نهاية الافكار القسم الثاني من الجزء الرابع ::: 226 ـ 240
(226)
جميع الأحكام بناءا على ما سيأتي من وجوب تقليد الأعلم ( ولا غرو ) في كون المتجزي لمهارته في بعض المبادئ العقلية أو اللفظية اعلم من المجتهد المطلق في استنباط طائفة من الاحكام المناسبة لتلك المبادئ ( نعم ) لو كان المتجزي دون المطلق في العلم والفضل فيما اقتدر على استنباطه ، لكان المتجه هو المنع عن حجية فتواه في حق الغير ، ولكن ذلك لا من جهة كونه متجزيا في الاجتهاد ( بل من جهة ) الاشكال في أصل جواز تقليد المفضول مع وجود الفاضل ولو كان مجتهدا مطلقا.
    ( الجهة الرابعة ) في جواز تصدي المتجزي للقضاء وفصل الخصومات ( وفيه ) أيضا اشكال بين الاعلام ، ظاهر كلمات جماعة منهم المسالك قدس الله اسرارهم العدم ( ولكن ) الأظهر الجواز إذا كان ما يقتدر على استنباطه جملة معتد بها من الاحكام ( والعمدة ) في ذلك هي مشهورة أبى خديجة من قوله (ع) انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا أو قضايا ، على اختلاف النسخ ، فاجعلوه بينكم قاضيا فاني قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه ( فان ) ظاهره كفاية المعرفة بمقدار معتد به من الاحكام وقضاياهم في جواز التصدي للقضاء وفصل الخصومات بلا اعتبار المعرفة بجميع الاحكام ( وتوهم ) ان حرف الابتداء في قوله (ع) من قضايانا للبيانية لا التبعيضية ولازمه اعتبار المعرفة بجميع المسائل في مثل هذا المنصب ، نظير ما في المقبولة من قوله (ع) ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا من حيث إفادة الجمع المضاف العموم ( مدفوع ) بظهور لفظة من في المقام في التبعيض دون البيان ( والا ) كان المناسب ان يقول أشياء من قضايانا ليوافق البيان المبين ( واما ) المقبولة فعلى فرض تسليم إفادة الجمع المضاف العموم ، فغايته الدلالة على الاذن في التصدي للمجتهد المطلق العارف بجميع الاحكام ، ( واما ) نفي الاذن في التصدي عن غيره ممن هو عارف ببعض الاحكام فلا ، فتبقى المشهورة على حالها في الشمول للمتجزي المقتدر على استنباط بعض الأحكام ( نعم ) يعتبر ان يكون ما يقدر على استنباطه جملة معتدا بها من المسائل على وجه يصدق عليه عرفا انه عارف


(227)
بشئ من قضاياهم ، لانصرافه جزما عمن عرف أقل قليل من الاحكام ، نظير انصراف اطلاق الشيء من البحر عن القطرة والقطرات وان كان يصدق عليها بحسب الدقة.
    ( ثم انه ) لا بد في الاجتهاد والقوة على الاستنباط من معرفة العلوم التي يتوقف عليها الاستنباط من العلوم العربية وغيرها كالتفسير وعلم الرجال والأصول ونحوها ( فإنه ) بدونها يستحيل حصول القوة على استنباط الحكم الشرعي ويكفي من العلوم العربية كالصرف والنحو واللغة معرفة مقدار معتد به بحيث يقدر على استخراج المسائل الشرعية المتوقف عليها ولو بالرجوع إلى ما دون فيه هذه العلوم ( وكذا ) التفسير ولو بالمراجعة إلى الاخبار المدونة في كتب التفاسير للعلم الجمالي بإرادة خلاف الظاهر في كثير من الآيات المتعلقة بالأحكام ( وعمدة ) ما يحتاج إليه الاجتهاد معرفة قواعد الأصول ( فإنه ) ما من مسألة الا ويحتاج في استنباط حكمها إلى اعمال قاعدة أو قواعد متعددة من قواعد الأصول ( من غير فرق ) بين الأصولي والأخباري ( فان ) الاخباري أيضا يحتاج في استنباط الاحكام من أدلتها إلى اعمال القواعد المبرهنة عليها في الأصول ، كاحتياجه إلى اعمال غيرها من قواعد الصرف والنحو ، وبدونه لا يمكن استنباط الاحكام ( ومجرد ) تدوين هذه القواعد علي حده بعد شتاتها ، وتسميتها باسم خاص لا يوجب كونها بدعة ( والا ) كان تدوين غيرها مما يتوقف عليه الاستنباط كالصرف والنحو وغيرهما أيضا بدعة ( فلا وجه ) حينئذ لمنازعة الاخباري مع الأصولي في ذلك واكثارهم التشنيع عليهم ( كما أن ) علم الرجال أيضا من عمدة ما يحتاج إليه الاجتهاد في مقام استنباط الاحكام بناءا على كون مدار حجية الخبر على الصحيح الاعلى المعدل كل من رجاله بعدلين ، خصوصا عند تعارض الاخبار بناء على الترجيح بالصفات من الأعدلية والأوثقية والأفقهية ( فان ) احراز هذه الصفات في رجال الاسناد موقوف على الرجوع إلى أهل خبرته ، فلا بد من مراجعة الكتيبة الموجودة في كتب الماهرين في هذا الفن والعارفين بالطبقات ( نعم ) بناءا على ما هو المعروف في زماننا هذا المحرر في الأصول من كون مدار الحجية على الخبر الموثوق الصدور ، فتقل فائدة الرجال جدا لمكان حصول الوثوق بصدور الخبر


(228)
باتكال المشهور عليه ، وان كان بحسب القواعد الرجالية في منتهى درجة الضعف ، كما أن اعراضهم عنه يوجب وهنا فيه وان كان جميع رجال اسناده عدلا ، لكشف اعراضهم عنه مع كونه بين أظهرهم عن وجود خلل فيه يوجب سلب الوثوق بصدوره ، ولذا اشتهر ان الخبر كلما ازداد صحة واعتبارا ازداد باعراض الأصحاب عنه ضعفا وانكسارا ( وعلى كل حال ) لا بد من كونه مجتهدا في هذه القواعد في استخراج الحكم الشرعي ، ولا يكفي فيها التقليد ، بل لو فرض تقليده في واحد منها كانت النتيجة تقليدية ، لأنها تابعة لأخص المقدمتين ( وفي الاكتفاء ) باجتهاده في سائر القواعد وتطبيقها على المسألة بضميمة تطبيق القاعدة التقليدية عليها واخذ النتيجة الفرعية والعمل بها كلام قد تقدم سابقا.
    ( هذا كله ) في القواعد المعمولة في طريق استنباط الاحكام الكلية ( واما القواعد ) المعمولة في تطبيق الاحكام الكلية على مصاديقها ، كقواعد الهيئة والحساب ونحوهما ، فهي غير مرتبطة بمرحلة الاجتهاد ولا يضر الجهل بها بأصل الاجتهاد ، ولا بأس برجوع المجتهد فيها في مقام تطبيق الاحكام الكلية إلى العالم بها من باب الرجوع إلى أهل الخبرة.
الموضع الثالث في التخطئة والتصويب
    قد اختلف كلماتهم في التخطئة والتصويب في الشرعيات ، بعد اتفاقهم على التخطئة في العقليات ( ولعل ) هذا الوفاق في العقليات انما هو بالنظر إلى العقليات الاستكشافية التي يكون درك العقل طريقا محضا إلى الواقع لا مقوما ، لحكمه ، كما في باب الملازمات ونحوها من الأمور الواقعية ، ( فان ) درك العقل وتصديقه فيها لما كان طريقا إليها كان لتطرق التخطئة إليها مجال ( بل لا محيص ) من القول بها ( فان ) الملازمة بين الشيئين امر واقعي قد يدركها العقل فيحكم بها وقد لا يدركها أو يخطئ عنها فيحكم بعدمها ، وكذا الاستحالة الواقعية للشيء والمصلحة والمفسدة الواقعيتين


(229)
والحسن والقبح الواقعيين ونحوها ( والا فبالنظر ) إلى العقليات الوجدانية التي يكون درك العقل وتصديقه مقوما لحكمه ، كالتحسين والتقبيح العقليين ( فلا يتطرق ) إليها التخطئة ، بل لا محيص فيها من التصويب محضا ( فان ) حقيقة الحسن العقلي ليس الا عبارة عن ملائمة الشيء لدى القوة العاقلة ، كسائر ملائمات الشيء لدى سائر القوى من الذائقة والسامعة والشامة ونحوها مما هو في الحقيقة من آلات درك النفس وجنودها قبال منافرته لدى القوة العاقلة المسمى بالقبح ( ومن الواضح ) استحالة تطرق التخطئة في مثل هذه الادراكيات الوجدانية ( لأنه ) ليس لها واقع محفوظ وراء حصول صفة الانبساط والاشمئزاز الوجدانية ( وذلك ) قلنا بامتناع تطرق الشك في مثل هذه الادراكيات الوجدانية ، لامتناع خفاء الوجدانيات على الوجدان ( نعم ) ما هو القابل للتخطئة ولتطرق الشك إليها انما هو مناط حكمه بالحسن والقبح من المصالح أو المفاسد الواقعية النفس الامرية وكذا الحسن والقبح الواقعيان ( واما الأحكام الشرعية ) فالظاهر اطباق القول من أصحابنا الامامية رضوان الله عليهم على التخطئة فيها لاتفاقهم على أن له سبحانه وتعالى في كل مسألة حكم مخصوص يؤدي إليه الاجتهاد تارة ، والى غيره أخرى ( وانما القول ) بالتصويب فيها من مخالفينا ، حيث قالوا ان لله سبحانه وتعالى أحكاما بعدد آراء المجتهدين فما يؤدي إليه الاجتهاد فهو حكم الله الواقعي.
    ( وحيث ) انتهى الكلام إلى ذلك ، فلا بأس بالإشارة الاجمالية إلى انحاء التصويب وبيان ما يمكن منها ( فنقول ) اعلم أن الوجوه المتصورة في المقام : أربعة.
    ( أحدها ) ان لا يكون قبل الاجتهاد وحصول الرأي حكم أصلا ، وانما يحدث الحكم حال الاجتهاد وحصول الرأي على معنى انشاء الحكم لنفس الذات لكن لا مطلقا بل في حال اعتقاد المجتهد به لا بشرط الاعتقاد ، نظير ما ذكره المحقق القمي قده في قوله اللفظ موضوع للمعنى لا بشرط الانفراد ولا لا بشرط الانفراد ( وثانيها ) ان يكون له سبحانه أحكاما متعددة حسب تعدد الآراء بمعنى انه سبحانه لعلمه بما ينتهى إليه رأي المجتهدين في كل مسألة ينشأ احكاما متعددة على


(230)
طبق ما يستقر عليه رأي المجتهدين ( ومرجع ) ذلك أيضا إلى خلو الواقعة عن الحكم مع قطع النظر عما يؤدي إليه نظر المجتهد واجتهاده ، غير أن الفرق بينهما هو خلو الواقعة في الأول عن الحكم رأسا قبل اجتهاد المجتهد واستقرار رأيه بالحكم ( وفي الثاني ) كانت الواقعة محكومة عند الله بما سيستقر عليه رأيه من الوجوب أو الحرمة أو غيرهما ( وثالثها ) خلو الواقعة عن الحكم الفعلي ، بمعنى ان له سبحانه حكم واقعي في كل واقعة يشترك فيه العالم والجاهل ، الا ان الحكم الفعلي يكون على طبق ما يؤدي إليه اجتهاد المجتهد ، فربما يتوافق الحكم الواقعي والفعلي وربما يتخالفان ، فكان التصويب في مرحلة الفعلية ، لا في مرحلة الواقع ( ورابعها ) ان يكون التصويب في مرحلة الحكم الظاهري الثابت في المرتبة المتأخرة عن الشك بالواقع مع كون الحكم الواقعي حتى بمرتبة فعليته مشتركا بين العالم والجاهل ، كما هو لازم القول بموضوعية الامارات وسببيتها.
    ( ولا ينبغي ) الاشكال في بطلان الوجه الأول وذلك لا من جهة الدور أو محذوره وهو تقدم الشيء على نفسه ( فان العلم ) بالحكم أو الظن به لا يتوقف على ثبوته التحقيقي ( لان ) معروض هذه الصفات انما هو ذات الشيء بوجوده الزعمي الذهني ولكن لا بما انه يلتفت إلى ذهنيته في قبال الخارج ، بل بما يرى كونه عين الخارج ، كما أن الحكم بحقيقته غير متوقف على علم المجتهد أو ظنه به ، لما ذكرنا من أن حدوث الحكم للذات انما يكون في حال اعتقاد المجتهد به لا مقيدا به ( بل العمدة ) في المحذور بعد الاجماع على عدم خلو الوقايع عن الحكم الشرعي ، هو عدم تصور الاجتهاد في المسألة والفحص عن حكمها ولو بنظر ذي الرأي ( إذ كيف ) يمكن تعلق رأي المجتهد ونظره في حكم المسألة بما لا يكون له في الواقع باعتقاده عين ولا اثر ( واما الوجه الثاني ) فهو وان يسلم من المحذور السابق ، حيث كان المجال لفحص المجتهد عن حكم الواقعة ( الا إنه ) مع كونه خلاف الاجماع وما تواتر عليه الاخبار من أن له سبحانه في كل واقعة حكم يشترك فيه العالم والجاهل ( يلزمه ) اجتماع الظن الفعلي بالحكم واليقين به في زمان واحد ، فإنه باعتبار تعلق ظنه بالواقع


(231)
يكون مظنونا ، وباعتبار أن مؤدى ظنه هو حكم الله المجعول في حقه يكون مقطوعا فيلزم اجتماع الظن الفعلي بالحكم مع القطع الفعلي به في زمان واحد ( نعم ) لو كان المقصود من جعل الحكم على طبق الرأي جعله على طبق الرأي القطعي الناشئ من الأدلة القطعية ، لا يتوجه هذا المحذور ( ولكن كلام القائلين بالتصويب يعم موارد الظن بالحكم أيضا.
    ( واما الوجه الثالث ) وهو التصويب في مرحلة فعلية الحكم ، فالظاهر امكانه في نفسه لكونه سليما عن المحذورات المتقدمة ، إذ كان الفحص عن الاحكام الانشائية المنبعثة عن المصالح الواقعية ( ويمكن ) أيضا ان تكون الاحكام الواقعية المجامعة مع الجهل بها احكاما انشائية وان فعليتها وبلوغها إلى مرتبة الانقداح منوطة بالعلم بها بحيث بقيام العلم أو العلمي عليها تبلغ إلى مرحلة الانقداح والإرادة الفعلية فيتنجز ( الا ) انه بعيد عن ظاهر الاخبار ومعاقد اجماعاتهم في كون الحكم المشترك بين العالم والجاهل هو الحكم الفعلي البالغ إلى مرحلة الانقداح الفعلي من المولى ، دون الحكم الاقتضائي أو الانشائي فصرف هذه الأخبار عن ظاهرها كما أفاده في الكفائية يحتاج إلى دليل.
    ( واما الوجه الرابع ) وهو التصويب في الحكم الظاهري بناءا على السببية والموضوعية في الامارات ، لا الطريقية والكاشفية فيها ( فعلى ما اخترناه ) من الوجه في الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري باختلاف المرتبة بينهما ولو بجعل الجهل بالحكم من الجهات التعليلية للحكم الظاهري ، لا من الجهات التقييدية المأخوذة في ناحية موضوعه ( فلا اشكال ) لخلوه عن جميع المحاذير المتقدمة ، وملائمته لظواهر الاخبار ومعاقد اجماعاتهم في اشتراك العالم والجاهل في الاحكام الواقعية حتى بمرتبة فعليتها الراجعة إلى مرحلة الانقداح الفعلي من المولى ، مع اندفاع شبهة التضاد بين فغلية الاحكام الواقعية والترخيصات الشرعية الظاهرية على خلاف الواقعيات أيضا ، من دون احتياج في رفع المضادة بينهما إلى الالتزام بمراتب الحكم بجعله ببعض مراتبه مشتركا بين العالم والجاهل وببعضها الآخر مختصا بمن قامت عنده الامارة الموافقة للواقع ( واما ) بناء على عدم كفاية هذا المقدار من اختلاف المرتبة بينهما في رفع التضاد فلا محيص من


(232)
المصير إلى ما في الكفاية من حمل الحكم المشترك على الانشائي المحض والالتزام بعدم بلوغ التكليف إلى مرحلة الفعلية في موارد الجهل به وموارد قيام الامارات على خلاف الواقع ، اما لمزاحمة مصلحة أخرى أقوى في جعل الحكم الظاهري ، أو لمانعية الجهل به عن بلوغه إلى مرحلة الانقداح الفعلي ( بل لا محيص ) من الالتزام به حتى على القول بالطريقية والكاشفية في الامارات ( فإنه ) كما يضاد الحكم الظاهري مع الواقعي على السببية والموضوعية في الامارات ، كذلك يضاده الترخيص الفعلي على خلاف الواقع على الطريقية ، بل يضاده الترخيص الناشئ من العذر العقلي أيضا ( ولكن ) التحقيق في دفع الشبهة ما ذكرناه من اختلاف المرتبة بين الحكمين وقد ذكرنا تفصيل الكلام فيه في الجزء الثالث من الكتاب عند التعرض لدفع شبهة ابن قبة بما يندفع به جميع المحاذير المتوهم ورودها في التعبد بالامارات غير العلمية على الطريقية والموضوعية في ظرف الانفتاح والانسداد فراجع.
    ( ثم إن ) تمام المنشأ في التفكيك بين مرتبة الانشاء والفعلية في الاحكام الواقعية ( انما هو ) تخيل ان فعلية الحكم الواقعي عبارة عن البعث والزجر الفعلي المنتزع عن مرحلة انشاء المولى بداعي التحريك الفعلي نحو العمل ( فإنه ) من جهة مضادة هذا المعنى مع الترخيص الفعلي على خلاف المرام الواقعي في موارد الامارات المؤدية إلى خلاف الواقع والوظائف المقررة شرعا في حق الجاهل ، التجئ إلى التفكيك المزبور ، فالتزم بان التكليف ما لم يبلغ مرتبة البعث والزجر لم يصر فعليا وما لم يصر فعليا لم يبلغ مرتبة التنجز واستحقاق العقوبة على المخالفة ( والا ) فبناء على جعل فعلية التكليف عبارة عن الخطاب الصادر من المولى نحو المرام بداعي التوصل إلى حفظ مرامه من ناحية خصوص خطابه المجامع مع الجهل به والعذر العقلي ، لا التوصل إليه بقول مطلق ولو من غير ناحية خطابه ، فلا يحتاج في رفع التضاد إلى الالتزام بالتفكيك المزبور ( فان ) الفعلي بهذا المعنى محفوظ في ظرف الجهل به ويجامع مع الترخيص الشرعي كما يجامع مع العذر العقلي ، ولا يكاد اقتضاء تنجزه بقيام الطريق إليه أيضا اختلافا في مرتبة التكليف في لب الإرادة ( بل الإرادة )


(233)
والانقداح القلبي من المولى في خطابه المتوصل به إلى مرامه ليست الا المرتبة الخاصة المتحققة في ظرف الجهل أيضا ، وانما الاختلاف في حكم العقل بتنجزه عند قيام الطريق إليه ، وعدم تنجزه عند عدمه ( نعم ) لو كان المراد من فعلية التكليف توجيه الإرادة المطلقة من المولى نحو مقصوده بانشاء الخطاب بقصد التوصل به إلى التحريك الفعلي نحوه في ظرف عدم تحقق أسباب تنجيزه ، لكان للاشكال المزبور مجال ( ولكن ) لازمه أن لا يقتصر بصرف خطابه المتعلق بذات العمل ، بل اللازم حينئذ كونه بصدد رفع جهل المكلف ولو بانشاء آخر في ظرف الجهل بخطابه كي به يرفع عذره العقلي ( لان ) مثل هذه المرتبة من الفعلية المطلقة كما لا يجامع مع الترخيص الشرعي ، كذلك لا بجامع مع الترخيص العقلي بمناط العذر أيضا ، فلا بد من انشاء آخر منه في ظرف الجهل بايجاب احتياط ونحوه ، والا فبدونه لا يكاد التوصل الفعلي بانشائه إلى مقصوده ( وحينئذ ) يبقى مجال السؤال عن المراد من البعث والزجر الذي يجامع مع الاعذار العقلية ولا يجامع مع الترخيصات الشرعية في موارد الامارات والوظائف المقررة شرعا في حق الجاهل ( فان ) أريد به الانشاء بداعي التوصل به إلى التحريك الفعلي نحو المراد في ظرف عدم تحقق أسباب التنجيز فعلا ، فهذا كما لا يجامع مع الترخيص الشرعي على خلاف المراد ، كذلك لا يجامع مع الترخيص العقلي بمناط العذر ، ( فلا بد ) في هذا الفرض من كون المولى بصدد رفع العذر العقلي بانشاء آخر في ظرف الجهل بخطابه المتعلق بذات العمل ( وان أريد ) به الانشاء بداعي التوصل به إلى مراده في ظرف تحقق أسباب التنجيز من الخارج ، فهذا كما يجامع مع الاعذار العقلية ، يجامع أيضا مع الترخيصات الشرعية ( فان ) مرجعه إلى ما ذكرنا من فعلية الحكم المجامع مع الجهل به والعذر العقلي وتفصيل الكلام بأزيد من ذلك موكول إلى محله فراجع الجزء الثالث من الكتاب.
    ( الموضع الرابع ) إذا اضمحل الاجتهاد السابق بتبدل الرأي بما يخالفه أو بزواله بدونه ( فلا شبهة ) في أنه في الأعمال اللاحقة. لا بد من اتباع الاجتهاد الثاني أو العمل بما يقتضيه الاحتياط فيها في الأول وتعين الاحتياط في الثاني ( واما


(234)
في الأعمال السابقة ) الواقعة على وفق الاجتهاد الأول المختل بعض ما اعتبر في صحتها حسب الاجتهاد الثاني ( فقد اختلفت ) فيها كلماتهم في الاجزاء وعدمه ( ونحن ) وان أشبعنا الكلام في المسألة في مبحث الاجزاء ( ولكن ) لا بأس بالتعرض لها في المقام وتحقيق الحال فيها على نحو الاجمال والاختصار ( فنقول ) ان انكشاف الخلاف تارة يكون قطعيا وأخرى ظنيا اجتهاديا بحجة معتبرة ( فان كان ) كشف الخلاف قطعيا ( فلا شبهة ) في عدم الاجزاء ولزوم المعاملة مع الأعمال السابقة معاملة البطلان ، حيث لا تكليف سابقا ولا وضع حتى يقال فيه بالاجزاء ، فكان الامر الواقعي على حاله بلا موافقة ولا معنى حينئذ للقول بالمضي عليها ، الا إذا دل دليل خاص من الخارج على المضي فيها ، كما في باب الصلاة من نحو حديث لا تعاد وغيره ( ولا فرق ) فيما ذكرنا بين ان يكون مؤدى الاجتهاد الأول أيضا قطعيا أو ظنيا اجتهاديا ، فمهما كان انكشاف الخلاف قطعيا يعامل مع الأعمال الواقعة على وفق الاجتهاد الأول معاملة البطلان ( وأما إذا كان ) انكشاف الخلاف ظنيا اجتهاديا ، اما من حيث اختلاف الرأي في أصل الظهور واما من حيث العثور على مخصص للعموم بعد أن لم يكن أو العثور على المعارض الأقوى من الدليل الأول ( فقد ) يقال بالمضي على الأعمال السابقة وعدم نقضها ( لعدم ) انكشاف الخلاف حقيقة حتى ينتقض ، ولعدم حجية الامارة اللاحقة الا من حين قيامها ، فلا تكون حجة الا بالإضافة إلى الأعمال المستقبلة دون الماضية مع اقتضاء الأوامر الشرعية الظاهرية للاجزاء ( وفيه ) ان الحجة اللاحقة القائمة على الرأي الجديد وان لم تكن حجة الا من حين قيامها ( ولكن ) بعد قيامها على خلاف الحجة السابقة واقتضائها لكون السورة مثلا جزءا للصلاة وكون العربية أو الماضوية شرطا في صحة العقد من دون اختصاص بزمان دون زمان ، فلا بد من الحين من ترتيب اثر البطلان على الصلاة المأتية سابقا بلا سورة وعلى العقد الواقع بغير العربية والماضوية ، فإذا كان من آثار بطلان العمل الواقع سابقا وجوب قضائه واعادته فعلا يجب بمقتضى الحجة اللاحقة تدارك ما وقع قبلا خاليا عن الجزء والشرط لكونه اثرا فعليا للحجة اللاحقة.


(235)
    ( والتحقيق ) في المسألة هو ان مؤدى الاجتهاد الظني السابق إذا كان ما قامت عليه امارة شرعية كالخبر مثلا ( فاما ) ان نقول بحجيتها من باب الطريقية والكاشفية واما من باب السببية والموضوعية ( وعلى التقديرين ) فتارة تكون الامارة قائمة على نفس الحكم الشرعي ( وأخرى ) على موضوعه ( فان كان ) مؤدى الامارة نفس الحكم الشرعي وقلنا بالطريقية فيها ( فلا ينبغي ) الاشكال في أن مقتضاه هو عدم الاجزاء ووجوب نقض الآثار مطلقا من غير فرق في كيفية التنزيل في مفاد أدلة حجيتها بين كونها بنحو تتميم الكشف ، أو تنزيل المؤذى منزلة الواقع أو مجرد الامر بالعمل على طبق الامارة ( فإنه ) على كل تقدير لا حكم حقيقي في فرض مخالفة الامارة للواقع ، ولا كان في مؤداه أيضا مصلحة قابلة لتدارك المصلحة الواقعية ، فالتكليف الفعلي الواقعي كان باقيا على حاله بلا موافقة ومصلحته بلا استيفاء ولا متداركة ( ووجود ) المصلحة في جعل الامارة طريقا إلى الواقع غير صالح لجبر مصلحة الواقع كي يتوهم الاجزاء لأجله ، والا لاقتضى الجبر ولو قبل العمل بها ( لان ) هذه المصلحة وهي التسهيل على العباد انما كانت قائمة بفعل الآمر وهو جعله ، لا بفعل المأمور ( فان ) المفروض على الطريقية هو خلو العمل عن المصلحة رأسا ( فكيف ) يمكن ان يتدارك بها ما يفوت من المصلحة الواقعية ( نعم ) غاية ما يكون هو أهمية هذه المصلحة وهي التسهيل على العباد لدى الشارع من حفظ المصالح الواقعية الفائتة عند تخلف الامارات عن الواقعيات عند الانفتاح ، ولكن ذلك أجنبي عن تدارك المصالح الفائتة بها كما لا يخفى ( لا يقال ) هذا إذا كان الاجزاء بمناط استيفاء المصالح الواقعية أو تداركها ( واما ) إذا كان بمناط التفويت فلا بأس باستفادة الاجزاء من نفس الامر بالعمل على طبق مؤديات الامارات ( فان ) الامر بسلوك الامارة مع العلم بكونها مؤدية كثيرا إلى خلاف الواقع مع عدم التنبيه على لزوم الإعادة عند انكشاف خطأ الامارة عن الواقع يكشف عن عدم امكان تدارك الواقع بما له من الخصوصية المطلوبة ( فإنه ) يقال انه يكفي في التنبيه على وجوب الإعادة عند كشف خطأ الامارة عن الواقع نفس أدلة الاحكام الواقعية الشاملة بفعليتها للعالم والجاهل


(236)
( هذا كله ) في الامارات المؤدية إلى الحكم الشرعي.
    ( وأما الامارات ) المؤدية إلى موضوع الحكم الشرعي أو قيوده ، فحكمها على الطريقية حكم الامارات المؤدية إلى الحكم الشرعي في عدم الاجزاء ولزوم نقض الأعمال السابقة من حيث الأثر المبتلى به فعلا ( من غير فرق ) بين ان يكون الموضوع الذي قامت الامارة عليه أمرا شرعيا قد اعتبره الشارع في موضوع حكمه كطهارة الماء للوضوء والغسل ، وطهارة التراب للتيمم ، وحلية الاكل في الحيوان في لباس المصلي ونحوها ، وبين ان يكون أمرا واقعيا غير شرعي ، كالماء والتراب ، والغنم ونحوها من الأمور الواقعية الخارجية التي جعلها الشارع موضوعات لأحكامه.
    ( فان ) مرجع التعبد بالموضوع بعد أن كان إلى التعبد بأثره من الحكم الشرعي ، فيجري فيه على الطريقية ما ذكرناه في التعبد بالامارة القائمة على الحكم الشرعي ( نعم ) لو كان مفاد دليل التنزيل فيها ناظرا إلى اثبات التوسعة الحقيقية للمنزل عليه بما يعم الواقعي والظاهري ، أو اثبات جعل الأثر ومماثله حقيقة في مرحلة الظاهر ( لكان ) مثله مفيدا للاجزاء قطعا ( إذ حينئذ ) تكون مؤدى الامارة من المصاديق الحقيقية لما هو موضوع الحكم في الكبريات الواقعية ، حيث يكون له مصداقان أحدهما واقعي والآخر ظاهري ( فتكون ) الصلاة المأتية مع الوضوء بالماء الذي قامت الامارة على طهارته واجدة لما هو شرطها حقيقة عند الاتيان بها ، وانكشاف الخلاف موجب لارتفاع الموضوع من الحين ، لا من الأول ( ولكنه ) ليس كذلك قطعا ( والا ) لاقتضى القول بصحة الوضوء والصلاة عند تبين كون المايع الذي توضأ به بولا أو خمرا مع قيام الامارة على كونه ماءا طاهرا ، وهو كما ترى لا يلتزم به ذو مسكة ( بل نقول ) ان غاية ما يقتضيه مثل هذا اللسان في دليل التنزيل انما هو مجرد توسعة الواقع في ظرف الشك عملا ، لا أثرا حقيقة ( ولازمه ) عند تبين الخلاف ولو بالامارة الظنية المعتبرة هو عدم الاجزاء ( من غير فرق ) بين العبادات والمعاملات من العقود والايقاعات وغيرها ( هذا ) على المختار من الطريقية في الامارات.


(237)
    ( وأما ) على السببية والموضوعية فيها ( فعلى السبيبة ) بمعنى انقلاب الواقع حتى بمصلحته إلى مؤدى الامارة ( فلا اشكال ) في أن لازمه الاجزاء ( ولكنه ) تصويب محال مجمع على بطلانه ( واما بمعنى ) سببية الامارة لحدوث المصلحة في المؤدى عند تخلفه عن الواقع بنحو موجب للامر باتباعه ( فالظاهر ) عدم الاجزاء أيضا مطلقا سواء كان مؤدى الامارة نفس الحكم الشرعي أو موضوعه وقيوده ( فان ) مجرد اشتمال المؤدى على المصلحة لا يقتضى الاجزاء ما لم تكن مصلحته مسانخة لمصلحة الواقع ، أو جابرة ، أو مفوتة لها ( فاستفادة ) الاجزاء حينئذ مبنية على احراز كون المصلحة المؤدى من سنخ المصلحة الواقعية الموجبة للتوسعة الحقيقية للأثر في الكبريات الواقعية بما يعم الواقعي والظاهري ، أو احراز كونها جابرة للمصلحة الواقعية بخصوصيتها ، أو مفوتة لها بمناط المضادة ( والا ) فبدون احراز إحدى هذه الأمور ، لا يكفي مجرد امكان مسانخة مصلحة مؤديات الامارات للمصالح الواقعية ، أو مفوتيتها لها بمناط المضادة ، أو جابريتها للمصالح الواقعية الفائتة ، في الحكم بالاجزاء والمضي على الأعمال السابقة حتى فيما كان دليل تنزيل الامارة بنحو جعل المماثل أو الأثر ، فضلا عما لو كان بلسان تتميم الكشف ، أو مجرد الامر ، بالعمل على طبق المؤدى ، لامكان كون نظر التنزيل إلى مجرد التوسعة للواقع عملا ، لا اثرا ( ومع امكان ) ذلك لا مجال للحكم بالاجزاء لأجل مجرد موضوعية الامارة واشتمال مؤديها على مصلحة ما ( إذ في مثله ) تبقى الكبريات الواقعية على ظهورها في دخل الخصوصيات الواقعية المقتضية لعدم الاجزاء بالمأتى به الا بمناط التفويت الممنوع في المقام أيضا لعدم اقتضاء مجرد الامر بالعمل بمؤدى الامارة حينئذ الرضا بتفويت الواقع ( فما عن المحقق الخراساني ) قده من تسليم الاجزاء بالمأتى به على الموضوعية منظور فيه ( وبما ذكرنا ) يظهر الحال فيما لو كان زوال الاجتهاد الأول لأجل الظفر بالامارة المعارضة للامارة الأولى مع تساويهما في جهات الترجيح دلالة وسندا ( إذ في مثله ) يكون مخيرا في الاخذ بأيهما ( فان ) اختار الخبر الأول فلا اشكال ( وأما إذا اختار ) الثاني الحاكم ببطلان العمل على طبق الأول ( فلا بد ) من عدم الاجزاء


(238)
وترتيب اثر البطلان من الحين على الأعمال السابقة ( كما أنه بما ذكرنا ) من عدم الاجزاء في الامارات على السببية والطريقية يظهر الحال في الأصول العملية عند انكشاف الخلاف ( فان التحقيق ) فيها أيضا عدم الاجزاء حتى في الأصول التنزيلية كالاستصحاب وقاعدة الطهارة على وجه قوى وغيرهما ( فإنهما ) لا تزيد عن الامارات التي قلنا فيها بعدم الاجزاء حتى على السببية ( فالتحقيق ) حينئذ عدم الاجزاء مطلقا سواء في الامارات أو الأصول وسواء في العبادات وغيرها الا إذا قام دليل بالخصوص في مورد على الاجزاء من اجماع أو غيره هذا كله في الاجتهاد.
واما التقليد
    ( ففيه مقامات ) ( المقام الأول ) : التقليد لغة من القلادة بمعنى جعل القلادة في العنق ، وهو يتعدى إلى مفعولين ، أحدهما القلادة أو ما هو بمنزلتها ، وثانيها ذو القلادة ، ومنه تقليد السيف اي جعل حمالته في عنقه ، وتقليد الهدي ، وفي حديث الخلافة وقلدها رسول الله صلى الله عليه وآله عليا (ع).
    ( واما اصطلاحا ) فقد اختلف كلماتهم في تفسيره ( فقيل ) أنه عبارة عن الاخذ بمعنى الالتزام الكلي بالعمل على فتوى مجتهد معين في الوظائف التكليفية والوضعية ( لان ) المقلد التزامه الكلي وبنائه على تبعية فتوى المجتهد في مقام العمل من غير تأمل ونظر كأنه جعل فتواه قلادة في عنقه ، نظير أخذ البيعة والالتزام بالقيام بلوازمها ( وقيل ) أنه عبارة عن نفس العمل بفتوى المجتهد المعين اعتمادا على فتواه وأنه لا مدخل لحيث الاخذ والالتزام في مفهوم التقليد ، ولا يتحقق عنوانه خارجا إلا بنفس العمل لا بصرف أخذ الفتوى أو الرسالة ( ولا يخفى ) أن التفسير الأول وإن كان أوفق بالمعنى اللغوي ، ولازمه تحقق عنوانه بصرف أخذ الرسالة وتعلم المسائل ، لصدق المقلد حقيقة على الآخذ بفتوى الغير للعمل بها وان لم يعمل بعد بفتواه لفسق أو لعدم وقوع العمل مورد ابتلائه ( إلا ) أن الاشكال في قيام


(239)
الدليل على وجوبه بهذا المعنى ( لوضوح ) أن موضوع الوجوب الشرعي في التقليد الذي هو مورد البحث بمقتضى السيرة والأدلة الشرعية والفطرة السليمة المقتضية لرجوع الجاهل بالوظيفة إلى العالم بها ليس الا ما هو الموضوع للوجوب الشرعي في التعبد بالخبر في حق المجتهد ( فكما ) ان حجية الخبر منشأ لوجوب معاملة المجتهد مع مؤداه معاملة الواقع في جواز الافتاء بمضمونه ووجوب العمل على طبقه بلا وجوب امر آخر عليه من التزام وبناء على العمل به ( كذلك ) حجية الفتوى في حق المقلد منشأ لوجوب العمل على طبقها بلا لزوم بناء والتزام منه على العمل بها ( ولذا ) لو عمل المكلف على طبق رأي المجتهد بلا التفات إلى هذا البناء لم يكن عاصيا وكان عمله صحيحا ومجزيا ( فما هو ) الواجب شرعا في المقامين ليس إلا ما هو مفاد صدق الخبر في حق المجتهد وصدق الرأي في حق المقلد ، ومرجع وجوب التصديق في المقامين إلى وجوب العمل على طبق مؤدى الخبر والرأي عند الالتفات إليهما ، بلا وجوب شيء آخر من بناء والتزام بالعمل بالخبر أو الفتوى مقدمة للعمل فان مثل هذا المعنى مع كونه أجنبيا عن موضوع الوجوب الشرعي في التقليد الذي هو موضوع البحث لا يكون له دخل في حجية الفتوى ، بل ولا في صحة العمل أيضا وانما هو امر مستقل في نفسه يحتاج وجوبه إلى قيام دليل عليه بالخصوص ، وإلا فهو أجنبي عما دل على وجوب التقليد من السيرة والعقل الفطري الارتكازي وسائر الأدلة الشرعية ( هذا كله ) في فرض انحصار المجتهد المتعين حجية فتواه في حقه.
    ( واما في فرض عدم ) انحصار المجتهد واختلاف فتاويهم مع تساويهم في الفضل ( فعليه ) وان لم يكن محيص من الالتزام بفتوى خصوص أحد المجتهدين في حجية رأيه في حقه ، فإنه بعد عدم امكان حجية فتوى الجميع في حقه للتكاذب الموجب للتناقض ، ولا أحدها المبهم ، ولا المعين لبطلان الترجيح بلا مرجح ، ولا التساقط رأسا والرجوع إلى غير الفتوى ، لكونه خلاف الاجماع ، ( فلا جرم ) ينتهى الامر إلى التخيير في الاخذ بإحدى الفتاوى للاستطراق بها إلى الواقع ، نظير التخيير في الخبرين المتعارضين ( وفى مثله ) يتعين الحجة بما يختاره ، فيجب عليه عقلا الاختيار


(240)
بمعنى الالتزام بالعمل على طبق إحدى الفتويين أو الفتاوى معينا مقدمة لتحصيل الحجة على امتثال الاحكام بمناط حكمه في الشبهة قبل الفحص بوجوب تحصيل الحجة على الجاهل المتمكن من تحصيلها ، لا بمناط وجوب رجوع الجاهل إلى العالم وحجية فتواه ( لان ) حجية كل واحدة من الفتويين أو الفتاوى مشروطة بالأخذ بها بمعنى الالتزام بحجيتها والعمل على طبق مؤديها ، والا فقبل الاخذ بإحدى الفتاوى لا تكون واحدة منها حجة في حقه ( وعلى ذلك ) نقول ان الاخذ والالتزام وان كان مقدمة للعمل ، لا نفسه وينتزع من هذا الالتزام الكلي عنوان التقليد ، الا ان وجوبه حينئذ لا يكون الا عقليا بمناط تحصيل الحجة على امتثال الاحكام لا شرعيا مولويا ( بل لو ورد ) دليل شرعي على وجوبه يكون ارشادا إلى حكم العقل ( وانما ) الوجوب الشرعي متعلق بما يختاره في ظرف اختياره ، كما ذكرناه في الامر بالتخيير في الخبرين المتعارضين ( فلا مجال ) حينئذ للتشبث على وجوبه بمثل السيرة وسائر الأدلة الشرعية ، ولا بالعقل الفطري الارتكازي بوجوب رجوع الجاهل إلى العالم ( لما عرفت ) من أن هذه الأدلة ، نظير أدلة حجية خبر الواحد ناظرة إلى اثبات حجية فتوى المجتهد الراجع إلى ايجاب العمل على طبق فتوى المجتهد ، لا إلى وجوب تحصيل الحجة على امتثال الاحكام ( بل لا بد ) حينئذ في اثبات وجوبه من التشبث بحكم العقل المستقل بوجوب تحصيل الحجة على المتمكن منها مقدمة لامتثال الاحكام.
    ( مع أنه ) لا ثمرة مهمة تترتب على هذا النزاع ، لا في مرحلة المصححية للعمل ولا في مقام المعذرية ( فإنه ) في فرض انحصار المجتهد يكفي في الصحة مجرد تطبيق العمل على فتوى المجتهد المنحصر حجية فتواه في حقه ، بل يكفي فيها مجرد اتفاق مطابقة العمل لرأي من يجب اتباع رأيه تعيينا ولو لم يتحقق عنوان التقليد بالأخذ والالتزام أو تطبيق العمل على الفتوى معتمدا عليها ( ولذلك ) تريهم مصرحين في فتاويهم بان المقلد لو عمل عملا واتفق كونه مطابقا لفتوى المجتهد المنحصر حجية فتواه في حقه أجزئه ( وهكذا الكلام ) في فرض عدم انحصار المجتهد واتفاقهم في الفتاوى ( فان تعدد ) الفتاوى حينئذ كتعدد الخبر الدال على وجوب شيء في كون الجميع حجة على المقلد
نهاية الافكار القسم الثاني من الجزء الرابع ::: فهرس