نهاية الافكار القسم الثاني من الجزء الرابع ::: 211 ـ 225
(211)
الخلاف فيما هو المستفاد من أدلة التخيير من كون التخيير في المسألة الأصولية فيكون التخيير للمفتي أو كونه في المسألة الفرعية فيكون التخيير للمستفتي في العمل بمضمون أحدهما ( ولكنه ) ليس كذلك لتأتي ، الخلاف المذكور ولو على القول بكون التخيير في المسألة الأصولية ( بل التحقيق ) ابتناء هذا الخلاف على الخلاف في شمول الاحكام الطرقية المستفادة من أدلتها كالأحكام الواقعية للجاهل المقلد ، وعدم شمولها له واختصاصها بالمجتهد ( فان قلنا ) باختصاص الأوامر الطرقية بالمجتهد المتمكن من تحصيل شرط العمل بها من الفحص ونحوه وعدم شمولها للعاجز عنه ( فلا شبهة ) في أنه ليس للمجتهد الفتوى بمضمون هذه الوظائف الفعلية غير الشاملة للمقلد العاجز ، لعدم شمول أدلة رجوع الجاهل إلى العالم لمثله ( لوضوح ) ان المراد من العالم هو العالم بوظيفة المقلد لا العالم بوظيفة نفسه ، فيتعين عليه حينئذ اختيار أحد الخبرين والافتاء بمضمون ما اختاره من الحكم الواقعي ( وتوهم ) ان الامر التعييني بمضمون كل واحد من الخبرين بعد أن يكون مشروطا بالأخذ الذي هو وظيفة المجتهد ، فيلزم اختصاص الحكم التعييني المستفاد من المأخوذ بخصوص المجتهد ، فلا يشمله دليل رجوع الجاهل إلى العالم بعد اختصاصه بالعالم بوظيفة المقلد لا العالم بوظيفة نفسه ( مندفع ) بان مجرد إناطة التعبد بمضمون الخبر بالأخذ به لا يقتضى اختصاص مضمونه بخصوص المجتهد الآخذ بل هو حكم واقعي شامل لجميع افراد المكلفين واحتياج التعبد به إلى الفحص والاخذ غير ضائر بعد كون فحص المجتهد وأخذه مجزيا عن فحصه وأخذه ( وبتقريب آخر ) أن أخذ المجتهد بعد أن كان بملاك تحصيل الحجة فبالأخذ بأحد الخبرين يصير المأخوذ حجة تعيينية عليه ( فإذا ) كان دليل تتميم كشفه مثبتا للعلم التنزيلي بالمؤدى يكون المجتهد بمنزله العالم بالوظيفة الواقعية لمقلده فيفتي بمضمون ما اختاره من الحكم الواقعي المشترك بين الجاهل والعالم ، فيترتب عليه رجوع الجاهل إليه ( واما ان قلنا ) ان الاحكام الطرقية الظاهرية كالأحكام الواقعية شاملة للمقلد الجاهل أيضا ، كما هو الظاهر من اطلاق أدلتها ، بلا اختصاص خطاباتها بالمجتهد لا ذاتا ولا عرضا من جهة اشتراطها بالفحص ( لان ) المتيقن من دليل الفحص اشتراطه بأعم من فحص نفسه أو مجتهده ، فيكون


(212)
فحص المجتهد بمقتضى أدلة الافتاء والاستفتاء فحصا للمقلد أيضا ( فلازمه ) جواز الافتاء في التخيير بالأخذ بأحد الخبرين ( لان ) رأى المجتهد كما هو حجة في تعيين الحكم الفرعي الواقعي باستنباطه من الأدلة ، كذلك حجة في تعيين الحكم الظاهري ، بل قد يقال ان المتعين حينئذ حجية رأيه فيما استنبطه من الأدلة عند تكافؤ الخبرين ، لا ما اختاره لنفسه في مقام العمل لعدم الدليل على حجية ما اختاره لنفسه على مقلده بحيث يكون تكليفا تعيينيا بالنسبة إليه ( نعم ) ليس له الافتاء بالتخيير في المسألة الفرعية بالعمل على طبق أحد الخبرين ( إذ هو ) مع عدم كونه مفادا لأدلة التخيير ، لا يكون مؤدى واحد من الخبرين أيضا ، فيكون الفتوى بالتخيير بالعمل بهما فتوى بلا دليل ، مضافا إلى ما تقدم من امتناع الوجوب التخييري بين العمل بهما بعد انتهاء الامر بينهما في الغالب إلى النقيضين. ( هذا ) إذا أريد من التخيير الوجوب التخييري ( واما ) لو أريد التخيير العملي بمعنى الإباحة ، فعليه وان لم يتوجه الاشكال الأخير ، ولكنه يتوجه عليه اشكال كونه فتوى بلا دليل ( نعم ) لا بأس بالفتوى بالوجوب التخييري بناء على استفادة كون التخيير في المسألة الفرعية ولكنه يتوجه عليه الاشكال الأخير من أنه لا معنى للوجوب التخييري بعد انتهاء الامر بينهما إلى النفي والاثبات ( فعلى كل تقدير ) يسقط القول بالافتاء بالوجوب التخييري.
    ( الامر الثالث ) هل التخيير في المسألة بدوي فليس للمكلف ان يختار في الزمان الثاني غير ما اختاره في ابتداء الامر ، أو انه استمراري فللمكلف الاختيار في كل زمان في الاخذ باي الخبرين شاء ( فيه وجهان ) بل قولان ، ومورد البحث انما هو في فرض كون التخيير في المسألة الأصولية ( والا ) ففي فرض كونه في المسألة الفرعية ، فلا اشكال في استمراره وان للمكلف ان يعمل بمضمون أحد الخبرين تارة وبمضمون الآخر أخرى ، كما في التخيير بين القصر والاتمام في المواطن الأربعة ( وبعد ذلك ) نقول .. انه قد يقرب الأول بوجهين ( أحدهما ) ما افاده العلامة الأنصاري قده من أن الأخبار الدالة على التخيير مسوقة


(213)
لبيان وظيفة المتحير في ابتداء الامر ، فلا اطلاق فيها بالنسبة إلى حال المتحير بعد الالتزام بأحدهما ، واستصحاب التخيير غير جار ( لان ) الثابت سابقا ثبوت الاختيار لمن لم يتخير ، فاثباته لمن اختار والتزام اثبات للحكم في غير موضوعه ( ويتوجه عليه ) أولا ، منع سوق الاخبار لبيان وظيفة المتحير في بدو الامر ( بل هي ) ظاهرة في سوقها لبيان حكم المتحير من حيث هو ، ومقتضى اطلاقها عدم الفرق في الحكم بالتخيير بين ابتداء الامر أو بعده ( وثانيا ) منع كون موضوع التخيير هو المتحير إذ لا دليل على اخذ عنوانه في موضوع التخيير ( بل الموضوع ) هو من جائه الحديثان المتعارضان ، فالتحير حكمة لجعل الحكم المذكور ، كما هو ذلك في الحكم بالترجيح ( ومن الواضح ) بقاء هذا الموضوع على حاله في جميع الأزمنة وعدم انقلابه بالاختيار وبالعلم بالحكم الفعلي ( مع أن ) التحير في الحكم الواقعي متحقق حتى مع الاختيار ، والتحير العقلي في المتعادلين مرتفع بالعلم بالتخيير ( فلا يمكن ، ان يكون عنوانا للموضوع يدور الحكم مداره.
    ( وثانيهما ) ان طبع الاطلاق في التخيير المأخوذ موضوعا للوجوب يقتضي كون المطلوب صرف وجود الاختيار ، لا الطبيعة المهملة ، ولا السارية ، كما هو ذلك في كلية الأوامر ( ولازمه ) سقوط حكمه بمجرد حصوله في الزمان الأول بلا احتمال بقائه ( فلو شك ) حينئذ في بقاء التخيير ، فلا بد وأن يكون من جهة احتمال تعلق امر جديد به في الزمان الثاني ( وفي مثله ) لا مجال لاستصحاب التخيير ، بل الاستصحاب جار في وجوب العمل بما اختاره في الزمان الأول ( وفيه ) انه كذلك إذا كان الامر بالاختيار شرعيا مولويا ، وليس الامر كذلك ( بل هو ) ارشادي إلى حكم العقل به بمناط وجوب تحصيل الحجة الشرعية للقادر على تحصيلها ، كما ذكرناه ( وما هو ) شرعي انما هو ملزومه الذي هو الامر بالتعبد بكل منهما في ظرف الاخذ به واختياره فيكون اطلاقه تابع اطلاق ملزومه ( فإذا كان ) الظاهر من اطلاق هذا النحو من القضايا الشرطية هو كون الشرط الطبيعة السارية في كل زمان فلا محالة يتبعه اطلاق الامر بالتخيير ولو ارشادا في كون المطلوب طبيعة الاختيار


(214)
الساري في كل زمان ، فيتم المطلوب من استمرار التخيير بلا احتياج إلى استصحابه ( اللهم ) الا ان يقال ان ذلك انما يتم لو كانت القضية الشرطية من القضايا الملفوظة ، وليس الامر كذلك ( فان ) منطوق الرواية ليس الا مجرد الامر باختيار أحد المتعارضين ولو ارشاديا ، لا ملزومه الذي هو حجية ما يختاره المكلف في ظرف اختياره ( فإذا ) اقتضت المقدمات الحكمة في التخيير المأخوذ موضوعا للوجوب ولو ارشادا كونه على نحو صرف الوجود المنطبق بتمامه على الاختيار في الزمان الأول ، يتبعه اطلاق ملزومه المستفاد منه ( ولا أقل ) من عدم استفادة شرطية الاختيار بنحو الطبيعة السارية في كل زمان ( نعم ) على ذلك يبقى المجال لاستصحاب بقاء التخيير في الزمان الثاني ( فإنه ) يكفي فيه مجرد عدم استفادة صرف الطبيعي المنطبق على الاختيار في الزمان الأول ( واما توهم ) معارضته مع استصحاب التعيين في طرف المأخوذ ( فمندفع ) بكون الشك في الثاني مسببا شرعيا عن الأول فاستصحابه يكون حاكما على استصحاب التعيين.
    هذا تمام الكلام في الجزء الرابع من الكتاب والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله على محمد خير خلقه وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين ( وقد ) وقع الفراغ من تسويده على يد العبد الآثم المحتاج إلى رحمة ربه الغني محمد تقي النجفي البروجردي ابن عبد الكريم عفى الله عنهما في ثلاث بقين من شهر جمادى الثانية سنة 1353 ثلاثة وخمسين بعد الألف وثلاثمائة من الهجرة النبوية عليه وعلى أخيه والأئمة من ذريته آلاف الثناء والتحية.


(215)
في الاجتهاد والتقليد
بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه وأشرف بريته محمد وآله الطاهرين المعصومين الغر الميامين : ولعنة الله على أعدائهم ومخالفيهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
    ( وبعد ) فهذه وجيزة فيما يتعلق بالاجتهاد والتقليد قد حررناها في سالف الزمان فأجبت الحاقها بالكتاب وهو الموفق للصواب ( اما الاجتهاد ) ففيه مواضع للبحث.
الموضع الأول
    في تعريفه ( فنقول ) الاجتهاد لغة من الجهد بالفتح بمعنى تحمل المشقة ومن الجهد بالضم بمعنى صرف الطاقة ، وقيل إنه بالفتح والضم بمعنى المشقة ( واما اصطلاحا ) فقد اختلف عباراتهم في شرح معناه فعن محكى العلامة قده والحاجبي تعريفه باستفراغ الوسع في تحصيل الظن بالحكم الشرعي وعن البهائي قده فيما حكى عنه انه ملكة يقتدر بها على استنباط الحكم الفرعي ( وعن ) ثالث انه حالة أو قوة قدسية إلهية إلى غير ذلك مما هو مذكور في المطولات ( ولكن ) الظاهر أن اختلاف عباراتهم في شرح معناه المصطلح ليس لأجل اختلافهم في حقيقته ( بل هو ) عند الجميع عبارة عن استفراغ الوسع في اعمال القواعد لتحصيل المعرفة بالوظيفة الفعلية من الواقعية والظاهرية ( وان ) المقصود من تلك العبارات المختلفة هو مجرد الإشارة إليه بوجه ما ( فمن


(216)
جهة ) ان استخراج الاحكام والوظائف الفعلية من أدلتها لا يكون الا عن قوة راسخة في تنقيح القواعد النظرية واعمالها في مواردها ، عرف بالملكة تارة ، وبالقوة القدسية أخرى باعتبار كونها من المواهب الآلهية والنور الذي يقذفه الله في قلب من يشاء ( ومن جهة ) ملازمة اعمال القواعد في مقام الاستنباط لاتعاب النفس وتحمل المشقة ، عرف باستفراغ الوسع في تحصيل المعرفة بالحكم الشرعي ، كما أن اشتماله على المشقة هو الموجب لصحة اطلاق معناه اللغوي عليه لكونه حقيقة من افراده ومصاديقه ، فكان اطلاقه عليه من باب اطلاق الكلي على فرده ، لا من باب العناية والمجاز ( نعم ) لاوجه لما عن العلامة قده والحاجبي من شرحه باستفراغ الوسع في تحصيل الظن بالحكم الشرعي ( إذا لا عبرة ) بصرف الظن بالحكم ما لم ينته إلى الحجية الفعلية ( ومعه ) تكون العبرة بها ( فكان ) الحري هو تبديل الظن بالحكم الشرعي بالحجة عليه عقلية كانت أو شرعية ، ليدخل فيه اعمال مسائل الانسداد حتى على الحكومة ( وأخرى ) من ذلك تبديل الحكم الشرعي أيضا بمطلق الوظيفة الفعلية من الواقعية والظاهرية الشرعية أو العقلية ، ليدخل فيه الاجتهاد المؤدي إلى البراءة وغيرها من الوظائف العقلية كالاحتياط والتخيير ( وبما ذكرنا ) ظهر ان الاجتهاد بمعنى استفراغ الوسع في تحصيل الحجة جهة مشتركة بين العامة والخاصة الأصوليين منهم والأخباريين ( غاية الامر ) انه تختلف انظارهم في حجية بعض القواعد ، كاختلاف العامة والخاصة في حجية القياس والاستحسان ، واختلاف الاخباري والأصولي في حجية ظواهر الكتاب والقطع الحاصل من غير الأدلة السمعية ، وتمامية البراءة العقلية في الشبهات الحكمية البدوية التحريمية ، فتكون منازعة كل طائفة في حجية ما يقول به الطائفة الأخرى لا في اجتهاده ( ومن الواضح ) ان مثل هذا الخلاف غير ضائر بالاتفاق على صحة الاجتهاد بالمعنى المزبور ( إذ هذا النزاع ) كما هو موجود بين العامة والخاصة الأصوليين منهم والأخباريين ( كذلك ) موجود بين أخباري وأخباري وبين أصولي ، وأصولي نظير النزاع بين القائل بالظن المطلق من المجتهدين والقائل بالظنون الخاصة منهم ( فلا وجه ) حينئذ لتأبي الأخباريين واستيحاشهم من اطلاق الاجتهاد على تحصيل


(217)
المعرفة بالأحكام من أدلتها باعمال القوة النظرية في تطبيق القواعد الكلية بعد اتقانها على مواردها وإكثارهم التشنيع على المجتهدين في أصل الاجتهاد ، مع كونهم موافقين لمعناه في استخراجهم الاحكام والوظائف الفعلية من أدلتها عصمنا الله من الزلات ( وكيف كان ) فالطاهر ان المراد من الاجتهاد المصطلح هو الاستفراغ الفعلي في تحصيل المعرفة بالأحكام ( لان ) الاجتهاد هو الاستنباط الفعلي من الأدلة ، ولا يكفي فيه مجرد الملكة الموجبة للقدرة على الاستنباط ، كما هو الظاهر المتبادر من المواد المأخوذة في كل هيئة في فعليتها ، كالفتوى والقضاء والكتابة والتجارة ( ولا ينافي ) ذلك صدق المجتهد والقاضي والمفتي في حال عدم الاشتغال الفعلي بالاجتهاد والقضاوة والافتاء لنوم أو شغل ونحوهما ( إذ من الممكن ) دعوى كون ذلك من جهة اقتضاء الهيئة في المشتقات الوصفية نحو توسعة في التلبس بالمبدء الفعلي على وجه لا ينافيه التخللات العدمية ( أو دعوى ) كفاية بقاء المقتضى فيها في صحة اطلاق عنوان المجتهد والقاضي في حال عدم الاشتغال الفعلي بلا اخذها في المادة أصلا كي يلزم اختلاف المادة المحفوظة في ضمن الهيئات المصدرية وغيرها ( فان ) ذلك مما يأبى عنه ارتكاز الذهن ( لا يقال ) على ذلك يلزم عدم صدق المجتهد على من له ملكة الاستنباط ولم يستنبط بعد حكما من الاحكام ( فإنه يقال ) انه لا بعد في الالتزام به كما نلتزم في غيره من الكاتب والتاجر ونحوهما ( وعلى فرض ) صدق عنوان المجتهد عليه ، نقول انه من باب العناية والتنزيل ( فلا شهادة ) حينئذ في صحة اطلاق المجتهد على مثله على إرادة الملكة من المبدء ( مع أنه ) لم يرد عنوان المجتهد في آية ولا رواية في موضوع حكم من الاحكام ( وانما ) الموضوع للآثار عنوان الفقيه والناظر في حلالهم وحرامهم والعارف بأحكامهم كما في المقبولة وغيرها ( ولا ريب ) في عدم صدق هذه العناوين على من له مجرد الملكة على الاستنباط ولم يستنبط حكما من الاحكام.


(218)
الموضع الثاني
    ينقسم الاجتهاد إلى مطلق وتجزي ( فالأول ) هو ما يقتدر به على استنباط الأحكام الشرعية والوظائف الفعلية من امارة معتبرة ، أو أصل معتبر عقلي أو نقلي في الموارد التي لم يظفر بدليل معتبر ( والثاني ) ما يقتدر به على استنباط بعض الأحكام الشرعية والوظائف الفعلية العملية لا كلها أو جلها ( ولا اشكال ) في امكان الأول وحصوله للاعلام ( ولا ينافيه ) ترددهم في بعض المسائل النظرية ( فان ) ذلك انما هو بالنسبة إلى الحكم الواقعي لأجل عدم الظفر بدليل صالح مساعد لحكم المسألة بعد الفحص التام عنه ، لا ان ذلك لأجل قصور باعهم أو قلة اطلاعهم ( والا ) فلا تردد لهم بالنسبة إلى ما هو الوظيفة الفعلية في المسألة كما هو ظاهر ( كما لا اشكال ) في وجوب العمل بهذا الاجتهاد لمن هو متصف به وعدم جواز رجوعه إلى غيره ، سواء فيه بين كونه ممن انفتح له باب العلم والعلمي بالأحكام ، أو ممن انسد عليه بابهما فيها في غير الضروريات من المسائل النظرية ( فإنه ) على كل تقدير يكون اجتهاده حجة في حق نفسه ( واما ) حجية فتواه لغيره ممن لم يتضف بالاجتهاد سواء كان له نصيب من العلم أم لا ( فان ) كان المجتهد ممن يرى انفتاح باب العلم والعلمي بالأحكام فلا اشكال أيضا في حجية فتواه لغيره وجواز رجوعه إليه خصوصا على القول بتعميم مفاد أدلة الطرق والأصول بالنسبة إلى المقلد.
    ( واما ) ان كان المجتهد ممن يرى انسداد باب العلم والعلمي بالأحكام ، ففي جواز رجوع الغير إليه اشكال ( والذي ) يظهر من المحقق الخراساني قده هو المنع عن جواز رجوع الغير إليه وحجية فتواه بالنسبة إليه ، لعدم صدق العارف بالأحكام على مثله ، وكون الرجوع إليه من باب رجوع الجاهل إلى مثله لا إلى العالم بناء على الحكومة ( فلا يشمله ) أدلة التقليد ، وقضية مقدمات الانسداد ليست الا حجية ظنه في حقه لا في حق غيره ( فلا بد ) في جواز الرجوع إلى فتواه من التماس دليل


(219)
آخر غير دليل التقليد ودليل الانسداد الجاري في حق المجتهد من اجماع أو جريان مقدمات الانسداد في حقه ( والأول ) مفقود ( والثاني ) غير تام بعد وجود المجتهد الانفتاحي وتمكنه من الرجوع إليه والاخذ بفتواه ( وفيه ) أولا النقض برجوع المقلد إلى المجتهد الانفتاحي في مورد الوظائف العقلية أو الشرعية الظاهرية من البراءة والاحتياط والتخيير ونحوها مما كان موضوعه عدم العلم بالواقع أو بالحجة عليه ، بل مطلقا بنا ما على أن نتيجة دليل اعتبار الطرق مجرد جعل الحجية المستتبعة لتنجيز الواقع مع الإصابة والعذر مع عدمها ، بلا جعل الحكم المماثل ظاهرا ، أو تتميم الكشف الموجب للعلم التعبدي بالواقع ، لعدم صدق المعرفة بالأحكام بصرف العلم بالحجة القاطعة للعذر كما هو ظاهر ( وثانيا ) ان الاشكال انما يتوجه إذا كان دليل التقليد هو المقبولة ونحوها مما اعتبر في الموضوع عنوان العارف بأحكامهم ( واما ) لو كان الدليل القاعدة المرتكزة المقتضية لرجوع الجاهل بالوظيفة الفعلية الظاهرية من العقلية والشرعية إلى العالم بها ( وبعبارة ) أخرى رجوع من لم يكن ذا حجة على الوظيفة الفعلية الظاهرية ولو عقلية إلى من كان ذا حجة عليها شرعية أو عقلية ( فلا قصور ) في جواز رجوعه إلى الانسدادي بعد كونه ذا حجة عقلية في فتواه بمناط الحكومة أو شرعية بمناط الكشف ( فإذا ) تعلق ظن المجتهد بالتكليف الذي له مساس بالغير وكان ظنه ذلك حجة ولو من باب ، الحكومة كان له الافتاء على طبق ظنونه ( ولازمه ) بمقتضى القاعدة المرتكزة جوار رجوع الغير إليه وحجية فتواه في حقه بعد رجوعه إليه.
    ( وبتقريب ) آخر ان المقلد العامي إذا التفت إلى الاحكام ( فاما ) ان يعلم بها اجمالا ( واما ) ان لا يعلم بها بل كان شاكا في جميعها ( وعلى الأول ) اما ان لا يكون له ظنون بان كان محتملا للتكليف في جميع الموارد ( واما ) ان يكون له ظنون أيضا ( اما الصورة الأولى ) وهي علمه بالتكليف اجمالا مع تساوى احتمالاته ، فعليه وان لم يلتفت المقلد إلى وظيفته الفعلية لكونه جاهلا بها ( ولكن ) المجتهد بعد ما يرى عدم تمكنه من الاحتياط التام للعسر والحرج


(220)
الشاملين له بعموم دليلهما ( ويرى ) انه في ظرف الانسداد يتعين عليه بمقتضى المقدمة الرابعة الاخذ بالأقرب إلى الواقع ، وان الأقرب إلى الواقع من محتملات المقلد ، هو ما يكون على طبق ظنه لكونه هو الأقرب إلى الواقع بنظره ، والا فنفس شكوك المقلد من جهة كونها قبل الفحص لا يكون مدارا للحكم ، لان المدار على ما حصله المجتهد بعد فحصه من أقرب الطرق ( فلا جرم ) يفتي على طبق ما هو الأقرب بنظره وهو ما أدى إليه ظنونه التي هي مؤدى احتمالات المقلد أيضا ( واما الصورة الثانية ) وهي ما إذ كان للمقلد ظنون أيضا ولو على خلاف ظنون المجتهد ، ففي مثله لا يرجع إلى المجتهد في مؤدى ظنونه ، بل المجتهد يعلمه بان تكليفه هو الاخذ بما هو أقرب الطرق إلى الواقع بنظره أعني الاخذ بظنونه ، لا بما هو أقرب بنظر مجتهده ( لان ) الجاهل يرجع إلى العالم في المقدار الذي كان جاهلا به لا مطلقا حتى في المقدار الذي لم يكن جاهلا ، فيصير المقلد حينئذ هو المجرى لدليل الانسداد ، ويكون ذلك نحو اجتهاد مشوب بالتقليد ، ولازمه هو الاخذ بمؤدى ظنونه وان كان على خلاف ظنون المجتهد ( اللهم ) الا ان يقال ان ظنون المقلد حينئذ لكونه قبل الفحص مما لا عبرة به ، وانما العبرة بما يكون بعد الفحص ، وهو لا يكون الا ظنون المجتهد ( ولازمه ) هو الاقتصار في ظنونه على ما لا يخالف ظنون مجتهده ( الا ) ان يمنع أصل وجوب الفحص في فرض المسألة حتى في فرض القدرة على الفحص بدعوى ان الفحص انما يجب عقلا في فرض احتمال تحصيل الأقرب إلى الواقع ، كما في موارد الشكوك الفعلية المحتمل تبدل بعضها بعد الفحص بالظن بالتكليف ، لا في مثل الفرض المحتمل تبدل ظنه الفعلي بالتكليف بالشك أو الظن بالخلاف ( فان ) لازم وجوبه حينئذ هو جواز التنزل عما يقطع فعلا بأقربيته إلى الواقع إلى ما يقطع فعلا بأبعديته ( وفي مثله ) يمنع حكم العقل بوجوب الفحص ( ومعه ) لا قصور في مرجعية ظنه قبل فحص نفسه أو فحص من ينوبه على الاطلاق ولو على خلاف ظنون مجتهده فتأمل ( وكيف كان ) فلا فرق في هاتين الصورتين في الرجوع إلى الانسدادي في المسألة الأصولية بين وجود القائل بالظنون الخاصة ، وعدمه


(221)
( إذ لا يفرق ) العقل في رجوع الجاهل بالوظيفة إلى العالم بها ، بين الانفتاحي القائل بانحلال العلم الاجمالي بما في موارد الظنون الخاصة ، وبين الانسدادي القائل بعدم انحلاله ( فكما ) ان الأول عالم بالوظيفة الشرعية الظاهرية ( كذلك ) الثاني عالم بالوظيفة العقلية الظاهرية ، وهو الاخذ بالأقرب إلى الواقع لعلمه بعدم الوظيفة الشرعية ( وبالجملة ) لا يفرق العقل في حكمه برجوع الجاهل إلى العالم بين العالم بالوظيفة الشرعية الظاهرية ، والعالم بعدمها ( فلا يتعين ) عليه الرجوع في هذه المسألة الأصولية إلى خصوص الانفتاحي ( بل هو ) مخير بين الرجوع إلى الانفتاحي ليدخل في من له الحجة الشرعية فينحل علمه الاجمالي ولا تجري في حقه مقدمات الانسداد ، وبين الرجوع إلى الانسدادي ليدخل في من ليس له الحجة الشرعية ، فتجري في حقه مقدمات الانسداد ( فان ) التخيير في المقام كالتخيير في باب تعارض الخبرين راجع إلى التخيير في الاخذ بإحدى الفتوائين ومرجعه إلى حكم العقل بمنجزية فتوى كل واحد منهما على تقدير الاخذ به ( نظير ) المجتهد الذي تعارض عنده خبران القائم أحدهما على حجية طائفة من الاخبار الوافية عنده بمعظم الفقه ، والآخر على عدم حجيتها بنحو يحتاج إلى اعمال مقدمات الانسداد ( فكما ) انه لا يتعين على المجتهد اختيار الأول ( بل كان ) له الاخذ بأي واحد منهما بنحو يصير انفتاحيا بالأخذ بأحدهما ، وانسداديا بأخذه بالآخر ( كذلك ) المقلد مخير فيه هذه المسألة بين الاخذ بفتوى الانفتاحي ليدخل في من له الحجة الشرعية فينحل علمه الاجمالي ، وبين الاخذ بفتوى الانسدادي القائل بعدم الحجة الشرعية ، ولا يتعين عليه الرجوع في هذه المسألة إلى خصوص الانفتاحي ، كما لا يتعين عليه أيضا الرجوع إلى المجتهد في خصوص المسألة الفرعية الا من جهة توهم تخصيص المسائل الأصولية بالمجتهد وعدم تعميمها للمقلد ( وعلى ما ذكرنا ) لا يبقى موقع لاشكال العلامة الخراساني قده ، بان مع وجود المجتهد القائل بالظنون الخاصة يكون باب العلم منفتحا في حق المقلد ، فلا تجري معه مقدمات الانسداد الا بفرض انحصار المجتهد


(222)
بالانسدادي ( نعم ) ما افاده قده ، انما يتم في فرض تعين الرجوع إلى المجتهد في خصوص المسائل الفرعية ، ولو لدعوى اختصاص المسائل الأصولية بالمجتهد وعدم نصيب للمقلد منها ، اما ذاتا أو عرضا لأجل اشتراطها بالفحص الذي يكون المقلد عاجزا عنه ( وذلك ) أيضا بضميمة تخصيص أدلة التقليد برجوع الجاهل بالحكم الشرعي إلى العالم به لا بمطلق العالم بالوظيفة الفعلية ولو كانت عقلية ( والا ) فعلى ما هو التحقيق من تعميم المسائل الأصولية كالفرعية للمجتهد والمقلد كما هو مختاره قده ، فلا يتعين عليه الرجوع إلى المجتهد في خصوص المسألة الفرعية ( بل له ) الرجوع إلى المجتهد في المسألة الأصولية أيضا ( وفي هذا ) الفرض لا يتعين عليه الرجوع إلى المجتهد الانفتاحي بالتقريب المتقدم.
    ( ومن التأمل ) فيما ذكرناه يظهر الحال في الصورة الثالثة ، وهي ما إذا كان المقلد شاكا في جميع الأحكام وغير عالم بها حتى اجمالا ( إذ بعد ) عدم كونه شكوكه مدارا للحكم يجب عليه الرجوع إلي العالم بالأحكام ولو اجمالا ، فان صدقه وحصل له العلم الاجمالي بالأحكام من قوله ( وإلا ) يكون علمه اجمالا حجة في حق المقلد ( وبعد ) ذلك تنتهي النوبة إلى رجوعه إليه في تعيين وظيفة من له العلم الاجمالي بالأحكام ، فيأتي فيه جميع ما ذكرناه في الصورة الأولى والثانية ، فتكون النتيجة هو التخيير في رجوعه إلى كل من المجتهد الانفتاحي والانسدادي بالتقريب المتقدم آنفا.
    ( وبما ذكرنا ) يظهر أيضا وجه رجوع المقلد إلى المجتهد في مورد الوظائف العقلية أو الشرعية الظاهرية ، كالاحتياط والبرائة والاستصحاب ( فلو كان ) المجتهد عالما بحكم المسألة اجمالا ورجع إليه الجاهل في حكم المسألة يفتي المجتهد على طبق معتقده من لزوم الموافقة القطعية أو جواز المخالفة القطعية أو التفصيل بينهما ( ولو لم يكن ) عالما بالحكم لا اجمالا ولا تفصيلا ورجع إليه الجاهل يفتيه بالاحتياط أو بالترخيص العقلي أو الشرعي ( وكذا ) في موارد الاستصحابات الحكمية ، فإنه مع علم المجتهد بوجود الحجة على الحكم السابق وعدم قيام حجة على ارتفاعه يحكم بمقتضى أدلة الاستصحاب بان حكمه وحكم كل من كان على يقين بحكم فشك في بقائه هو عدم


(223)
نقض اليقين بالشك ( فإذا ) رجع إليه المقلد مع تشخيصه للموضوع يفتي إياه بحرمة نقض اليقين بالشك ( ومع ) فرض عدم التفات المقلد إلى الحالة السابقة وكونه شاكا في حكم المسألة يكون علم المجتهد وفحصه يمنزلة علم المقلد وفحصه ، فيدخل بذلك تحت عنوان الشاك الفعلي العالم بالحكم السابق فيفتيه بحرمة نقض اليقين بالشك ( ثم إن ) ذلك كله بناء على الحكومة ( واما ) بناء على الكشف عن كون الظن طريقا مثبتا للتكليف شرعا ، فلا اشكال في جواز الرجوع إليه ( إذ هو ) حينئذ كالقائل بالظن الخاص ، حيث يتحقق مورد التقليد في موارد ظنونه لكونه عالما فيها بالحكم الشرعي ، فيكون الرجوع إليه من باب رجوع الجاهل إلى العالم لا الجاهل كما هو ظاهر.
    ( واما قضائه ) ونفوذ حكمه في المخاصمات ، فعلى تقدير الانسداد بنحو ينتهى إلى الكشف عن حجية الظن شرعا في مقام اثبات التكليف ، فلا اشكال في نفوذ حكمه ( فإنه ) يصدق على مثله انه ناظر في حلالهم (ع) وحرامهم وعارف بأحكامهم (ع) فيكون مشمولا للمقبولة ( واما بناءا ) على تقريره بنحو الحكومة ( ففيه ) اشكال ( ولكن ) يمكن الالتزام بجواز الترافع إليه ونفوذ حكمه ، من جهة كفاية علمه بجملة من الاحكام الضرورية من المذهب والمسائل الواقعة في موارد الاجماعات القطعية والأخبار المتواترة لفظا أو معنى أو المحفوفة بالقرائن القطعية ، فإنه بذلك يصدق عليه انه عالم بشيء معتد به من الاحكام وقضاياهم (ع) فتشمله مشهورة أبى خديجة من قوله (ع) انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا ( وان انسد ) عليه باب العلم والعلمي بمعظم المسائل بحيث يحتاج إلى اعمال مقدمات الانسداد ( بل ويمكن ) دعوى التوسعة في صدق العرفان بالنظر إلى مثل هذا العرفان الظني الحاكم به العقل المستقل ( وبالجملة ) المدار في صدق المعرفة بحكمهم على قيام الحجة عليه وان كانت عقلية ( بل وبالتوسعة ) في الحكم المتعلق للمعرفة أيضا بأعم من كونه بلا واسطة أو بتوسيط منشئه بقرينة اضافه الحكم إليهم في الوقايع الجزئية بقوله (ع) فإذا حكم بحكمنا ، كما هو ظاهره من كون المحكوم به على طبق حكمهم من حيث الموازين الثابتة عندهم ( إذ حينئذ )


(224)
لا بأس بدعوى شمول الحكم للوظائف المعلومة له ، لأنها ناشئة من قبل حكمهم ، فيصدق بهذه العناية انه عارف بأحكامهم ، وكيف كان فهذا كله في الاجتهاد المطلق.
    ( واما التجزي في الاجتهاد فيقع الكلام فيه من جهات ).
    ( الأولى ) في أصل امكانه ( فنقول ) قد يقال بعدم امكانه لدعوى بساطة الملكة وعدم قابليتها للتجزية ( وان ) الاقتدار على استنباط بعض الأحكام الشرعية ملازم مع الاقتدار على استنباط الجميع ( ولكنه ) كما ترى مما يكذبه الوجدان لما هو المشاهد بالعيان من حصوله لكثير من أفاضل الطلاب ( لوضوح ) ان مسائل الفقه ليست على نهج واحد ( بل تختلف ) وضوحا وغموضا من حيث المدرك عقلا ونقلا ( وكذلك ) الأشخاص يختلف من حيث طول الباع وقصوره ( فرب شخص لمهارته ) في المبادئ العقلية أو النقلية يكون له من القوة ما يقتدر به على استنباط طائفة من المسائل المرتبطة بتلك المبادئ دون غيرها من المسائل الأخرى ( ورب ) شخص آخر بعكس ذلك ( فان ) معرفة كل علم من العلوم النظرية انما توجب القدرة على استنباط طائفة من الاحكام المناسبة لتلك المبادئ دون غيرها ( وحينئذ ) فلا يلزم من الاقتدار التام على استنباط بعض المسائل الشرعية اما لسهولة مدركه أو مهارة الشخص في مباديه ، الاقتدار على استنباط الجميع ( وبساطة ) الملكة وعدم قابليتها للتجزية لا تنافي ذلك بعد كونها ذات مراتب مختلفة شدة وضعفا واختلاف المسائل وضوحا وغموضا من حيث المدرك والمبادئ ( مع أنه ) لا اثر لهذا الخلاف ( إذ لم يقع ) عنوان الاجتهاد موضوعا لاثر من الآثار في آية ولا رواية ( وانما ) الآثار المهمة من نحو جواز عمله بفتويه ، ورجوع الغير إليه ، وجواز تصديه للقضاء وفصل الخصومات ، مترتبة على عنوان الفقيه والعارف بالأحكام ( وترتب ) هذه الآثار تابع شمول أدلة كل باب لمثله وعدمه ، قلنا بامكان التجزي أم لم نقل به ( وعليه ) فترك التعرض له أولى من إطالة البحث فيه بالنقض والابرام.
    ( الجهة الثانية ) هل للمتصف بهذه المرتبة من الاجتهاد التعويل على نظره


(225)
واجتهاده في عمل نفسه ، أو يتعين عليه الرجوع إلى فتوى المجتهد المطلق أو الاخذ بأحوط القولين ( فيه وجوه ) أقواها الأول ( إذ بعد استقصاء المتجزي أدلة مدرك المسألة وفحصه عن معارضاته وانتهاء امره إلى الجزم بحجية الامارة الكذائية في حقه فعلا سندا وجهة ودلالة ، لا معنى للمنع عن تعويله في عمله على ما استقر عليه رأيه في المسألة ( إذ هو ) حينئذ يساوي المجتهد المطلق الذي استفرغ وسعه فيها من حيث القدرة على الفحص ورفع معارضاته ( وعدم ) قدرته على استنباط مسألة أخرى أجنبية غير ضائر بعد فرض عدم الارتباط بينهما ( ولازمه ) عدم جواز رجوعه إلى الغير في المسألة التي تخالف فتواه لرأيه ، كيف وهو جازم بخطأ غيره في نظره ، فلا معنى لتعويله على رأيه ( وتوهم ) اختصاص أدلة حجية الطرق بالمتصف بالاجتهاد المطلق ، كما ترى دون اثباته خرط القتاد ( هذا إذا كان ) قادرا على استنباط بعض أبواب الفقه باعمال جميع ما تحتاج إليه المسألة من القواعد ( واما ) لو لم يقدر الا على اعمال بعضها بان كان مجتهدا في بعض القواعد المعمولة في كل مسألة لا في جميعها ، فلا شبهة في عدم تحقق الاجتهاد في مسألة من المسائل ، لعدم قابليته للتجزية من هذه الجهة ، ولازمه كونه مقلدا في المسألة لا مجتهدا ( وانما الكلام ) في أنه هل له الاكتفاء بتطبيق ما يقدر عليه من قواعد المسألة بضميمة التقليد في غيرها وتطبيقها على المسألة واخذ نتيجتها والعمل بها ولو مع مخالفة نظره لرأي غيره ليكون نحو اجتهاد مشوب بالتقليد أو يتعين عليه التقليد في المسألة بتمامه ، فيه وجهان ، من أن الجاهل ببعض جهات المسألة جاهل بأصل المسألة ، ومن أن رجوع الجاهل إلى العالم انما هو في الجهة التي يكون جاهلا بها لا مطلقا حتى في الجهة التي هو عالم بها مع كونه مخطئا لنظر غيره ، لا يبعد تعين الأول.
    ( الجهة الثالثة ) هل يجوز رجوع الغير إلى المتجزي في المسائل التي استخرجها من الأدلة ( فيه وجهان ) أظهرهما الأول لعموم أدلة التقليد الشامل لمثله ( وعدم ) اقتداره على استنباط ساير المسائل غير ضائر بجواز الرجوع إليه فيما اقتدر على استنباطه ( بل قد ) يتعين إذا كان اعلم فيه ممن له القدرة على استنباط
نهاية الافكار القسم الثاني من الجزء الرابع ::: فهرس