نهاية الافكار القسم الثاني من الجزء الرابع ::: 31 ـ 45
(31)
لكون مخالفه مدعيا ( فتسليم ) حجية هذا الأصل حينئذ واقتضائه للانقلاب المزبور ، يلازم سقوط اليد عن الا مارية ، فيترتب عليه انتزاع المال من يده وتسليمه إلى المدعى عملا بأصالة عدم الانتقال ( ومرجع ) ذلك إلى ملازمة حجية الأصل المزبور مع سقوط اليد عن الحجية بالنسبة إلى الملكية الفعلية ، لعدم امكان الجمع بينهما في الحجية ( وبذلك ) يفترق هذا الفرض المقرون بدعوى الانتقال عن الفرض السابق ، فان بنائهم على الانقلاب في هذا الفرض يستدعى حجية أصالة عدم الانتقال ( ومثله ) يلازم ارتفاع حكم اليد ، بخلاف الفرض السابق ، فإنه من جهة عدم اقتران الأصل فيه بدعوى الانتقال تبقى اليد على حجتها بالنسبة إلى الملكية الفعلية ، ولازم حجتها عدم جريان الأصل المزبور لانتفاء الشك في اثره بمقتضى حكومة اليد عليه ( الا ) إذا فرض هناك اجماع أيضا على الانقلاب وتقديم قول المدعى على قول ذي اليد في مقام تشخيص المدعى والمنكر ( ولكن ) عهدة اثباته على مدعيه ، أو يقال ان الاقرار بالملكية السابقة للمدعى اقرار له باليد الفعلية ، فينتزع منه المال وهو أيضا كما ترى ( هذا إذا كان ) الاقرار بالملكية السابقة للمدعى.
    ( وأما إذا ) كان الاقرار بالملكية السابقة لمورثه فحكمه حكم الاقرار للمدعى في أنه بانضمام دعوى الانتقال من المورث ينقلب إلى كونه مدعيا ، فينتزع المال من يده ، لا بدونه ( وذلك ) لا من جهة توهم ان الاقرار بالملكية السابقة لمن يرثه المدعى اقرار من ذي اليد لوارث المدعى ، بخيال ان الوارث بقيامه مقام مورثه يصير طرفا لإضافة الملكية القائمة بالمالك والمملوك ، وبذلك يكون الاقرار بالملكية للمورث اقرارا بها للوارث ( لوضوح ) ان مجرد الاقرار بالملكية للمورث في زمان لا يكون اقرارا للوارث فعلا ، خصوصا مع طولية ملكيته للمال لملكية مورثه له ( بل انما ) هو من جهة أصالة بقاء المال على ملك المورث وعدم انتقاله منه إلى حين موته المبتني حجتها على عدم حجية اليد من الخارج ولو للاجماع ( هذا ) إذا كان الاقرار بالملكية السابقة مع دعوى الانتقال إليه من المدعى أو من مورثه.
    ( وأما إذا ) كان الاقرار بالملكية للموصي مع كون المدعى هو الوصي أو


(32)
أو الموصى له ، ففي كونه كالاقرار للمدعى أو لمورثه فينتزع المال من يده الا باثبات الانتقال ببينة ونحوها ، اشكال ( أقواه العدم ) ( وذلك ) لا لما أفيد من أن الاقرار بالملكية للموصى كالاقرار بها لثالث أجنبي عن المدعي ، ( لا كالقرار ) بها لمورث المدعى ( بتقريب ) ان الموصى أجنبي عن الموصي له فلا يجديه اقراره بان المال كان ملكا للموصي وانتقل منه إليه ، فليس له ولا للوصي أو الولي انتزاع المال من ذي اليد بدعوى انه أوصى به إليه ( بخلاف ) الوارث فإنه يجديه الاقرار بان المال كان لمورثه ، لأنه بقيامه مقام مورثه يصير طرفا لإضافة الملكية القائمة بين المورث والمال بلا تبدل في أصل إضافة الملكية ، فيكون الاقرار للمورث اقرارا للوارث بنفس الملكية السابقة نظرا إلى بقاء الملكية السابقة بحالها ، غير أنه تبدل أحد طرفيها في قبال المعاوضات التي منها الوصية التمليكية ، فان المتبدل فيها أصل الإضافة الملكية ، حيث تنعدم شخص الإضافة الأولى القائمة بين المملوك والمالك الأول ، وتحدث إضافة أخرى بين المالك الثاني والمملوك ( إذ فيه ) بعد الاغماض عن امتناع بقاء شخص الإضافة الخاصة المتقومة بطرفيها الخاص بانعدام أحد طرفيها ( انه ) لا وجه لقياس الاعتراف للموصى بالاعتراف لثالث أجنبي ( لوضوح ) ان الاعتراف لثالث أجنبي عن المدعى ولو بالملكية الفعلية غير مجد للمدعى ( بخلاف ) الاعتراف بالملكية السابقة للموصى والانتقال منه ، فإنه يجدى الموصى له والوصي ويجديهما أيضا أصالة عدم الانتقال منه إلى ذي اليد إلى حين موته بعين ما يجدى للوارث ( ومع هذا الفرق ) كيف يصح قياس الاعتراف للموصى بالاعتراف لثالث أجنبي عن المدعى كما هو ظاهر ( بل العمدة ) في المنع عن انقلاب ذي اليد إلى كونه مدعيا في مفروض البحث هو التشبث بقاعدة اليد وعموم اماريتها وتقدمها على أصالة عدم الانتقال الا في خصوص دعوى الانتقال من المدعى أو من مورثه ( وذلك ) أيضا بمقتضى الاجماع على الاخذ بالأصل فيهما الملازم لسقوط حكم اليد من الخارج ، ( والا ) فلولا الاجماع المزبور لكانت اليد مقتضيه للاخذ بها حتى مع الاعتراف بالملكية السابقة للمدعى والانتقال منه إلى ذي اليد لحكومتها على الأصل المزبور ( وحينئذ ) فحيث انه لا اطلاق للاجماع يشمل مورد البحث لكونها لبيا ، فالقدر المتيقن منه ما عدى هذه الصورة ، ولازمه الاخذ


(33)
بعموم اليد وتقدمها على أصالة عدم الانتقال حتى في مقام تشخيص المدعى والمنكر ( وبذلك ) يندفع ما قد يتشبث به الخصم لتصحيح مطالبة الأول بالبينة من الصديقة عليها السلام في اعترافها بكون الفدك نحلة إليها من رسول الله صلى الله عليه وآله ، وانتزاعه الفدك من يدها ، للحديث المجعول عليه صلى الله عليه وآله نحن الأنبياء لا نورث الخ من دعوى ان فاطمة سلام الله عليها صارت مدعية في دعوى انتقال الفدك إليها من رسول الله صلى الله عليه وآله نحلة ، فلذلك طالبها الأول بالبينة وانتزع الفدك من يدها للحديث المجعول ، بان ما كان لرسول الله صلى الله عليه وآله في حياته يكون فيئا للمسلمين بعد وفاته ( وجه الاندفاع ) ما ذكرناه من اطلاق اليد وعموم اماريتها وتقدمها على أصالة عدم الانتقال حتى في مقام تشخيص المدعى والمنكر ، الا في خصوص دعوى الانتقال من المدعى أو من مورثه ، وذلك أيضا بمقتضى الاجماع على الانقلاب فيهما ، لا لقصور اليد عن الشمول لمورد الاقتران بدعوى الانتقال ، كما يشهد له ما في خبر الاحتجاج من محاجة علي (ع) مع الأول حينما سئل عن الزهراء عليها السلام البينة ( وعليه ) فلا يغنيهم الحديث المجعول ولا يصحح ما صنعوا مع فاطمة (ع) من مطالبة البينة منها وانتزاع الفدك من يدها (ع) مع أن انتزاع الفدك منها كان قبل دعواها النحلة ، فإنه بعد ما استقام له الامر جمع المهاجرين والأنصار وبعث إلى فدك من اخرج وكيل فاطمة منها ، وبعد ذلك جاءت فاطمة سلام الله عليها فوقع بينها وبين الأول من الاحتجاجات وكذا بين علي (ع) وبينه بما اتضح وبان مخالفتهم للكتاب والسنة ( ومع ذلك ) فقد جاءت بالشهود ، ولكنهم غضوا طرفهم عنها وعاندوا الحق فلم يقبلوا شهودها حتى جاوزوا الحد معها وأساؤا الأدب إليها بما يقرح القلوب ويفتت الأكباد ولنعم الحكم الله.
( بقى أمور )
    ( الأول ) هل يختص اعتبار اليد وأماريتها بالنسبة إلى غير صاحبها ، أو يعم حتى بالنسبة إلى ذي اليد نفسه ( فلو شك ) في أن ما بيده ملك له أو لغيره يحكم بأنه له ( فيه وجهان )


(34)
أقواهما الثاني لعموم امارية اليد في اختصاص ما في اليد لصاحبها ، فيجوز له التصرف فيما بيده وتحت استيلائه تصرف الملاك في املاكهم ( ويدل ) عليه مضافا إلى السيرة عموم التعليل في خبر حفص بن غياث باختلال السوق ونظام المعاملات الشامل لمثل الفرض ( مؤيدا ذلك ) في ذيل صحيحة جميل بن صالح عن الصادق (ع) قلت : فرجل وجد في صندوقه دينارا ، قال (ع) : يدخل أحد يده في صندوقه غيره أو يضع فيه شيئا قلت : لا قال (ع) : فهو له ، حيث يستفاد من حكمه (ع) بان ما في الصندوق له مع كونه شاكا فيه ، عموم اعتبار اليد حتى بالنسبة إلى صاحبها.
    ( الثاني ) إذا قامت البينة على عدم مالكية انسان لما في يده ، أو أقر ذو اليد بذلك فهل تسقط اليد عن الاعتبار رأسا حتى بالنسبة إلى سائر الاختصاصات ، فينتزع المال من يده ، أو ان سقوطها عن الاعتبار ممحض من جهة خصوص الاختصاص الملكي ( فيه وجهان ) أقواهما الثاني ، لعموم امارية اليد لجميع مراتب الاختصاص التي أعلاها الاختصاص الملكي ، فبالاقرار أو البينة على نفي الملكية ترفع اليد عن ظهورها في الاختصاص الملكي به ، ويؤخذ بظهورها في بقية مراتب الاختصاص ونفيها عن غيره ، نظير حجية العام المخصص في الباقي ، فإذا ادعى اختصاصه بما في يده من الجهات الاخر من إجارة أو عارية أو وكالة من صاحب المال ونحو ذلك تسمع منه الدعوى حتى في مقام تشخيص المدعي والمنكر اخذا بأمارية يده في نحو تلك الاختصاصات.
    ( الثالث ) هل اليد كما تكون امارة على ملكية ما في اليد لصاحبها ، تكون امارة أيضا على سائر إضافاته كالطهارة والنجاسة والتذكية ونحوها ، فيحكم على ما في يد المسلم بالطهارة والتذكية إذا كان من الجلود ولو مع عدم احراز معاملة ذي اليد المسلم معه معاملة الطاهر والمذكى ، بان كنا نحن ونفس اليد بما هي مع قطع النظر عن اقترانها باخبار ذي اليد بطهارته أو نجاسته أو تذكيته ، أو اقترانها بتصرفه فيه على الوجه الممنوع كونه في الميتة ( فيه اشكال ) وان كان الظاهر من بعض كلماتهم كبعض النصوص اعتبارها في الحكم بالتذكية ، كالسوق ( بل قد يقال ) ان الظاهر المستفاد من


(35)
نصوص اعتبار السوق وأماريته كونه من جهة غلبة يد المسلمين ، كقوله (ع) إذا كان الغالب عليها المسلمون الخ ، فيكون اعتباره لكونه امارة على اليد التي هي الامارة على التذكية ، لا لكونه بنفسه امارة عليها في مقابل اليد ( ولكن ) في الاستفادة المزبورة نظر ، فان الظاهر من نصوص السوق كونه بنفسه امارة على التذكية ، كما أن القدر المستفاد من نصوص الباب بعد حمل مطلقاتها على مقيدانها انما هو الحكم بتذكية ما في يد المسلم من اللحوم والجلود في صورة اقتران اليد بالتصرف فيه على الوجه الممنوع كونه في الميتة ، لا مطلقا ولو مع عدم اقترانها بما لا يليق صدوره من المسلم ( ولقد ) أجاد صاحب الجواهر فيما أفاد في المقام بقوله : ان المراد بيد المسلم التصرف فيه على الوجه الممنوع في الميتة أو اتخاذه لذلك ، وهل يكفي في الثاني مجرد كونه في يده وان احتمل انه يريد الالقاء مثلا اشكال ، أقواه العدم ، لأصالة عدم التذكية والشك في انقطاعها بذلك ، إذ ليس ما نحن فيه بعد التأمل في النصوص والفتاوى الا من جزئيات أصالة الصحة في فعل المسلم الخ ( الا ) ان يدعي استقرار السيرة المتشرعة على الحكم بتذكية ما في يد المسلم من الجلود واللحوم ولو مع تجردها عن التصرفات الممنوع كونها في الميتة ( ولكن ) الاشكال في اثبات ذلك ( نعم ) لو أخبر المسلم بتذكية ما في يده من الجلود واللحوم يسمع منه ذلك ، كما يسمع منه اخباره بطهارة ما في يده أو نجاسته ( ولكن ) ذلك من جهة قوله ، لا من جهة يده.
( المسألة الثانية )
    في قاعدة التجاوز والفراغ ، ولا اشكال في تقدمهما على الاستصحاب ( وانما الكلام ) في مقامين : ( الأول ) في وجه تقدمهما على الاستصحاب من أنه بمناط الحكومة أو التخصيص ( الثاني ) في أنهما قاعدة واحدة وان الكبرى المجعولة في إحديهما عين الكبرى المجعولة في الأخرى ، أو انهما قاعدتان مستقلتان وان الكبرى المجعولة


(36)
في إحديهما غير الكبرى المجعولة في الأخرى ( اما المقام الأول ) فقد يقال ان الوجه في تقدمهما على الاستصحاب كونه بمناط الحكومة ، بدعوى انهما من الامارات الكاشفة عن الواقع ، كاليد والسوق ونحوهما ( لان الغالب ) عند تعلق الإرادة بالفعل المركب من الاجزاء الجري على وفق الإرادة باتيان كل جزء من اجزائه وشرائطه في محالها بحسب القصد الاجمالي المتحقق في أول الشروع في المركب وان لم يلتفت تفصيلا إلي الجزء في محله عند الاتيان به ولم يتعلق القصد به كذلك ، وان الشارع قد اعتبر هذه الغلبة بما في بعض نصوص الباب من التعليل بقوله هو حين يتوضأ أذكر ( فإذا ) كانت القاعدة من الامارات الكاشفة عن وقوع الفعل المشكوك فيه في الخارج ، تكون حاكمة على أصالة عدم وقوع الفعل المشكوك فيه ( وفيه ) ان الغلبة وان كانت مسلمة ، لكن مجرد ذلك لا يقتضي صيرورتها من الامارات ما لم يحرز اعتبار الشارع إياها من جهة تتميم كشفها ( واستفادة ) ذلك من اخبار الباب ممنوعة ( بل المستفاد ) من الاخبار المأخوذ في موضوعها الشك خلاف ذلك ( فان ) قوله (ع) إذا خرجت من شيء ودخلت في غيره فشكك ليس بشيء ، وقوله (ع) كل شيء شك فيه وقد جاوزه فليمض عليه ، وكذا الاخبار الاخر ، تنادي بالغاء جهة الكشف المزبور لظهورها ، في عدم جعل الشك الموجود مانعا عن المضي في العمل ، لا في الغاء الشك وتتميم كشفها ( وبذلك ) تكون الاخبار ظاهرة في كون القاعدة من الأصول العملية المضروبة في ظرف الشك ، لا من الامارات ، الكاشفة عن الواقع ( فما ورد ) من التعليل بالأذكرية في بعض النصوص حينئذ محمول على بيان حكمة الجعل والتشريع ، بقرينة ما عرفت من الاخبار الظاهرة في كونها في مقام التعبد بوجود المشكوك فيه أو صحته في ظرف الشك ، لمكان أظهرية تلك النصوص في أصلية القاعدة من التعليل بالأذكرية في اماريتها ( ولا أقل ) من تصادم الظهورين ، فيجري حكم الأصلية عليها ( ومعه ) لا مجال لتقديمها على الاستصحاب بمناط الحكومة ( واما توهم ) حكومتها على الاستصحاب ولو على الأصلية ، بدعوى مسببية الشك في بقاء الحالة السابقة في الاستصحاب


(37)
عن الشك في حدوث ما يوجب رفع الحالة السابقة ، ومؤدى القاعدة بعد أن كان هو البناء على حدوث ما يكون رافعا للحالة السابقة ، رافعة لموضوع الاستصحاب ( فمدفوع ) بمنع السببية والمسببية بينهما ( كيف ) وان بقاء عدم الشيء مع حدوث وجوده الطارد لبقاء عدمه من النقيضين المحفوظين في مرتبة واحدة. ومعه أين يمكن دعوى السببية والمسببية بينهما حتى تكون القاعدة حاكمة على الاستصحاب ورافعه لموضوعه ( فالأولى ) حينئذ في وجه الحكومة ان يقال ان القاعدة لما كانت ناظرة إلى نفى الشك وانه ليس بشيء في المنع عن الجري العملي على وفق احتمال الوجود في الاستصحاب تقتضي رفع الشك المأخوذ في موضوع الاستصحاب ، فتكون حاكمة عليه بخلاف الاستصحاب إذ هو لم يكن ناظرا الا إلى اثبات المتيقن أو اليقين في ظرف الشك بلا نظر منه إلى نفي الشك فتكون القاعدة من هذه الجهة نظير أدلة النافية للشك في كثير الشك ، ولشك كل من الإمام والمأموم مع حفظ الآخرة ، بالنسبة إلى أدلة الشكوك الدالة على البناء على الأكثر في الشكوك الصحيحة ، وعلى البطلان في صلاة الصبح والمغرب وفي الأوليين من الرباعية ، في أنها من جهة تكفلها لنفي الشك وكونه ليس بشيء تكون حاكمة على الاستصحاب ، وان لم تكن ناظرة إلى تتميم الكشف لتصير امارة كما هو مبنى الوجه الأول ( ومع الاغماض ) عن ذلك لا محيص في تقديمها على الاستصحاب بكونه بمناط التخصيص ( اما للاجماع ) ، واما من جهة ورود القاعدة في مورد الاستصحاب ( فإنه ) لولا تقديمها عليه يلزم لغوية جعلها ( لأنه ) ما من مورد تجري فيه القاعدة الا ويجري فيه الاستصحاب.
    واما المقام الثاني
    فقد اختلف كلماتهم في أن ما يسمى بقاعدة التجاوز والفراغ قاعدة واحدة عامة لموارد الشك في الشيء بعد التجاوز عن المحل ، والشك في صحته بعد الفراغ عن العمل ، وان الكبرى المجعولة فيهما كبرى واحدة ( أو انهما ) قاعدتان مستقلتان غير مرتبطة إحديهما بالأخرى ولا يجمعهما جامع واحد ، ظاهر كلام الشيخ قدس سره وتبعه غير


(38)
واحد من الاعلام ( الأول ) حيث ارجع الشك في صحة المأتى به إلى الشك في وجود الصحيح وجعل الجامع بينهما الشك في الوجود ( بدعوى ) ان الشك في قاعدة التجاوز متعلق بوجود الشيء ، وفي قاعدة الفراغ بوجود الصحيح الراجع إلى الشك في وجود العمل بتمام اجزائه وشرائطه ، فالجامع بينهما هو الشك في وجود الشيء بمفاد كان التامة ، وان الكبرى المجعولة في موردهما كبرى واحدة وهي التعبد بوجود ما شك في وجوده بعد التجاوز عنه ، سواء كان الشك في أصل وجوده ، أو في صحته وتماميته ( لان ) الشك في الصحة راجع إلى الشك قي وجود الصحيح ( ولكن التحقيق ) وفاقا لغير واحد من المحققين ، هو الثاني ( وتنقيح ) البحث يحتاج إلى التكلم في موردين ( أحدهما ) في امكان جامع قريب بين مفاد القاعدتين ثبوتا ( وثانيهما ) فيما تقتضيه اخبار الباب من الدلالة على الوحدة أو التعدد اثباتا ( اما المورد الأول ) فتوضيح المقال فيه هو ان الشك في الشيء يتصور على وجوه ( فان ) الشك تارة يكون متعلقا بالشيء بنحو مفاد كان التامة ( وأخرى ) يكون متعلقا باتصاف الشيء بوصف عنواني بنحو مفاد كان الناقصة ، كالشك في اتصاف الشيء المفروغ وجوده بالصحة والتمامية ( وعلى الأول ) تارة يكون تعلق الشك في الشيء بمفاد كان التامة بلحاظ الشك في أصل وجوده ( وأخرى ) بلحاظ الشك في بعض ما اعتبر فيه من القيود ، كالشك في وجود الصحيح ( فان ) الشك في قيد الشيء شك في وجود المقيد بنحو مفاد كان التامة ( ولا يخفى ) كمال التباين بين المفاهيم الثلاثة ، كالتباين بين الشك في أصل وجود الشيء أو وجوده التام ، وبين الشك في صحة الموجود وتماميته بمفاد كان الناقصة ، بنحو لا يجمعهما جامع قريب حتى يصح ارادتهما من لفظ واحد ، بلحاظ اقتضاء النسبة في مفاد كان الناقصة مفروغية تحقق ذات الشيء في الخارج ولو تصورا ، وعدم اقتضائها لذلك في مفاد كان التامة ( وحينئذ ) نقول : ان الشك في قاعدة التجاوز بعد ما كان متعلقا بأصل وجود الشيء ، وفي قاعدة الفراغ بصحة الموجود ، نظير الشك في وجود الكر والشك في كرية الموجود ، فلا يتصور بينهما جامع قريب ثبوتا حتى يمكن ارادتهما من لفظ واحد ( ولا مجال ) لارجاع الشك في صحة الموجود إلى الشك في


(39)
وجود الصحيح أو التام ( إذ فرق ) واضح بين الشك في وجود الصحيح ، وبين الشك في صحة الموجود ( ومجرد ) كون منشأ الشك في وجود الصحيح هو الشك في بعض ما اعتبر فيه ، لا يخرجه عن الشك في الشيء بمفاد كان التامة إلى الشك في صحة الموجود الذي هو مفاد كان الناقصة ( وان كان ) يلازمه خارجا ، نظير ملازمة الشك في وجود الكر مع كرية الموجود ( وحينئذ ) فإذا كان المهم في قاعدة التجاوز اثبات أصل وجود ، الشيء وفي قاعدة الفراغ اثبات صحة الموجود المفروغ الوجود بمفاد كان الناقصة ، لا اثبات وجود الصحيح بمفاد كان التامة ( فلا مجال ) لارجاع أحد المفادين إلى الاخر ، ولا لترتيب اثر المترتب على صحة الموجود ، باثبات الوجود الصحيح بمحض ملازمة أحد المفادين مع الآخر واتحادهما بحسب المنشأ ، لأنه من المثبت المرفوض عندهم ( ولذا ) لا يحكمون بترتيب آثار كرية الموجود باستصحاب وجود الكر وبالعكس ( واما توهم ) كفاية مجرد اثبات وجود الصلاة الصحيح في فراغ الذمة وخروج المكلف عن العهدة بلا احتياج إلى اثبات صحة المأتى به ( فمدفوع ) بان كثيرا ما تمس الحاجة إلى اثبات صحة الموجود بمفاد كان الناقصة ، كما في قضاء السجدة وسجدتي السهو ونحوهما مما اخذ في موضوعها صحة الموجود ، لا مجرد وجود الصحيح ( إذ في نحو ) هذه الآثار لا يكفي مجرد اثبات وجود الصحيح في ترتبها ( مع ) ان قاعدة الصحة تعم الوضعيات أيضا من العقود والايقاعات التي لا بد فيها من اثبات صحة العقد أو الايقاع في ترتيب آثارهما ، ولا يكفي في ترتبها مجرد اثبات وجود الصحيح بمفاد كان التامة ( مع أنه ) لا يتم فيما لو كان الشك في الصحة من جهة الشك في فقد الترتيب أو الموالاة مثلا لا من جهة الشك في فقد الجزء ( فإنه ) من جهة انصراف الشيء عرفا عن مثل هذه الإضافات إلى ما كان له وجود مستقل ، لا يصدق على الكل انه شيء مشكوك ( لأنه ) بما هو شيء بلحاظ اجزائه مقطوع الوجود والتحقق ، وبلحاظ الترتيب والموالاة لا يصدق عليه الشيء عرفا ، فما منه يكون الكل شيئا عرفا لا يكون مشكوكا ، وما منه يكون مشكوكا لا يكون شيئا ، فلا يمكن تصحيح الصلاة الا باثبات صحة الموجود ( نعم ) لو اغمض عما ذكرنا لا مجال


(40)
للاشكال على الشيخ قدس سره بما في التقرير من أن العنوانين وان كان يجمعهما جامع قريب وهو الشك في الوجود بمفاد كان التامة ( ولكن ) لا يمكن ان يعمهما لفظ الشيء في قوله (ع) انما الشك في شيء لم تجزه ( بتقريب ) ان متعلق الشك في قاعدة التجاوز انما هو اجزاء المركب ، وفي قاعدة الفراغ يكون المتعلق نفس الكل والمركب بما له من الوحدة الاعتبارية ، ولا يمكن ارادتهما من لفظ الشيء ( لان ) لحاظ الجزء شيئا بحيال ذاته انما يكون في المرتبة السابقة على تأليف المركب ، لان في مرتبة تأليف المركب لا يكون الجزء شيئا بحيال ذاته في مقابل الكل ، بل شيئية الجزء تندك في شيئية الكل ، ويكون لحاظه تبعيا ( ففي مرتبة ) لحاظ الكل لا يمكن لحاظ الجزء شيئا آخرا مستقلا ، لان الكل ليس الا الاجزاء بالأسر ( فلا يمكن ) ان يراد من لفظ الشيء في الرواية ما يعم الكل والجزء ( بل ) اما ان يراد منه الجزء فتختص الرواية بقاعدة التجاوز ، واما ان يراد منه الكل ، فتختص بقاعدة الفراغ ( وحاصل ) الاشكال هو ان في قاعدة التجاوز يكون الجزء ملحوظا استقلاليا فيحتاج إلى لحاظه بما هو شيء في حيال ذاته ، وفى قاعدة الفراغ يكون الجزء ملحوظا تبعيا بتبع لحاظ لكل ، وإرادتهما من لفظ الشيء مستلزم لاجتماع اللحاظين في الجزء وهو محال ( فلا بد ) من أن يراد من الشيء في الرواية ، اما خصوص قاعدة التجاوز ، أو خصوص قاعدة الفراغ ( إذ فيه ) ان الاشكال انما يرد في فرض إرادة الكل من الشيء وإرادة جزئه منه بحيث استعمل الشيء فيهما ( واما ) لو أريد من الشيء في الرواية معناه الكلي العام الجامع بين المصاديق ، ومن اطلاقه في مقام التطبيق شموله لأي مصداق منه ، بلا لحاظ خصوصية كل ولا جزء ، فلا يتوجه الاشكال المزبور ( إذ لا قصور ) حينئذ في شمول اطلاق الشيء لكل من عنوان المركب وجزئه ، فيمكن الجمع بين قاعدة التجاوز والفراغ بمثل هذه الرواية بناء على ارجاع الشك في صحة الشيء وتماميته إلى الشك في الوجود التام ، بدعوى عموم الشيء لكل من المركب وجزئه ( لا يقال ) على ذلك لم لا تلتزم بالجامع بين مفاد كان التامة ، ومفاد كان الناقصة الذي هو مؤدى قاعدة الفراغ ، فإنه على التقريب المزبور لا قصور في شمول اطلاق الشيء لكل من المفادين ( فإنه يقال ) نعم وان أمكن ذلك ، ولكن


(41)
مع عدم كونه من الجامع القريب ، مبني على مقدمة ممنوعة ، وهي صدق الشيء عرفا على حيثية الربط التي هي من الإضافات ( والا فبناء ) على انصرافه إلى ما يكون له وجود مستقل بنظر العرف ، فلا يشملهما عموم الشيء أو اطلاقه ( ولذا ) ترى بناء الشيخ وغيره على انصرافه عما هو أعظم من ذلك كالترتيب والموالاة المعتبرة بين الاجزاء والكلمات ، بل واجزاء الكلام الواحد كالباء من البسملة والميم منها ونحو ذلك ( ومن هنا ) استشكل الشيخ قدس سره في جريان قاعدة الشك في الوجود في فرض كون الشك في وجود الكل والمركب من جهة الشك في فقد الموالاة والترتيب كما أشرنا إليه آنفا ( ثم انه ) بما ذكرنا يندفع الاشكال الآخر على الشيخ قدس سره من جهة التجاوز ( بتقريب ) ان التجاوز في قاعدة التجاوز انما يكون بالتجاوز عن محل الجزء المشكوك فيه ، وفي قاعدة الفراغ يكون بالتجاوز عن نفس الكل والمركب لا عن محله ، فيلزم على القول باتحاد القاعدتين استعمال التجاوز في المعنيين وهو باطل ( إذ فيه ) انه يمكن ان يكون التجاوز استعمل في معنى واحد وهو التجاوز عن نفس الشيء المشكوك فيه ، وان التجاوز عن محل المشكوك فيه عناية وادعاء تجاوز عن نفس الشيء ( غير أنه ) أريد في مقام التطبيق بدالين مصداقه الحقيقي والادعائي كل بدال خاص ، وهو غير استعماله في المعنى الحقيقي والادعائي ( كما أنه ) يندفع عنه اشكال ثالث وهو ان متعلق الشك في قاعدة التجاوز هو نفس الجزء ، واما في قاعدة الفراغ فمتعلق الشك فيها ليس وجود الكل ، بل هو ظرف للشك فلا يمكن ان يجمعهما كبرى واحدة ( إذ فيه ) ان مجرد كون المركب في الحقيقة ظرفا للشك لا يمنع عن صدق الشك فيه ( وبعد ) تسليم كون الجامع بين المفادين الشك في وجود الشيء بمفاد كان التامة ، فلا قصور في عموم الشيء لكل من الشك في وجود الجزء كالركوع والشك في الكل بما هو كل ( فالعمدة ) حينئذ في الاشكال ما ذكرناه من تغاير القاعدتين على نحو لا يجمعهما كبرى واحدة ، لتغاير متعلق الشك فيهما من كونه في قاعدة التجاوز أصل وجود الشيء بمفاد كان التامة ، وفي قاعدة الفراغ صحة الموجود بمفاد كان الناقصة ( فان ) هذين المفادين من جهة تغايرهما لا يجمعهما جامع وحداني قريب ( نعم ) بين الشك في أصل الشيء أو


(42)
في وجوده التام يتصور جامع قريب وهو الشك في وجود الشيء بمفاد كان التامة ، ولكنه غير مرتبط بالشك في صحة الشيء الذي هو مفاد قاعدة الفراغ كما هو ظاهر واضح.
    ( المورد الثاني ) في أن المستفاد من الأخبار الواردة في المقام هل هو قاعدة واحدة ، وهي حكم الشك في الوجود بمفاد كان التامة ( أو ان المستفاد ) منها قاعدتان ( إحديهما ) حكم الشك في الوجود ( والأخرى ) حكم الشك في صحة الموجود بنحو مفاد كان الناقصة المعبر عنها بقاعدة الفراغ ( فنقول ) وبه نستعين ، اعلم أن العمومات الواردة في المقام على طائفتين ( إحديهما ) ما يكون بلسان انه إذا شككت في الشيء بعد الدخول في غيره فشكك ليس بشيء ( والأخرى ) بلسان ان كل شيء شك فيه مما قد مضى فامضه كما هو ( اما الطائفة الأولى ) فمنها ما رواه زرارة في الصحيح عن أبي عبد الله (ع) وفيه يا زرارة إذا خرجت من شيء ودخلت في غيره فشكك ليس بشيء ( ومنها ) رواية إسماعيل بن جابر قال قال أبو عبد الله (ع) : ان شك في الركوع بعد ما سجد فليمض وان شك في السجود بعد ما قام فليمض ، كل شيء شك فيه وقد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه ( ومنها ) قوله (ع) في موثقة ابن أبي يعفور : إذا شككت في شيء من الوضوء ودخلت في غيره فشكك ليس بشيء انما الشك في شيء لم تجزه ( ومنها ) رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) رجل شك بعدما سجد انه لم يركع قال (ع) يمضي في صلاته حتى يستيقن ( ولا يخفى ) ان هذه الطائفة في غاية الظهور في كونها في مقام ضرب القاعدة الكلية للشك المتعلق بأصل وجود الشيء بمفاد كان التامة ، لظهور الشك فيها في الشك المتعلق بأصل وجود الشيء خصوصا بملاحظة تصدرها بالأسئلة المزبورة ( ومع ) قوة ظهورها في ذلك لا يبقى مجال معارضة هذه الجهة بظهور قد جاوزه في التجاوز عن نفس الشيء لا عن محله ( إذ لا بأس ) بارتكاب العناية في المضي عن الشيء والتجاوز عنه بمضي محله بعد مساعدة العرف على اعتبار التجاوز عن الشيء بلحاظ التجاوز عن محله خصوصا بقرينة الفقرات المذكورة في الأسئلة في صدرها ( نعم لولا ) الروايتان المصدرتان بالأسئلة المزبورة ، لا مكن حمل الشك فيهما على الشك في وجود المركب التام بلحاظ الشك في بعض ما يعتبر


(43)
فيه شطر أو شرطا ( لان ) الشك في الشيء يشمل مثل الشك في وجود المركب التام ، بضميمه ابقاء التجاوز عن الشيء على معناه الحقيقي ( ولكن ) مع وجود هذا الصدر ، لا يبقى مجال لهذا المعنى ( لان ) مقتضى الصدر هو كون إضافة التجاوز إليه مسامحيا ، بخلاف هذا المعنى ، فإنه مستتبع لكون الإضافة المزبورة حقيقيا ( وبذلك ) يمكن دعوى عدم امكان استفادة الجامع بين الشك في أصل وجود الشيء ، والشك فيه بلحاظ بعض ما اعتبر فيه المعبر عنه بالشك في وجود الصحيح أو التام ، نظرا إلى أوله إلى اجتماع اللحاظين في إضافة التجاوز إليه ( فلا بد ) حينئذ من حمل الروايتين على خصوص الشك في أصل وجود الشيء بمفاد كان التامة.
    ( واما الطائفة الثانية ) من العمومات ( فمنها ) قوله (ع) في موثقة ابن مسلم : كلما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو ( ومنها ) قوله (ع) في موثقة أخرى له : كلما مضى من صلاتك وطهورك ، فامضه كما هو وبهذا المضمون ما ورد في الموارد الخاصة من نحو قوله (ع) : في من شك في الوضوء بعد ما فرغ هو حين يتوضأ أذكر ( وهاتان ) الموثقتان بصدرهما وان يلائم مع الشك في الوجود بمفاد كان التامة اما رأسا أو بلحاظ بعض ما يعتبر فيه ( ولكن ) بملاحظة التوصيف الوارد في ذيلهما بكونه مما قد مضى فامضه كما هو ، في غاية الظهور بل الصراحة في أن المشكوك فيه هو صحة الشيء بمفاد كان الناقصة الذي هو مفاد قاعدة الفراغ ( خصوصا ) قوله فامضه كما هو ، فإنه كالصريح في إرادة المضي عليه كما ينبغي ان يقع عليه من الصحة والتمامية ( ومن الواضح ) ان ذلك لا يكون الا إذا كان الشك في اتصاف الشيء بالصحة بمفاد كان الناقصة ( بل إن ) لوحظ ظهور المضي والتجاوز فيهما في التجاوز عن نفس المشكوك فيه لا عن محله ، ترى كونه قرينة أخرى على صرف ظهور الصدر عن الشك في وجود الشيء إلى الشك في صحة الموجود ، لملازمة التجاوز عن الشيء لمفروغية أصل وجوده ( وحينئذ ) أقول انه بعد تباين كل طائفة من حيث المفاد والمدلول مع الطائفة الأخرى ( لا مجال ) لاتعاب النفس في مفاد هذه الأخبار بارجاع الجميع إلى مفاد واحد وهو بيان حكم الشك في الشيء بمفاد كان التامة بارجاع الطائفة الثانية إلى بيان


(44)
حكم الشك في وجود الصحيح ( كما افاده الشيخ قدس سره ) مع اعترافه بظهور هذه الطائفة من جهتين في بيان حكم الشك في صحة الشيء بمفاد كان الناقصة ، خصوصا مع اباء كل من الطائفتين عن الحمل على بيان حكم الشك في الوجود التام بلحاظ الشك في وجود بعض ما اعتبر فيه شطرا أو شرطا ( إذ لا داعي ) لارتكاب هذا التعويل في مفاد تلك الأخبار بعد ظهور كل طائفة في معنى غير ما يظهر من الأخرى ( بل يؤخذ ) بظهور كل طائفة فيما يقتضيه من المدلول ، ويستفاد منهما قاعدتان مستقلتان ( إحديهما ) متكفلة لبيان حكم الشك في الشيء بمفاد كان التامة المعبر عنها بقاعدة التجاوز ( والأخرى ) لبيان حكم الشك في صحة الشيء وتماميته بمفاد كان الناقصة المعبر عنها بقاعدة الفراغ ( مع المصير ) إلى اعتبار الدخول في الغير في الأولى ، دون الثانية ( بلا وقوع ) معارضة بين الاخبار من هذه الجهة ، كي ينتهى الامر إلى اعمال قاعدة الاطلاق والتقييد بحمل المطلق منها على المقيد ( إذ لمعارضة ) انما تكون في فرض اتحاد القاعدتين واستفادة كبرى واحدة من مفاد تلك العمومات وهي حكم الشك في الشيء بمفاد كان التامة ( والا ) فبناء على تعدد القاعدة وتعدد الكبرى المستفادة منها ( فلا تعارض ) بين الاخبار من هذه الجهة ( لان ) ما كان منها متكفلا لاعتبار الدخول في الغير في الحكم بالمضي انما هو صحيحة زرارة ، وموثقة ابن أبي يعفور ، ورواية إسماعيل بن جابر ( وهذه ) الطائفة متمحضة في الاختصاص بكبرى قاعدة التجاوز ( وما كان ) منها غير متكفل لاعتبار هذا القيد انما هو موثقتا محمد ابن مسلم وموردهما انما هو الشك في صحة الشيء وتماميته الذي هو مفاد قاعدة الفراغ ، لا الشك في أصل وجود الشيء ، أو في وجود الصحيح بمفاد كان التامة ( ومع ) تغاير المفاد في هذه الأخبار من حيث تمحض بعضها في قاعدة التجاوز ، وتمحض بعضها بقاعدة الفراغ ، أين يبقى مجال توهم المعارضة بينها من جهة اعتبار هذا القيد ، كي يحتاج إلى اعمال قاعدة الاطلاق والتقييد بحمل المطلق منها على المقيد ( ولعمري ) ان المنشأ كله لهذه التكلفات انما هو لا جل مصير مثل الشيخ قدس سره إلى اتحاد القاعدتين ووحدة الكبرى المجعولة فيهما بارجاعه المختلفات من الاخبار إلى مفاد واحد وبيان


(45)
كبرى واحدة وهي حكم الشك في الشيء بمفاد كان التامة الذي هو الجامع بين الشك في أصل الوجود والشك في الوجود التام ( والا ) فبناء على الاخذ بما يقتضيه ظواهر تلك الأخبار من تعدد القاعدة وتمحض بعضها في قاعدة التجاوز ، وبعضها ، بقاعدة الفراغ ، لا يبقى مجال لهذه التكلفات ، ولا لالقاء المعارضة بين مفاد الاخبار كما هو ظاهر واضح ( واما توهم ) ان وحدة السياق في تلك الأخبار يقتضى حمل الجميع على معنى واحد وبيان كبرى واحدة وهي حكم الشك في الشيء بمفاد كان التامة الجامع بين الشك في أصل وجود الشيء ، والشك في الوجود التام ( فكلام ظاهري ) بالنسبة إلى الاخبار المستقلة المنفصلة بعضها عن بعض المختلفة مفادا من كونه في كل واحد معنى غير ما يظهر من الآخر ( إذ في مثله ) لا مجال لتوهم وحدة السياق بينها كي تقتضي ارجاع تلك المختلقات مضمونا إلى معنى واحد ( فالتحقيق ) في المقام هو ان المستفاد من اخبار الباب قاعدتان ( إحديهما ) قاعدة الشك في الشيء بمفاد كان التامة بعد خروج وقته وتجاوز محله المعبر عنها بقاعدة التجاوز ( والثانية ) قاعدة الشك في صحة الشيء بمفاد كان الناقصة المعبر عنها بقاعدة الفراغ ( واما ) قاعدة الشك في وجود العمل الصحيح بمفاد كان التامة ، فلا يستفاد من اخبار الباب ، ولا يكون له في شيء منها عين ولا أثر ( ثم إن هاتين ) القاعدتين متصادقتان بعد الفراغ عن مركب شك في صحته من جهة الشك في وجود بعض اجزائه مما تجاوز محله فيما عدى الجزء الأخير ، فإنه بالنسبة إلى الجزء المشكوك وجوده ، يكون مورد للقاعدة الأولى ، وبالنسبة إلى نفس العمل المركب الذي شك في صحته ، يكون مورد للقاعدة الثانية ( وتفترق ) الأولى عن الثانية ، فيما لو شك في وجود جزء من اجزاء العمل المركب بعد تجاوز محله وقبل الفراغ عن العمل ، كالشك في الركوع بعد ما سجد ( كما أنه ) تفترق الثانية عن الأولى فيما لو شك بعد الفراغ عن العمل في صحته من جهة الشك في بعض ما اعتبر في صحته كالترتيب والموالاة ونحوهما مما ليس له وجود مستقل يصدق عليه الشئ.
    ( ثم انه ) مما يترتب على اتحاد القاعدتين وتعددهما ، انه لو علم بفوت سجدة واحدة
نهاية الافكار القسم الثاني من الجزء الرابع ::: فهرس