التنجيزي للحلية والطهارة ، فإنه بعد أن يكون الحلية والطهارة مغياة شرعا بعدم طرو الغليان الذي هو سبب النجاسة والحرمة ، فلا جرم بالاستصحاب التعليقي يرتفع الشك في الحلية والطهارة ولا يبقى معه المجال لاستصحابهما أصلا ( ففي الحقيقة ) مرجع استصحاب الحرمة والنجاسة المشروطة إلى استصحاب بقاء الشرطية للحرمة والنجاسة ولعدم الحكم الآخر المضاد لهما المعبر عنه بالغاية ، فما هو الحاكم على هذا الاستصحاب في الحقيقية هو استصحاب الشرطية والغائية الحاصل في ضمن استصحاب الحرمة المشروطة ، والا فاحد الحكمين كان في عرض الآخر بلا طولية بينهما ولا سببية والمسببية ، وما هو في طولهما هو حيث بقاء الشرطية والغائية التوأمين في الثبوت للقيد المزبور ( حينئذ ) فلا بد في الحكم بتعارض الأصلين وعدمه من لحاظ ان الغليان كما أنه شرط للحرمة والنجاسة المجعولة ، كذلك يكون غاية شرعا للحلية والطهارة ، أم لا يكون كذلك ، بل كان غائيته للحلية والطهارة بحكم العقل محضا بلحاظ مضادة


(171)
الحكمين وامتناع تحقق أحدهما في ظرف تحقق الآخر.
    ( فعلى الأول ) كما هو التحقيق لا محيص من حكومة الاستصحاب التعليقي بالبيان المتقدم.
    ( وعلى الثاني ) تستقر المعارضة بين الأصلين ، لان الحكمين حينئذ عرضيان والشرطية والغائية أيضا عرضيتان ( لان ) ما هو في طول الحرمة هو وجود الشرط والغاية ، والأول وان كان شرعيا فيترتب عليه اثره الذي هو الحرمة الا ان الثاني لا يكون كذلك ، فلا مجال لرفع اليد عن استصحاب الحلية باستصحاب الحرمة المشروطة كما هو ظاهر.
    ( وبما ذكرنا ) يظهر النظر فيما افاده بعض الأعاظم قدس سره في تقريب السببية والمسببية بين الأصلين ، ( ببيان ) ان الشك في حلية الزبيب وطهارته الفعلية بعد الغليان وان لم يكن مسببا عن الشك في نجاسته وحرمته الفعلية بعد الغليان وانما كان الشك في أحدهما ملازما للشك في الآخر ، الا ان الشك في الطهارة والحلية الفعلية في الزبيب المغلي مسبب عن الشك في كون المجعول الشرعي هو نجاسة العنب المغلي وحرمته مطلقا حتى في حال كونه زبيبا ، أو ان المجعول الشرعي خصوص نجاسة العنب المغلي وحمرته ولا يعم الزبيب المغلي ، فإذا حكم الشارع بالنجاسة والحرمة المطلقة بمقتضى الاستصحاب التعليقي يرتفع الشك في حلية الزبيب المغلي وطهارته وجه النظر ان اطلاق الحرمة المشروطة بالغليان لحال الزبيبية وثبوت ضده في هذه الحالة من المتضادين الملازم لكونهما في مرتبة واحدة من دون ان يكون لعدم أحدهما تقدم على وجود الآخر ، ولا لوجود أحدهما تقدم على عدم الآخر ، ومعه لا سببية ولا مسببية بينهما ، بل يقال : حينئذ انه لم لا تعكس الامر ، فإنه كما أن التعبد ببقاء الحرمة المطلقة الشامل لحال الزبيبة ملازم لارتفاع الحلية السابقة عقلا في هذا الحال ، كذلك التعبد ببقاء الحلية السابقة في هذا الحال ملازم عقلا للتعبد بارتفاع الحرمة التعليقية في هذا الحال ( ولقد تفطن ) هو قدس سره لهذا الاشكال ، حيث أورد على نفسه بان عدم الحلية والطهارة لا تكون من الآثار الشرعية المترتبة على حرمة العنب


(172)
المغلي ونجاسته وانما هو من اللوازم العقلية لجعل الحرمة للعنب المغلي مطلقا لمكان امتناع اجتماع الضدين ( ولكنه ) أجاب عنه بالفرق بين السببية والمسببية في الموضوعات وبينهما في الاحكام ، فقال : ان شرطية ترتب المسبب على السبب شرعا انما هي في الاستصحابات الموضوعية ، واما في الاستصحابات الحكمية فعدم ترتب الحكم الآخر على ثبوت حكم آخر من لوازم نفس استصحابه والتعبد به ، فإذا جرى فيه الاستصحاب يترتب عليه جميع الآثار حتى العقلية لا خصوص الآثار الشرعية ( فاستصحاب ) الحزمة التعليقية بما له من المراتب التي منها مرتبة كونه زبيبا والتعبد ببقائه مما يلازم عقلا للتعبد بارتفاع حليته وطهارته ، إذا لا معنى للتعبد بحرمته ونجاسته في هذا الحال الا الغاء حليته وطهارته في هذا الحال ، والا يكون التعبد به لغوا ، فبذلك يكون استصحاب الحرمة والنجاسة التعليقية حاكما على استصحاب الحلية والطهارة انتهى ملخص ما افاده بطوله.
    ( وأنت خبير ) بما فيه ( إذ مضافا ) إلى أنه لا فرق في شرعية ترتب المسبب بين الأصول الموضوعية والحكمية ، يمنع الطولية والسببية والمسببية بينهما لما عرفت من المضادة بين الحكمين عقلا المستتبع لملازمة وجود أحدهما لعدم الآخر ، فلو اكتفي بهذا المقدار في الحكم بارتفاع الحلية والطهارة الفعلية باستصحاب الحرمة والنجاسة التعليقية للعنب بما له من المراتب التي منها المرتبة الزبيبية ، فلم لا تعكس الامر ، لان التعبد بالحرمة التعليقية كما يقتضى التعبد بعدم الحلية الفعلية بعد الغليان ، كذلك التبعد ببقاء الحلية الفعلية الثابتة للعنب بعد الغليان في هذا الحال يقتضي التعبد بارتفاع الحرمة التعليقية في هذا الحال ، لان لازم تضاد الحكمين انما هو ملازمة وجود أحدهما لعدم الآخر واقعا وظاهرا ، ومع امكان العكس أين يبقى المجال لتقديم الاستصحاب التعليقي وترتيب لازمه ظاهرا من نفي الحلية والطهارة كما هو ظاهر ( وحينئذ ) فالعمدة في تقديم الاستصحاب التعليقي في المقام على الاستصحاب التنجيزي للحلية والطهارة هو ما ذكرناه من الحكومة بالتقريب المتقدم الراجع استصحابه إلى استصحاب بقاء الشرطية والغائية للحلية السابقة الموجب لثبوت ما هو الغاية للحلية والطهارة ، حيث إنه باستصحابه


(173)
يرتفع الشك في الحلية والطهارة تعبدا ، ومعه لا يبقى مجال لاستصحابهما فتدبر.
    ( وبما ذكرنا ) يظهر النظر فيما افاده المحقق الخراساني قدس سره في نفى التعارض بين الأصلين رأسا ، من أن التعارض انما يتصور بينهما في فرض اقتضاء بقاء الحلية إلى حين الشك بها اجتماعها مع الحرمة التعليقية المضادة لها بحيث يلزم من جريان الاستصحابين العلم بمخالفة أحدهما للواقع ، وليس كذلك ، فإنه كما أن الحرمة منوطة بوجود الغليان ، كذلك الحلية السابقة منوطة أيضا بعدم الغليان ، ومن المعلوم ان القطع ببقاء القضيتين وجدانا لا يوجب اؤلهما إلى اجتماع الضدين فضلا عن استصحابهما ( إذ فيه ) ان القطع بالحلية المغياة بالغليان وان كان يجتمع مع الحرمة المنوطة بالغليان ، حيث كان العنب دائما يثبت له الحلية والحرمة المنوطة بالغليان بلا اؤل مثله إلي اجتماع الحكمين الفعليين في زمان بلحاظ ان الغليان الذي هو غاية للحلية وشرط للحرمة بوجوده ينفى الأول ويثبت الثاني ( ولكن ) القطع بالحلية المغياة قبل حصول الغاية لما يلازم القطع بالحلية الفعلية للعنب فلا جرم مهما شك في ارتفاعها ولو من جهة احتمال بقائها في الزمان اللاحق بلا تعليق على عدم الغليان يجرى استصحاب تلك الحلية الفعلية ، كما لو شك في ارتفاعها يمثل مواجهة الشمس أو غيرها من محتمل الرافعية ، فالمعارض لاستصحاب الحرمة التعليقية حينئذ هو هذا الاستصحاب ، لا استصحاب الحلية المنوطة بعدم الغليان كي يقال : ان القطع ببقائها غير ضائر فضلا عن استصحابها ( وعليه ) فالحري هو ابداء أصل المعارضة بين الاستصحابين ثم علاج التعارض بينهما بحكومة الاستصحاب التعليقي على الاستصحاب الفعلي بالتقريب الذي ذكرناه.
    ( التنبيه السادس ) لا اشكال في استصحاب الحكم الشرعي عند الشك في النسخ إذا كان المستصحب من احكام هذه الشريعة المقدسة ( واما ) إذا كان من احكام الشرايع السابقة ، فقد يناقش فيه بوجهين


(174)
    ( الأول ) من جهة اختلاف الموضوع ( بتقريب ) ان المكلف بأحكام كل شريعة انما هو المدرك لتلك الشريعة ، المدرك للشرايع السابقة قد انقرضوا ، واما المدرك لهذه الشريعة مع عدم دركه للشرايع السابقة فلم يعلم كونهم مرادا من العمومات الثابتة في الشرايع السابقة ، فلا يجرى الاستصحاب في حقهم ( وبتقرير أوضح ) ان استصحاب بقاء الحكم عند الشك في النسخ انما يجري وينفع في فرض المفروغية عن شمول حكم العام من الأول لجميع الافراد المتدرجة الزمانية وهو متفرع على عدم اختصاص حكم العام بزمان دون زمان ، والا فعلى فرض اختصاصه من الأول بالزمان السابق ولو من جهة ان النسخ تخصيص في الأزمان يستحيل دخول الافراد التدريجية الحادثة في الشريعة اللاحقة في العام السابق أو اطلاقه ( وحيث ) ان الشك في النسخ يستتبع الشك في دخول الافراد الحادثة في الشريعة اللاحقة في العام من الأول ، فلا يجتمع الشك في النسخ مع العلم بدخول الافراد اللاحقة بعد زمان النسخ في العام من الأول ، ومعه لا يثمر استصحاب بقاء الحكم الثابت لعنوان عام يشك في دخول الافراد الفعلية فيه لاثبات حكم العام في حقهم ، إذ مثل هذا المعنى لو كان جزميا غير مثمر لاثبات الحكم في حقهم فضلا عن استصحابه ( نعم ) مثل هذا الاستصحاب يثمر في النسخ بمعنى البداء المتصور في حق المخلوقين ، فإنه عليه يمكن دعوى الجزم بدخول الافراد الفعلية في المراد من العام من الأول ، فمع الشك في البداء ونسخ الحكم الأول يجري استصحاب بقائه وعدم نسخه ( ولكن ) هذا المعنى غير متصور بالنسبة إليه سبحانه لأنه غير منفك عن الجهل بمصالح الأمور تعال الله عن ذلك علوا كبيرا.
    ( الثاني ) من جهة العلم الاجمالي بنسخ كثير من الاحكام الثابتة في الشرايع السابقة في هذه الشريعة ، حيث إن هذا العلم الاجمالي يمنع عن جريان الأصل في أطرافه ( أقول ) ولا يخفى ما عليك في هذين الوجهين.
    ( اما الوجه الأول ) فمع انه جار في استصحاب احكام هذه الشريعة عند الشك في نسخها بالنسبة إلى الموجودين في الأزمنة المتأخرة مندفع ، بان الاشكال انما يتوجه إذا كان الحكم الثابت في الشريعة السابقة بنحو القضايا الخارجية المتكفلة للحكم على


(175)
الافراد المحققة الوجود في زمان خاص ، إذ حينئذ لا يقين بثبوت الحكم من الأول للافراد الموجودة في الأزمنة المتأخرة وانما المتيقن ثبوته بالنسبة إلى الافراد الموجودة في الزمان السابق ( واما ) إذا كان بنحو القضية الطبيعية المتكفلة للحكم على طبيعة المكلفين بنحو السريان في الافراد الفعلية المحققة الوجود والفرضية المقدرة وجودها ، فلا يلزم اشكال ، إذ بعد أن كان مقتضى العموم ثبوت الحكم من الأول لجميع الافراد الفعلية والفرضية لولا النسخ : فلا جرم عند الشك في النسخ وعدم عموم لفظي يقتضي استمراره في جميع الأزمنة يجري فيه استصحاب البقاء وعدم النسخ ولازمه ثبوته للافراد الموجودة في الشريعة اللاحقة ، لان منشأ الشك في ثبوته فعلا للافراد الموجودة في الأزمنة المتأخرة انما يكون هو النسخ لا غيره ، فاستصحاب عدمه يكفي لنفي هذه الجهة من الشك ، بلا احتياج إلى اثبات كونهم مرادا من العام بمثل هذا الأصل كي يجيئ فيه شبهة مثبتية الأصل المزبور ( وبالجملة ) الغرض من استصحاب حكم العام انما هو استصحاب الحكم الثابت لجميع الافراد من غير جهة النسخ بلحاظ ان الشك في بقائه يكون من جهة احتمال النسخ فبالاستصحاب المزبور يترتب ثبوت الحكم العام على الافراد الموجودة في الأزمنة المتأخرة ( واما توهم ) ان الاحكام الثابتة للفرضيات ليست بفعلية وانما هي اقتضائية محضة فاستصحابها لا يفيد في اثبات فعلية الحكم بالنسبة إلى الموجودات في الأزمنة المتأخرة الا على الأصول المثبتة ( فمدفوع ) بما تقدم مرارا من منع عدم فعليتها بالنسبة إليها ، إذ لا قصور في فعلية الإرادة وتوجيهها نحو الفرضيات عند تمامية المصلحة ( نعم ) الممنوع انما هو محركية هذه الإرادة بالنسبة إلى الافراد الفرضية قبل وجوداتها بلحاظ ان محركتيها من شؤون حكم العقل بلزوم الامتثال المتوقف على وجود المكلف خارجا ، وترتب هذه على الاستصحاب المزبور لا يكون من المثبت ، لأنه من اللوازم الأعم من الواقع والظاهر ، فمتى يثبت حكم على فرد وجدانا أو تعبدا يترتب عليه حكم العقل بوجوب الامتثال ( نعم ) يتم هذا الاشكال على من التزم بان حقيقة الحكم التكليفي عبارة عن البعث والزجر الفعليين المنتزعين عن مرحلة محركية الإرادة والكراهة نحو المرام ،


(176)
فإنه بعد مالا يمكن توجيه الحكم الفعلي بالمعنى المزبور إلى الوجودات الفرضية حين الخطاب ، لابد من الالتزام باقتضائية الحكم بالنسبة إلى الفرضيات ، فيتوجه عليه الاشكال المزبور ، ولكن نحن في فسحة من هذا الاشكال ( ثم إن ذلك ) في فرض اجراء الاستصحاب في الحكم التنجيزي ، واما الاستصحاب التعليقي بناء على صحته كما هو المختار ، فلا غبار في جريانه بالنسبة إلى الموجودين في الشريعة اللاحقة فيقال : انهم كانوا سابقا بحيث لو وجدوا كانوا محكمين بكذا والآن بقائهم على ما كانوا عليه ، فان مرجع الشك في نسخ حكم العام السابق إلى الشك في بقاء القضية التعليقة والملازمة المزبورة ، وبالاستصحاب المزبور يحكم عليهم بوجوب كذا ( وعلى ذلك ) لا يحتاج في اثبات حكم العام السابق في حق الموجودين في الشريعة اللاحقة إلى فرض وجود المدرك للشريعتين باجراء الاستصحاب في حقه والحاق البقية به بعدم الفصل كي يحتاج إلى اثبات الاشتراك حتى في الحكم الظاهري ، فيشكل ، عليه بان الاجماع على الاشتراك انما هو في الحكم الواقعي لا في الحكم الظاهري ( هذا كله ) فيما يتعلق بالجواب عن الوجه الأول.
    ( واما الجواب ) عن الوجه الثاني فبانحلال العلم الاجمالي المزبور بالظفر بمقدار من الاحكام المنسوخة التي يمكن انطباق المعلوم بالاجمال عليها ، فتكون الشبهة فيما عداها بدوية يجرى فيه الأصل بلا مزاحم ( ثم ) ان ذلك فيما إذا كان العلم الاجمالي بالنسخ بتبدل الوجوب بالحرمة أو بالعكس ، وأما إذا كان العلم الاجمالي بتبدل الوجوب إلى عدم الوجوب والحرمة إلى عدمها ، فعلى ما اخترناه من جريان الأصول المثبتة للتكليف في أطراف العلم الاجمالي لا يحتاج إلى دعوى الانحلال بل يجري الاستصحاب فيها ولو مع وجود العلم الاجمالي وعدم انحلاله إلى الأبد ، بلحاظ ان المانع عن جريان الأصول في أطراف العلم حينئذ انما هو استتباعه لمحذور المخالفة العملية ، لا لمانعية العلم بذاته عن جريانها في الأطراف ، فمع فرض انتفاء هذا المحذور يكون وجود العلم الاجمالي كعدمه ، فتجري الأصول المثبتة في جميع الأطراف.
    ( ثم إن ) في التقرير اشكالا آخر على الاستصحاب المزبور ( حاصله ) انه لا جدوى


(177)
لاستصحاب حكم الشرعية السابقة ، فإنه على فرض بقائه في هذه الشريعة لابد من أن يكون بامضاء من الصادع به على ما يدل عليه قوله صلى الله عليه وآله ما من شيء يقربكم إلى الجنة ويبعدكم عن النار الا وقد أمرتكم به ، فمع عدم العلم بالامضاء لا جدوى لاستصحاب بقاء حكم الشريعة السابقة ( ولكن ) فيه انه بعدما كان حكم كل شريعة حكما إلهيا ناشئا عن مصلحة تامة في حق العباد فبقائه في الشريعة اللاحقة ملازم لامضائه في تلك الشريعة ، لان بقائه كاشف عن تمامية ملاكه ومعه يستحيل عدم امضائه ، لان عدم امضائه مساوق لعدم تمامية ملاكه في الشريعة اللاحقة وهو خلف ، فان المفروض كونه على تقدير بقائه واجدا للملاك في حق الموجودين في الشرعية اللاحقة بلا مزاحم ( ومعه ) كيف يمكن فرض عدم امضائه في الشرعية اللاحقة الا بفرض جهل الصادع بها وهو من المستحيل ، وحينئذ يكون مرجع الشك في بقاء الحكم الثابت في الشريعة السابقة إلى الشك في بقاء ما هو ممضاة في الشريعة اللاحقة ، وبالاستصحاب المزبور يثبت بقائه كما هو واضح ولعل الامر بالتأمل في كلامه إشارة إلى ما ذكرنا.

    قد اختلفوا في اعتبار مثبتات الأصول وعدم اعتبارها على قولين بعد الوفاق منهم ظاهرا على اعتبارها في الامارات ، والمشهور بين المتأخرين العدم وهو الأقوى خلافا لما يظهر من بعض المتقدمين ( وتنقيح المقال ) في المقام ان يقال : ان مرجع التنزيلات الواردة في أدلة الأصول بل الامارات ( اما ) ان يكون إلى تنزيل من الشارع في مقام التشريع ، نظير قوله : الطواف بالبيت صلاة ، ونحوه من التنزيلات الراجعة إلى جعل حقيقة المماثل أو الأثر الثابت للمنزل عليه ( واما ) ان يكون إلى الامر بالبناء على أن المشكوك هو الواقع بلحاظ ما يترتب عليه من الأعمال المتمشية من المكلف بلا نظر إلى جعل الأثر أو المماثل أصلا : فيكون مرجع حرمة النقض في الاستصحاب إلى وجوب المعاملة مع اليقين أو المتيقن السابق معاملة بقائه


(178)
من حيث الجري العملي على طبقه حركة أو سكونا الراجع في الحقيقية إلى نحو ادعاء منه لبقاء اليقين أو المتيقن السابق وتوسعته بلحاظ ما يترتب عليه من الأعمال المقصودة ، لا بلحاظ جعل الأثر الشرعي ، ( فشرعية ) تلك الأعمال كانت مستفادة من الامر بالنبأ بلحاظ استتباع الامر بالبناء وتلك المعاملة بعنوان كونها أعمالا شرعية ، لكونها محكومة بالأحكام الخمسة الظاهرية ( وحيثما عرفت ) ذلك نقول : انه على المعنى الأول الراجع إلى جعل الأثر الحقيقي أو المماثل لا مجال لتصحيح المثبت أصلا ، وذلك لا قصور في الاطلاق التنزيل ، بل لعدم امكان شموله لغير الآثار الشرعية ، لوضوح ان التنزيل من كل شخص لابد وأن يكون بلحاظ الآثار المتمشية من قبله ، والأثر المتمشي من الشارع في تنزيلاته الواردة في مقام التشريع لا يكون الا الآثار التي تنالها يد الجعل والرفع التشريعي فلا يمكن شمولها لغيرها من الآثار العقلية أو العادية ( فالمعقول ) من حكم الشارع وتعبده بحيوة زيد في استصحابها انما هو اثبات وجوب الاتفاق من ما له على زوجته وعدم جواز تقسيم ما له على ورثته ونحوهما من الآثار الشرعية الثابتة لعنوان المستصحب ، لا ما يلازمه من الأمور العقلية أو العادية كنموه ونبات لحيته ، لعدم كون هذه من الأمور القابلة للجعل والرفع التشريعي ، ( ولا الآثار ) الشرعية المرتبة عليه بتوسيط الأمور العادية أو العقلية ، كوجوب التصدق المترتب بعنوان النذر على عنوان نموه ونبات لحيته ، لان ترتب هذه لا بد وأن يكون بتوسيط جعل الواسطة وقد فرضنا انه غير معقول ، فلا يمكن شمول التنزيل حينئذ لمثل تلك الآثار ( لا يقال ) : هذا إذا أريد من جعل تلك الآثار جعلها بتوسط جعل الواسطة ( واما ) لو أريد جعلها بلا توسيط جعل الواسطة ، فهو امر معقول في نفسه ، فان للشارع في استصحاب حياة زيد جعل مطلق ما يترتب عليها من الآثار الشرعية أعم من كونه بلا واسطة أو معها ، ومع امكانه في نفسه يتمسك باطلاق التنزيل لاثبات تلك الآثار ( فإنه يقال ) : ان ذلك وان كان ممكنا في نفسه ، ولكن المنصرف منه هو خصوص الآثار المترتبة على المستصحب بلا واسطة ( ان قلت ) على ذلك يلزم عدم شمول عموم التنزيل للآثار الشرعية مع الواسطة ولو


(179)
كانت الواسطة اثرا شرعيا كما لو نذر ان يصلي ركعتين يوم الجمعة على تقدير حياة ولده يوم الجمعة ونذر أيضا ان يتصدق بما له على تقدير وجوب الصلاة عليه يوم الجمعة وهكذا ، مع أنه ليس كذلك قطعا ( قلت ) : ان شمول التنزيل لهذه الآثار الطولية انما هو من جهة ان قضية جعل الأثر في استصحاب الحياة لما كانت بعناية انه الأثر الواقعي يستتبع قهرا لتنزيل آخر بالنسبة إلى الأثر وهو وجوب الصلاة من حيث موضوعيته لوجوب التصدق ومثله مستتبع لجعل اثر آخر بالعناية المزبورة وهكذا ( وهذا بخلاف ) ما لو كانت الواسطة أمرا عاديا أو عقليا كنموه أو نبات لحيته ، فإنه لا يمكن شمول التنزيل للآثار الشرعية المترتبة بتوسيط الأمور المزبورة الا بفرض وقوع نفس الواسطة مستقلا موردا لتنزيل مستقل من استصحاب أو غيره ( وحينئذ ) فعلى هذا المسلك لا محيص من القول بعدم حجية المثبت ( هذا ) كله بناء على رجوع مفاد التنزيل في لا تنقض إلى جعل الأثر أو المماثل ( واما ) على ما هو التحقيق من رجوعه إلى وجوب المعاملة مع المتيقن السابق معاملة بقائه بلحاظ ما يترتب عليه من الأعمال بلا نظر إلى جعل الأثر خصوصا على المختار من تعلق النقض بنفس اليقين لا بالمتيقن ولو بتوسيط اليقين ( فقد يقال ) : انه من الممكن حينئذ تصحيح الأصول المثبتة ( بدعوى ) ان مرجع التعبد بالبقاء في استصحاب الموضوع إلى التوسعة الصورية للمتيقن من حيث موضوعيته للأثر بلحاظ الأعمال المترتبة عليه ، لا بلحاظ جعل الأثر الحقيقي أو المماثل للمتيقن أو لاثره ، فلا قصور في شمول التنزيل والتعبد ببقاء المتيقن لمطلق ما يترتب عليه من العمل ولو بواسطة اثر عقلي أو عادي بأحد الوجهين المتقدمين ، فإنه من الممكن حينئذ التعبد ببقاء الحياة وتوسعتها بلحاظ اثره الشرعي أو العقلي والعادي والتعبد به أيضا بلحاظ التعبد بأثره إلى أن ينتهي إلى العمل ولو بوسائط عديدة ، لان التعبد بالشيء بلحاظ موضوعيته للأثر عين التعبد بأثره ووجود محموله أو ملازم له بملازمة عرفية موجبة للانتقال من التعبد به إلى التعبد بأثره ووجود محموله ، وهكذا التعبد بوجود المحمول من حيث موضوعيته إلى أن ينتهي إلى العمل ( وبعد ) كفاية مجرد الانتهاء إلى الأثر العملي في صحة التعبد بالشيء من أول


(180)
السلسلة المنتهى إليه ولو بوسائط عديدة ، فلا بأس بالتشبث باطلاق دليل التنزيل لمطلق ما يترتب عليه من الأثر الشرعي ولو بوسائط عديدة ( ولا مجال ) حينئذ للتشبث في نفي الأصول المثبتة بما تقدم من أن التعبد بالشيء لا بد وأن يكون بلحاظ التعبد بأثره الشرعي لا العقلي والعادي لعدم كونهما مما تناله يد الجعل والرفع التشريعي ، إذ ذلك انما يتوجه إذا كان التنزيل في المقام راجعا إلى انشاء جعل الأثر الحقيقي كما هو المسلك الأول ، لا إلى مجرد التعبد بوجود المتيقن الراجع إلى التوسعة الصورية لوجوده بلحاظ ما يترتب عليه من العمل ، فان مثل هذا النحو من التوسعة في الآثار العقلية والعادية بلحاظ ما يترتب عليها من العمل امر ممكن وتكون من شؤون الشارع ، نظير توسعة الموضوعات الخارجية ( كما أنه ) لا مجال لنفي اعتبارها من جهة الانصراف المدعي في المقام إلى الأثر بلا واسطة ، فإنه على ما ذكرناه من التقريب يكون التعبد بالشيء من حيث موضوعيته للأثر من أول السلسلة المنتهى بوسائط عديدة إلى العمل تعبدا بالأثر بلا واسطة كما هو ذلك في فرض كون الوسائط أمورا شرعية ولذا يكتفي في ترتب الأثر مع الواسطة بالاستصحاب الجاري في أول السلسلة المنتهى إلى العمل بالتقريب المتقدم ( وحينئذ ) فلا يندفع هذه الشبهة الا بدعوى انصراف هذه التنزيلات إلى تطبيق القضايا الشرعية وتوسعة موضوعاتها ، والا فمع الانصراف المزبور لا يكاد شمولها لغيرها من القضايا العقلية والعادية كما هو الشأن في مثل حديث الرفع ونحوه ( وبذلك ) يفرق بين ان يكون الأثر الشرعي المترتب على المتيقن بتوسيط امر شرعي ، فيترتب عليه بالاستصحاب الجاري في أول السلسلة ، وبين ان يكون مترتبا عليه بتوسيط امر غير شرعي فلا يترتب عليه باستصحابه ، حيث كان الفارق بين الفرضين ما ذكرناه من الانصراف المزبور ، ( ولعمري ) ان مثل هذه الجهة هو العمدة في رفضهم الأصول المثبتة رأسا واقتصارهم على نفس مؤدى الأصل أو ما يترتب عليه من القضايا الشرعية بلا واسطة عقلية أو عادية وعدم اثباتهم شيئا من لوازم المؤدى وملزوماته ولو كانت شرعية ( لا ان ذلك ) من جهة دعوى انصراف التنزيل إلى الأثر بلا واسطة ، أو كون مؤدى دليل الأصل مجرد تطبيق العمل على المؤدى كما توهم ( والا ) يلزم عدم شموله
نهاية الافكار ـ الجزء الرابع القسم الاو ::: فهرس