نهاية الافكار القسم الثاني من الجزء الرابع ::: 91 ـ 105
(91)
    ( الامر السادس ) قد عرفت ان مقتضى هذا الأصل ترتيب الشاك الحامل جميع الآثار الثابتة للفعل الصحيح التي لها مساس به ( فلو صلى ) شخص على ميت وشك في صحتها تحمل على الصحيح ويسقط عنه الصلاة عليه ، وكذا لو آجر شخصا لتطهير ثوبه ، فغسله وشك في صحته من جهة الشك في بعض شروطه من اطلاق الماء أو وروده على النجاسة ونحو ذلك حكم بطهارته بعد احراز الغسل العرفي ، من غير فرق في ذلك بين العناوين القصدية وغيرها ( نعم ، في العناوين القصدية كعنوان الصلاة يحتاج في جريان أصالة الصحة إلى احراز القصد المقوم للعنوان أيضا ، ولا يكتفى في الحكم بالصحة بصرف احراز ذات العمل مع الشك في تعنونه بالعنوان الذي ترتب عليه الأثر أو تعلق به الامر ( وإذا كان ) العمل من الأعمال النيابية كالصلاة عن الميت ، والحج عن العاجز ( لا بد ) في الحكم بالصحة وترتيب الأثر من استحقاق العامل الأجير للأجرة ، وتفريغ ذمة المنوب عنه زائدا عن احراز العمل المعنون من احراز وقوعه من الفاعل النائب على وجه النيابة عن المنوب عنه ، اما بالوجدان أو بالبينة أو باخبار الفاعل اما مطلقا ، أو بشرط عدالته على ما يأتي تفصيله ( فإذا ) أحرز صدور العمل من النائب على وجه النيابة وتفريغ الذمة عن الغير المكلف بالعمل أو لا وبالذات ، كالحج عن العاجز والصلاة عن الميت ، وشك في صحته لأجل احتمال اخلاله ببعض ما يعتبر في صحته ، يحمل على الصحيح ، ويترتب عليه جميع ما له من الآثار.
    ( ولكن ) الذي يظهر من الشيخ ( قده ) هو الاشكال في الحكم بالصحة في تفريغ ذمة المنوب عنه ولو مع احراز قصد الفاعل بعمله تفريغ ذمة المنوب عنه ( ومحصل ) ما افاده قده هو ان لفعل النائب حيثيتين ( الأولى ) كونه فعلا من أفعال النائب ، وبهذا الاعتبار يترتب عليه آثار صدور الفعل الصحيح منه ، كاستحقاقه للأجرة وجواز استيجاره ثانيا ( الثانية ) كونه فعلا للمنوب عنه عرضا لكونه بمنزلة الفاعل بالتسبيب ، فكان الفعل الصادر منه بعد قصد النيابة قائما بالمنوب عنه ، وبهذا الاعتبار يترتب عليه تفريغ ذمة المنوب عنه وعدم وجوب الاستيجار عليه ثانيا ( والصحة ) من الحيثية الأولى لا يستلزم الصحة من الحيثية الثانية لأنه من هذه الحثيثة


(92)
فعل من الافعال القائمة بالمنوب عنه والشاك الحامل لا من أفعال الصادر من الغير ( فأصالة الصحة ) فيه بما هو فعل من أفعال الغير ، لا يثبت الصحة بما هو فعل من أفعال المنوب عنه ( فيجب ) التفكيك بين اثرى الفعل من الجهتين ، فيحكم باستحقاق النائب الأجير للأجرة ، وعدم تفريغ ذمة المنوب عنه.
    ( وفيه ما لا يخفى ) فان الصحة من الجهة الثانية انما هي من آثار الصحة من الجهة الأولى ( لوضوح ) ان الفعل الواحد الصادر من الغير بعنوان النيابة عن المنوب عنه إذا كان صحيحا تعبدا ، فهذا الصحيح بعينه هو المنسوب إلى المنوب عنه بنحو من الانتساب ، فكيف لا يكون مبرء للذمة ( إذ لا معنى ) لحكم الشارع البناء على صحة فعل النائب من حيث النيابة عن الغير ولاستحقاق الأجرة عليه بهذا العنوان ، الا البناء على تفريغ ذمة المنوب عنه ( واما حكم ) المشهور باعتبار العدالة في النائب عن الحي والميت ( فليس ) من جهة عدم كفاية صحة التعبدية في فعل النائب من حيث النيابة للصحة من جهة براءة ذمة المنوب عنه ( بل انما ) هو من جهة احراز صدور الفعل على وجه النيابة ، بلحاظ اقتضاء العدالة للوثوق بصدور العمل النيابي عنه ( والا ) فمع احراز صدوره على وجه النيابة عن الغير ، اما بالوجدان ، أو بغيره من الامارات المعتبرة ، لا يظن بأحد منهم التشكيك في اقتضاء الصحة من الجهة الأولى للصحة من الجهة الثانية ( مضافا ) إلى منع كون الفعل الصادر عن النائب بعنوان النيابة عن الغير من قبيل الفعل بالتسبيب أو الآلة بالنسبة إلى المنوب عنه بحيث يصاف ويستند إليه باسناد حقيقي ( إذ نقول ) انه ليس لفعل النائب حتى بمعناه الاسم المصدر الا إضافة واحدة وقيام واحد بالفاعل المباشر دون المنوب عنه « وان » ما يقع عن المنوب عنه انما هو اثره من تفريغ ذمته وتخضعه للمولى وتقربه إليه كما يقع نظيره في الخضوعات العرفية من نحو تقبيل اليد وغيره ( فإنه ) بايجاد ما هو آلة الخضوع عن الغير ، يقع الخضوع لذلك الغير مع رضائه به بلا احتياج إلى امره بذلك ، بخلاف باب التسبيب ، فإنه يحتاج فيه إلى امر من الآمر بالايجاد ولا يكفيه صرف رضائه بفعله « فخضوع » المنوب عنه وتقربه إلى المولى وتفريغ


(93)
ذمته انما يكون من آثار فعل النائب بايجاد ما هو آلة الخضوع ووظائف العبودية عن قبله ، كما أن من آثاره في فرض الاستيجار عليه استحقاق النائب الأجرة عليه ، لا انها من آثار إضافة فعل النائب إليه وقيامه به ولو بمعناه ، الاسم المصدر ، لما عرفت من أنه ليس له الا إضافة واحدة قائمة بالنائب ، لا ان له إضافتين ، إضافة إلى النائب وإضافة إلى المنوب عنه « وما يرى » أحيانا من انتساب العمل واسناده إلى المنوب عنه « فإنما » هو بنحو من العناية ، لا انه باسناد حقيقي كما في التسبيبيات « وحينئذ » فإذا كان العمل الصادر من النائب بعنوان النيابة عن الغير وتفريغ ذمته محكوما بالصحة ، يترتب عليه لا محالة ، كلا الاثرين من استحقاق العامل للأجرة وبرائة ذمة المنوب عنه.
    ( بقى الكلام ) فيما يحرز به موضوع الأثر ( فنقول ) اما في العناوين غير القصدية ، كتطهير الثوب وإزالة الخبث عنه ، فلا اشكال في أنه يكتفى في جريان أصالة الصحة مجرد احرازها بصورتها ( فإذا ) شوهد من يأتي بصورة الغسل المزيل عرفا للخبث وشك في كونه مزيلا شرعا لاحتمال الاختلال ببعض شروطه ، يحمل على الصحيح ويترتب عليه اثره ( واما في العناوين القصدية ) ، كالعبادات والمعاملات من العقود والايقاعات المتقومة بالقصد ( فالظاهر ) كفاية احراز عناوينها بصورتها أيضا في الحمل على الصحة ، ولا يعتنى باحتمال كونها مجرد صورة قصد بها التعود أو غيره من الدواعي العقلائية ( ولذا ) لا يتوقف أحد في الاخبار عمن شوهد كونه متلبسا بصورة هذه الأعمال من صلاة أو زيارة ، أو نسك ، بأنه يصلى ويزور ( فلو شوهد ) من يأتي بصورة الصلاة على ميت وشك في صحتها من جهة احتمال كونها مجرد صورة قصد بها التعليم ، يحمل على كونها صلاة فيسقط عنه التكليف بالصلاة عليه ( وكذا ) من يأتي بصورة عقد في مقام المعاملة من بيع ونحوه ، حيث يحمل على كونه صادرا عن قصد التسبب به إلى المعاملة بحيث يقدم قول من يدعي الصحة إذا تنازعا في صحة العقد وفساده لأجل التنازع في القصد وعدمه ( والعمدة ) في ذلك هي السيرة العرفية وبرهان اختلال النظام ( حيث إنهما ) يقضيان بالحمل على الصحيح


(94)
في نحو هذه الأمور من حيث اقترانها بالقصد ما لم يعلم كونها مجرد صورة خالية عن قصد عناوينها ، ومن حيث اشتمالها على الشرائط الشرعية المعتبرة في صحتها ، وان لم يكن اخبار من الفاعل باقترانها بالقصد المقوم لعناوينها ( هذا ) في غير الأعمال النيابية ( واما ) في الأعمال النيابية كالصلاة عن الميت ، والحج عن العاجز ( فان كان ) الشك فيها من جهة القصد المقوم لعنوان العمل من الصلاتية ونحوها ، فحكمها ما تقدم من الاكتفاء في احراز عناوينها باحراز صورتها ( وان كان ) الشك من جهة وقوعها عن قصد النيابة عن المنوب عنه ( فلا طريق ) إلى احرازها الا اخبار العامل بعمله من كونه قاصدا به عن المنوب عنه ( ولا اشكال ) في قبول قوله ، لكونه مما لا يعلم الا من قبله ( وهل يعتبر ) فيه العدالة ، أو يكفي فيه الوثوق ، أو لا يعتبر فيه العدالة ولا الوثوق فيه وجوه ( أظهرها ) الأخير ، لكونه مما لا يعلم الا من قبله ، فيكتفي باخباره في الحكم بفراغ ذمته واستحقاق الأجرة ، وفراغ ذمة المنوب عنه ( هذا ) إذا كان العمل بصورته أو بعنوانه محرزا بالوجدان ( واما لو كان ) الشك في أصل وجود العمل وتحققه ( فالظاهر أنه ) لا طريق إلى احرازه الا العلم أو البينة من غير فرق بين العناوين القصدية وغيرها ، فلو استأجر شخص لتطهير ثوبه أو للصلاة عن الميت فشك في أصل صدور الغسل المزيل للخبث منه أو اتيانه بالصلاة فلا بد من احراز أصل العمل اما بالعلم أو بالبينة ( ولا يكتفي ) باخباره في احراز العنوان وان كان عدلا أو ممن يحصل الوثوق من قوله ( إذ لا دليل ) على حجية اخباره ( بل مقتضى الأدلة ) كرواية مسعدة بن صدقة من قوله « ع » حتى تستبين أو تقوم بها البينة اعتبار التعدد والعدالة في الموضوعات الخارجية ( وشمول ) أدلة حجية خبر الواحد لمثله ، ممنوع ( لاختصاصه ) بالاخبار القائمة على الأحكام الشرعية ( وعلى ) فرض عمومها للموضوعات الخارجية ، لا بد من تقييدها بما دل على اعتبار التعدد والعدالة فيها ( نعم ) لو فرض كونه مندرجا في مورد تحت قاعدة من القواعد المقتضية لقبوله ، كقاعدة من ملك شيئا ملك الاقرار به ، أو قاعدة الايتمان ، يقبل قوله في ذلك المورد بلحاظ تلك القاعدة ، فيحزر به عنوان الموضوع ،


(95)
وتجري فيه أصالة الصحة عن الشك في صحته وفساده ( والا ) فيشكل اثبات حجيته قوله ولو مع كونه عدلا أو ممن يوثق بقوله.
    ( الامر السابع ) ان الثابت بهذه القاعدة انما هو خصوص ترتب الآثار الشرعية المترتبة على العمل الصحيح ( دون ) ما يلازم الصحة من الأمور الخارجة عنها ( فلو شك ) في صحة عقد من العربية أو الماضوية ، أو من جهة بلوغ العاقد ، يحمل على الصحة بلحاظ ما يترتب عليها من تحقق الملكية والنقل والانتقال ( لا بلحاظ ) الآثار المترتبة على ما يلازمها من عربية العقد ، وماضويته أو بلوغ المتعاقدين ( لقصور ) أصالة الصحة عن اثبات هذه اللوازم ، حتى على القول بأمارية هذه القاعدة ، فضلا عن أصليتها ( لان ) مجرد كون الشيء امارة لا يقتضى حجيته بجميع مداليله مطابقة والتزاما ( وانما ) هو تابع اطلاق دليل تتميم كشفه في الشمول لجميع ما يحكى عنه من المدلول المطابقي والالتزامي ( والا ) فبدونه لا بد من الاقتصار في تتميم كشفه على المدلول المطابقي « وحيث » انه ليس في المقام دليل لفظي يقتضى باطلاقه حجية هذه القاعدة وتتميم كشفها في جميع ما تحكي عنه مطابقة والتزاما « لان » العمدة في الدليل على حجيتها هو الاجماع ، والسيرة ، ومناط الاختلال « فلا بد » من الاقتصار على ما هو المتيقن منها ، ولا يكون ذلك الا تتميم كشفها من حيث الصحة ، دون ما يلازمها « هذا » على المختار في وجه حجية مثبتات الامارة من كونه بمناط تعدد الحكاية في الامارة مطابقة والتزاما « واقتضاء » دليل حجيتها لتتميم كشفها بجميع مداليها « واما » على ما سلكه بعض الأعاظم قده ، من كونه بمناط ان المجعول في الامارات في نفسه معنى يقتضى حجية مثبتاتها « فلا بد » من الالتزام بعدم التفكيك ، بين امارية هذه القاعدة ، ومثبتيتها ( ولكن ) الكلام في أصل المبني ( ولقد ) أشبعنا الكلام في ضعفة بما لا مزيد عليه في التنبيه السابع في شرح مثبتات الأصول والامارات فراجع.
    ( ثم إن ) الشيخ قده أفاد في التفريع على هذا البحث مسألة الشك في كون الشراء بما يملك أو ما لا يملك ( حيث قال ) : فلو شك في أن الشراء الصادر من الغير


(96)
كان بما لا يملك أو بعين من أعيان ماله ، فلا يحكم بخروج تلك العين من تركته ، بل يحكم بصحة الشراء وعدم انتقال شيء من تركته إلى البايع : انتهى ( وظاهر ) اطلاقة شمول الحكم بعدم الانتقال ، لما إذا كان المبيع عينا معينا قد شك بشهة بدوية في كونه خمرا أو خلا ( مع أنه ) في هذا الفرض ، كما يحكم بصحة الشراء وانتقال الثمن إلى البائع ، كذلك يحكم أيضا بانتقال العين المعين الخارجي إلى ملك المشترى ( لان ) الحكم بصحة الشراء الصادر ليس إلا الحكم بانتقال كل من الثمن والمثمن من ملك صاحبه إلى ملك الآخر ( نعم ) لا يحكم عليه بالمالية الشرعية ، لكونه مما يقصر الحمل على الصحة عن اثباته ( نعم لو كان المقصود ) من التفريع المزبور صوره تردد ما وقع عليه الشراء بين الفردين أحدهما الخل والآخر الخمر ( لكان ) ما افاده قدس سره من صحة الشراء وعدم الحكم بانتقال شيء من تركته إلى البايع في غاية المتانة ( وذلك ) اما الحكم بصحة الشراء الصادر في الفرض مع الشك في مالية الثمن شرعا ، فلوجود المقتضى للحمل على الصحة ( لان ) ما به قوام الشراء عرفا انما هو مطلق المالية في العوضين ، لا خصوص المالية الشرعية فيها ( ولذا ) لا شبهة في صدق عنوان البيع والشراء عرفا عند كون الثمن أو المثمن خمرا أو خنزيرا ( وحينئذ ) فبعد احراز عنوانه العرفي بالوجدان والشك في صحته وفساده من جهة الشك في مالية الثمن شرعا وقابليته للانتقال ، تجرى فيه أصالة الصحة ( واما ) عدم الحكم بانتقال عين من أعيان ماله مما له المالية الشرعية ، كالخل مثلا ( فإنما ) هو من جهة كونه من لوازم تطبيق العنوان المعلوم بالاجمال الذي وقع به الشراء على خصوص الخل ( ومثله ) خارج عن عهدة هذا الأصل ( لان ) غاية ما يقتضيه الأصل المزبور انما هو التعبد بانتقال العوض المعلوم بالاجمال المردد بين الخمر والخل إلى البايع ( واما ) كونه هو الخل بالخصوص فلا ، وان كان ذلك مما يلازم الصحة واقعا ( كما نظيره ) في استحباب الكلي المردد بين الباقي والزائل من حيث عدم اثباته لكون الموجود هو الفرد الباقي ( وان كان ) بينهما فرق من جهة أخرى ( ولا تنافي ) بين الحكم بصحة الشراء وانتقال المبيع إلى المشتري ظاهرا ، وبين عدم الحكم بانتقال شيء من تركته إلى


(97)
البايع ، بل ومع الحكم ببقائه على ملك المشتري ظاهرا بمقتضى أصالة عدم النقل ( لان ) مثل هذا التفكيك في الاحكام الظاهرية ، غير عزيز ( نعم ) ما ينافي الحكم بصحة الشراء انما هو الحكم بعدم انتقال شيء إلي البايع ولو بالعنوان الاجمال المردد بين الفردين ( وقد ) فرضنا اقتضاء الحمل على الصحة انتقال المعلوم بالاجمال بالعنوان الاجمالي إلى البايع ، غير أنه لا طريق إلى تطبيقه في الخارج على خصوص الخل.
    ( وبما ذكرنا ) من البيان ، يظهر اندفاع ما أورد عليه من الاشكال ( تارة ) على أصل حكمه بصحة الشراء ، من جهة ما توهم من تخصيص مورد القاعدة بما إذا كان الشك في الصحة والفساد ، من غير جهة الشك في أهلية العاقد وقابلية العوضين شرعا للنقل والانتقال ( وأخرى ) على قوله بعدم الحكم بانتقال شيء من تركته إلى البايع ( بدعوى ) انه لا معنى الحكم بصحة الشراء مع القول بعدم انتقال شيء من تركته إلى البايع ( لأنه ) اما ان نقول بانتقال المبيع من البايع إلى المشترى ، واما ان لا نقول بذلك ( فعلى الأول ) يلزم الحكم بدخول المبيع في ملك المشتري من دون ان يدخل في ملك البايع ما يقابله من الثمن وهو كما ترى ( وعلى الثاني ) لا اثر لأصالة الصحة في شرائه ( لان ) كلا من الثمن والمثمن بعد باق على ملك مالكه ، فأي أثر يترتب على أصالة الصحة ( وجه الاندفاع ) يعلم مما بيناه ( اما الاشكال ) الأول ، فيما ذكرنا من أن ما به قوام الشراء عرفا انما هو مطلق المالية في العوضين ( وبعد ) احراز عنوانه عرفا والشك في صحته وفساده شرعا من جهة المالية الشرعية في الثمن أو المثمن ، لا قصور في جريان القاعدة والحمل على الصحة ( واما الاشكال ) الثاني ، فاندفاعه انما هو بالالتزام بخروج المبيع من ملك البايع إلى ملك المشتري ، ولكن لا بلا عوض ، بل بإزاء المعلوم بالاجمال المردد بين الخمر والخل ، وان لم يكن طريق شرعي إلى تطبيقه على خصوص الخل ، أو شيء من أعيان تركته ، بلحاظ عدم كون مثل هذا التطبيق من شؤون هذه القاعدة ، إلا على القول بالمثبت ( فالاستغراب ) المزبور من كلام الشيخ قده في حمل الشراء الصادر على الصحة مع عدم الحكم بانتقال


(98)
خصوص شيء من أعيان تركة المشتري إلى البايع ، لا يخلو عن غرابة ( اللهم ) الا ان يقال ان الحكم بانتقال المعلوم بالاجمال بعنوانه الاجمالي إلى البايع انما يصح ، إذا كان بحيث على تقدير انطباقه على كل من الفردين قابلا للانتقال إلى البايع بإزاء المبيع ( والا ) فعلى فرض عدم قابليته لذلك الا على تقدير خاص ، فلا يصح الحكم بانتقاله بإزاء المبيع ( وبعد ) عدم الحكم بانتقال شيء من أعيان تركته إلى البايع ، يلزمه عدم الحكم بصحة الشراء أيضا ( ولكن ) هذه الدعوى غير وجيهة ( والا ) لاقتضت الحكم بعدم الصحة حتى في فرض العلم بوقوع الشراء بعين معينة محتمل بشبهة بدوية كونها خمرا أو خلا ، لجريان المناط المزبور فيه أيضا ( وهو ) كما ترى ( ثم انه ) قد يورد على الشيخ قده اشكال آخر ، ( وهو ) استلزام الحمل على الصحة في الشراء الصادر ، وعدم الحكم بانتقال شيء من تركة المشتري إلى البايع ، الوقوع في محذور مخالفة العلم الاجمالي في مجموع التركة ، وفيما لو جمع بعض الورثة أو الثالث بين المبيع ، والعوض الذي حكم ببقائه على ملك المشترى ( ولكنه ) كما ترى فان الوقوع في محذور مخالفة العلم الاجمالي أحيانا امر غير مرتبط بصحة الشراء من حيث الشراء في الحكم بانتقال المبيع إلى المشتري تعبدا.
    ( الامر الثامن ) في نسبة القاعدة مع الاستصحاب وتقديمها عليه في استصحابات الحكمية والموضوعية ( فنقول ) : اما تقديمها على استصحاب الفساد وما في معناه من الأصول الحكمية ، فلا اشكال فيه ( من غير فرق ) بين القول بكون القاعدة من الامارات الكاشفة ، أو من الأصول المحرزة ( ولا بين ) جعل الصحة في القاعدة بمعنى التمامية ، أو بمعنى ترتب الأثر ( فإنه ) على جميع التقادير تكون القاعدة مقدمة على الأصول الحكمية المقتضية لفساد المعاملة ، وعدم ترتب النقل والانتقال ( وهذا ) على امارية القاعدة واضح ، فإنها بمقتضى دليل تتميم كشفها تكون حاكمة على تلك الأصول لكونها رافعة للشك في ترتب النقل والانتقال المأخوذ في موضوع تلك الأصول ( وهكذا ) الكلام على أصلية القاعدة مع البناء على كون الصحة فيها بمعنى التمامية ، لا بمعنى ترتب الأثر ( بلحاظ ) مسببية الشك في ترتب


(99)
الأثر وتحقق النقل والانتقال ، عن الشك في تمامية العقد في المؤثرية ، وتمامية المسبب في قابليته للمتأثرية ( واما ) بناء على كون الصحة فيها عبارة عن نفس ترتب الأثر ( فتقديم ) القاعدة عليها يكون بمناط التخصيص ( لأنه ) ما من مورد يمكن ان تجري فيه القاعدة إلا وفيه أصل يقتضي الفساد وعدم ترتب الأثر المقصود ( فلولا ) تقديم القاعدة على تلك الأصول ، ليلزم لغوية جعلها ( بخلاف ) العكس ، فإنه لا يلزم من تقديم القاعدة على الأصول الحكمية محذور الغوية في جعل الأصول ( لان ) لها موارد كثيرة لا تجرى فيها القاعدة ( مع امكان ) دعوى الحكومة على هذا المبنى أيضا بناء على ما عولنا عليه من الدليل لهذه القاعدة من السيرة واختلال النظام المستفاد من التعليل الوارد في بعض اخبار اليد بأنه لولاه ما قام للمسلمين سوق ( فان ) مثل هذا اللسان ناظر إلى تخصيص مجرى الأصول الحكمية المقتضية للفساد ، بغير مجرى هذه القاعدة ( إذ لا نعنى ) من الحكومة الا ما يكون ناظرا إلى دليل آخر بتوسعة أو تضيق في دائرته ، ولولا يكون بلسان تتميم الكشف.
    ( واما تقديمها ) على الاستصحابات الموضوعية ، كاصالة عدم البلوغ ونحوها فقد اختلف فيه كلمات الاعلام ( والظاهر ) اختلاف الحكم في المقام باختلاف المباني في مفاد دليل الاستصحاب من حيث جعل المماثل والأثر ، أو مجرد الامر بالمعاملة من حيث الجري العملي ، وكذا في القاعدة من جهة الا مارية والأصلية ، ومن حيث معنى الصحة فيها في كونه نفس ترتب الأثر ، أو التمامية ( فنقول ) : ان جعلنا هذا الأصل من الامارات والظواهر المعتبرة ، كما هو ظاهر جماعة ( فان ) قلنا بحجتيه في جميع ماله من المدلول مطابقة والتزاما ( فلا شبهة ) في تقديمه على تلك الاستصحابات بمناط الحكومة ، لاقتضائه بدليل كشفه ارتفاع الشك المأخوذ في موضوع تلك الأصول ( واما ان قلنا ) بعدم حجيته الا في خصوص مدلوله المطابقي دون غيره ، كما هو التحقيق وتقدم الكلام فيه في الامر السابق ( فان بنينا ) في مفاد لا تنقض على كونه ناظرا إلى جعل المماثل في استصحاب الاحكام وجعل الأثر في استصحاب الموضوعات ( فلا محيص ) من التعارض بين هذا الأصل ، وبين استصحاب عدم


(100)
بلوغ العاقد حين العقد ( إذ بعد ) عدم اقتضاء هذا الأصل لاثبات بلوغ العاقد ورفع الشك من جهته ، يجري فيه استصحاب العدم ويترتب عليه أثره الذي هو فساد العقد وعدم ترتب النقل والانتقال ، فتقع بينهما المعارضة ( ومع ) هذا التعارض لا مجال لتقديم القاعدة على الاستصحاب الا بمناط التخصيص بما ذكرنا من لزوم اللغوية في جعلها لولا تقديمها على تلك الاستصحابات ( كما لا مجال ) لتقديم الاستصحاب عليه من جهة الحكومة ( بتوهم ) تسبب الشك في الصحة والفساد حينئذ عن الشك في بلوغ العاقد ، وبأصالة عدمه يرتفع الشك عن صحة العقد تعبدا ( فإنه ) لو تم ذلك فإنما هو فيما إذا كان الشك مأخوذا في موضوع القاعدة ، لا موردا لها ( والا ) فعلى فرض اخذه فيها على نحو الموردية ، كما هو المفروض من امارية القاعدة ، فلا حكومة للاستصحاب عليها ( واما ان بنينا ) في مفاد لا تنقض على كونه ناظرا إلى مجرد الامر بالمعاملة مع المستصحب معاملة الواقع من حيث الجري العملي كما هو المختار ( فيمكن ) ان يقال بتقديم القاعدة على الاستصحاب الموضوعي بمناط الحكومة ( لأنها ) بمقتضى دليل تتميم كشفها توجب الغاء احتمال فساد المعاملة ( ومعه ) لا يجري استصحاب عدم البلوغ ، لخلوه حينئذ عن الأثر ( لا يقال ) على هذا الفرض لا بد من التعارض أيضا بين الاستصحاب والقاعدة ، كالفرض السابق ، فكيف التفكيك بينهما ( فإنه يقال ) ان مرجع التنزيل في الفرض الثاني في استصحاب الموضوع إلى تعبدين تعبد بالموضوع وتعبد بأثره حسب تعدد الشك من حيث الموضوع واثره من الحكم التكليفي أو الوضعي ( فإذا ) كان التعبد الثاني محكوما بأصالة الصحة ، يكون التعبد بالموضوع لغوا لخلوه عن الأثر ( بخلاف ) الفرض الأول ( فان ) فيه لا يكون الا تعبد واحد بالموضوع بلحاظ جعل اثره ( ولأجله ) يقع التعارض بين التعبد بالصحة بمقتضى القاعدة ، وبين التعبد بعدمها بمقتضى استصحاب عدم البلوغ ( ولا مجلل ) فيه لتقديم القاعدة على الاستصحاب الا بمناط التخصيص من جهة محذور اللغوية في جعلها ، من غير فرق في ذلك بين القول بأن الصحة في القاعدة بمعنى التمامية ، أو ترتب الأثر ( هذا كله ) على القول بأمارية هذه القاعدة ( واما


(101)
على القول ) بأصليتها ، كما هو التحقيق فيها ( فان جعلنا ) الصحة فيها عبارة عن نفس ترتب الأثر ، كما هو المشهور ( فلا محيص ) من حكومة الاستصحاب على القاعدة ( بلحاظ ) تسبب الشك في ترتب الأثر عن الشك في بلوغ العاقد ، وباستصحاب عدمه يرتفع الشك المزبور ، فيترتب عليه الحكم بالفساد وعدم ترتب الأثر من النقل والانتقال ( من غير ) فرق في ذلك بين القول باستفادة جعل الأثر من دليل حرمة النقض في استصحاب الموضوع ، وبين القول باستفادة الامر بالمعاملة منه من حيث الجري العملي منه ( وان كانت ) الحكومة على الأول أظهر ( وان جعلنا ) الصحة فيها بمعنى التمامية ، كما هو المختار ( فقد يتوهم ) كونها محكومة أيضا باستصحاب عدم البلوغ ، باعتبار تسبب الشك في تمامية العقد عن الشك في بلوغ العاقد ، فأصالة عدم البلوغ تكون مزيلة للشك في تمامية العقد ( ولكنه ) توهم فاسد ( إذ نقول ) انهما وان كانا متغايرين مفهوما ، ولكنهما متحدين منشئا ، فان تمامية العقد في مرحلة السببية والمؤثرية ، وكذا تمامية المسبب في مرحلة القابلية للمتأثرية ليست الا عين واجدية العقد والمسبب للشرائط المعتبرة فيهما ( وانما الفرق ) بينهما بصرف الاجمال والتفصيل بلا سببية ولا مسببية في البين ( ومعه ) كما تجرى استصحاب عدم البلوغ فيترتب عليه الفساد ، كذلك تجرى أصالة الصحة ، فيتعارضان ولازمه الحكم بسقوطهما معا ( الا ) ان يتشبث لتقديم القاعدة عليه بما ذكرناه من محذور اللغوية في جعل القاعدة ( لأنه ) ما من مورد يشك في صحة عمل وفساده في أبواب العقود وغيرها الا وكان الشك في بعض ما يعتبر فيه وجودا وعدما مما كان في نفسه مجرى الاستصحاب ( فلو قيل ) حينئذ بسقوط القاعدة في تلك الموارد لأجل الأصول الجارية فيها لم يبق لجريانها الا الموارد النادرة ، فيلزم من جعلها محذور اللغوية ويلزمه محذور الاختلال في النظام ( بخلاف ) فرض العكس ، فإنه لا يلزم محذور من تقديم القاعدة على الاستصحاب في موارد جريانها في طرف الاستصحاب ( فالأقوى ) حينئذ تقديم القاعدة على الاستصحاب مطلقا سواء في الاستصحابات الحكمية أو الموضوعية ، وسواء بين


(102)
الصحة بمعنى التمامية ، وبينها بمعنى ترتب الأثر ( ثم إن ) للشيخ الأعظم قده كلاما في المقام في وجه بيان المعارضة وتقديم أصالة الصحة ، ولأجل تلامذته السيد العلامة الشيرازي قده كلام آخر في وجه المعارضة ، ولا يسعني المجال للتعرض لهما ، خصوصا لما عرض على من ضعف الحال وضيق .. مع تشتت البال واليه شكواي وهو المستعان.
    ( بقى الكلام ) في أصالة الصحة في الأقوال والاعتقادات ( اما الأقوال ) فالشك في صحتها يتصور على وجوه ( الأول ) من حيث كونه مباحا ، أو حراما موجبا لفسقه ( ولا اشكال ) في الحمل على الصحة من هذه الجهة ( الثاني ) من حيث كونه على طبق القواعد العربية من حيث المادة والهيئة ، كما ( لو شوهد ) صدور عقد أو ايقاع من الغير وشك في كونه على طبق القواعد العربية من حيث المادة والهيئة ( ولا اشكال ) في الحمل على الصحة من هذه الجهة أيضا وانه يترتب عليه آثار الصحة من حيث النقل والانتقال وغيرهما ( الثالث ) من حيث كونه كاشفا عن المعنى المقصود ( والشك ) من هذه الحيثية يكون من وجوه ( الأول ) من جهة ان المتكلم قصد المعنى بقوله بعت أو ملكت أم لم يقصده بل تكلم من غير قصد ( ولا ريب ) في الحمل على الصحة من هذه الجهة وترتيب آثارها ، بحيث لو ادعى عدم قصد المعنى بقوله بعت أو انه تكلم لغوا أو للتعلم ونحو ذلك لم يسمع منه ( الثاني ) من جهة ان المتكلم أراد من اللفظ معناه الحقيقي حتى يترتب عليه الأثر ، أو أراد منه المعنى المجازي في مقام الاستعمال بلا ذكر القرينة ( وفي جريان ) أصالة الصحة في هذه الصورة اشكال ينشأ من عدم تصور الفساد في استعماله ذلك. لعدم كون استعمال اللفظة في المعنى المجازى في نفسه بلا ذكر القرينة استعمالا فاسدا ، مع وضوح اختصاص هذا الأصل بما إذا كان مجريه مما له فرد صحيح وفرد فاسد ( وكذا الكلام ) فيما لو شك في كون المتكلم معتقدا لمؤدي قوله من الاخبار أو الانشاء ( نعم ) في فرض تصور الصحة والفساد في انشائه أو اخباره ، لا اشكال في الحمل على الصحيح ( ولكن ) ذلك مع قطع النظر عن أصالة الحقيقة وأصالة الظهور ونحوها من الأصول اللفظية المرادية ( والا ) فلا مجال لأصالة الصحة في الكلام


(103)
الصادر من المتكلم مع وجود هذه الأصول كما هو ظاهر ( الرابع ) من جهة كون اخباره مطابقا للواقع في نفس الامر ، وهذا معنى حجية خبر المسلم ( ولا ينبغي ) الاشكال في عدم جريان قاعدة الحمل على الصحيح في هذه الصورة ( وذلك ) لا من جهة الاجماع على عدم قبول كل خبر صدر من مسلم ( بل من جهة ) عدم دخل حيث المطابقة واللامطابقة للواقع في صحة اخبار المسلم ( لان ) هذه الحيثية من الأمور الاتفاقية غير الملازمة لخبرية الخبر ( مضافا ) إلى أنه لا اثر لحيث مطابقة الخبر للواقع ونفس الأثر ، كي عند الشك في المطابقة وعدمها تجرى فيه أصالة الصحة ( لوضوح ) ان الامر وهو الحجية أو المعذرية انما هو من لوازم احراز الواقع بخبره ، لا من لوازم صدق الخبر ومطابقته للواقع في نفس الامر ( ولذا لو أخبر ) بوجوب شيء وأحرز كونه مطابقا للواقع يترتب عليه الحجية ووجوب العمل على طبقه ، وان كان ما أخبر بوجوبه مباحا في الواقع ( وبالعكس ) لو أخبر بعدم وجوب ما كان واجبا في نفس الامر ، يترتب عليه مع الاحراز المزبور المعذرية ( فإذا كان ) عنوان المطابقة واللا مطابقة للواقع أجنبيا عن موضوع الأثر ، وعن حيث دخله في اتصاف الخبر بالصحة والفساد ، فلا تجري فيه هذا الأصل ( لما عرفت ) من اختصاصه بما إذا كان مجراه مما له فرد صحيح يترتب عليه الأثر ، وفرد فاسد لا يترتب عليه الأثر ( وحينئذ ) فعدم جريان هذا الأصل من هذه الحيثية انما يكون من جهة عدم المقتضى للحمل على الصحة ، لا انه من جهة عدم وفاء الدليل عليه ، كما يظهر من الشيخ قده.
    ( واما الصحة في الاعتقادات ) فاجمال الكلام فيها ، هو ان الشك في صحة اعتقاد الغير ( ان كان ) من جهة نشوه عن مدرك صحيح من دون تقصير منه في مقدماته ، أو نشوه عن مدرك فاسد لتقصير منه في مقدماته ( فالظاهر ) هو الحمل على الصحيح ، كما في المفتى وغيره ممن يعتبر رأيه واعتقاده بالنسبة إلى مقلديه ، فان الحجة بالنسبة إلى المقلد انما هو رأي المجتهد واعتقاده في المطلب ، وان حجية قوله بأنه يجب كذا ويحرم كذا انما يكون من جهة كونه كاشفا عما هو الحجة وهو رأيه واعتقاده


(104)
( فإذا ) شك في صحة اعتقاده من الجهة المزبورة يحمل على الصحة ( وان كان ) الشك في صحته من جهة المطابقة للواقع ، فلا يحمل على الصحة لما تقدم من عدم المقتضى للحمل على الصحة من هذه الجهة.
المقام الثاني
    في تعارض الاستصحاب مع القرعة ( والكلام ) فيها يقع تارة في مقدار دلالة دليلها وموارد جريانها ( وأخرى ) في بيان نسبتها مع الاستصحاب وغيره من الأصول ، كاصالة التخيير ، والإباحة ، والاحتياط ( اما الأول ) فمجمل القول فيه هو ان اخبارها العامة في بعضها : كل شيء مجهول فيه القرعة ، كما في التهذيب عن محمد بن حكم قال سألت أبا الحسن موسى (ع) عن القرعة في أي شيء : قال (ع) كل شيء مجهول ففيه القرعة فقلت له ان القرعة تخطئ وتصيب : فقال ما حكم الله به فليس بمخطئ ( وفي بعضها ) القرعة لكل أمر مشتبه ( وفي ثالث ) انها لكل أمر مشكل ( ولكن ) الظاهر رجوع الأولين إلى مفاد واحد ، بلحاظ ان المجهول هو المشتبه والمشتبه هو المجهول ( ولازمها ) الاختصاص بالموارد التي يكون للشيء نحو تعين في الواقع ونفس الامر ، إلا أنه طرء عليه الاشتباه ولم يعلم كونه هذا أو ذاك ، فتكون القرعة بالنسبة إليه من قبيل الواسطة في الاثبات ، حيث يتعين بها ما هو المجهول والمشتبه في البين ( بخلاف الثالث ) وهو المشكل ، فإنه ظاهر في الاختصاص بالمبهمات المحضة التي لا تعين لها في الواقع ونفس الامر ( فتكون ) القرعة بالنسبة إليها من قبيل الواسطة في الثبوت ، حيث يستخرج بها ما هو الحق ( كما ) في باب القسمة ، وباب العتق والطلاق فيما لو أعتق أحد عبيده لا على التعيين ، أو طلق إحدى زوجاته كذلك بناءا على صحة هذا الطلاق ( ولا يخفى ) انه على هذا المعنى لا تعارض القرعة شيئا من الأدلة والأصول الجارية في الشبهات الحكمية والموضوعية ( لأنها ) بنفسها غير


(105)
جارية في مواردها ( فلا يكون ) العمل بأدلة الأصول في مواردها تخصيصا لدليل القرعة ، وان أبيت عما ذكرنا من المعنى للمشكل وقلت إنه في العرف عبارة عما يصعب حله وما يتحير المكلف في مقام العمل ، فلا يشمل أيضا موارد الأصول الجارية في الشبهات الحكمية والموضوعية ، لأنه بجريان تلك الأصول في مواردها لا صعوبة على المكلف ولا تحبر له في مقام الوظيفة الفعلية ( نعم ) انما يتصور ذلك في مثل عنوان المجهول والمشتبه ( حيث ) يقع المجال لتوهم المعارضة بين دليل القرعة ، وأدلة الأصول الجارية في مواردها ( من جهة ) دعوى عموم المشتبه للشبهات الحكمية والموضوعية بالشبهة البدوية والمقرونة بالعلم الاجمالي ( وان كان ) دقيق النظر يقتضى خلافه ( لظهور ) عنوان المجهول والمشتبه في قوله (ع) القرعة لكل امر مجهول أو مشتبه في الاختصاص بالشبهات الموضوعية المقرونة بالعلم الاجمالي وعدم عمومها للشبهات الحكمية مطلقا ولا الشبهات الموضوعية البدوية ( بداهة ) ظهور عنوان المشتبه في قوله القرعة لكل امر مشتبه في كونه وصفا لذات الشيء المعنون من جهة تردده بين الشبئين أو الأشياء ( لا وصفا ) لحكمه ولا لعنوانه ، ليكون من قبيل الوصف بحال المتعلق ( فالشبهات ) الحكمية مطلقا حتى المقرونة بالعلم الاجمالي خارجة عن مورد جريان القرعة ( لان ) الشبهة فيها انما هي في حكم الشيء لا في ذات الشيء ( كما ) ان الشبهات الموضوعية البدوية أيضا خارجة عن مورد القرعة ( لان ) الشبهة فيها انما تكون في انطباق عنوان ما هو موضوع الحكم كالخمر ونحوها على الموجود الخارجي ( لا فيما انطبق ) عليه عنوان الموضوع فارغا عن الانطباق في الخارج ، بكونه هذا أو ذاك ، كالشبهات الموضوعية المقرونة بالعلم الاجمالي حيث إن فيها يكون كل من الخطاب وعنوان الموضوع وانطباقه في الخارج معلوما بالتفصيل ( ولكن ) الشك في أن المنطبق عليه عنوان المحرم أي الامرين ( ومع خروج ) موارد الأصول الجارية في الشبهات الحكمية مطلقا والشبهات الموضوعية البدوية من مورد جريان القرعة ، بالبيان المتقدم ، يعمل بتلك الأصول في موارد جريانها ( ولا يحتاج ) إلى
نهاية الافكار القسم الثاني من الجزء الرابع ::: فهرس