نهاية الافكار ـ الجزء الرابع القسم الاول ::: 196 ـ 210
(196)
مجرد كون المستصحب ذا اثر في الحدوث ما لم يكن ذا اثر عملي في بقائه ، لان ذلك أجنبي عن هذا التنزيل ، ولذا يكتفى في جريان الاستصحاب بمجرد كون المستصحب ذا اثر عملي في بقائه ولو لم يكن لحدوثه اثر شرعي أو عملي أصلا ووجهه ما أشرنا إليه.

    لا فرق في جريان الاستصحاب بين ان يكون المستصحب مشكوك الحدوث في الزمان اللاحق رأسا ، كالشك في الطهارة بعد العلم بالحدث وبالعكس ، وبين ان يكون مشكوك الحدوث في جزء من الزمان ومن حيث ظرفه مع الجزم بأصل حدوثه في الجملة ، كالشك في تقدم حدوث الشيء وتأخره ( فكما ) يجري الاستصحاب في الأول يجري أيضا في الثاني ( فلو علم ) يوم الجمعة بموت زيد وشك في أن حدوثه فيه أو فيما قبله يجري فيه استصحاب العدم في الأزمنة المشكوك حدوثه فيها إلى زمان اليقين بأصل الحدوث اجمالا ، ويترتب عليه الآثار الشرعية المترتبة على عدم حدوثه فيها ، ولا يضر به احتمال انطباق زمان الحدوث الاجمالي على الأزمنة السابقة المتصلة بزمان علمه ، لان ذلك لا يخرجه عن المشكوكية واقعا بعد عدم سراية اليقين الاجمالي من متعلقه الذي هو العنوان الاجمالي إلى المحتملات التفصيلية ( نعم ) لا يثبت بمثله حدوثه في الزمان المتأخر لأنه من المثبت الذي نفينا اعتباره في التنبيه السابق ، الا بدعوى ان الحدوث هو الوجود المسبوق بالعدم ، فإذا أحرز وجود الشيء في زمان وثبت بالأصل عدمه قبل ذلك الزمان يتحقق مفهوم الحدوث ، لاندراجه في الموضوعات المركبة المحرزة بعضها بالوجدان وبعضها بالأصل ، ولكنه ضعيف جدا ( نعم ) لا يجري فيه أصالة عدم حدوثه في الزمان المتأخر الذي هو زمان العلم بحدوث الحادث ، اما فيه ، أو فيما قبله ، لا بالنسبة إلى طبيعي الحدوث : ولا بالنسبة إلى شخص الحدوث المحتمل تحققه في زمان العلم ( والأول ) ظاهر للجزم بانتقاض عدم الطبيعي في ذلك الزمان بيقين


(197)
آخر ( وكذلك الثاني ) لأن الشك المتصور فيه انما هو من حيث حده المتنزع عن سبق وجوده بالعدم ، والا فاصل وجوده في الزمان المتأخر معلوم تفصيلا ( ومن الواضح ) ان الحد المزبور لم يكن معلوم العدم سابقا حتى يجري فيه الأصل ، وعلى فرض اليقين به لا يصلح ذلك امر الاستصحاب لوضوح ان اليقين به كذلك ملازم مع اليقين بوجوده سابقا فكيف يمكن ان يجري فه الاستصحاب ( وحينئذ ) فتبقى أصالة عدم حدوثه إلى زمان العلم بلا معارض ( هذا ) إذا كان الحادث على فرض حدوثه في زمان مقطوع البقاء ، كالموت والحياة بحيث اخذ حدوثاته في الأزمنة المتعددة على نحو البدلية ( واما ) إذا كان الحادث من الأمور الآنية التي يمكن ان يفرض له حدوثات عرضية وعلم اجمالا بتحقق أحدها فيجري فيه أيضا أصالة العدم بالنسبة إلى كل واحد من الحدوثات لتحقق أركانه فيها ، غاية الامر العلم الاجمالي بتحقق أحدها موجب لتعارض تلك الأصول ، وذلك في فرض اقتضاء جريان الجميع طرح تكليف الزامي لا مطلقا كما هو ظاهر ( هذا كله ) إذا كان الأثر الشرعي مترتبا على الحادث بلحاظ اضافته إلى اجزاء الزمان.
    ( وأما إذا كان ) الأثر الشرعي مترتبا عليه بلحاظ اضافته إلى حادث آخر من حيث التقدم أو التقارن أو التأخر ، ففي جريان الاستصحاب فيه خلاف بين الاعلام ( وحيث ) ان للفرض شقوق وصور عديدة فلا بأس بالتعرض لها وبيان أحكامها ( فنقول ) : ان كل حادث أضيف إلى حادث آخر بالقياس إلى اجزاء الزمان ( اما ) ان يكون متقدما عليه أو متأخرا عنه ، أو مقارنا معه في الزمان ( ثم العنوان ) الذي يكون موضوعا للأثر ، اما ان يكون نفس تلك العناوين أعني تقديم الشيء أو تأخره أو تقارنه للشيء الآخر بنحو مفاد كان أو ليس التامة كالموت المتقدم للأب على موت الابن وبالعكس ( واما ) ان يكون هو الشيء المتصف بكونه متقدما على الحادث الآخر أو متأخرا عنه أو مقارنا معه بنحو مفاد كان أو ليس الناقصة ( واما ) ان يكون هو الشيء في ظرف تقدمه أو تأخره أو تقارنه لحادث آخر بحيث اخذ تلك الأزمنة ظرفا محضا لموضوع الأثر ، أو قيدا ووصفا له ( وكذلك ) حال


(198)
الحادث الآخر بالإضافة إلى هذا الحادث ( فإنه ) يكون له هذه الأقسام بعينها ( فهذه ) اقسام متصورة في مفروض البحث للعنوان الذي يكون موضوعا للأثر.
    ( واما ) حكم هذه الأقسام ( اما القسم ) الأول منها ، فان قلنا في مثل هذه الإضافات ان لها حظا خارجيا عند وجود طرفيها غير متوقفة على الاعتبار بحيث كان الخارج ظرفا لنفسها ولولا لوجودها كما هو التحقيق ، فلا شبهة في جريان أصالة العدم في كل من التقدم والتأخر والتقارن بنحو مفاد ليس التامة ، لكونها من الخارجيات المسبوقة بالعدم أزلا ، غاية الامر بالعلم الاجمالي بانقلاب أحد هذه الاعدام المستصحبة يسقط الجميع بالمعارضة عند استلزام جريانه فيها طرح تكليف الزامي ، وذلك في فرض ترتب الأثر الملزم على كل واحد من عنوان التقدم والتأخر والتقارن أو لحادث آخر كذلك ( والا ) فمع فرض كون الأثر المهم لخصوص عنوان التقدم أو التأخر أو التقارن ، لا لكل واحد منهما ، ولا لحادث آخر كذلك ، فلا معارضة في البين ( واما لو قلنا ) ان هذه الإضافات من خارجات المحمول التي لاحظ لنفسها في الخارج وان الخارج موطن منشأ انتزاعها من الحدوثات الزمانية الخاصة بلا جهة زائدة فيها ، فلا مجال لجريان أصالة العدم فيها ، لعدم كونها بنفسها من الخارجيات المسبوقة بالعدم ، بل لابد حينئذ من جعل محط أصل العدم في منشأ انتزاعها الذي هو الحدوثات الخاصة الزمانية ، لأنها هي التي تقوم بها المصلحة والمفسدة وتكون موضوعة للأثر ، فيجري استصحاب الحادث بحسب اجزاء الزمان المتقدم على الحادث الآخر والمقارن له دون المتأخر عنه للعلم الاجمالي حينئذ بانقلابه بالنقيض اما مقدما واما مقارنا واما مؤخرا ( وبذلك ) لا يبقى مجال توهم المعارضة بين تلك الأصول ، إذ هي فرع جريان أصالة عدم الحادث في الزمان المتأخر ( والا ) مع عدم جريانه فيه للعلم المزبور تنتفي المعارضة بين الأصول ( ولا مجال ) في هذا الفرض لجريان أصالة عدم الحدوث المتأخر بلحاظ بقاء وصف التأخر ، إذ ذلك فرع خارجية مثل هذه الإضافات ، الا فمع عدم خارجيتها كما هو المفروض فلا يكون محط الأصل الا شخص الحدوث الخاص بخصوصيته الذاتية ، والمفروض انتقاض العدم الخاص المتيقن


(199)
في ضمن اليقين بعدم الجامع بين الحدوثات باليقين بالوجود كما ذكرناه في أصالة عدم الحدوث بالقياس إلى اجزاء الزمان ( واما عدم ) شخص الحدوث الخاص في هذا الزمان فهو أيضا مما لا يجري فيه الأصل ، لما ذكرنا من أن الشك المتصور فيه انما هو بلحاظ حده المنتزع عن سبقه بالعدم ، لا بلحاظ أصل وجوده ، لكونه معلوما بالتفصيل ، وهذا المعنى مع أنه غير متيقن سابقا لا يصلح امر الاستصحاب بلحاظ ان اليقين به كذلك ملازم لليقين بوجوده سابقا ( وحينئذ ) فالقاء المعارضة بين الأصول الجارية في اعدام الحدوثات الخاصة الموصوفة بالتقدم والتأخر والتقارن مبني على جعل هذه الإضافات من الخارجيات غير المتوقفة على الاعتبار الزائدة على الحدوثات الخاصة الزمانية ( والا ) فعلى مسلك جعلها من الاعتبارات المنتزعة التي لا يكون الخارج الا ظرفا لمنشأ انتزاعها من الحدوثات الخاصة الزمانية ، فلا يتم المعارضة بين الأصول ، الا بفرض كون الشيء من الأمور الآنية التي يتصور فيه حدوثات متعددة عرضية ، إذ حينئذ بالعلم الاجمالي بتحقق أحدها تتحقق المعارضة بين الأصول الجارية في اعدام الحدوثات الخاصة الزمانية ، وذلك في فرض اقتضاء جريان الأصل في الجميع طرح تكليف ملزم ( والا فلا ) لما تقرر غير مرة من عدم مانعية مجرد العلم الاجمالي عن جريان الأصول في أطرافه ( وعليه ) فلا مجال لما في الكفاية من القاء المعارضة بين تلك الأصول مع بنائه على اعتبارية تلك الأوصاف وكونها من خارجات المحمول المنتزعة من الذوات الخاصة ، خصوصا مع تمثيله في المقام بمثل موت المتوارثين الذي ليست حدوثاته الا بدلية ، وقد عرفت انه على هذا المبنى لا يكون مجرى الأصل الا الحدوثات الخاصة الزمانية التي هي المناشئ لهذه الاعتبارات لكونها هي الموضوع للآثار الخاصة ، وان مجرى الأصل لا يكون الا عدم الحادث بلحاظ اجزاء الزمان المتقدم على الحادث الآخر أو التقارن دون تأخره عنه ( ومن التأمل ) فيما ذكرنا انقدح حال القسم الثاني وهو ما كان الأثر مترتبا على اتصاف الذات بهذه الصفات بنحو مفاد كان أو ليس الناقصة ، فإنه على مبنى اعتبارية هذه الإضافات على وجه لا يكون الخارج ظرفا لها ، بل لمناشئها اي الوجودات الخاصة


(200)
بحدودها الذاتية وخصوصياتها الواقعية لا مجال لجريان الاستصحاب في اعدام اتصاف الذوات بهذه الأوصاف بنحو السلب المحصل ، بلحاظ ان الذوات الخاصة بالخصوصيات الذاتية التي هي موضوع الأثر حقيقة غير صالحة للانفكاك عن ذاتياتها حتى في عالم تقررها فلا يمكن سلب ذاتياتها في عالم من العوالم ولو قبل وجوداتها ( لان ) ما يمكن سلبه عن الشيء ولو قبل وجوده انما هي اللوازم الزائدة عن حقيقة الشيء اللاحقة لوجوده ، دون اللوازم الذاتية الثابتة للشيء في عالم تقرره ( ومن هنا ) لا يجرى الأصل العدم في لوازم الماهية لأنها لا تنفك عنها ولو قبل وجودها فلا يكون لها حالة سابقة ( واما على المختار ) في أمثال هذه النسب والإضافات من كونها أمورا خارجية ، كالفوقية والتحتية مسبوقة بنفسها بالاعدام الأزلية زائدا عن عدم طرفيها فعليه وان لم يكن مجال لاستصحاب وجود المتصف بالتقدم والتقارن أو بعدمهما ، لعدم اليقين بالحالة السابقة ( ولكن ) في طرف العدم لا بأس باستصحاب عدم اتصاف الحادث بالتقدم أو التقارن ولو قبل وجوده بنحو القضية السالبة المحصلة ، فيقال في الشيء ، الكذائي انه قبل وجوده لم يكن متصفا بكذا فشك في اتصافه به حال وجوده والأصل بقائه على ما كان ، فإذا كان الأثر مترتبا على الذات المتصفة بكذا بحيث كان لحيث الاتصاف المزبور دخل في ترتبه ، فلا محالة يكفي في نفي الأثر نفي اتصاف الذات بالوصف ولو قبل وجودها ( لان ) نقيض اتصاف الشيء بشيء عدم اتصافه به لا اتصافه بعدمه بنحو القضية المعدولة كي يقتضى وجود الموصوف خارجا كالقضايا الموجبة ويكون الأصل المزبور مثبتا بالنسبة إليه ( وحينئذ ) فبعد كفاية مجرد نقيض الأثر المترتب على النقيض في استصحاب كل طرف من النقيضين بلا احتياج إلى ترتب الأثر على نفس المستصحب ، فلا قصور في استصحاب عدم اتصاف الذات بالوصف ولو قبل وجودها بنحو السلب المحصل لنفي الأثر المترتب على الذات المتصفة ، وبذلك نلتزم بجريان استصحاب العدم بمفاد ليس الناقصة فيما هو من نظائره من مثل القرشية ونحوها ( نعم ) انما يثمر هذا الاستصحاب فيما إذا اعتبر قيدية الوصف في صقع ذات الموضوع السابق في لحاظ العقل على وجودهما بنحو قابل لحمل الوجود على المقيد


(201)
بالوصف تارة ، والعدم أخرى ، كما في القضايا التصورية ، حيث إن من نتائج التقييد في هذه المرحلة قابلية حيث التقيد أيضا تبعا للذات للاتصاف بالوجود والعدم المستتبع لاعتبار نقيضه ما دامت الذات محفوظة في عالم تقررها ( ولازم ) ذلك توسعة نقيض التقيد والاتصاف بل القيد بما هو قيد على نحو يصدق مع السلب بانتفاء الموضوع أيضا بلا انحصاره بخصوص السلب بانتفاء المحمول ، فيجرى فيه استصحاب العدم بكل من مفاد ليس التامة والناقصة ، من غير فرق في ذلك بين ان يكون الوصف ملحوضا بما هو شيء في حيال ذاته ، أو بما هو نعت لموصوفه وقائم به خارجا ، فان مجرد كون الوصف نعتا لموصوفه ومتأخرا عن وجوده خارجا لا يقتضى تأخر قيديته المساوق لاعتبار تقييد الموصوف به كي يمنع عن جريان استصحاب عدمه ( والا ) لاقتضى المنع عنه ولو مع لحاظ الوصف في حيال ذاته المعبر عن وجوده بالجود المقارن وعن عدمه بالعدم المقارن ( وحينئذ ) فبعد فرض اعتبار قيدية الوصف في صقع ذات الموصوف بنحو القضية التصورية السابق في لحاظ العقل على مرتبة وجودهما ، فلا محالة عند الشك في اتصاف الموضوع حين وجوده بالوصف ، تجري أصالة العدم في اتصافه ولو قبل وجوده ، كجريانه في ذات القيد والوصف بما هو قيد بنحو السلب المحصل بكل من مفاد ليس التامة والناقصة لتحقق أركانه من اليقين السابق والشك اللاحق ، فيقال : ان الذات الكذائية قبل وجودها لم تكن متصفة بكذا فشك في اتصافها به حين وجودها والأصل بقائها على ما كانت ( والوجه ) فيه ما عرفت من أن من لوازم اعتبار التقييد في هذه المرتبة قابلية حيث التقيد أيضا تبعا للذات للاتصاف بالوجود والعدم ولازمه توسعة دائرة نقيض التقيد المزبور بنحو يصدق مع السلب بانتفاء الموضوع بلا انصحار نقيضه بالسلب بانتقاء المحمول ( هذا ) إذا اعتبر قيدية الوصف في مرتبة ذات الموصوف السابق في لحاظ العقل على مرتبة وجوده.
    ( واما ) إذا اعتبر قيديته للذات في المرتبة المتأخرة عن وجودها بنحو القضية التصديقية بحيث اخذ في الموصوف في مقام اعتبار التقييد صفة الموجودية للذات ، كما إذا اخذ الموضوع في طي القضية الشرطية مشروطا بالوجود ثم قيد


(202)
بقيد وجودي أو عدمي بمثل قوله ان وجد زيد وكان راكبا فكذا ، ففي مثله لا مجال لجريان استصحاب العدم الثابت في حال عدم الموصوف ، لا في حيث الاتصاف ، ولا في ذات القيد والوصف بما هو قيد ( لوضوح ) ان اعتبار قيدية الوصف في المرتبة المزبورة يقتضى خروج مرتبة ذات الموضوع عن صقع التقيد ، إذ صقع التقيد حينئذ انما هو في ظرف وجود الذات على نحو القضية التصديقية بنحو يرى حيث التقيد في المرتبة المتأخرة عن وجود الذات ، ومع خروج مرتبة الذات عن صقع التقيد لا يكاد يصدق نقيض التقيد ولا القيد في ظرف عدم الموضوع ، لان نقيض كل شيء ما كان في مرتبة وجوده ، فإذا كان صقع التقيد في المرتبة المتأخرة عن وجود الموضوع فلا يكون نقيضه إلا العدم في هذه المرتبة دون العدم في مرتبة الذات ، ( ولأجله ) يتضيق دائرة القيد بما هو قيد أيضا وجود أو عدما بما يكون في المرتبة المتأخرة عن وجود الموضوع ( ومن الواضح ) حينئذ انه لا مجال في مثله لجريان استصحاب العدم الأزلي ، لان ما كان نقيضا لموضوع الأثر وهو العدم في ظرف وجود الموضوع لا يكون موردا لليقين السابق بالثبوت حتى يجرى فيه الاستصحاب ، وما كان موردا لليقين بالثبوت انما هو القضية السالبة بانتفاء الموضوع ، وهي من جهة عدم كونها نقيضا لموضوع الأثر لا يجري فيها الاستصحاب ، كما أن ابقائها تعبدا إلى زمان وجود الموضوع لا يثبت العدم الخاص الذي هو نقيض موضوع الأثر الا بالملازمة العقلية التي لا نقول به ( بل إن تأملت ) ترى عدم اجداء الأصل المزبور ولو على القول المثبت ، لمكان عدم الملازمة بين بقاء المستصحب أعني العدم المحفوظ في المرتبة السابقة على وجود الموضوع ، وبين العدم الخاص المتأخر عن وجود الموضوع ، إذ في مثله لا يكاد يجدي أصالة عدمه الثابت في مرتبة الذات لاثبات العدم الخاص المتأخر عن وجود الموضوع ولو على القول بالمثبت ( وحينئذ ) فعلى كل تقدير لا يجري استصحاب العدم في الفرض المزبور ( من غير فرق ) بين ان يكون الوصف ملحوظا في عالم اعتبار القيدية نعتا للموضوع المعبر عنه بالوجود النعتي وعن عدمه بالعدم النعتي ، وبين ان يكون ملحوظا بما هو في حيال ذاته المعبر عنه


(203)
بالوجود المقارن وعن عدمه بالعدم المقارن. ( وبما ذكرنا ) انقدح ما هو المناط في جريان الاستصحاب في الاعدام الأزلية في نحو هذه القضايا التوصيفية وعدم جريانها : وانه يختلف باختلاف مرحلة اعتبار صقع القيدية للوصف المأخوذ في موضوع الأثر ، ( فمناط ) جريان الاستصحاب فيها انما يكون باعتبار القيدية في ظاهر الخطاب في صقع الذات السابق في لحاظ العقل على مرحلة وجودهما بنحو قابل لحمل الوجود على المقيد بالوصف ، تارة ، والعدم أخرى ، كما في موارد اخذ الذات بمعناه التصوري في طي التقييد ( كما أن مناط ) عدم جريانه انما هو باعتبار القيدية في المرتبة المتأخرة عن وجود الذات ( لما عرفت ) من أن من نتائج اعتبار القيدية في هذه المرتبة ، خروج مرتبة الذات بالمرة عن صقع التقييد الموجب لخروج العدم الثابت في مرتبة الذات عن كونه نقيضا لموضوع الأثر ، فلا يجرى فيه استصحاب العدم الأزلي ( من غير فرق ) في الصورتين بين ان يكون الوصف ملحوظا في عالم القيدية بما هو في حيال ذاته أو بما هو نعتا لموضوعه ( لا ان ) المناط فيه وجودا بمجرد لحاظ الوصف في حيال ذاته ، وعدما بلحاظه نعتا لموضوعه وقائما به كما توهم ، لما عرفت من أن مجرد لحاظ الوصف شيئا في حيال ذاته لا يقتضى جريان أصالة العدم فيه بنحو السلب المحصل لامكان اعتبار القيدية حينئذ في الصقع المتأخر عن وجود الموضوع ، كما أن مجرد لحاظه نعتا لموصوفه وقائما به لا يقتضى المنع عن استصحاب عدمه الثابت حال عدم الموضوع ، لا مكان اعتبار التقييد في مرتبة ذات الموضوع السابقة في لحاظ العقل على وجودهما بلا لحاظ تقدم وجود الموصوف في مقام اعتبار التقييد في مرحلة الموضوعية للأثر كما هو ظاهر ( وتنقيح الكلام ) بأزيد من ذلك موكول إلى محل آخر ( فان ) المقصود في المقام مجرد الإشارة إلى بيان مجرى الاستصحاب العدم الأزلي ، وانه انما يكون بلحاظ اعتبار التقييد في مرحلة الموضوعية للأثر في صقع الذات ، لا بلحاظ مرحلة الاتصاف الخارجي وانما أطلنا الكلام فيه حرصا لدفع بعض الشبهات عن الأذهان الصافية.
    ( ثم إن ) ما ذكرنا من جريان أصالة العدم بالسلب المحصل من نحو أصالة عدم


(204)
اتصاف المرأة بالقرشية وعدم اتصاف الحادث حين وجوده بعنوان التقدم والتأخر والتقارن بالقياس إلى حادث آخر ، انما هو إذا كان الأثر لسلب الاتصاف لا للمعنى المتصف بالعدم بنحو القضية المعدولة ( والا فعلى ) فرض ان موضوع الأثر هو الامر المتصف العدم في زمان الآخر ، فلا مجري فيه للأصل لعدم اليقين بالحالة السابقة من ارتباط الموضوع واتصافه بالعدم ، إذا الوجود من الأول غير معلوم الاتصاف بالعدم المذكور لأنه ، اما وجد متأخرا عن زمان وجود الآخر ، أو متقدما عليه ، أو مقارنا له ، وأصالة عدم اتصافه بالتقدم أو التقارن أو التأخر بنحو السلب المحصل الراجع إلى سلب الاتصاف لا يثبت الموضوع المتصف بالسلب الذي هو مفاد المعدولة الا على القول بالمثبت ، ومجرد وحدة منشأ هذه المفاهيم في الخارج غير كاف في جريان الاستصحاب في بعضها بلحاظ الأثر المترتب على بعض آخر كما هو ظاهر.
    ( ثم إن ذلك ) كله في فرض ترتب الأثر على وجود أحد الحادثين بلحاظ اضافته إلى الحادث الآخر بكل من عنوان التقدم ، والتأخر أو التقارن ، وقد عرفت انه على المختار في مثل تلك الإضافات من كونها بنفسها أمورا خارجية وصفاتا زائدة على الذوات الخارجية مسبوقة بأعدامها الأزلية ، لا قصور في جريان أصالة العدم فيها بمفاد ليس التامة والناقصة وترتب نقيض الأثر المرتب على النقيض عليه ما لم يكن معارضا بجريانه في الحادث الآخر أو فيه بعنوان آخر ( واما ) لو كان الأثر لعدم أحدهما في زمان وجود الآخر بحيث يكون زمان الآخر ظرفا لما هو موضوع الأثر ، كاسلام الوارث وموت المورث ، وكبيع الراهن ورجوع المرتهن عن اذنه وقد شك في تقدم أحد الحادثين على الآخر وتأخره عنه أو تقارنه ( فتارة ) يعلم بتاريخ أحدهما المعين ويشك في تاريخ الآخر في أنه قبله أو بعده أو مقارن له ( وأخرى ) يكون كل منهما مجعول التاريخ ( فعلى الأول ) لا قصور في جريان استصحاب العدم في مجهول التاريخ في الأزمنة المشكوك حدوثه فيها إلى زمان يقطع فيه بوجوده ، ففي المثال المتقدم لو علم بموت المورث في يوم الخميس مثلا وشك في اسلام الوارث في أنه قبل يوم الخميس الذي هو زمان موت المورث يجري الأصل في المجهول فيترتب عليه آثار عدم اسلامه إلى زمان


(205)
موت مورثه التي منها عدم ارثه منه ، حيث إنه يثبت به بضم وجدان موت المورث في الزمان المعين اجتماع عدم اسلام الوارث وموت المورث في الزمان ( وكذلك ) الامر فيما لو انعكس الفرض بان علم باسلام الوارث في يوم معين ويشك في موت المورث في أنه قبله أو فيه أو بعده ، فإنه باستصحاب عدم موته أو حياته إلى زمان اسلام الوارث يثبت موضوع التوارث الذي هو اجتماع الاسلام وحياة المورث في الزمان.
    ( هذا ) إذا كان الأثر لمجرد عدم أحد الحادثين في زمان الآخر ( واما ) إذا كان الأثر لوجود أحدهما المتصف بالعدم في زمان الآخر ، فلا يجري فيه أصالة بالعدم لعدم اليقين بالحالة السابقة ، وعدم اثمار استصحاب ذات عدم الامر الكذائي إلى زمان الحادث الآخر لاثبات ارتباط الموجود واتصافه بالعدم ، لان غاية ما يثبت به هو ان زمان وجود الحادث المعلوم ، زمان عدم الآخر ، وأين ذلك واثبات موضوع الأثر الذي هو الذات المتصف بالعدم في زمان الاخر ( والى ذلك ) نظر المحقق الخراساني قدس سره في تفصيله بين ان يكون الأثر للحادث المتصف بالعدم في زمان كذا ، وبين ان يكون الأثر لذات عدم أحدهما في زمان الآخر ( هذا ) في مجهول التاريخ.
    ( واما ) في معلوم التاريخ منهما فلا مجرى فيه للاستصحاب ، لانتفاء الشك اللاحق بالنسبة إليه فإنه قبل يوم الخميس الذي هو ظرف حدوث الاسلام مثلا كان اسلام الوارث معلوم العدم وفي يوم الخميس كان معلوم التحقق فلا يتصور الشك فيه في زمان كي يجري فيه استصحاب العدم ( وقد يتوهم ) ان المعلوم انما هو وجوده بالإضافة إلى اجزاء الزمان ، واما بالإضافة إلى زمان الواقعي لحدوث الآخر ، فحدوثه مشكوك فيه فيستصحب عدمه بهذا الاعتبار ، فيعارض مع الأصل الجاري في مجهول التاريخ ( وأجيب عنه ) بأنه ان أريد لحاظه بالإضافة إليه على وجه يكون زمان الآخر ظرفا محضا لوجوده على وجه الاجمال فهو عبارة أخرى عن لحاظه بالإضافة إلى اجزاء الزمان ، وقد عرفت انه مع العلم بتاريخ حدوثه لاشك في وجوده حتى يستصحب ( وان أريد ) لحاظه بالإضافة إليه على وجه يكون زمان الآخر قيدا ووصفا لوجوده فلا حالة له سابقا حتى يستصحب ، ولذا يمنع عن استصحاب وجود المتصف بالتقدم


(206)
أو بعدمه لمكان عدم الحالة السابقة ( أقول ) : ولا يخفى ان مجرد كون زمان الآخر ظرفا له لا يمنع عن استصحابه بعد صدق الشك في بقاء عدمه بالإضافة إلى زمان وجود الآخر واقعا ، فإنه يصح ان يقال في معلوم التاريخ : ان بقاء عدمه في زمان الواقعي لوجود الآخر مشكوك ( واما ) على التقيدية وان لم يجر فيه الاستصحاب لمكان عدم الحالة السابقة ، الا انه لا بأس بجريان الاستصحاب لسلب اتصاف المعلوم به ولو قبل وجوده ، لما ذكرنا من أن الأثر إذا كان للذات المتصف بكذا ، كان لحيث الاتصاف دخل في ترتبه ، فيكفي في نفي الأثر المترتب على الذات المتصف نفي اتصافها به ولو قبل الموجود إلى حين وجودها ، فيترتب عليه نقيض اثر النقيض الكافي هذا المقدار في باب الاستصحاب.
    ( فالأولى ) في دفع الشبهة ان يقال : ان عدم جريان الأصل ولو على الظرفية في معلوم التاريخ بلحاظ زمان الواقعي لوجود الآخر انما هو لأجل عدم احراز مقارنة الابقاء التعبدي مع زمان وجود الآخر ، لان معنى ابقاء شيء وجودا أو عدما إلى زمان الواقعي لوجود غيره ، هو ابقائه إلى زمان يقطع فيه بكونه ذاك الزمان الواقعي لوجود الآخر ، والا فبدون اليقين به لا يمكن تطبيق كبرى الأثر على المورد ( وحينئذ ) مع تردد زمان وجود الآخر بين زمانين لا يكاد يمكن الجزم بالتطبيق الا بفرض جر عدم المعلوم في جميع محتملات أزمنة وجود مجهول التاريخ ، وهو غير ممكن ( لان ) من محتملات زمان وجوده زمان اليقين بارتفاع المستصحب وانقلابه بالنقيض ، فلا يمكن جر عدمه إلى هذا الزمان ، ومع عدم جره كذلك كان البقاء التعبدي فيه مشكوك المقارنة مع زمان وجود الغير ، ومع الشك المزبور لا يثمر الأصل في ترتيب اثر البقاء المقارن لزمان وجود الغير ( هذا كله ) إذا كان أحدهما المعين معلوم التاريخ والآخر مجهوله.
    ( وأما إذا كانا ) مجهولي التاريخ ، فالذي يظهر من جماعة منهم العلامة الأنصاري قدس سره جريان الاستصحاب فيهما ذاتا ، غاية الامر سقوطهما بالمعارضة في فرض ترتب الأثر المهم على كل منهما كما في الأمثلة المتقدمة من مثال موت المتوارثين


(207)
الوالد والولد غير مقترنين والشك في المتقدم والمتأخر ، أو موت المورث واسلام الوارث كذلك ونحوهما من الأمثلة التي أوردها الشيخ قدس سره.
    ( ولكن التحقيق ) خلافه وانه لا مجرى للاستصحاب في واحد منهما ولو بلا معارض ( وذلك ) لا لما افاده المحقق الخراساني من شبهة الانفصال باليقين بالانتقاض ( بل لما أشرنا ) إليه آنفا من عدم اجدائه في التطبيق على موضوع الأثر في فرض امكان جر المستصحب ، وعدم امكان جره في فرض احراز التطبيق ( ولتوضيح ) المرام نفرض الأزمنة في الأمثلة المذكورة ثلاثة أيام ( الأول ) يوم الخميس الذي هو زمان اليقين بعدم موت المورث وعدم اسلام الوارث فيه ( الثاني ) يوم الجمعة الذي هو زمان الشك في حدوث موت المورث واسلام الوارث فيه ( الثالث ) يوم السبت الذي هو زمان اليقين بحدوث كل من موت المورث واسلام الوارث بنحو الاجمال مرددا كل منهما بان يكون حدوثه فيه أو في زمان سابق عليه وهو يوم الجمعة ( بعد ذلك ) نقول : ان شأن الاستصحاب بعد أن كان جر المستصحب وامتداده إلى زمان الشك ، لا إلى زمان اليقين بالانتقاض ( فتارة ) يكون منشأ الشك في بقاء شيء وجودا أو عدما إلى زمان وجود غيره ، من جهة الشك في أصل بقائه في الأزمنة المتأخرة عن زمان اليقين به ، مع الجزم بان الزمان المتأخر ، الذي حكم فيه بامتداد المستصحب وبقائه فيه هو زمان وجود الآخر ، كما في فرض العلم بتاريخ أحدهما المعين ، فإنه لو حكم ببقاء مجهول التاريخ إلى ذلك الزمان يجزم بمقارنة بقائه التعبدي لزمان وجود الآخر ( وأخرى ) يكون منشأ الشك فيه من جهة الشك في مقارنة البقاء التعبدي لزمان وجود الغير ( وبعبارة ) أخرى يكون الشك فيه من جهة الشك في كون الزمان الذي حكم ببقاء المستصحب فيه هو زمان وجود غيره بلحاظ تردد زمانه بين الزمانين ، حيث إنه بذلك يشك في مقارنة بقائه التعبدي في زمان مع زمان وجود غيره ( فان كان ) الشك في بقاء المستصحب إلى زمان وجود غيره ممحضا بالجهة الأولى ، فلا قصور في جريان الاستصحاب ، فيستصحب في المثال عدم كل من اسلام الوارث وموث المورث إلى زمان وجود الآخر ويترتب على كل منهما اثره في فرض الجزم


(208)
بالمقارنة مع زمان وجود الآخر ( واما ) ان كان الشك من الجهتين أو من الجهة الأخيرة ، فلا يجري الاستصحاب في واحد منهما ولو بلا معارض ( لوضوح ) ان شأن الاستصحاب انما هو مجرد الغاء الشك من جهة خصوص امتداد المستصحب إلى الأزمنة المتأخرة عن زمان اليقين به ، لا الغاء الشك فيه من جهة اقتران حيثية بقائه ولو تعبدا في زمان مع زمان وجود غيره ( وحينئذ ) فمع تردد الزمان الذي هو ظرف وجود الآخر بين الزمانين ، زمان الشك في وجود بديله الذي هو الزمان الثاني ، وزمان يقينه الذي هو الزمان الثالث ، يكون الشك في مقارنة البقاء التعبدي للمستصحب مع زمان وجود الآخر على حاله ، فلو أريد من الابقاء ابقائه إلى الزمان الثاني ، فلا يجزم حينئذ بتطبيق كبرى الأثر على المورد ، الا بفرض جر المستصحب في جميع محتملات أزمنة وجود الآخر التي منها الزمان الثالث ، وهو أيضا غير ممكن ، لان الزمان الثالث زمان انتقاض اليقين بكل منهما بيقين آخر ، فكيف يمكن جر المستصحب إلى الزمان الذي هو زمان انتقاض يقينه بيقين آخر ( ومجرد ) كونه زمان الشك في حدوثه أو حدوث غيره لا يجدي في امكان الجر إلى هذا الزمان بعد كونه زمان انتقاض يقينه كما هو واضح.
    ( وحيث اتضح ذلك ) نقول : ان المقام من هذا القبيل ، ففي المثال المزبور يكون منشأ الشك في حياة الوارث أو اسلامه إلى زمان موت مورثه كلا الامرين أعني الشك في أصل بقاء حياة الوارث أو عدم اسلامه في الزمان الثاني الذي فرضناه يوم الجمعة ، والشك في حيثية مقارنة بقاء المستصحب ولو تعبدا فيه لزمان موت المورث بلحاظ تردد حدوثه بين الزمانين ( ولقد ) عرفت عدم جريان الاستصحاب في مثله على وجه يجدي في ترتيب الأثر المترتب على البقاء المقارن لزمان وجود الغير ، لان ما يمكن جره بالاستصحاب انما هو جر عدم اسلام الوارث أو حياته إلى الزمان المتأخر عن زمان يقينه أعني الزمان الثاني ، ومثله لا يثمر في تطبيق كبرى الأثر على المورد ، لعدم احراز كون البقاء التعبدي مقارنا مع زمان وجود الغير ، وعدم تكفل دليل الاستصحاب الا لالغاء الشك من جهة خصوص الامتداد دون غيره ، وما يثمر


(209)
في التطبيق انما هو جر المستصحب إلى الزمان الثالث الذي فرضناه يوم السبت وهو غير ممكن لان زمان الثالث زمان انتقاض اليقين بكل واحد منهما بيقين آخر ، فكيف يمكن جر المستصحب إلى مثل هذا الزمان الذي هو زمان انتقاض يقينه.
    ( لا يقال ) ذلك انما يكون إذا قيس استصحاب عدم أحد الامرين بالنسبة إلى الأزمنة التفصيلية ( واما ) لو قيس ذلك بالنسبة إلى الزمان الواقعي الاجمالي لوجود الآخر ، فلا قصور في استصحاب بقاء كل منهما إلى زمان الواقعي لوجود بديله ، إذ يصدق على كل منهما بالإضافة إليه الشك في البقاء إلى ذاك الزمان ، فيستصحب في المثال عدم اسلام الوارث إلى زمان موت مورثه وبالعكس ( غاية ) الامر يتعارض الاستصحابان ( فإنه يقال ) : ان أريد من استصحاب عدم اسلام الوارث أو حياة مورثه إلى الزمان الاجمالي ، جره إلى زمان يشك فيه في انطباق المجمل عليه فهو غير مثمر في تطبيق كبرى الأثر على المورد ، لعدم تكفل دليل الأصل لالغاء الشك من هذه الجهة ( وان أريد ) جره إلى زمان يقطع فيه بانطباق الزمان الاجمالي عليه بنحو الاجمال ، فهو وان كان مثمرا في التطبيق ، ولكنه يحتاج إلى جره في جميع محتملاته من الأزمنة التي منها الزمان الثالث ، وهو غير ممكن ، وبدون جره كذلك لا يحرز كون البقاء التعبدي مقارنا مع زمان وجوده غيره ( مع أنه ) لو كان هذا المقدار كافيا في جريان الاستصحاب في مجهولي التاريخ ، فلم لا يلتزم بكفايته في جريانه في معلوم التاريخ في الفرض المقدم ، فإنه يصدق عليه أيضا بالإضافة إلى زمان الواقعي في مجهول التاريخ الشك في بقاء عدمه إلى زمان الواقعي لوجود الآخر ( ومن المعلوم ) انه لا يكون الوجه فيه الا ما ذكرناه ، فتدبر فيما قلناه بعين الانصاف فإنه دقيق وبالقبول حقيق.
    ( ثم إن للمحقق الخراساني قدس سره ) تقريبا آخرا في منع جريان الأصل في مجهولي التاريخ من جهة شبهة الانفصال باليقين الناقض الموجب لكون التمسك بعموم لا تنقض من باب التمسك بالعام مع الشك في انطباق عنوانه على المورد ( وملخص ) ما أفاد في تقريب الشبهة بتوضيح منا هو ان في فرض العلم بحدوث الحادثين كاسلام


(210)
الوارث وموت المورث والشك في المتقدم منهما والمتأخر ، لابد من فرض الأزمنة التفصيلية ثلاثة بفرض الزمان الأول زمان اليقين بعدمهما ، والزمان الثاني زمان العلم بحدوث أحدهما فيه اجمالا ، اما اسلام الوارث ، واما موت مورثه ، والزمان الثالث زمان اليقين بتحقق الاسلام والموت فيه مع اليقين الاجمالي بكونه ظرفا لحدوث أحدهما ، اما اسلام الوارث ، واما موت مورثه ( وهناك ) زمانان اجماليان أيضا : ( أحدهما ) زمان اسلام الوارث المحتمل الانطباق على كل من الزمان الثاني والثالث على البدل ، والثاني زمان موت مورثه المحتمل الانطباق أيضا على كل واحد من الزمانين على البدل بحيث لو انطبق أحدهما على الزمان الثاني ، كان الآخر منطبقا على الزمان الثالث ، حسب العلم بتقدم زمان حدوث أحدهما على زمان حدوث الآخر ( وحينئذ ) فبعد احتمال كون الزمان الثاني أعني يوم الجمعة مثلا ظرفا لحدوث الاسلام أو الموت ، لا مجال لاستصحاب عدم اسلام الوارث المعلوم يوم الخميس إلى زمان موت مورثه ، لاحتمال ان يكون زمان موت المورث يوم السبت الذي هو الزمان الثالث ويكون زمان الاسلام يوم الجمعة الذي هو زمان انتقاض يقينه باليقين بالخلاف ، ومع هذا الاحتمال لا يمكن جر المستصحب من زمان يقينه إلى زمان الآخر المحتمل كونه بعد زمان اليقين بارتفاعه ، وهكذا في استصحاب عدم موت المورث إلى زمان اسلام الوارث ، فإنه مع احتمال كون زمان الاسلام بعد زمان موت المورث يحتمل انتقاض يقينه باليقين بالخلاف ( وبعد تذيل ) بعض اخبار الباب بقوله : ولكن انقضه بيقين آخر الذي هو من القيود المتصلة بالكلام ، لابد في التمسك بعموم دليل الاستصحاب من احراز تطبيق عنوانه بقيوده على المورد ، فمع الشك في مثل هذا القيد يشك في تطبيق عنوانه ، وفي مثله لا مجال للتمسك بعموم لا تنقض حتى بناء على جواز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية للمخصصات المنفصلة ( هذا ملخص ) المقال في تقرير الشبهة المزبورة.
    ( ولكن ) فيه ان الناقض لليقين السابق ليس الا اليقين بارتفاع المتيقن ، لا نفس ارتفاعه واقعا ولم يتخلل بين اليقين بعدم حدوث كل من الحادثين والشك في
نهاية الافكار ـ الجزء الرابع القسم الاو ::: فهرس