نهاية الافكار القسم الثاني من الجزء الرابع ::: 196 ـ 210
(196)
الترتيب بين المرجحات كما سيأتي بيانه خصوصا على القول بالتعدي بلا وقوع محذور معارضة في فرض اشتمال أحد الخبرين على مزية من جهة واشتمال الآخر على مزية من جهة أخرى ( ولكن ) القائل بالتعدي لا يلتزم بذلك ، فان بنائه على تعدد المرجحات والترتيب بين المرجحات الصدورية والمضمونية ( وكيف كان ) فالتحقيق هو وجوب الاقتصار على المرجحات المنصوصة وعدم جواز التعدي منها في مقام الترجيح إلى غيرها.
بقى التنبيه على أمور
    ( الامر الأول ) الأخبار الواردة في الاخذ بما يوافق الكتاب وطرح ما يخالفه على طائفتين ( الأولى ) الأخبار المتقدمة الواردة في مقام العلاج في خصوص الروايات المتعارضة التي منها المقبولة الآمرة بالأخذ بما يوافق الكتاب في مقام الترجيح وطرح ما يخالفه ( الثانية ) الأخبار الواردة في عرض الأحاديث على القرآن الآمرة بطرح المخالف للكتاب في نفسه والاعراض عنه ، بمثل قوله (ع) ما خالف قول ربنا لم أقله .. أو فاضربه على الجدار ، وانه زخرف أو باطل ونحو ذلك من التأكيدات البليغة الواردة فيها بلزوم طرح المخالف وعدم العمل به ( وبعد ) سقوط الخبر المخالف للكتاب من الاعتبار بمقتضى هذه الأخبار يقع الاشكال في التوفيق بين هاتين الطائفتين ( بتقريب ) ان الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفته انما يكون في فرض كون الخبر المخالف في نفسه واجدا لشرائط الحجية.
    ( فإذا كان ) من شرائط حجية خبر الواحد عدم مخالفته للكتاب ، يكون المخالف له ساقطا بنفسه عن الحجية ( فكيف ) تكون الموافقة للكتاب من المرجحات ( ولكن ) حل الاشكال ان يقال بحمل المخالفة في الطائفة الثانية على مخالفة الخبر للكتاب بالتباين الكلي ( وفي الطائفة ) الأولى على المخالفة بنحو العموم المطلق والعموم من وجه ( والوجه ) فيه انما هو للعلم بصدور اخبار كثيرة منهم (ع)


(197)
مخالفة لظاهر الكتاب بالعموم المطلق والعموم من وجه ( مع وضوح ) اباء الأخبار الدالة على ضرب المخالف للكتاب على الجدار وانه زخرف أو باطل من التخصيص ( فإنه ) من ضم الوجدان المزبور إلى إباء تلك النصوص وامتناعها من التخصيص يعلم أن المراد من المخالف الذي امر بضربه على الجدار وانه زخرف وباطل هو خصوص المخالف للكتاب بالتباين الكلي بنحو لا يمكن الجمع بينهما ، وانه هو الذي يوجب سقوط الخبر من درجة الحجية وخروجه عن موضوع التعارض ومرحلة الترجيح وبذلك يرتفع التنافي بين الطائفتين ويندفع المحذور من البين ( إذ يختص ) موضوع اخبار الترجيح بالموافقة والمخالفة للكتاب على نحو العموم المطلق والعموم من وجه ( فإذا ) كان أحد المتعارضين موافقا للعام الكتابي ، وكان الآخر مخالفا له اما بنحو العموم المطلق أو العموم من وجه ، يكون الترجيح للخبر الموافق للكتاب ( وبما ذكرنا انقدح ) ضعف الاشكال بان المخالفة للكتاب لفظ واحد وظاهره في المقامين بمعنى واحد فلا وجه لحمل المخالفة في أحد المقامين على المخالفة بالتباين وفي المقام الآخر على المخالفة بالعموم من وجه والعموم المطلق ( لما عرفت ) من أن الموجب لهذا الحمل انما هو العلم بصدور الأخبار الكثيرة منهم (ع) على غير وجه التباين الكلي مع اباء ما دل على أن المخالف للكتاب زخرف أو باطل من التخصيص ( وعليه ) فلا وجه لاخراج الخبر المخالف للكتاب بقول مطلق من اخبار المقام والمصير إلى كون المخالف غير حجة في نفسه مطلقا وان الموجب للترجيح هو عنوان الموافقة للكتاب لا هو وعنوان المخالفة ( كيف ) وان ذلك خلاف ما يقتضيه اخبار الباب كما هو ظاهر ( فلا محيص ) حينئذ من المصير إلى ما ذكرناه من ادراج المخالفة على غير وجه التباين الكلي في اخبار الباب ( وتوهم ) عدم اندراج المخالف للكتاب بالعموم المطلق في اخبار الترجيح ، لعدم التنافي بين العام والخاص ، ولما هو التحقيق من تخصيص العام الكتابي بالخبر الواحد كتخصيص المتواتر به ( مدفوع ) بأنه كذلك لولا ابتلاء الخاص الخبري بالمعارض ( فلا تنافي ) حينئذ بين تخصيص الكتاب بالخبر الواحد ، وبين دخول هذا النحو من المخالفة في أدلة الترجيح واقتضائها لطرحه


(198)
عند معارضته مع الخبر الموافق للكتاب ( كيف ) ولازم خروج هذا القسم من المخالف للكتاب عن موضوع اخبار الترجيح هو حصر مورد الترجيح بالموافقة والمخالفة بما يكون على نحو العموم من وجه ( وبعد ) ندرة المخالف للكتاب وقلة وجوده في الاخبار المتعارضة ، يلزم حمل ما أطلق فيه الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفته على المورد النادر الذي هو بحكم المعدوم ، وهو كما ترى ( فلا محيص ) حينئذ من تعميم المخالفة في تلك الأخبار بما يعم العموم المطلق ( ثم إن ) الحكم بالترجيح بموافقة الكتاب أو مخالفته انما يكون إذا كان التنافي بين الخبرين بالتباين الكلي ، كما إذا كان مفاد أحد الخبرين حرمة لحم الحمار ، وكان مفاد الآخر حليته ( فإنه ) في مقام الترجيح يقدم ما دل على حليته لكونه موافقا للعام الكتابي وهو قوله سبحانه أحل لكم ما في الأرض جميعا ( واما ) لو كان التنافي بينهما بنحو العموم المطلق ، فلا ترجيح بموافقة الكتاب ولا بمخالفته ، بل يقدم الخبر المخالف ويخصص به العام الخبري والكتابي على قواعد الجمع بين الأظهر والظاهر ، لما تقدم من خروج موارد الجمع العرفي عن موضوع اخبار العلاج ( هذا ) إذا كان التنافي بين الخبرين على نحو التباين الكلي أو العموم المطلق ( واما ) إذا كان التنافي بينهما بنحو العموم من وجه فسيأتي حكمه انشاء تعالى.
    ( هذا كله ) في الترجيح بموافقة الكتاب.
    ( واما الترجيح بمخالفة العامة فلا ريب في أصل الترجيح بها لدلالة غير واحد من الاخبار التي منها المقبولة على وجوب الاخذ بما يخالف العامة وطرح ما يوافقهم ( وانما ) الكلام في وجه الترجيح بها ( فان ) المحتمل بدوا في الترجيح بمخالفة العامة أمور ( الأول ) ان يكون وجه الترجيح لمجرد حسن المخالفة لهم ، كما قيل إنه ظاهر مرسل داود بن حصين من قوله (ع) من وافقنا خالف عدونا ومن وافق عدونا في قول أو عمل فليس منا ولا نحن منه ( الثاني ) ان يكون لمحض التعبد ، لقوله (ع) في رواية سماعة بن مهران خذ بما خالف العامة ( الثالث ) ان يكون


(199)
لأجل أن الرشد والصواب في خلافهم ، كما هو ظاهر كثير من الاخبار التي منها التعليل بالرشد ( ومنها ) قول الرضا (ع) في خبر ابن أسباط ائت فقيه البلد واستفته ، فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه فان الحق فيه ( ومنها ) قوله (ع) في خبر الا رجائي : أتدري لم أمرتم بالأخذ بخلاف ما يقوله العامة : قلت لا ادرى فقال (ع) : ان عليا (ع) لم يكن يدين الله بشيء الا خالف عليه العامة إرادة لا بطال امره ، وكانوا يسئلون عن الشيء لا يعلمونه ، فإذا أفتاهم بشيء جعلوا له ضدا من عندهم ليلبسوا على الناس ( الرابع ) ان يكون لا جل صدور الموافق لهم تقية ، كقوله (ع) ما سمعته مني يشبه قول الناس ففيه التقية ، وما سمعته مني لا يشبه قول الناس فلا تقية فيه.
    ( ولكن ) الاحتمالين الأولين بعيدان جدا عن ظاهر الاخبار خصوصا الأول منهما ، إذ لا اشعار لرواية داود بن حصين عليه فضلا عن الدلالة ( فان ) قوله (ع) من وافقنا خالف عدونا ... الخ ظاهر في الموافقة معهم في معتقداتهم الفاسدة وفي أخذ معالم دينه منهم ، كما يدل عليه رواية حسين بن خالد من قوله (ع) شيعتنا المسلمون لامرنا الخ ( مضافا ) إلى اقتضائهما لكون الامر في الترجيح بمخالفتهم نفسيا لا طريقيا ( فيدور ) الامر بين الاحتمالين الأخيرين ( ولا ينبغي ) الاشكال في أن المتعين منهما هو الاحتمال الثالث ، لظهور الاخبار المزبورة في أن الترجيح بمخالفة العامة انما هو من جهة كون الخبر المخالف لهم أقرب إلى الواقع من الموافق ، لا لان الموافق فيه التقية لتكون المخالفة من المرجحات الجهتية ، خصوصا بملاحظة ما اقترن الترجيح بها بموافقة الكتاب كما في المقبولة الظاهر في أنهما من سنخ واحد ، لا سنخين أحدهما المرجح المضموني الملحوظ فيه الأقربية إلى الواقع ، والآخر المرجح الجهتي ( واما ) قوله (ع) ما سمعته مني يشبه قول الناس ففيه التقية الخ ، فغير ظاهر في مفروض البحث ، بل ظاهره هو كونه في مقام تمييز الحجة من لا حجة ، لا في مقام ترجيح الحجة على الحجة.
    ( الامر الثاني ) المزايا المنصوصة المرجحة لاحد المتعارضين وان كانت


(200)
على أنحاء مختلفة ومواردها متعددة من راوي الخبر ، كالأوثقية والأعدلية ونحوهما ، ونفس الخبر ، كالشهرة والشذوذ ، ومضمونه كالموافقة للكتاب ووجه صدوره كالمخالفة للعامة بناء على أن الترجيح بها لاحتمال كون الموافق صدر تقية ( ولكن ) مرجع الجميع عند التأمل إلى الترجيح الصدوري والتعبد بأحد السندين وطرح الآخر ( فإنه ) مع سقوط الخبرين بالتعارض من الحجية الفعلية وعدم شمول عموم دليل السند لواحد منهما بمقتضى بطلان الترجيح بلا مرجح بشهادة مرجعية الأصول العملية لولا الاخبار العلاجية ( لا مناص ) من ارجاع الجميع إلى الترجيح الصدوري حتى في المخالفة للعامة ( والا ) فبدونه لا يكاد انتهاء النوبة إلى الترجيح بها من حيث الجهة ( إذ بعد ) ان يكون التعبد بالجهة والدلالة من آثار كلام الصادر ممن له الحكم ، فلا جرم لا بد في انتهاء الامر إلى الترجيح بهما من احراز كون الخبر كلاما واقعيا للامام اما بالوجدان أو بالتعبد ، والا فما لم يحرز موضوعهما يمتنع الترجيح بهما ومع سقوط عموم دليل السند في اثبات الموضوع الذي هو كلام الامام وعدم مرجح سندي في البين لم يحرز كون ذي الجهة كلاما للامام حتى يترتب عليه آثاره من حجية دلالته وجهته ( ومجرد ) اقتضائه للحجية ومشموليته في نفسه لدليل السند لا يكفي في التعبد الفعلي بالترجيح بهما ما لم يحرز كونه كلاما للامام بالتعبد به فعلا ( وما توهم ) جريان أصالة السند فيهما معا ولو من حيث كونهما موضوعا لأدلة التخيير والترجيح ، فينتهى الامر حينئذ إلى الترجيح الجهتي أو المضموني بمخالفة العامة وموافقة الكتاب الموجب لسقوط المرجوح جهة أو مضمونا عن الحجية ( فمدفوع ) بان شمول أدلة السند لهما ولو من هذه الجهة متفرع على ترتب اثر عملي للمكلف على التعبد بهما ، والا فبدونه لا يكفي مجرد موضوعيتهما لاخبار الترجيح في توجيه التعبد الفعلي بهما إلى المكلف كما هو ظاهر ( وحينئذ ) فلا محيص من ارجاع الامر بالأخذ بما يخالف العامة وما يوافق الكتاب إلى التعبد بالبناء على أنه هو الصادر وان الموافق للعامة والمخالف للكتاب غير صادر ومرجع ذلك إلى ما ذكرنا من رجوع المرجحات إلى الترجيح الصدوري ، إذ لا نعنى من كونها مرجحا صدوريا الا هذا ، غاية الامر


(201)
يختلف وجه ترجيح السند في هذه المرجحات من كونه تارة لأجل قوة احتمال الصدور ، وأخرى لأجل قوة المضمون ، وثالثة لأجل قوة الجهة ( نعم ) انما تتمحض المخالفة للعامة في الترجيح بالجهة فيما إذا كان الخبران مقطوعي الصدور ( ولكن ) ذلك لا يقتضى كونها كذلك حتى في غير مقطوعي الصدور.
    ( ويترتب ) على ما ذكرنا عدم ملاحظة الترتيب بين المرجحات لان الجميع حينئذ في عرض واحد ( ولازمه ) وقوع التزاحم بين المرجحات ، فيما لو كان لاحد الخبرين مزية من جهة كالشهرة في الرواية ، ولآخر مزية أخرى كالمخالفة للعامة فيقدم ما هو أقوى مناطا في القرب إلى الصدور ، ومع تساويهما فالتخيير بينهما ( نعم ) بناءا على الاقتصار في الترجيح على المرجحات المنصوصة يمكن الالتزام بالترتيب بينها تعبدا حسب الترتيب المذكور في المقبولة والمرفوعة بعد الجمع بينهما ، لولا دعوى ان مفادهما مجرد بيان ان هذا مرجح وذاك مرجح آخر ( بخلافه ) على القول بالتعدي وإناطة الترجيح بالظن أو بمطلق الأقربية العرفية إلى الواقع أو الصدور ( فإنه ) بعد اقتضائه رفع اليد عن خصوصية المرجحات بمقتضى التعليلات الواردة فيها ( لا محيص ) من الغاء الترتيب بين المرجحات ، لعدم اجتماع القول بالترتيب بينها مع البناء على التعدي منها ( ولذلك ) أشكل المحقق الخراساني قده على العلامة الأنصاري قده ، بعدم امكان الجمع بين القول بالترتيب بين المرجحات مع الالتزام بالتعدي عنها ( هذا ) على المختار من استفادة كون الاخبار المرجحة بصدد اثبات مرجح واحد.
    ( واما ) بناءا على استفادة كونها بصدد اثبات مرجحات متعددة من حيث الصدور تارة والجهة أخرى والمضمون ثالثة ( فلا شبهة ) في أن لازمه هو الترتيب بين المرجح الصدوري » والمرجح الجهتي ( لا من جهة ) تقدم رتبة التعبد بالصدور على التعبد بجهة الصدور والمضمون ( لوضوح ) ان التعبد بالجهة والمضمون بعد أن كان من آثار الكلام الواقعي الصادر من الامام يكون التعبد بالسند بالنسبة إلى التعبد بالجهة والمضمون بمنزلة المنقح لموضوع الأثر الواقعي ، نظير


(202)
التعبد بالحياة بالنسبة إلى الأثر المترتب على الحياة الواقعية ، ويكون نسبة التعبد بهما إلى التعبد بالسند من قبيل الحكم الواقعي لموضوع قامت الامارة على اثباته ظاهر ( ولازمه ) هو تقدم التعبد بالجهة والمضمون رتبة على التعبد بالسند ، كتقدم الأثر الواقعي المترتب على موضوع قامت الامارة أو الأصل على اثباته ظاهرا ( بل من جهة ) ان موضوع التعبد بالجهة والمضمون هو الكلام الواقعي الصادر من المعصوم (ع) ، فان لازمه هو عدم جريان التعبد بالجهة والمضمون الا بعد الفراغ عن ثبوت أصل السند واحرازه بالوجدان أو التعبد ( فلو كان ) أحد المتعارضين واجدا للمرجح السندي كالشهرة في الرواية ، وكان الآخر واجدا للمرجح الجهتي أو المضموني كالمخالفة للعامة والموافقة للكتاب يقدم ذو المرجح السندي على ذي المرجح الجهتي أو المضموني لان المرجح السندي باقتضائه لطرح المرجوح سندا موجب لسقوط موضوع أصالة الجهة والدلالة فلا يبقى معه كلام الامام حتى تنتهي النوبة إلى ترجيح جهته أو مضمونه على الآخر ( هذا ) في الترتيب بين المرجح الصدوري ، والمرجح الجهتي والمضموني ( وأما المرجح الجهتي ) والمضموني فالظاهر أنه لا ترتيب بينهما ( لان ) التعبد بالجهة والدلالة اثران عرضيان للكلام الواقعي بلا تقدم رتبي لأحدهما على الآخر ( وما يرى ) من بنائهم على تقديم الجمع على التقية ، في مقام الترجيح ، فإنما هو من جهة ان طرح الجهة يؤدى إلى طرح السند ، بخلاف طرح الدلالة في مقام الجمع فإنه لا يوجب طرح السند رأسا ، إذ يبقى معه مقدار من الدلالة يوجب الاخذ بسنده ( لا انه ) من جهة تقدم الأصل الجهتي على الأصل الدلالي.
    ( ثم انه ) على هذا المبنى وان صح الجمع بين الترتيب في المرجحات وبين الالتزام بالتعدي ( ولكن ) اللازم حينئذ ان يكون التعدي من كل مرجح إلى ما هو الأقرب من سنخه لا مطلقا ، فيتعدى من التعليل بعدم الريب في المجمع عليه ومن تعليق الحكم على الأوصاف إلى الأقربية الصدورية ( ومن ) التعليل بالرشد في مخالفة العامة بناء على كونها من المرجحات الجهتية إلى الأقربية الجهتية ( ومن الترجيح ) بموافقة الكتاب إلى الأقربية المضمونية للواقع ، مع أن هذا التفصيل خلاف


(203)
ظاهر كلمات الشيخ قده ( فان ) ظاهره هو التعدي إلى مطلق الأقرب إلى الواقع أو الصدور ، وهو كما ترى لا يتم الا بارجاع جميع المرجحات إلى مرجح واحد صدوري.
    ( ولكن ) الذي يسهل الخطب هو فساد أصل هذا المبنى ( لما عرفت ) من أن موضوع الأصل الجهتي والدلالي هو الكلام الصادر من المعصوم (ع) ولا بد في جريانهما من احراز موضوعهما بالوجدان أو التعبد ، وبعد سقوط المتعارضين عن الحجية الفعلية وعدم شمول عموم السند لهما ، وعدم مرجح سندي في البين حسب الفرض لذي المرجح الجهتي أو المضموني لم يحرز كلام الامام حتى ينتهى إلى ترجيح أصله العقلائي على غيره ( وحينئذ ) فبعد عدم كفاية مجرد اقتضاء الحجية لمثل هذا الترجيح ، فلا محيص من ارجاع هذين المرجحين إلى المرجح الصدوري بارجاع الامر بالأخذ بما يخالف العامة وما يوافق الكتاب عند التعارض إلى التعبد بالبناء على أنه هو الصادر وان غيره الموافق للعامة أو المخالف للكتاب غير صادر ولازمه هو كون جميع المرجحات في عرض واحد بلا تقدم لاحدها على الآخر.
    ( والى ما ذكرنا ) نظر المحقق الخراساني قده فيما أفاد من عدم الترتيب بين المرجحات ووقوع التزاحم بينها فيما لو وجد في أحد المتعارضين مرجح وفي الآخر آخر .. الخ : فلا يرد عليه ما أورد : تارة بان الترجيح بمخالفة الكتاب ، وموافقة العامة يرجع إلى التخصيص في الأصول العقلائية التي تقتضي البناء على صدور الكلام على وفق المراد وان مضمونه تمام المراد. والترجيح بالشهرة وبالصفات يرجع إلى التخصيص في أدلة حجية خبر الواحد فلا وجه لارجاع المرجحات كلها إلى المرجح الصدوري .. وأخرى على ما افاده بقوله لا معنى للتعبد بعد ما يتعين حمله على التقية : بأنه ناشئ عن الخلط بين الحمل على التقية في باب تعارض الخبرين ، وبين الحمل على التقية في غير باب التعارض ، فان ما لا يمكن فيه التعبد بالصدور مع الحمل على التقية انما هو فيما لو كان الخبر في حد نفسه ظاهرا في التقية ( واما ) لو كان الخبر في نفسه غير ظاهر فيها فالحمل على التقية انما هو بعد وقوع التعارض بينه وبين


(204)
الخبر المخالف للعامة ، ووقوع التعارض بينهما فرع شمول أدلة التعبد بالصدور لكل من الموافق والمخالف ( إذ فيه ) ان مبنى الاشكال على كون المخالفة للعامة من المرجحات الجهتية إذا كان من جهة امتناع جريان أصالة الجهة مع عدم احراز موضوعها الذي هو كلام الإمام (ع) ، فكيف يصير ذلك جوابا عن اشكاله ، وكيف يكون هذا المقدار من البيان مصححا لكون المخالفة والموافقة للعامة من المرجحات الجهتية بعد عدم احراز موضوعها الذي هو كلام الامام لا وجدانا ولا تعبدا ، لسقوط المتعارضين عن الحجية الفعلية وعدم شمول عموم دليل السند لواحد منهما بالفعل ، مع عدم مرجح سندي في البين حسب الفرض يقتضي التعبد الفعلي بصدور المخالف ( إذ في مثله ) أين كلام الامام حتى ينتهى الامر إلى التعبد بترجيح جهته على الجهة في الآخر ( وشمول ) عموم التعبد بالسند لكل واحد من الخبرين في حد نفسه مع قطع النظر عن معارضة ، غير مجد في التعبد الفعلي بهذا الترجيح ( إذ بمثل هذه ) الحجية الاقتضائية لا يحرز كون الخبر المخالف كلاما للامام حتى يترتب عليه اثره الذي هو التعبد بترجيح أصالة الجهة فيه على أصالة الجهة في الخبر الآخر الموافق للعامة ( وعلى فرض ) كفاية مجرد اقتضاء الحجية لذلك .. نقول ان أصالة الجهة بعد أن تكون من آثار الكلام الواقعي للامام لا من آثار التعبد به فلازم الترجيح بها هو تقديم هذا الترجيح على الترجيح السندي ، لاقتضاء دليل الترجيح بها في الخبر المخالف للعامة للعلم الاجمالي في الخبر الموافق لهم اما بعدم صدوره ، أو بوجوب حمله على التقية ، ومع هذا العلم الاجمالي لا مجال لترجيح سنده في فرض وجود مرجح سندي فيه من أوصاف الراوي أو الشهرة في الرواية والى ذلك يرجع مقالة المحقق الرشتي قده فيما أورده في بدايعه على العلامة الأنصاري قده ( فلا يتوجه ) عليه اشكال المحقق الخراساني قده بمنع دوران أمر الموافق بين الصدور تقيه وعدم الصدور رأسا ، لاحتمال صدوره لبيان حكم الله واقعا وعدم صدور المخالف المعارض له ( إذ هذا ) الاشكال انما يرد عليه فيما لو أراد بالدوران المزبور في الخبر الموافق الدوران الواقعي مع قطع النظر عن ملاحظة أدلة الترجيح


(205)
بالجهة المقتضية لكون الخبر الموافق لهم على تقدير صدوره صادرا تقية ( كيف ) وهذا الاحتمال مما لا يكاد خفائه على الأصاغر من الطلبة فضلا على مثله قده ( بل المقصود ) هو الدوران الحاصل من ملاحظة الأدلة المرجحة لأصالة الجهة في الخبر المخالف للعامة على أصالة الجهة في الخبر الموافق لهم المقتضية لحمل الموافق على تقدير صدوره واقعا على التقية ( فإنه ) بملاحظة أدلة الترجيح يصير الخبر الموافق محصورا بين الاحتمالين لارتفاع احتمال صدوره لبيان حكم الله الواقعي ( فعدم ) الالتزام بذلك يشهد بما ذكرناه من رجوع المرجح الجهتي أيضا إلى المرجح الصدوري فتأمل.
    ( الامر الثالث ) في مرجحية الشهرة ، وهي على اقسام الشهرة الروائية والشهرة العملية ، والشهرة الفتوائية ( اما الشهرة ) الروائية فهي عبارة عن اشتهار الرواية بين الرواة وأرباب الحديث بكثرة نقلها وتكررها في الأصول وفي كتب المحدثين الجوامع للاخبار ( ولا اشكال ) في الترجيح بها ، بل هو المتيقن من المقبولة المصرحة بالترجيح بالشهرة.
    ( واما الشهرة ) العملية ، فهي عبارة عن عمل المشهور بالرواية واستنادهم إليها في الفتوى ( والنسبة ) بينها وبين الشهرة الروائية هي العموم من وجه ( إذ رب ) رواية مشهورة بين الرواة ومدونة في كتب المحدثين ولم يعمل بها المشهور ( ورب ) رواية قد عمل بها المشهور ولم تكن مشهورة بين الرواة وأرباب الحديث ( ورب ) رواية اجتمع فيها الأمران ( ولا اشكال ) في الترجيح بهذه الشهرة ، بل الترجيح بها أولى من الترجيح بالشهرة الروائية ، لكونها جابرة لضعف الرواية ومصححة للعمل بها وان كانت الرواية بحسب القواعد الرجالية في منتهى درجة الضعف ( بل اطلاق ) المرجح عليها لا يخلو من مسامحة ( فان ) هذه الشهرة كما تكون جابرة لضعف الرواية ، كذلك تكون موهنة للرواية التي على خلافها وان كانت مشهورة قد رواها الثقات ، نظرا إلى كشف اعراضهم عنها عملا عن خلل فيها يوجب سقوطها عن الاعتبار لارتفاع الوثوق عنها ( فان ) المناط في حجية خبر الواحد بعد أن كان هو الوثوق بسنده وجهته ولو بالأصول العقلائية ، فلا جرم باعراض المشهور من المتقدمين عنه يرتفع الوثوق النوعي بسنده فيخرج عن درجة الاعتبار وان كان بحسب القواعد


(206)
الرجالية في منتهى درجة القوة ( ومن هنا ) قيل إنه كلما ازداد الخبر صحة ازداد باعراض الأصحاب عنه ضعفا ( وعليه ) فالعبرة على الشهرة العملية الاستنادية في الوثوق الذي عليه مدار حجية الخبر ( بل مع ) وجود هذه الشهرة لا يكاد انتهاء الامر إلى الترجيح بشيء من المرجحات ولكن بشرط ان تكون من المتقدمين من أرباب المتون ، وإلا فلا اثر لشهرة المتأخرين ما لم تتصل بشهرة المتقدمين.
    ( واما الشهرة ) الفتوائية فهي عبارة عن مجرد اشتهار الفتوى من المتقدمين على طبق مضمون الرواية مع عدم العلم باستنادهم في الفتوى إلى الرواية الموجودة في المسألة ( ولا اشكال ) في كون هذه الشهرة موهنة للرواية التي على حلافها ( فان ) اشتهار الفتوى منهم في المتون على خلاف مضمون الرواية مع قرب عصرهم بزمان صدور الاخبار وكون الرواية بمريئهم ومنظرهم ، يكشف كشفا اطمينانيا عن اطلاعهم على خلل فيها سندا أو جهة ، بحيث لو كنا نحن في عصرهم لكنا نطرح الرواية أيضا ( ولا يخفى ) انه على هذا البيان لا يحتاج إلى ضم شهرة المتأخرين إلى شهرة المتقدمين ، بل يكفي في طرح الرواية شهرة الفتوى من القدماء على خلاف مضمون الرواية ، وان كان شهرة المتأخرين على طبق مضمونها ( نعم ) لو أحرز ان فتواهم على خلاف مضمون الرواية من جهة مناقشتهم في دلالتها ، لكان المتبع هو الرواية إذا كانت واجدة لشرائط الحجية ولو لم تكن الشهرة المتأخرة أيضا على طبق مضمونها فضلا عما لو كانت على وفقها ( ومع الشك ) في ذلك وعدم العلم بان فتواهم على خلاف مضمون الرواية ، لأجل اعراضهم عن الرواية سندا أو جهة ، أو لأجل المناقشة في دلالتها يحكم عليها بحكم الاعراض ، لعدم الوثوق الذي عليه مدار حجية الخبر.
    ( وانما الكلام ) في كون هذه الشهرة مرجحة لاحد المتعارضين ، أو جابرة لضعف الرواية ( ومنشأ ) الاشكال ان الترجيح والجبر بها متفرع على استنادهم في الفتوى إلى الرواية واعتمادهم عليها ، ولا يكفي فيهما مجرد تطابق فتواهم لمضمون الرواية مع عدم احراز استنادهم إليها في الترجيح أو الجبر ، كما لا يكفي فيهما عمل المتأخرين


(207)
بالرواية ما لم يتصل بشهرة المتقدمين ( ولكن ) التحقيق هو التفصيل بين أن يكون الفتوى على طبق القاعدة وبين كونها على خلافها ( فعلى الأول ) لا تكون الشهرة الفتوائية مرجحة لاحد المتعارضين ولا جابرة لضعف الرواية ( فإنه ) مع كون الفتوى على طبق ما تقتضيه القاعدة ، يحتمل قريبا كونها هي المستند في فتواهم ، لا الرواية الموجودة في المسألة ( ومع ) هذا الاحتمال لا يحصل الوثوق باستنادهم في الفتوى إليها ، وان استند إليها المتأخرون في فتواهم ، لما تقدم من أنه لا عيرة بعمل المتأخرين بالرواية في الترجيح والجبر ما لم يتصل بشهرة المتقدمين ( فلا تكون الشهرة الفتوائية حينئذ مرجحة للرواية على معارضها ولا جابرة لضعفها إذا لم يكن لها معارض ( واما على الثاني ) وهو كون الفتوى في المسألة على خلاف ما تقتضيه القاعدة ، فلا قصور في جابرية الشهرة الفتوائية لضعف الرواية الموجودة في المسألة ومرجحيتها خصوصا إذا توافق شهرة المتأخرين مع شهرة المتقدمين في الفتوى على طبق مضمون الرواية ، لحصول العلم العادي بان مستند فتوى المتقدمين هو تلك الرواية ( والموجب ) لذلك أمور ثلاثة بعد انضمام بعضها ببعض ( أحدها ) كون الحكم المفتي به على خلاف ما تقتضيه القاعدة ( وثانيها ) إياء عدالتهم وعلو مقامهم عن الفتوى في المسألة بلا مستند صحيح عندهم ( وثالثها ) بعد أن يكون لهم مستند آخر غير ما وصل إلينا من الرواية بطرقهم ( إذ لو كان ) لهم مستند آخر غير الرواية الموجودة فيما بأيدينا لوصل إلينا منهم ، ولكان المتأخرون الشارحون للمتون يستندون إليه في فتواهم بعثورهم عليه لقرب عصرهم بعصرهم ( حيث ) انه بانضمام هذه الأمور بعضها ببعض مع اتصال شهرة المتأخرين بشهرة المتقدمين يحصل العلم العادي بأنه لا يكون المستند في فتواهم إلا تلك الرواية الموجودة في المسألة ( ومعه ) تكون هذه الشهرة


(208)
جابرة لضعف الرواية إذا لم لها يكن معارض ومرجحة لها على معارضها على تسامح في ذلك.
    ( الامر الرابع ) في أنه هل يرجع في تعارض العامين من وجه إلى اخبار العلاج بأعمال المرجحات الصدورية والجهية والمضمونية ( أو لا يرجع ) فيهما إليها ، بل يحكم فيهما في مورد الاجتماع بالتساقط مع تساويهما في قوة الدلالة ويكون المرجع هو الأصل الجاري في المسألة ( وعلى الأول ) فهل الرجوع إلى المرجحات في تمام الخبر فيؤخذ بأحد العامين ويطرح الآخر في تمام مدلوله حتى في مادة الافتراق ( أو ان ) الرجوع إليها في مورد تعارضهما وهو مادة الاجتماع ( فيه وجوه ) من انصراف اخبار الترجيح والتخيير إلى صورة تعارض الخبرين بتمام مدلوليهما الموجب لخروج العامين من وجه من مصب الاخبار ( ومن صدق ) التعارض ولو في الجملة وكفايته في دخولهما في مصب الاخبار ( ومن أن ) التعارض بينهما انما هو في بعض مدلوليهما فلا وجه لأعمال المرجحات وطرح أحدهما سندا حتى فيما لا تعارض بينهما ( ولكن الأقوى ) الوجه الأول وهو عدم الرجوع إلى المرجحات حتى في مجمع تصادقهما الذي هو مورد التعارض وفاقا للمشهور بل المعظم ( وذلك ) لا من جهة عدم قابلية الخبر للتبعيض في المدلول من حيث السند ، لامكان دفعه بان ما هو غير قابل للتبعيض انما هو التبعيض الحقيقي بحيث يكون الخبر صادرا في بعض مدلوله وغير صادر في بعض آخر ( واما التبعيض ) التعبدي ، فلا محذور فيه عقلا ، لامكان التعبد بصدور الخبر في بعض مدلوله ، وعدم التعبد به في البعض الآخر ، كيف والتفكيك بين اللوازم والآثار في التنزيلات الشرعية فوق حد الاحصاء ، ولا يأبى العرف أيضا عنه ( بل من جهة ) خروجها من مصب اخبار العلاج ، لاختصاصها صرفا أو انصرافا بما إذا كان التعارض بين الخبرين بنحو لا يتمكن من الجمع بين سنديهما والعمل على طبق مدلولهما ولو في الجملة ( وفي العامين ) من وجه يمكن الجمع بين سنديهما ولو بلحاظ مادة افتراقهما ( فان ) هذا المقدار يكفي في صحة التعبد بسندهما وجهتهما ، نظير


(209)
التعبد بسند العام المتصرف في ظهوره في قبال الخاص الأظهر ( غاية ) الامر يقع بينهما التكاذب في الدلالة في مجمع تصادقهما ، وحيث لا ترجيح لاحد الدلالتين يحكم عليهما في المجمع بحكم الاجمال والرجوع إلى الأصل الموجود في المسألة ، كما في مقطوعي الصدور ، لا إلى المرجحات السندية ، ولا إلى المرجحات الجهتية والمضمونية كالمخالفة للعامة والموافقة للكتاب ، كما هو ظاهر بعض الأعاظم قده على ما ذكر في التقرير خصوصا على مسلك المختار من ارجاع المرجح الجهتي والمضموني إلى المرجح الصدوري كما تقدم بيانه ( وما ذكرنا ) هو الوجه في تسالم الأصحاب على التساقط في العامين من وجه في مجمع تصادقهما والرجوع إلى الأصل.
    ( الامر الخامس ) في الترجيح بالأصل بناء على التعدي من المرجحات المنصوصة ( فان الذي ) يظهر من بعضهم الترجيح به وتقديم الخبر الموافق للأصل على المخالف له ( ولكن ) فيه نظر واضح ( فان ) الأصول الفقاهية من جهة تأخر مضمونها لا تكون في مرتبة الأدلة الاجتهادية حتى تصلح للمرجحية وتقوية مضمونها ( كيف ) ومورد جريانها انما هو ظرف فقد الدليل الاجتهادي المطابق أو المخالف أما رأسا ، أو لسقوطه عن الحجية بالمعارضة ، فلا مورد لجريان الأصل قبل سقوط المتعارضين ، وبعد سقوطهما عن الحجية يكون الأصل مرجعا لا مرجحا ، من غير فرق في ذلك بين الأصول العقلية والشرعية ، ولا في الثاني بين الأصول التنزيلية وغيرها ( وأما الترجيح ) بالظنون غير المعتبرة ، فعلى القول بالتعدي من المرجحات ، فلا بأس بالترجيح بها ما لم يكن من الظنون المنهى عن أعمالها كالظن القياسي ، والا فلا يعتني به ، لأنه نحو اعمال له الذي هو المنهى عنه.
    ( بقى الكلام ) فيما يتعلق بالتخيير وهي أمور ( الأول ) قد تقدم ان حكم المتعارضين على الطريقية في الامارات بالنظر إلى عموم دليل الحجية هو التساقط ( وعلى السببية ) والموضوعية هو التخيير على التفصيل المتقدم بين أن يكون التعارض بين الخبرين لأجل تضاد موضوعي الحكمين ولو عرضا ، وبين ان يكون لأجل وحدة موضوعهما ( وبالنظر ) إلى ما يستفاد من اخبار العلاج هو عدم سقوطهما ووجوب


(210)
الترجيح والاخذ بذي المرجح منهما ان كان هناك مرجح ، ومع فقده وتساويهما فالتخيير بينهما ( وقد عرفت ) ان هذا التخيير ليس تخييرا في المسألة الفقهية ، كالتخيير بين القصر والاتمام في المواطن الأربعة ( إذ بعد ) انتهاء الامر في المتعارضين ولو بمقتضى المدلول الالتزامي لهما في أغلب الموارد إلى النفي والاثبات يمتنع الوجوب التخييري في العمل بمؤدى الخبرين لكونه من ايجاب التخيير بين النقيضين ( بل ولا تخييرا ) عمليا منتجا للإباحة الظاهرية بمقتضى اللاحرجية بين الفعل والترك كما في الدوران بين المحذورين ( فان ) ذلك وان كان ممكنا في نفسه ، ولكنه لا يساعده أدلة التخيير ( بل هو ) تخيير في المسألة الأصولية اي في الاخذ بأحدهما في مقام الاستطراق إلى الواقع المنتج لكون المأخوذ حجة تعيينية يتعين العمل بمضمونه بعد الاخذ به ( فان ) الظاهر من قوله (ع) .. بأيهما اخذت من باب التسليم وسعك ، هو أن طرف التخيير هو الاخذ بأحدهما ليكون المأخوذ حجة وطريقا محرزا للواقع الذي لازمه تعين العمل بمضمونه ( ومرجعه ) في الحقيقة إلى الامر التعييني بالعمل بكل واحد من الخبرين مشروطا بالأخذ به ( فان ) ذلك مما يستتبع تخيير المكلف بالأخذ بأحدهما مقدمة لتحصيل الحجة الشرعية ( ومن هنا ) لا يكون الحكم بالتخيير في الاخذ بأحدهما حكما مولويا يترتب العقوبة على تركه من حيث نفسه ، وانما هو ارشاد إلى حكم العقل بوجوبه مقدمة لتحصيل الحجة الشرعية مع القدرة عليه ، كما هو الشأن في حكمه في الشبهة قبل الفحص للقادر على تحصيل الحجة الشرعية. ( الثاني ) في أنه هل بتعين على الحاكم وكذا على المفتي في مقام الافتاء ان يختار أحد الخبرين والافتاء على طبق مضمون ما اختاره من الحكم الفرعي ( أو ان ) له الافتاء بالحكم الأصولي وهو التخيير في الاخذ بأحد الخبرين ، فيختار المقلد ما أحب منهما ولو على خلاف ما اختاره مجتهده ( أو الافتاء ) بالتخيير في العمل بكل منهما ( فنقول ) اما الحاكم والقاضي فلا اشكال في أنه يتعين عليه اختيار أحدهما والحكم على طبقه ، لعدم فصل الخصومة إلا به ولا معنى لتخيير المتخاصمين في الاخذ أو في العمل بأحد الخبرين.
    ( واما المفتى ) في مقام الافتاء ( فقد ) يقال بابتناء الخلاف المزبور على
نهاية الافكار القسم الثاني من الجزء الرابع ::: فهرس