نهاية الافكار القسم الثاني من الجزء الرابع ::: 136 ـ 150
(136)
والحكومة ( وهي ) ان في موارد الحكومة لا يخرج سند المحكوم عن الاعتبار حتى في فرض اقتضاء الحاكم طرح ظهور المحكوم رأسا بحيث لا يبقى تحت ظهوره شيء من مدلوله ( لان ) الحاكم بلحاظ تكفله لشرح مدلول المحكوم يكون بمنزلة القرينة المتصلة في تعيين المراد الواقعي من مدلول المحكوم وانه هو الذي تكفل لشرحه ، وبذلك لا يخرج سند المحكوم عن الاعتبار ، لانتهاء الامر إلى العمل بما هو المراد منه ولو بتوسيط شارحه ( وهذا ) بخلاف باب التخصيص وسائر موارد الجمع العرفي ( فان ) دليل المنفصل الأظهر بعد ما لا يكون بلسانه ناظرا إلى شرح المراد من الظاهر ، ولا موجبا لقلب ظهوره كالقرائن المتصلة ( فلا محالة ) يكون العام باقيا على ظهوره في المراد منه مع احتمال كون المراد الواقعي على طبق ظهوره ( غاية الامر ) يجب رفع اليد عن حجية ظهوره في المقام الذي قام الأظهر على خلافه أعني الجهة المشتركة بينهما فيؤخذ بظهوره في المقدار الباقي من الجهة المختصة بالعام ، وهو المصحح للتعبد بسنده ( فإذا ) فرض انتهاء الامر في مورد إلى طرح ظهوره رأسا ، يلزمه خروج سنده أيضا عن الاعتبار ، لعدم انتهاء امر التعبد بسنده إلى العمل ، فيصير مثل هذا الظاهر بعد عدم حجية ظهوره كالمجمل المعلوم عدم التعبد بسنده.
    ( ومنها ) سراية اجمال الحاكم إلى المحكوم ولو مع انفصاله حتى فيما لا يسرى الاجمال إلى العام من الخاص المنفصل المجمل المردد مفهوما بين الأقل والأكثر ( فان ) الحاكم بعد أن كان ناظرا إلى شرح مدلول المحكوم وتفسيره بما هو المراد من لفظه واقعا لا بمقدار ما فيه من الإرائة والدلالة ، فلا محالة يكون اجماله وتردده بين الأقل والأكثر موجبا لاجمال المحكوم بمعنى صيرورته بمنزلة المجمل في عدم جواز الاخذ بظهوره ( نعم ) لو كان نظره إليه بمقدار دلالته وارائته ، لكان المتبع عند اجماله هو ظهور المحكوم في مقدار اجمال الحاكم ( ولكن ) مرجع ذلك في الحقيقة إلى عدم حكومته بالنسبة إلى مقدار اجماله ، لا إلى عدم اتباعه فارغا عن نظره ( والا ) فعلى فرض النظر المقوم لحكومته لا محيص من اتباع الحاكم مجملا كان أو مبينا ( لان ) المدار على ما أريد من الشارح ( وتوهم ) انه لا معنى حينئذ لاتباع المجمل


(137)
فلا يشمله دليل التعبد بسنده ( مدفوع ) بأنه كذلك إذا لم يترتب عليه اثر أصلا ( واما ) لو ترتب عليه هذا المقدار من الأثر من نفي العمل على طبق ظهور المحكوم فيكفي ذلك في صحة التعيد بسنده ( وعليه ) فما افاده المحقق الخراساني قده في الحاشية من الاخذ بظهور المحكوم ورفع اجماله به منظور فيه ( الا ان يقال ) ان كون الحاكم ناظرا إلى شرح الغير وتفسيره بما هو المراد من لفظه واقعا لا بمقدار دلالته انما يتم إذا كان بلسان أي الشارحة بمثل قوله المراد من العلماء هو العدول أو غير الفساق منهم ( إذ حينئذ ) يسرى اجماله إلى المحكوم ( واما ) لو كان بلسان نفي الموضوع أو الحكم عن بعض افراده ، كما هو الغالب فيما بأيدينا من الأدلة ( فلا يكون ) النطر منه إلى مدلول المحكوم الا بمقدار إرائته ودلالته ( وعليه ) فعند اجماله لا يكون حكومته الا بالنسبة إلى المقدار المعلوم دلالته عليه ( ولازمه ) الرجوع في مقدار اجماله إلى ظهور دليل المحكوم ، كما في الخاص المنفصل المجمل المردد بين الأقل والأكثر فتأمل ( ثم إن ) ما ذكرناه من تقديم الحاكم على المحكوم ولو كان أضعف دلالة منه ( انما يكون ) إذا لم يزاحمه دليل المحكوم في أصل نظره ( والا ) ففيما زاحمه المحكوم في نظره يعامل معهما من تلك الجهة معاملة سائر المتعارضين ، ( كما لو كان ) مفاد دليل المحكوم وجوب اكرام العلماء وحرمة لعنهم ، وكان مفاد الحاكم عدم كون النحويين من العلماء ( فإنه ) بالنسبة إلى حرمة اللعن ولو من جهة انغراس الذهن بعدم جواز لعن المؤمن يزاحمه دليل حرمة اللعن في نظره ، فيوجب صرف نظره إلى حيث الاكرام ( ولكن ) ذلك في الحقيقة خارج عن مفروض الكلام من تقديم الحاكم بما هو حاكم على المحكوم ، لرجوعه إلى نفى نظره الذي هو مقوم حكومته بالنسبة إلى حيث حرمة اللعن.
    ( الامر الرابع ) ان موارد الجمع المصطلح العرفي وان كانت داخله في موضوع التعارض على أحد المعنين في شرح التعارض ، لصدق تنافي المدلولين في مثل العام والخاص والمطلق والمقيد والظاهر والأظهر المتنافيين بالايجاب والسلب بحسب


(138)
ما لكل منهما في نفسه من الظهور النوعي في المعنى المراد ( ولكن ) لا شبهة في خروجها عن حكمه ( لان ) التعارض الذي هو موضوع الاحكام الخاصة من الترجيح والتساقط والتخيير ، انما هو فيما يتحير العرف في التوفيق بين الظهورين ( ولا تحير ) للعرف في التوفيق بين مثل العام والخاص والمطلق والمقيد ونحوهما من الظهورين المنفصلين الذين يصلح أحدهما المعين للقرينية على التصرف في الآخر ( نعم ) حيث إن هذا الجمع لا يكون الا بين الظاهر والأظهر ، يعتبر فيه بقاء مقدار من الدلالة للظاهر بعد تقديم الأظهر عليه ليكون هو المصحح للتعبد بسنده والجمع بين الظهورين ( والا ) ففي فرض اقتضاء تقديم الأظهر طرح ظهوره رأسا لا يشمله دليل التعبد بالسند فيخرج عن موضوع هذا الجمع ، كما أشرنا إليه فينتهى الامر فيهما إلى اعمال قواعد التعارض من التساقط أو الترجيح أو التخيير ( كما أن ) موضوع البحث في هذا الجمع انما هو في الكلامين الصادرين من شخص واحد أو الشخصين هما بمنزلة شخص واحد ، كالاخبار الصادرة بعضها عن امام وبعضها عن امام آخر ( والا ) ففي غيره كالبينتين المتعارضتين ونحوها ( لا يجرى ) هذا الجمع ، لعدم الدليل على الجمع بينهما بحمل الظاهر منهما على الأظهر ، بل لا بد فيهما من الحكم بالتساقط الا إذا كان هناك دليل خارجي على الترجيح من بعض الجهات ( ومن هذا ) البيان ظهر اعتبار امر آخر في الجمع بين الاخبار وهو احتمال صدور كلا الخبرين عن الإمام (ع) بمعنى عدم العلم بكذب أحد الراويين في حكاية صدور الخبر عن الإمام (ع) ، ولو لاشتباهه في نقله عنه ( والا ) ففي فرض اليقين بعدم صدور أحد الخبرين عن الإمام (ع) لا ينتهى الامر إلى التعارض بين الدلالتين فارغا عن سندهما كي تجرى قاعدة الجمع المزبور ( لان ) أصالة التعبد بالسند في كل منهما حينئذ تقتضي بالالتزام عدم صدور الآخر من الامام ، ولازمه نفي التعبد بدلالته أيضا ، ومعه لا ينتهى الامر إلى التعارض بين الدلالتين ( وبعبارة أخرى ) المدار في هذا الجمع انما هو على التصرف في كلام امام ورد على خلافه أظهر من الامام ( وهذا ) يقطع تفصيلا بعدمه ( لأنه ) على تقدير كون الصادر هو الأظهر ، فلا ظاهر في


(139)
قباله حتى يقتضى الأظهر التصرف فيه ( وعلى تقدير ) كون الصادر هو الظاهر ، فلا أظهر في قباله ( ومرجع ) ذلك إلى العلم بعدم صدور ظاهر من الإمام (ع) يجب التصرف فيه بحمله على الأظهر ، اما لعدم صدور الظاهر نفسه ، واما لعدم صدور أظهر على خلافه ( وحينئذ ) فبعد خروج هذا الفرض عن موضوع الجمع بين الدلالتين ينتهى الامر فيهما إلي التساقط إذا لم يمكن الاحتياط بالجمع بينهما في مقام العمل كما لو كان مفاد العام وجوب اكرام العلماء ، وكان مفاد الخاص حرمة اكرام النحويين من العلماء وسيأتي مزيد توضيح لذلك عند تأسيس الأصل في المتعارضين انشاء الله.
    ( وكيف كان ) فموضوع الجمع الدلالي انما يكون في مورد ساعد عليه العرف في التوفيق بين الظهورين ، وهو كما عرفت لا يمكن الا بين النص ، أو الأظهر والظاهر ( لا في الظاهرين ) كالعامين من وجه ونحوه إذا تساويا في الظهور ، لعدم الدليل بعد عدم مساعدة العرف عليه ( وعليه ) فما يظهر من بعض الكلمات من وجوب الجمع بين الدليلين ولزوم تقديم الترجيح الدلالي مهما أمكن على الترجيح السندي والتخيير ، محمول على الامكان العرفي ( والا ) فلا دليل عليه ( مضافا ) إلى ما يلزمه من سد باب الترجيح بالمرة ( لأنه ) ما من خبرين متعارضين الا ويمكن الجمع بينهما عقلا ببعض جهات الحمل والتأويل حتى في مثل قوله يجب اكرام زيد ويحرم اكرام زيد ( وهو كما ترى ) يستتبع تأسيس فقه جديد ( ثم إن الارتكاز ) العرفي في الجمع بين الظهورين المنفصلين في مثل العام والخاص ونحوه بعد ما لم يمكن بمثابة يوجب كون المراد الواقعي من العام والمطلق هو الخاص والمقيد ، بل يحتمل مع ذلك كون المراد الجدي منهما على طبق ظهورهما في العموم والاطلاق ، وان وجب رفع اليد عن ظهورهما بمقتضى النص والأظهر ( يقع الكلام ) في وجه تقديم النص أو الأظهر على الظاهر في مثل العام والخاص من أنه بمناط الورود ، أو الحكومة ، أو بمناط الاخذ بأقوى الظهورين والحجتين من جهة الأهمية ، نظير المتزاحمين.
    ( ومورد ) الكلام انما يكون فيما عدى الخاص القطعي السند والدلالة كالنص الكتابي ، أو المتواتر المحفوف بالقرائن القطعية ( والا ) فيقطع بعدم كون العموم


(140)
مرادا من ظهور العام فيقطع بخروجه عن موضوع دليل الاعتبار للجزم بعدم صلاحيته عقلا للطريقية وأعمال التعبد فيه ( بل عليه ) يكون خروجه من باب التخصص دون الورود ( ثم إن ) مبنى الوجوه المتقدمة ، هو الخلاف المعروف في أصالة الظهور ، من حيث تقيد موضوع الحجية بعدم قيام الحجة على وجود الأقوى ، على الخلاف أو بعدم العلم به ، أو بعدم وجوده واقعا ، ( وعدم ) تقيده بشيء من ذلك ( فإنه ) على الأول يكون دليل الخاص ولو كان ظنيا واردا على أصالة الظهور في العام ، لان التعبد بسنده حجة على وجود الأقوى وبيان على التخصيص ، فيرتفع به موضوع الحجية في العام حقيقة لا حكما وتعبدا ( من غير ) فرق بين الوجهين في اعتبار أصالة الظهور من كونه بمناط الظهور والكشف النوعي عن المراد ، أو لأجل أصالة عدم القرينة ( فإنه مهما ) كان التعليق على عدم قيام الحجة على وجود الأقوى على الخلاف ، فلا محيص من الورود ، ولا مجال في هذا الفرض لتقريب الحكومة في تقديم دليل الخاص ( واما ) على فرض كون التعليق على عدم العلم بوجود الأقوى أو عدم وجوده واقعا ( يكون ) دليل الخاص حاكما لا واردا ( لان ) دليل التعبد بسند الخاص باعتبار تكفله لتتميم الكشف ونفي احتمال عدم صدوره ، مثبت لوجود الأقوى ظاهرا ، وللعلم التعبدي بصدوره عن المعصوم (ع) ( فيكون ) رافعا لموضوع أصالة الظهور في العام تعبدا وتنزيلا لا حقيقة ( من غير فرق ) في هذه الجهة بين فرضي التعليق ( غاية الامر ) ان الحكومة في الفرض الأول من باب حكومة أدلة الاحكام الظاهرية على مثلها ، نظير حكومة الاستصحاب على مثل دليل الحلية والطهارة وحديث الرفع والحجب حيث كان الحاكم والمحكوم في مرتبة واحدة وهي في مرتبة الشك في وجود الأظهر ، فكان الحاكم بتكفله لنفي الشك عن وجود الأظهر ناظرا إلى تضييق دائرة أصالة الظهور في العام والظاهر في مرحلة الثبوت فتأمل ( وفي الفرض ) الثاني تكون الحكومة فيه من قبيل حكومة أدلة الاحكام الظاهرية على الاحكام الواقعية ( حيث ) ان التعبد بالظهور من جهة تعليقه بعدم وجود الأظهر واقعا ، يكون من قبيل الحكم الواقعي بالإضافة إلى التبعد بالسند في الأظهر فيكون التعبد بالسند في الأظهر بتكفله


(141)
لاثبات وجوده ناظرا إلى توسعة موضوع التعبد بالظهور أو تضييقه في مرحلة الظاهر وعند الشك في وجود الأظهر وان لم يوجب تضييقا فيه واقعا ( من غير ) فرق في ذلك أيضا بين الوجهين في اعتبار أصالة الظهور ، ولا بين كون الخاص الظني السند قطعي الدلالة أو ظني الدلالة ( فعلى ) كل تقدير في فرض كون الإناطة والتعليق على عدم العلم بوجود الأقوى أو عدم وجوده واقعا ، لا محيص من الحكومة ، ولا وجه لتقريب الورود ( نعم ) لو كان الخاص قطعيا من جهة السند وظنيا من جهة الدلالة ، كالمتواتر الظاهر في المؤدى ، يكون تقديمه على جميع فروض التعليق بمناط الورود ولا مجال للحكومة للقطع الوجداني بوجود ما هو الأقوى ظهورا من ظهور العام ووروده عن المعصوم (ع).
    ( وبما ذكرنا ) انقدح فساد ما عن بعض الأعاظم قده من ابتناه التفصيل في المقام حكومة وورودا على الوجهين في اعتبار أصالة الظهور : بقوله ان بنينا على كون الوجه فيها أصالة عدم القرينة يكون الخاص حاكما على العام ( وان بنينا ) على كون الوجه فيها الظن النوعي يكون الخاص واردا عليه حتى أنه جعل هذه الجهة منشئا لترديد الشيخ قده في الحكومة والورود ( وجه الفساد ) يظهر مما عرفت من عدم الفرق حكومة وورودا بين الوجهين في اعتبار أصالة الظهور ( فان المناط ) كله في ورود الخاص أو حكومته على ملاحظة المعلق عليه ( فان كان ) التعليق في أصالة الظهور على عدم قيام الحجة على وجود الخاص والأظهر يكون دليل الخاص ولو كان ظنيا واردا على أصالة الظهور في العام لا حاكما : قلنا ان الوجه في اعتبارها الظن النوعي الكاشف عن المراد ، أو أصالة عدم القرينة ، فإنه على كل من الوجهين في فرض التعليق بذلك يكون دليل الخاص حجة على ورود الأقوى على التخصيص ، فيرتفع موضوع أصالة الظهور حقيقة ( وان كان ) التعليق على عدم العلم بورود الخاص ، أو عدم وروده واقعا ، يكون دليل الخاص حاكما عليه لا واردا كما ذكرناه : قلنا ان الوجه في اعتبار أصالة الظهور هو أصالة عدم القرينة ، أو الظهور النوعي ( واما ) ترديد الشيخ قده في الورود والحكومة في المقام ، فليس منشئه


(142)
اختلاف الوجهين في اعتبار أصالة الظهور ( بل المنشأ ) فيه اختلاف فروض التعليق من كونه ، تارة على عدم الحجة على التخصيص ، وأخرى على عدم ورود المخصص واقعا ، وثالثة على عدم العلم بوروده ( كما انقدح ) بما ذكرناه فساد ما التزم به في المقام على ما في تقرير بعض تلامذته من القول بوجوب الاخذ بالخاص وتخصيص العام به مطلقا ولو كان ظهوره أضعف من ظهور العام مستدلا بان أصالة الظهور في الخاص تكون حاكمة على أصالة الظهور في طرف العام ، لكونه بمنزلة القرينة على التصرف في العام فيقدم على العام ولو كان أضعف ظهورا منه ، كما يقدم ظهور يرمي في الرمي بالنبل على ظهور أسد في الحيوان المفترس في قوله رأيت أسدا يرمى ، مع كون ظهور الأسد في الحيوان المفترس أقوى من ظهور يرمى في رمي النبل ، لكونه بالوضع ، وذلك بالاطلاق ( إذ فيه ) ما لا يخفى فإنه لم يرد تقديم الخاص بما هو خاص على العام بهذا العنوان في دليل لفظي حتى نتمسك باطلاقه ( وانما العمدة ) في الباب هي السيرة العرفية وبناء العقلاء على الاخذ بالخاص وتخصيص العام به ( والمتيقن ) من بنائهم على ذلك انما هو في مورد يكون الخاص أقوى ظهورا من العام ، كما هو الغالب في التخصيصات ( واما ) في غيره فلم يعلم بنائهم على الاخذ بالخاص كي يستكشف منه عن تقييد بنائهم على العمل بالعام بعدم ورود مطلق الخاص في قباله ( كما أن ) بناء الأصحاب على تقديم الخاص انما هو من جهة اقوائية ظهور الخاص من العام ( والا ) فلو فرض في مورد يكون العام بملاحظة بعض الخصوصيات أقوى ظهورا من الخاص يكون الامر بالعكس فيقدم على الخاص ويجرى عليه حكم القرينة على التصرف في الخاص ( واما التعليل ) الذي افاده لتقديم الخاص بما هو خاص وحكومته ، من كونه بمنزلة القرينة على التصرف في العام ( فعليل جدا ) : فان كون الخاص بما هو خاص بمنزلة القرينة على التصرف في العام ، مبنى على كونه ناظرا بمفاده إلى شرح مدلول العام ، وهو كما ترى لا يكون الا من شؤون الحاكم ( والا فشأن ) المخصص كما اعترف به هو قده لا يكون الا اثبات حكم آخر مضاد أو مناقض لحكم العام في بعض افراده بلا سوقه للقرينية على شرح مدلول العام


(143)
( ومثله ) لا يكون الا معارضا مع العام ، لا قرينة على التصرف فيه ( وعليه ) فلا بد من الترجيح بالاقوائية واجراء حكم القرينة على الأقوى منهما بلا كونه قرينة حقيقة ( فاجراء ) حكم القرينة حينئذ على الخاص لا يكون الا باقوائية دلالته ، والا فمع تساويهما في الدلالة بالنسبة إلى الجهة المشتركة يعامل معهما معاملة المتعارضين ( ومع ) اقوائية دلالة العام على المورد ولو من جهة ابائه عن التخصيص يقدم العام عليه ويجرى عليه حكم القرينة على التصرف في الخاص ( فما افاده ) قده في المقام من القول بتقديم الخاص على العام مطلقا ولو كان أضعف ظهورا لا يخلو عن غرابة ( واغرب منه ) استشهاده على مرامه بتقديم ظهور يرمى في رمى النبل على ظهور الأسد في الحيوان المفترس مدعيا بان ظهور الأسد في الحيوان المفترس من جهة كونه بالوضع أقوى من ظهور يرمى في رمى النبل ( إذ فيه ) ان مجرد وضعية الدلالة لا يقتضى الأقوائية خصوصا في المثال ( فان ) ظهور يرمى بمقتضى الانصراف والانسباق في رمي النبال غير المناسب للحيوان أقوى بمراتب من ظهور الأسد في الحيوان الخاص ( فكيف ) يصح قياس المثال بالخاص المنفصل عن العام.
    ( ثم انه ) أورد على جريان تقريب الحكومة بالإضافة إلى الأدلة اللفظية الثابتة حجيتها ببناء العقلاء بوجهين ( الأول ) ان حقيقة الحكومة عبارة عن كون أحد الدليلين ناظرا بمدلوله اللفظي إلى تفسير مدلول الآخر وشرح المراد منه ( وهذا العنوان ) مختص بالأدلة اللفظية ، ولا معنى لجريانه في اللبيات التي تكون من مقولة المعنى ( الثاني ) ان في ظرف وجود الأظهر ان كان البناء الفعلي من العقلاء على العمل بالعام الظاهر ، فيستحيل مع وجود هذا البناء بناء آخر منهم على الاخذ بسند الأظهر ( وان كان ) البناء على الاخذ بالأظهر وتخصيص العام به عند المعارضة ، فلا يكون ذلك الا من جهة ان بنائهم على العمل بالظاهر كان معلقا على عدم التعبد بالأظهر ( ولازم ) ذلك هو كون التعبد بالأظهر وأرادا على التعبد بظهور الظاهر ، لا حاكما عليه ، لوضوح ارتفاعه بمثله حقيقة لا حكما ( فعلى


(144)
كل حال ) لا يتصور للعرف وجود بنائين فعليين عموما وخصوصا يكون أحد البنائين رافعا للآخر حكما ، كما هو قضية الحكومة ( وانما المتصور ) دائما بناء فعلى واحد ، اما على العمل بالظاهر عند عدم الأظهر ، واما على الاخذ بالأظهر عند وجوده وتخصيص العام به ( ولكن يندفع ) الاشكال الأول بأنه انما يتم بناء على الحكومة بمعنى الشرح والتفسير ، وهو كون أحد الدليلين شارحا لفظيا لمدلول الآخر ، إذ حينئذ لا مجال لاطلاقها على الأدلة اللبية التي لا يكون فيها لفظ كما في المقام ( واما ) على ما ذكرنا سابقا من الضابط فيها بكونها متقومة بصرف نظر أحد الدليلين إلى مفاد الآخر بتوسعة أو تضييق ولو بما هو امر واقعي ، فلا قصور في تصويره في اللبيات ( إذ لا فرق ) على هذا الضابط بين الأدلة اللفظية واللبية ( واما الاشكال ) الثاني ( فيمكن دفعه ) أيضا بان بناء العقلاء على العمل بالظاهر إذا كان معلقا على عدم ورود أظهر على خلافه من الشارع واقعا ، فلا جرم يكون بنائهم على التعبد بسند الأظهر ناظرا إلى توسعة البناء الآخر أو تضييقه في مرحلة الظاهر تعبدا لا حقيقة ، وليس هذا الا الحكومة ( وما أفيد ) من التنافي بين البنائين حينئذ ( مدفوع ) بأنه كذلك إذا كان البنائان عرضيين ( واما ) إذا كانا طوليين وفي مرتبتين فلا تنافي بينهما ( وتوضيح ذلك ) هو ان موضوع التعبد بالظاهر بعد أن يكون مقيدا بعدم ورود أظهر على خلافه من الشارع واقعا ، يكون التعبد بالظاهر باعتبار قيد موضوعه من قبيل الحكم الواقعي بالإضافة إلى التعبد بسند الأظهر ، ويكون التعبد بسند الأظهر في رتبة متأخرة عن الشك في ورود الأظهر واقعا من الشارع ، وبذلك يكون البنائان في مرتبتين بحيث لا يشمل فعلية كل واحد لمرتبة الآخر ، نظير الحكم الواقعي والظاهري غير المتنافيين باختلاف مرتبتهما ( غاية ) الامر يكون العمل الفعلي على طبق البناء الظاهري على وجود الأظهر ووروده من الشارع ( ولكن ) لا بعنوان عدم ثبوت موضوع البناء الواقعي حقيقة ، بل بعنوان عدم ثبوته تعبدا وتنزيلا ، كما هو الشأن في جميع موارد محكومة الأدلة الاحكام الظاهرية على الاحكام


(145)
الواقعية الراجعة إلى توسعه الواقعيات أو تضييقها في مرحلة الظاهر ( واما توهم ). ان بناء العرف والعقلاء على شيء ليس الا عبارة عن معاملتهم ( فإذا كان ) عملهم الفعلي في المقام على طبق الأظهر ، يلزمه عدم معاملتهم فعلا على طبق الظاهر ، ولازمه هو تعليق البناء على العمل على طبق الظاهر على عدم البناء على طبق الأظهر ، فيلزم ارتفاع البناء على طبق الظهور حقيقة لا حكما وتعبدا ( فمدفوع ) بمنع كون بناء العرف والعقلاء عبارة عن صرف عملهم ( بل العمل ) انما يكون مترتبا على بنائهم لكونه في الحقيقة إطاعة وامتثالا لبنائهم ( وبالجملة ) نقول ان نسبة العمل إلى بنائهم انما هو كنسبة الوفاء بنذورهم وعهودهم في كونه إطاعة وفي مرتبة متأخرة عن بنائهم ( وعليه ) فلا بأس بالالتزام ببنائين طوليين للعقلاء من حيث الواقعية والظاهرية مع الالتزام بكون عملهم الفعلي على طبق الأظهر بمناط الحكومة بعناية كونه هو الواقع الراجع إلى توسعة للبناء الآخر أو تضييقه في مرحلة الظاهر حكما وتنزيلا ، لا حقيقة ( نعم ) في فرض تقيد موضوع التعبد بالظهور بعدم العلم بورود أظهر من الشارع على خلافه يتجه الاشكال المزبور على تقريب حكومة سند الأظهر على الظاهر ولا يجديه مجرد كون التعبد بسنده ناظرا إلى الغاء احتمال الخلاف وتتميم كشفه ( لان ) مقتضى التقييد المزبور هو كون البنائين في مرتبة واحدة وهي مرتبه الشك في وجود الأظهر ، ولازمه تحقق المضادة ، بين البنائين ، ومع تضادهما وجودا لا وجود للبناء على طبق الظاهر مع البناء الفعلي منهم على الاخذ بسند الأظهر والعمل على طبقه حتى يصلح لرفعه تنزيلا لا حقيقة ، كما هو ظاهر.
    ( ثم إن ذلك ) كله في فرض الالتزام بتقييد موضوع التعبد بالظهور بأحد الوجوه المتقدمة ( واما في فرض ) عدم تقييده بشيء كما هو المختار فلا سبيل إلى تقديم الأظهر بمناط الورود ، ولا بمناط الحكومة بالتقريب المتقدم ، لعدم ترتب شرعي حينئذ للتعبد بالظهور على عدم وجود الأظهر حتى يصلح التنزيل المستفاد من التعبد بسند الأظهر لان يكون ناظرا إليه شرعا ( بل الوجه ) في تقديم الأظهر على هذا المبنى ينحصر بكونه بمناط الاخذ بأقوى الملاكين وتقديمه على أضعفهما ،


(146)
كما في جميع أبواب المزاحمات ( فان المقتضى ) المؤثر في نفوس العقلاء للاخذ بالكلام الصادر من المتكلم للاستطراق به إلى الواقع ، انما هو ظهوره وكشفه النوعي عن المراد الجدي وارائته لمتعلق الإرادة الواقعية ( وحيث ) ان هذا الملاك يوجد في الأظهر على نحو أقوى من الظاهر ، فلا جرم يكون مورد التزاحم مندرجا في صغرى باب التزاحم الذي حكمه هو الاخذ بأقوى الملاكين والمقتضين ، فيجب الاخذ بالأظهر ، لأقوائية كشفه من الظاهر ، كما هو ذلك في جميع موارد تزاحم الملاكين والمقتضيين ، حيث يكون التأثير الفعلي للأقوى ملاكا منهما ( هذا ) إذا كان الأظهر قطعي السند ( واما ) إذا كان ظنيا ( فلازم ) التزاحم المزبور وان كان هو الاخذ بالظاهر عند الشك في وجود الأظهر وصدوره من الشارع ، لحكم العقل في باب التزاحم بلزوم الاخذ بالمهم مع الشك في وجود المزاحم الأهم بمناط الاشتغال في مطلق الشك في القدرة ( ولكن ) موضوع حكم العقل بذلك لما كان معلقا على عدم الحجة على وجود الأهم ، فلا محالة يكون دليل التعبد بسند الأظهر رافعا لموضوع حكم العقل ، حيث يكون بيانا وحجة على وجود الأظهر وصدوره من الشارع ، فيكون واردا على هذا الحكم العقلي حقيقة ، وعلى التعبد بالظاهر عناية ، بلحاظ ملازمة ارتفاع حكم العقل بالأخذ بالظاهر لتحقق البناء على طبق الأظهر ، كما هو ذلك في كل مورد قام الدليل على وجود المزاحم الأهم ( ففي الحقيقة ) يكون ذلك نحو تقريب لورود أصالة السند في الأظهر على أصالة الظهور في الظاهر ، ولكن لا بالورود بالمعنى المتقدم في فرض إناطة موضوع التعبد بالظهور بعدم الحجة على وجود الأظهر ( فان أصالة ) السند في الأظهر على التقريب السابق رافع للتعبد بالظاهر حقيقة لارتفاعه بارتفاع موضوعه ( بخلاف ) ما ذكرنا من التقريب ( فان ) المرتفع حقيقة ليس هو البناء على التعبد بالظهور واقعا لكونه وجودا وعدما تابع قيام الأظهر على خلافه واقعا وعدم قيامه ، وانما المرتفع هو حكم العقل بمقتضى الاشتغال بالأخذ بالظاهر عند الشك في وجود الأظهر والمزاحم الأقوى ، غاية الامر ارتفاعه يلازم للبناء الفعلي على طبق


(147)
الأظهر ظاهرا ( هذا كله ) فيما قيل أو يمكن ان يقال في وجه تقديم الأظهر على الظاهر ثبوتا.
    ( واما ) تشخيص الأظهر وتمييز الأقوائية في الظهور اثباتا ، فلا يدخل تحت ضابط كلي ، وانما هو موكول إلى نظر العرف ( وحيث ) انه يختلف بذلك باختلاف الموارد من حيث اقتران الكلام بالقرائن الشخصية الحافة الخارجة عن تحت الضبط وعدم اقترانه بها ، فلا بد للفقيه من اتعاب النفس في تشخيص اقوائية أحد الظهورين كتشخيص أصل الظهور من ملاحظة الخصوصيات المكتنفة بالكلام من القرائن الحالية أو المقالية ، ومناسبات الحكم والموضوع ، بل وخصوصيات المتكلم والمخاطب ونحوها من الأمور الموجبة لصيرورة أحد الكلامين باقترانها به بمثابة من الظهور توجب عرفا قرب التصرف في الآخر ، لا مجرد كون التصرف في أحدهما أبعد من الآخر ( ويمكن ) جعل الضابط فيه ، بفرض كون الجميع في كلام واحد ، ولحاظ ان أيهما في هذا الفرض يكون موجبا لقلب ظهور الآخر ، فكل ما يكون منشئا لقلب ظهور الآخر فهو الأقوى ، هذا بالنسبة إلى شخص المتعارضين.
    ( واما ) بالنسبة إلى نوعهما ( فقد ذكروا ) أمورا في ضابط الأقوائية والترجيح ( منها ) ما إذا تعارض العام الأصولي مع الاطلاق الشمولي ، ودار الامر بين تخصيص العام أو تقييد المطلق ، كما لو قال أكرم العالم ولا تكرم الفساق ( فإنه ) بعد تعارضهما في مادة الاجتماع يدور الامر بين تقييد قوله أكرم العالم بغير الفاسق وبين تخصيص قوله لا تكرم الفساق بما عدى العالم ( حيث ) قيل بان شمول العام الأصولي لمورد الاجتماع أظهر من شمول المطلق له ( لان شمول ) الأول لمادة الاجتماع يكون بالوضع وشمول الثاني له يكون بالاطلاق ومقدمات الحكمة التي من جملتها عدم ورود ما يصلح ان يكون بيانا للتقييد ، والعام الأصولي يصلح لذلك ، فلا تتم معه مقدمات الحكمة في المطلق الشمولي ، فيقدم العام الأصولي عليه ويقيد به المطلق بما عدى مورد الاجتماع ( وبتقريب ) آخر ان ظهور العام الأصولي من جهة كونه بالوضع ظهور تنجيزي ، وظهور المطلق في الاطلاق ظهور تعليقي على تمامية مقدمات الحكمة التي من جملتها عدم ورود ما يصلح ان يكون بيانا على التقييد ،


(148)
وبعد صلاحية العام الأصولي لذلك لا ظهور للمطلق في الاطلاق في مقابل العام الأصولي حتى يدور الامر بين الاخذ بالمطلق أو العام ( ولكن ) فيه انه يتجه ذلك إذا كان أساس مقدمات الحكمة على كون المتكلم في مقام بيان مرامه بمطلق كلامه ولو منفصلا عن كلامه الملقى إلى المخاطب في مجلس التخاطب ( إذ حينئذ ) يكون لعدم القرينة على التقييد ولو في كلام آخر منفصل دخل في ظهور المطلق في الاطلاق ، فيتجه معه اخذ النتيجة المزبورة في المقام لصلاحية العام المزبور للبيانية على التقييد ( واما ) إذا كان أساس المقدمات على كون المتكلم في مقام بيان تمام مرامه بخصوص الكلام الذي وقع به التخاطب ، لا به وبكلام آخر منفصل عنه ولو بعد سنين ، كما عليه بناء العرف والعقلاء في محاوراتهم ( فلا محالة ) عند عدم نصب البيان على التقييد متصلا بكلامه الملقى إلى المخاطب في مجلس التخاطب ، ينعقد الظهور الاطلاقي للمطلق وتتحقق الدلالة التصديقية النوعية التي عليها مدار الحجية في باب الألفاظ ( ولازم ) ذلك مع احراز المقدمات جزما هو طرح ظهور القيد الوارد في كلام آخر منفصل للجزم بخلافه ، ومع احرازها بالأصل وظاهر حال المتكلم في كونه بصد تمام مرامه بتمام لفظه الملقى إلى المخاطب هو وقوع المزاحمة بين ظهور كلامه في الاطلاق وظهور كلامه المنفصل في التقييد ( وفي مثله ) لا بد من الترجيح بالاقوائية ، بلا ورود أحدهما على الآخر ( ولا يكفي ) حينئذ في رفع اليد عن الاطلاق مجرد وضعية الدلالة فيما دل على التقييد ( لان ) مجرد وضعية الدلالة لا يكون منشئا للأقوائية كما هو ظاهر ( وحيث ) ان بناء العرف والعقلاء في محاوراتهم على الاخذ بالاطلاق في الكلام الصادر من المتكلم عند عدم نصب البيان على التقييد متصلا بالكلام الملقى إلى المخاطب في مقام الإفادة والاستفادة ( فلا محيص ) عند التزاحم في مادة الاجتماع من الاخذ بأقوى الظهورين والعمل على طبقه من تخصيص العام أو تقييد المطلق على قواعد الأظهر والظاهر.
    ( وبما ذكرنا ) اتضح الحال فيما لو دار الامر بين تقييد الاطلاق البدلي ، وتخصيص العام الأصولي كقوله أكرم عالما ، وقوله لا تكرم الفساق ( فإنه ) قيل


(149)
فيه أيضا بتقديم تقييد الاطلاق البدلي على تخصيص العام الأصولي بعين ما تقدم بيانه في فرض الدوران بين العام الأصولي ، والاطلاق الشمولي ( بل قيل ) ان الامر في تقديم تقييد الاطلاق البدلي أوضح من تقديم التقييد في الاطلاق الشمولي ( بتقريب ) ان المطلوب في الاطلاق البدلي انما هو صرف الوجود ، ومثله لا يصلح لان يعارض العام الأصولي الذي يكون المطلوب فيه هو الوجود الساري ( لان ) الأول انما يقتضي الاجتزاء بأي واحد من الافراد إذا كانت متساوية الاقدام ولم يكن في البين ، ما يقتضي المنع عن بعض الافراد ( والعام الأصولي ) باعتبار شموله لجميع الافراد واقتضائه لحرمة اكرام كل فرد من افراد الفساق يقتضي خروج العالم الفاسق في مادة الاجتماع من دائرة الاطلاق البدلي ( وفيه ما تقدم ) من ابتنائه على كون عدم البيان الذي هو أساس مقدمات الحكمة هو مطلق عدم البيان ولو في كلام آخر منفصل ( والا ) فعلى فرض كون المدار على عدم البيان في مقام التخاطب كما أوضحناه لا مطلقا ولو بعد حين ( فلا جرم ) بعدم نصب القرينة على التقييد ما دام التخاطب يستقر الظهور الاطلاقي ، ( ومعه ) لا محيص في تقديم أحدهما على الآخر في مادة الاجتماع من الأقوائية في الظهور والدلالة من غير فرق بين ان يكون ورود العام قبل المطلق أو مقارنا له أو متأخرا عنه ( وهذا ) هو الذي اختاره المحقق الخراساني قده ( وما افاده ) في فوائده من لزوم جمع كلمات الأئمة (ع) المتفرقة في الزمان وفرض ورودها في زمان واحد والاخذ بما هو المتحصل منها على فرض الاجتماع ، لا ينافي ذلك ( فان المقصود ) من ذلك انما هو بيان تشخيص الأظهرية الموجبة للجمع ، كما أشرنا إليه آنفا قبال عدم صلاحية مجرد أبعدية التصرف فيه من غيره ، فلا تنافي بين ما افاده في المقام من انعقاد الظهور الاطلاقي للمطلق عند عدم نصب القرينة على التقييد متصلا بالكلام ما دام التخاطب ، وبين ما افاده في فوائده حتى يشكل عليه كما هو ظاهر.
    ( ومنها ) ما إذا تعارض الاطلاق البدلي مع الاطلاق الشمولي ، ودار الامر بين تقييد الاطلاق البدلي أو الشمولي ، كقوله أكرم عالما ، ولا تكرم الفاسق


(150)
( حيث ) قيل بتقديم الأول على الثاني بالتقريب المتقدم في تعارض الاطلاق البدلي مع العام الأصولي ( ويرد عليه ) ما تقدم من استقرار الظهور الاطلاقي لكل واحد منهما عند عدم اتصال الكلام الذي وقع به التخاطب بما يصلح لتقييده ( ومجرد ) كون أحد الاطلاقين شموليا غير موجب لخروج الافراد في الاطلاق البدلي عن كونها متساوية الاقدام في مقام الإطاعة ( لان ) ذلك انما يتم في المتصلات في كلام واحد ( والا ) ففي المنفصلات لا بد في الترجيح من لحاظ الجهات الموجبة لأظهرية أحد الاطلاقين واقوائيته ( ومنها ) ما إذا تعارض بعض جمل ذوات المفهوم مع بعض آخر ( كتعارض ) مفهوم الغاية مع مفهوم الشرط في مثل قوله يجب الامساك إلى الليل ، وقوله ان جائك زيد فلا يجب الامساك في الليل ( فان ) مفهوم الغاية تقتضي عدم وجوب الامساك في الليل ، ومفهوم الشرط يقتضي وجوبه في الليل ( وكتعارض ) مفهوم الشرط مع مفهوم الوصف بناه على كون القضية الوصفية ذات مفهوم ( حيث ) قيل في الأول بتقديم مفهوم الشرط ( لان ) ثبوت المفهوم للقضية الشرطية بالاطلاق ومقدمات الحكمة ، بخلاف القضية الغائية ، فان دلالتها على انقضاء حكم ما قبل الغاية عما بعدها تكون بالوضع ( وفي الثاني ) بتقديم ظهور مفهوم الشرط على مفهوم الوصف ، لكون القضية الشرطية أظهر في المفهوم من القضية الوصفية ( ويرد ) على الأول ما ذكرناه من أن المدار في عدم البيان المقوم للاطلاق انما هو على عدمه المتصل بالكلام الذي وقع به تخاطب المتكلم في مجلس التخاطب ، لا على عدمه مطلقا ولو منفصلا عنه ( فلا مجال ) لهذا الكلام في المنفصلين ، بل لا بد فيهما عند الترجيح من لحاظ الجهات الموجبة لأظهرية أحدهما على الآخر ( وعلى الثاني ) بان الحكم بأظهرية الجملة الشرطية في المفهوم من القضية الوصفية بنحو الموجبة الكلية ، غير تام ، لاختلافه باختلاف المقامات والخصوصيات المكتنفة بالكلام ومناسبات الحكم والموضوع ونحوها ، فإنه بملاحظة هذه الجهات قد تكون القضية الوصفية أظهر في المفهوم من القضية الشرطية ، وقد تكون ظهورهما في المفهوم متكافئين فيتعارضان.
نهاية الافكار القسم الثاني من الجزء الرابع ::: فهرس