قواعد الحديث ::: 1 ـ 15

قواعد الحديث
بقلم
محي الدين الموسوي الغريفي


(5)
بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد على نعمه والصلاة على خاتم أنبيائه
محمد وآله الطاهرين


(6)
كلمة
حول الكتاب
    تفّظل بها إستاذنا المحقّق عَلَم الفقه والاصول واستاذ الحديث والتفسير آية الله العظمى السيد ابو القاسم الخوئي ـ دام ظله ـ نشرتها مشفوعة بشكر جزيل سائلاً من الله جل شأنه أن يمد في عمره الشريف ليرتوي رجال العلم من منهله العذب إنه سميع الدعاء.


(7)


(8)

(9)
    بحوث هذا الكتاب عرض ودراسة لأصول العمل بالحديث الحاكي للسنّة (1) ، أحد مصادر التشريع الإسلامي الأربعة.
    واحتياج الفقيه الى السنة في استنباط الحكم يفوق احتياجه الى مصادر التشريع الأخرى ، الكتاب ، والاجماع ، والعقل.
    فان آيات التشريع في الكتاب العزيز معدودة واشتهر انها نحو من خمسمائة آية مع المتكرر منها ، وإلا فهي لا تبلغ ذلك (2). أكثرها مطلقات قيّدت بالسنة. وبعضها مجملات فسّرت بها. فالعمل بجميع تلك الآيات الكريمة ـ مع قلتّها بلحاظ كثرة الاحكام ـ لا يكون إلا بتوسط السنة.
    والاجماع التعبدي التام إنما ثبت في موارد قليلة ، لاستناد المجمعين غالباً الى دليل آخر ، فاجماعهم مدركي لا حجية له.
    والعقل قاصر عن ادراك ملاكات الاحكام وعللها التامة ، إلا في موارد نادرة لا محيص له من الحكم بها ، كحسن العدل ، وقبح الظلم.
    فلم يبق لدينا إلا السنة التي ضاقت بها أصول الحديث ومجاميعه ، فانها وافية بما يحتاج اليه الفقيه في فتياه ، وان كثرت في العبادات ، وقلّت في المعاملات. فيكون البحث عن الحديث وقواعده من اهم الأبحاث عن مصدر التشريع وأصوله.
    ولذا اهتم الفقهاء قديماً بشأن الحديث ، واجهدوا انفسهم فيه حفظاً وتدويناً ، وتفسيراً ، ويشهد بذلك ما وصل الينا منهم من كتب وآثار. جروا على نهج السلف الصالح من أصحاب النبي (ص) ، والأئمة من أهل بيته (ع) ، فان اهتمامهم بالحديث غني عن البيان.
    والحديث قد يتواتر سنداً بحيث يحصل العلم بصدوره عن المعصوم (ع)
1 ـ وهي قول المعصوم (ع) أو فعله أوتقريره.
2 ـ كنز العرفان ، ص 14.


(10)
فيجب العمل به لذلك ، لان العلم حجة ذاتية بدون توسط تعبّد شرعي ، وإن اختلف في أن العلم الحاصل بالتواتر ضروري او نظري.
    وعرّف المتواتر : بأنه الذي « بلغت رواته في الكثرة مبلغاً أحالت العادة تواطؤهم على الكذب ، واستمر ذلك الوصف في جميع الطبقات حيث تتعدد ، فيكون أوله كآخره ، ووسطه كطرفيه » (1).
    ويلحق به الحديث المحفوف بالقرائن الموجبة للقطع بصدوره عن المعصوم (ع) وان لم يتواتر ، فيجب العمل به لذلك ايضاً. وسيأتي البحث عنه مفصّلا.
    أما الحديث الغير المتواتر ، والمحفوف بتلك القرائن ـ وهو المسمّى بخبر الواحد ـ ، فقد اختلف قدامى الفقهاء في حجيته ، فاختار جماعة عدمها ، كالسيد المرتضى ، وابن ادريس ، بل نسب الى الاكثر ، وإن اختلفوا في إمكان التعبّد به وعدمه (2) ، حيث أغناهم عنه الاخبار المحفوفة بقرائن أفادتهم وثوقاً بصدورها عن المعصوم (ع).
    واختار آخرون حجيته ، كالشيخ الطوسي ، صرح بها في موارد من كتاب ( العدة ) مستدلاً بقوله : « ومما يدل ايضاً على صحة ما ذهبنا اليه انا وجدنا الطائفة ميّزت الرجال ... فلولا أن العمل بما يسلم من الطعن ، ويرويه من هو موثوق به جائز ، لما كان بينه وبين غيره فرق الخ » (3) ، ولكل من الفريقين أدلة بسطت في كتب الدراية والأصول.
    أما المتأخرون من الفقهاء فقد اجمعوا على حجيته ، وأقاموا الادلة عليها.
1 ـ الدراية للشهيد الثاني ، ص 12.
2 ـ انظر مقدمة كتاب السرائر ، والدراية للشهيد الثاني ص 27 ، ومعالم الاصول ص 184.
3 ـ عدة الاصول ص 58.


(11)
    وعلى هذا الخلاف يبتني القول : بانسداد باب العلم في الاحكام وعدمه. فبناء على عدم حجية خبر الواحد ينسد باب العلم ، لندرة الخبر المتواتر لدينا ، وعدم حصول القطع بصدور جميع اخبارنا عن المعصوم (ع) وعدم وفاء مصادر التشريع الاخرى ببيان جميع الاحكام ، ولازمه التنزّل الى العمل بالظن المبحوث عنه في فصل ( دليل الانسداد ) من الاصول.
    وكذا الحكم بناء على اختصاص حجية ظاهر الخبر بالمشافهين ، لانهم الذين قصدوا بالإفهام ، كما يراه المحقق أبو القاسم القمي (1).
    أما بناء على حجيته في نفسه ، وحجية ظاهره لغير المشافهين به ينفتح باب العلم ، لوفاء الاحاديث مع باقي المصادر ببيان جميع الاحكام ، فيكون الفقيه عالماً بها تعبّداً ، وبحكم الشرع ، وهو كالعلم الوجداني يمنع معه العمل بالظن ، فانه « لا يغني من الحق شيئاً » (2). وللعمل بخبر الواحد قواعد وأصول يرتكز عليها استنباط أحكام الشرع منه. ولأجله وضعت هذا الكتاب. وعرضت فيه البحث على ضوء الادلة والبراهين مراعياً أسس القدماء ، ومراحل أطوارها ، فان أصبت الواقع فهو ، وإلا فالعصمة لأهلها. وأثبتّ النصوص فيه بألفاظها عند الحاجة ، وأشرت الى مصادرها في الهامش موجزاً ، حيث ذكرتها في آخر الكتاب مفصّلاً. سائلاً من الله جل شأنه أن يتقبله ، ويوفقني لما يرضيه إنه ولي التوفيق.
النجف الأشرف محيي الدين الموسوي الغريفي

1 ـ قوانين الاصول ص 403 ـ 440.
2 ـ النجم / 28.


(12)
    يشتمل هذا الكتاب على ثمانية بحوث.
    1 ـ تنويع الحديث.
    2 ـ أحاديث أصحاب الاجماع.
    3 ـ حياة البطائني علي بن أبي حمزة.
    4 ـ الحديث وشهرة الفتوى.
    5 ـ الأصول الرجالية ورجال ابن الغضائري.
    6 ـ الأحاديث المضمرة.
    7 ـ الأحاديث الموقوفة.
    8 ـ الأحاديث المعلّلة.
    وهناك فوائد وقواعد أخرى للحديث بحثنا عنها ضمن هذه البحوث.


(13)


(14)

(15)
    اشتهر تنويع الحديث وتقسيمه الى الصحيح والحسن والموثّق والضعيف وهذه الأنواع الأربعة تسمى بأصول علم الحديث ، وهناك فروع لها ، واعتبارات لمعان شتى تبلغ ستة وعشرين نوعاً. بعضها يختص بالضعيف ، وهي ثمانية كالمرسل. والباقي يشمل غيره ، وهي ثمانية عشر كالمسند. فبالاضافة الى الأصول تبلغ أنواع الحديث ثلاثين نوعاً. قال الشهيد الثاني ـ عند عده لهذه الانواع ـ : « وذلك على وجه الحصر الجعلي او الاستقرائي لامكان إبداء أقسام أخر » (1).
    ويختص بحثنا بأصول التنويع الأربعة ، إذ الباقي فرع عنها فنقول.

    قدم التنويع وحدوثه :
    يرعى جماعة من فقهائنا : أن تنويع الحديث اصطلاح حادث لم يك معروفاً لدى قدماء فقهاء الإمامية ، وعلماء الحديث منهم ، فان الخبر لديهم إما صحيح ، وهو الذي احتف بقرائن تفيد القطع ، او الوثوق بصدوره عن المعصوم (ع) ، وإما ضعيف ، وهو الذي لم يحتف بتلك القرائن ، قال الشيخ حسن بن الشهيد الثاني : « فان القدماء لا علم لهم بهذا الاصطلاح قطعاً ، لاستغنائهم عنه في الغالب بكثرة القرائن الدالة على صدق الخبر ... واذا اطلقت الصحة في كلام من تقدم فمرادهم منها الثبوت او الصدق ».
    وقال : « وتوسعوا في طرق الروايات ، وأوردوا في كتبهم ما اقتضى رأيهم إيراده من غير التفات الى التفرقة بين صحيح الطريق وضعيفه ... اعتماداً منهم في الغالب على القرائن المقتضية لقبول ما دخل الضعف طريقه
1 ـ الدراية للشهيد الثاني ص 29.
قواعد الحديث ::: فهرس