نهاية الافكار القسم الثاني من الجزء الرابع ::: 181 ـ 195
(181)
بالمعارضة ( لان ) مرجع سقوط الطريقين انما هو إلى عدم شمول دليل الحجية لواحد منهما بمناط الترجيح بلا مرجح ، ومع فرض عدم دليل في البين يقتضي الاخذ بهما سابقا على المصلحة السلوكية كيف يبقى مجال القول بتساقط الطريقين ( وان كان ) المقصود من الطريق الذي هو موضوع المصلحة السلوكية هو الطريق بوصف الطريقية والحجية الفعلية ، فلا معنى للمصلحة السلوكية الموجبة للامر بالعمل على طبق الطريق ( فان ) الالتزام بالمصلحة السلوكية انما هو لتصحيح الامر بسلوك الطريق والعمل على طبقه ( فمع فرض ) حجية الطريق في رتبة سابقة على المصلحة المزبورة ، لا معنى للالتزام بالمصلحة السلوكية ( مع أن ) لازم ذلك هو كون المصلحة السلوكية دائما مسبوقة بالامر بالأخذ بالطريق ( ولازمه ) هو الالتزام في باب الامارات بأمرين طوليين حتى مع عدم المعارض ، أحدهما ما هو المقوم لموضوع المصلحة السلوكية ( والآخر ) هو الامر الناشئ من المصلحة المزبورة وهو كما ترى لا يلتزم به أحد ( هذا كله ) فيما يقتضيه الأصل في المتعارضين بالنظر إلى الأدلة العامة من حيث الطريقية والموضوعية.
    ( واما بالنظر ) إلى ما تقتضيه اخبار العلاج الواردة في خصوص المتعارضين من الاخبار فلا اشكال في عدم سقوطهما مع فقد المرجح ( وهل الحكم ) حينئذ هو التخيير أو التوقف والعمل بما يوافق منهما الاحتياط ان أمكن ( فيه خلاف ) منشئه اختلاف الاخبار « وتحقيق » القول فيه هو أن الأخبار الواردة في المقام على طوائف ( منها ) ما يدل على التخيير المطلق ، كرواية الحسن بن الجهم عن الرضا (ع) : قلت يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين ولا نعلم أيهما الحق قال (ع) إذا لم تعلم فموسع عليك بأيهما أخذت ، وبهذا المضمون روايات اخر ذكرها في الوسائل ( ومنها ) ما يدل على التخيير في زمان عدم التمكن من الوصول إلى الإمام (ع) الشامل لحال الغيبة ، كرواية الحرث بن المغيرة عن أبي عبد الله قال : إذا سمعت من أصحابك الحديث فموسع عليك حتى ترى القائم فترد إليه بناء على ما فهمه الأصحاب من ظهوره في كونه في مقام بيان التخيير في المتعارضين من الاخبار ، لا في مقام بيان التوسعة في الاخذ بالاخبار


(182)
المروية عنهم (ع) والعمل بها في نفسها مع قطع النظر عن تعارضها ( والا ) فلا ترتبط الرواية بما نحن بصدده من التوسعة في الاخذ بأحد الخبرين المتعارضين ( وقد يتوهم ) اختصاص التخيير فيها بحال الحضور والتمكن من الوصول إلى الإمام (ع) ( ولكنه ) مندفع بان التحديد في قوله (ع) حتى ترى القائم كناية عن مرور الأزمنة السابقة على زمان التمكن من الوصول إلى الحجة وبهذه الجهة تكون الرواية كالصريح في الشمول لحال الغيبة ( إذ لا خصوصية ) لزمان الحضور وانما المدار على التمكن من الوصول إلى الامام وعدم التمكن منه ( ومنها ) ما يدل على التوقف في زمان الحضور والتمكن من الوصول إلى الإمام (ع) ، كما في ذيل مقبولة عمر بن حنظلة من قوله (ع) : إذا كان ذلك فارجه حتى تلقى امامك ( وقد يقال ) بوجود طائفة أخرى رابعة تدل على التوقف المطلق ( ولعلها ) هي الخبر المروى عن محمد بن إدريس في آخر السرائر نقلا من كتاب مسائل الرجالي لعلى ابن محمد ، ان محمد بن علي بن عيسى كتب إليه يسئله عن العلم المنقول عن ابائك وأجدادك « ع » قد اختلف علينا فكيف العمل به على اختلافه أو الرد إليك فيما اختلف فيه ، فكتب (ع) ما علمتم انه قولنا فالزموه وما لم تعلموا فردوه إلينا ( والا ) فلم نقف في الاخبار على رواية تدل على التوقف المطلق في فرض تعارض الخبرين.
    ( ولا يخفى ) ان هذه الأخبار بظاهرها متعارضة ، ولا بد فيها من العلاج بالجمع بينها ( فنقول ) ان النسبة بين ما يدل على التخيير المطلق وبين ما يدل على التخيير عند عدم التمكن من الوصول إلى الإمام (ع) ، وان كانت هي العموم المطلق ، كالنسبة بين ما يدل على التوقف المطلق على تقدير وجوده ، وما يدل على التوقف في زمان الحضور ( ولكن ) لما لا تنافي بين التخيير المطلق ، والتخيير في زمان عدم التمكن من الوصول إلى الحجة (ع) ( ولا بين ) التوقف المطلق ، والتوقف في حال الحضور لكونهما مثبتين ( فلا يحمل ) المطلق منهما على المقيد ، بل يبقى اطلاق المطلق في كل منهما على حاله ( نعم ) انما التعارض بين ما يدل على التخيير عند عدم التمكن من الوصول إلى الإمام (ع) ، كرواية الحرث بن المغيرة على ما قويناه ، وبين ما يدل


(183)
على التوقف المطلق ( وكذا ) بين مطلقات التخيير ، وما يدل على التوقف في زمان الحضور ( وحيث ) ان النسبة بين كل طائفة مع الأخرى العموم المطلق فمقتضى صناعة الاطلاق والتقييد هو تقييد المطلق من كل منهما بمقيده ( وبذلك ) ترتفع المعارضة من بين الاخبار ( إذ بعد ) هذين التقييدين تختص مطلقات التخيير بغير زمان الحضور ، كما تختص مطلقات التوقف على تقدير وجودها بزمان الحضور والتمكن من الرجوع إلى الإمام (ع) ( هذا ) بناء على ما قربناه في مفاد رواية الحرث بن المغيرة ( واما ) بناء على الاحتمال الآخر الذي توهمه بعض من تخصيص مفاد الرواية بحال الحضور ( فلازمه ) وقوع المعارضة بين ما يدل على التوقف في زمان الحضور ، وما يدل على التخيير في زمان الحضور ( لان ) النسبة بينهما يكون بالتباين وبعد سقوطهما عن الحجية بالمعارضة ، ينتهى الامر إلى مطلقات التخيير والتوقف لسلامتها عن المقيد ، فيقع بينهما التعارض بالتباين ( فانقدح ) بذلك فساد توهم ان مطلقات التخيير بعد تقييدها بما دل على التوقف في زمان الحضور تختص بما عدا زمان الحضور فيقدم على مطلقات التوقف لانقلاب النسبة بينهما إلى العموم والخصوص ( إذ فيه ) مضافا إلى فساد مبنى الانقلاب ( ان ) ذلك فرع عدم ابتلاء دليل التوقف في زمان الحضور بالمعارضة مع ما دل على التخيير في زمان الحضور ، والا فمع سقوطه عن الحجية بالمعارضة كيف يصلح لتقييد مطلقات التخيير حتى ينتهى الامر إلى الانقلاب المزبور ( وحينئذ ) فبعد ان كانت النسبة بينهما هي التباين تستقر المعارضة بينهما ( ولكن ) الذي يسهل الخطب انه لم نعثر على رواية تدل على التوقف المطلق في المتعارضين وما ذكرناه من خبر محمد بن علي بن عيسى المروى عن كتاب مسائل الرجال مع ضعف سنده غير ظاهر الدلالة في التوقف المطلق ، لولا دعوى ظهوره في الاختصاص بزمان الحضور والتمكن من الرجوع إلى الإمام (ع) ( فان ) قوله (ع) : وما لم تعلموا ، فردوه إلينا ظاهر في الرد إلى الامام الموجود في ذلك الزمان بالرجوع إليه ، نظير ما في المقبولة من قوله (ع) فارجه حتى تلقي امامك ( لا انه ) من قبيل الرد إلى الله ورسوله صلى الله عليه وآله الذي هو وارد في الاخبار


(184)
( وعلى فرض ) ان يكون لنا دليل آخر في الاخبار يقتضي التوقف في العمل مطلقا ولو في زمان الغيبة ( نقول ) ان التوقف والاحتياط في العمل يقتضي اختصاصه بصورة التمكن من الاحتياط ( ولازمه ) وان كان هو أخصيته مما دل على التخيير المطلق ، فيوجب بمقتضى صناعة الاطلاق والتقييد حمل مطلقات التخيير على صورة عدم التمكن من الاحتياط ( ولكن ) بعد اباء تلك المطلقات عن هذا الحمل وعدم القول به من الأصحاب ، لا بد من حمل ما دل على التوقف في العمل على الاستحباب ( نعم ) لو كان مفاده مجرد التوقف في الفتوى والحكم مع مراعاة الاحتياط في العمل ، لاتجه التعارض بينهما ، ولا يتأتى الحمل على الاستحباب في اخبار التوقف ( ولكن ) الكلام وجود مثل هذا الخبر ودلالته على المعنى المزبور « هذا كله » فيما لو كان المقصود من الخبر الدال على التوقف المطلق خصوص ما يكون واردا في موضوع تعارض الخبرين « واما » لو كان المقصود منه هو الأخبار الآمرة بالتوقف في مطلق الشبهة ، كقوله (ع) قفوا عند الشبهة فان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة « فلا ارتباط » لها بالمقام حتى تعارض عمومات التخيير « لوضوح » ان مورد التوقف في تلك الأخبار إنما هو في صورة فقد الحجة وعدم الطريق إلى الواقع ومفاد الأخبار الآمرة بالتخيير إنما هو اثبات وجود الحجة وهو أحد الخبرين « فعلى فرض » عموم الشبهة في تلك الأخبار لمثل المقام تكون اخبار التخيير بتكفلها لاثبات الحجة حاكما عليها ( ثم لا يخفى ) ان التخيير المستفاد من تلك الأخبار ليس هو التخيير في العمل بمؤدى أحد الخبرين ، ليكون من التخيير في المسألة الفرعية كالتخيير بين القصر والاتمام « لما عرفت » من أن في باب تعارض الطرق المنتهى فيه الامر في الأغلب إلى النفي والاثبات يمتنع الوجوب التخييري بين المدلولين في العمل بهما « نعم » لا مانع من التخيير بين الفعل والترك بمعنى اللاحرجية فيهما عقلا كما في الدوران بين المحذورين ، ولكنه خارج عن مصب هذه الأخبار قطعا ( بل التخيير ) المستفاد من إطلاقات التخيير إنما هو في المسألة الأصولية أعني التخيير في الاخذ بأي واحد من الخبرين في مقام الاستطراق به إلى


(185)
الواقع المنتج لتعين العمل على طبقه ( ومرجعه ) بحسب اللب إلى وجوب التعبد بكل واحد من الخبرين والعمل بمضمونه في ظرف اختياره والاخذ به المنتج لصيرورة المأخوذ بعد الاخذ به حجة تعيينه يجب العمل بمضمونه كما لو لم يكن له معارض « فطرف التخيير » المستفاد من ظاهر قوله « ع » بأيهما أخذت من باب التسليم وسعك انما يكون هو الاخذ بأي الخبرين في مقام الاستطراق الذي لازمه تعين مضمونه عليه ، ومرجع وجوبه إلى كونه ارشادا إلى حكم العقل بلزومه مقدمة لتحصيل الحجة الشرعية ، لا شرعيا مولويا « هذا كله » فيما يتعلق بالمقام الأول « وقد عرفت » ان حكم المتعارضين على ما هو التحقيق من الطريقية في الامارات التساقط بالنظر إلى عموم أدلة الحجية « وبالنظر » إلى ما يستفاد من أخبار العلاج هو التخيير في الاخذ بأي الخبرين.
المقام الثاني في الترجيح
    وهو تقديم أحد الخبرين على الآخر في العمل به لمزية له عليه بوجه من الوجوه وفيه » مطالب « الأول » في تأسيس الأصل عند الشك في وجوب ترجيح إحدى الامارتين بالمزايا الداخلية أو الخارجية الموجودة فيها « الثاني » في ذكر المزايا المنصوصة في الاخبار « الثالث » في وجوب الاقتصار على المزايا المنصوصة أو التعدي التي غيرها.
    ( اما المطلب الأول ) فقد يقال ان مقتضى الأصل في المقام هو وجوب الترجيح بكل مزية يحتمل اعتبارها عند الشارع ( لأنه ) من صغريات مسألة التعيين والتخيير في المكلف به ، حيث يعلم تفصيلا بوجوب العمل على طبق ذي المزية اما تعيينا أو تخييرا ويشك في وجوب العمل على طبق مضمون غيره لاحتمال عدم وجوبه مع وجود ما يحتمل التعيين ( والأصل ) فيه يقتضي التعيين بناء على ما هو التحقيق من الاشتغال في تلك المسألة ( وفيه ) ما لا يخفى من الفساد « فان » جعل المقام من


(186)
صغريات تلك المسألة مبني على جعل التخيير في المقام التخيير في المسألة الفرعية أعني التخيير في العمل بمؤدي أحد الخبرين ( وهو ) باطل قطعا ، لما عرفت من امتناع الوجوب التخييري في باب التعارض المنتهي فيه الامر إلى التناقض في المدلول والا فعلى فرض كون التخيير فيه في المسألة الأصولية الراجع إلى كون طرف التخيير هو الاخذ باي الخبرين في مقام الاستطراق به إلى الواقع ( فلا يرتبط ) بباب التعيين والتخيير ( فان ) مرجع التخيير في المقام انما هو إلى ايجاب التعبد بكل واحد من الخبرين مشروطا بالأخذ به ( ولازمه ) بعد دوران ذي المزية منهما عند الشك المزبور بين كون التعبد به مطلقا غير مشروط بالأخذ به ، واختياره هو عدم العلم بوجوب واحد منهما قبل الاخذ بهما وكذا بعد الاخذ بغير ذي المزية « ومع » هذا الشك كيف يندرج المقام في مسألة التعيين والتخيير المستلزم للعلم بوجوب المعين على كل تقدير ( وبذلك ) ظهر عدم ارتباط المقام بباب الدوران بين معلوم الحجة ومشكوكها أيضا « فالأولى » في تقريب الأصل ان يقال ان الاخذ بذي المزية لما كان موجبا للقطع بحجيته على كل تقدير ، : بخلاف غيره ، فان لاخذ به لا يوجب إلا الشك في حجيته « فلا جرم » يحكم العقل بمناط الشك قبل الفحص مع التمكن من تحصيل الحجة الشرعية ، بوجوب الاخذ بذي المزية منهما مقدمة لتحصيل الحجة ( لان ) بالأخذ به يعلم تفصيلا بحجيته ( بخلاف ) غيره فإنه بالأخذ به لا يعلم بحجيته ، فلا يخرج عن عهدة حكم العقل بوجوب تحصيل الحجة الشرعية « وبهذا البيان » نقول بالتعيين في المقام ولو لم نقل به في دوران الامر بين التعيين والتخيير في المسألة الفرعية.
    ( المطلب الثاني ) في الترجيح بالمزايا المنصوصة ( فنقول ) الأخبار الواردة في المقام على طوائف ( منها ) ما اقتصر فيه على الترجيح بمخالفة العامة أو ما يميل إليه حكامهم كالمروي ، عن القطب الراوندي بسنده الصحيح عن الحسن بن الجهم في حديث قلت له يعني العبد الصالح (ع) : يروى عن أبي عبد الله (ع) شيء ويروى عنه أيضا خلافه فبأيهما تأخذ : قال (ع) خذ بما خالف القوم وما وافق القوم فاجتنبه ( والمروي ) عنه أيضا بسنده عن محمد بن عبد الله : قال قلت للرضا (ع) كيف نصنع بالخبرين المختلفين : فقال (ع) إذا ورد عليكم خبران مختلفان فانظروا إلى


(187)
ما يخالف منهما العامة فخذوه ، وانظروا إلى ما يوافق اخبارهم فدعوه ( والخبر ) المروي عن الاحتجاج بسنده عن سماعة بن مهران : قال قلت لأبي عبد الله (ع) يرد علينا حديثان واحد يأمرنا بالأخذ به والآخر ينهانا قال (ع) لا تعمل بواحد منهما حتى تلقى صاحبك : قلت لا بد ان نعمل قال (ع) خذ بما فيه خلاف العامة.
    ( ومنها ) ما اقتصر فيه على الترجيح بموافقة الكتاب ( كرواية حسن بن الجهم عن الرضا (ع) قلت يجيئنا الأحاديث عنكم مختلفه : فقال (ع) ما جائك عنا فقس على كتاب الله عز وجل وأحاديثنا فان كان يشبههما فهو منا وان لم يشبههما فليس منا قلت يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين ولا نعلم أيهما الحق قال (ع) فإذا لم تعلم فوسع عليك بأيهما اخذت ( وخبره الآخر ) أيضا عن العبد الصالح (ع) قال إذا جائك الحديثان المختلفان فقسهما على كتاب الله وأحاديثنا فان أشبههما فهو حق وان لم يشبههما فهو باطل.
    ( ومنها ) ما يدل على الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامة ( مثل ما رواه ) القطب الراوندي سعيد بن عبد الله بسنده الصحيح عن الصادق (ع) قال إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فردوه وان لم تجدوهما في كتاب الله فاعرضوهما على اخبار العامة فما وافق اخبارهم فذروه وما خالف اخبارهم فخذوه.
    ( ومنها ) ما يشتمل على الترجيح بهما وبالشهرة والشذوذ ( كمقبولة ) عمر بن حنظلة قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن رجلين من أصحابنا يكون بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة أيحل ذلك قال (ع) من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت وما يحكم له فإنما يأخذه سحتا وان كان حقه ثابتا لأنه أخذه بحكم الطاغوت وانما امر الله سبحانه ان يكفر به قال الله تعالى ويتحاكمون إلى الطاغوت وقد أمروا ان يكفروا به : قلت فكيف يصنعان قال (ع) ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا فليرضوا به حكما فاني قد


(188)
جعلته عليكم حاكما فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما بحكم الله استخف وعلينا قد رد ، والراد علينا الراد على الله وهو على حد الشرك بالله : قلت فان كان كل رجل يختار رجلا من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما فاختلفا فيما حكما وكلاهما اختلفا في حديثكم قال (ع) الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر : قلت فإنهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على الآخر : قال (ع) ينظر إلى ما كان من روايتهم عنا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه بين أصحابك فيؤخذ به من حكمهما ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فان المجمع عليه لا ريب فيه وانما الأمور ثلاثة ، امر بين رشده فيتبع ، وامر بين غيه فيجتنب ، وامر مشكل يرد حكمه إلى الله قال رسول الله صلى الله عليه وآله حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجى من المحرمات ومن اخذ بالشبهات وقع في المحرمات وهلك من حيث لا يعلم : قال قلت فان كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم قال (ع) ينظر ما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة فيؤخذ به ويترك ما خالف الكتاب والسنة ووافق العامة : قلت جعلت فداك أرأيت ان كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة فوجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة والآخر مخالفا بأي الخبرين يؤخذ : قال (ع) ما خالف العامة ففيه الرشاد : فقلت جعلت فداك فان وافقهما الخبران جميعا قال (ع) ينظر إلى ما حكامهم إليه أميل وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر : قلت فان وافق حكامهم الخبرين جميعا قال (ع) إذا كان ذلك فارجه حتى تلقي امامك فان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة ( وهذه ) الرواية وان تضمنت الترجيح بالصفات أيضا كالأعدلية والا وثقية ، الا انها كانت بالنسبة إلى الحكمين في مقام تقديم حكم أحدهما على الاخر ، لا بالنسبة إلى الروايتين ( ولذا ) بعد أن فرض الراوي تساوى الحكمين في الصفات وبين كون الوجه في اختلاف حكمهما هو الاختلاف في مدركهما أحاله الإمام (ع) إلى النظر في مستند حكمهما ، وأول المرجحات في هذا المقام هو الشهرة والشذوذ الذي امر الإمام (ع) بالأخذ بالمشهور وترك الشاذ منهما ( ومنها )


(189)
ما يدل على الترجيح بالمذكورات وبالصفات والاحتياط ( مثل ) ما رواه ابن أبي الجمهور الأحسائي في غوالي اللئالي عن العلامة قده مرفوعا إلى زرارة قال سئلت أبا جعفر (ع) فقلت جعلت فداك يأتي عنكم الخبران والحديثان المتعارضان فبأيهما آخذ : فقال (ع) يا زرارة خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر : فقلت يا سيدي انهما مشهوران مأثوران عنكم : فقال خذ بما يقول أعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك : فقلت انهما معا ، عدلان مرضيان موثقان فقال (ع) انظر ما وافق منهما العامة فأتركه وخذ بما خالف فان الحق في خلافهم : قلت ربما كانا موافقين لهم أو مخالفين فكيف اصنع : قال (ع) إذا فخذ بما فيه الحائط لدينك واترك الآخر : قلت فإنهما معا موافقان للاحتياط أو مخالفان فكيف اصنع : فقال (ع) إذا فتخير أحدهما فتأخذ به ودع الآخر ( فهذه ) طوائف خمس من الأخبار الدالة على الترجيح وأجمعها الطائفة الأخيرة وهي المرفوعة ( وهنا ) طائفة أخرى سادسة تدل على الاخذ بأحدثهما وهي اخبار كثيرة ( ولكن ) نحن ندع تلك الطائفة لاختصاصها بزمان الحضور لشواهد تشهد به مما في نفس تلك الأخبار من نحو قوله (ع) انا والله لا ندخلنكم الا فيما يسعكم ( ولذلك ) لم يمكن بناء الأصحاب أيضا على عد الأحدثية من المرجحات في تعارض الاخبار.
    ( ثم انه ) بعد ما تلونا عليك هذه الأخبار يبقى الكلام في أنه هل يجب الترجيح بجميع هذه المرجحات ، أو لا يجب الترجيح بها ، أو يفصل بينها بوجوب الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامة ، وعدم وجوبه في غيرهما ( فيه ) وجوه وأقوال ( أقواها الأخير ) : اما وجوب الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامة ، فللأخبار الكثيرة الظاهرة في وجوب الترجيح بهما المعمول بها بين الأصحاب ( فان ) من تتبع كلماتهم في الفقه يرى أن ديدنهم عند تعارض الاخبار وتنافيها على الترجيح بهما من الاخذ بالخبر الموافق لظاهر الكتاب والمخالف للعامة ، وطرح ما يخالف الكتاب ويوافق العامة ( وبمثل هذه ) الاخبار يقيد مطلقات اخبار التخيير بغير صورة ذين المرجحين.


(190)
    ( وما قيل ) من أن اخبار التخيير لورودها في مقام البيان والحاجة آبية عن هذا التقييد ، فلا بد من حمل تلك الأخبار على استحباب الترجيح ( مدفوع ) بان مجرد ورود مطلقات التخيير في مقام البيان والحاجة لا يمنع عن تقييدها بها ( مع أن ) حمل تلك الأوامر الدالة على الترجيح بهما على الاستحباب أيضا مما يأبى عنه نفس هذه الأخبار والتعليل الوارد فيها بان الرشد في خلافهم ( ولا ينافي ) ذلك ما في بعض تلك الأخبار من الاقتصار على العرض على الكتاب ، وفي بعضها الأخرى الاقتصار على العرص على الاخبار العامة ( لان ) غاية ذلك هو كونهما مطلقين ، فيقيدان بما في المقبولة وخبر الراوندي المشتملين على الترجيح بهما ( فلا يكون ) ذلك شاهدا على استحباب الترجيح بهما ( كما لا ينافيه ) أيضا ما في بعض الأخبار الواردة في طرح المخالف للكتاب ، من أنه زخرف ، أو باطل ، أو فاضربه على الجدار مما ظاهره نفى أصل صدور الخبر ولو بلا معارض ، لا نفي حجية ( فان ) ظهور هذه الطائفة في ورودها في نفي صدور الخبر المخالف رأسا ولو بلا معارض وتمييز الحجة عن لا حجة ، لا ينافي ظهور غيرها مما اقترن بالمخالف للعامة في كونه في مقام الترجيح عند المعارضة ( وحينئذ ) فيحمل الطائفة الأولى على صورة كون مخالفة الخبر للكتاب على نجو التباين الكلي ، والطائفة الثانية على التباين بنحو العموم من وجه ، كما سنذكره الله تعالى.
    ( واما عدم ) وجوب الترجيح بغيرهما ، فلعدم دليل صالح يقتضى تقييد مطلقات التخيير ( فان المستند ) لذلك لا يكون الا المقبولة والمرفوعة ، وهما غير صالحين لاثبات الترجيح بالصفات وبالشهرة والشذوذ في مقابل اطلاقات التخيير ( اما المقبولة ) فهي وان كانت مقبولة عند الأصحاب ، ولا مجال للخدشة في سندها ( ولكنها ) بصدرها المشتمل على الترجيح بالصفات من الأعدلية وتالييها مختصة بترجيح الحكمين ، نظير روايتي داود بن الحصين والنميري ، ولا ترتبط بمقام ترجيح الروايتين وان كان الحاكمين في الصدر الأول راويين للاخبار أيضا ( لان ) ترجيح أحدهما من حيث الحكومة غير مرتبط بترجيحه من حيث الراوية ( واما ) بذيلها


(191)
المشتمل على الترجيح بالشهرة والشذوذ فهي وان كان ظاهرة في وجوب الترجيح بها ، ولا مجال لتوهم كونها أيضا من مرجحات الحكمين ( ولكن ) الاشكال فيها انما هو لعدم كونها بمثل هذا الترجيح معمولا بها عند الأصحاب في موردها حتى يتعدى منها إلى غير موردها في مقام الفتوى ( إذ ليس ) بناء الأصحاب في مقام ترجيح أحد الحكمين على الرجوع إلى مدركهما ( بل الحاكم ) بعد ما اخذ بالرواية وحكم في الواقعة على وفق رأيه في الشبهات الحكمية كان ذلك متبعا حتى بالنسبة إلى مجتهد آخر لان الحكم لا ينقض بالفتوى ، ومع تعارضه فرضا يرجح حكم أحدهما في مقام فصل الخصومة من حيث صفات الحاكم من الأعدلية والأوثقية والأفقهية ، ومع فرض تساويهما من حيث الصفات ، فغايته هو سقوط الحكمين والرجوع إلى حكم حاكم ثالث في رفع الخصومة ( لا الرجوع ) إلى مدرك الحكمين حتى بالنسبة إلى مجتهد ثالث فضلا عن المتخاصمين ( وذلك ) أيضا فيما لو حكما في الواقعة دفعة ( والا ) فعلى فرض تعاقب الحكمين يكون المتبع هو الأسبق منهما ، لاندفاع الخصومة بحكمه في الواقعة ، ولا ينظر إلى ما حكم به الآخر ( فلا محيص ) حينئذ من الاعراض عن ذيل المقبولة في موردها ( ومعه ) لا يكون دليلا على لزوم الترجيح ليقيد به مطلقات اخبار التخيير ( واما ) توهم اختصاص الاشكال بقاضي المنصوب ( واما ) في قاضي التحكيم فلا مانع من الارجاع إلى مدرك الحكمين ، فيمكن حمل المقبولة عليه ( فمدفوع ) بأنه خلاف ظاهر الرواية ( فان ) قول الراوي قلت : فان كان كل رجل يختار رجلا ظاهر في كونه سؤالا عن فرض الوقايع المتجددة بعد هذه المقبولة ( ومن المعلوم ) انه بعد نصب الإمام (ع) القاضي لا يتصور القاضي التحكيم حتى يصح الامر بالرجوع إلى مدرك الحكم.
    ( واما المرفوعة ) فهي من جهة وهنها سندا غير صالحة لان تكون دليلا على وجوب الترجيح بما ذكر فيها من المرجحات حتى أنه ناقش فيها بعض الأخباريين الذين ليس من دأبهم الخدشة في سند الاخبار ( مضافا ) إلى ما فيها من الاشتمال على الترجيح بموافقة


(192)
الاحتياط التي ليس بناء الأصحاب على الترجيح بها ( ومثله ) موجب لوهن آخر فيها ( وما يظهر ) من الشيخ قده من تصحيحها بدعوى جبر ضعفها بعمل الأصحاب ( فممنوع ) جدا بل بناء الأصحاب على ما يشهد به التتبع في كلماتهم في الفقه انما هو على الاخذ بما يوافق الكتاب ويخالف العامة في مقام الترجيح وطرح ما يقابلهما وان كان راويه أوثق وأعدل من غير اعتناء منهم إلى صفات الراوي ، خصوصا إذا لوحظ الترتيب بين المرجحات حسب ما في المرفوعة وخصوصا مع ندرة الترجيح بها بلحاظ توقفه على احراز هذه الصفات في جميع سلسلة الرواية بالقياس إلى ما يقابله ( فان ) ذلك أقوى شاهد على اعراضهم عن المرفوعة ( مع أنها ) معارضة أيضا مع المقبولة ( فان ) المقبولة مع كونها في مقام بيان المرجحات وتعرضها للترجيح بالصفات بالنسبة إلى الحاكمين في تقديم حكم أحدهما على الآخر ، غير متعرضة للترجيح بالصفات عند الإحالة إلى مدرك الحكمين بل اقتصرت على الترجيح بالشهرة والشذوذ وبموافقة الكتاب ومخالفة العامة ( وحينئذ ) فما عن الشيخ قده من الجمع بينهما بجعل المدار على ما في المرفوعة والتصرف في المقبولة بتقييد اطلاقها بما تضمنته المرفوعة من الترجيح بالصفات ( منظور فيه ) فان ذلك انما يتم لولا اشتمال المقبولة على الترجيح بالصفات بالنسبة إلى الحاكمين ( والا ) فسكوتها عن التعرض للترجيح بها في مدرك الحكمين يكون بمنزلة البيان على عدم اعتبار صفات الراوي في مقام الترجيح ( ولازمه ) معارضتها من هذه الجهة مع المرفوعة ( مع أن ) لازمه هو الالتزام بتقييد الاخبار المقتصرة على الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامة خصوصا على القول بالترتيب بين المرجحات ( وهذا ) مما تأبى عنه تلك الأخبار ( فتلخص ) ان المقدار الذي يمكن استفادته من الأدلة في وجوب الترجيح وتقييد مطلقات التخيير انما هو بالنسبة إلى خصوص موافقة الكتاب ومخالفة العامة ( واما بالنسبة ) إلى غيرهما من المرجحات ، فالمتبع هو مطلقات اخبار التخيير ، لعدم الدليل على الترجيح بها سوى المقبولة والمرفوعة اللتين عرفت عدم صلاحيتهما التقييد مطلقات التخيير ( واما ) الاجماع المدعى في المقام على وجوب الترجيح بالمرجحات


(193)
المزبورة ( فعلى فرض ) تسليمه انما يكون دليلا إذا لم يعلم مدرك المجمعين ، وإلا فمع العلم به كما في المقام من كون مستندهم هو المرفوعة والمقبولة ، فلا يعتني بمثله ( مضافا ) إلى كونه موهونا بذهاب الكثير على الخلاف كما أشرنا إليه ( ويكفيك ) في ذلك ما نص به الكليني قده في ديباجة الكافي بقوله : اعلم يا أخي انه لا يسع أحد تمييز شيء مما اختلفت الرواية عن العلماء (ع) برأيه الا ما أطلقه العالم (ع) بقوله أعرضوهما على كتاب الله عز وجل فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فردوه « وقوله « ع » دعوا ما وافق القوم فان الرشد في خلافهم : وقوله خذوا بالمجمع عليه فان المجمع عليه لا ريب فيه ونحن لا نعرف بذلك إلا أقله ولا نجد شيئا أحوط ولا أوسع من رد علم ذلك كل إلى العالم (ع) قبول ما وسع من الامر فيه بقوله بأيهما أخذتم من باب التسليم وسعكم انتهى.
    ( فان ) هذا البيان منه قده مع كونه في عهد الغيبة الصغرى واختلاطه مع النواب والسفراء شهادة على عدم بناء الأصحاب على الترجيح بالمرجحات المذكورة.
    ( المطلب الثالث ) في أنه بناء على وجوب الترجيح هل يجب الاقتصار على المرجحات المنصوصة أو يتعدى إلى غيرها ( فيه وجهان ) ثانيهما مختار الشيخ قده ، لوجوه ( منها ) الترجيح بالأصدقية في المقبولة والأوثقية في المرفوعة ( بتقريب ) ان مناط الترجيح بهاتين الصفتين إنما هو الأقربية إلى الواقع في نظر الناظر في المتعارضين فيتعدى إلى كل ما يكون موجبا لأقربية أحد الخبرين إلى الواقع ولو لم يكن من صفات الراوي ( ومنها ) التعليل الوارد في الاخذ بما يخالف العامة بقوله (ع) فان الرشد في خلافهم ( ومنها ) التعليل الوارد في الترجيح بالشهرة : بقوله (ع) فان المجمع عليه لا ريب فيه الدال على الاخذ بكل ما ليس فيه الريب بالإضافة إلى الخبر الآخر ( ولكن ) الأوفق بالقواعد هو عدم التعدي ، لعدم صلاحية شيء منها للنهوض علي تقييد مطلقات أدلة التخيير ( اما الأول ) وهو الترجيح بالأصدقية والأوثقية ( ففيه ) بعد الغض عن أن الترجيح بالأوصاف في المقبولة راجع إلى الحكمين لا إلى الروايتين كما اعترف به هو قده ( نقول ) ان الترجيح بالوصفين ليس إلا كالترجيح


(194)
بالأعدلية والأفقهية ( فكما ) انه يحتمل في الترجيح بهما كونه لخصوصية في القرب الحاصل من السبب الخاص في نظر الشارع ، كذلك يحتمل ذلك في الترجيح بالوصفين أيضا ( ومع احتمال ) ذلك لا يستفاد من الترجيح بهما كبرى كلية ليتعدى منه إلى كل ما يوجب أقربية أحد الخبرين بنظر المكلف إلى الصدور أو الواقع ( واما الثاني ) وهو التعليل بالرشد ( ففيه ) بعد الجزم بعدم كون الرشد في المقام رشدا جزميا ، للقطع بان كثيرا من الاحكام الحقة توافق مذهبهم ، ولاقتضائه خروج الفرض من كون الترجيح به من باب ترجيح الحجة على الحجة ( نقول ) انه يدور الامر فيه بين كونه رشدا واقعيا غالبيا ملحوظا في نظر الشارع في مقام الامر بالترجيح به ، نظير غلبة الايصال إلى الواقع التي هي الحكمة في جعل الطرق غير العلمية وفى أصل التعبد بالخبر ، وبين كونه رشدا إضافيا بالقياس إلى الخبر الموافق لهم ، أو رشدا ظنيا أو اطمينانيا بنظر المكلف ( وفى مثله ) لولا دعوى أظهرية الأول ، فلا أقل من احتماله المانع عن ظهوره في أحد الأخيرين ( ومعه ) لا يبقى مجال استفادة المناط من التعليل به حتى يتعدى بحكم التعليل إلى الترجيح بكل ما كان معه امارة الرشد والحق وترك ما فيه مظنة خلاف الحق والبعد عن الصواب ( خصوصا ) بعد العلم بأنه ليس كل ما يخالفهم مظنة الحق ، ولا كل ما يوافقهم مظنة خلاف الحق لمكان القطع بان كثيرا من الاحكام الحقة توافق مذهبهم ( فان ) ذلك يوجب خروج التعليل المزبور عن ضابط منصوص العلة التي امر تطبيقها في الموارد بنظر المكلف ( نعم ) غاية ما يكون ، هو غلبة الباطل في أحكامهم ( ولكن ) مثله لا يصلح للحكم بالترجيح الا بنظر الشارع ، نظير غلبة الايصال إلى الواقع في جعل الطرق غير العلمية ، لا بنظر المكلف الا في فرض احرازه ( وعليه ) فلا يكون التعليل بالرشد الا بيانا لعلة تشريع الحكم ، لا ضابطا كليا للمكلف ، كي ينطبق على منصوص العلة فيتعدى منه إلى عير مورده كما هو ظاهر.
    ( ومن التأمل ) فيما ذكرنا يظهر الحال في التعليل الوارد في قوله (ع) بان المجمع عليه لا ريب فيه ( فإنه ) يأتي فيه جميع ما ذكرناه في التعليل بالرشد حرفا


(195)
بحرف ( فلا بد ) من حمله أيضا على بيان علة تشريع الحكم في نظر الآمر ، لا بيان ضابط كلي ليكون من منصوص العلة ( وعلى فرض ) تسليم كون الريب المنفي فيه هو الريب بنظر المكلف ، ولو بملاحظة تثليث الأمور والاستشهاد في رد المشكل إلى الله تعالى بقول النبي صلى الله عليه وآله ... حلال بين ... الخ فلا شهادة فيه على كون المراد من الريب المنفي فيه هو الريب الإضافي بالقياس إلى معارضه حتى يتعدى إلى كل ما يوجب أقربية أحد الخبرين من الآخر إلى الصدور أو الواقع ( بل الظاهر ) منه هو عدم الريب بقول مطلق من حيث السند بمعنى كون أحد الخبرين في نفسه مع قطع النظر عن ملاحظة اضافته إلى ما يقابله مما يطمئن بصدوره بحيث يصدق عليه عرفا إنه لا ريب في سنده ( فان ) ذلك هو الذي يقتضيه مورد التعليل بالشهرة ( لوضوح ) ان كون الخبر مشهورا عند الأصحاب لا سيما بين أرباب الأصول في الطبقة الأولى وأرباب الكتب المدونة لروايات الأصول مما يوجب الاطمينان غالبا بسنده بحيث يصح أن يقال عرفا انه مما لا ريب فيه ( بخلاف ) الخبر الذي لم يدون في كتب الأصحاب ولا كان معروفا بين أرباب الأصول من الرواة ( فإنه ) مما لا يطمئن بصدوره ( ومن المعلوم ) ان غاية ما يقتضيه التعليل المزبور حينئذ بناء على التعدي إنما هو التعدي إلى كل ما يوجب الاطمينان بسند أحد المتعارضين في نفسه لا إلى كل ما يوجب أقر بيته بالإضافة إلى معارضه كما هو مرام القائل بالتعدي ( لان ) مثله خارج عن مقتضى التعليل المزبور كما هو ظاهر ( ومع الاغماض ) عن ذلك نقول أنه بعد اختلاف المزايا المنصوصة في مناط الأقربية من حيث سند الرواية ومن حيث نفس الخبر ومن حيث مضمونه وجهة صدوره ، كان اللازم على القول بالتعدي هو التعدي من كل مزية إلى ما هو الأقرب من سنخه ، فيتعدى من التعليل بالمجمع عليه إلى الأقربية بحسب الصدور ومن التعليل بالرشد إلى الأقربية بحسب الجهة وهكذا ( لا التعدي ) بقول مطلق إلى كل ما يوجب كون أحد الخبرين أقرب إلى الواقع أو الصدور ، كما هو مرام القائل بالتعدي ( نعم ذلك انما يتم بناء على المختار من إرجاع جميع هذه المرجحات إلى مرجح واحد صدوري ولازمه أيضا هو سقوط
نهاية الافكار القسم الثاني من الجزء الرابع ::: فهرس