نهاية الافكار القسم الثاني من الجزء الرابع ::: 151 ـ 165
(151)
    ( ومنها ) ما إذا دار الامر بين التخصيص والنسخ ( حيث قيل ) بتقديم التخصيص على النسخ ، لكثرة الأول وشيوعه ، وقلة الثاني وندرته ( وقيل ) بتقديم الثاني ( وقبل الخوض ) في تنقيح المرام ينبغي التعرض لبيان الشقوق المتصورة للعام والخاص المتخالفين ناسخا ومخصصا ومنسوخا ( فنقول ) إذا ورد عام وخاص متخالفان ( فاما ) ان يكونا متقارنين ، واما ان يكونا متعاقبين ( وعلى الثاني ) فالمتقدم منهما ، اما ان يكون هو العام ، واما ان يكون هو الخاص ( وعلى التقديرين ) فالخاص أو العام المتأخر ( اما ) ان يكون وروده قبل وقت العمل بالمتقدم ( واما ) يكون وروده بعد وقت العمل به ( والظاهر ) ان في جميع هذه الفروض يتأنى الدوران المزبور بين النسخ والتخصيص ( فان في فرض ) تأخر العام عن الخاص كما يحتمل كون الخاص المتقدم مخصصا للعام المتأخر ( كذلك ) يحتمل كونه منسوخا بالعام ( كما أن ) في فرض تأخر الخاص عن العام يتصور احتمال المخصصية والناسخية للخاص المتأخر ( من غير فرق ) بين ان يكون ورود الخاص قبل حضور وقت العمل بالعام أو بعده ( وهكذا ) في فرض ورودهما متقارنين ، حيث يتصور احتمال المخصصية والناسخية بل المنسوخية للخاص.
    ( ولكن ) الذي يظهر من جماعة هو التفصيل بين الشقوق المذكورة للعام والخاص من حيث الناسخية تارة والمخصصية ، أخرى ، والقابلية للامرين ثالثة ( حيث ) انهم اعتبروا ( في التخصيص ) ورود الخاص قبل حضور وقت العمل بالعام لا بعده معللين ذلك بقبح تأخير البيان عن وقت الحاجة ( وفي النسخ ) وروده بعد وقت العمل بالعام ( لان ) النسخ رفع للحكم الثابت الفعلي من جميع الجهات ، فلا يكفي فيه مجرد فرضية الحكم ولو بفرض موضوعه ما لم يصل إلى مرحلة الفعلية ، فقبل وقت العمل بالعام لا يكون الحكم الا فرضيا ( فعلى هذا الضابط ) يكون الخاص المقارن للعام والخاص الوارد بعد العام قبل وقت العمل به مخصصا محضا لا ناسخا ، لعدم حكم فعلى حينئذ للعام كي يقبل النسخ ( وكذا ) في العام الوارد بعد الخاص قبل وقت العمل به ( حيث ) يكون الخاص في هذه الفروض الثلاثة


(152)
مخصصا وبيانا للعام لا ناسخا ولا منسوخا ( ويكون ) الخاص الوارد بعد العام وبعد حضور وقت العمل به ناسخا للعام لا مخصصا لعدم جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة ( فيختص ) مورد الدوران بين النسخ والتخصيص بما إذا كان الخاص مقدما على العام ، وكان العام واردا بعد حضور وقت العمل بالخاص ( إذ في مثله ) كما يحتمل كون الخاص المتقدم مخصصا للعام المتأخر ( كذلك ) يحتمل كونه منسوخا بالعام ( هذا ) ملخص ما أفادوه في المقام من التفصيل بين الصور المذكورة ناسخا ومنسوخا ومخصصا ( وقد عرفت ) ابتنائه ( على مقدمتين ) إحديهما قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة ( وثانيتهما ) كون النسخ رفعا للحكم الفعلي الثابت ( ولكن لا يخفى ) ما في المقدمتين.
    ( اما المقدمة الأولى ) وهي قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة ( ففيه ) ان المراد من الحاجة ان كان حاجة المولى إلى الفعل أو إلى البيان ( فالكبرى ) وان كانت مسلمة ، فان التأخير حينئذ قبيح بل مستحيل ، لأنه من نقض الغرض المستحيل من الحكيم حتى عند الأشعري ( ولكن ) الصغرى ممنوعة ( إذ يمنع ) تعلق الغرض الجدي من القاء تلك العمومات لبيان المراد الواقعي ( ومجرد ) كونه وقت حاجة المكلف في العمل بالعموم ، لا يقتضي كونه وقتا لحاجة المولى إلى الفعل أوال البيان بل نفس تأخير البيان في المنفصلات دليل على عدم حاجة المولى إليه ( وان كان ) المراد من الحاجة حاجة العبد إلى العمل ولو لم يكن وقتا لحاجة المولي ، فقبحه غير معلوم ، بل معلوم العدم ( بداهة ) انه لا قبح فيه إذا كان التأخير عن مصلحة أوجبت اخفاء الحكم الواقعي إلى زمان ورود المخصص ( فيمكن ) ان تكون المصلحة في القاء الظهور إلى المكلف على خلاف المراد الواقعي ليتكل عليه العبد ويكون حجة له وبيانا إلى أن تقتضي المصلحة بيان المراد الجدي ( وبالجملة ) اخفاء المراد الجدي مع القاء الحجة على خلاف الواقع لمصلحة مما لا قبح فيه ( كما يظهر ) ذلك من ملاحظة نصب الطرق غير العلمية في الموارد التي يؤدى إلى خلاف الواقع ، كما أجبنا به عن ابن قبة ببعض تقريباته ( وحينئذ ) فكما ان الوظيفة الظاهرية في موارد الطرق المنصوبة المؤدية أحيانا إلى خلاف الواقعيات هو الاخذ بها حجة وبيانا ، وفي غير مواردها هو


(153)
الرجوع إلى ما يستقل به العقل من البراءة أو الاحتياط ( كذلك ) في المقام ، فقبل ورود البيان على التخصيص يكون المكلف محكوما بالحكم الظاهري بالعمل على طبق العالم إلى مجيء البيان على المراد الواقعي بلا ورود محذور قبح في البين ( والمراد ) من الحكم الظاهري انما يكون هو الحكم المستفاد من أصالة الظهور عند الشك في مطابقة ظهور العام للواقع ، لا ما تضمنته العمومات ( فان ) مفاد العمومات ليس الا الحكم الواقعي ، فما في تقرير بعض الأعاظم من جعل الحكم الظاهري عبارة عن مفاد العمومات مبنى على المسامحة أو طغيان القلم ، والا فبطلانه واضح ( وبما ذكرنا ) ظهر ان مخصصية الخاص للعام لا يتعين بوروده قبل وقت العمل بالعام ، بل كما يصلح للمخصصية في الفرض المزبور يصلح للمخصصية أيضا في فرض وروده بعد وقت العمل بالعام ، فيمكن ان تكون المخصصات المتأخرة الواردة عن الأئمة (ع) هي المخصصات حقيقة ، لا انها كاشفات عن اتصال كل عام حين صدوره بمخصصه ( وتوهم ان ) مصلحة الحكم الواقعي الذي هو مفاد المخصصات المنفصلة ان كانت تامة فلا بد من اظهاره والتكليف به من الأول ( وان لم تكن ) تامة ولو بحسب مقتضيات الزمان بان يكون للزمان دخل في الملاك فلا يمكن ثبوت الحكم الواقعي حتى يكون مفاد العام حكما ظاهريا ، بل يكون الحكم الواقعي هو مفاد العام إلى زمان ورود الخاص ، وفي مثله يكون الخاص المتأخر عن وقت العمل بالعام ناسخا لا مخصصا ( مدفوع ) بما ذكرنا من أن مجرد تمامية ملاك الحكم الواقعي في المخصصات المنفصلة لا يلازم وجوب اظهاره والتكليف به من الأول ، لا مكان ان يكون في التأخير مصلحة ولو كانت هي لتسهيل على المكلفين في الصدر الأول أو جلب رغبتهم في الإطاعة والعبودية أو غير ذلك ( فيمكن ) حينئذ ايكال اظهاره إلى أوصيائه عليهم السلام مع اعطاء الحجة فعلا على خلاف الواقع.
    ( واما المقدمة الثانية ) ففيها منع كون النسخ عبارة عن رفع الحكم الثابت الفعلي من جمع الجهات ( بل نقول ) انه يكفي في صحته مجرد ثبوت الحكم ولو بمرتبة انشائه الحاصل بجعل الملازمة بينه وبين شرطه في مقابل عدمه ، كما في الموقتات والمشروطات


(154)
قبل تحقق وقتها وشرطها ( فإنه ) كما يصدق على جعل مثله انه ايجاد للحكم كذلك يصدق على رفعه انه نسخ له ، بلا احتياج في صحة رفعه إلى فعليته ( ولذلك ) ترى صحة النسخ في الاحكام العرفية في الموقتات والمشروطات قبل وقتها وشرطها في مثل قول المولى لعبده يجب اطعام العلماء في شهر كذا ، أو ان جائك عالم فأكرمه ( وقوله ) بعد هنيئة نسخت هذا الحكم ( فإذا كان ) هذا المقدار من الثبوت في الاحكام العرفية كافيا في صدق الرفع وصحة النسخ ( كذلك ) في الأحكام الشرعية ، فيكتفي في صحة النسخ فيها كونه رفعا لما هو المنشأ بالانشاء السابق ولو كان ذلك مجرد احداث الملازمة بين الحكم وشرطه ( ثم إن ذلك ) بناء على المشهور من إناطة فعلية الحكم في الواجبات المشروطة بوجود شرائطها خارجا ، لجعلهم الخطابات الشرعية الطلبية من سنخ القضايا الحقيقية التي يتبع المحمول فيها في الفعلية والفرضية فعلية وجود موضوعه وفرضيته ( واما ) على المختار فيها من إناطة الحكم فيها بفرض وجود الشرط في لحاظ الآمر ولو طريقا إلى الخارج ، لا بوجوده خارجا كما شرحناه في الجزء الأول من الكتاب في مبحث الواجب المشروط في مقدمة الواجب ، فلا محالة يكون الحكم فعليا فيها ، غايته منوطا بفرض وجود الشرط في لحاظه الآمر ( ومع ) فعلية الحكم فيها قبل وجود شرائطها خارجا ( لا بأس ) بالالتزام بصحة النسخ فيها قبل تحقق شرطها خارجا وقبل وقت العمل بها ولو على القول بكون النسخ رفعا للحكم الفعلي الثابت ( إذ لا يحتاج ) في صحة النسخ حينئذ إلى أزيد من فعلية الخطاب بمضمونه حسب استعداد الخطاب لها ( نعم ) لو كان المقصود من فعلية الخطاب بمضمونه هي الفعلية المطلقة حتى بالمرتبة المساوقة لمحركية العبد فعلا نحو الامتثال ( لكان ) للاشكال المزبور كمال مجال لاحتياج صحة النسخ حينئذ إلى فعلية وجود الشرط خارجا الملازم للمحركية الفعلية المساوق لوقت العمل ( ولكنه ) من الأغلاط ( لوضوح ) ان هذه المرتبة من الفعلية انما هي من شؤون تطبيق العبد مضمون الخطاب على المورد خارجا ( ومثله ) كما ترى أجنبي عن مضمون الخطاب ، لكونه في مرتبة متأخرة عن الخطاب بمضمونه ، فلا يمكن اخذ هذه المرتبة في


(155)
مضمون الخطاب المحفوظ في مرتبة نفسه كما هو ظاهر ( وحينئذ ) فلو قلنا ان النسخ رفع للحكم الفعلي الثابت ، فلا بد من أن يراد به رفع ما هو مضمون الخطاب الصادر من المولى بماله من الفعلية المناسبة له المحفوظة في المرتبة السابقة عن مرحلة المحركية الخارجية التي هي من شؤون تطبيق العبد مضمون الخطاب على المورد ( وبعد ) تحقق الفعلية بهذا المعنى على المختار في الموقتات والمشروطات ، لا يحتاج في صحة النسخ إلى حضور وقت العمل ووجود شرائط الحكم خارجا ( ولازمه ) بطلان التفصيل السابق ، لتساوي جميع الفروض المتقدمة للعام والخاص في صحة التخصيص والنسخ ، لدوران الامر في الخاص المتقدم على العام بشقيه بين كونه مخصصا للعام أو منسوخا ، وفي الخاص المتأخر عن العام بكلا شقيه بين كونه مخصصا أو ناسخا ( فلا بد ) حينئذ من وجود مرجح لترجيح أحد الامرين على الآخر.
    ( وبعد ذلك ) نقول : انه قد يرجح التخصيص على النسخ لكثرته وشيوعه حتى قيل ما من عام الا وقد خص ( ولأن ) النسخ تخصيص في الأزمان وهو أقل موردا من تخصيص الافراد فيجب تقديم التخصيص على النسخ عند الدوران ( وفيه ) اما الوجه الأول ، فيرد عليه أولا انه نفرض الكلام في أول زمان ورودهما الذي لم يبلغ التخصيص بعد إلى حد الكثرة ( فان الظاهر ) هو بنائهم قديما وحديثا على تقديم التخصيص على النسخ عند الدوران بينهما حتى في الخصوصات الواردة في بدو الشريعة ( ودعوى ) ان المقصود من كثرة التخصيص الموجب للحمل عليه عند الدوران انما هو بالنظر إلى الاحكام العرفية ، لا بلحاظ الخطابات الشرعية ، كي ينتقض بفرض ورودهما في بدو الشريعة ( مدفوعه ) بمنع أكثرية التخصيص من النسخ في الاحكام العرفية ( بل الامر ) فيها يكون بالعكس ، بلحاظ ما هو الغالب من خفاء الموانع والمزاحمات الواقعية على العرف والعقلاء حين تشريعهم الاحكام وعدم اطلاعهم عليها الا بعد ابتلائهم بها ( بل إن تأملت ) ترى رجوع أكثر التخصيصات الواردة في أحكامهم إلى النسخ ، كما هو المشاهد بالعيان والوجدان ( وعلى فرض ) تسليم أكثرية التخصيص من النسخ في أحكامهم يمنع كون مجرد الأكثرية موجبا


(156)
لترجيح احتمال التخصيص ما لم تكن بمثابة توجب انس الذهن به ( واما الوجه الثاني ) ففيه مضافا إلى ما أوردناه على الوجه الأول ، انه يمنع كون النسخ تخصيصا في الأزمان الراجع إلى التصرف الدلالي ( بشهادة ) صحة النسخ عقيب العموم الأزماني ولو بزمان يسير بلا استبشاعه ( في مثل ) قوله أكرم زيدا في كل يوم أو كل زمان ، وقوله عقيب ذلك بزمان يسير نسخت هذا الحكم خصوصا قبل حضور وقت العمل بالعام ( فإنه ) لو كان النسخ تخصيصا في الأزمان يلزم في نحو المثال التخصيص المستهجن بل القبيح لكونه من التخصيص المستوعب لجميع افراد الأزمنة ( فصحة ) النسخ في نحو المثال أقوى شاهد على عدم ارتباط النسخ بباب التخصيص الذي هو من التصرف الدلالي ( بل التحقيق ) في النسخ كما بيناه في مبحث العام والخاص هو كونه من سنخ التصرفات الجهتية الراجعة إلى التصرف في جهة الحكم ، بعدم كونه مجعولا على مقتضى الجهات الموجودة في موضوعه المقتضية له ، لا إلى التصرفات الدلالية الراجعة إلى عدم كون الدلالة مطابقا للمراد الجدي ( ففرق ) واضح حينئذ بين التخصيص والنسخ ( فان ) في باب التخصيص يكون المراد الجدي من العام على خلاف مدلوله ، فيكون الخاص يتكفله للتصرف في الدلالة مبينا لما هو المراد الجدي من العام ( بخلاف ) باب النسخ ، فان المراد الجدي فيه يكون على طبق مدلول العام بما هو عام ، غاية الامر لا تكون إرادة الجد بالمدلول لبيان الجد بالمراد الواقعي ، كما في التقية وبذلك يكون النسخ تصرفا في الحكم المجعول في المورد ومبينا لعدم كونه مجعولا على طبق الجد بالواقع على حسب المقتضيات الموجودة في موضوعه ، من غير فرق بين ان يكون النسخ راجعا إلى أصل ثبوت الحكم ، أو إلي دوامه واستمراره من بيان انتهاء أمده أو ابتلائه بالموانع والمزاحمات أو غير ذلك من الوجوه في التي تقتضي الحكمة تحميل شيء على المكلف لامتحان أو غيره على خلاف الجهات الواقعية الموجودة من اظهار أصل ثبوت الحكم أو دوامه واستمراره مع علمه بأنه ليس له في الواقع ثبوت ولا دوام واستمرار ، لوجود


(157)
الموانع والمزاحمات المهمة في نظره مع قيام المصلحة على اخفائها على المكلف إلى غير ذلك من الوجوه التي يصحح بها النسخ الوارد في الأحكام الشرعية ، بلا ورود محذور جهل أو تغيير إرادة في ساحة قدسه سبحانه تعال الله عن ذلك علوا كبيرا ( وكيف كان ) فقد يقال في ترجيح التخصيص على النسخ عند الدوران بوجوه اخر ( منها ) ما عن بعض الأعاظم قده من أن النسخ متوقف على ثبوت حكم العام لما تحت الخاص من الافراد من الأول ( ومقتضى ) حكومة أصالة الظهور في طرف الخاص على أصالة الظهور في العام هو عدم ثبوت حكم العام لافراد الخاص ، فيرتفع موضوع النسخ ( وفيه ) انه يتم ذلك بناء على ما سلكناه من انعقاد الظهور الاطلاقي للمطلق واستقراره بعدم البيان على التقييد متصلا بالكلام الذي وقع به التخاطب ( واما ) على مختاره من تعميم البيان الذي هو من مقدمات الحكمة لمطلق البيان ولو منفصلا وتحكيم الظهور الوضعي على الظهور الاطلاقي حتى في المنفصلين : لا مجال لتحكيم أصالة الظهور في الخاص في المقام على أصالة العموم في العام بعد كون ظهور الأول في الدلالة على ثبوت مدلوله من الأول بمقتضى الاطلاق ومقدمات الحكمة وظهور العام فيه بالوضع ( ومنها ) ترجيح التخصيص عليه بما يرجع التصرف الدلالي على التصرف الجهتي عند الدوران بين التخصيص والثقية ، من الجمع بين السندين مهما أمكن ( بتقريب ) ان الحمل على النسخ يوجب الغاء التعبد بسند المنسوخ رأسا ، لعدم انتهاء الامر في التعبد به إلى اثر عملي لا بالنسبة إلى الأزمنة المتقدمة لخروجه من محل الابتلاء حتى بأثره ، ولا بالنسبة إلى الأزمنة المتأخرة لفرض منسوخيته ( بخلاف ) الحمل على التخصيص ، فإنه معه يبقى للعام مقدار من الدلالة يوجب الاخذ بسنده ( فعند الدوران ) بين النسخ والتخصيص ، يكون أصالة التعبد بسندهما مهما أمكن مرجحا للتصرف الدلالي على التصرف الجهتي ( وفيه ) انه لو تم ذلك ، فإنما هو في الخاص المتقدم ، لما يلزم من فرض منسوخيته بالعام المتأخر طرح أصل مضمونه الموجب للغوية التعبد بسنده أيضا ( واما ) في الخاص المتأخر عن العام ( فلا مجال ) لهذا الكلام ( لبقاء )


(158)
العام على حاله في بعض مدلوله بالنسبة إلى بقية الافراد المندرجة تحته على تقديري مخصصية الخاص وناسخيته ، بلا انتهاء الامر فيه إلى لغوية التعبد بسنده ( ومنها ) ان تقديم التخصيص على النسخ انما هو من جهة اقتضاء الأصل الجهتي وتقدمه الرتبي على الأصل الدلالي ( وبتقريب ) ان أصالة الظهور انما تجري في الظهورات الصادرة لبيان الحكم الواقعي ، فيكون الأصل الجهتي كالأصل السندي منقح موضوع الأصل الدلالي وفي رتبة متقدمة عليه ، لكونه مثبتا لصدور الظاهر لبيان الحكم الواقعي لا لتقية ونحوها ( ولازم ذلك ) هو جريانه في المرتبة السابقة على الأصل الدلالي بلا معارض في مرتبة جريانه ( وبعد ) جريانها لا بد من التخصيص والتصرف الدلالي في العام ( من غير فرق ) بين ظهور الخاص على فرض المخصصية في ثبوت مدلوله ، من الأول ، وبين عدم ظهوره في ذلك أو ظهوره في ثبوت مدلوله من الحين ( وان كان ) على الأخير لا ثمرة عملية بين النسخ والتخصيص ، للعلم بحجية ظهور العام ومرجعيته على كل تقدير إلى حين صدور الخاص ، ولزوم الاخذ بالخاص ورفع اليد عن عموم العام بعد صدور الخاص كذلك ( وفيه ) ان مجرد تقدم الطبعي لبعض هذه الأصول لا يقتضى الإناطة والشرطية بين بعضها وبعض الآخر في مقام الحجية ( لوضوح ) ان الانتهاء إلى العمل شرط في التعبد بكل واحد من الأصول الثلاثة أعني أصالة الصدور والجهة والظهور ( وبعد ) ان كان الانتهاء إلى العمل منوطا بسد الاحتمالات الثلاثة من احتمال عدم الصدور ، وعدم كون الصادر لبيان غير الحكم الواقعي ، وعدم مخالفة الظاهر لما هو المراد الواقعي ( فلا محالة ) يكون مجموع الأصول الثلاثة من قبيل العلة المركبة لترتب الأثر العملي بحيث بانتفاء بعضها ينتفى الأثر فينتفي التعبد عن البقية من غير ترتب في هذه المرحلة لبعضها على البعض الآخر بحيث يكون بعضها مأخوذا في موضوع الآخر ( نعم ) هي متلازمات في مقام الحجية بحيث لا يكون بعضها حجة الا في ظرف حجية الآخر لأجل ان الأثر العملي لا يكون إلا في ظرف حجية الجميع ، نظير اجزاء المركب المأمور به في كونها متلازمات في مقام الاتصاف بالوجوب بلا إناطة


(159)
بعضها بوجود غيره ( ولازم ) ذلك عدم تقدم أحد هذه الأصول الثلاثة الجارية في السند أو الجهة أو الدلالة على الآخر في مقام الجريان على وجه يكون جريان بعضها منقحا لموضوع الآخر وفي رتبة متقدمة على جريانه ( بل اللازم ) في مثله تزاحم الأصول الثلاثة عند العلم بمخالفة بعضها للواقع وسقوطها عن الاعتبار الا في الموارد التي يبقى مقدار من الظهور والدلالة القابلة للاخذ بها ، فيؤخذ حينئذ بالجميع بملاحظة العمل المترتب عليه بالنسبة إلى هذا المقدار ، كما في موارد الجمع الدلالي العرفي ( وعلى ذلك ) فبعد عدم مرجح خارجي لتقديم التخصيص على النسخ ينتهى الامر إلى الأصول العملية ( فإذا كان ) الخاص مقدما على العام ، كان المرجع بعد تعارض أصالة الجهة في الخاص مع أصالة الظهور في العام وعدم مرجح لأحدهما ، هو استصحاب حكم الخاص المتقدم ( واما ) إذا كان الخاص متأخرا عن العام فان كان الخاص واردا قبل وقت العمل بالعام ، فلا ثمرة تترتب على كونه ناسخا أو مخصصا ( لان ) العمل على كل تقدير يكون على طبق الخاص المتأخر ( وان كان ) واردا بعد العمل بالعام ، فان لم يكن له ظهور في ثبوت مدلوله من حين ورود العام ، فلا اشكال في أن المتبع هو أصالة العموم إلى حين ورود الخاص ، لجريان كل من الأصل الجهتي والدلالي في العام إلى حين ورود الخاص ، وبعد ورود الخاص يكون المتبع هو الخاص على كل تقدير ( وان كان ) له ظهور في ثبوت مدلوله من الأول ، فبالنسبة إلى الأزمنة المتأخرة عن زمان ورود الخاص ، لا يترتب اثر عملي على كونه ناسخا أو مخصصا ، لان العمل على كل تقدير يكون على طبق الخاص دون العام ناسخا كان أو مخصصا ( واما بالإضافة ) إلى الأزمنة المتقدمة عن ورود الخاص ، فيدور الامر في العام بين التصرف في ظهوره أو التصرف في جهته ( ولكن ) طرف المعارضة بدوا لما كان هو اطلاق الخاص المتأخر في ثبوت مدلوله من الأول لمنافاته مع قضية ظهور العام في العموم ، ( فلا جرم بعد تساقطهما يجري ) عليه حكم التخصيص إذا كان مفاد الخاص نقيضا لحكم العام ، وحكم النسخ إذا كان ضدا له ( ولكن ) الذي يسهل الخطب هو عدم ترتب اثر عملي على هذه الفروض بالنسبة إلينا مع تأخر زماننا عن


(160)
زمان ورود العام والخاص لخروج ذلك كله عن محل ابتلائنا حتى بلحاظ آثارها ( فان الواجب علينا ) هو الاخذ بالخاص المتأخر والعمل على طبقه ناسخا كان أو مخصصا ( نعم ) في الخاص المتقدم على العام يترتب ثمرة عملية مهمة على كونه مخصصا أو منسوخا ( ولكن ) عرفت ، ان المرجع فيه بعد سقوط الأصل الجهتي في الخاص بالمعارضة مع الأصل الدلالي في العام هو استصحاب حكم المخصص ( هذا كله ) إذا كان التعارض بين الدليلين لا أكثر.
    ( الامر الخامس ) إذا كان التعارض بين أكثر من دليلين ، ففيه صور كثيرة ( الصورة الأولى ) ما إذا ورد عام وخاصان متبائنان ، كما لو قام دليل على وجوب اكرام العلماء ، وقام دليل آخر على عدم وجوب اكرام الكوفيين من العلماء ، وقام دليل ثالث على عدم وجوب اكرام البصريين من العلماء ( فان النسبة ) بين قوله أكرم العلماء ، وبين كل من قوله لا يجب اكرام الكوفيين ، وقوله لا يجب اكرام البصريين هي العموم المطلق ( وبالنسبة ) بين كل من الخاصين مع الآخر هي التباين ( ولا اشكال ) في تخصيص العام بكل واحد من الخاصين إذا لم يلزم منه التخصيص المستهجن ، أو بقاء العام بلا مورد ( واما ) إذا لزم منه التخصيص الأكثر المستهجن أو التخصيص المستغرق ( فلا بد ) في مثله من معاملة التعارض بين العام ومجموع الخاصين باعمال المرجحات السندية ( فان ) اخذ بالخاصين ترجيحا أو تخييرا طرح العام ولا تعارض بينهما ( وان اخذ ) بالعام كذلك ، فحيث ان المعارض للعام هو مجموع الخاصين دون الجميع ، يقع بين الخاصين تعارض بالعرض فيعامل معهما معاملة المتعارضين ( فان كان ) لاحد الخاصين مزية على الآخر يؤخذ به ويخصص به العام ويطرح الآخر ( والا ) فيؤخذ بأحدهما تخييرا ويخصص به العام ويطرح الآخر ( ثم إن ذلك ) إذا لم يكن بين الخاصين معارضة ذاتية كما في المثال ، والا فلا بد من اعمال الترجيح بينهما أو لا ، ثم تخصيص العام بالراجح منهما ولا وجه حينئذ لأعمال الترجيح في العام لأنه فرع معارضة الخاصين معه ، فإذا كان الترجيح بينهما اقتضى قصر الحجية بذى المرجح منهما يسقط الآخر عن صلاحية المعارضة


(161)
مع العام ولو بضميمة غيره ، فينحصر المعارض للعام بالخاص الراجح فيخصص به العام لأقوائية دلالته منه ( هذا ) إذا كان الخاصان متساوي الافراد بمعنى عدم اباء العام عن تخصيصه بكل واحد منهما منفردا ( واما ) إذا كان أحد الخاصين أكثر افرادا من الآخر بحيث يأبى العام عن تخصيصه به بانفراده ( فلا شبهة ) في أنه يخصص العام بالخاص الآخر الذي لا يلزم من التخصيص به محذور الاستهجان ، ويعامل مع ما يلزم منه المحذور معاملة التباين ، الا إذا فرض كون العام اصنافيا لا افراديا ، فلا يضر حينئذ كثرة افراده بتخصيص العام به كما هو ظاهر.
    ( الصورة الثانية ) ما لو ورد عام وخاصان بينهما العموم المطلق ، كقوله أكرم العلماء ، وقوله لا تكرم النحويين منهم ، ولا تكرم الكوفيين من النحويين ( فان ) النسبة بين العام وبين كل واحد من الخاصين هي العموم المطلق ( والنسبة ) بين الخاصين أيضا هي العموم المطلق ( وتحقيق ) الكلام في حكم هذا القسم هو ان الحكم في الخاصين ، اما ان أحرز كونه على نحو وحدة المطلوب ( واما ) ان أحرز كونه على نحو تعدد المطلوب ان يكون اكرام مطلق النحوي مبغوضا ، واكرام الكوفي من النحوي مبغوضا آخر بنحو الأشد ( فعلى الأول ) يخصص العام بأخص الخاصين ( لأنه ) كما يخصص به العام ، يخصص به الخاص الأعم أيضا حسب احراز وحدة المطلوب فيهما ( ومع ) تخصيصه به يخرج عن الحجية فيما عدى مورد الأخص ، فلا يصلح للمعارضة مع العام كي تلاحظ النسبة بينه وبين العام فيخصص به ، بل العام يبقى على حجيته في ما عدى مورد الخاص الأخص وهو الكوفي من النحوي من غير أن يزاحمه حجة أخرى ( وعلى الثاني ) وان يبقى المجال في بدو الامر لتخصيص العام بكل من الخاصين ( ولكن ) بعد خروج أخصهما من حكم العام على كل تقدير اما مستقلا واما في ضمن الخاص الأعم ، ينقلب (1) النسبة بين العام وبين الخاص الأعم إلى العموم من وجه لان النحوي يعم الكوفي وغيره والعالم الكوفي يعم النحوي وغيره ( فملى القول ) بالانقلاب كما هو مسلك جماعة ، تقع المعارضة بينهما في مورد الاجتماع وهو النحوي غير الكوفي ، حيث كان مقتضى العام وجوب
1 ـ قوله : ينقلب : ولكن الانصاف عدم تمامية دعوى انقلاب النسبة في الفرض المزبور فإنه مع امكان تخصيص العام بكل واحد من الخاصين فلا محالة يخصص بهما جميعا ولا مجال لتخصيصه بأحدهما أولا ثم ملاحظة النسبة بينه وبين الخاص الآخر ومجرد خروج أخص الخاصين من تحته على كل تقدير لا يقتضى قلب النسبة بينه وبين الخاص الأعم نعم لهذا الكلام مجال في الفرض الأخير وهو فرض عدم صلاحية العام لتخصيصه بينهما كما هو ظاهر منه قده

(162)
اكرامه ، وكان مقتضى الخاص الأعم حرمة اكرامه ( لا يقال ) انه لاوجه لتخصيص العام أو لا بأخص الخاصين ، ثم ملاحظة النسبة بين الباقي تحت العام وبين الخاص الأعم ( بل اللازم ) بعد تسوية نسبة العام إلى كل من الخاصين هو تخصيص العام بكل منهما دفعة ( فإنه يقال ) ان تخصيص العام بأخص الخاصين قهري للعلم بعدم حجية العام بالنسبة إليه لخروجه عن تحته على كل تقدير ( وحينئذ ) فعلى القول بالانقلاب لا محيص من لحاظ نسبة العموم من وجه بين العام وبين الخاص الأعم ، لا نسبة العموم المطلق بينهما كما هو ظاهر ( نعم ) على المختار من عدم انقلاب النسبة في التخصيصات المنفصلة كما سيأتي تحقيقه انشاء الله تعالى يخصص العام بهما جميعا ( وهذا ) إذا لم يلزم من تخصيص العام بكل من الخاصين التخصيص المستهجن أو المستوعب ( وأما إذا لزم ) منه ذلك ، فحيث ان المحذور لا يكون الا من جهة عدم صلاحية الأعم من الخاصين لتخصيصه والا فصلاحيته لذلك ملازم لصلاحية الأخص أيضا لتخصيصه ( فلا محالة ) لا بد من تخصيصه بالخاص الأخص والرجوع إلى المرجحات السندية بين العام والخاص الأعم كما أشرنا إليه آنفا ( وبما ذكرنا ) (1) انقدح عدم صحة ما عن بعض الأعاظم قده من الحاق حكم هذا القسم بالقسم الأول خصوصا على مختاره من انقلاب السنة ، فراجع كلامه قده ترى فيه مواقع للنظر.
    ( تبصرة ) اعلم أن العبرة في استهجان التخصيص أو قبحه انما هو على لغوية القاء العام إلى المكلف مع التخصيص الكثير أو المستوعب ( وهذا المحذور ) انما يتحقق إذا كان الخاص مستوعبا للعام بما له من الافراد الفعلية والفرضية ( والا ) فمجرد استيعابه لافراده الفعلية لا يوجب لغويته ، فإذا ورد دليل على وجوب اكرام العلماء ، ودليل آخر على حرمة اكرام فساقهم يخصص به العام المزبور وان كان مستوعبا لافراده الفعلية ( إذ يكفي ) في عدم لغوية العام ان يكون له افراد فرضية بعد التخصيص ( نعم ) انما يرد المحذور فيما إذا كان مفاد العام على نحو القضية الخارجية ، نظير قوله كل من في الدار هلك ، لا على نحو القضية
1 ـ قوله : وبما ذكرنا : كما أنه على ذلك لا بد على القول بانقلاب النسبة من ملاحظة النسبة بين العام المخصص وبين الخاص الأعم وليس هنا مجال دعوى ان نسبة العام إلى كل واحد من الخاصين على السوية لأن المفروض ح نصوصية العام بالنسبة إلى مقدار مدلول الخاص الأعم لفرض عدم قابليته للتخصيص به واختصاص صلاحيته له بخصوص أخص الخاصين و ح فعلى القول بالانقلاب لاوجه لملاحظة العام مع مجموع الخاصين كي ينتهى الامر إلى التعارض بينه وبينهما كما لا يخفى منه قده.

(163)
الحقيقة ( وعلى هذا ) الضابط يختلف الحال في ورود محذور التخصيص المستهجن والقبيح وعدم وروده باختلاف الموارد حسب كون مفاد العام وكذا الخاص على نحو القضية الحقيقية أو الخارجية ( فكل مورد ) يكون مفاد العام والخاص على نحو القضية الخارجية يتحقق المحذور باستيعاب الخاص للأفراد الفعلية الخارجية فيرجع إلى المرجحات السندية بين العام والخاص ( وكل ) مورد يكون مفادهما على نحو القضية الحقيقية الناظرة إلى الافراد الفعلية والفرضية ، فلا يتحقق المحذور ، الا باستيعاب الخاص لجميع افراده الفعلية والفرضية ، أو لأكثرها ، لا بصرف استيعابه للافراد الفعلية كما هو ظاهر ( الصورة الثالثة ) ما إذا ورد عام وخاصان تكون النسبة بينهما العموم من وجه ، كما إذا قال أكرم العلماء ، ثم قال لا تكرم النحويين ، وقال أيضا يستحب اكرام الصرفيين ( فان ) النسبة بين قوله أكرم العلماء وبين كل من قوله لا تكرم النحويين ويستحب اكرام الصرفيين هي العموم المطلق ، والنسبة بينهما هي العموم من وجه ومجمع التصادق فيهما هو النحوي الصرفي ( وحكمه ) انه يخصص العام بكل واحد من الخاصين مع الامكان حتى بالنسبة إلى مجمع تصادق الخاصين ( ومع ) عدم امكان تخصيصه بهما يرجع إلى التفصيل الذي ذكرناه في الصورة الأولى ( لا يقال ) ان في مجمع تصادق الخاصين يسقط الخطابان عن الحجية بالمعارضة ، فلا وجه لتخصيص العام بهما حتى في مجمع تصادقهما ( بل لا بد ) حينئذ من أن يكون العام مرجعا بالنسبة إلى المجمع بعد تعارض الخطابين وتساقطهما فيه عن الحجية ( فإنه يقال ) ان سقوط الخطابين عن الحجية في المجمع انما هو بالنسبة إلى مدلولهما المطابقي ( واما ) بالنسبة إلى مدلولهما الالتزامي في نفي الثالث فهما على حجيتهما ، ولازمه هو خروج المجمع عن تحت العام وكونه محكوما بغير حكمه ، وسيأتي تنقيح البحث في ذلك انشاء الله تعالى.
    ( الصورة الرابعة ) ما إذا ورد عامان بينهما العموم من وجه وخاص ، كما إذا قال أكرم النحويين ، ثم قال لا تكرم الصرفيين ، وقال أيضا يستحب أكرم النحوي غير الصرفي ( فتارة ) يكون مفاد الخاص اخراج مورد اقتران أحد العامين كما في


(164)
المثال ( وأخرى ) يكون مفاده اخراج مورد اجتماع العامين. كقوله يستحب اكرام الصرفي من النحويين ( فعلى الأول ) تنقلب النسبة بين العامين بعد التخصيص إلى العموم المطلق ( لأنه ) بخروج النحوي غير الصرفي يختص قوله لا تكرم النحويين بالنحويين من الصرفيين ، فتصير النسبة بينه وبين قوله لا تكرم الصرفيين هي العموم المطلق ( وعلى الثاني ) تنقلب النسبة بين العامين بعد اخراج مورد الاجتماع إلى التباين ، لاختصاص قوله لا تكرم النحويين بما عدا الصرفيين ، وقوله لا تكرم الصرفيين بما عدا النحويين ، فتوجب هذا الانقلاب على القول به في مقام اخذ النسبة لنحو جمع بين العامين المزبورين.
    ( الصورة الخامسة ) ما إذا ورد عامان متعارضان بالتباين ، كقوله أكرم العلماء ، وقوله لا تكرم العلماء ( فإنه ) بملاحظة ورود دليل ثالث قد يقال بانقلاب النسبة بينهما من التباين إلى العموم المطلق تارة ، والى العموم من وجه أخرى ( فالأول ) ما لو كان مفاد دليل الثالث اخراج عدول العلماء من قوله لا تكرم العلماء ، أو اخراج فساق العلماء من قوله أكرم العلماء ( فإنه ) تنقلب النسبة بذلك بين العامين إلى العموم المطلق ( ومن ذلك ) الأدلة الدالة بعضها على إرث الزوجة من العقار مطلقا وبعضها على عدم ارثها منها مطلقا ، وبعضها على ارثها من العقار ان كانت أم ولد ( والثاني ) فيما لو ورد دليل رابع يوجب تخصيص قوله أكرم العلماء بالفقهاء منهم ( فإنه ) بعد هذا التخصيص تنقلب النسبة بين قوله أكرم العلماء وبين قوله لا تكرم العلماء بعد تخصيصه بما عدى العدول إلى العموم من وجه ( وهكذا ) الكلام في النسبة بين أكثر من دليلين ، كقوله أكرم العلماء ، ولا تكرم الفساق ، ويستحب اكرام الشعراء ( فان ) النسبة بين كل واحد من الأدلة الثلاثة مع الآخر هي العموم من وجه ( وبعد ) ورود دليل رابع على اخراج مجمع التصادق فيها وهو العالم الفاسق الشاعر تنقلب النسبة بينها من العموم من وجه إلى التباين ( وعلى ) اخراج مورد الافتراق عن إحدى الأدلة الثلاثة تنقلب النسبة بينه وبين الآخرين إلي العموم المطلق ، وهكذا ( فإنه ) قد يتوهم كون المدار في ملاحظة كون الأدلة متعارضة أو


(165)
غير متعارضة على هذه النسبة المنقلبة بعد تخصيص بعض الأدلة ببعضها لا على النسبة الأولية المتحققة بينها.
    ( وغاية ما قيل ) أو يمكن ان يقال في تقريب الانقلاب ، وجهان ( أحدهما ) ان التعارض انما يلاحظ بين الأدلة بمقدار كشفها وحكايتها عن المراد النفس الأمري ( ولا شبهة ) في أن العام المخصص بعد التخصيص يتضيق دائرة كشفه وحكايته عن الواقع ولا يبقى حيث كشفه على ما كان له قبل التخصيص ( لان ) دليل الخاص في مثل قوله لا تكرم الفساق من العلماء يكشف عن عدم كون عنوان العام في قوله أكرم العلماء تمام المراد وان المراد الجدي منه هو ما عدا الفساق فيوجب تضييق دائرة كشف العام عن المراد النفس الأمري ( ومع ) تضيق دائرة كشفه وحكايته عن الواقع يلزمه انقلاب النسبة بينه وبين العام الآخر المقابل له من حيث كشفه إلى العموم المطلق ( وثانيها ) ان ملاحظة النسبة بين المتعارضين لا بد ان تكون بين الحجتين بان يكون كل واحد من المتعارضين من حيث ذاته مع قطع النظر عن معارضه حجة فعلية تصح الركون إليه في استفادة الحكم الشرعي والافتاء بمضمونه وحيث إن العام المخصص بالمتصل أو المنفصل لم يكن حجة فعلية في تمام مدلوله ، وانما حجيته فيما عدا عنوان الخاص وهو المقدار الباقي تحته بعد التخصيص ( فلا محيص ) في مقام لحاظ النسبة من لحاظها بينه وبين العام الآخر في مقدار يكون حجة فعلية فيه لولا معارضه ، ولا يكون ذلك الا بعد تخصيصه بالخاص الوارد عليه ( وهذا ) معفى انقلاب النسبة بين الدليلين أو الأكثر.
    ( أقول ) ولا يخفى ما فيه من الفساد ( اما الوجه الأول ) ففيه ان تعارض الأدلة وان كان باعتبار كشفها عن المراد الواقعي بمعنى الدلالة التصديقية على المراد ، لا الدلالة التصورية ( ولكن ) المدار في الحجية في باب الألفاظ بعد أن. كان على الكاشفية النوعية الحاصلة من القاء الظاهر في مقام الإفادة والاستفادة ، لا على الكاشفية الفعلية المنافية مع الظن بالخلاف ( نقول ) انه مع انعقاد الظهور النوعي العمومي للعام الملقى في مقام الإفادة والاستفادة وعدم انثلامه بقيام القرينة المنفصلة
نهاية الافكار القسم الثاني من الجزء الرابع ::: فهرس