نهاية الافكار ـ الجزء الرابع القسم الاول ::: 211 ـ 225
(211)
الحدوث يقين آخر بالحدوث ليوجب عدم اتصال زمان الشك بالحدوث في كل منهما باليقين به ( واما ) اليقين الاجمالي بارتفاع المستصحب في أحد الزمانين ، اما الزمان الثاني ، أو الثالث فهو غير قابل للفصل بين اليقين بالمستصحب والشك في بقائه في زمان وجود الغير الا في فرض قابلية انطباقه على الزمان الثاني الذي هو أحد طرفي العلم ولكنه من المستحيل جدا ( لما عرفت ) غير مرة من أن قوام العلم والشك بل جميع الصفات الوجدانية كالإرادة والكراهة والتمني والترجي وغيرها انما هو بنفس العناوين والصور الذهنية بما هي ملحوضة كونها خارجية بلا سراية منها إلى المعنون الخارجي ، لان الخارج انما هو ظرف اتصافها بالمعلومية ، لا ظرف عروضها بشهادة انه قد لا يكون للمعنون وجود خارجي أصلا كما في موارد تخلف العلم عن الواقع ، فمعروض العلم في جميع موارد العلوم الاجمالية عبارة عن عنوان وصورة اجمالية مبائنة مع ما هو معروض الشك والترديد ، حيث إن معروضه عبارة عن صور تفصيلية كهذا الاناء وذاك الاناء الآخر مثلا بعنوانهما التفصيلي مع وقوف كل من الوصفين في عالم عروضهما على نفس معروضه من الصور الذهنية ، من غير أن يكون وحدة المنشأ والمعنون الخارجي لهما موجبا لسراية أحد الوصفين من معروضه إلى معروض الآخر ، بشهادة اجتماع اليقين الاجمالي مع الشك التفصيلي بكل واحد من الأطراف ، مع وضوح المضادة بين الوصفين ( وبعد ) ذلك نقول : انه بعد استحالة انطباق المعلوم بالاجمال بما هو معلوم على طرفيه ، فلا يعقل احتمال الفصل باليقين بارتفاع المستصحب في أحد الزمانين بين زمان اليقين بعدم المستصحب وزمان الذي يراد جر المستصحب إليه ، فان المفروض ان الزمان الفاصل بين زمان اليقين بالمستصحب سابقا وزمان وجود غيره الذي يراد جره إليه بالاستصحاب ليس الا ما هو طرف العلم الاجمالي بين الزمانين وهو الزمان الثاني ، ومع استحالة قابلية انطباق المعلوم بوصف معلوميته على هذا الزمان الذي هو طرف العلم الاجمالي ، كيف يحتمل الفصل باليقين الناقض بين زمان اليقين بالمستصحب وزمان الذي يراد جره إليه ليكون التمسك بدليل الاستصحاب في المقام تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية للعام المزبور ، بلحاظ الشك في قيده


(212)
المتصل به.
    ( نعم ) ما هو محتمل الفصل باليقين الناقض انما هو في عالم الاتصاف والانطباق خارجا ، حيث يحتمل انطباق ما هو المعلوم بالاجمال في موطن الخارج على ما انطبق عليه معروض الشك ، ولكنه مع عدم كونه فصلا باليقين حقيقة الا على توهم مرفوض وهو سراية العلم من معروضه الذهني إلى موطن الخارج ، لا يمنع هذا المقدار عن جريان استصحاب العدم في كل من الحادثين ( والا ) لاقتضى المنع عن جريانه في مجهول التاريخ منهما أيضا بلحاظ ان حدوثه بعد أن كان مرددا بين ما قبل معلوم التاريخ وما بعده كان زمان الشك بعدمه وهو زمان حدوث معلوم التاريخ غير محرز الاتصال بزمان يقينه لاحتمال انفصاله عنه بانطباق زمان اليقين بالاجمال بحدوثه على ذلك الزمان ، بل وكذلك في جميع فروض العلوم الاجمالية ( وحينئذ ) فلولا ما ذكرناه من الوجه للمنع عن جريان استصحاب العدم في مجهولي التاريخ من لزوم احراز مقارنة زمان بقاء المستصحب ولو تعبدا مع زمان وجود غيره ، وعدم صلاحية جريان الاستصحاب إلى الزمان الثاني لرفع الشك في المقارنة المزبورة ، وعدم جريانه إلى الزمان الثالث الذي هو زمان اليقين بوجود الغير لكونه زمان اليقين بارتفاع المستصحب ، لما يمنع عنه ، شبهة الفصل المزبور.
    ( ثم لا فرق ) فيما ذكرنا من عدم صلاحية العلم الاجمالي بالارتفاع في الزمان الاجمالي للفاصلية بين ان يكون المعلوم بالاجمال من الأول مجملا مرددا بين أمرين كأحد الانائين أو الثوبين في العلم الاجمالي بنجاسة أحدهما ، وبين ان يكون من الأول عنوانا تفصيليا كاناء ، زيد أو الاناء الشرقي ، فطرء عليه الاجمال والترديد من جهة اشتباهه بغيره ، كما لو علم بنجاسة اناء زيد بخصوصه وطهارة غيره ثم اشتبه بالاناء الآخر ، أو علم بنجاسة الاناء الشرقي وطهارة الاناء الغربي فاشتبه أحدهما بالآخر ، فإنه مع تقوم الصفات الوجدانية التي منها العلم والشك بالصور الذهنية ولولا بما يلتفت إلى ذهنيتها ، بل بما انها ترى خارجية ، يكون معروض العلم الاجمالي بما هو معروضه في جميع تلك الفروض عبارة عن صورة اجمالية مبائنة مع الصورة التي هي معروض الشك


(213)
ذهنا بنحو يستحيل اتحادهما في عالم المعروضية للشك واليقين وان كانتا متحدتين وجودا خارجا ، كاستحالة سراية كل من الوصفين من معروضه إلى معروض الآخر ، أو سرايتهما إلى موطن الخارج ( لا يعقل ) الفصل باليقين الناقض في شيء من هذه الفروض كي يمنع عن جريان الاستصحاب ( نعم ) ما هو محتمل الفصل باليقين في جميع هذه الفروض انما هو في عالم الاتصاف والانطباق خارجا ، حيث يحتمل انطباق ما هو معروض اليقين في الخارج على ما انطبق عليه معروض الشك ( ولكنه ) مع عدم كونه فصلا باليقين حقيقة ، لا يمنع هذا المقدار عن جريان الاستصحاب ( والا ) لاقتضى المنع عن جريانه في كل علم اجمالي بالنسبة إلى طرفه ولو كان المعلوم بالاجمال من الأول عنوانا عرضيا كعنوان أحدهما ( وعليه ) فما عن بعض الاعلام من تشقيق تلك الفروض وتسليم احتمال الفصل باليقين الناقض المانع عن الاستصحاب فيما كان من قبيل الاناء الشرقي المتميز عن الاناء الغربي ، اما بفرض الترديد والاجمال مقارنا للعلم ، كالعلم بإصابة المطر لما هو في الطرف الشرقي ، واما بطرو الاجمال والترديد بعد ما علم بإصابة المطر له ، وعدم تسليمه فيما كان المعلوم بالاجمال من الأول عنوانا عرضيا كالعلم بإصابة المطر لاحد الانائين اما الشرقي أو الغربي ، منظور فيه ( نعم ) لا بأس بذلك في عالم الاتصاف والانطباق الخارجي ، ولكنه لا يختص بالأمثلة المزبورة بل يجري في جميع موارد العلم الاجمالي ولو كان المعلوم بالاجمال من الأول عنوانا عرضيا كعنوان أحدهما ( وحينئذ ) فالعمدة في المنع عن جريان مثل هذا الاستصحاب ما ذكرناه ، والا فلا قصور في الاستصحاب إذ لا يمنع عنه الا المعارضة بجريانه في الآخر في فرض ترتب الأثر على كل منهما.
( بقى الكلام )
( في تعاقب الحادثين المتضادين )
    مع الشك في المتقدم منهما والمتأخر من حيث جريان الاستصحاب فيهما وعدمه ، كالطهارة والنجاسة ، والطهارة والحدث في المسألة المعروفة ( وفيه ) أيضا تجري


(214)
الشقوق السابقة من الجهل بتاريخهما ، تارة وبأحدهما ، أخرى ( والمقصود ) بالكلام في المقام هو الاستصحاب الوجودي دون العدمي ( كما أن ) المقصود هو استصحاب وجود كل منهما في حد نفسه ، لا بلحاظ كونه إلى زمان وجود الآخر أو عدمه ( فنقول ) : انه لو علم بالطهارة والحدث وشك في المتقدم والمتأخر منهما فمع الجهل بتاريخهما ، قد يظهر من الشيخ قدس سره بل نسب إلى المشهور جريان الاستصحاب في كل من الطهارة والحدث وتساقطهما بالتعارض ( وأورد ) عليه المحقق الخراساني قدس سره بما تقدم من شبهة الفصل باليقين الناقض لاحتمال انفصال زمان الشك في بقاء الطهارة عن زمان اليقين بها بزمان اليقين بالحدث بان يكون الطهارة في الساعة الأولى والحدث في الساعة الثانية وكذلك الامر بالعكس ( ولقد ) تقدم الجواب عنه بما لا مزيد عليه.
    ( والتحقيق ) في المقام عدم جريان الاستصحاب فيهما أيضا ولو مع قطع النظر عن التعارض ( لعدم اتصال ) زمان الشك فيه بزمان اليقين بتقريبات ( ولتوضيح ) المرام نقول : انه حفظا لموضوع الاستصحاب الذي هو الشك في وجود ما انطبق عليه البقاء لابد من فرض الأزمنة فيه ثلاث ساعات مثلا ، الأولى والثانية زمان اليقين الاجمالي بتحقق كل من الحادثين الطهارة والحدث ، والثالثة زمان الشك في بقاء كل منهما ، والا فلو فرض انه ما مضى الا الزمانان اللذان علم بحدوث الطهارة والحدث فيهما وشك في المتقدم والمتأخر منهما ، فلا مجال لتوهم جريان الاستصحاب فيهما لعدم تصور الشك في البقاء حينئذ ، لان في الزمان الأول لا يقين بحدوث الطهارة ، ولا بالحدث ، وفي الزمان الثاني وان علم بحدوثهما ولكن امر كل واحد منهما فيه مردد بين الحدوث والارتفاع ، فلا يتصور الشك في البقاء في واحد منهما ، وهذا بخلاف فرض الأزمنة ثلاثة ، حيث إن في الزمان الثالث يتصور الشك في البقاء في كل واحد منهما ، فكان موضوع الاستصحاب الذي هو الشك في وجود ما ينطبق عليه البقاء محرزا ( وبعد ذلك ) نقول : ان عدم جريان الاستصحاب في المتضادين المجهولين تاريخهما لوجوه.


(215)
    ( الأول ) ان المستفاد من أدلة الباب بمقتضى لزوم وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة موضوعا ، اعتبار اتصال زمان الشك في بقاء المستصحب بزمان اليقين بوجوده بحيث يصدق الشك في البقاء على الحادث في الزمان المشكوك فيه وليس هنا كذلك ( لان ) ما حدث وهو الطهارة في المثال بعد أن كان زمانه زمانا اجماليا مرددا بين زمان الأول والثاني ، فقهرا يكون زمانه المتصل لحدوثه أيضا مرددا بين زمان الثاني والثالث ، وهكذا في طرف الحدث ، ففي الزمان الثالث لم يحرز اتصاله بزمان اليقين ، لان الطهارة ان كانت واقعة في الساعة الأولى ففي الساعة الثانية كانت مرتفعة قطعا فيكون الزمان الثالث الذي هو زمان الشك في البقاء منفصلا عنه ، وان كانت واقعة في الساعة الثانية ، فزمان الثالث وان كان متصلا بزمان حدوثهما ، الا انه على هذا التقدير لا يكون الزمان الثالث زمان الشك في البقاء والارتفاع للقطع حينئذ ببقاء الطهارة فيه ( وان شئت قلت ) بانتفاء الشك في البقاء في الزمان الثالث بالنسبة إلى كل واحد من الطهارة والحدث ، لأنه على تقدير يقطع بارتفاعه ، وعلى تقدير يقطع ببقائه ، فان ما يتصور من الشك في البقاء فيه انما هو من جهة الشك في الحدوث المتصل به لا من جهة الشك في نفس بقاء ما هو الحادث فارغا عن حدوثه المتصل به ، وموضوع الاستصحاب صرفا أو انصرافا انما كان هو الثاني لا الأول ، ولا مطلق الشك في البقاء ولو كان من جهة الشك في الحدوث في الآن المتصل به ( وحينئذ ) فلا ينتقض ما ذكرناه بموارد الشكوك البدوية ( فإنه ) لو علم بالطهارة في ساعة فشك في بقائها في الساعة الأخرى كان زمان الشك في البقاء متصلا بزمان اليقين بحدوثها حيث يحتمل ملازمة حدوثها في الساعة الأولى لبقائها في الساعة الثانية ويحتمل عدم ملازمة حدوثها للبقاء ، وشأن الاستصحاب ابقاء ما شك في بقائها في الزمان المتصل بالحدوث.
    ( الثاني ) انه لا شبهة في أن الشك الذي هو موضوع الاستصحاب هو الشك في بقاء المستصحب وارتفاعه في الزمان المتصل بزمان اليقين بحدوثه ، بحيث يحتمل ملازمة حدوثه في الزمان الأول مع بقائه في الزمان الثاني ، ويحتمل عدم


(216)
ملازمته وانفكاك وجوده في الزمان الثاني عن حدوثه في الزمان الأول ( ومثل ) هذا المعنى لاشك في تحققه في الشكوك البدوية ( بخلاف المقام ) فإنه لا يتصور فيه احتمال بقاء المستصحب وارتفاعه في الزمان الثالث الذي أريد جر المستصحب إليه ( فإنه على تقدير ) ان يكون حدوث الطهارة في الساعة الأولى ، يقطع بارتفاعها في الساعة الثانية بحدوث ضده الذي هو الحدث ، فلا يحتمل فيها البقاء في الساعة الثالثة ( وعلى تقدير ) ان يكون حدوثها في الساعة الثانية يقطع ببقائها في الساعة الثالثة ، فلا يحتمل انفكاك حدوثه عن بقائه في الزمان الثالث ، وهكذا بالنسبة إلى إلى الحدث ، ومع انتفاء الشك في البقاء والارتفاع لا يجري فيه الاستصحاب ( واما ) ما يرى من الشك في البقاء والارتفاع بالنسبة إلى كل من الطهارة والحدث ، فقد عرفت رجوعه في الحقيقة إلى الشك في زمان حدوثه المتصل به ، لا انه من جهة الشك في انقطاع ما هو الحادث فارغا عن حدوثه في الزمان المتصل به كما هو ظاهر.
    ( الثالث ) ان المنصرف من دليل الاستصحاب هو ان يكون زمان الذي أريد جر المستصحب إليه على نحو لو تقهقرنا منه إلى ما قبله من الأزمنة لعثرنا على زمان اليقين بوجود المستصحب ، كما في جميع موارد الاستصحابات الجارية في الشكوك البدوية ( وليس المقام ) من هذا القبيل ، فان في كل من الطهارة والحدث لو تقهقرنا من زمان الشك الذي هو الساعة الثالثة لم نعثر على زمان اليقين بوجود المستصحب ، بل الذي نعثر عليه فيما قبله من الأزمنة انما هو زمان اليقين بعدم حدوث المستصحب من الطهارة أو الحدث ( لان ) كلا من الساعة الثانية ، والأولى إذا لاحظنا فيه المستصحب طهارة أو حدثا يرى كونها ظرفا للشك في وجوده إلى أن ينتهى إلى الزمان الخارج عن دائرة العلم الاجمالي الذي هو زمان اليقين بعدم كل منهما ( وحيث ) انه لم نعثر في تقهقرنا على زمان تفصيلي نعلم فيه بالطهارة أو الحدث ، امتنع الاستصحاب لانصراف الدليل عنه ( هذا بالنسبة ) إلى الأزمنة التفصيلية ( واما بالنسبة ) إلى الزمان الاجمالي المشار إليه بكونه بعد زمان اليقين بحدوث المستصحب ، فاتصاله بزمان اليقين وان كان متحققا بنحو الاجمال ، ولا مانع من هذه الجهة من استصحاب


(217)
كل من الطهارة والحدث إلى الزمان الثاني الاجمالي المتصل بزمان اليقين بالحدوث في كل منهما ، ولكنه انما يثمر إذا لم يحتج إلى التطبيق على الأزمنة التفصيلية كما لو كان الأثر لمجرد بقاء الطهارة أو الحدث في زمان ما اجمالا ، والا فعلى فرض الاحتياج إلى التطبيق على الأزمنة التفصيلية بلحاظ ترتب الأثر المهم من نحو صحة الصلاة على ثبوت الطهارة في زمان تفصيلي ( فلا مجال ) لهذا الاستصحاب ، لعدم اثماره في التطبيق على واحد من الأزمنة بخصوصه ، بل عدم صحته ( لما عرفت ) من أن الزمان الثاني الذي هو طرف العلم لا يحتمل فيه البقاء لكونه مرددا بين زمان الحدوث والارتفاع ( والزمان ) الثالث وان احتمل فيه البقاء لكن لا يحتمل فيه الارتفاع ، لكونه على تقدير مقطوع البقاء ، وعلى تقدير آخر مقطوع الارتفاع فيه ( هذا ) ( وقال الأستاذ قدس سره ان المحقق الخراساني قدس سره في سالف الزمان في مجلس بحثه قرر شبهة الانفصال بمثل ما ذكرناه ) ( ولكنه ) قررها في الكفاية من جهة شبهة الفصل باليقين الناقض.
    ( اشكال ودفع ) اما الاشكال فقد يورد على ما ذكرنا من شبهة عدم اتصال زمان الشك بزمان اليقين بوجود المستصحب ، بان لازم اعتبار الاتصال بالمعنى المزبور في صحة الاستصحاب عدم جريانه حتى في الشك البدوي في الرافع الوارد على المعلوم بالاجمال من حيث الزمان ، كما لو علم اجمالا بطهارته اما في الساعة الأولى أو الثانية وشك بشبهة بدوية في حدوث حدث بعده في الزمان الأخير الذي هو طرف العلم على فرض حدوث المعلوم في الزمان الأول أو مطلقا ، حيث إنه بمقتضى البيان المزبور لا يجري استصحاب الطهارة ، لا في الزمان الثاني الذي هو طرف العلم بحدوث الطهارة لكونها مرددة فيه بين الحدوث والارتفاع ، ولا في الزمان الثالث ، لعدم احراز الاتصال بالمعنى المزبور ، إذ لو انتقلنا من زمان الشك إلى الوراء متقهقرا لم نعثر الا على زمان اليقين بعدم المستصحب ، لان كل واحدة من الساعة الأولى والثانية التي هي قبل زمان الشك إذا لوحظت يرى كونها زمان الشك في حدوث المستصحب من حيث احتمال حدوث المعلوم بالاجمال من حيث الزمان فيه أو فيما قبله أو ما بعده ، مع


(218)
انه لا يظن التزامه من أحد.
    ( واما الدفع ) ففيه أولا ان بنائهم على جريان الاستصحاب في مثله ليس باعتبار الأزمنة التفصيلية كي يصير نقضا على ما ذكرنا ، بل هو باعتبار جريانه في الأزمنة الاجمالية لحدوث المستصحب المستتبع لليقين في الزمان الثاني التفصيلي الذي هو طرف العلم الاجمالي ، اما بالطهارة الواقعية أو التعبدية ( ومن الواضح ) عدم جريان هذا التقريب في فرض العلم بحدوث الحدث مع الشك في تقدمه على الطهارة وتأخره عنه ( وثانيا ) يمكن دعوى جريان الاستصحاب التقديري في مفروض النقض ، فإنه على تقدير عدم حدوثها في الزمان الأخير الذي هو طرف العلم يشك في بقائه فيه فيستصحب ولازمه العلم الاجمالي في زمان الآخر بوجود طهارة واقعية أو ظاهرية ( وهذا ) التقريب غير جار في المقام أيضا ( إذ في ) فرض العلم بالناقض والشك في المتقدم والمتأخر يكون امر كل واحد من الطهارة والحدث في الزمان الثاني مرددا بين الحدوث والارتفاع ، لا في البقاء والارتفاع ( ودعوى ) ان الاستصحاب التقديري في مفروض النقض انما يجري في فرض كون موضوع حرمة النقض هو نفس الشيء بوجوده الواقعي ولولا بما هو معلوم ، والا فعلى فرض دخل اليقين في موضوع حرمة النقض فلا يجري الاستصحاب ، لعدم اليقين الفعلي حينئذ بوجود المستصحب ( مدفوع ) بان ما هو غير متحقق فعلا انما هو اليقين المطلق ، لا مطلق اليقين به ولو منوطا ، ولا شبهة في تحقق اليقين الفعلي المنوط فيه ( فإنه ) في فرض عدم حدوث المستصحب في الزمان الثاني الذي هو طرف العلم يصدق انه كان على يقين فعلي بوجوده غايته منوطا بالتقدير المزبور ، وهذا المقدار من اليقين المنوط يكفي في تحقق موضوع حرمة النقض فتدبر ( فتلخص ) مما ذكرنا انه لا مجال لجريان الاستصحاب في واحد من الحالتين المتضادتين ولو مع قطع النظر عن المعارضة ( هذا كله ) في صورة الجهل بتاريخ الحالتين المتضادتين.
    ( واما صورة ) العلم بتاريخ إحديهما ، فعلى تقرير شبهة الانفصال بما


(219)
افاده المحقق الخراساني قدس من احتمال الفصل بالانتقاض باليقين لا يجري الاستصحاب في هذا الفرض أيضا لا في مجهوله ولا في معلومه ( واما ) بناء على تقريرها بما ذكرناه من اعتبار اتصال زمان الشك بزمان اليقين بوجود المستصحب فيمكن التفصيل بينهما بجريان الاستصحاب في معلومه دون مجهوله لعدم الاتصال فيه.

    يعتبر في صحة الاستصحاب ان يكون المستصحب موضوعا كان أم حكما تكليفيا كان أم وضعيا ذا اثر عملي حين الاستصحاب ولو بوسائط عديدة كوجوب قضاء الفريضة باستصحاب نجاسة الماء الذي توضأ به ( واما ) مالا يقتضى عملا بالفعل ، كالخارج عن ابتلاء المكلف رأسا ولو بلحاظ اثره ، والحكم التعليقي قبل حصول المعلق عليه ، فلا يجرى فيه الاستصحاب لعدم كفاية مجرد شرعية الأثر بلا انتهائه إلى ترتب اثر عملي في جريانه ، واعتبار هذا الشرط على ما اخترناه من رجوع لا تنقض إلى الامر بالمعاملة مع المشكوك معاملة المتيقن من حيث الجري العملي ظاهر ، فإنه بدونه يمتنع التعبد للغويته ( واما بناء ) على القول برجوعه إلى جعل المماثل أو الأثر فمن جهة ظهور اخبار الباب صرفا أو انصرافا بمقتضى ورودها في مقام بيان الوظيفة الفعلية العملية للشاك والجاهل المتحير في وظيفته في الاختصاص بمورد يترتب عليه اثر عملي حين توجيه الخطاب بحرمة النقض إلى المكلف وهذا مما لا اشكال فيه ، كما لا اشكال في لزوم كون الأثر من لوازم نفس الواقع أو الواقع المعلوم من حيث طريقيته لامن حيث نوريته في نفسه ، والا فلو كان الأثر من لوازم الواقع المعلوم من حيث كونه نورا في نفسه وصفة خاصة قائمة بالنفس ، فلا مجال للاستصحاب ووجهه واضح ( كما أن ) الامر كذلك لو كان المأخوذ في موضوع الأثر عدم استتاره ، كما لعله من هذا القبيل باب الشهادة ، لوضوح ان الاستصحاب انما يجري ويحرز الموضوع في ظرف الشك


(220)
بالواقع واستتاره ، فلا يمكن ان يكون رافعا لاستتاره ( وبهذه ) الجهة يمتاز الاستصحاب بناء على اخذه من الاخبار عن الامارة ، فان الامارة بمقتضى لسان دليل اعتبارها الدال على تتميم كشفها ترفع ستره الواقع ، بخلاف الاستصحاب فإنه باعتبار اخذ الشك في موضوعه يمتنع ان يكون رافعا لسترة الواقع ، لامتناع ان يكون الحكم رافعا لموضوعه ، وبهذه الجهة تكون الامارة حاكمة عليه لكونها رافعة للشك المأخوذ في موضوعه ( وحينئذ ) فلابد من ملاحظة كبريات الآثار الواقعية في أنها ثبتت باي كيفية ، والا فبعد الفراغ عن احراز كيفية ثبوتها لا اشكال في جريان الاستصحاب على بعض التقادير وعدم جريانه على بعض التقادير الاخر حسب ما عرفت من التفصيل.

    لا فرق في الاستصحاب بين ان يكون المستصحب من الموضوعات الخارجية ، أو اللغوية ، أو الأحكام الشرعية ، أصولية أم فرعية ، وبين ان يكون من الأمور الاعتقادية التي كان المطلوب فيها عمل الجوانح من نحو التسليم والانقياد والاعتقاد بمعنى عقد القلب على نبوة نبي أو امامة امام ، فيجري فيها الاستصحاب موضوعا وحكما في فرض تحقق أركانه ( فلو شك ) في نبوة شخص أو إمامته بعد اليقين بثبوتهما له سابقا يجري فيهما الاستصحاب ويترتب على استصحابهما الآثار المزبورة من لزوم الانقياد وعقد القلب بناء على كونها من آثار البنوة الواقعية لا من آثار النبوة المعلومة بوصف معلوميتها ( والا ) فلا مجال للاستصحاب وان فرض تمامية أركانه من اليقين السابق والشك اللاحق كما تقدم في التنبيه السابق ( من غير فرق ) في ذلك بين ان تكون النبوة وكذا الإمامة من المناصب الجعلية الأهلية ، أو من الأمور الواقعية الناشئة من كمال نفسه الشريفة وبلوغها إلى مرتبة عالية التي بها صار سببا متصلا بين الخالق والمخلوق وواسطة في ابلاغ الأحكام الإلهية ( فإنه ) على كل تقدير


(221)
يمكن تصور الشك فيهما ، لامكان تطرق الشك في النبوة أو الإمامة عقلا على فرض الجعلية ، لاحتمال كونهما محدودة في الواقع إلى وقت خاص ، وعلى فرض الواقعية ، لاحتمال الانحطاط عن الرتبة ، أو لوجود من هو أكمل من السابق ( وحينئذ ) فمتى فرضنا ترتب اثر عملي من الأعمال الخارجية أو الجوانحية من مثل عقد القلب ونحوه على واقع النبوة أو الإمامة القابل لترتيبه بالاستصحاب يجري فيهما الاستصحاب ويترتب عليهما الأثر ، وان قلنا بأنهما من الأمور التكوينية الناشئة من كمال النفس ومتى لم يكن اثر عملي لواقع النبوة أو الإمامة بان كانت الآثار المزبورة من لوازم النبوة المعلومة بوصف معلوميتها ، لا مجال لجريان الاستصحاب فيها ، وان قلنا بأنها من المناصب المجعولة ، لان مجرد جعليتها لا يجدي في صحة الاستصحاب ما لم يترتب عليها اثر عملي ( هذا ) ولكن من البعيد جدا كون تلك الآثار من لوازم النبوة المعلومة ، إذ لم يساعده الدليل ولا الاعتبار ، بل الظاهر كونها آثارا لنفس النبوة الواقعية الثابتة في ظرف العلم والجهل بها ، لأنها من مراتب شكر المنعم ووسائط النعم الحاكم به العقل السليم والذوق المستقيم ، و لازمه بعد الفحص واليأس امكان ترتبها ببركة الامارة أو الأصل المنقح لموضوعها ، لولا دعوى عدم تمشي التسليم والانقياد الحقيقي لنبي أو امام مع التزلزل في نبوته أو إمامته ، وان أمكن دفعه بان مالا يتمشى مع الشك انما هو التسليم والانقياد الجزمي ، واما التسليم والانقياد له بعنوان كونه نبيا أو إماما ظاهرا بمقتضى الامارة أو الأصل المنقح فلا بأس به.
    ( ولكن ) الذي يسهل الخطب انتفاء الشك الذي هو ركن الاستصحاب في نحو هذه الاستصحابات ، فان المسلم المتدين بالاسلام لا يكون شاكا في بقاء نبوة عيسى (ع) ، بل هو بمقتضى تدينه قاطع بانقطاع نبوته ونسخ شريعته بمجئ نبينا صلى الله عليه وآله ( كيف ) ولا طريق له إلى اليقين بنبوة عيسى (ع) ولو في سالف الزمان الا القرآن واخبار نبينا صلى الله عليه وآله ، والا فمع قطع النظر عن ذلك لا يقين له بأصل نبوته بمحض تدين جماعة بدينه ، ومن المعلوم ان القرآن وكذا نبينا صلى الله عليه وآله كما أخبرا عن


نبوته سابقا ، كذلك أخبرا باختتام نبوته ونسخ شريعته ، ومعه ( كيف ) يتصور للمسلم المتدين بنبوة النبي اللاحق ، الشك في بقاء نبوة النبي السابق وبقاء شريعته كي ينتهى المجال إلى الاستصحاب ، كما أن المتدين بدين النصارى والمتثبت فيه قاطع ببقاء شريعة عيسى (ع) ( نعم ) قد يتصور الشك في البقاء بالنسبة إلى بعض النصارى ممن اطلع على مزايا الاسلام على ساير الأديان ، فان مثله ربما يشك في نبوة نبينا صلى الله عليه وآله ، فيشك في بقاء نبوة نبي السابق وشريعته ( ولكن ) الاخذ بالاستصحاب لمثل هذا الشاك في الشريعتين لو يجدى فإنما هو فيما يرجع إلى عمل نفسه ، ولا ينفع في الزامه المتدين بدين الاسلام ( لان ) الاستصحاب وظيفة عملية للشاك والمتحير ، ولا شك للمسلم في بقاء نبوة السابق لكونه قاطعا بانقطاع نبوته ونسخ شريعته بمجئ النبي اللاحق ، ولا حجة للجاهل على العالم ( كما أن ) صحة اخذه بالاستصحاب ولو في عمل نفسه انما هو في فرض علمه بحجية الاستصحاب في الشريعتين لعلمه اجمالا حينئذ اما ببقاء السابق واقعا أو بكونه محكوما بالبقاء بحكم الاستصحاب ( والا ) فعلى فرض عدم علمه بحجيته الا في الشريعة السابقة أو في خصوص الشريعة اللاحقة ، فلا يجديه الاستصحاب ولو لعمل شخص نفسه ، لان علمه بحجية على الأول دوري ، وعلى الثاني غير مجد لمكان جزمه بمخالفة الاستصحاب حينئذ للواقع بلحاظ ملازمة حجيته في الشريعة اللاحقة لنسخ الشريعة السابقة ، فلا يحصل له العلم الاجمالي ببقاء الشريعة السابقة اما واقعا أو استصحابا كما هو واضح.
    ( وبما ذكرنا ) ظهر ان تمسك الكتابي بالاستصحاب في مناظرته مع السيد المتبحر السيد باقر القزويني في بلدة ذي الكفل ان كان لأجل اقناع نفسه في عمله بالشريعة السابقة فما ارتكب في دعواه شططا ، واما ان كان ذلك لأجل الزامه المسلمين على التدين بدين النصرانية ، ففساده غنى عن البيان ، لما عرفت من أنهم وان كانوا مذعنين بنبوة عيسى (ع) حسب اخبار نبينا الصادق الأمين صلى الله عليه وآله بذلك وتصديقهم إياه في كل ما قال ، الا انهم عالمون بانقطاع نبوته ونسخ شريعته فلا شك لهم في ذلك


(223)
كي ينتهى المجال إلى الزامهم بالالتزام بالشريعة السابقة بمقتضى الاستصحاب المعلوم حجيته لديهم ، ( وان كان ) لا هذا ولا ذاك ، بل لأجل الزام المسلمين على إقامة الدليل على مدعاهم من الدين الجديد ، فله وجه وجيه ، الا ان مدعى بقاء الدين السابق أيضا يحتاج إلى إقامة الدليل على بقائه ، ولا يكفيه الاخذ بالاستصحاب الذي هو الوظيفة الفعلية العملية للمتحير الشاك في اثبات البقاء ، ولكن هذا المعنى خلاف ما هو المحكى عنه من قوله فعليكم كذا وكذا ، فإنه ظاهر بل صريح في أن غرضه الزام المسلمين على الاخذ بالدين السابق بالاستصحاب بمقتضى يقينهم السابق بنبوة عيسى (ع) ، ولذا أفاد السيد الجليل في جوابه في مجلس المناظرة بما هو مضمون ما ذكره الرضا (ع) في جواب جاثليق من انا نعترف بنبوة كل موسى وعيسى الخ ، وعليه عرفت ما فيه من أن الاستصحاب وظيفة عملية للشاك في البقاء والارتفاع لا للمتيقن بالارتفاع ، واليه يرجع ما افاده السيد قدس سره من الجواب في مجلس المناظرة من انا نؤمن ونعترف بنبوة كل موسى وعيسى أقر بنبوة نبينا صلى الله عليه وآله ، فكان الغرض من هذا الجواب بيان ان علمنا بنبوة الشخص الخارجي المسمى بموسى أو عيسى (ع) لا يلزمنا البقاء على شريعتهما ، لأنا كما نقطع بنبوتهما سابقا كذلك نقطع بنسخ شريعتهما ، بل وباعترافهما بنبوة نبينا صلى الله عليه وآله حسب تصديقنا النبوة للنبي الجديد صلى الله عليه وآله وتصديقنا إياه في كل ما قال الذي منها اخباره باخبارهما بمجئ نبي بعدهما اسمه احمد ، بل ووجوب البشارة عليهما لا متهما بمجئ نبينا صلى الله عليه وآله ، فكان المقصود من ذكر القيد اخذه معرفا للشخص الخارجي المسمى بموسى وعيسى كسائر معرفاته من كونه طويلا أو أسمر اللون ونحو ذلك ، لا ان المقصود اخذه منوعا قد جيئ به تضييقا لدائرة الكلى كي يتوجه عليه الاشكال بان موسى أو عيسى موجود واحد جزئي اعترف المسلمون وأهل الكتاب بنبوته ( ومن الواضح ) ان اعتراف المسلمين بنبوة هذا الشخص المبشر لا يكاد يضرهم ولا ينفع الكتابي أيضا فتدبر فيه فإنه ظاهر واضح


(224)
التنبيه الثاني عشر.
    إذا ورد عام افرادي يتضمن العموم الزماني وخرج بعض افراد العام عن الحكم بالتخصيص في بعض الأزمنة فشك في أن خروجه عنه في تمام الأزمنة أو في بعضها ، فهل المرجع بعد انقضاء الأمد المتيقن خروجه عنه هو عموم العام كما عن بعض ، أو استصحاب حكم المخصص كما عن بعض آخر ، وجهان ( وقد ) عد من ذلك قوله سبحانه أوفوا بالعقود باعتبار أدلة الخيارات كخيار الغبن ونحوه إذا شك في أنه للفور أو التراخي ( وتنقيح ) الكلام فيه يستدعى تقديم أمور.
    ( الامر الأول ) ان الزمان في دليل العام اما ان يكون قيدا للموضوع أو الحكم ، واما ان يكون ظرفا لهما ( وعلى الأول ) تارة يكون مجموع آنات الزمان لوحظ على وجه الارتباطية قيدا واحدا ، نظير العام المجموعي بحيث لو خلا آن واحد عن وجود الموضوع أو الحكم لا ارتفع الموضوع والحكم من أصله ، كما لعله من هذا القبيل باب الصوم من حيث إن حقيقة الصوم المأمور به هو الامساك المتقيد بكونه في مجموع آنات النهار من طلوع الفجر إلى الغروب من حيث المجموع بنحو يتحقق العصيان وينتفى المأمور به بخلو آن من آنات النهار عن الامساك تعمدا ( وانما قلنا ) ان منه باب الصوم احتمالا لا جزما ، لقوة احتمال عدم كونه من باب التقييد بالزمان ( بل من باب ) كونه عبارة عن مرتبة خاصة من الامساك المحدود بالحدين أوله بما يقارن الفجر وآخره بما يقارن الغروب بنحو يكون الفجر والغروب معينين للحدين وكاشفين عنها بنحو كشف اللازم عن الملزوم وكان النهار من أوله إلى آخره ملازما لتلك المرتبة من الامساك الخاص ، لا انه اخذ قيدا فيه ( وعلى كل حال ) فعلى القيدية ، اما ان يكون مجموع الأزمنة من حيث المجموع على نحو الارتباطية لوحظ قيدا


(225)
واحدا للموضوع أو الحكم ، واما ان يكون لوحظ كل آن من آنات الزمان قيدا مستقلا بنحو يتكثر الموضوع أو الحكم بتكثر آنات الزمان ويصير الموضوع الوحداني الخارجي باعتبار تكثر الآنات موضوعات متعددة يتبعها احكام عديدة نظير العام الأصولي كما لو ورد في الخطاب يجب اكرام زيد في كل زمان ، أو ان اكرام زيد واجب في كل زمان ، فان تقسيم العام إلى المجموعي والأصولي كما يجري في العموم الافرادي ، كذلك يجري في العموم الازماني ، غير أن الارتباط والاستقلال في العموم الافرادي يلاحظان بالنسبة إلى الافراد ، وفي العموم الزماني يلاحظان بالنسبة إلى اجزاء الزمان وآناته ، ومن غير فرق بين سعة دائرة الزمان بكونها ما دام العمر ، أو محدودة بالسنة أو الشهر أو اليوم ( والفرق ) بين هذين القسمين انما هو من حيث وحدة الإطاعة والمعصية وتعددهما التابع لوحدة التكليف والموضوع وتعدده.
    ( وعلى الثاني ) وهو الظرفية للموضوع أو الحكم ( فتارة ) يكون مفاد العام اثبات حكم شخص مستمر وحداني لكل فرد من افراد موضوعه المستمر على نحو غير قابل للتكثر ولو تحليلا بحيث لو انقطع هذا الشخص لم يكن الخطاب متكفلا لحكم آخر لشخص موضوعه ( وأخرى ) يكون مفاده اثبات حكم سنخي لذات كل فرد بما هي سارية في جميع الحالات والأزمان على وجه قابل للانحلال حسب القطعات المتصورة للفرد الشخصي بحسب الأحوال والأزمان إلى احكام متعددة ثابتة لكل قطعة من القطعات الموجودة للفرد الشخصي المستمر ، ومن غير نظر في تكفله لثبوت ذلك الحكم السنخي لذات كل فرد إلى كل زمان ليكون قطعات الزمان افرادا مستقلة للعام كما يقتضيه فرض اخذ الزمان قيدا للموضوع أو الحكم ( وثالثة ) يكون مفاد العام اثبات حكم سنخي لطبيعة الموضوع القابل للانطباق على كل فرد على وجه الاطلاق والسريان بالنسبة إلى الحالات والأزمان مع فرض كون الزمان في جميع هذه الفروض ظرفا بحيث لو اخذ في لسان الدليل كان لمحض الإشارة إلى أمد استمرار الحكم أو موضوعه.
    ( ومن نتائج ) هذه الفروض انه على الأول لو ورد دليل على نفي الحكم عن فرد في زمان معين فشك في ثبوت الحكم له بعد زمان التخصيص ، لا مجال للتشبث بدليل
نهاية الافكار ـ الجزء الرابع القسم الاو ::: فهرس