نهاية الافكار القسم الثاني من الجزء الرابع ::: 121 ـ 135
(121)
( فالظاهر ) انه لا مانع من جريان استصحاب النجاسة في الثوبين ( إذ لا يلزم ) من جريانهما محذور المخالفة العملية ( واما ) المخالفة الالتزامية فهي وان كانت لازمة الا انها غير ضائرة ( وتوهم ) منافاة التعبد ببقاء الواقع في كل منها بمقتضى الاستصحاب مع العلم الاجمالي بعدم بقاء الواقع في أحدهما ، فلا يمكن ثبوتا جعل الاستصحابين في الطرفين والتعبد ببقاء الاحراز السابق فيهما ، مع الاحراز الوجداني بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما ( من غير فرق ) بين ان يلزم من جريان الاستصحابين مخالفة عملية للتكليف المعلوم بالاجمال ، وبين أن لا يلزم ذلك ، كما في المثال ( مدفوع ) بمنع المضادة بين الاحراز التعبدي في كل من الطرفين بعنوانه التفصيلي ، وبين الاحراز الوجداني بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما ( فإنه ) مع تغاير متعلق اليقين والشك ووقوف كل منهما على نفس معروضه من العنوان التفصيلي ، لا وجه لدعوى المضادة المزبورة ( فان ) موضوع الابقاء التعبدي فيهما لا يكون الا المتيقن أو اليقين السابق بنجاسة كل من الثوبين أو الانائين بعنوانه التفصيلي ، وبالعلم الاجمالي المزبور لم ينقلب اليقين السابق في شيء منهما إلى اليقين بالخلاف ( لان ) كل واحد منهما بعنوانه الخاص مما يشك فيه وجدانا في بقاء نجاسته بعد كونه مسبوقا باليقين بها ( نعم ) ما هو المنقلب بالعلم الاجمالي إنما هو أحد اليقينين أو اليقين بأحد العنوانين بهذا العنوان الاجمالي ( ولكن ) موضوع التعبد بالبقاء لا يكون هو اليقين بأحد العنوانين ولا أحد اليقينين حتى ينافي العلم الاجمالي ( وانما ) موضوعه خصوص اليقين بنجاسة هذا الثوب ، واليقين بنجاسة ذاك الثوب الآخر بعنوانه التفصيلي ، ولا يعلم بانتقاض شيء منهما حتى يمنع عن جعل كلا الاستصحابين ( نعم ) لو قيل بسراية اليقين من متعلقه الذي هو العنوان الاجمالي إلى الخارج أو إلى متعلق الشك ، لكان لدعوى المضادة المزبورة وجه وجيه ( ولكنه ) ممنوع بشهادة اجتماع اليقين ، والشك في كل علم اجمالي بتوسيط العنوان الاجمالي والتفصيلي ( فإنه ) لولا وقوف كل من الوصفين على عنوان معروضه ، للزم اجتماع اليقين والشك في موضوع واحد مع ما كان بينهما من المضادة ( وحينئذ ) فإذا لم يكن الاحراز الوجداني القائم بالعنوان الاجمالي منافيا مع


(122)
الشك القائم بالعنوان التفصيلي ( فكيف ) يكون منافيا مع ما هو من احكام هذا الشك القائم بالعنوان التفصيلي المعبر عنه بالاحراز التعبدي ( مع أن ) لازم البيان المزبور ، هو المنع عن جريانهما في الموارد التي يلزم من الجمع بين الاستصحابين التفكيك بين المتلازمين ، كاستصحاب بقاء الحدث وطهارة البدن في المتوضئ غفلة بمايع مردد بين الماء والبول ( فإنه ) كما أن التعبد ببقاء نجاسة الانائين واقعا ينافي الاحراز الوجداني بعدم بقاء الحالة السابقة في أحدهما ( كذلك ) التعبد ببقاء الحدث وطهارة البدن ينافي الاحراز الوجداني بعدم بقاء أحدهما ( ومجرد ) مخالفة الأصلين في مفروض النقض في المؤدى ، غير مجد في رفع المضادة بين الاحراز التعبدي ببقاء الامرين ، والعلم بعدم بقاء أحدهما تفصيلا ( لان ) العقل كما يرى المضادة بين العلم بطهارة أحد الامرين واقعا ، وبين التعبد بنجاستهما ( كذلك ) يرى المضادة بين التعبد ببقاء طهارة البدن وبقاء الحدث مع العلم بعدم بقاء أحدهما ( مع أن القائل ) المزبور وفاقا للمشهور ملتزم بالجمع بين الاستصحابين ( فالانصاف ) ان ما افاده قده في وجه المنع عن جريان الاستصحابين في طرفي العلم من برهان المضادة بين الاحرازين مما لا يرجع إلى محصل ( ومن التأمل ) فيما ذكرنا يظهر عدم تمامية ما افاده الشيخ قده أيضا لمنع جريان الاستصحاب في طرفي العلم ، من محذور مناقضة الصدر والذيل في بعض أخبار الاستصحاب ، في مثل قوله (ع) لا تنقض اليقين بالشك ولكن انقضه بيقين آخر ( بتقريب ) ان حرمة نقض اليقين بالشك في كل واحد من الامرين ينافي وجوب نقض اليقين في أحدهما بمقتضى الذيل ( فمع ) العلم الاجمالي بارتفاع الحالة السابقة في أحد المستصحبين ، لا بد من خروجهما عن عموم لا تنقض إذ ( لا يمكن ) ابقاء كل منهما تحت عمومه لمحذور المناقضة ، ولا ابقاء أحدهما المعين ، لعدم الترجيح ، ولا أحدهما المخير ، لعدم كونه من افراد العام ، إذ ليس فردا ثالثا غير الفردين المشخصين ( إذ فيه ) بعد الغض عن انصراف الذيل إلى اليقين المتعلق بما تعلق به الشك واليقين السابق ، وعدم شموله لليقين المتعلق بالعنوان الاجمالي ( والغض ) عن كون الامر بالنقض باليقين في الذيل ارشاديا لا مولويا ، كما شرحناه


(123)
سابقا ( يتوجه عليه ) ما أوردناه آنفا حرفا بحرف ( وكيف كان ) فالتحقيق انه لا قصور في شمول أدلة الأصول لأطراف العلم الاجمالي من هذه الجهات ما لم يستلزم جريانها طرح تكليف ملزم في البين من غير فرق بين الأصول المحرزة كالاستصحاب ، وبين غيرها كدليل الحلية وحديث الرفع والحجب ونحوها ( وان ما ذكرنا ) من عدم جريان الأصول المرخصة في موارد العلم بالتكليف ، فإنما هو من جهة مانعية العلم الاجمالي من حيث منجزيته للتكليف ، لا من حيث ذاته ( ولا من جهة ) قصور أدلتها بنفسها عن الشمول لموارد العلم الاجمالي ، ولا من جهة محذور مناقضة الصدر والذيل في اخبار الاستصحاب ( وبما ذكرنا ) ظهر الحال فيما إذا كان مؤدى الاستصحابين مختلفين ( فإنه ) مع احتمال مطابقة الاستصحابين للواقع يعمل بالاستصحابين بلا كلام ، كما في العلم الاجمالي بنجاسة أحد الثوبين مع كون الحالة السابقة في أحدهما النجاسة وفي الآخر الطهارة ، فإنه يعمل بكلا الأصلين ولا تأثير للعلم الاجمالي ، بل هذا الفرض خارج عن مسألة تعارض الأصول كما هو ظاهر ( ومع ) عدم احتمال مطابقتهما للواقع لاستلزم جريانهما التفكيك بين المتلازمين واقعا ( فان ) لم يقم دليل على عدم جواز التفكيك بينهما ظاهرا ، يعمل بهما أيضا بلا كلام ، كما في استصحاب طهارة البدن وبقاء الحدث فيمن توضأ غفلة بمايع مردد بين الماء والبول ( ان ) قام دليل خارجي على عدم جواز التفكيك بينهما ولو ظاهرا كالماء النجس المتمم كرا بطاهر ، حيث قام الاجماع على عدم تبعض الماء الواحد في الحكم نجاسة وطهارة فيسقط الاستصحابان فينتهى الامر فيه إلى أصالة الطهارة ( هذا ) تمام الكلام في الاستصحاب والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا ( وقد وقع ) الفراغ من تسويده في جوار أبي الأئمة عليهم الصلاة والسلام على يد العبد الآثم محمد تقي ابن عبد الكريم في الثامن من الشهر الثاني سنة 1353 ثلاث وخمسين بعد الألف وثلاثمائة من الهجرة النبوية عليه وعلى أخيه والأئمة من ذريته آلاف الثناء والتحية.


(124)
بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين الصلاة والسلام على خير خلقه وأشرف بريته محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم ومخالفيهم أجمعين إلى يوم الدين.

    ولما كان موردهما الدليلين المتعارضين ( كان الحري ) هو البحث عن عنوان التعارض وشرح معناه ، والتكلم فيه بجعل تعارض الأدلة عنوانا للبحث ، ومقسما للجمع وللعنوانين المذكورين ( وتنقيح ) الكلام يقع في أمور ( الامر الأول ) في تعريف التعارض ( فنقول ) ان التعارض لغة من العرض بمعنى الاظهار ، ومنه عرض المتاع للبيع.
    ( وأطلق ) في الاصطلاح على تنافي الدليلين وتمانعهما باعتبار المدلول والمنكشف بهما من حيث اؤلهما إلى اجتماع الضدين وثبوت النقيضين ( ولذلك ) عرفه الشيخ قده تبعا للمشهور بتنافي مدلولي الدليلين على وجه التناقض أو التضاد ، من جهة عرض كل واحد من المتنافيين نفسه في مقام الإرائة عن الواقع واثباته على غيره ( ولا يخفى ) وجه مناسبة اطلاق التعارض في الأدلة على هذا التعريف ( نعم ) حيث إن التنافي المزبور قائم حقيقة بنفس المدلولين بلا مساس بالدليل بما هو دليل


(125)
الا بنحو من العناية باعتبار ان الحاكي عن المتنافيين ، كأنه عين المحكى ، عدل في الكفاية عن تعريف المشهور ، إلى تعريفه بتنافيهما في مرحلة الدلالة ومقام الاثبات ، من حيث عرض كل من الدليلين نفسه لدليل الاعتبار في مقام الحجية ( حيث ) انه على هذا التعريف يكون التنافي المزبور حقيقة قائما بنفس الدليلين بلا رعاية عناية ، ويكون اتصافهما بالتنافي المزبور من باب وصف الشيء بحال نفسه لا بلحاظ حال متعلقه ( كما أنه ) على هذا التعريف يكون التعارض الذي هو محط عنوان البحث ، عين ما وقع موضوعا للاخبار العلاجية بناء على انصرافها عن موارد الجمع العرفي ( فإنه ) على هذا التعريف يخرج موارد الحكومة والجمع العرفي بين العام والخاص والمطلق والمقيد والظاهر والأظهر عن موضوع التعارض ( لان الجمع ) العرفي مانع عن حجية الظاهر في قبال النص والأظهر وعن حجية العام والمطلق في مقابل الخاص والمقيد ، فلا يكون بينهما التنافي في مقام الاثبات والدلالة ومرحلة الحجية ( بخلافه ) على تعريف الشيخ قده ( فإنه ) يدخل فيه موارد الجمع العرفي بالحكومة وغيرها ، بلحاظ استقرار الظهور لكل من العام والمطلق في العموم والاطلاق ، وعدم انقلابه بالدليل المنفصل ( لان ) غاية ما يقتضيه دليل الخاص المنفصل من تقديم أقوى الحجتين انما هو رفع حجية ظهورهما في العموم والاطلاق ، لارفع تنافيهما في مقام الدلالة وهكذا في موارد الحكومة ( وبذلك ) يكون التعارض الواقع في عنوان البحث مغايرا مع العنوان الواقع في موضوع الاخبار العلاجية ، ( كما أنه ) عليه يكون توصيف الدليلين بالتنافي المزبور من باب وصف الشيء بحال متعلقه ( ولكن ) مع ذلك فالمتجه هو عدم العدول عن تعريف المشهور باخراج موارد الجمع العرفي بالحكومة وغيرها عن موضوع التعارض ( إذ لا وجه ) لاخراج مثل هذه المسألة المهمة عن مقاصد الباب ، لمحض عدم اعمال المرجحات السندية أو التخيير في مواردها ، ليكون التكلم في احكام الجمع وما يتعلق به في هذا البحث لمحض الاستطراد ( وكيف كان ) فالظاهر أن المراد بالتنافي في كلماتهم هو مطلق تنافي الدليلين ولو كان لأمر خارجي ( كما إذا ) كان مفاد أحد الدليلين وجوب الظهر يوم


(126)
الجمعة ، ومفاد الآخر وجوب الجمعة ( حيث ) ان الدليلين غير متنافيين بحسب المدلول ابتداء ( ولكن ) بعد العلم بعدم وجوب أحدهما على المكلف ( يقع ) بينهما التنافي والتكاذب ( لان ) كل منهما يثبت مؤداه وينفى بلازمه مؤدى الآخر ، فيدخل بذلك في عنوان البحث ( ثم إن ) توسعة التنافي على التعريف الأول بكونه على وجه التناقض والتضاد مبني على عدم تعميم المدلول للمدلول الالتزامي ( والا ) فعلى التعميم لا يحتاج إلى إضافة قيد التضاد ، بل يكتفي في التعميم بالاقتصار على التناقض فقط ( لان ) الدليلين الدالين بالمطابقة على المتضادين ، كالوجوب والحرمة ( دالان ) بالالتزام على المتناقضين أيضا ( كما أنه ) على التعريف الثاني لا بد من الغاء قيد التناقض ( بلحاظ ) ان التنافي بين الدليلين في مرحلة الاثبات والحجية دائما يكون على وجه التضاد حتى فيما كانا بحسب المدلول من المتناقضين لكون التنافي بينهما بين الوجوديين ( فلا وجه ) حينئذ لتوسعة التنافي بكونه على وجه التناقض ، إذ ذلك انما يناسب مع تنافيهما مدلولا لا مع تنافيهما في مقام الدلالة والحجية كما هو ظاهر ( وحينئذ ) فحق التعريف على هذا المسلك هو الاقتصار على قيد التضاد ( كما أنه ) على التعريف السابق هو الاقتصار على قيد التناقض بعد تعميم المدلول للمطابقة والالتزام.
    ( ثم انه ) قد يورد على تعريف المشهور باستلزامه دخول باب التزاحم أيضا في موضوع تعارض الدليلين ، كموارد الامر بالضدين وموارد تصادق متعلق الأمر والنهي بناء على الامتناع ( بتقريب ) انه بعد امتناع ثبوت الحكمين الفعليين اما ذاتا ، كموارد تصادق متعلق الأمر والنهي على الامتناع ، واما عرضا كموارد الامر بالضدين لكونه من التكليف بالمحال مع عدم قدرة المكلف على الجمع بينهما في مقام الامتثال ، يقع التنافي بحكم العقل بين المدلولين من حيث اقتضاء كل منهما ثبوت الحكم الفعلي تعيينا في مورده ( ولازمه ) اندراج باب التزاحم على هذا التعريف في موضوع التعارض ( ولكن ) يندفع ذلك بان المقصود من تنافي مدلولي الدليلين على وجه التناقض أو التضاد ، انما هو تنافيهما في مقام الجعل والتشريع حتى في مرحلة الملاك والمقتضى ، بحيث يعلم بعدم ثبوت الملاك في أحدهما ، لا مجرد تنافيهما في


(127)
مقام الحكم الفعلي ( ومن الواضح ) حينئذ خروج موارد التزاحم عن موضوع التعارض المصطلح ( لان ) باب التزاحم لا يكون الا في مورد الجزم بوجود الملاكين والغرضين مع ضيق خناق المولى من تحصيل كلا الفرضين ، وأين ذلك وباب التعارض الذي يجزم بعدم ثبوت الملاك والمقتضى لاحد الحكمين ( وبالجملة ) مرجع باب التعارض المصطلح إلى تكاذب المدلولين حتى في مرحلة الملاك والمقتضى ، وهذا لا يكون الا في صورة العلم بكذب أحد الدليلين فيما يؤدى إليه من الملاك والمقتضى ( ومن هنا ) نقول ان باب اشتباه الحجة بلا حجة خارج من موضوع التعارض ، كصورة العلم بصدور أحد المدلولين تقية ولو مع اليقين بصدور كلا الخبرين عن الإمام (ع) ( نعم ) لا يختص باب التعارض بما إذا كان الدليلان مؤديين إلى ثبوت النقيضين ( بل يعم ) مطلق فرض العلم بتكاذب الدليلين ولو عرضا لأمر خارجي ، كمثال وجوب الظهر والجمعة ( من غير فرق ) بين اتحاد سنخ الحكم فيهما كما في المثال وعدم اتحاده ، كما لو كان مؤدى أحد الدليلين وجوب الدعاء عند رؤية الهلال وكان مؤدى الآخر وجوب دية الحر في قتل عبد المدبر مع العلم بعدم تشريع أحد الحكمين ( فإنه ) يدخل ذلك أيضا في باب التعارض بعين ملاك دخول مثال الظهر والجمعة فيه من حيث امكان تشريع كلا الحكمين ذاتا وامتناعه عرضا ( لا في باب ) اشتباه الحجة بغيرها كما توهم بصرف عدم اتحاد سنخ الحكم فيهما.
    ( الامر الثاني ) قد ظهر من مطاوي ما ذكرناه الفرق بين باب التعارض وباب التزاحم فان الضابط في باب التزاحم انما هو بوجود الملاك والغرض في كل واحد من الخطابين مع ضيق خناق المولى من تحصيلهما ( سواء ) كان تزاحمهما في عالم التأثير في الرجحان والمحبوبية الفعلية لدى المولى ، كموارد تصادق الأمر والنهي في مثل الصلاة والغصب على القول بالامتناع ( أو كان ) تزاحمهما ممحضا في عالم الوجود ومرحلة الإرادة الفعلية ، كما في المتضادين وجودا ، ومنه مورد التصادق في باب الاجتماع على القول بالجواز خصوصا مع عدم المندوحة ( كما أن ) الضابط في باب التعارض انما هو بعدم الملاك والمقتضى في أحد الخطابين ، ولذا قلنا برجوع التعارض بين الدليلين من حيث المدلول إلى


(128)
تكاذيبهما حتى في مرحلة أصل الاقتضاء ( فكل مورد ) أحرز ولو من الخارج عدم وجود الملاك والمقتضى الا لاحد الحكمين ، يكون داخلا في صغرى التعارض الذي ملاكه تكاذب الدليلين حتى في أصل الاقتضاء فيجب اجراء احكامه عليه من الترجيح بقوة السند مع عدم امكان الجمع العرفي بينهما ( وكل مورد ) أحرز فيه وجود الملاكين والغرضين في الخطابين يكون داخلا في صغرى التزاحم الذي يكون الملاك في ترجيح أحد الخطابين على الآخر بقوة مناطه لا بقوة سنده سواء كان تزاحمهما في مرحلة ايراث الحب والبغض الفعلي لدى المولى ، أو في مرحلة الوجود محضا كما في المتضادين وجودا ( إذ لا وجه ) لتخصيص باب التزاحم بالمتضادين وجودا الا الجمود بظاهر لفظ تزاحم الحكمين ( والا ) فلا نعنى من باب التزاحم الا صورة الجزم بوجود الملاكين والغرضين في الخطابين مع عدم امكان تحصيلهما الذي من احكامه تقديم الأقوى ملاكا وان كان أضعف سندا ، بل ودلالة ، وان كان تمانعهما في عالم التأثير من حيث الرجحان لدى المولى ( نعم ) قد يحتاج في بعض موارد التزاحم إلى اعمال احكام التعارض ، بلحاظ رجوع الامر إلي تكاذب الدليلين من حيث الملاك ، كما إذا أحرز أو احتمل الأهمية لأحدهما لا على التعيين ، فإنه من هذه الجهة يقع بين دليلهما التنافي والتكاذب لاقتضاء اطلاق كل واحد منهما لكونه هو الأهم الذي يجب صرف القدرة إليه.
    ( وبما ذكرنا ) انقدح فساد الفرق بين البابين بما أفيد من الضابط فيهما ، بكونه في باب التعارض بعدم امكان اجتماع الحكمين في مرحلة الجعل والتشريع ثبوتا ، لما يلزم من تشريعهما اجتماع الضدين أو النقيضين في نفس الامر ( وفي باب ) التزاحم بعدم امكان اجتماعهما في مرحلة الامتثال ( وحاصله ) تخصيص باب التزاحم بالمتضادين وجودا ( ببيان ) ان التزاحم انما يكون بين الحكمين في عالم الوجود ومرحلة صرف القدرة على الامتثال بعد الفراغ عن أصل تشريع الحكمين حسب ما اقتضته الملاكات ، كما في المتضادين وجودا ، وموارد اتفاق اتحاد متعلق الحكمين في الوجود مع كونهما متغايرين ذاتا وهوية ( واما التزاحم ) بين


(129)
الملاكين في عالم تشريع الاحكام وجعلها ، فهو خارج من باب التزاحم ومندرج في صغرى التعارض الذي ملاكه تنافي الدليلين باعتبار مدلولهما في مقام الجعل والتشريع نظير العامين من وجه ، ومنه مورد تصادق متعلق الأمر والنهي على الامتناع بناء على كون التركيب بين المتعلقين اتحاديا نظير التركيب من الجنس والفصل بحيث كان أحد المتعلقين متحدا مع الآخر بالذات والهوية ( فإنه ) يندرج مورد التصادق حينئذ في صغرى التعارض ، ولا يكون من باب التزاحم ( إذ فيه ) ما لا يخفى ( اما أولا ) فبأنه لا وجه لارجاع تزاحم الملاكين في التأثير من حيث الرجحان لدى المولى إلى باب التعارض المحكوم بالأخذ بالأقوى دلالة وسندا الا توهم ان في التزاحم في التأثير من حيث الرجحان الفعلي لدى المولى يكون العقل منعزلا عن تعيين مرامه ويكون زمام امر بيانه بيد المولى فيمكن ان يوكل امر بيانه إلى ما هو أقوى سندا ، بخلاف التزاحم في عالم الوجود ومرحلة صرف القدرة في مقام الامتثال ، فإنه ليس مما امر تعيينه بيد المولى ، لأنه مبين لأصل مرامه بخطابه ، ففي هذه المرحلة لا بد من ايكال امر التزاحم إلى العقل المستقل بالأخذ بما هو أقوى ملاكا لا سندا ( وهو ) في غاية الضعف ( إذ نقول ) انه بعد اطلاق الخطابين وظهورهما في وجود الملاك والغرض في كل منهما وعدم المانع عن تأثيرهما الفعلي الا تمانعهما ، كيف يمكن للمولى ترجيح أقوائهما سندا على أقوائهما مناطا مع فرض احراز الأقوائية لدى العقل ( نعم ) انما يمكن ذلك في فرض احتمال وجود مانع آخر في البين عن تأثير ما هو الأقوى مناطا بنظر العقل ، لانعزال العقل حينئذ عن الحكم ، ولكنه خلاف الفرض من عدم احتمال مانع آخر في البين عن تأثير الأقوى مناطا ( ولذلك ) ترى بناء المحققين في مثل الفرض على اعمال قواعد التزاحم من الاخذ بالأقوى مناطا ( مع أن لازم ) هذا القول هو الالتزام بفساد الصلاة عند ايقاعها في مكان مغصوب مع الجهل بالموضوع ، بل ومع الجهل بالحكم أيضا قصور الا تقصيرا ( لان ) من لوازم كونه من باب التعارض بعد ترجيح النهي ، اما لأقوائية دلالته ، واما من جهة رجوعه إلى حقوق الآدمي التي هي أولى بالمراعاة عند التزاحم مع حق الله سبحانه ، هو تقييد التكليف بالصلاة واقعا بغير


(130)
مورد تصادق العنوانين ( ولازمه ) هو خروج المأتي به عن دائرة المطلوبية بمباديها من الملاك والغرض الذي هو مساوق بطلانه ( وهو ) كما ترى خلاف ما بنوا عليه من الحكم بالصحة في الفرض المزبور حتى على القول بالامتناع وتقديم جانب النهي ( وثانيا ) ان ما أفيد من الضابط في البابين بتخصيص باب التزاحم بتزاحم الحكمين بعد تشريعهما في مقام الامتثال ، انما يتم إذا كانت القدرة كالعلم من شرائط تنجيز التكليف ( والا ) فعلى ما هو التحقيق وعليه بنائهم من كونها شرطا لأصل تشريع الحكم الفعلي وتوجيهه إلى المكلف في رتبة سابقة عن تنجزه لاستقلال العقل بقبح توجيه التكليف الفعلي إلى العاجز عن الامتثال ( فلا جرم ) بعد عدم قدرة المكلف على الجمع بين الحكمين في مقام الامتثال ، يمتنع تشريع اطلاق الحكمين حتى في المتضادين وجودا ، نظير امتناع تشريع اطلاق الحكمين في العامين من وجه بالنسبة إلى المجمع ( ومرجع ) ذلك بعد تقييد مضمون الخطابات بالقدرة على هذا المسلك إلى نفي الصغرى لباب التزاحم رأسا ( لاندراج ) جميع موارد التزاحم بمقتضى الضابط المذكور في صغرى التعارض بين اطلاقي الخطابين نظير العامين من وجه ( وتوهم ) الفرق بين العجز الدائمي والعجز الاتفاقي بتسليم شرطية القدرة في الأول ، دون الثاني ( فاسد ) فان العقل لا يفرق في قبح توجيه التلكيف الفعلي إلى العاجز بين العجز الدائمي والاتفاقي ( فكما ) يمتنع عقلا مع العجز الدائم أصل تشريع الحكمين ، كذلك يمتنع تشريع اطلاق الحكمين على نحو يشمل مورد العجز ، نظير امتناع تشريع اطلاق الحكمين في العامين من وجه ( وحينئذ ) فعلى ما أفيد من الضابط في تزاحم الحكمين ، يلزم من تقييد مضمون الخطابات بالقدرة ارجاع موارد العجز عن الامتثالين إلى باب التعارض بين اطلاقي الخطابين ، كما في العامين من وجه بالنسبة إلى المجمع ، وهو كما ترى ( فلا محيص ) حينئذ من الفرق بين باب التعارض والتزاحم بما ذكرناه من الضابط فيهما ( هذا كله ) في أصل الفرق بين باب التعارض والتزاحم ( واما تشخيص ) صغرياتهما ، فهو موكول إلى نظر الفقيه ( نعم ) يمكن ان يقال في تشخيص صغريات البابين ( ان كل ) مورد اتحد عنوان المأمور به والمنهى عنه


(131)
كعنوان الاكرام في قوله أكرم العالم ولا تكرم الفساق كان من صغريات باب التعارض ، حيث إن قوله أكرم العالم يدل باطلاقه على ثبوت الحكم بمباديه حتى في حال فسقه ، كما أن قوله لا تكرم الفساق يدل باطلاقه الشامل لحال كونه عالما على عدم ثبوت الملاك في اكرام الفاسق ، فيقع التكاذب في المجمع بين الدليلين ، حتى بحسب الملاك والمقتضى ( إذ كان ) الأول مثبتا لوجود الملاك للاكرام بالنسبة إلى المجمع ، وكان الثاني ولو بمدلوله الالتزامي نافيا له ، فيقع بينهما التعارض فلا بد من الرجوع فيهما إلى الجمع الدلالي ان أمكن ، والأفالي المرجحات السندية ان كان لأحدهما مرجح ، وبدونه فالتخيير بمقتضى النصوص العلاجية ( وكل مورد ) تعدد عنوان المأمور به والمنهى عنه بان بكون معروض الحكمين عنوانين مختلفين ، كعنوان الغصب والصلاة في قوله صل ولا تغصب ، وعنوان الاكرام والتوهين كقوله أكرم العالم وأهن الفاسق ، كان من صغريات باب التزاحم ( حيث يستكشف ) من اطلاق المادة بل الهيئة أيضا في كل من الخطابين وجود الملاك في كل من العنوانين حتى في المجسم كما هو الشأن في جيع الخطابات ، ولذا ترى بنائهم على كشف قيام المصلحة بمتعلق التكاليف على الاطلاق حتى في حال العجز عن امتثالها ، مع الجزم باختصاص فعلية التكاليف بحال القدرة من غير تخصيص للمصلحة بحالها الا في فرض اخذ القدرة قيدا في حيز الخطاب ، كما في الحج ونحوه ( وحينئذ ) فمع كشف قيام الملاك والمقتضى من اطلاق كل من الخطابين بموضوعهما من العنوان على الاطلاق حتى في المجمع ، يندرج قهرا في باب التزاحم الذي حكمه هو الاخذ بأقوى الملاكين ( وحينئذ ) فينبغي ملاحظة معروض الحكمين من كونه عنوانا واحدا كعنوان الاكرام ، أو عنوانين متغايرين ( فعلى الأول ) يندرج في صغرى باب التعارض ، ( وعلى الثاني ) يندرج في صغرى باب التزاحم ، من غير فرق في الصورتين بين ان يكون متعلق معروض الحكم عنوانا واحدا أو متعددا ( لان ) المدار في وحدة العنوان وتعدده على وحدة ما يكون معروض الحكم وتعدده لا على وحدة متعلق معروض الحكم وتعدده كما هو ظاهر ( ولقد ) تقدم منا في الجزء الثاني من الكتاب في مبحث اجتماع الأمر والنهي شطرا وافيا من


(132)
الكلام فيما يتعلق بالمقام فراجع ( واما مرجحات ) باب التزاحم ، فهي أمور ( منها ) أقوائية الملاك ، فيقدم الأقوى ملاكا على غيره ( ومنها ) ما إذا كان أحدهما مشروطا بالقدرة الشرعية دون الآخر ، فيقدم ما لا يكون مشروطا بالقدرة الشرعية على المشروط بها وان كان أقوى ملاكا منه ( ومنها ) ما إذا كان أحدهما مضيقا والآخر موسعا ، فان المضيق مقدم بحكم العقل على الموسع جمعا بين الفرضين ( ومنها ) ما إذا كان لأحدهما بدل اضطراري ، فإنه يقدم بحكم العقل ما لا بدل له على ما له البدل ( واما مرجحات ) باب التعارض فسيجئ الكلام فيه انشاء الله تعالى.
    ( الامر الثالث ) لا اشكال في أن التعارض بكل واحد من المعنيين غير صادق في موارد الورود التي يكون أحد الدليلين نافيا لموضوع الآخر حقيقة ، نظير الامارات المعتبرة بالنسبة إلى الأصول العقلية من البراءة والتخيير والاحتياط ( واما موارد ) الحكومة ، فقد عرفت خروجها عن موضوع التعارض على أحد المعنيين للتعارض ( واما ) على المعنى الآخر ، فيمكن دعوى خروجها عن موضوعه أيضا ( إذ بعد ) ان يكون دليل الحاكم متعرضا لحال غيره وناظرا إلى شرح مدلوله وبيان المراد منه ، لا يكاد يرى العرف تنافيا بين مدلوليهما ، كي تدخل موارد الحكومة في موضوع التعارض ( بل الحاكم ) عند العرف بعناية شارحيته لبيان مدلول الغير وتعرضه له يكون بمنزلة القرائن المتصلة الحاكية مع ذيها عن معنى واحد ، بلحاظ ان مدلول المحكوم هو الذي تكفل الحاكم لشرحه لا غيره ، غير أن في القرائن المتصلة ، كما كان المدلول فيها واحدا ، كذلك الدال يكون واحدا ( وفي الحكومة ) باعتبار عدم اقتضاء الحاكم مع انفصاله قلب ظهور المحكوم ، يكون المدلول فيها واحدا والدال متعددا ( وبذلك ) يكون الحاكم وسطا بين القرائن المتصلة والمنفصلة ، فمن حيث وحدة المدلول يشبه بالقرائن المتصلة ، ومن حيث تعدد الدال يشبه بالقرائن المنفصلة.
    ( وكيف كان ) فقوام الحكومة انما هو يكون أحد الدليلين ناظرا إلى مفاد غيره ومبينا لكمية مدلوله ولو واقعا ، لا بما هو مدلوله ، ولا يعتبر فيها كون


(133)
الحاكم بمدلوله اللفظي شارحا لمفاد الغير بما هو مدلوله ، كي يلزم اعتبار كونه دائما بلسان أي التفسيري أو مصدرا بأداته ( وان شئت ) قلت إن ما به قوام الحكومة انما هو بنظر أحد الدليلين إلى مفاد غيره من حيث عقد حمله ( اما ) بعناية التصرف في عقد وضعه ادخالا أو اخراجا بتوسعة فيه أو تضييق ، كقوله زيد عالم عقيب قوله أكرم العلماء ، أو ان النحويين ليسوا من العلماء ( واما ) بكون نظره إليه بدوا بلا توسيط عناية تصرف في عقد وضعه ادخالا أو اخراجا ، كان ذلك بلسان أي التفسيري ومصدرا بأداته ، أو بصرف نظره إليه ، كما في أدلة الضرر والحرج النسبة إلى أدلة التكاليف الواقعية ( فان ) جميع ذلك مما ينطبق عليه ضابط الحكومة ويجري فيه خواصها ( ولذلك ) ترى بنائهم على تحكيم أدلة الضرر والحرج على أدلة الاحكام الواقعية الثابتة للموضوعات بعناوينها الأولية ، مع وضوح عدم كونهما بلسان أي التفسيري في مقام الشارحية ( مضافا ) إلى أن الحكومة ليست مدلول دليل لفظي حتى يدعي ان المستفاد منه ما يكون بلسان اي التفسيري في مقام شرح مدلول الغير ( وانما هو ) اصطلاح خاص نعبر بها عن كل دليل أو أصل يكون ناظرا إلى مفاد غيره ومبينا لكمية مدلوله ، ولولا بما هو مدلوله ، بل بما هو امر واقعي ، كان ذلك بلسان أي الشارحة ، أو بعناية التصرف في عقد وضعه ادخالا أو اخراجا أو بصرف النظر إلى عقد حمله والتصرف فيه ، بلا توسيط عناية التصرف في عقد وضعه بتوسعة أو تضييق ( فكما ) تتحقق الحكومة المصطلحة بما يكون بمدلوله اللفظي شارحا ومفسرا لمدلول الغير بما هو مدلوله ( كذلك ) تتحقق بغيره ( خصوصا ) مع ندرة الحكومة بالمعنى المزبور فيما بأيدينا من الأدلة المتكفلة للأحكام الكلية ( فان ) الغالب فيها كونه بلسان نفي الموضوع أو اثباته ، كقوله لا شك في النافلة ، أو مع كثرة الشك أو مع حفظ الامام أو المأموم ، أو بلسان نفى المحمول ، كأدلة الضرر والحرج ( ولعل ) إلي ما ذكرنا يرجع كلام الشيخ قده في الفرق بين الحكومة والتخصيص : بقوله ان كون التخصيص بيانا للعام انما هو بحكم العقل بعدم جواز إرادة العموم مع القرينة الصارفة وهذا بيان لفظي ومفسر للمراد من العام الخ ( فيكون ) المقصود


(134)
من البيان مطلق ما يكون ناظرا إلي شرح المراد من العام ومبينا لمقدار مدلوله ولو واقعا ، لا خصوص ما يكون بلسان شرح اللفظ ( والا ) فقد عرفت عدم انطباق الحكومة فيما بأيدينا من الأدلة على هذا الضابط مع وجود خواص الحكومة فيها.
    ( وكيف كان ) فالتحقيق في شرح الحكومة ما ذكرناه من أنه لا يعتبر فيها أزيد من كون مفاد أحد الدليلين ناظرا ولو بوجه إلى مفاد الآخر وشارحا لكمية مدلوله ولو واقعا لا بما هو مدلوله ( لان ) ذلك أيضا نحو شارح للغير بتضييق المراد منه أو توسعته بما هو امر واقعي اما بدوا أو بتوسيط عناية التصرف في عقد وضعه ( ثم إن ) هذه الجهة من الشارحية للحاكم بعد أن كان من تبعات الحكم المجعول للغير ، فلا جرم يحتاج صحة تشريعه إلى وجود المحكوم وتشريعه حتى تتحقق جهة الحكومة والشارحية ، والا فبدونه يكون دليل الحاكم لا غيا ، كما في قوله لا شك في النافلة أو مع كثرة الشك ، فإنه لولا تشريع حكم للشكوك عموما أو خصوصا ، لما كان مورد للأدلة النافية لحكم الشك في الأمثلة المزبورة ( وكذلك ) أدلة نفي الضرر والجرح ، فإنه لو فرض عدم تشريع حكم في الشريعة لم يكن مورد للأدلة النافية للجرح والضرر ( نعم ) لا يعتبر في الحكومة ان يكون تشريع المحكوم متقدما على تشريع الحاكم زمانا ( بل يكفي ) في صحة تشريعه وعدم لغويته مجرد تشريع مفاد المحكوم ولو في زمان متأخر عن زمان تشريع الحاكم ( واما ) المنع عن أصل احتياج الحاكم إلى وجود المحكوم ، كما عن المحقق الخراساني قده من دعوى انه لا يعتبر في الحكومة الا سوق الدليل بنحو يصلح للنظر إلى كمية موضوع الآخر مستشهدا بأدلة الامارات بالإضافة إلى أدلة الأصول من حيث صحة التعبد بها ولو مع عدم جعل الأصول إلى يوم القيامة ( فمدفوع ) بأنه كذلك على مختاره في أدلة الامارات من كون التنزيل فيها راجعا إلى نفس المؤدى ، لا إلى تتميم كشفها والغاء احتمال الخلاف ( إذ حينئذ ) لا نظر لدليل الامارة إلى شرح المراد من أدلة الأصول المثبتة للحكم في ظرف الشك واستتار الواقع ، بل


(135)
كل منهما في ظرف استتار الواقع مثبت لحكم تعبدي على خلاف الآخر ( ولكن ) قد عرفت منع الحكومة على هذا المسلك ( واما على التحقيق ) كما هو المختار من توجيه التنزيل فيها إلى تتميم الكشف واثبات كونها علما تنزيليا الذي هو المايز بين الامارة والأصل ( فلا محيص ) من سوقها لبيان كمية مدلول أدلة الأصول بتوسعة أو تضيق ( وبهذه ) الجهة قلنا ان الامارة ، كما تضيق دائرة الاستصحاب السابق برفع شكه ، كذلك توسع دائرة الاستصحاب اللاحق باثبات اليقين السابق ، فيصح بذلك الاستصحاب في الموارد التي كان ثبوت المستصحب بالامارة لا باليقين الوجداني ، كما هو ظاهر.
    ( ثم انه ) بما ذكرنا من الشارحية للحاكم تفترق الحكومة عن التخصيص وسائر موارد الجمع العرفي من جهات ( منها ) هذه الجهة ، فان في باب التخصيص لا يكون دليل المخصص ناظرا إلى شرح مدلول العام وبيان كمية مفاده غاية الامر لا يتحير العرف في تقديمه عليه من جهة اقوائية دلالته ( ومن المعلوم ) ان مجرد ذلك غير ملازم لكونه بلسانه شارحا للمراد من العام واقعا ( ولذلك ) ترى صحة التعبد بالخاص الأظهر لكونه مفيدا للفائدة التامة المستقلة ولو مع عدم تشريع حكم العام إلى يوم القيامة.
    ( ومنها ) تقديم الحاكم على دليل المحكوم بعد ثبوت نظره إليه ، وان كان أضعف دلالة على مؤداه من المحكوم من غير ملاحظة النسبة بين دليل الحاكم والمحكوم ولا ملاحظة قوة الظهور وضعفه ، بل يقدم الحاكم بعد ثبوت نظره ولو مع كون النسبة بينه وبين دليل المحكوم العموم من وجه ( بخلاف ) باب التخصص وسائر موارد الجمع ( فان ) تقديم الخاص والأظهر على العام والظاهر على ما هو التحقيق انما يكون بمناط الاخذ بأقوى الدلالتين وطرح الأخرى ( ولذلك ) قد يتوقف في تقديم الخاص على العام ، كما في فرض تساويهما في الدلالة ، فيعامل معهما في الجهة المشتركة بينهما معاملة سائر المتعارضين ( بل قد يقدم ) العام على الخاص في المقدار الذي كان العام نصا فيه أو أقوى ظهورا من الخاص ( وبذلك ) ربما يظهر جهة أخرى فارقة بين التخصيص
نهاية الافكار القسم الثاني من الجزء الرابع ::: فهرس